KANE بتاريخ: 23 نوفمبر 2005 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 23 نوفمبر 2005 المستشار طارق البشري يكتب عن أحداث الإسكندرية: مسلك الكنيسة يكرس الانعزال القبطي عن المجتمع لماذا ينتقد ويهاجم رئيس الجمهورية والوزراء وشيخ الأزهر ولا ينتقد البابا شنودة؟! الغاضبون تحركوا تلقائيا ليس ضد الكنيسة وإنما دفاعا عن المقدسات (1) في ربيع سنة 2004 كان الدكتور محمد عمارة ينشر سلسلة مقالات أسبوعية في صحيفة الأخبار عن 'الديانات السماوية والحروب الدينية'. وكان ذلك تعقيبا منه علي ما تثيره السياسات الأمريكية عن صراع الحضارات بين الغرب والإسلام، وما تنفذه من عدوان علي بلادنا وما تطلقه تصريحات الساسة هناك مما يذكر بالحروب الصليبية. فالسياق كله كان يتعلق بسياسات الغرب الأمريكي وعدوانه العسكري علي بلادنا، والذي تصاحبه حملات الهجوم الثقافي والتشويه المعنوي الموجه إلينا وإلي الإسلام. وفي الحلقة العاشرة من هذه المقالات، التي نشرت في 21 مايو 2004 استدعي سياق العرض التاريخي لدي الدكتور عمارة أن يستشهد بنص لمؤرخ ومستشرق غربي جاد تحظي مؤلفاته بالاهتمام والتقدير، وبالجدل الموضوعي الطيب، وهو مونتجمري وات، صاحب كتابي 'محمد بمكة' و'محمد بالمدينة' وغيرهما. اقتطف الدكتور محمد عمارة من مونتجمري وات من كتابه 'الإسلام والمسيحية في العالم المعاصر'، الذي كانت قد ترجمته ونشرته مكتبة الأسرة في الهيئة العامة للكتاب التابعة لوزارة الثقافة المصرية، اقتطف نصا طويلا ووضعه بين قوسين، والمقتطف يتكلم عما تقوله اليهودية والمسيحية من أن القرآن الكريم مسبوق بأفكارهما، وما يشير إليه القرآن من تغيير وقع في اليهودية والمسيحية. لما نشر هذا المقال، حدث رد فعل، وأïعد بيان وقعه عدد من الكتاب المسلمين والمسيحيين، تضمن الاعتراض علي إثارة الخلافات العقدية في وسائل الإعلام توقيا للفتن، وأبلغ الدكتور عمارة بذلك فنشر في مقاله الأسبوعي التالي هذا البيان وذكر أنه يوقع عليه بين من وقعوا. فكفل فعله هذا للبيان انتشارا أوسع وذيوعا أشمل، لأن حديثه كان في جوهره موجها للسياسات الغربية، قديمها وحديثها، وليس للمسيحيين الشرقيين الذين نعرف ويعرف هو تاريخ صراعهم القديم مع المسيحية الغربية وسياساتها التوسعية. ومع ذلك تقدم البعض بشكوي للنائب العام ضد الدكتور محمد عمارة طالبين التحقيق معه بزعم أن حديثه يمثل اعتداء علي عقائدهم، واستدعت النيابة العامة الدكتور عمارة لسؤاله ثم حفظت الشكوي إداريا في 2 سبتمبر 2004، فلم يكتف هؤلاء بذلك، وإنما أقاموا جنحة مباشرة ضده طالبين الحكم بحبسه، وهي الجنحة رقم 10884 لسنة 2004 جنح بولاق، ولاتزال الدعوي متداولة. ومن ذلك يظهر أن كاتبا جليلا وعالما من علمائنا الأفذاذ، يكتب بكل الجدية والوقار في موضوع يتعلق بعلاقة الإسلام والغرب، وينقل عن مستشرق مسيحي مشهود له بالموضوعية والتوازن وأنه ممن لا يكون الجدال معهم إلا بالتي هي أحسن، ويكون الأمر عن عبارة لهذا المستشرق نقلها عنه الكاتب وهي تعرض في عبارات بالغة الهدوء لقول المسيحية واليهودية إن القرآن مسبوق، ولقول القرآن إن الديانات السابقة لحقها التغيير. وهي عبارات لم يجر بشأنها في المقال ذاته ولا فيما سبقه ولا فيما تلاه أي إثارة، إن يكن هذا هكذا فلا يكفي ويبقي طلب الإدانة والحبس قائما. أذكر ذلك كله لأنني أريد أن أقارن بين هذا الأمر وبين ما كان من أمور بسبب عرض المسرحية التي مثلت في كنيسة محرم بك بالإسكندرية وسجلت علي أسطوانات الحاسب الالكتروني. وقدر لي أن أشاهدها من هذه الأسطوانات، فلست ناقلا عن غيري في هذا الأمر، والمسرحية مع ركاكتها وجهل معديها ومنفذيها فضلا عن مؤلفيها، جهلهم بالإسلام والمسرح وبالتخيل وبكل شيء، مليئة بالكراهية، كراهية الموضوع الذي ندبت نفسها للحديث عنه، وأنا أعجب من هؤلاء الذين كتبوها وأعدوها وأتاحوا لها الظهور، كيف يكون لديهم كل هذا القدر من الجهل عن مواطنين يحيون معهم؟ وكيف يكون لديهم كل هذه الكراهية لمواطنين معهم يشكلون 94 % من سكان هذا البلد، حسب احصاءات التعدادات الرسمية التي لا تشك في صحتها المراجع العلمية وطنية كانت أو أجنبية؟ وأنا أتوجه بسؤالي هذا لجمهور المواطنين المصريين من الأقباط الذين عايشناهم ونعايشهم من الميلاد إلي الممات، وأنا واثق بسبب هذه المعايشة من أن سؤالي يتجه إلي مواطنين محبين وذوي عدالة نعايشهم في أعمالنا ومهننا ونتشارك معهم في تعاملاتنا الاجتماعية: هل هؤلاء منكم؟ وهل من أعد كتاب الكراهية العجيب المسمي 'وطنية الكنيسة القبطية' للمؤلف المسمي الراهب انطونيوس الأنطوني، هل هم منكم أيضا؟ هذا العرض المسرحي مليء بالسخرية مما يعتبره المسلمون مقدسات بل هي من رأس مقدساتهم ، ومما لا أريد أن أخوض فيه أو أذكره، هذا العرض لو كان حدث من مسلمين مثله عن عقيدة أخري، ماذا كان يكون عليه رد فعلهم، وهم يطالبون بحبس الدكتور محمد عمارة لأنه نقل عن مونتجمري وات نصا هادئا يعكس خلافا في الإطار العلمي والتاريخي سواء فيما ذكر عن الإسلام أو فيما ذكر عن اليهودية والمسيحية؟ إلي المواطنين الأقباط ممن عايشنا ونعايش أوجه سؤالي. (2) منذ سنوات قليلة حدث ما عïرف بحادثة 'وليمة لأعشاب البحر' وهي قصة كتبها أديب سوري معروف وهو حيدر حيدر. وطبعت ونشرت بالخارج، ثم طبعت إحدي طبعاتها في مصر عن وزارة الثقافة. والقصة كانت تتضمن حسبما يذكر القارئ حوارات يراها المسلمون ماسة بدينهم ومعتقداتهم ومقدساتهم وبدأ تداول القصة وبدأ الهياج مما حوت مما لا يحتمله ذو دين علي مقدساته وثارت صحيفة (الشعب) التي تصدر عن حزب العمل، وهاجت الصحيفة وأهاجت. واشتعلت المظاهرات، وعرفت تظاهرات طلبة الأزهر وشديد احتجاجهم، وظهرت حركات احتجاج شعبي تنذر بالتصعيد، وخشيت الحكومة وقوي الأمن أن يفلت الأمر من أيديها، وأïعمل الضرب في المتظاهرين وسقط كثيرون بعاهات مستديمة فيما روت الصحف وقتها. واتخذت الحكومة قرارها السياسي الحاسم، وهو التوسل بكل الوسائل القانونية وغير القانونية لاغلاق صحيفة الشعب، وما لبثت أن أغلقت، ولحل وتصفية حزب العمل وما لبث أن حل الحزب وفقدت مصر ركنا من أركان المعارضة السياسية الوطنية، صحيفة وحزبا، وقïدم قادة الحزب والقائمون علي الصحيفة للمحاكمة وحوكموا وحكم علي بعضهم بالحبس، وما لبث أن توقف قلب هو من أنبل من أحبوا بلدهم وبذلوا حياتهم من أجلها، توقف قلبه النابض وعقله النابه ومات بالسكتة أو بانفجار شريان أو ما شابه، وهو الأخ العزيز النبيل الوطني الغيور عادل حسين رحمه الله، أمين الحزب ورئيس تحرير الصحيفة السابق . أذكر هذه القصة هنا لأوضح أمرا مهما جدا، وهو أن هؤلاء الذين تحركوا تلقائيا غضبا مما ورد بالمسرحية إنما تحركوا دفعا عن مقدساتهم، بصرف النظر عمن هو المعتدي، وبصرف النظر عن عقيدة المعتدي. وأن رد الفعل الشعبي الإسلامي ضد نشر قصة 'الوليمة' لم يكن يقل عن رد فعل مسرحية كنيسة مار جرجس. وهذا يعني أن قومة من قام ضد مساوئ المسرحية في حق المسلمين، لم تكن دوافع احتجاجه تتعلق بالاختلاف الديني مع من أعدوا المسرحية، ولم يكن الأمر أمر مسلم يواجه قبطيا بقدر ما كان أمر من استشعر مهانة يواجه اعتداء وقع عليه. ولمن لم يستشعر مشاعر المسلمين تجاه مقدساتهم سواء كان من المسلمين أو من المسيحيين، ينبغي توضيح المسألة لأن هذا الشعور هو عنصر لا ينفك عن الموقف كله. إن المسلم المؤمن يضع رأسه علي الأرض كل يوم أربعا وثلاثين مرة علي الأقل، يفعل ذلك في سجود صلاته وهو يقول 'سبحان ربي الأعلي' ولأن هذا السجود ووضع الرأس علي الأرض هو لله سبحانه وحده، فهو يفعل ذلك عزة وشموخا وليس ضعة وذلا، لذلك فلن يقبل أبدا أية سخرية أو أي شîيٍن يوجه إلي أي من هذه المعاني التي يضع رأسه علي الأرض اجلالا لها وتعظيما وأن من يوجه أي سوء إلي مقدساته يكن كمن داس علي رأسه. ونحن في علوم القانون وتطبيقاته نعرف أنه لا يوجد فعل بغير دوافع، وأن الفعل الواحد يتحدد وصفه وتقديره بحسب نوع الدوافع التي دفعت إليه، والفعل الخطأ غير الفعل العمد، والفعل العمد الفوري غير الفعل الذي يصدر عن تصميم وتدبير سابق، والفعل الصادر عن إرادة حرة غير الفعل الصادر عن ضغوط وإكراه، والفعل المبتدأ غير رد الفعل، والفعل المهاجم غير الفعل المدافع. وعلينا أن نزن الأفعال بالدوافع والأهداف وندرك معانيها في سياق تتابعها. ونحن نعرف أن من يسب أبوه أو أمه إنما يرد ذلك باليد أو باللسان، وهو يعذر في رده إن جاء الرد بالفورية، والتلقائية المناسبة، واحسب أن سب الدين أشد إثارة للغضب ودفعا للمهانة من سبه الأب والأم. (3) عندما ننظر في أحداث السنين القليلة الماضية نلحظ كما لو أنها صارت أحداثا متتابعة، بمعني أنه يمكن لنا أن نفترض أنها في تقاربها النسبي زمنيا تكون ذات صلة بين بعضها البعض، ونلحظ ثانيا أنها ليست أحداثا متعلقة بقضايا العيش المشترك، أي ليست أحداث تفرقة أو انتهاك لحقوق المساواة، إنما هي أحداث للعقيدة شأن بها، مثل حادث صحيفة النبأ في 2001، وحادث وفاء قسطنطين في ديسمبر 2004، وحادث كنيسة محرم بك بالإسكندرية الحالي، وغير ذلك. ونلحظ ثالثا أن لإدارة الكنيسة القبطية شأنا بها، سواء بالتجميع والجمهرة أو بالاعتقال والحبس أو بالتمثيل المسرحي، ونلحظ رابعا أنه ما أن يجذب الحدث ووقائعه الانتباه العام، حتي يجري من داخل الإعلام الكنسي حديث لا عن الحدث وأسبابه النوعية الخاصة به ولكن عن 'الخط الهمايوني' مثلا وعن 'الاضطهاد' وعن 'مصاعب' العيش المشترك، وهي أمور إن صحت، أو هي أمور لا يكون الصحيح منها من جنس الحدث الواقع من أسبابه النوعية ولا من نتائجه الخاصة. ثم تجري الأقوال والاشارات عن مسئولية المسلمين أو الفكر الإسلامي 'المتطرف' أو الحكومة أو الشرطة أو الصحافة، ويصير كل شيء هو المسئول فيما عدا 'الإدارة الكنسية'، فالحادث يثير تعبئة وجدانية دينية ثم ما يلبث بهذه الوجدانية أن يوظف لأمر آخر. أنا لا أتكلم هنا عن الأقباط من مواطنينا، وقد عشنا معهم في كل معاملاتنا الاجتماعية، سواء في الدراسة أو ممارسة المهن أو التداولات الاقتصادية أو الحوارات الفكرية، ذلك أن سهمهم شائع في هذا البلد. لا يستقطب ولا ينفرز في هذه الوجوه من العيش المشترك، ولكنني أتكلم عن إدارة هذه المؤسسة التي صارت في السنوات الثلاثين الأخيرة إلي احتكار الشأن القبطي وصارت إلي الفرز وهي تؤول إلي الاستقطاب، واتخذت هذا الأمر بضاعة لها ومهنة، وإن كان علي حساب الصالح المشترك للجماعة الوطنية بعامة، ومنهم المواطنون العاديون من الأقباط. ونلحظ مثلا في حادث صحيفة 'النبأ' سنة 2001 هرع شباب قبطي إلي ساحة الكاتدرائية يتجمهرون ويتظاهرون، وفي حادث وفاء قسطنطين هرعوا إلي ذات الساحة، ودلٌî ذلك علي أن ثمة جماعة تتشكل وتتخذ لنفسها تعبيرا بعيدا عن الجماعة الوطنية العامة، والحدث يتخذ صبغة دينية، ومن ثم يكون خليقا به أن ينهض له شباب من القبط وحدهم، ثم يكون هرعهم إلي الكنيسة وساحتها ورجالها، فقط من دون المصريين كافة، رغم أن أصحاب الرأي والكتاب غير المسيحيين يبدي قسم معتبر منهم التفاهم والتعاطف مع الموقف القبطي. ولكن ثمة حرصا علي ألا يستوعب رد الفعل القبطي في غير الأوعية القبطية الخالصة التي تقوم عليها الإدارة الكنسية.. وأن يبقي التفاهم والتعاطف آتيا لهم من خارج إطارهم وليس ممتزجا بهم. وأذكر أنه في سابق تعقيب لي علي حادث (النبأ) في سنة 2001 تساءلت عن نوعية الثقافة التي تثقف بها الإدارة الكنسية شبابها في مؤسسات الكنيسة، وما هي الرؤية التي يلقنونها لأبنائهم بالنسبة للجماعة الوطنية وللوطن وللمواطنين وللمسلمين من أبناء مصر، إن المسلمين والفكر والثقافة الإسلامية موضوعة كلها 'علي المشرحة' من سنين طويلة، وكل امرئ مسلم أو مسيحي، مصري أو أجنبي، مؤمن أو ملحد، عالم أو جاهل مغالي أو معتدل، كل امرئ من هؤلاء يتكلم ويحلل ويفسر وينتقد ويقترح الحلول، حول موقف الإسلام من الآخر، وكيف يربي كبار المسلمين صغارهم، وصار ذلك سياسات لدول أجنبية تملي علينا ما تراه هي، ونحن لا نعلم ألبتة أي شيء عن العلوم والدروس والتشكلات الثقافية والوجدانية التي تلقنها الإدارة الكنسية لجمهورها ولشبابها، ولا ينهض من بيننا من يتساءل عن ذلك ،أو يعتبر هذا التساءل حقا مشروعا للجماعة الوطنية تجاه مواطنين مندرجين في تشكيلاتها. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدعي لنفسها الحق في مطالعة برامجنا التثقيفية الإسلامية، تعليمية أو إعلامية أو علمية أو دينية، أفلا يكون من حق الجماعة الوطنية في مصر أن تطالع وتنظر فيما يتثقف به جمهور ذو اعتبار من مواطنيها في كنائسهم؟ ألا يحق لها أن تعرف كيف تتربي نظرة القبطي المصري الآخر المصري؟ (4) علينا أن نتلمس نوعيات التثقيف التي تلقنها الإدارة الكنسية للشباب، ولا أقصد طبعا الجوانب الدينية اللاهوتية، فهي ليست محل النظر هنا، وهي كذلك معروفة ثوابتها وأصولها وكتبها وطقوسها وترانيمها، معروف كل ذلك منها بالقدر الكافي لإدراك أوضاعها وحدودها. إنما المقصود بالتثقيف هنا هو التوظيف الثقافي التربوي الذي يشكل النظر الجمعي والسلوك الجمعي تجاه المواطنين الآخرين وتجاه العالم خارج نطاق أهل العقيدة والمذهب الإيماني. والحقيقة أن ما أمكن تلمسه في هذا الشأن في السنوات الأخيرة لا يدعو للاطمئنان. ولا أريد أن استطرد هنا بإعادة الحديث عما سبق أن تناولته في كتابات سابقة، مما نشر مقالات في صحيفة 'الأسبوع' ثم نشرته ضمن كتاب بعنوان 'الجماعة الوطنية، العزلة والاندماج' في ابريل 2005، ويكفي هنا أن أكرر الاشارة مثلا إلي كتاب نشر في 1995 بعنوان 'وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها' أعده الراهب القمص انطونيوس الانطوني، وعرض فيه لتاريخ القبط منذ الفتح الإسلامي العربي لمصر، عرضه وتابع وقائعه وأحداثه بما يقيم تعارضا وتضاربا بين أقباط مصر ومسلميها من المواطنين علي طول هذا التاريخ من القرن السابع الميلادي حتي الآن. وهو يذكر في مقدمة الكتاب أنه 'يوضح للأقباط سلالة المصريين القدماء كيف أصبحوا أقلية في بلدهم. ولماذا تدهورت قوميتهم وانقرضت لغتهم' وأن 'الأهواء الدينية في الشرق لم تفقد من حدتها بين المسلمين والأقباط، وإن كانت فاترة في الظاهر فإن القلق المكبوت مازال جاثما'. وليس مهما أن كتابا يصدر بأي رأي يزكيه صاحبه، ولكن وجه الدلالة أنه صادر من راهب قمص وأنه يهديه إلي غبطة الانبا شنودة الثالث 'قبسا من علمه الغزير ونبتا من غرسه النامي العتيد' أي أن هذا النوع من العلم يذكر صاحبه أنه يقتبسه من علم الانبا شنودة وأنه نبت من غرسه، والمهم أنه بهذا العلم ومن هذا الغرس، فإنه في الوقت الذي يذكر فيه صلاح الدين الأيوبي المدافع عن استغلال الشرق ضد العدوان الأوربي الفرنجي، بأنه اضطهد النصاري وشجعت أفعاله 'رعاع المسلمين علي اغتصاب عدة كنائس'، في الوقت ذاته يقول المؤلف عن نابليون بونابرت وغزوته علي مصر أنها 'أول مرة منذ الفتح العربي تحكم مصر دولة مسيحية' ، والكتاب كله من أوله إلي آخره يعيد بناء التاريخ عن مصر باعتبار أن للقبط تاريخا خاصا منفصلا عن تاريخ المسلمين فيها، ويتخذ معايير للحكم علي الأحداث يتناقض فيها صالح القبط مع صالح 'جيرانهم المسلمين' الذين لا يتمتع القبط بالمساواة معهم، وأن تعبير 'جيرانهم المسلمين' مأخوذ من الكتاب. فنحن هنا أمام عمل تأريخي من السائغ لنا أن نفترض أنه عمل إن لم تكن تتبناه الإدارة الكنسية، فهي بالقليل راضية عنه، وهي بالأقل لا تراه متناقضا مع تصوراتها ولا مع ما تري أن يتثقف به شبابها، رغم أن هذا النوع من التثقيف ومن الكتابة التاريخية فضلا عن عدم صحته التاريخية لأن الكتاب مليء بالأخطاء والمغالطات فإنه عمل ضار بالجماعة الوطنية المصرية حسبما ساهم في بنائها وصقلها وجوه من زعامات قبطية دخلت تاريخها وصارت معلما من معالم بناء هذه الجماعة. (5) وفي هذا الخط ذاته ترد مسرحية كنيسة محرم بك، وفيها ما فيها من تعدي علي مقدسات المسلمين، ولا نريد تكرار الاشارة إلي ما ورد بها مما عرفه كثيرون وتابعوه، ومما من شأنه أن يوغر الصدور ويؤسس لمشاعر تتعارض مع ما نسعي لدعمه دائما حفاظا علي قوة تماسك الجماعة الوطنية وصفاء علاقات التعامل الودود مع عناصرها. ونحن في معرض الحديث عن الجوانب التثقيفية والتربوية التي تحتضنها الإدارة الكنسية بالنسبة لشبابها.. يتعين أن ندرج هذا العمل المسرحي، وأن أي محاولة للتبرؤ منه واسقاط دلالته، هي محاولة أخشي أن أقول إنها ساذجة وأن من يستجيب لها يكون أكثر سذاجة، وإذا حصرنا معلوماتنا فما ذكرته مصادر وشخصيات تعبر عن الكنيسة فهي تكون مثلت في الكنيسة ولو ليوم واحد، والمسرحية فيما نعرف لا يفاجأ الناس بها عند تمثيلها، ذلك أن لها نصا مكتوبا وتعتمد علي نص مكتوب، وجوهر العمل المسرحي هو الحوار المكتوب، وكل وسائل الاظهار الأخري من اخراج وتمثيل وغيره لا تستطيع أن تضيف إلي جوهر العمل المسرحي ما ليس فيه، أو ما لم يكن جوهريا ومقصودا بذاته في النص المكتوب، ولذلك يستحيل تصديق القول إن النص اكتشف بعد تمثيله يمكن أن يقال شيء من ذلك عن السينما لأن التعبير فيها يعتمد أكثر من المسرح علي الاخراج والتصوير والمونتاج وغير ذلك، أما المسرح فلا. ومن جهة ثانية فهي إن كانت مثلت ليوم واحد فقط ولم تمثل بعد ذلك قط، كما ذكرت المصادر الكنسية، فإن الأصوب في الاستنتاج هنا، لا أنها منعت بعد اكتشاف ما تضمنته، ولكن الأصوب أنها مثلت مرة واحدة لكي تصور وتسجل وتوزع، فيكون هدف النشر والإذاعة الأوسع هو المقصود أصلا من التمثيل لمرة واحدة، وليس هدف المنع. إن تمثيل المسرحية في الكنيسة بين جمهور المصلين وحدهم ما كان يكون نشرا وإذاعة واسعة، حتي بالنسبة للقبط جميعا، إنما التسجيل والطبع علي ال C. D هو الوسيلة التي يستدل منها علي سابق القصد للتوزيع الأوسع نطاقا. والمسرحية تتصدرها عبارة أن 'نال هذا العمل بركة صوت الانبا شنودة الثالث...' ثم عبارة 'تم هذا العمل تحت رعاية كل من أبونا أوغسطينوس فؤاد وأبونا أنطونيوس فهمي'. ثم يرد بعد ذلك أن 'نال بركة هذا العمل' أسماء كل من شارك فيه وهم يعدون بالعشرات، فنحن هنا أمام عمل صادر عن الإدارة الكنسية أو وافقت عليه.. ولا نقول فقط إنها كانت ذات موقف سلبي منه، لأن الموقف السلبي لا يتيح بذاته فرصة إعداد عمل مسرحي تأليفا وإخراجا وإتاحة لمكان تدريب علي التمثيل ثم التمثيل وحشد لعشرات الأفراد وإدارة لهذا الأمر ثم تصويره وتسجيله وإذاعته، نحن أمام عمل جماعي، ويستحيل أن تنتهك عقول الناس بزعم أنه مجرد خطأ فردي من شخص لا نعرفه. ثم يرد بعد ذلك زعم مسجلي العمل ومذيعيه بأنه نال 'بركة صوت' الانبا شنودة كما ذكر انطونيوس الانطوني سالف الذكر أن كتابه نبت من غرس الانبا شنودة. وغبطة الانبا شنودة سكت وامتنع عن التعقيب وعن التعليق، وأوكل إلي من دونه أن يثيروا الشكوك في الأمر كله، حول علمه بالعمل أو علم غيره من رجال الكنيسة، وحول نص العمل ذاته وحول تأويل معانيه وحول حسن القصد من إثارته بزعم أنه عمل ضد الإرهاب فقط، وقيل في تبرير سكوته إنه لم يعرف بهذا العمل ولا شاهده، وهذا انكار ليس في امكاننا أن نعرف الصواب بشأنه، إنما أهم ما يهم هو أن هذا العمل الذي ينسب إلي غبطة الانبا شنودة أنه 'نال بركة صوته' كما أنه مورس وصور بالكنيسة التابعة له ، بحكم بابويته للكنيسة القبطية الارثوذكسية، وبحكم كونه مطران كنيسة الإسكندرية، هذا العمل هل نال 'بركة صوته' أم لا؟ ولا يملك نفي ذلك إلا هو، ولا يجوز أن يتشامخ ويتعالي علي سؤال مواطنيه. ولكن غبطته سكت ورفض مقابلة من طلب ذلك وأوكل الأمر إلي غيره ونحن إذا كنا نعرف أنه لا ينسب لساكت قول، فإننا نعرف ايضا بذات الدرجة من الإدراك المطمئن أن السكوت في معرض البيان بيان، أي أنه إذا احيط السكوت بأوضاع وملابسات كان لابد معها من الكلام وعمل المطلوب منه ذلك وأصر علي السكوت رغم قدرته علي البيان، لكان ذلك منه إفصاحا عن موقفه وعن إرادة معينة. فإذا كان العمل منسوبا لأحد أنه نال رضاه ثم ووجه بذلك وطلب إليه الافصاح عن رفضه فلم يفعل، فمن السائغ للسائل هنا أن يفهم من هذا السكوت أنه علي الأقل سكوت مقصود به الامتناع عن التبرؤ من هذا الموقف أو هذا العمل الذي صدر من كنيسته وتقول كنيسته أنه نال بركته. في ظني أن المسرحية عندما يقال إنها نالت بركته فقد صارت عملا مباركا بدليل أن العمل مكتوب في مقدمته أنه نال بركة الانبا شنودة، ثم يرد بعد ذلك 'نال بركة هذا العمل.. كل من ..' ثم ترد أسماء العشرات الذين ساهموا فيه، ولعل غبطة الانبا شنودة آثر الخروج بالصمت عن لا ونعم بالنسبة لهذه المسرحية، حتي لا يكون انكاره لها بعد أن نسب إليه تبريكها هو مما تنجرح به قداسته بين أتباعه، وهذا التفسير هو ما به يمكن استبقاء حسن الظن في تأويل موقف غبطته، ولكنه حتي مع هذا التفسير يكون غبطته قد رجح كبرياءه الشخصي عما ينفع الجماعة الوطنية بعامة، وما ينفع به المواطنين في علاقاتهم بعضهم ببعض. أي رجح كبرياءه ولو علي حساب ما قد يحدث من شروخ في بنيان الجماعة الوطنية. (6) نحن لا نتكلم عن الأقباط من المواطنين المصريين، والمصريون يتعاملون مع بعضهم البعض في كل مجالات العيش المشترك، يتشاركون في الأعمال ويتزاملون في المهن والحرف ويتبادلون في التجارة ويمشون معا في الأسواق، ويتزاورون في الدور ويتجاورون في القبور، كما أننا لا نتكلم عن الكنيسة القبطية بحسبانها مؤسسة ذات وضع ديني بالنسبة للأقباط، ولكننا نتكلم عن الإدارة الكنسية، أي هؤلاء الذين يتربعون علي قمة النفوذ في البناء الكنسي الهرمي ويصدرون من القرارات ما يؤثر في سلوك القبط وفي تعاملهم مع مواطنيهم، وحتي هؤلاء نتكلم عنهم جميعا، فهم بحكم طبيعة الأمور يكونون متعددي الاجتهادات فيما لا يمس ثوابتهم الدينية والمذهبية، إنما الذي يعنينا هنا أننا نتكلم علي وجه الخصوص عن الاتجاه السائد في الإدارة الكنسية في هذه السنين، وهو قد ساد فيما يظهرالآن في عهد البطريرك الحالي، وفي ظروف نمو تأثير ما يسمي بأقباط المهجر في العقود الأخيرة. والعجيب أننا عندما يرد الحديث عن أي توتر طائفي في مصر، يذكر من الأسباب ما ظهر وما بطن وما كبر وما صغر وما علا وما هبط، ولكن لا يذكر قط أثر الفعل الكنسي في الحادثة الحاصلة أو في المناخ الطارئ. ودائما هذا الجانب مسكوت عنه، بل يكاد يكون متجنبا طرقه. وعلينا لكي نفهم الأوضاع جيدا أن ننظر فيه بموضوعية وجدية وبعيدا عن الإثارة، ولكنه لا يجوز أن يكون محجوبا عن النظر ولو أن يكون بعيدا عن مجال البحث والجدل. والعجيب أيضا أننا في مجادلاتنا السياسية والاجتماعية والثقافية أننا نتكلم في كل شيء وكل شيء خاضع للنقد وللهجوم، ورئيس الجمهورية يïنتقد ويïهاجم وأسرته كذلك والوزراء جميعا كذلك، كما أن شيخ الأزهر يïنتقد ويïهاجم وغيره جميعا. كل ذلك يحدث إلا الذات التي صارت مصونة لغبطة الأنبا شنودة الذي صار بعيدا عن أي نقد أو تعقيب يستفاد منه ما يغضبه، وهو يتخذ في إظهار الغضب الصمت أو الاعتكاف أو البكاء. وأنا هنا لا أشير إلي المراسم ولا إلي الطقوس الدينية، إنما أشير إلي الأفعال والتصرفات والأقوال التي تتعلق بجوانب العيش المشترك، ووجه المفارقة أن الجدل السياسي بالغ منتهاه بغير فعل، وأن الجدل في الشأن الديني يظهر أفعالا لا أقوالا. والعجيب كذلك، أن أكثر من يحرصون علي قداسة البطريرك من غير المسيحيين، هم من يعملون علي نزع القداسة عن أي من ثوابت الإسلام وأركانه ورموزه، لقد كان جزء من صراعهم ضد المرجعية الإسلامية أن يثيروا موضوع اختلاف الدين وأن مرجعية الإسلام تنحسر عن غير المسلمين وهم المسيحيون، ثم تمادوا في هذه الحجة حتي صار الموقف المسيحي هو المقدس وحده، وهم بحسبانهم مسلمين تجاوزوا معني القداسة في الإسلام، يسلمون بوجودها لدي 'الآخر' ولا يسلمون بها في أنفسهم، فلا يشعرون بمعناها ولا بما يمسها، فضلا عن حسهم الخفي بأنهم بالنسبة للمقدسات الإسلامية هم أقلية تنجذب إلي غيرها من الأقليات العددية في مواجهة الأغلبية. أقول ذلك ليعرف مواطنونا المسيحيون أن موقف هؤلاء هو ما لا تعرف به حقائق الموازين بين القوي الثقافية والسياسية والاجتماعية في الجماعة الوطنية. لأنهم في النهاية تناقضوا مع أنفسهم فنفوا المقدس من ذواتهم نفيا تأكد به هذا المقدس في غيرهم، علي نحو صار أكثر مبالغة وأكثر مدعاة للتناقض. وأقوله أيضا ليعرف اخواننا المسيحيون أن نقد مسلك البطريرك في تصرفاته التي لا تتعلق بالعقائد وطقوس الممارسات الدينية، هو أمر يملكه المواطنون جميعا ويتعين أن يتجادلوا فيه بقدر ما يتجادلون في شئون عيشهم المشترك، وإلا فوجئ الناس بالأفعال غير المحسوبة بديلا عن الأقوال. وأقول ذلك ثالثا لكي يدرك المسيحيون من مواطنينا، أن نقد تصرف كنسي أو شخصية كنسية أو تخطيئه أو كل ذلك معا، لا يفيد موقفا عاما من المسيحيين جميعا. وأن التعدد في المواقف المسيحية في شئون الحياة مطلوب طلبه لدي غيرهم، وهو وحده الذي يكفل ألا تؤخذ الكثرة بفعل القلة، ولا يستتر مخطئ بمحسن وألا يحاسب محسن علي فعل مخطئ. (7) وعندما ننظر في عناصر التوتر يتعين أن ندخل في حسابنا شأن السياسات الكنسية، وعندما نتكلم عن ظاهرة مضي عليها وعلي أحداثها المتكررة نحو ثلث القرن، يتعين أن نتكشف كل جوانب هذا الذي تشكلت به أوضاعنا في ثلث القرن الأخير. وهذه المرحلة ذات ملامح محددة، وأن الدراسات السياسية تتحدث عن ذلك، وأيا كانت هذه الملامح فإنه يتعين في ضوء الموضوع الذي نتكلم عنه الآن، أن نتذكر أنها أيضا فترة ولاية غبطة البطريرك الأنبا شنودة الثالث، الذي تولي البطريركية منذ سنة 1971، وهي فترة ظهور أقباط المهجر، وثمة الكثير يقال مما هو منشور في كتب يتعلق بهذا الأمر، ويمكن الحديث عنه تفصيلا إذا لزم الأمر. وهناك ثلاثة مجالات للنشاط، ويمكن أن نشير إلي أمثلة لما حدث في كل منها. مجال الأحداث، أو أن يقع حادث ليثير التساؤلات وليعيد تشكيل المجتمع وفقا لغير مألوف، كانت تشكلت علي أساسه. والمجال الثقافي المتعلق بصياغة فكر جماعة محددة وترتيب دوائر انتمائها وأولوياتها. والمجال الاجتماعي المتعلق بالأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن حيث الأحداث، فإننا نلحظ أن كل ما يشار إليه بحسبانه من أسباب التوتر أو من نتائجه حسب رؤية الكاتب، نلحظ أنها كلها تبدأ من حادث الخانكة في سنة ...1972ومن حيث التشكيل الثقافي، فقد سبق أن أشرت إليه بشيء من الاهتمام في وسط هذا المقال نفسه، عند الحديث عن كتاب انطونيوس الأنطوني، وعند الحديث عن مسرحية كنيسة محرم بك. وأحسب أن العملين هما مما تتأسس به ثقافة العزلة الثقافية والفكرية لدي أقباط مصر في مواجهة مسلميها، من حيث التاريخ، ومن حيث الفكر الذي يتكون عن عقيدة الآخر، نحن هنا أمام ثقافة العزلة وثقافة الانسلاخ، أكاد أقول ثقافة الخصومة. وهي كلها ترد من الإدارة الكنسية وليس من جماهير من نعايش من الأقباط. ويدخل في هذا الشأن المجال الثالث، لأنه مجال تدفعه التصورات الثقافية وهو يركز ويدعم هذه التصورات لأنه يحولها من الفكر المجرد إلي الواقع الشعبي والإنساني المحسوس وفي هذا الشأن وكمثل علي ما أريد أن أوضحه أنقل عن صحيفة 'القاهرة' في عددها الصادر في 25 أكتوبر سنة 2005 مما ورد في مقال كتبه الأستاد مدحت بشاي بعنوان (9 أسئلة تنتظر الإجابة من البابا شنودة) وكان أحد هذه الأسئلة التسع نصه كالآتي: 'ألا تدركون يا قداسة البابا أن أحفاد كل الأقباط المستنيرين وأصحاب الأدوار الوطنية البارزة من أمثال ويصا واصف ومكرم عبيد وسلامة موسي وسرجيوس والبابا كيرلس الرابع والبابا كيرلس الخامس وغيرهم كثيرون لا يمكن أن يقبلوا أن تتحول الكنائس إلي مراكز تحجب الشباب عن الشارع بدعوي شغل أوقات فراغهم وإبعادهم عن مواطن الخطأ والرذيلة، لدرجة حدوث انسحاب من المجتمع والتشارك الإنساني والاجتماعي، وصارت الكنيسة بديلا عن البيت والنادي والمدرسة والنقابة وكل مؤسسات المجتمع، وهو أمر غير مقبول، لأن ذلك يشكل حالة من التقوقع المريض والانعزالية المميتة' وذلك بدلا من أن 'تدعو شبابنا لمزيد من العمل والانتاج والمساهمة في تنمية المجتمع' ثم أشار إلي مواقف البطريرك السياسية وإلي صرفه استثمارات رجال الأعمال المسيحيين إلي مشاريع كنسية بدلا من مشروعات التنمية وهو يشير أيضا إلي 'تبني جماعة قبطية فكرة السعي لإنشاء حزب الأمة القبطية الذي يرفع شعارات شديدة التطرف'. وهذا التوجه يكشف فيما يكشف عن أن الإدارة الكنسية تقيم من الأوضاع ما يحجب شباب القبط عن الاندماج في جماعتهم الوطنية، فهي سياسة تكريس عوامل الانعزال القبطي في المجتمع ومن هنا نعرف كيف أن شباب القبط عندما تثيرهم ثائرة يهرعون إلي ساحة الكاتدرائية دون غيرها في مصر كلها، ونعرف أيضا واحدا من العوامل ذات الحسم التي تجيب عن سؤال: لماذا لا تجد أقباطا كثيرين في الأحزاب المختلفة أو في مجالات العمل والنشاط الجماعية؟ فثمة عنصر يرد من السياسات الكنسية التي تتبعها الإدارة الكنسية في العهد الحاضر يكمن وراء حجب شباب المواطنين القبط من المشاركة في الشئون العامة لوطنهم. فثمة سياسة انسحابية علينا أن نلحظها، وأن نلحظ أن عملا مثل المسرحية المذكورة تؤدي بنصها ومضمونها إلي دعم الانسحاب والشعور بالغربة لدي المسيحيين، كما أنها فيما تفضي إليه من رد فعل حاد لدي جمهرة من المسلمين تؤدي إلي المزيد من الانسحاب علي الجانبين وإلي تعميق شعور الخوف لدي المسيحيين مما يزيد من فاعلية السياسة الانعزالية والانسحابية بينهم. لقد كتبت من قبل أطالب بتطبيق القانون فيما يتعلق بالرقابة المالية التي يتعين أن يمارسها الجهاز المركزي للمحاسبات علي الشئون المالية للكنيسة المصرية بحسبانها من الهيئات العامة حسبما يستقر الفهم القانوني والفقهي والقضائي في مصر. كما سبق أن ذكرت أنه يتعين أن نعرف في إطار الجماعة الوطنية العامة ما هي مصادر التثقيف التي تثقف بها الإدارة الكنسية شباب المسيحيين في مصر. وأنه بعد أن طالعنا كتاب انطونيوس الانطوني وبعد أن رأينا مسرحية كنيسة محرم بك، صار هذا المطلب أوجب لأن النذر صارت أوضح.. وبعد أن عرفنا أن الكنائس صارت مجال النشاط الاجتماعي المحجوب، وبعد أن عرفنا من حادث وفاء قسطنطين أن الأديرة تستخدم فيما تستخدم فيه لعزل مواطنين مصريين مسيحيين بما تنحسر عنه سيادة مؤسسات الدولة والمجتمع الأخري.. بعد كل ذلك صارت متابعة الأنشطة التثقيفية أوجب. (8) ويتعين أيضا أن نلحظ أن غبطة البطريرك من ألقابه المعروفة 'بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية' ثم أضيف إلي ذلك 'وسائر بلاد المهجر' إشارة إلي أقباط مصر التابعين للكنيسة الأرثوذكسية القبطية والذين استوطنوا خارج مصر من عشرات السنين القليلة الماضية وبخاصة في ثلث القرن الأخير، وانشئت لهم كنائس في أرض المهجر ورسم لهم مطارنة. وهذا الأمر يشير إلي طابع شبه عالمي، أو شبه عولمي، صار البطريرك إليه أخيرا وهو يفتح المجال لتساؤلات مستقبلية هامة جدا. ذلك أن 'سائر بلا المهجر' أهمها علي اليقين الولايات المتحدة الأمريكية ثم كندا ثم استراليا، فضلا عن أوربا طبعا. وفي هذه البلاد أقباط مهاجرون صاروا من حملة جنسيات هذه الدول، ونفوذ أصحاب النفوذ منهم الآن كبير، سواء علي الإدارة الكنسية في مصر أو علي صياغة رأي عام عالمي ضاغط أو علي تمويل الأنشطة الكنسية. وتعقد منهم المؤتمرات في الخارج لا للحديث عن شئونهم بالخارج ولكن للحديث عن الشئون المصرية، ومع وهن الدولة المصرية يعلو صوتهم ويزيد سهمهم في إدارة الشأن القبطي في مصر. ويزيد إدراك الإدارة الكنسية في مصر بهذا الأمر والتعامل معه. ثم يرد أمر آخر، وهو أمر مؤسسي يتعلق بالتشكيل المؤسسي للكنيسة المصرية، ذلك أن ثمة مطارنة ورجال دين من أقباط المهجر، وهم من يختارون ويتعززون به من 'أراخنة' المهجر أي ذوي النفوذ المدني من غير رجال الدين، يشاركون في اختيار البطريرك الجديد عند خلو المنصب، ونحن بذلك نكون أمام موسسة وطنية مصرية يشارك في تشكيلها أجانب، وهم يشاركون في اختيار شخصية دينية تملك أن تصدر قرارات دينية بحرم القبطي أو استبعاده من أهل الديانة، وهي من تعين المطارنة من بعد وتشكل كل مؤسسات الكنيسة ونعين رجالها وترسم لهم طريقة عملهم مما لا يشارك فيه أحد آخر من داخل الكنيسة ولا من خارجها...ونحن بذلك نلحظ في سياسات الإدارة الكنسية حاليا حركة انعزال محلي داخلي تواكبها حركة اتصال عالمي خارجي...وفي كل الأحوال فهو إن كان اتجاها مؤثرا وفعالا الآن لظروف وهن الإدارة المصرية ولظروف سيطرة هذا الاتجاه علي مقدرات الإدارة الكنسية في الوقت الراهن، إلا أنه يتعين علينا، نحن الذين يريدون التماسك والتمسك باستبقاء قوة الجماعة الوطنية وفاعليتها يتعين علينا أن ندرك الفروق بين سياسة الإدارة الكنسية من جهة، وبين الشأن القبطي العام بحسبانه مكونا من مكونات الجماعة الوطنية في مصر. ونحن عندما ننقد الإدارة الكنسية إنما نفعل ذلك للصالح الوطني العام، من مسلمين ومسيحيين في مصر حفاظا علي قوة التماسك في الجماعة. إنما ما أظن أنه صار واجبا علي المسيحيين من مواطنينا أن يؤكدوا علي مفهوم التعدد وأن يمارسوه، في الاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية، مع تباين المواقف من الأحداث بحيث ينفرز كل اتجاه ولا يؤخذ محسن بمسئ ولا يؤخذ عموم بأخطاء خصوص.. ولا تؤخذ جماعة بفرد أو أفراد، لدي جماهير قد تندفع تلقائيا وقد لا يجدي معها كلامنا وقتها. ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~ نقلاً عن الأسبوع http://www.elosboa.com/elosboa/issues/452/0403.asp "نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين ~~~~~ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة ~~~~~ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء} رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان