افتوني من فضلكم

[مالك العبيدي]

بالنسبة لمسألة أوردها أخونا أبو محمد-وليسمح لي من أنني لا أحسن اقتباس كلامه-من أن السلف لم يهتموا بنقد المتن كثيرا ثم مسألة معارضة الحديث الصحيح للقرآن وهكذا فهمت من كلامك فاسمح لي إن كان هذا المقصود فإن لم يكن فأرجو أن يكون في كلامي بعض الفائدة،فلو تلطفت-غير مأمور بل مشكور-إلى تعريف الحديث الصحيح وأحيلك إلى أبيات جامعة للإمام البيقوني -رحمه الله-:

أولها الصحيح وهو ما اتصل * اسناده ولم يشذ أو يعل

يرويه عدل ضابط عن مثله * معتمد في ضبطه ونقله

والحسن المعروف طرقا وغدت *رجاله لا كالصحيح اشتهرت

وكل ما عن رتبة الحسن قصر*فهو الضعيف وهو أقسام كثر

وهنا رد على كلامك بشقيه من أنهم لم يهتموا في المتن من أنهم اختطوا في محترزات التعريف الشذوذ والعلة ومتعلقاتهما الكبرى في المتن لا في السند ثم الشذوذ إنما هو مخالفة الثقة لمن هو اوثق منه أو لجمع من الثقات فمن باب أولى عدم مخالفته لصريح القرآن،لكن هناك بعض الناس يردون جمع غفير من الأحاديث بحجة مخالفتها للقرآن أو نقدها من ناحية المتن دون نقد علمي بناء مبني على أصول فمنهم من رد حديثا بحجة مخالفنه لعقله مع أننا نعلم أن العقول متفاوته وأن الأفهام تتعدد فلما لا يكون فهمه خاطئا أو غير ذلك من الإحتمالات؟لكن هو مذهب ذهب إليه وهوى في النفس اتبعه-هداه الله-وقد عني الأئمة في هذا الجانب أيما عناية حتى إن الحافظ ابن كثير -رحمه الله-أشار في كتاب الباعث الحثيث إلى أن علم العلل عند من لا يفهم به-وهو يقصد غير المختصين وإن كانوا من أهل الفقه-إلى أهل هذه الصنعة كأنها طلاسم من السحر،ولذا يا حبذا لو اطلع من أراد مزيد بيان وفائدة على كتاب "مقاييس نقد المتن/للأستاذ مسفر الدميني"والأمر فيه سعة.

وجئت هنا بأبيات البيقوني في غير موضوع الصحيح لأن أبين التدرج في الحكم على الحديث قبولا وردا ومع وضع الرتبة الرابعة التي أشار لإليها البيقوني في آخر كلامه:

والكذب المختلق المصنوع *على النبي فذلك الموضوع

يكتمل عندنا الكلام فالمقبول عند علماء الحديث ما كان احتمال القوة فيه شديدا وهو الصحيح ثم ما كان احتمال القبول فيه قويا وهو الحسن ثم ما قصر عن هذه الحالة كأن لا يوجد جمع من الطرق لحديث معين ويكون راويه سيء الحفظ فهو الضعيف وهو محتمل للقبول والرد لكنه لرد أميل ثم ما لا يحتمل أدنى نظر وهو الموضوع.ومن خلال معرفة هذا الترتيب يجوز لنا أن نقول الحديث الضعيف يأخذ به بالفضائل أم لا،وطروء الإحتمالية على الضعيف والتحكم الذي يجعلنا لا نأخذ به في الفقه مثلا ليرجح كفة من قال بعدم جواز الأخذ به ولو بأي شرط.وهذا على كل حال وجهة نظر.

وما ذكره اخوتنا من أقسام اختلف فيها هل هي من قسم الضعيف أم غيره كالمرسل فهي قضية بحث أخرى ومسألة طويل أحسن رأي أنه ضعيف في كل حال إلى إن تقوى بجمع من الطرق وهو رأي الأستاذ همام سعيد في مقدمته على كتاب شرح علل الترمذي وقد أشبع المسألة بحثا.وجميع هذه المسائل من أراد الإستزادة فيه فعليه بكتاب الإمام الهمام علم السنة الحافظ ابن حجر العسقلاني الموسوم ب"نزهة النظر في شرح نخبة الفكر" وإن شئتم أتيت لكم بموضوع خاص أشرح لكم فيه ألفاظ الإمام البيقوني في المصطلح في موضوع منفصل إن أردتم ذلك.