اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

إنهم يأتون ليلا


سيناترا

Recommended Posts

إنهم يأتون ليلا

" أقسم أنى لم أفعل شيئا ... صدقني " ... لكنه لا يصدقني . يخلع نظارته ويلقيها على المكتب ، تقع مقلوبة قبالتي ، تبحلق فيَّ بزجاجها المعتم ، فأخاف ، يميل برأسه للخلف فتغيب ملامحه الصارمة بينما دخان سيجارته يملأ الفراغ بيننا متشكلا – في الضوء الكابي لمصباح المكتب – شياطين بشعة ومسوخا وخوذات وزنزانة .

يضع سيجارته أمامه ، ثم يشير إليهم – قبل أن ينهض من خلف مكتبه ويغيب في عتمة الغرفة - بينما يتلاشى دخانها شيئا فشيئا ... بضع خطوات مبتعدة ثم صوت باب يغلق ... بعدها يقتربون ، وقع أقدامهم لا تخطئه أذني ، يتحلقونني ثم يسحبونني من فوق مقعدي إلى عتمتهم ، تاركين نظارته مقلوبة على مكتبه ، وخيطا رفيعا من الدخان ينسل من سيجارته صاعدا إلى سقف الغرفة المعتم ، يهتز كلما لكمني أحدهم أو ركلني آخر .

لذلك فإنني بت أكره العتمة ، والألوان الداكنة .. غيرت طلاء حجرتي إلى اللون الأبيض ، وبدلت ستائري بأخرى بيضاء كذلك ملاءات السرير وأغطية الوسائد ... ثبت أربعة كشافات قوية في أركان الحجرة علاوة على مصباح السقف ، صار ضوء الحجرة مبهرا ، لذلك اعترضت زوجتي في بادئ الأمر لكنها رضخت بعد ذلك ، صارت تنام وفوق عينيها عصابة سوداء .. أكره النظر إليها وهى نائمة بهذه العصابة . أتذكر نظارته المقلوبة فأخاف .

صرت أخاف الليل ، إنهم يأتون ليلا ... أراهم في عتمة عيني المغمضتين فأفتحهما وأوقفهم هناك متربصين يحاولون الوصول إلى ... يخرجون فرادى من الحواري المعتمة والشوارع الجانبية الضيقة يتقابلون على النواصي ويتكاثرون ، تنتظم خطواتهم في إيقاع رتيب متصاعد وتتخذ وجهة واحدة ، كلما خطت أقدامهم خطوة أحس بها تدوس على قلبي ... قلبي الذي تتسارع دقاته كلما شعر باقترابهم ... لو أستطيع النوم بعينين مفتوحتين أو أستطيع التخلي عن عتمة عيني حين إغماضهما ، لكانت الأمور أفضل كثيرا ... لكنني لا أستطيع ، ومع كل إغماضة يقتربون أكثر ويعلو صوت أقدامهم .

أسمع صوت باب يفتح ثم يضع خطوات مقتربة ، يسحبونني بعدها ويجلسونني على مقعدي ، يمسح أحدهم وجهي ويعدل ياقة قميصي ثم يربت على كتفي وينسحب .. انظر بعيني المتورمة فأتبينه بصعوبة جالسا خلف مكتبه ، أميزه بنظارته الداكنة وسيجارته التي يحمر طرفها كلما سحب منها نفسا ..

" خذ " ... ناولني سيجارة دسستها بين شفتي المدممتين أشعلتها لي ذات اليد التي أشعلتني منذ قليل ، نفثت دخان سيجارته فتمدد في ضوء مصباح المكتب وتشكل صورة ممزقة للزعيم ... ضحكت ، فسعلت وخرج دخان سيجارتي متقطعا يتشكل موجات متتابعة لفتيان ثائرين .. " هل ضايقك أحد؟ " ... يقولها ثم ينفث دخانه فيقفز الجنود بهراواتهم يحولون بين فتياني والصورة ... " لا .. لا ... صدقني " ... وسقطت نقطتا دم من أنفي على حافة مكتبه .

نفثت دخاني فحلق طائر أبيض فوق فتياني قبل أن يحط فوق الصورة ويحملها بين قدميه ويطير .. اقتحم بوجهه – بغتة – بقعة الضوء وهو يطلق دخانه مختلطا بحروفه المضغوطة " إذن .. هل لديك جديد؟ " ... يصطدم طائري بعتمة نظارته فيسقط وتسقط الصور تحت أقدام الفتيان . " لا .. لا ... صدقني " ... أقولها وأسعل فتتناثر نقاط الدم على ملابس الجنود وجناحي طائري .

هو لا يصدقني وكذلك زوجتي ، قلت لها إنهم يأتون ليلا بينما هي نائمة أسمع أصوات أقدامهم وأراهم بين إغماضة وأخرى . أقول ذلك وأهزها ، ألتصق بها وأدفن وجهي في شعرها فأراهم مختبئين بين خصلاته ... في نومها تحت غطاء سريرنا الأبيض تبدو كميت قد كفنوه توا .

أعود فأعتدل وأشعل سيجارة بيد مرتعشة وفم متشنج فيعلو دخانها مضطربا ومتشكلا كشخص يشبهني يمزق صورة كبيرة ثم يتلاشى معها .

عيناى المجهدتان من شدة الضوء وقلة النوم تغالبانني تغمضان برهة فأراهم قريبين أكثر ، أجاهد كي أفتحهما لأوقف تقدمهم ، أسحب نفسا عميقا من الدخان أحبسه في صدري لثوان قليلة ، ثم أخرجه نافخا إياه لأعلى .. تتشكل في سماء الحجرة سحابة تكبر وتكبر ، يسقط منها طائري .

تسرقني عيناى من الضوء إلى عتمتهما ، أراهم يوشكون على الوصول ، صوت أقدامهم يغطي كل شيء ، أهز زوجتي وأصيح فيها لكن صوتي لا يطاوعني ولا يتغلب على صوت دقات قلبي وصياح الفتيان . ولا يعلو على صوت الجنود وزوماتهم المدمدمة ، هم يقتربون ويجتاحون كل شيء في طريقهم ، يجتاحون كل شيء ، يصعدون سلمي ببياداتهم الضخمة وملامحهم المتهجمة ، يقتحمون الباب ويقفزون إلى من النوافذ وعبر البراويز المعلقة على الحائط ، يخرجون من المرآة ومن أسفل السرير ، من بين خصلات شعر زوجتي التي لا تسمع شيئا أثناء نومها .

أصيح .. أصيح ، ويحمر وجهي ويفور الدم في عروقي ، تمتلئ الحجرة بهم ، ينتزعونني من فوق السرير ، فيحوطني فتياني ويحولون بيني وبينهم ، يزوم الجنود ويحطمون كل شيء . يدفعوننا إلى الحائط فأرفع صورة زعيمهم وأحرقها في وجوههم ، تنشب النيران في أصابعي فأقفز في الهواء وأصرخ ... اصرخ محاولا فتح عيني عنوة .

أفتحهما بصعوبة بالغة فأجدني واقفا في ركن الحجرة وقد أحرقت السيجارة أطراف أصابعي ، وكل شيء مبعثر والفوضى تملأ المكان .

زوجتي التي استيقظت أخيرا وخلعت عصابتها السوداء واقفة بجوار السرير تنظر بذهول ، فأصيح : " الم أقل لك إنهم يأتون ليلا !! ... ترد بنفاذ صبر : " أنا لم أسمع شيئا .. أنا لم أسمع شيئا .. أنظر إلى أصابعي المحترقة وإلى خيط رفيع من الدخان ينسل من عقب سيجارتي وأقول :" أقسم أنني لم أفعل شيئا .. صدقيني " .

تمت بحمد الله

اليوم ضاعَ

نصفُه انتظار ْ

ونصفُه غضبْ

وهكذا قرَّرتُ الانتحارْ

لكنَّني

لم أقْوَ أن أموتَ

يا صديقتي

من شدَّة التعبْ

رابط هذا التعليق
شارك

========================================================================

الأستاذ / سيناترا

دهشت من هذه الشـيزوفرينـا الأدبــيه التي اتقـنتها بهذا الوصـف الرائع الذي اقحـمني عـنوة بـين ركل اقدامـهم وقسـوة ايديـهم وجعلـتني التـفت خلـفي حين سمـعت خطـوات اقـدام خـارج غرفـتي لأشـعر بالأمان عندما ابتعـدت...

قرأت قصـتك مرة واحدة ولا انـوي ان اقرأها مجـددا لكي لا اضـطر ان اخوض هذه الآلام بـين السـطور مـن جديد...

تحياتي لقلمك المبدع

:

:

255374574.jpgوَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ[/227576612.jpg

--------------------

رابط هذا التعليق
شارك

صرت أخاف الليل ، إنهم يأتون ليلا ... أراهم في عتمة عيني المغمضتين فأفتحهما وأوقفهم هناك متربصين يحاولون الوصول إلى ...

كنت أخاف الليل وانا طفلة لأنى كما كنت أعرف أو أفكر ان الأشباح تأتى ليلا .. ولا أخفى أن ذاك الشعور ظل يلازمنى إلى وقت ليس ببعيد .. أما الآن عرفت أن هناك من أقسى من الأشباح

سيناترا ... أعجبنى ... تجسيدك الحى للخوف والهلع والإيذاء النفسى الذى تغلب على الإيذاء الجسدى

أشكرك رغم انك أزدتنى مرارة

تحية إلى قلمك المتميز

أقوال مأثورة :

سنأخذ من كل رجل قبيلةةةةةةةةةةةةةةةة

الدفاتر بتاعتنا والتواريخ فى ايدينا , يبقى العدة خلصت وهانعقد يعنى هانعقد

وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزي دوفي ..

انا حزين للغاية ..

انا لا أريدك أن تحس بكل هذة المرارة بسبب قصتي الغلبانة ..

كل ما أريدة هو أن أدخل المتعة الي قلوب من ينشدونها حقا ..

وقرائتك لقصتي مرة أخري سوف تؤكد لك الشعور الذي أريد أن أوصلة بالضبط ...

حاول أن تعرف ما وراء الألم والأحزان ..

عندها ستتحن حالتك كثيرا ... وهذا وعد ...

تحياتي لك وشكرا على ردك الذى أعتبرة اطراءاً رغم أن هدفي الأساسي أن يعاود القارئ قراءة القصة مرات ومرات ...

سيناترا

اليوم ضاعَ

نصفُه انتظار ْ

ونصفُه غضبْ

وهكذا قرَّرتُ الانتحارْ

لكنَّني

لم أقْوَ أن أموتَ

يا صديقتي

من شدَّة التعبْ

رابط هذا التعليق
شارك

العزيزة صفاء ....

الأشباح لا تكون بالضرورة من العالم الآخر ..

هناك بشر امتهنوا مهنة الخوف ...

وأجادوها .. وبرعوا فيها بكل اقتدار ...

قد تكون أشباحك الخاصة وانت طفلة أرحم كثيرا مما هي موجودة علية في الواقع .....

أما التجسيد فهو أسلوبى المفضل دائما وهو ليس احترافا كما قد يتخيل البعض ولكنه مجرد أحساس حي لما يمكن أن يحدث في الحقيقة

تصادف وأن أسرته على الورق في لحظة محمومة تملأ كياني وتخلب لبي في كل مرة ..

انني أحس في كل مرة اكتب فيها بأحاسيس كل أبطال قصصي ..

ويساورني الشك طوال الوقت في انني نجحت في رصد هذة الأحاسيس كما أحسها وأراها أمامي .,.

انني أجتهد ..

ولكن ما زال أمامي الكثير ..

وتأكدي عزيزتي أن كلماتك الرقيقة سيكون لها أكبر الأثر في دفع أفكار ي وقلمي للتعمق أكثر ... والأقتراب من الحقيقة اكثر واكثر ...

تحياتي .. وشكرا لمرورك الجميل على صفحتى المتواضعة \

......

\

سيناترا ،،،،

اليوم ضاعَ

نصفُه انتظار ْ

ونصفُه غضبْ

وهكذا قرَّرتُ الانتحارْ

لكنَّني

لم أقْوَ أن أموتَ

يا صديقتي

من شدَّة التعبْ

رابط هذا التعليق
شارك

ايه يا أصدقائي ...

انتوا خايفين تكتبوا رد لحسن حد يطلع لكم بالليل ولا إية ..

انا عايز تشجيع .. وآراء .. ونقد .. يا جماعة ..

القصة دي أخدت مجهةد مش عادي عشان تطلع لكم زي ما نتوا شايفينها كدة

يا ريت ماتبخلوش علينا بردودكم ..

ومن ناحية الناس التانيين..

انا هكلمهم واقول لهم لنكم تبعي ....

ههههههههه

تحياتي ،،،

اليوم ضاعَ

نصفُه انتظار ْ

ونصفُه غضبْ

وهكذا قرَّرتُ الانتحارْ

لكنَّني

لم أقْوَ أن أموتَ

يا صديقتي

من شدَّة التعبْ

رابط هذا التعليق
شارك

سيناترا...اخونا العزيز

تعرف احنا مش بنرد ليه...

لان ذلك هو ما بداخلنا وما نحس به جميعا....

فكان احساس انني قد اكون باكلم نفسي(وانت عارف طبعا المرحله دي

معناها ايه...

ياريت اكون وصلتلك فعلا ما شعرت به عند قرأتها اول مره

يامصر... يامصر...يامصر

ياااااااااااااااااااااااااااااامصر

رابط هذا التعليق
شارك

سيناترا .......

هايل بجد اللتعمق النفسى اللى فى قصتك متقن جدا جدا جدا وممتع حقا استطاعتك ادماجنا فى اعمالك ومعايشتها

دمت بكل خير والى مزيد من الابداع :wub:

انما الامم الاخلاق ما بقيت .............. فان همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا

...................................................................!

وعلمتنى الحياه اضحك لأحبابى

واضحك كمان للعدو علشان يشوف نابى

واخده كمان بالحضن لو خبط على بابى

فيحس انى قوى وميشفش يوم ضعفى.......

قناتى ع اليوتيوب ....

صفحتى ع الفيس بوك .....

رابط هذا التعليق
شارك

الشكر ..

كل الشكر ..

لكل كن يحاول ان يساعدني ويعطيني رأية أو نقدة أو اعجابة ...

ولكن ماذا أفعل ...

أنا طماع وأنتظر المزيد دائما ....

اتمنى أن يكتب لي أحدكم اخواني الأفاضل تحليلا للقصة من البداية حتى النهاية سواء ان كان نقدا انطباعيا أو نقدا ( يسلخ ) من يقرأه ..

إنني بحاجة فعلا لمثل هذا التحليل الدقيق حتى يمكنني أن أقف على نقاط الضعف والقوه داخل القصة ...

وهذا ليس في هذا العمل وحسب ...

وانما اتمنى من اعماق قلبي ان يكون هذا النقد في باقي الأعمال القليلة والمتواضعة التي أعانني الله

وشاركت بها في منتداكم الجميل ....

اتمني أن لا أكون متثاقلا عليكم بإلحاحي ...

ولكل من يكلف نفسة عناء البحث والرد ..

تحياتي القلبية .. ومزيد من الشكر ... الذي لا أقدر على تقديم سواهما حاليا ،،،،،،

سيناترا .....

اليوم ضاعَ

نصفُه انتظار ْ

ونصفُه غضبْ

وهكذا قرَّرتُ الانتحارْ

لكنَّني

لم أقْوَ أن أموتَ

يا صديقتي

من شدَّة التعبْ

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 8 شهور...

نرجو من الادارة ان تسمح لنا بضم مشاركات العزيز سيناترا فى موضوع واحد حتى يستطيع كل الاعضاء الاستمتاع بها

البحر موعدنا ...........وشاطئنا العواصف جازف فقد بعد القريب ومات من ترجوه واشتد المخالف لن يرحم الموج الجبان ولن ينال الأمن خائف القلب تسكنه المواويل الحزينة ......... والمدائن للصيارف خلت الاماكن للقطيعة من تعادي أو تخالف جازف ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي ولا أن يصلح الاشياء تالف هذا طريق البحر ................لا يفضي لغير البحر والمجهول قد يخفى لعارف جازف فان سدت جميع طرائق الدنيا امامك فاقتحمها ولا تقف كي لا تموت وانت واقف

محمد ابراهيم ابو سنة

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...