باقة حب

[مالك العبيدي]

أيها الاحبة في الله سآخذكم معي في جولة ننسى فيها ..حياة التعب ...ننسى فيها عناء الحياة... ننسى فيها كل شيء لندخل على اعتاب باب العبودية ...فهي لحظة يقظة القلب...القلب بعد تعب وبعد ضنك مل الحياة هو الآن يريد الطمأنينة...فهوأصبح في حالة إنزعاج من الدرن الذي علق به ... فهو يقول:

اتوب إلهي إليك متابا =ومهما ابتعدت ازيد اقترابا

ومهما تجاوزت حدي فإني=احمل نحوك قلبا مذابا

فيالله ما ارق هذه القلوب وما لعبيرها...كالتي زنت فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم-وتقول له زنيت تريد الحد والمعصية تحرق قلبها,وكل مرة النبي -صلى الله عليه وسلم-بعذر يردها,وهي سنة سنتان والمعصية تحرق قلبها وتشعل جسمها ...حتى اقيم عليها الحد...فسبها خالد فلما سبها قال -صلى الله عليه وسلم-:(يا خالد لا تسبها فوالله لو فرقت توبتها على اهل الارض لكفتهم )اللهم اجعل قلوبنا كهذا القلب ...إن أحببتم ان اكمل الكتابة في نفس الموضوع فابعثوا لي برد...

[dr/alfa]

بارك الله لك أكمل ولكم المثوبة والأجر .

[مالك العبيدي]

وهذا رجل ...لا تحسبه صاحب مال ولا جاه...بل هو عبد,لا يعلم بالسر الذي بينه وبين ربه أحد ...وفي يوم أراد الله فضح إيمانه ...اسمع هذه القصة لهذا الرجل:

صلى الحسن البصري صلاة الإستسقاء ...دعى الله ودعى الناس معه ,لكن دون نزول قطرة من السماء...والحسن يمشي إذا بصوت خافت ضعيف لرجل يصلي ويقول:أقسم عليك يا رب أن تنزل غيثا من السماء الساعة الساعة !!!فنزل الغيث من السماء ..انتظر لم تنته القصة بعد...يريد الحسن شراء هذا العبد من سيده...وهو يخيره بين العبيد حتى قال له سيد العبيد:لعلك تريد ذلك العبد الكسول؟؟!قال:نعم إياه أريد!!!

اشترى الحسن العبد فقال له العبد:يا سيدي ما حاجتك بي وإني امريء كل-ضعيف-؟؟!فأخبره الحسن بالقصة...فقال له:ائذن لي يا سيدي بأن أصلي ركعتين!!!فلما صلى إذا به يقول في سجوده:أقسم عليك يارب ان لا تفضح أمري إلى غير الحسن!!أقسم عليك يا رب أن تقبض روحي الساعة الساعة!!!

ففاضت الروح إلى باريها ..اللهم يا من رق لك القلب حتى وصل إلى شوق لا يوصف ودعوة مجابة ..اجعل قلوبنا كقلب هذا الرجل...

[مالك العبيدي]

الهي...

فوحق حكمتك التي آتيتني =حتى شققت بنورها برهاني

لأسبحنك بكرة وعشية =ولتخدمنك في الدجى اركاني

ولأذكرنك قائما او قاعدا =ولأسبحنك في كل مكان

إننا اليوم مع سفر العائد إلى ربه المحب له...الذي أراد فرح ربه...المستعيذ منه به!!!كيف؟نعم ،المستعيذ من الله به!!!وافهم يا اخي سر هذه الدقيقة-رحمك الله-وهو ان للعبد هجرتان:هجرة بالجسد،وهجرة بالقلب إلى الرب...

وهجرة الرب هذه أن تفارق إرادتك وتزول رغبتك إلى رغبة الله...بمعنى انك كالطفل في حجر أمه الذي لا يعرف في عالمه سواها ولا يركن إلى إليها وهذه الهجرة هي الهجرة إليه بالحب والأنس والشوق فهو لا يلتفت إلى شيء إلى إلا الله...

إذا شغلت فلا شفلن بغيركم =وإذا انشغلت فشغلي عنكم بكم

أما الهجرة منه فهو أن تهاجر من جنابه بالخوف والرهبة والإحساس بالعلو والعظمة المطلقة لله...ولا يكمل إيمان عبد إلى بهذين الهجرتين هجرة منه وهجرة إليه-ودقق هنا في دقة لفظة (الهجرة) وما في معناها من الفرقة لما تحب وتألف-وبهذا تعلم معنى قولك:سبحانك لا ملجا منك إلا إليك،أعوذ بك منك،سبحانك لا مسبب غيرك...وهو كفعل ابن تيمية-رحمه الله- حينما دخل السجن فقال:(فضرب لهم بسور له باب باطنه فيه رحمة وظاهره من قبله العذاب)...

إنها معان خالدة نسأل الله أن نكون من الموفقين غليها ولتثبيت هذا المعنى ارجع إلى كتاب الرسالة التبوكية لابن القيم،واود لو شارك من يرى في موضوعاتي فائدة حتى لا أظن أنني اكتب لنفسي واقرا المواضيع وحدي جزاكم الله خبيرا واضيفوا على هذه المعاني الإيمانية التي كادت تتناهى من حياتنا...

المحب لكم جميعا:

مالك عبيدي

تم تعديل 10 يناير 2006 بواسطة مالك العبيدي

[مالك العبيدي]

جلس أحد الشباب عند حلاق فقال له الحلاق-وهو يحلق له-:إنني أشك بوجود إله مع وجود أناس معذبين في الأرض !!!سكت الشاب حتى انتهى الحلاق من فعله فما لبث أن خرج حتى وجد رجل طويل الشعر بلا تهذيب ولا عناية وكأنه لم يحلق من سنين ،فأخذ به إلى الحلاق،وقال له:أنا أشك بوجود حلاقين في المدينة بوجود هذا الرجل!!!قال الحلاق:كلا فأنا هنا من زمن لكن بعض الناس لا يأتونني كهذا الرجل،فقال له الرجل بسرعة:كذلك من ذكرت ممن ابتلاهم الله لم يأتوا إلى الله حتى يكفيهم!!!

فلماذا لا نقدم إلى الله؟ولا نأتي إليه؟يقول ابن عطاء:(كيف يفلح قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل في شهواته؟أم كيف يدخل على الله وهو مكبل في شهواته؟)...

فطريق القدوم على الله أن تترك الدنيا وتترك ما فيها...وتضيق مسرى الشهوة حتى تكاد تلغيها...وتصحو من الغفلة حتى تكون حاضر الفهم تعقل مراد الله في كتابه المنظور في آياته الكونية،وكتابه المسطور في آياته القرآنية،وهذه المرحلة التي يسميها أهل تزكية النفوس بالتخلية ثم يلزم بعدها التحلية وهو زرع معاني الإيمان في القلب وتوطينه عليها...وكيف يتم لنا هذا؟

لا يتم هذا إلا بانزعاج من القلب من الغفلة ومطالعة كتاب الله وتأدية العبادات بالمعنى الصحيح وسنفرع في الحلقة القادمة أول هذه الوسائل وهي الصلاة على الصفة التي تتم بها المعاني الروحانية الغائبة.ثم نتبع الكلام بالوسائل الأخرى.

تم تعديل 17 يناير 2006 بواسطة مالك العبيدي

[مالك العبيدي]

رغم أن موضوعي هذا لا أرى من يرد أو يكتب أو يضيف فسأبقى أكتب -ولو لنفسي-وأسال الله التوفيق والهداية في البداية والنهاية...أما بعد:قد وعدنا بذكر وسائل التزكية وابتدأنا بذكر الصلاة وكما يلي:

وسائل التزكية:

الوسيلة الأولى:الصلاة:

قال تعال:(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)ولكن ما هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر؟أتكون تلك التي يفعلها بعضهم مما لا يزيد على حركات رياضية؟لا يدري ماذا صلى؟ وكم؟ لكن المهم أنه صلى،ويقفل راجعا مرتاح الضمير هادئ البال!!!

وقد أصبح مظهرا مألوفا رؤية تاركي الصلاة!!!فكيف بالذين لا يخشعون فيها؟؟؟الله المستعان.وقد قال –صلى الله عليه وسلم-:(أول علم ينزع من الدنيا علم الخشوع)رواه الطبراني بإسناد حسن

وأبدأ أولا لأمهد الحديث لأقول لك تأمل في هذا الحديث (وجعلت قرة عيني في الصلاة)،وأمعن النظر معي هل قرة عينك في الصلاة أم في الإنترنت أم التلفاز أم في أي أمر؟أريد منك أن تعلم أن هدفك أن تصبح الصلاة هي ما تبغ من كل الدنيا فهي قرة عينك...لا بأس بأن تحب الإنترنت وتحب التلفاز في كل ما هو مشروع لكن أين قرة عينك هذا هو الأمر المهم؟وانظر إلى قول النبي-صلى الله عليه وسلم-لبلال:(أرحنا بها يا بلال)...يا لها من عبارة كلها دفء!!!أرحنا بها لا منها كما هو حال كثير من الناس...

مراتب الناس في الصلاة:وهذا تقسيم للإمام ابن القيم-رحمه الله-يذكر فيه هذه المراتب كما يأتي:

1-مرتبة الظالم لنفسه المفرط:وهو الذي أنقص مواقيتها وحدودها وأركانها.

2-مرتبة من يحافظ على الحدود والأركان وكل الأعمال الظاهرة ويترك الأعمال الباطن(عمل القلب).

3-من حافظ على الحدود والأركان وسائر الأعمال الظاهرة وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار،فهو في صلاة وجهاد.

4-من أكمل سائر الأعمال الظاهرة والباطنة وهو من كان كل همه مصروف لتحقيق معاني العبودية.

5-وأتركك مع هذا الكلام الساحر لابن القيم حيث يقول-وهو يصف أهل هذه المرتبة-:(قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه-عز وجل-ناظرا بقلبه محبته وعظمته كأنه يراه ويشاهده وقد اضمحلت الوساوس والخطرات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه،فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض)(ص33من الوابل الصيب)

اقرأ أحوال الخاشعين:

1-يقول حاتم الأصم:(كنت وأنا أصلي فكأنما ملك الموت عن يميني، وملك النار عن شمالي، والجنة من أمامي ،والنار من خلفي ،والكعبة تحت عيني، والصراط تحت قدمي ،فأصلي بين الخضوع والخشوع ،فلا ادري أقبلت مني صلاتي أم لا !!!!)

2-وانظر إلى علي-رضي الله عنه- حينما كان يتوضأ فينظرون إليه وقد اصفر لونه فيقول:(ألا تدرون بين يدي من سأكون؟؟؟)

3-وكان ابن الزبير تنزل العصافير على ظهره ولا تحسبه إلا جذع شجرة!!!

4-ومسلم بن بشار تهدم ناحية من المسجد ولا يلتفت لها مجرد التفات!!!

5- ومن الصحابة من تقطع رجله لمرض ألم بها-وهو في صلاته-تجري المنشار على رجله ...وبعد انتهائه يلتفت لمن قطعوها قائلا لهم:أقطعتم رجلي!!!ويتبع الكلام بإذن الله.

[مالك العبيدي]

اجهز من الوضوء:الوضوء إنك إن أردت مقابلة مسؤول من أهل الدنيا لتجهز بأحلى جهز فكيف بملك؟فكيف بملك الملوك؟استحضر هذا المعنى في داخلك واعلم أن الوضوء كما هو تطهير لظاهر فهو غسل بلا أثر للباطن فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:(إذا توضأ العبد المسلم-أو المؤمن-فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء-أو مع آخر قطر الماء-فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء-أو مع آخر قطر الماء-،فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء-أو مع آخر قطر الماء-،حتى يخرج نقيا من الذنوب)رواه مسلم،استحضر هذا المعنى وتذكر كل عضو مع خطأه وتقصيره،عينك ماذا أبصرت؟يدك ماذا فعلت رجلك بماذا ولماذا مشت؟،وعند دعائك بعد انتهاء الوضوء:(أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،اللهم اجعلني من التوابين ،واجعلني من المتطهرين)يستحضر تحقق التوحيد فيه عندما شهد بان لا إله إلا الله وما فيها من تبرأ من كل حول وقوة وأنه لا منصب ولا جاه ولا شيء الآن في قلبك إلا الله،وأنه تبرأ من كل شيء إلا الله،ثم تستحضر حب النبي-صلى الله عليه وسلم-في صدرك وتعظمه في قلبك لأن الدين ما وصل إليك إلا به،ثم تستشعر معاني التوبة في دعائك،وطهارتك في الباطن والظاهر معا،وطهارة الباطن تقتضي منك أن لا يكون في قلبك غل ولا حقد ولا رياء ولا سمعة ولا يوجد إلا الحق لأن وجود الحق في القلب مذهب من القلب صورة الخلق.

من سماع النداء:

صوت الأذان يقول لك:(حي على الصلاة)(حي على الفلاح)فكن أول من يجيب هذا النداء،واستشعر نداء القيامة بأن الفرح به فرح ومستبشر في جنان،والمتثاقل منه في سعير.

أعمال الصلاة:فإذا سترت عورتك فكما لا تريد بها فضح بدنك عن الخلق فليعلم أن فضائح باطنه لا يعلمها غير الخالق،وإذا وجهت وجهك إلى القبلة فلا تجعل قلبك مصروفا عنه،وإذا كبرت فلا تجعل قلبك مكذبا للسانك،لأنه إن كان في قلبك شيء أعظم من الله أو مواز له في الحب كمن يفكر في أمر وهو ماثل أمام الله،وإذا استعاذ فليعلم أن الاستعاذة لجوء إلى الله،فإذا لم يلجأ إلى الله بقلبه فلا قيمة لكلامه،ثم ليفهم وليعقل ما يقرأ ويتلوا وتذكر هذا الحديث عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال:سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول:(قال الله –عز وجل-:قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال:(الحمد لله رب العالمين)قال الله:حمدني عبدي،وإذا قال (الرحمن الرحيم)قال الله:أثنى علي عبدي،فإذا قال:(مالك يوم الدين)قال الله:مجدني عبدي-وقال مرة:فوض إلي عبدي-،فإذا قال:(اهدنا الصراط المستقيم*صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين)قال الله:هذا عبدي ولعبدي ما سأل)رواه مسلم،فاستحضر هذا المعنى...واعلم أنك إن أردت أن تخاطب الله فعليك بالصلاة وإن أردت أن يخاطبك الله فاقرأ القرآن!!!

واستشعر في ركوعك التواضع وفي سجودك زيادة الذل وأنك ردت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلق منه ،ويعرف معنى الأذكار التي يقولها ويكررها ليؤكدها بقلبه،وعندما يرفع من الروع ويقول:( سمع الله لمن حمده)ويقف هذه الوقفة التي تدل على فضل الله لك الذي يستحق الحمد لتكريمك بها فتقول:(ربنا ولك الحمد)وتستشعر فضائل الحمد فقد جاء في سنن ابن ماجه عن ابن عمر-رضي الله عنهما-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-حدثهم أن عبدا من عباد الله قال:(يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك)،فعضلت الملكين فلم يدريا كيف يكتبانها.فصعدا إلى الله فقالا:يا ربنا،إن عبدا قد قال مقالة لا ندري كيف نكتبها.قال الله-وهو أعلم بما قال عبده-:(وما الذي قال عبدي؟)قالا:يا رب،إنه قال:لك الحمد يا رب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.فقال الله لهما:(اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها)،ثم إذا سلم عن يمينه وشماله فليعلم أنه يسلم على الملائكة والمؤمنين من انس وجن.ولما ينهي الصلاة فإن أول قول يقوله:(أستغفر الله،أستغفر الله،أستغفر الله )لأنه لا يدري أأحسن في صلاته أم لا. فيستغفر الله ويكررها ليستشعرها في قلبه تقصيره في صلاته ولعلها لم تقبل منه.

[بركات]

جزاك الله خير

[مالك العبيدي]

لا بد لك أيها المحب وأنت تقطف زهور هذه الباقة أن تعلم أنك عليك أن تتم هذه الوسائل على كمالها وتحاول دائما أن ترفع إيمانك بالفرائض ثم بالنوافل وهكذا ،وأعلمك أن هذا الكلام مختصر جدا وإلا فيرجع لتفاصيل الكلام فيه إلى مظانه كمدارج السالكين لابن القيم ومختصر منهاج القاصدين لابن قدامة، وأنا لن أكتب كل الوسائل ولا حتى أهمها،ولكن ما أقدر عليه منها،أما بعد:

الوسيلة الثانية:

الصوم:

اعلم -أيها الحبيب- أن الغزالي-رحمه الله-قسم مراتب الصائمين إلى ثلاث مراتب:

أولا:صوم العموم:وهو الصوم عن الأكل والشراب والوطء من طلوع الفجر إلى وقت الغروب دون أي من مفطرات الصيام،وهو أداء للواجب لا غير.وهو كصوم أكثر الناس.

ثانيا:صوم الخصوص:وهم عباد الله الأتقياء الذين بعد أن صاموا عن المباح فطنوا لمعنى آخر هو أننا صمنا عن المباح حتى يكون من باب أولى امتناعنا عن الحرام،وأن صيامنا عن المباح دليل على قهر لنفس في المباحات فكيف لا تقهر بتركها للمحرمات.فصامت أعينهم عن النظرة الحرام،ولسانهم عن الكلام الحرام(كالغيبة،والنميمة،وكثرة الكلام...)،وسائر جوارهم فلما صام عن المباح صام قلبه عن الحرام وهذا مقصود الصيام لأن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال:(كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش)رواه النسائي وابن ماجه.

ثالثا:صوم خصوص الخصوص:فهو صوم القلب عن كل الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله-عز وجل-بالكلية،فالفطر في حق هذا الرجل –وهو فطر مجازي لشدة مراقبته لله-أن يفكر فيما سوى الله والدار الآخرة.

وعل المؤمن أن يجاهد نفسه ليصل لأعلى المراتب ويراقب أعضاءه عضوا عضوا، ليعلم مع أي مرتبة هو وليتأمل مقالة بعض العلماء عندما قال:كم من صائم مفطر،وكم من مفطر صائم.وكلام أبي الرداء-رضي الله عنه-عندما قال:يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم،كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم!ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين.

[مالك العبيدي]

في البداية سنسطر هنا قاعدة هامة جدا في الباب يكتبها علماء التزكية وهي:(إذا وجدت نفسك في الركوع فلا تسجد،وإذا وجدت نفسك في السجود فلا ترفع)لكن ما معنى هذا الكلام؟أي أن الناس فيما يفتح الله عليهم في العبادات أحوال فمنهم من يفتح عليه في الصلاة ومنهم من يفتح عليه في الزكاة وهكذا،ولهذا كانت أبواب الجنة أحدها للمصلين وآخر لصائمين وهكذا ومن كانت أنفاسه صديقية دخل الأبواب كلها!!!فمن البداية نقول لك أين تجد نفسك؟؟؟وقد تجد نفسك في أكثر من وسيلة فجاهد وجاهد لنفسك!وادخل معي الآن إلى باقتي الجميلة وهي:

الوسيلة الثالثة:الزكاة والصدقات:

هذه الوسيلة تعزز في المؤمن أن الغنى أمر نفسي،بمعنى أن الذي ينفق أمواله في سبيل الله يستشعر غناه عن هذا المال وعدم حاجته له،فلا يزكي ماله أو يتصدق به إلا وهو شاعر بزيادته عن حاجته وأنه واجب عليه بانقياد نفسي،وليس الغنى إلا الشعور بالغنى فكم من غني أو رجل لديه أموال لا يستشعر هذا؟؟؟

كما أنه عندما لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه من شدة حرصه على الإخلاص يعظم الرب الذي يراقبه ويحضره هنا معنى لماذا أخفي؟؟؟وعن من أخفي؟؟؟أخفي لله وأستشعر أنه لا يراني إلا الله!!!

أن ينتقي من ماله أحبه إليه وفي هذا ترك لفضل نفسي عندي،فأنا كأني أقول لها يا نفس ليس لك في هذه الدنيا حاجة حاجتك في مكان آخر!!!وتأمل في أبو حنيفة-رحمه الله-وقد كان تاجرا ذكيا ومع هذا لم تجب عليه الزكاة في يوم لأنه كان يتصدق بمال كثير لا يبقى معه نصاب الزكاة إلى الحول!!!

الوسيلة الرابعة:الحج:

وللحج عدة آداب سأكتبها لك بنقاط:

1-ترك الجدل والمشاحنة والكلام الذي فيه ذكر الشهوات وتهيجيها.

2-أن يكون أشعث أغبر تبدو عليه علامات الضعف والحاجة إلى الله.

3-أن يكثر من الإنفاق من الطيبات ويريق دما تقربا لله وإن لم يكن واجبا.

4-أن يستشعر وهو يلبس ثياب الإحرام أنه يلبس ثوب يشبه الكفن ومع هيئته فليذكر آخرته ونهايته وعاقبته.

5-وعندما يفارق الأهل والأولاد أنه يتركهم لمن هو أعز وأغلى منهم أنه ماثل وحاضر بين يدي ربه فكيف ينبغي أن يكون حاله.

6-وعند أول نظرك إلى البيت تذكر في هذه الرؤيا عظمة رب البيت،وأنت الآن كأنك تنظر إلى الله فإن لم تره فإنه يراك!!!

7-وعند الطواف فاستشعر أنها حركة الكواكب والملائكة وكأن كل أمر يسير في هذا الميزان الثابت(وكل في فلك يسبحون)،والمقصود هنا ليس طواف الجسد بل القلب حول ماذا يطوف؟؟وإلى أي الجهات يحوم؟؟؟

8-وعند السعي فليذكر فعل هاجر وأنه ممثل لفعلها يبحث عن ماء يرويه وهو هنا يبحث عن مغفرة من ربه فهو لسعيه لا يهدأ ولا يتم له قرار.

9-وعند عرفة يستشعر جموع الناس يوم القيامة وحشرهم وصياحهم ومناجاتهم.

10-وعند رمي الجمار يظهر الامتثال دون توان ويتذكر فعل إبراهيم-عليه السلام-عندما رمى إبليس فامتثل لفعله حتى ترمي مثل ما رمى وأنت عندما تمتثل هكذا فأنت تغيظه وترميه على وجهه فلا يغيب عنك هذا.

11-وأنت تذبح الهدي تذكر أنك ترجو كما ذبحت هذه القبة فإنك ترجو زحزحة رقبتك عن النار.

12-وعند زيارة المدينة فتذكر جهاد الصحابة وأفعالهم واستشعر سكون المدينة لأنها أول مهد للإسلام ومنه المنطلق.

13-وعند زيارتك للحبيب فلا تنسى الشوق والمحبة له-صلى الله عليه وسلم-ولا تنسى سيرته بل اجعلها حاضرة في ذهنك،وسلم عليه وأنت ترجو شفاعته وتسأل الله أن يسقيك من يديه شربة ماء لا تظمأ بعدها أبدا.

هناك كتاب مفرد يدعى رحلة المشتاق لخالد أبو شادي (العمرة)وهو كتاب جميل فيه معان سامية، ولا أدري أين جزء رحلة المشتاق أيضا له(الحج) فمن كان يعلم له رابطا فلا يبخل به علينا.

[الاسكندرنى]

السلام عليكم

يعجز فى بعض الاحيان اللسان عن العرفان بالجميل و يتوقف احيانا معجبا بالحديث و تجده لا يسطتيع قول اى شى اخر غير جزاك الله و نورك بعلمه

فمن ارد بيه خيرا فقهه فى الدين

[مالك العبيدي]

شكرا أخي فكلماتك تدل على صدق في المشاعر وصدق في التوجه،فنسأل الله أن يديم عليك حفظه ويمدك بفضله،أما اليوم فنحن مع:

الوسيلة الخامسة:

القرآن الكريم:

إذا أردت الإنتفاع بالقرآن فاحضر قلبك حضور من يخاطبه القرآن ووجه كل خطاب لك فلا تكن غائبا ولا لاهيا،فهو خطاب العلي الجليل إلى العبد الذليل وتأدب بأدب القرآن بالحضور على طهارة كاملة واستقبال القبلة واستعمال السواك وغيرها من الآداب (وجميع هذه الآداب موجودة في كتاب التبيان في آداب حملة القرآن للإمام النووي-رحمه الله-)،واستشعر النداء العلوي العظيم فإن الله يكلمك ويا لها من نعمة ويا له من فضل!!!

والناس أما القرآن أصناف:فمنهم من علم ولم يعمل به،ومنهم من يعمل أحيانا وأحيانا يترك مع علمه،ومنهم من عمل بكل ما في القرآن ولم يترك أمرا ولا نهيا،ومنهم من كانت معاني القرآن حاضرة في قلبه فالقرآن بعد قرائتها يزيدها تثبيتا كما كانت بعض الآيات تنزل على ما قاله عمر-رضي الله عنه-فلما قال:لما لا نتخذ يا رسول الله مقام ابراهيم مصلى نزلت الآية (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى)،وإذا أردت شاهدا على هذه الحالة انظر إلى قوله-عز وجل-:(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)فالسؤال:معنى ألقى السمع:سمع شدة،وأن يكون له قلب بمعنى قلب حاضر واع خاشع فلماذا يقول الله"أو"والمفروض طالما أن الصفتين مطلوبتين أن يقول"و"بين الصفتين لأن كليهما مطلوبتان؟ فالجواب:-وهذا تحقيق ابن القيم- بأنه أطلقه باعتبار حال المخاطب فمن الناس منة يكون حاضر القلب واعيه تماما فهذا صاحب قلب حاضر يزيده القرآن نورا إلى النور الذي عنده، ومنهم من لم يصل إلى هذه المرتبة فلا زال بحاجة إلى شدة في حضور السمع وإلى معاني القرآن حتى يصل إلى هذه المرتبة فالأول في حال الإحسان والثاني في حال الإيمان.نسأل الله أن يوفقنا لفهم معاني كتابه وتذوق عبيره وارجعوا إلى كتب التفسير في كل لحظة لزيادة هذه المعاني.عسى أن يمن الله علينا أن نصل إلى أحد هذه المراتب.