علاج جماعي مصري

[Alshiekh]

علاج جماعي مصري

جاء الانتصار المصري في نهائيات كأس إفريقيا لكرة القدم أشبه بجلسة علاج نفسية جماعية لملايين المصريين. فحالة الفرح التي تلت المباراة والتي كانت بمثابة هستيريا من الفرح، جاءت وكأنها معجزة من السماء بعد أن ذرف المصريون دموعا كثيرة على مئات الأبرياء الذين ذهبوا ضحية الاستهتار في حادث العبارة.

المجتمع المصري كان بحاجة إلى لحظة فرح جماعية يشارك فيه كل المصريين بكل معتقداتهم واختلافاتهم وتوجهاتهم السياسية والاجتماعية، فالفرح الجماعي مثل الحزن الجماعي يوحد الناس وينسيهم خلافاتهم ويدفعهم بشكل غريزي إلى التوحد. فدموع الفرح الجماعي على الانتصار الكروي غسلت دموع الحزن الجماعي على حادث العبارة.

الحكومة المصرية التي كانت المتهم الرئيسي في حادث العبارة، بعد أن اتهمتها الصحافة والأحزاب بالتقصير وعدم المحاسبة، أصبحت قائدة الانتصار في كرة القدم، وكان الرئيس المصري يصفق بحرارة في المنصة الرئيسية بينما كانت زوجته تلوح بالعلم المصري. وبدأت الصحافة بالحديث عن أن الحكومة المصرية هي قائد الانتصار. المصريون أكثر الشعوب العربية نجاحا في صناعة النكتة والسخرية، ربما من كثرة ما عانوه من الحكم الشمولي وسيطرة الجيش على الحياة العامة وإفساد المجتمع، وأزمات البطالة والحرمان، ومع ذلك فعندما يضحك المصري يقول لصاحبه «اللهم اجعله خيرا»، وكأن كارثة ستحل بعد الانتهاء من الضحك، وكأن الضحك هو الاستثناء، والكارثة هي القاعدة.

الجميع استثمر هذه اللحظة النادرة من الفرح المصري الجماعي، فالأجهزة الإعلامية الحكومية امتلأت بموشحات المديح لحسن التخطيط، ولرعاية الدولة للرياضة. والمعارضة التقليدية حاولت إبعاد هذا الانتصار عن السياسة منعا من أن تختطف الحكومة الأنظار، أما الإخوان المسلمون الذين عرفوا بأن لهم في كل عرس قرص، فقد حاول مرشدهم محمد مهدي عاكف تذكير الشعب المصري بما قاله مؤسس الجماعة من أن الإخوان المسلمين «جماعة رياضية»، وأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.

الفرحة العارمة التي عمت القرى والأحياء في طول البلاد وعرضها كانت مناسبة لغسل قلوب المصريين وإشعارهم بإمكانية الانتصار الجماعي، والفرح الجماعي حتى وصل الأمر إلى قرار للاتحاد المصري لكرة القدم بإلغاء مباراة الأهلي والزمالك المقررة في الدوري، وكان تصريح احد الرياضيين المصريين معبرا حين قال «مش عاوزين نشوف حد منهزم أو زعلان».

أحمد الربعي

الشرق الآوسط