يا نيلي ... لا تبكـي

[الآسر]

كعادتي كل يوم جمعة .. أذهب الي شاطيء النيل عند الغروب .. ابصر كيف تتلاقي

أشعة الشمس الصفراء مع أمواج النيل الزرقاء .. يحتضنها في شوق وكأنه حبيب

يحتضن حبيبته كل يوم دون كلل أو ملل ويصبحان كالجسد الواحد في لوحة رائعة ..

أبدعها الخالق سبحانه وتعالي

انصت .. هل تسمع؟ .. حديث هامس بين الريح وموج النيل .. حديث راقص تتغني به

الأمواج وتتمايل في خفة مثل راقصات الباليه .. يغار من خفتها موج البحر ذو الحديث

العنيف مع الريح .. رسائل رقيقة تنقل الي

المراكب والشواطئ .. الصخور والسمك .. الورود والشجر

" يا بني … "

صوت حزين يأتي من بعيد قطع فجأة تسلسل أفكاري

"من يتحدث ؟ "

"أنا .. شريان هذا الوطن "

"من أنت "

" أنا النيــــل "

" ماذا تريد يا نيل ؟ "

" قل لي يا بني .. أين ذهب العشاق ؟

قبل هذا العصر وفي وقت مضي .. كان العشاق يأتون لي في مثل هذا الوقت .. أفرد لهم

أذرعي وأحتضنهم وأسترق السمع الي أحاديثهم .. كلمات تنبض بالحب والدلال

والاشتياق والجمال .. تتحرك معها صخور شواطئ .. أضحك لدعابتهم ومرحهم ..

وأحيانا أحزن لكلمات الفراق والوداع .. تبكي لها أمواجي "

" الحب .. الحب في هذا الزمن نادر الوجود مثل معدن اليورانيوم .. وأعذرني يا نيل ..

أماكن العشق

الآن لم تعد أنت .. لم يعد مشهد الغروب .. انها الكافيهات يا عزيزي والملاهي وخلف

أسوار الجامعات والمدارس .. والحب في هذا الزمن غالبا له غاية .. غاية أحدهم

الرذيلة مثلا .. آخر يطمع في الثراء .. من يريد منصبا .. مجرد تقضية الوقت وحتي لا

يقال عنه انه لم يحب الي الآن .. "

" يا بني .. أنا أختنق وأموت موتا بطيئا .. لم ترمون مخلفاتكم في مياهي وهي شريان

حياتكم والسبب في استمراريتكم .. تقذفون بها ثم تشربونها!! .. وهذه الكارثة البيئية

الأخري .. ورد النيل .. تتركونه مرحا علي سطحي .. يشرب من دمي .. مثل مصاص

دماء يضحك علي فريسته "

"معك حق يا نيل .. غابت الاخلاق .. اغتيل الضمير .. راح الفكر والتخطيط في ثبات عميق

أرجو منك الصبر .. الصبر "

" قل لي يا بني .. لما أنت حزين ؟ "

أنظر الي الشمس التي اختبأت في جلباب النيل .. ثمة قطة سوداء تنظر لي في ثبات ..

أحد الصيادين

المساكين يتغني بغنوة قديمة يتسلي بها حتي يأتيه الرزق سعيا .. أو هربا

" حزين .. علي كل الأطفال المساكين المشردين .. والعجائز المسنين لا رعاية صحية

ولا كلمات حنين .. حزين علي مرور السنين باسم أمل زائف في بناء مستشفي السرطان

للأطفال

حزين لأجل شباب هذه الأمة العاطل المخدر اليائس من حياته الموجه بالثقافة الغربية

حزين لأني شاهدت بعيني رجلا يموت محروقا في سيارته وسط كثير من الناس حاولوا

المساعدة .. ولكن هيهات .. النار التهمته التهاما أمام أعيننا وبعد أكثر من ساعة تأتي

وحدات الدفاع المدني الهمام المدربة علي السرعة .. سرعة الموت

حزين لأن قوات الشرطة في خدمة الشغب لا في خدمة الشعب

حزين لأن لبن الأطفال المدعم لفقراء هذا الوطن .. وما أكثرهم .. يذهب الي مصانع الحلوي

ويتركون الرضع يلقون حتفهم .. آه آه

حزين لأن حبيبتي ماتت في ريعان شبابها "

" يا بني .. من هي حبيبتك ؟ "

" مصــــر .. مصر يا نيل "

صوت دموع منهمرة .. موج النيل يتقاذف مثل موج البحر عاليا غضبا .. القط الأسود يفر بعيدا

" يا نيلي … لا تبكي "

#ولا بيوصل ولا بيتووه ولا بيرجع ولا بيغيب

النيل سؤال وما زال مجاش عليه الرد

من قد ايه ولفين مقالش عمره لحد

سهران يوشوشنا والحلم رايح جاي

قباله علي الشطين بيحب صوت الناس

وغنا البنات بالليل بيكره الحراس

لما تدوس بالخيل

ولا بيوصــل#

"محمــد منير .. ورائعة كوثر مصطفي "

تم تعديل 25 ديسمبر 2005 بواسطة الآسر