اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

العلمانية, و الدستور


الأفوكاتو

Recommended Posts

الأخوة الأعزاء,

كتبت هذا المقال منذ ثلاث سنوات , و أعيد نشره اليوم لصلته بالمواضيع المفتوحة حاليا فى باب" سياسة مصرية"

و الموضوع تحليلى, و لا يبقصد به مناقشة الدين, لذا, فالتأنى فى القراءة سيتيح فرصة للتعرف على أمور قانونية لها صلة بالتشريع مهما كانت مصادره,

و أليكم المقال:

العلمانية, و الدستور:

قبل أن أتناول الموضوع الأصلى, أعتقد أنه من الواجب إيضاح معتى كلمة "علمانى", و المغزى الذى ستُستعمل فيه هذه الكلمة.

تطورت معظم القوانين الوضعية, من رسالات سماوية, فالديانة اليهودية كانت قد لُخصت فى الوصايا العشر التى انزلت على سيدنا موسى, كما أن معظم القوانين الغربية,خاصة الأنجلوساكسونية,كانت قد تضمنت قدر كبير من النصوص الدينية, و كانت للكنيسة سلطة قضائية فى أمور الأحوال الشخصية, كما كان لها سلطة جنائية و مدنية فيما يتعلق بالكهنوت و تأديب رجال الدين, و إدارة ممتلكات الكنيسة.

و تدريجيا, ابتدأت سلطة الدين , ممثلا فى الكنيسة أو المعبد, فى التقلص, ولا يعنى ذلك أن المضمون الدينى قد انمحى, و لكن تم نقل كثير من المضمون, ليصبح جزءا من القانون, سواء كان قانونا عرفيا

( غير مكتوب ) أو قانونا وضعيا.

فى هذه المرحلة التى تم فيها إحلال النص القانونى بدلا من النص الإلهى, كمصدر للقاعدة, قيل أن القانون أصبح مصدره " دنيويا"

( Secular) و ليس " سماويا" (Spiritual )

إذن, فكلمة " دنيوى" , أى" الذى يعنى بأمور الدنيا", تعنى أيضا كلمة " علمانى" أى “ أى " شيئ ليس متضمن فى الطقوس الدينية".

من هنا, كان التفريق ما بين ما هو" دنيوى", و ما هو" سماوى", أو " عقائدى"

للأسف الشديد, و جدت كثيرا من الزملاء يُشيرون الى " الشخص العلمانى" بأنه " شخص ملحد" او ما يشابه ذلك,

و لهذا أردت أن أوضح هنا, أنه عندما نتكلم عن القانون, و الدستور, فإن وصف العلمانية "بالإلحاد" هو تجنى لا يفيد النقاش.

عندما سألنى فى الماضى بعض الزملاء عن علاقة الدستور بالشريعة, شرحت كيف تطورت الإشارة الى الشريعة الإسلامية, منذ دستور 1923, الى الدستور الحالى, الصادر فى عام 1971و و الذى تم تعديله بعد مصرع السادات, الأمر الذى أدى الى إضافة كل من قانون الطوارئ, و قانون إنشاء مجلس الشورى.

فى دستور ,23, كانت مصادر القانون هى:

1- التشريع( القوانين الصادرة من البرلمان, و القوانين الفرعية الأخرى)

2- الفقه القضائى

3- الأحكام القضائية

4- الشريعة الإسلامية

5- قواعد القانون الطبيعى و العدالة .

و لكن دستور 23 نص أيضا على أنه فى حالة خلو قانون الأحوال الشخصية( و كان حينئذ فرعا من فروع القانون المدنى), الذى أستُمدت أغلب مواده من الشريعة الإسلامية, من نص يمكن تطبيقه على حالة معينة, فإن أحكام الشريعة الإسلامية يجب تطبيقها فى هذه الحالة,

و تطبيقا لذلك, و رد فى القانون المدنى أنه:

" يسرى فى شأن الغائب و المفقود الأحكام المحددة فى قوانين خاصة, فإن لم يوجد, فأحكام الشريعة الإسلامية"

و بعد صدور دستور 71, نُص فى المادة الثانية على أن "الشريعة الإسلامية هى مصدر أساسى من مصادر التشريع( القانون الوضعى).

ثم بعد التعديل الأخير , نص الدستور فى المادة الثانية على أن الشريعة الإسلامية هى " المصدر الرئيسى للتشريع."

بعد أن شرحت ذلك لبعض القراء, سألنى البعض, و لماذا لا تكون الشريعة الإسلامية هى الدستور؟

و كان ردى : أن هذا ليس ممكنا من الناحية العملية, فلكى يمتثل الناس لأحكام القانون, يجب أن يكون هذا القانون محددا, معروفا, و مفهوما تماما للحاكم و للرعية, فإذا أردنا تطبيق حكم الله الموجود فى القرآن الكريم, و السنة النبوية, فيجب أن يفهمها و يستوعبها جميع الأطراف.

و حتى إذا كان ذلك فى الإمكان, فمن هو الشخص أو الأشخاص الذين سيتولون تطبيق القانون, و تنفيذ العقوبة الجنائية( الحدود) إذا وجبت؟ و من هى الجهة التى ستطبق الأحكام المدنية, أى المعاملات؟ و ما هى سلطات التنفيذ, و ماهى مؤهلات من سيقوم بهذه الواجبات؟ وما هى الضمانات التى ستحقق العدل بين الناس؟

ألن يحتاج كل ذلك الى قوانين وضعية؟ و من هى الجهة التى ستقوم بتشريع هذه القوانين؟

و أليست القوانين الوضعية هى ما يعترض عليه أصلا بعض من يريدون أن تكون الشريعة هى الدستور؟

لذلك شرحت أن الآليات القانونية تستلزم وجود أنظمة وضعية, لا بد من وجودها, لتطبيق أى قانون, حتى لو كان سماويا.

و متى قامت سلطة غير سماوية بصياغة القانون, حتى و لو كانت جميع مواده مستمدة من الشريعة الإسلامية, فهذا القانون أصبح قانونا وضعيا,

و هذا ما يرفضه البعض, بل أنهم وصفوا مؤيدى نظرية أحتواء مبادئ الشريعة فى قوانين وضعية, أنهم "علمانيون" أو " دنيويون".

و لما كنا نعلم أن أمورا كثيرة فى الحياة كما هى الآن, لم ترد صراحة فى القرآن أو السنة, فإن تفسيرها بالقياس يجب أن يتم بمعرفة عالم أو فقيه فى الشريعة أو أصول الدين .

و لكن متى تم ذلك, فإن هذا التفسير قد يُعتبر إضافة الى الشريعة, مما قد يغير ( فى رأى البعض ) ما أراد الله قوله, فهل يعتبر هذا التفسير قانونا وضعيا من غير صنع الله؟ أم يجب إقتصار النص القانونى على المبادى الصريحة التى لا شك فى صحتها؟

لهذا, فإن القول بأن من ينادى بالديمقراطية المبنية على قواعد العدالة و الأخلاق التى وردت فى الشريعة الإسلامية و السنه النبوية, بما يتفق مع ظروف الرعية, هو "علمانى", فهذا لا بأس به, أما القول بأنه ملحد, فهذا تجنى و تكفير.

و أود أن أختم كلمتى هنا بأنى , من الناحية القانونية البحتة, لا أمانع بأن يصفنى البعض بأنى "علمانى," أو "دنيوى" , فأنا أعيش فى الدنيا كما خلقها الله, و قد خلقنا الله لنعيش دنيانا, بدون نسيان ربنا و ديننا.

و السلام عليكم و رحمة الله.

تم تعديل بواسطة الأفوكاتو

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
  • الموضوعات المشابهه

    • 0
      سبق أن كتبتُ رأيى فى هذه المادة فى هذه الجريدة عبر مجموعة من المقالات تحت عنوان: ذكريات الدستور، وكان ذلك فى 21/6/2020 على وجه التحديد. وفيها علَّقت بأن هذه المادة ناتجة عن مداولات لجنة الدستور الإخوانى برئاسة المستشار حسام الغريانى الذى صاغ دستورًا يتناسب مع مطامح جماعة الإخوان التى سعت ولا تزال إلى تأسيس دولة دينية.   والغريب أن المادة الخاصة بالأزهر قد انتقلت من بقايا دستور الإخوان إلى الدستور الذى صاغته لجنة عمرو موسي. وكنتُ أتصور أن لجنة عمرو موسى سوف تتراجع عن هذه المادة، وس
    • 1
      سبق أن كتبتُ رأيى فى هذه المادة فى هذه الجريدة عبر مجموعة من المقالات تحت عنوان: ذكريات الدستور، وكان ذلك فى 21/6/2020 على وجه التحديد. وفيها علَّقت بأن هذه المادة ناتجة عن مداولات لجنة الدستور الإخوانى برئاسة المستشار حسام الغريانى الذى صاغ دستورًا يتناسب مع مطامح جماعة الإخوان التى سعت ولا تزال إلى تأسيس دولة دينية.   والغريب أن المادة الخاصة بالأزهر قد انتقلت من بقايا دستور الإخوان إلى الدستور الذى صاغته لجنة عمرو موسي. وكنتُ أتصور أن لجنة عمرو موسى سوف تتراجع عن هذه المادة، وس
    • 95
      أول ما ظهرت فكرة المبادئ فوق الدستورية كان فى فكر الدكتور البرادعى كونها مواد مستمدة من الكرامة الإنسانية و لا يختلف عليها إثنان ووضع ذلك فى وثيقة و ظهرت بعدها عدد من الوثائق منها وثيقة الأزهر ووثيقة الوفاق الوطنى. ما سبق كان إستهلالا لابد منه وجدت مقالا أو تحليلا إخباريا فى جريدة الشروق بخصوص هذا الموضوع أردت أن يكون محورا للحوار الرابط هو http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=504212
    • 29
      كلمة "العلمانية" هي ترجمة لكلمة "سيكولاريزم Secularism" الإنجليزية، وهي مشتقة من كلمة لاتينية "سيكولوم Saeculum"، وتعني العالم أو الدنيا و توضع في مقابل الكنيسة، وقد استخدم مصطلح "سيكولارSecular " لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا(عام 1648م)-الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوربا- وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيرًا إلى "علمنة" ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي لسلطة الدولة المدنية. وقد اتسع المجال الدلالي للكلمة على يد جون هوليوك (1817-1906م) ا
    • 3
      رئيس الدولة فى الدستور 23.09.2002 11 مادة تتعلق بمنصب ووظيفة " رئيس الجمهورية " ... هم مجموع المواد من الدستور المصري في ذلك الوقت، والتي إختارها العزيز Hassan في ذلك الوقت، ليطرح علينا تساؤل واحد عنها: هناك من ضمن الردود رسالة مؤثرة من العزيز الراحل " اخناتون " موجهة الى الرئيس السابق " محمد حسني مبارك " ... فماذا كان فحواها يا تُرى؟ أترككم تستمتعون بها، ومع باقي الردود والتعليقات مثلما إستمتعت أنا أيضاً بهم. -----------------------------------------------------------  نصوص الدستور المصرى 13.
×
×
  • أضف...