اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هروب ... (مهيب)


مهيب

Recommended Posts

هروب

لم يدر مالذى تغير اليوم .. يوم آخر هو ككل يوم .. لكنه يحس بشيء من التغير .. استيقظ صباحا متثاقلا .. حاول أن ينهض من فراشه فور استيقاظه كعادته كل يوم الا انه لم يستطع .. ظل مستلقيا على فراشه يرمق سقف الحجرة .. يرمق تلك الخدوش البسيطة .. يحاول أن يتخيل منها أشكالا لانهائية .. مرات يتخيل وجه طفلة تبكى .. أو رجل عجوز على شاطىء بحيرة .. لم يدر كم من الوقت مضى و هو يتأمل السقف .. متثاقلا نهض .. ماله اليوم يحس بتغير .. يوم عادى هو كأى يوم .. لكن شيئا ما قد تغير ..

حالة غريبة من الهدوء تجتاحه .. حالة روحية .. حالة مبهمة .. خليط من الحزن و الشجن و الهدوء .. بتثاقل يعد وجبة افطار صغيرة .. الصباح البكر .. و خيوط الشمس التى مازالت باردة .. يتأمل المطبخ الضيق من حوله .. متى ستشرق شمسا مماثلة لتلك داخل روحه .. يشعل الموقد .. .يضع بعضا من اللبن ليغلى .. ويسرح و هو يتأمل سطحه الأبيض الناعم

آه من الذكريات .. متى أتى الى هذا العالم .. و متى يأخذ متاعه و يرحل .. اننا نولد بمخزون من الفرح و من الحزن .. ولقد نفذ مخزونه من الفرح منذ زمن .. ظل يتأمل سطح اللبن الهادئ الناعم .. ظل يتأمله و يترك لخياله العنان ..

وحياته الهامدة كجثة .. المملة كـ .. كحياته ذاتها .. يستيقظ كل صباح فى ذات الموعد .. يعد ذات الوجبة و يذهب لذات العمل ليرى ذات الوجوه .. لم يعد العالم بذلك الاتساع الذى كان يراه به و هو صغير .. لم يعد فيه الكثير كما كان يتخيل .. ليتنا لا نكبر .. ليتنا نظل أطفالا تغمرنا النشوة .. ليتنا لا نفقد براءتنا .. لكننا نكبر و نشيخ و نموت .. نقطع أميالا دون أن نشعر .. ننظر الى أنفسنا فى المرآة كل صباح ولا نشعر بتغير .. حتى تأتى لحظة تأمل فى يوم ما .. نرمق تلك الوجوه التى تطالعنا من خلف المرآه و تغمرنا الدهشة .. أحقا أولئك نحن؟؟ متى تغيرنا؟؟ .. كم تغيرنا؟؟ .. هل تغيرنا !!

الصباح البكر .. و أشعة الشمس التى بدأت تتجه للدفء ببطء .. أطفأ الموقد قبل أن يفور اللبن .. ابتسم و هو يتذكر تعبيرا كان قد قرأه عن كون اللبن سائلا ملهما بطبعه .. ما أن تضعه على الموقد و تستشعر دفئه الذى يتسلل الى روحك .. حتى تبدأ الذكريات فى التدفق ببطء و هدوء

فتح المذياع كعادته كل يوم .. ذات الأغانى .. ذات البرامج .. ذات المقدمات الموسيقية .. ببطء و بعدم رغبة بدأ فى تناول وجبته البسيطة التى أعدها .. لم يكن للطعام مذاق .. ذات الوجبة كل يوم .. لكن ثمة شيء ما يختلف اليوم ..

مالذى تغير اليوم .. مالذى حدث .. انه لا يرغب فى الذهاب لعمله .. لا يرغب فى تكرار ذات الروتين .. لن يتصل بهم .. لن يعتذر .. وفى هدوء بدأت الفكرة تتجسد .. ارتدى ثيابه .. و هبط السلم .. أخذ شهيقا عميقا ملأ رئتيه عن آخرهما .. الشارع من حوله أيضا بدا مختلفا .. هواء الصباح الباكر .. الأطفال و صخب الذهاب الى المدارس .. ان للشتاء لسحر خاص .. ينظر الى السماء الرمادية الباهتة .. الى القهوة القريبة من منزله وقد بدأت تدب فيها الحياة ببطء و على استحياء .. سائرا وحده يتأمل القاهرة فى صباح آخر بكر .. صباح ليس كأى صباح .. الأنشودة الخالدة لأناس مازالوا يمارسون عاداتهم اليومية .. عاداتهم التى سوف يتوقفوا عن ممارستها حين يموتون ..

رائحة هواء الصباح المشبعة بخليط من البرودة و الدفء تتخلل صدره .. الأشياء من حوله بدأت –على استحياء – تسترد ألوانها التى فقدتها فى الليل .. سبحانك يا الله .. ان من خلق هذا الجمال لهو الأحق بالعبادة دون شريك .. ينظر الى وجوه الناس من حوله .. كل بداخله ما يشغله .. كم نحن ضعفاء .. نتظاهر بالقوة و الصلابة .. لكننا مازلنا أطفالا .. مازال بداخل كل منا جزء من طيبة و براءة الطفولة .. نحب و نخاف و نبكى أحيانا حتى تدمع أعيننا ..و أحيانا نضحك ملء أفواهنا .. كلنا نعلم أننا سنموت .. لكن هذا لم يمنعنا من أن نضحك .. مازلنا أطفالا بداخلنا .. نحتاج لمن يهتم بنا .. لمن يعلمنا كيف نمشى .. كيف نغسل أيدينا قبل الأكل و بعده ..

سائرا وحيدا فى شوارع القاهرة التى بدأت تدب فيها الحياة .. ليس بعد موات فى الليل .. فمدينة مثل القاهرة لا تموت بالليل .. ولكن بعد حياة من نوع مختلف .. يتأمل المارة من حوله .. يتأمل الشوارع التى لا تنام ودون أن يدرى كانت خطواته تأخذه الى الكورنيش .. يقف .. يتأمل النيل الخالد .. بطل الأنشودة الدائمة .. التى مازالت تتردد .. كان هناك قاربا صغيرا .. وصيادا عجوزا .. كان منظره غريبا وسط طريق الكورنيش المفعم بالمراكز التجارية و مبانى الوزارات .. نظر اليه و ابتسم فبدت تجاعيد وجهه الطيب واضحة .. رد عليه بابتسامة مماثلة قبل أن يسمعه و هو يقول بطيبة .. صباحك خير يا استاذ .. قالها والتفت ليكمل ما قد بدأه فى اعداد قاربه .. قالها ولم ينتظر رد ..

مهيب

تم تعديل بواسطة مهيب

<span style='font-size:14pt;line-height:100%'>حين يصبح التنفس ترفـاً .. و الحزن رفاهية .. والسعادة قصة خيالية كقصص الأطفال</span>

رابط هذا التعليق
شارك

حالة غريبة من الهدوء تجتاحه .. حالة روحية .. حالة مبهمة .. خليط من الحزن و الشجن و الهدوء .. بتثاقل يعد وجبة افطار صغيرة .. الصباح البكر .. و خيوط الشمس التى مازالت باردة .. يتأمل المطبخ الضيق من حوله .. متى ستشرق شمسا مماثلة لتلك داخل روحه ..................

كم نحن ضعفاء .. نتظاهر بالقوة و الصلابة .. لكننا مازلنا أطفالا .. مازال بداخل كل منا جزء من طيبة و براءة الطفولة .. نحب و نخاف و نبكى أحيانا حتى تدمع أعيننا ..و أحيانا نضحك ملء أفواهنا .. كلنا نعلم أننا سنموت .. لكن هذا لم يمنعنا من أن نضحك .. مازلنا أطفالا بداخلنا .. نحتاج لمن يهتم بنا .. لمن يعلمنا كيف نمشى .. كيف نغسل أيدينا قبل الأكل و بعده ..

لا أدرى كيف يمكنك ان تلخص بكل البساطة والتلقائية ايامنا من لحظاتها النهارية الاولى وحتى لحظات توحدنا مع ذواتنا بهدوء لنكتشف ببساطة اننا نفضل لو بقينا اطفالا نحتاج كثيرا الى التكاسل ان نجلس الى مقاعدنا فى إستكانة الطفل ونشير الى امهاتنا نطلب شربة ماء وان تقدم لنا الطعام وتقود ايدينا حيث نريد وتغسل افواهنا وتعطر ثيابنا اليس كذلك

نحتاج ان نلقى بسلات الهموم فى جعبتها الواسعة ونغتسل بماء طهر لحظة طفولية زالت

وان نغمض اعيننا لنصحو على الواقع الرائع ........الراحل

لماذا تذكرنا بالامنيات والاغنيات الراحلة

مرحبا بك مهيب

:)

عندما تشرق عيناك بإبتسامة سعادة

يسكننى الفرح

فمنك صباحاتى

يا ارق اطلالة لفجرى الجديد

MADAMAMA

يكفينى من حبك انه......يملأ دنياى ....ويكفينى

يا لحظا من عمرى الآنى.....والآت بعمرك يطوينى

يكفينى .....انك........................تكفينى

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزى مهيب

دائما ما تختار ان تكون غامضا

و فى بعض الغموض روعه و جلال

ليس شرطا للموت ان يكفن الميت

ولا ان ينشر له نعيا

او ان يضعوا شاهدا على قبره

انت تموت عندما تصمت بينما كان ينبغى عليك ان تتكلم

"shinercorner"

رابط هذا التعليق
شارك

البنت المصرية ... أشكرك على كلامك و تعليقك ... و على الرغم من أن قاعدة الدنيا عدم الاستقرار و قاعدة الانسان الضعف .. الا أننا نصادف طيلة الوقت الكثيرين و الكثيرين ممن يبحثون عن الاستقرار فى الدنيا وعن القوة بداخلهم ليصبحوا أقوى من الآخرين ...

الأمنيات و الأغنيات الراحلة .. هى فقط كذلك لأننا نتذكرها ... هناك أناس تقتلهم الذكريات و هناك أناس تبقيهم الذكريات أحياءا .. أليس كذلك ؟

عزيزى شاينر كورنر (أهى الركن الأكثر اضاءة أم ترانى أخطأت؟)

الغموض يكون فيه الروعة و الجلال حين لا يكون مقصودا عزيزى ... و يشهد الله أنى لم أر ما كتبت غامضا من الأساس ... انها حالة لرصد لحظة حميمية جدا ... خاصة جدا من الهروب ... و حين تتوقف ليوم واحد عن فعل ما تفعله كل يوم ألا يعد هذا هروبا .؟؟

مهيب

<span style='font-size:14pt;line-height:100%'>حين يصبح التنفس ترفـاً .. و الحزن رفاهية .. والسعادة قصة خيالية كقصص الأطفال</span>

رابط هذا التعليق
شارك

  • الزوار
Guest النسر المصري

لا أنكر يا أستاذي المهيب اني تفاعلت بشدة مع القصة وأن شعور الحزن تسلل بعنف الى قلبي حيث انها مثلت الجانب اليائس في حياتي الروتينية

ولكنك فاجئتني بتحولك الهاديء الأكثر من رائع الى بث الأمل والحماس في حياتي من جديد...كم أعجبتني كتاباتك ...ولطالما مثلت شخصي كثيرا

أنا فخور كل الفخر بك ياستاذي مهيب

لك أرق وأجمل تحياتي

رابط هذا التعليق
شارك

كما أنت يا مهيب

صاحب مذهب وشيخ طريقة في الكتابة

نستعيد معك إكتشاف بداهة الأشياء

نرسم صورأً بداخلنا على خدوش الأسقف والجدران

ونتأمل سطح اللبن الأبيض الناعم

نري معك مرئيات الحياة اليومية من زوايا أخرى وكأننا لم نرها من قبل

نستعيد إيقاع الحياة بتأمل مفردات البسطاء

صباحك خير يا أستاذ

مزيد من البساطة والفلسفة والجمال

يا لها من أنانية

أن تعاني أنت ونستمتع نحن

نريدك هنا تفرز ونرتشف نحن

لا أحب منك أن تصوغ أفكاراً مجردة تحتمل النقاش والجدال

لأننا لا نحب أن نختلف معك

دمت لنا مبدعاً

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزى شاينر كورنر (أهى الركن الأكثر اضاءة أم ترانى أخطأت؟)

الغموض يكون فيه الروعة و الجلال حين لا يكون مقصودا عزيزى ... و يشهد الله أنى لم أر ما كتبت غامضا من الأساس ... انها حالة لرصد لحظة حميمية جدا ... خاصة جدا من الهروب ... و حين تتوقف ليوم واحد عن فعل ما تفعله كل يوم ألا يعد هذا هروبا .؟؟

مهيب

------

الترجمه الحرفيه هى الركن المضىء

و للعلم فانا لا اقصد نفسى كل ما فى الامر اننى قرات الاسم فى مقال باللغه الانجليزيه فاعجبنى :sad:

بالطبع يا صديقى لا يكون الغموض رائعا الا عندما يكون غير مقصود

ليس هذا فقط

بل الغموض - فى الادب - يجب ايضا ان يكون موحيا و معبرا

و يكون جماله فى تعدد ايحاءاته و هذا سر غموضه و فى نفس الوقت سر جماله

مثلا اصداء السيره الذاتيه لنجيب محفوظ هى النموذج الامثل لهذا الغموض

اما الغموض العبثى - و هو منتشر جدا فى القصص القصيره هذه الايام - فانا لا احبذه بالمره ولا ارى فيه اى جمال

ليس شرطا للموت ان يكفن الميت

ولا ان ينشر له نعيا

او ان يضعوا شاهدا على قبره

انت تموت عندما تصمت بينما كان ينبغى عليك ان تتكلم

"shinercorner"

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزى النسر المصرى ... حقا ما قلت أنت هو بالضبط ما أردت أنا ايصاله ... أحيانا نستطيع أن نجبر أنفسنا اجبارا على أن نرى ما حولنا من روتين و أشياء مألوفة بصورة مختلفة عما اعتدنا رؤيته ألا ترى معى هذا ؟ .. سعيد أنا حقا لأنك تجد الألفة فيم أكتب ... (بس ياريت بلاش موضوع أستاذى .. أنا مش كبير قوى كده)

طارق العزيز ... أشكر لك اطراءك الرقيق و الكبير جدا فى ذات الوقت .. واضح أيضا أنك تملك أسلوبا و روحا ... أو تملك (أحشاءا) كما يقول التعبير الأمريكى الدارج .. و هى ليست أنانية تلك التى وصفتها ... هناك متعة عذبة فى قراءة تعليقاتكم .. أنا أيضا يصيبنى جزء من المتعة كما ترى

الركن المضيء .. أتفق معك تماما فيما ذكرت عن الغموض الغير مقصود و الغموض العبثى .. قد قرأت -أو حاولت - قراءة بعض من تلك الكتابات الغامضة التى تمتلىء بالجمل المبتورة و النقاط و الحديث المتواصل عن (صوت النسيج الذى حينما يـ ... يذهب بك الى حيث تذدرى الـ ...) فلا تفهم ما أراد أن يقول من الأساس

نمر 111.. أشكر لك اطراءك و أرجو أن يعجبك كل ما أكتب

مهيب

<span style='font-size:14pt;line-height:100%'>حين يصبح التنفس ترفـاً .. و الحزن رفاهية .. والسعادة قصة خيالية كقصص الأطفال</span>

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزى مهيب : امتعتنا حقا بهذه القصه الواقعيه جدا

لقد انتابنى هذا الشعور بالمللل الذى يشعر به الموظف فى اداء روتين حياته الممل المتكرر وفجأ احسست بفرحه عارمه وانشراح عندما وجدته لا يذهب للعمل ويتمشى على الكورنيش ويتنسم نسيم الصباح

لكم هى ممتعه اختلاس لحظات المرح والخروج عن الروتين والتمرد على الواقع

احيانا فى الاجازات اشعر بالملل والزهق لانها اجازه يعنى بقت اجازه روتينيه بقت روتين اما عندما كنت اتغيب عن المدرسه وانا صغير او الجامعه وانا كبير كنت فعلا بكون مبسوط كنت بحس انى انتصرت على الروتين وعملت عمل متمرد ولما كانت والدتى بتسألنى فى التليفون انتا روحت الجامعه النهارده كنت بقول بلهجه المنتصرين وانا فى قمّة السعاده (لأ.........) وعندما تسألنى ليه او اذا كنت مريض مثلا عشان كده مروحتش كنت بقول (هوه يعنى لازم الواحد يكون عيّان عشان ميروحش الجامعه ........)فتقوللى طيب ليه مروحتش اقول ببساطه (نوع من التغير ........) فتقوللى انتا حر ........فعلا انا حر......... ما اجمل الاحساس بالكلمه دى

شكرا اخى مهيب على قصتك الجميله المتمرده دى ............ وفى انتظار المزيد والمزيد والمزييييييييييييييد........................ :)

انما الامم الاخلاق ما بقيت .............. فان همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا

...................................................................!

وعلمتنى الحياه اضحك لأحبابى

واضحك كمان للعدو علشان يشوف نابى

واخده كمان بالحضن لو خبط على بابى

فيحس انى قوى وميشفش يوم ضعفى.......

قناتى ع اليوتيوب ....

صفحتى ع الفيس بوك .....

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 1 سنة...

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...