اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

حوار بين قفا و .. كفٍّ!


Recommended Posts

حوار بين قفا و .. كــَـــفٍّ!

أمام باب أحد أقسام الشرطة المنتشرة ما بين القصر والكوخ في الوطن المسكين كان لكفٍّ لقاءٌ مدهش مع قفا!
تصافحا، وتحاورا، وتجادلا، وتشابكا، فالتقطنا بعضًـا من المشهد الغريب!

القفا: ما لي أراك متحفزا كأنك تقيس حفنة رمال أو تستعد لصفع وجه أو تُهيء نفسك للتصفيق حتى تُسعد أحدَ الكبار، خوفــًــا أو تملقــًــا!
الكف: عجبتُ لك فكلما حرّكت إصبعـًـا من أصابعي الخمسة زدت أنتَ احمراراً وتورّما قبل أنْ أقترب منك مترًا أو شبرًا، فهل هو شعور بالذنب لأنك تنتقد السلطة أم إحساسٌ بالعبودية يجعلني أهوي عليك بكل قوة فتزداد تورمــًــا؟ 
القفا: أنا لا أخاف منك لأنني أعرف أن قوتك في أسيادك، وصفعتك في قسوتهم، وغلظتك في وحشيتهم!
أنت أكثر عبودية مني، فترتفع في الهواء بالطلب، وتهوي عليَّ بالأمر، وتدمىَ أصابعك لترضي أصحاب مال أو سلطة أو يونيفورم أو نياشين تبهت وهي بارقة، وتثقل كتفيك وصدرَك لكنها لا تقترب قيد شعرة من ضميرك وقلبك.
الكف: غريبة فلسفتك في تلميع الذُل، وزركشة المهانة، واستعراض عضلات المسكنة كأنك أنتَ من ستهوي على بطن يدي.
أنا من نسل القصور، والدماء الزرقاء تجري في كل شرايين صاحبي، وتعرفني كل مؤسسات الدولة ما دام فيها أسياد و.. عبيد.
القفا: ولكنك قذر ولو اغتسلت في اليوم مئة مرة، ويرفعك صاحبك إلى السماء دعاءً فإذا بالشيطان يستجيب لك قبل الملائكة. 
أنت أضعف من نملة ولو كنت في حجم قدم الفيل، ولا تستطيع أن تربت فوق قطة أو كلب أو تداعب حيوانا أليفــًـا أو تصافح إنسانا طاهرًا
أنت تضرب فيقهقه الساديون بهجةً، وأنا أتألم فيأسف الشرفاء على انحدار الجنس البشري في الدرك الأسفل.
أنت تصافح فتسري قشعريرة الخوف فيمن تصافحه، وإذا تطهرتَ تنجستَ، وإذا اغتسلتَ اتسخت، وإذا سجد صاحبُك شــَـكـَـتْ الأرضُ من برودتِـك.
الكف: أنا أحافظ على النظام، وأرتدي الناعم والخشن فتحتار الأقفية في نيّتي، أهي صفعٌ أَمْ ...ملامسة؟
أنا أرى ابتسامة الأسياد مرسومة فوق حمرتك، وأتناول الطعام على موائد فاخرة تسمع فيها رنين السكاكين وهي تستعد للقطع كأنها ستذبح معارضا أو مناهضا أو غير راضٍ عن سلوك سيدي.
وأنا أتحرش بزائرات السجناء وهن يضعفن أمامي لئلا أحرمهن من رؤية أو لقاء أو حتى شم رائحة أحبابهن في سجوننا المتناثرة ما بين النهر والبحر، وما بين واد سحيق و... جبل منيع.
وأنا أخنق، وأقتل، وأطبخ، وأدفن، وأردم، ثم يُنعم علي سيدي بالمصافحة.
القفا: وأنا أسمع دعاء المظلوم عليك وعلى أصحابك فتتزلزل الأرض والسماء ولا يشعر بها إلا ذو ضمير أو قلب مفعم بالإيمان.
ولو قرأ صاحبُك كتابَه المنشور يوم يفرّ من أخيه، وأمه وأبيه، فسيجد أن أكثر ذنوبه من احمراري ولوني القاني وورمٍ مؤلم ليس لي فيه ذنب إلا أن صاحبك سقط من بطن أمه في دولة سيدك.
أكثر أصحابنا من البسطاء والريفيين والضعاف وفي كثير من الأحيان هم أحرار ومناهضون ومتظاهرون ومثقفون وملائكة في صورة بشر.
الكف: وأنا صحتي في غلظتي، وبهجتي في سقمك، وغبطتي في تعريتك قبل النزول كصاعقة فوقك فيهتز لها جسد صاحبك ويعرف الفارق بين الكبار والصغار، بين السلطة والخنوع، بين السجاد الأحمر و .. بالوعة الصرف الصحي.
أنا لا يهمني غضب السماء طالما أثلجت قسوتي صدرَ صاحبي، فكلنا نطيع في الترفق وفي الذبح، في التصفيق وفي التفجير، في الصلاة وفي إغلاق باب الزنزانة حتى ينبلج صبح جديد أكثر سواداً في ظلام حالك أخفاك عني سويعاتٍ فظل صاحبك يصرخ من الألم، وإذا غشيه النُعاسُ صرخ فجأة من مطاردة الكوابيس.
القفا: ومع أوجاعي أنام هانئـًـا، ومع سعادتك يؤرقك عالمك البغيض. أصحابُنا قاموا بالثورات فهرب أصحابكم في الجحور. كنا نصيح في الميادين فيبول أسيادُ أصحابكم في سراويلهم.
الكف: ولكنك نسيت أنني أنا القلم والصحيفة والسجّان والمدرس الخصوصي وطبيب الإجهاض وسرقة الأعضاء البشرية وتاجر المخدرات والمهرب والإرهابي، ولا تنس أنني صاحب الزورق المتهالك قبل أن ينشق فيبتلع البحرُ راكبيه أعني غارقيه التعساء.
وانتهى الحوار، وانصرف كل في طريقه، فقابل القفا سيدًا يخرج مهرولا من سيارة مرسيدس سوداء فارهة فيجري ليصفعه لأنه مرَّ أمامها فكادت تصدمه، أما الكفّ فقد ذهب ليغتسل فعصته المياه و.. زادته اتساخاً!

محمد عبد المجيد
طائر الشمال

عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو النرويج

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...