اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

البحث العلمي و قضايا الحريات


عادل أبوزيد

Recommended Posts

ما لفت نظري في هذا المقال الفقرة التالية : ولكن المركز شأنه شأن جامعات مصر ومؤسساتها العلمية تعتبر ممارستها الصريحة للحريات الأكاديمية أمرا محفوفا بالمخاطر. وبالمناسبة أذكر أنه ورد لجامعات مصر منذ شهور خطاب من وزير تعليم عال سابق يحذر الأساتذة من إجازة رسائل علمية يؤدى مضمونها إلى الإساءة لعلاقات مصر بالدول الأجنبية. فمحظور مثلا إعداد رسالة عن تأثير الوهابية على العقل العربى. مسؤولون لا يقدرون أن الحرية الأكاديمية شرط للكفاءة العلمية فالمهم إرضاء الرؤساء لتأمين البقاء فى المناصب الزائلة.

إليكم نص المقال : بقلم   د. محمد نور فرحات    ١/ ٩/ ٢٠١٧

أتابع التحليل النقدى للتقرير السياسى للمسح الجتماعى المصرى الصادر عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية عام ٢٠١٦. أهمية التقرير أنه يقدم تحليلا علميا للمشهد المصرى بجميع جوانبه. الاحتفاء بالتقرير ونشره ونقده واجب على كل حريص على التناول الجدى لمشاكل الوطن.

التحليل النقدى للعمل العلمى ليس بمجرد الاتفاق أو الاختلاف وإنما بالمناقشة الموضوعية للمضمون والمنهج.

المركز القومى مصدر التقرير أعرق مؤسسة بحثية اجتماعية فى الشرق الأوسط. فيه قضيت سنوات التأسيس الأولى فور تخرجى من كلية الحقوق. وفى رحابه تعلمت النقد العلمى الموضوعى ومنهج التحليل والافتراض والإثبات والبرهان وصولا للحقيقة فى قضايا المجتمع. تعلمت أيضا تقييم القانون ونقده بالربط بينه وبين الواقع الاجتماعى. تتلمذت فيه على أساتذة عظام أمثال أحمد خليفة مؤسس المركز والذى وضع حجر الأساس فى تنشئة جيل بأكمله من علماء القانون والمجتمع، وسيد عويس وحسن الساعاتى ومصطفى سويف ومحمد خيرى وحسن سعفان ومكرم سمعان ميخائيل وأحمد أبو زيد وحسن فتحى وغيرهم من الرواد.

ولكن المركز شأنه شأن جامعات مصر ومؤسساتها العلمية تعتبر ممارستها الصريحة للحريات الأكاديمية أمرا محفوفا بالمخاطر. وبالمناسبة أذكر أنه ورد لجامعات مصر منذ شهور خطاب من وزير تعليم عال سابق يحذر الأساتذة من إجازة رسائل علمية يؤدى مضمونها إلى الإساءة لعلاقات مصر بالدول الأجنبية. فمحظور مثلا إعداد رسالة عن تأثير الوهابية على العقل العربى. مسؤولون لا يقدرون أن الحرية الأكاديمية شرط للكفاءة العلمية فالمهم إرضاء الرؤساء لتأمين البقاء فى المناصب الزائلة.

نقد ما ورد بالتقرير ليس تقليلا من شأنه. العلم لا يعرف الهجاء أو المديح ولكن يعرف تقليب الأمور على وجوهها ومناقشتها سعيا للوصول إلى الحقيقة.

التقرير كتبه مجموعة من الباحثين المتميزين متعددى التوجهات. فى العمل الجماعى يتم التنسيق بين التوجهات المختلفة فى إطار حوارات مشتركة بين الباحثين يديرها الباحث الرئيسى. هل تم هذا التنسيق؟.

أتابع المناقشة الختامية للفصل الأول المعنون (ثورة ٢٥ يناير - الإرهاصات والتحولات ورؤية المستقبل).

يتناول الفصل فى نهايته إشكاليات منظمات المجتمع المدنى وأخصها منظمات حقوق الإنسان. يعترف التقرير بدور هذه المنظمات فى كشف ممارسات نظام مبارك فى قهر الحريات ودورها فى إنضاج الوعى بالثورة.

يقول التقرير «ليس هناك من شك فى أن مؤسسات المجتمع المدنى وخصوصا التى تخصصت فى مجال الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان قد لعبت دورا رئيسيا فى معارضة النظام السلطوى الذى قاده عبر ثلاثين عاما كاملة الرئيس السابق مبارك - ص ٥٣». ولكن التقرير الذى يحمد للمنظمات الحقوقية تصديها لنظام مبارك السلطوى يعتب عليها استمرارها فى التصدى للسلطوية اللاحقة وانتهاكات حقوق الإنسان بعد ٣٠ يونيو.

يقول التقرير «وقد حاولت بعض هذه المنظمات الحقوقية بعد ثورة ٣٠ يونيو الاستمرار فى نهجها القديم من تحدى سلطة الدولة... ومعنى ذلك أن قادة هذه المنظمات لم يدركوا عمق حجم التغير السياسى الذى أعقب ٣٠ يونيو - ص ٥٤». ويدعو التقرير المنظمات الحقوقية إلى التخلى عن دورها فى كشف انتهاكات حقوق الإنسان «لتشارك بفاعلية فى جهود التنمية الشاملة - ص٥٥». دور المنظمات الحقوقية فى نظر التقرير هو مساعدة الحكومة فى مكافحة الفقر والتخلف. ويستشهد بمجموعة من التقارير الدولية والإقليمية فى غير سياقاتها.

حسنا، ولكن التقرير لم يبد رأيا فى قمع الحكومة لمنظمات المجتمع المدنى عندما تمارس دورا فى التنمية. من ذلك إغلاق المكتبات الثقافية التى تديرها المنظمات ومطاردة وسجن النشطاء العاملين فى مجال إغاثة أطفال الشوارع، وما تبع ذلك من نتائج مخلة بالسيادة يعلمها جميع أهل مصر، والتحقيق مع باحثين يعدون مشروع قانون لمكافحة التعذيب لتقديمه للدولة باعتبار هذه المكافحة نشاطا غير مشروع.

نأخذ على التقرير عدة ملاحظات منها: ١- أنه يكيل بمكاييل عدة مفصحا عن انتقائية وانحياز للسلطة يترفع عنهما العلماء. ٢- أنه وقع فى سقطة التعميم فى المديح والتعميم فى الهجاء. ٣- أنه تجاهل الأسئلة الرئيسية وتركها دون إجابة.

نحاول نحن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة ونقول: ١- احترام حقوق الإنسان قبل أن يكون فضيلة خلقية التزام منصوص عليه فى التشريعات الداخلية والمواثيق الدولية التى صدقت عليها مصر. ٢- انتهاكات حقوق الإنسان قائمة فى مصر وزادت وتيرتها بعد ٣٠ يونيو وموثقة فى تقارير المجلس القومى لحقوق الإنسان والأحكام القضائية والتقارير الدولية قبل أن تكون موثقة بتقارير المنظمات الحقوقية الوطنية. ٣- الدفاع عن حقوق الإنسان واجب كل صاحب خلق وضمير ولا يجوز إدانة الانتهاكات فى عصر والسكوت عنها فى عصر آخر. ٤- لا يجوز التذرع بمقاومة الدولة الإرهاب لتبرير انتهاكاتها لحقوق الإنسان. مقاومة الإرهاب فى دولة القانون تتم بالقانون. الدولة والقانون وجهان لعملة واحدة. خروج أجهزة الدولة عن القانون يسقط عنها المشروعية ولو تحصنت بالقوة المادية. ٥- انتهاكات حقوق الإنسان قد تكون تشريعية بصدور قوانين مخالفة للدستور، أو قضائية بصدور أحكام عن قضاء استثنائى يطبق قوانين غير عادلة، أو تنفيذية بممارسات أجهزة الدولة التى تعصف بالكرامة الإنسانية غير عابئة بقيود القانون. ٦- أن الوصول إلى القضاء بعدم دستورية التشريع المنتهك للحرية شاق ونوصى بإتاحة سبل التقاضى الدستورى المباشر للمجالس الوطنية المعنية بحقوق الإنسان. ٦- قضية التمويل الأجنبى يجب أن تخضع للتحليل الرصين بالإجابة عن أسئلة من نوع: من يقدم التمويل ومدى مشروعيته؟ من يتلقى التمويل ومدى شفافيته؟ وما هى حدود الرقابة فى إطار احترام النشاط الحقوقى؟.

الدول المانحة تستند فى قيامها بالتمويل إلى اتفاقات مبرمة مع مصر. والحكومة على العكس لا توافق فى الغالب على الطلبات المقدمة من المنظمات للتمويل.

المجالس الحكومية كلها تحصل على تمويل أجنبى. لو شجعت مصر التمويل الوطنى للعمل الحقوقى الأهلى وتسامحت معه وامتنعت عن زجر المانحين الوطنيين لقضى الأمر. المشكلة أن الدولة معارضة من حيث المبدأ للعمل الحقوقى لإخفاء تجاوزات أجهزتها. ٧- يجب ألا توضع كل المنظمات الحقوقية فى سلة واحدة. هناك منظمات جادة وتحظى باحترام محلى ودولى، وهناك منظمات اصطنعتها الأجهزة لتبرر الانتهاكات، وهناك منظمات طائفية تهدد نسيج الوطن.

كنا نحسب أن هذه الإشكاليات ستكون شاغلا لأجهزة صنع القرار. ولكن ترك الأمر طليقا للانتهاكات بدعوى الحفاظ على الأمن. أجهزة الأمن الكفئة فى الدول الديمقراطية تصون الأمن والحرية معا.

واعتاد ممثلونا فى المحافل الدولية الحديث عن الانتقائية، وعن تسييس حقوق الإنسان، وعن عدم جواز التدخل فى السيادة الوطنية، وهم يعلمون أن هذه الحجج رغم صدق بعضها تجاوزها الخطاب الدولى. الأجدر بنا أن نوقف انتهاكات حقوق مواطنينا فى الداخل لا أن نجأر بالصياح فى الخارج. البيت الصلب لن يلقيه أحد بالحجارة.

كنا نتوقع من تقريرنا أن يناقش هذه الإشكاليات ولكنه لم يفعل لأسباب معلومة من السياسة بالضرورة.

وللحديث بقية.

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...