طابور العيش.. والقفص الجريد

[Alshiekh]

طابور العيش.. والقفص الجريد

هل يفلح شهر رمضان في إدخال الرحمة للقلوب القاسية لبعض أصحاب المخابز البلدية ومفتشي التموين، فيكفوا عن بيع أجولة الدقيق المدعم، حتي يحصل المواطن المسكين علي حقه في رغيف عيش نظيف يؤكل كله دونما طوابير تسحق كرامته.

لقد مللت هذا الطابور اللعين من أجل لقمة عيش، نعم فقد صار الرغيف 'لقمة'.. لا يستسيغها الفم، من كثرة ما فيه من عيوب ظاهرة يغض الطرف عنها مفتشو التموين.

ومللت أيضا زعيق زوجتي كل صباح كي أحمل 'القفص الجريد' محذرة إياي أن أعود خالي الوفاض أو ممزق الثياب أو مفتعلا مشاجرة مع 'معلم الفرن' الذي يبيع الدقيق علنا وأمام أعيننا بلا حياء أو خوف.

حملت قفصي الجريد وكأنني أمتطي صهوة جواد 'أدهم' وأحمل 'سيف عنترة' لأخوض غمار حرب شعواء أعود بعدها 'لليلاي' بأرغفة 'النعمان بن المنذر'.

علي أرض المعركة استوت الصفوف ولا أدري منذ متي جاء هذا الجيش العرمرم من النساء والرجال والصبية وكلهم يمسك بقفصه الجريد ثم يقذف به داخل طاقة الفرن ليعود إليه بعد حين محملا بأرغفة العيش زاحفا فوق رؤوسنا فلا نستطيع معه إلا الانحناء له احتراما وحسدا.

وسط هذا الجو الملبد بأقفصة الجريد وتراشق الألفاظ تخرج أجولة الدقيق يحملها عمال المخبز تحت السمع والبصر وأمام عيوننا المقهورة، الملبدة بغبار الدقيق.

'ألا من فجر لهذا الليل المظلم'.. قلتها بصوت عال غاضب في وجه 'المعلم' و'المفتش' وأخذت أهذي بها وأنا احطم أعواد القفص الجريد وأطيح بها من حولي حتي أصابتني إغماءة لم أدر بعدها إلا وصوت زوجتي يطن في أذني 'فين العيش يا فالح'!!

إن الدعم لا يذهب لمستحقيه بل لبطون لا تشبع وقلوب لا تقنع وعقول أفسدتها الدنيا.

لذلك أقترح رفع الدعم عن هذا الرغيف العجيب حتي تنتهي هذه المهزلة التي راح ضحيتها المواطنون المساكين ولنبحث معا عن طريقة أخري أكثر كرامة لتوصيل الدعم لأهله ومستحقيه.

وارددها نصيحة مخلصة 'للمعلم والمفتش' مقولة المعصوم صلي الله عليه وآله وسلم 'من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه'.

محمود فراج

جريدة الاخبار