أسامة الكباريتي بتاريخ: 23 مارس 2006 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 23 مارس 2006 (معدل) وفي الذاكرة مالا تمحه الأيام 1. رسالة لم تكن قد أفاقت تماما من نومها ضحى ذلك اليوم، عندما تناهى إلى سمعها رنين هاتفها النقال الذي عادة ما تتركه في غرفة المعيشة بالدور العلوي من الفيلا . نهضت بتثاقل لترد على الهاتف - سيدتي أعتذر عن الإزعاج، معك مأمون رئيس قاعة المبيعات في شركة تور للسياحة والسفر - أفندم - أرجو من سيادتك التكرم بالمرور على مكتبنا خلال أوقات دوامنا اليوم لالتقاط رسالة تخصك لدينا. - هل يمكنك إبلاغي بمضمون هذه الرسالة؟ على الأقل مرسلها مثلا - نعم ياسيدتي فهي من السيد ربيع وقد وردتنا عبر مكتب سفريات يتعامل معنا في دبي بالإمارات أخذت تفكر في ربيع هذا، فقد امضت معه الليلة الفائتة عدة ساعات على المسنجر ولم يشر أثناءها إلى مثل هذه الرسالة . كانا قد اعتادا -في كثير من لقاءات المسنجر- على الحديث عن السفر والسياحة في مختلف بقاع الأرض .. كانت هناك نقاط التقاء عديدة بينهما .. وتقاطع في هواياتهما بل وطباعهما أثناء السفر .. كان خطابه على المسنجر مشوقا وهو يصف رحلاته وبخاصة تلك حفلت بأحداث ومواقف على درجة من الغرابة. أخبرته بأنها تعشق السفر مع العائلة والأصدقاء كثيرا .. وأن الرحلات الداخلية القصيرة ولأيام محدودة فيها تجديد للهمة وبعث للنشاط وإزالة لما علق بروحها من تركمات مسيرة الحياة اليومية ورتابتها .. أما هو فإن كثرة أسفاره التي تتطلبها طبيعة عمله ، وحتى لا تتحول هذه السفريات إلى واجبات مملة، جعلته يلجأ في كل مرة إلى تطوير الرحلة بحيث تكون السياحة والراحة والاستجمام واستكشاف الأماكن التي يزورها جزءا مهما فيها. كان يخطط مع مضيفيه في تلك البلاد لرحلات ترويحية قلما تعرضت لأي شكل من أشكال الفشل. انتهى حديثهما الليلة الفائتة على أمنية أن يلتقيا في رحلة إلى مكان لم يرتاده أي منهما، فقد شعرت فعلا برغبة جدية بقضاء بضعة أيام بعيدا عن جو الحياة اليومية تخصصها للمعرفة والاستكشاف. بعد ساعات كانت حنان تلج إلى صالة المبيعات في شركة السياحة التي اتصلت بها .. استقبلها مدير الصالة بترحاب مغلف بأدب جم حيث قدم لها فنجال قهوة .. والرسالة .. لم تبد أمام الموظف أي استعجال ينم عن لهفتها في معرفة فحوى الرسالة، فلم تقم بفضها أمامه. غادرت المكتب بعيد فنجال القهوة المظبوط وانطلقت نحو سيارتها التي كانت قد أوقفتها غير بعيد. لم تستطع الانتظار أكثر من ذلك .. فبمجرد جلوسها على مقعد القيادة بالسيارة قامت بفض الغلاف .. وشرعت في تصفحها .. الرسالة كانت من مكتب السفريات تبلغها بأن هناك قسيمة لتغطية قيمة تذكرة سفر لها على الدرجة الأولى بالطائرة ذهابا وإيابا إلى جنيف .. وأن هناك حجز مدفوع مقدما في أحد الفنادق الفخمة المطلة على بحيرة لوزان .. وأن سيارة ستكون بانتظارها بالمطار هناك. الحجز المبدأي هو بعد أسبوع من الآن.. في الرسالة وجدت رقم الهتف الجوال للسيد ربيع في دبي .. علت الحمرة وجه حنان .. ماهذا؟!! كيف حدث هذا؟ كيف تسنى له عمل كل ذلك بين عشية وضحاها؟!! نحن كنا نتجاذب أطراف الحديث ليس إلا!! نمضي الوقت على المسنجر لمجرد التسلية!! حتى أنني لا أعرفه على الإطلاق .. وهو لم يسبق له أن شاهدني من قبل .. كيف سمح لنفسه ان يطور هذه العلاقة –العابرة- إلى خطوة .. بل قفزة هائلة عبر القارات .. ما العمل؟ سؤال تطاير من عينيها شررا ما الذي يظنه بي هذا؟ أأكون قد أبديت من خلال حديثي ما أفسح له المجال لجرأة كهذه؟! أيظن بي ............ - لا ياحنان هانم لم يدر بخلدي وأنا أنهي معك سهرة البارحة على المسنجر سوى العمل على تحقيق هذه الأمنية المشتركة .. أولم تكن أمنية مشتركة يا سيدة حنان؟ كان صوته على الهاتف غاية في الهدوء .. لم تكن قد سمعته من قبل على هاتف .. كل ما كان يحدث مجرد كلمات قلائل عندما يتحولان على المسنجر إلى التحادث بالصوت .. ثم يرجعان إلى المخاطبة كتابة .. - لكن سيدي .. كانت تلك احلام على السايبر أي أنها افتراضية .. لا تمت بصلة إلى الواقع .. "قالتها وهي تعض على الحروف عضا شديدا ومن ثم .. أفلت لسانها منعقال أسنانها الصغيرة" ثم إنني امرأة أولا وأخيرا شرقية تعيش في وسط يحترم الأعراف والتقاليد .. وأظنك كذلك - سيدتي لقد مر بخاطري كل ما تقولين .. وأكثر من ذلك .. لكنني أردت لها أن تكون تجربة .. شئ جديد أضيفه إلى حياتي لا تنسي أنني لست بذلك الشاب المتهور الباحث عن ملاهي الحياة وملذاتها .. تعلمين أن سني قد تجاوز كل مراحل الطيش والعبث .. - آسفة يا سيدي .. أعتذر عن قبول الدعوة التجربة هذه .. فهي فوق طاقة احتمالي .. ولا أظن أن مشرقية حالها كحالي .... - مهلا مهلا سيدتي لا أنتظر منك قرارا اليوم فكري بتؤدة وهدوء فلربما يستوعب عقلك صورة غير تلك التي رسمتها للحدث غيابيا أقفلت الهاتف على وعد منها بلقاء آخر على المسنجر ربما لن يكون اليوم .. في الذاكرة ما يتبع ... 2. وهل تنقشع الغيمة - حبة بندق في حجم البطيخة - كيف يتسنى ذلك؟ أين رأيتها؟ - لم أرها .. بل عشتها بالأمس - أين وكيف - معك .. على الهاتف لم أتخيل أن يكون هذا رد فعلك - لأنني لم أخيل أن يكون هذا من فعلك - أنا لم أعمل شيئا سوى البدء بالخطوات التنفيذية لما فكرنا به سويا - ما فكرنا به لم يزد عن مجرد أحلام مسنجرية - ولم لا - لأننا شرقيون ولنا أعرافنا - فإذا ما حرصنا على هذه الأعراف ووضعناها نبراسا أمام عيوننا السؤال هنا.. ماذا تبادر إلى ذهنك حتى اشطتت غضبا وانفجرت في وجهي هكذا - (لا جواب) - ألتمس لك العذر .. بل أثمن ما أبديته تجاهي - تثمن!! - نعم فالمعرفة بيننا مهما طالت لا تتجاوز الكيبورد وشاشة الحاسوب - شاهدت صورتك على المسنجر أكثر من مرة وهي لا توحي بما يخالف الثقة التي أوليك إياها - ثقة محدودة بالمسنجر ليس إلا وهذا جيد .. بل ويكفي - ليس الأمر كذلك يا ربيع فالثقة شئ كبير وأصم .. لا يتجزأ إما أن نوليها .. أو يكون الشك والحذر وأنا لم أكن بفعلتي هذه أهلا لهذه الثقة التي اوليتميني اياها .. عموما انا فهمت مقصدك ومغزى حديثك هناك حدود لهذه الثقة ويبدو أنني قد قفزت فوقها ووقعت في المحظور لا بأس لسوف أعمل على تلمس تلك الحدود وتكون تصرفاتي ضمن إطارها المحدود.. - يا ربيع أنت تصعب علي الأمور هكذا لسوف أكون ممتنة لو تفهمتني قليلا حاول أن ترجع بتفكيرك إلى منطقنا لا منطق العالم الذي تمضي فيه معظم أيام عمرك صحيح أنني كثيرة السفر والرحلات لكن كل ذلك كان محكوما بالأطر والقوانين والأعراف في بلادنا كنت دوما بين أفراد من عائلتي أو ضمن لفيف من البنات والسيدات حتى وإن كنت أبتعد عنهم في بعض الأحيان إلا أنني كنت أراعي ذلك بدقة متناهية حتى إذا ما قضيت الغرض من انفرادي عدت مسرعة إلى الحمى - فهمت .. لا بأس في تمزيق ما استلمته من مكتب السساحة بالأمس - أضحكتني يا رجل لو أنني كنت سأفعل ذلك ما كنت وجدتني هنا اليوم سيدي إفهمني الأمر جديد علي وكان مفاجئا حتى إذا ماخلوت إلى نفسي راجعت الموضوع بكل تفاصيله كانت تنقصني بعض النقاط التي وجب علي استكمالها من خلال محادثتنا اليوم ساد نافذة المسنجر هدوء طويل كأنه الدهر كانت تنظره وكان ينتظ استئنافها للحديث وتلقي بأناملها قرارها - وهل استكملت الاستجواب؟ .. لم أكن أعرف بأنني قد جلست إلى كرسي الاعتراف - لا لا ليس الأمر كذلك بل كانت استيضاحات ليس إلا عموما مازال امامنا وقت كاف وسيكون ردي على الدعوة في الغد بإذن الله - سلام - سلام 3. رحلة الأحلام لم تكن حنان بحاجة إلى طويل من الوقت حتى تحزم أمرها، فقد كانت كل المعطيات تعطي الضوء الأخضر لما يمكن أن تسميها برحلة العمر. خاصة وأن ابنتها الوحيدة كانت أكثر منها تشجعا على إمتاعها بإجازة اعتبرتها نقلة نوعية من جو الكآبة الذي لم تحاول الانفكاك منه وقد مضى على ترملها أكثر من خمس سنوات. الاستعدادات للسفر استحوذت على جل همها، بدأت بإعداد قائمة بالاحتياجات اللازمة لتصطحبها معها. في صباح اليوم التالي للاتفاق على تنفيذ مشروع رحلة الأحلام انطلقت نحو بيوت الأزياء لتنتقي عددا من الفساتين المناسبة لمختلف الأغراض. لم تنس إرسال معطفها الصوفي إإلى التنظيف على البخار، تممت على المعطف الواقي من المطر. ولأنها امرأة عملية .. هكذا تعتبر نفسها .. فقد أنجزت الاستعدادات خلال يومين، وفي اليوم الثالث كانت حقيبة السفر تخضع للتدقيق النهائى مقارنة مع القائمة التي سبق لها إعدادها. كان عليها أن تقوم ببعض الزيارات البروتوكولية شبه وداعية مغلفة باستئذان شكلي لأطراف عائلتها وعائلة ابنتها. فهي والتي ترملت في الثلاثين من عمرها إثر حادث مروع كادت هي ان تفقد حياتها أيضا، لولا لطف من الله، قد نذرت نفسها لتربية ابنتها الوحيدة والتي باتت في أمس الحاجة إلى الأم الصديقة في مرحلة المراهقة التي ولجتها لسنتين خلت. هجر النوم أجفانها ليلة السفر، انتابتها حالة من الأرق .. قلق مبهم لا تدري كنهه، خوف من مجهول شعرت بأنه يترقبها، أهو الخوف من السفر بالطائرة؟ كلا فهي تهوى ركوب الغيوم وتستمتع بشكل كلفت للنظر بوجبات الطعام التي تقدم على متن الطائرات، حتى أنها باتت ناقدة خبيرة لأطعمة مختلف شركات الطيران، ويستهويها سرد ملاحظاتها تلك عن طعام الم شركة منها لصديقاتها. أم هو بسبب فراقها لابنتها لأول مرة في حياتها!! ربما، لكن ما يطمئنها هو هذه العلاقة المميزة بين وِئام وجدتها لأبيها، كما ان عينها لم تغفل عن ملاحظة الود والعاطفة الجياشة التي تتنامى لحمتها بينها وبين جدتها لمها كلما تفتحت وازدادت نضجا. كما ان متابعتها لصداقاتها في المدرسة وخارجها منحتها راحة نفسية نادرة في هذا الزمان .. جنيف !! حقيقة أنها تزورها للمرة الأولى، وأن عليها الاعتماد على نفسها أولا والاهتمام بكل شئون سفرها منفردة، لكن حالة من الطمأنينة لكونها ستكون في ضيافة السيد ربيع قد سيطرت على أحاسيسها، ولولا الطمأنينة هذه لما تجرأت وجازفت بقبول هذه الدعوة من الأساس. فقد كانت إحدى المؤشرات الإيجابية التي اوحت لها بالقبول. ثم أنها لم تكن تفكر ولو لوهلة بأي شكل من أشكال المغامرات الشبابية التي كان من الممكن لها ان تضفي على الرحلة جوا مسبقا خاصا، مجرد أن طيف خاطر لاح في أفق مخيلتها جعلها تحملق في سماء الغرفة بعينين صارمتين أو هكذا تخيل لها، لسنا صغارا حتى يتبادر إلى أذهاننا شئ كهذا، مضى علينا ردح من الزمن ونحن نتسامر الع المسنجر، ولم يحاول أينا الانتقال بهذه العلاقة من غطار الاحترام المتبادل والصداقة النقية .. تناولت إفطارا خفيفا بعد أن قامت بتادية رياضة الصباح المعتادة، كانت جزلة كغير عادتها تعمدت أن تضفي جوا من المرح وتلقي نوادر خفيفة على وئام حول مقالب السفر وتاخير الرحلات حتى لا ينم وجهها بما تبطن دخيلة نفسها من قلق خشيت أن ينقلب إلى توتر غير مبرر. تحسبا لأي طارئ، حرصت على التواجد في مطار القاهرة الدولي قبل موعد الإقلاع بثلاث ساعات وأكثر قليلا. أنهت إجراءات المغادرة بسهولة غير عادية فراكبة الدرجة الأولى وجدت في استقبالها مضيفة أرضية أشرفت بنفسها على تقديم خدمات يختصون بها الشخصيات المهمة، وفيما كانت تقدم لها فنجال قهوة في صالة الدرجة الأولى همست باحترام أن هناك توصيات عليا بتوفير هذه الرعاية لها طوال الرحلة، وبأنها على أهبة الاستعداد لتلبية أي رغبة لها مهما كانت. شكرتها بلطف، فقد حصلت دون سؤال على بيان سر هذه الرعاية الفائقة التي لم تحظ بها من قبل. المقعد المحجوز لها كان في مقدمة الطائرة، الحقيقة أنه لم يكن مجرد مقعد، سرير وثير قد انحنى إلى المام ليكون أريكة مريحة، كل ما يحيط بها هو من خصوصيات الراكب منفردا، لا يشاركه بها أحد من الركاب، الريكة قد ثبتت على مجرى خاص وكأنها عربة قطار صغيرة تتقدم للأمام إلى المدى الذي تريد وعند الرغبة في النوم تسدل عليها ستارة خفيفة وتتراجع الريكة وتميل بظهرها إلى الخلف بتؤدة حتى يستوي مع المقعد مشكلا السرير الوثير ذي الوسائد المصنوعة من ريش النعام. وجبة الغذاء كانت شيئا لم تشهده من قبل، فقد وضعت أمامها طاولة طعام مناسبة الحجم لتلبي في اتساعها ما سيقدم عليها من اطايب الطعام والشراب، كل شئ قد اختير بعناية منقطعة النظير، مفرش حريري، أطباق الصيني من ماركة عالمية وقد رصعت بشعار الشركة الناقلة برشاقة، طاقم فضيات كريستوفل ، أكواب من الكريستال التشيكي الشهير. أما الوجبة فقد تفنن التشيف بتقديم ما تشتهي من أصناف وكأنهم يقرأون أفكارها، أذهلها ان القائمة التي قدمت لها قد أتت ودون سؤال بكل ما اعتادت ان تقوم بتقديمه في الحفلات الخاصة جدا، أهي محض صدفة!! أنى لهم هذا!! لا .. لا بد أن في الأمر سرا .. سرُ آخر من أسرار رحلة الأحلام. بعد الانتهاء من تناول الطعام، وفيما هي ترشف فنجال قهوتها، انحنى امامها المضيف المنوط به خدمتها وبكل أدب ولطف تساءل إن كان ما قدم لها قد حظي برضاها، بالطبع ياسيدتي طباخونا المهرة لا يرقون إلى مستوى طهيكم، لكنهم بذلوا كل مالديهم من خبرة حتى ينالوا شرف استحسانكم. آه ماذا تسمع!! أكان هذا مدبرا أيضا همست في دخيلة نفسها. يا سيدي .. أود بكل امتنان أن أتوجه بالشكر لكم جميعا على كل هذا، حقيقة أنكم قد غمرتموني بفيض كرمكم. سرحت بفكرها قليلا، تذكرت انها قد وصفت لربيع مختلف الأطعمة التي قد أعدتها في مناسبة عائلية حميمية خاصة. تميز آخر بتوصية خاصة .. ماذا يخبئ لها ربيع هذا؟ تساءلت بصمت. 4. في جنيف حطت الطائرة بسهولة ويسر بالرغم من تلبد الغيوم في سماء جنيف ومعظم أرجاء سويسرا .. لم تستغرق من الوقت الا أقله لتنتهي من إحراءات الدخول واستلام الحقائب، فركاب الدرجة الأوللى ودرجة رجال الأعمال لهم منفذ خاص ينهي معاملاته سريعا .. لم تكد تغادر الصالة الجمركية حتى وجدت شابا يقف متنحيا قليلا عن المستقبلين وقد رفع ذراعه بلوحة كرتونية كتب عليها اسمها. - الحمد لله على سلامتك سيدتي .. أنا سائد من شركة يوروكار مكلف من قبل السيد ربيع باصطحابك إلى الفندق .. مد يده ليتناول منها الحقيبة التي كانت تقودها امامها مما اتاح لها أن تلبس معطفها الصوفي الثقيل. - شكرا لك ياسائد هذا لطف منك .. لكنتك تدل على أنك من بلاد الشام، دعني أستنتج بلدك بالتحديد .. ألبناني أنت - بل سوري يا سيدتي .. لا فرق فلهجاتنا متقاربة جدا وقد أمضيت سنوات في بيروت مما أضفى على لهجتي الصبغة اللبنانية. - وبهذا تمكنت من تضليل فراستي نطقت بها وقد افتر ثغرها عن ابتسامة جذلة كسرت حاجز التعارف السريع بما يحمله من إرباك. كان من الواضح أن سائد يعرف جنيف معرفة تامة، إذ سرعان ما انتقل من الطريق الرئيس عند مدخل المدينة ليلج في سلسلة من الطرق الجانبية التي جنبته نقاط الاختناق والعديد من الإشارات. - سيدتي هاقد وصلنا فندق نوجا هيلتون .. الحمد لله على سلامتك مرة اخرى . في الفندق تناولت منها موظفة الاستقبال جواز سفرها وسلمتها بطاقة صغير داخل غلاف يحمل اسم وعنوان الفندق وقد كتب عليه رقم الغرفة 416 في الطابق الرابع. دقائق وكانت تجلس في غرفتها على طرف كنبة مواجهة للفرانده التي تطل على البحيرة الخلابة .. فقد كانت بحاجة إلى بعض من الراحة بعد يوم طويل أمضته بين المطارات والطائرة .. أغمضت عينيها وبدأت في سحب شريط مصور في ذاكرتها لما مرت بها من أحداث كل منها قد ترك في نفسها أثره .. في ختام الشريط توقفت مخيلتها عند جملة استنتاجية ختامية "لم يترك ربيع أي شئ للصدفة، فقد بدا وكأنه قد استلمها من بوابة مطار القاهرة، ومنذ تلك اللحظة صارت أسيرة لترتيباته المدهشة حقا" .. ترى أين هو الآن؟!! أيقظها من الاسترسال في تخيلاتها وتساؤلاتها رنين جرس الهاتف الجاثم على المنضدة الصغيرة بالقرب منها .. - الحمد لله على سلامة الوصول، لم تتأخري كثيرا في المطار - الله يسلمك ياسيد ربيع وشكرا فقد سار كل شئ وفق ترتيباتك قالتها مصحوبة بضحكة خفيفة - انا يا سيدتي لم أرتب لشئ لكنها ترتيبات الدرجة الأولى التي تتاح لكبار المسافرين .. لا بد أن لطفك مع الناس جعلهم يؤدون عملهم عن طيب خاطر وبما أنت اهل له . - هكذا أنتم رجال الأعمال تأسرون زبائنكم بدماثة خلقكم وطرافتكم - سيدتي أنت هنا ربة عمل لا زبون وأنا رهن إشارتك وطوع بنانك .. لا بد انك بحاجة إلى قسط من الراحة فكفاني إزعاجا لسعادتك وليكن موعدنا عندما تكونين جاهزة لتشريفي باللقاء. دارت بعينيها في أرجاء المكان بنظرة استطلاعية حتى تعتاد على مكوناته .. صالة غاية في الأناقة وقد وضع فيها أريكتين وثيرتين من النوع المريح، أريكة طويلة ، طاولة متعددة الأغراض وضعت عليها بعض الأدوات المكتبية وجهاز فاكس صغير امامها كرسي مرتفع الظهر .. على جانب من الغرفة كان هناك ماهو أشبه مايكون بالمطيبخ الصغير وقد جهز بآلة لصنع القهوة متعددة الأنواع، خلاط عصير كبير نسبيا جهاز ميكروويف صغير، سلة كبيرة حوت تشكيلة من الفواكه الطازجة المنتقاة بعناية وقد غلفت بورق السولوفان مع ربطة رشيقة وبطاقة مجاملة من إدارة الفندق. هذا بالإضافة إلى ثلاجة صغيرة مفعمة بأنواع المشروبات الغازية والمياه المعدنية. فوق الثلاجة كان هناك صندوق خشبي مصنوع يدويا وقد غطي بالنقوش وكأنه لوحة فنية، تعتيق لونه البني الداكن اضفى عليه فخامة وكأنه قد جلب من متحف للآثار القديمة .. عندما فتحت الصندوق وجدته قد قسم إلى مساحتين متساويتين، في المساحة الأولى كانت هناك تشكيلة جميلة من الشيكولاتة السويسرية الرائعة وقد نسقت بعناية .. في المساحة الثانية وجدت أن قد قسمت بقواطع من رقائق البسكويت السويسري اللذيذ، وقد ملئ كل قاطع بأحد انواع النقولات من فزدق حلبي وكاجو إيراني ولوز محمص ولم ينسى ماهي مغرمة به .. الفول السوداني.. في الجانب الآخر وبالقرب من باب الفرانده وضعت طاولة صغيرة وقد غطيت بالكامل بباقة كبيرة من الزهور، على طرفها كان هناك جهاز هاتف نقال من احدث الطرز وقد وضعت بجواره بطاقة ترحيب من ربيع وقد كتب عليها أن الهاتف مزود ببطاقة محلية تعمل دوليا .. "أرجو الاتصال بوئام فور وصولك كي تطمئن عليك" تناولت الهاتف وفتحته لتجد أن رقم منزلها بالقاهرة قد أضيف إليه وكذلك مجموعة أرقام مختلفة تخص ربيع سواء في جنيف او دبي، والمفاجأة ان رقم هاتف وئام النقال أيضا مضافا فيه!! كيف عرف رق هاتف وئام؟!! على الفور اتصلت بابنتها التي كانت كما يبدو تحمل هاتفها بيدها .. - لو تأخرت لثوان كنت سأطلبك أيتها الأم الغالية - وكيف لك أن تطلبيني ؟ على أي رقم؟ - يا أمي لا تخافي، لقد اتصل بنا السيد ربيع بعد مغادرتك وأخذ مني رقم جوالي وأعطاني الرقم الذي ستحملينه في سويسرا ربيع .. مرة أخرى لم يغب عن باله أصغر الأمور .. تم تعديل 23 مارس 2006 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 مارس 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 مارس 2006 5. اللقاء مع غروب الشمس نهضت حنان من فراشها مسرعة لتنعش جسمها بجمام دافئ .. جففت شعرها بسرعة .. أعقبته بترطيب جسمها ببعض الكريمات المرطبة. انتقلت إلى الدولاب لتختار ثوبا مناسبا ترتديه هذا المساء .. لفت انتباهها ثوب خمري اللون زين بياقة سوداء أضفت عليه سمحة جمالية .. كانت قد انتقت له طاقما يتكون من حذاء أسود قد زين بوردة صغيرة في حمرة الثوب وحقيبة يد صغيرة سوداء اللون يقطعها خط محوري يفصل بين اللون الأسود السائد واللون الأحمر الخمري الذي يغطي الثلث السفلي الأمامي وكذلك حزام رفيع أسود .. اختارت للاكسسوار طاقما بلاتينيا تتدلى من عقده بضع حبات من اللؤلؤ وكذلك القرطان اللذان ازدان كل منهما بحبة لؤلؤ كبيرة أما السوار فقد كان مموجا كالعقد . تعمدت ألا تزين يدها بساعة حتى لا يكون هناك حساب للزمن لديها .. إذ من السيئ أن تبدر منها التفاتة نحو الساعة مما قد يشعر جليسها عن غير قصد برغبتها في إنهاء اللقاء .. كعادتها لم تمض وقتا طويلا في تزيين وجهها .. مجرد لمسات خفيفة مما تتقن أضفت على وجهها رونقا خلابا .. رشفات مذهلة من فنجال قهوة اسبريسو جددت نشاطها دفعتها للانطلاق للقاء ربيع الذي ينتظرها في صالة الفندق.. هل ستعرفه؟ طبيعي أن تعرفه فلطالما شاهدت صورته على المسنجر. لكن هل تكفي الصورة للتعرف عليه؟ وصل المصعد للطابق الأرضي بسرعة .. لم تشعر بنفسها إلا وهي تتهادى بانسياب نحو قسم الاستعلامات لتيأل عنه .. سبقتها عيناها بالنظر إلى بهو الفندق الممتد أمامها .. هذا هو .. بالفعل تعرفت عليه فورا، فقد كان يقف في منتصف بهو الفندق، ولمزيد من التأكد جالت بعينيها بسرعة في البهو فلم يكن هناك عربي غيره . كان يلبس طاقما يتكون من معطف من الصوف الكشميري الناعم كحلي اللون بدا واضحا انه قد قطع ياقته بعناية ليغرس فيها قرنفلة بيضاء .. تحته قميص ناصع البياض وقد تدلت من عنقه ربطة كحلية اللون وقد تقاطعت عليها خطوط بيضاء مجدولة راسمة أشكالا هندسية متناسقة .. أما السروال فقد كان أزرق اللون .. الرجل كان غاية في الأناقة .. ارتسمت على ثغره ابتسامة فيها بشاشة وقد غلب على عينيه الإعجاب الشديد وقد انفرجت يداه بجواره مرحبة. - أهلا بسيدة الحلام .. أشرقت وأنورت .. سيدتي لقد سحرت بجمالك الخلاب كل النظارة من حولنا .. - أهلا بفارس المسنجر العتيد تعالت منهما ضحكتان مرحتين فيما كانا ينسابان بخفة متجهين نحو ركن هادئ بعيدا عن أعين الفضوليين الذين التفتوا نحوهما لدى سماعهم رنين ضحكتهما .. جلسا كل على طرف من طرفي كنبة طويلة .. - كيف كانت الرحلة ياسيدتي؟ - حقيقة ولا في الأحلام لقد غمرتني خلالها بلطفك الزائد - أولم أعدك بأنها سوف تكون رحلة الأحلام - صدقت يا سيدي .. كنت مرتبكة قليلا بعدما ودعت وئام في المطار، حتى إذا ما تولتني المضيفة الأرضية بشبوبيتها وروحها المرحة، انتشلتني من حالة الضيق النفسي ووجدتني اجاريها في حيويتها وانطلاقاتها العفوية.. - سيدتي هؤلاء أناس محترفون، فقد تدربوا طويلا واكتسبوا خبرات ثمينة في التعامل مع حالات ومواقف يحار فيها أمهر الأطباء النفسيين، وعادة ما يختار طاقم الضيافة للVIP من بين عشرات المرشحين من خريجي السياحة والفندقة وكليات اللغات. قبل أن أنسى .. لقد حجزت للعشاء في مطعم فرنسي صغير يشتهر بوجباته اللذيذة مارأيك .. أعتقد أن المطبخ الفرنسي مقبول لديك - فعلا اشتقت للأكل الفرنسي .. لكن ليس في المطاعم بل في بيت أصيل حتى أضمن الإتقان .. - سيدتي مشكلة هذا المطعم أن الحجز لديه غير ممكن قبل أسبوع .. ولعلمك فهو يعتمد على زبائنه الدائمين .. أي أن مسألة الولاء لديه لها اولوية خاصة .. - ألهذه الدرجة - بلى ياسيدتي - بل إن تعليماتك كان لها الأثر الواضح في جعلها أكثر إبهارا وذات خصوصية - هذا إطراء لا أستحقه خيم على المكان سكون وكأنهما يلتقطان أنفاسهما من جولة التعارف الأولية، كانت تنظر إلى لا شئ حينما التفتت نحوه لتجد عيناه مسمرتان على وجهها فعلت حمرة الخجل وجنتيها.. فوجئ بعينيها تضبطانه متلبسا بالإعجاب الذي كانت تنطبق به عيناه وكل قسمات وجهه. تشاغل بعينيه في التلفت بحثا عن النادل فيما ارتسمت على ثغرها بسمة خفيفة تنم عن الرضا .. - هنا يقدمون قهوة فيينا الرائعة هل ترغبين بها ام أطلب لك شيئا آخر - أفضل كوبا من الشاي الأحمر - جيد عادا إلى سكون كأنه مطلب لكليهما، فكل منهما كان ينتظر المبادأة في الحديث من الآخر، وكطليهما التقت عيونهما في رسائل سريعة سرعان ما يقطعها الحياء الشرقي المسيطر على الموقف، كانا بحاجة إلى الخطوة الأولى من جديد، وانتظراها غير طويل، فقد حضر النادل الشاب بالقهوة والشاي حيث دغدغ ربيع عواطفه بكلمات مجاملة مبديا إعجابه بحسن الخدمة، شاركت حنان فيها بكلمات قلائل ثم انتقلا للحديث عن الجو حيث انسل كل منهما من بيئته الدافئة نسبيا إلى جو سويسرا المطير. نظر ربيع في ساعته ثم همس قائلا: - لعلك سيدتي تودين الذهاب للاستعداد للخروج، المسافة ليست طويلة لكن زحمة الشوارع تستغرق بعض الوقت. - نعم .. بضع دقائق وأكون على أهبة الاستعداد بخطوات رشيقة توجها نحو المصعد منطلقان إلى الطابق الرابع حيث ينزلان - غرفتي ليست ببعيدة عن غرفتك ياسيدتي إنها تحمل الرقم 408 ، عادة ما أنزل فيها لهذا فإنني قد اعتدت عليها منز مدة - حقيقة في وجداني أن ما وفرته لي أكثر من حجرة عادية يا سيد ربيع، إنه أقرب ألى الجناح - نعم غنه نظام الغرف الخاصة ، وحتى هذا الطابق بأكمله هو طابق خاص تكون الخدمة فيه مميزة، وهو مزود بقاعة للمأكولات والمشروبات الخفيفة، هي أقرب إلى غرفة معيشة مؤثثة بشكل يوفر جوا من الراحة، وعادة ما تكون جاهزة طوال الوقت لاستقبال النزلاء. ولجت حنان إلى غرفتها حيث أعادت ترتيب هندامها وأعادت إلى وجهها رونقه بميكياج للسهرة واستعدت للمغادرة بمعطفها الثقيل. 6. قلق انطلق سائد بالسيارة في الشارع العام الذي بدا مزدحما كعادته في أوقات الذروة، انعطف بسيارته مع اول منعطف إلى اليمين ليبدأ في ممارسة هوايته باختصار المسافات والزمن. كانت حنان قد اتخذت مقعدها في الجانب الأيمن من المقعد الخلفي وقد بسطت ساقيها أمامها علامة على الاسترخاء في تلك الليموزين الفارهة، فيما جلس ربيع خلف السائق . لم تشعر حنان بتسرب وابل من الوساوس إلى قلبها الصغير، فقد تجاوزت الوساوس مخيلتها لتبدأ في تحريك نبضات قلبها والتحكم في أنفاسها.. فبدأ صدرها يعلو ويهبط .. كانت تتنفس بصعوبة .. فقد أرهقت الوساوس عقلها الباطن بشكل مزعج .. ترى ماذا يريد ربيع من وراء هذا البذخ المريب، أيعقل ان يستمر في تصرفاته كمضيف كريم، أم ان تلك النفحات ليست سوى مقدمات .. وراء الأكمة ما وراءها .. فنظرات عيونه لم تشعرها بالطمأنينة، لقد شعرت لأكثر من مرة بشعاع عينيه وقد بدأ يلسع خديها، أهو الإعجاب البرئ .. أم أنه صياد ماهر يعرف كيف ينوع في الطعوم لفرائسه .. لا فالرجل وطوال معرفتها به لم تبدر منه حتى ولو إشارات توحي بما تفكر فيه .. ثم إنه وحتى اللحظة يتصرف بخلق الفرسان ودماثة ندر ان مرت بحياتها من قبل. على الجانب الآخر من المقعد جلس ربيع صامتا وقد سرح بخياله في مراجعة هذه المغامرة التي لم تكن في حسبانه، إن هو إلا تلاقي فكريهما ترجمه إلى وعد عمل على تنفيذه مع صباح اليوم التالي .. هو رجل أعمال ناجح في دبي، كرس جل حياته لعمله إلا من أوقات كان يستقطعها كلما شعر بحاجته إلى شئ من الراحة، خاصة بعدما يكون قد انتهى من عقد صفقة كبيرة ذات مردود مقنع .. لم يفكر يوما في الزواج، فالمرأة ومسؤوليات البيت في نظره عناصر معوقة بالنسبة لرجال الأعمال، ولطالما شاهد أصدقاءه يمرون بمواقف غاية في الحرج بسبب مكالمة هاتفية من المنزل .. ترى بم تفكر حنان الآن، لقد عرفها امرأة في منتهى الذكاء، غاية في الأدب، كان يلمس تمسكها بسيف صارم يتدخل في الوقت المناسب ليبتر أي تطوير لعلاقتهما التي السمرت على وتيرة واحدة، كانت تستشيره في قراراتها المالية، تلك القرارات التي عليها أن تمليها على شقيقها الذي تركت له إدارة ميراثها من زوجها وكذلك ماورثته عن والدها .. لطالما صرحت له بتفرغها لتربية وحيدتها وئام التي شاهد عبر المسنجر البوم كامل لصورها منذ ولادتها حتى تاريخه .. لم تكن حنان امرأة أعمال ولذا فإن حياتها لم تتحول إلى ذلك النوع من النساء اللاتي احترفن العمل في سوق الأعمال الذي ازدهر في مصر وتكونت بسببه طبقة جديدة من رجال الأعمال سيطرت على الأسواق التجارية والمالية .. بل بقيت على حالها يعكس اسمها طبيعتها الطيبة، فهي تحسن الظن في الناس مما اوقعها في متاعب كثير منها كان نفسيا، وكانت في كثير من الأحيان تلجأ إليه عبر المسنجر ليحلل معها الموقف ويحاول اقتراح حلول ماكانت بطيبتها لتفكر فيها .. سماحتها وجرأتها في الحديث معه هما ما جعلاه عن طيب خاطر يتجرأ بدعوتها إلى رحلة الأحلام التي انطلقا بها منذ صباح اليوم .. ما الذي يدور في عقل هذه السيدة ، ماهي انطباعاتها عنه، وكيف تحولت من ثورة عارمة ورفض مطلق إلى تحاور هادئ وسؤال بسيط بنت عليه ما بنت، فإذا بها وهي المرأة الشرقية التي تعتد بمحافظتها على القيم والعادات الجميلة لمجتمعها .. تراها ترمي إلى شئ من وراء لقاءاتهما هذه؟ أم هي استجابة بريئة لدعوة اعتبرتها من صديق وثقت به وآمنت بما يبديه من عفة نفس وطهارة روح .. وقفت السيارة أمام باب من ضلفتين لا يوحي بأنه مدخل لمطعم مرموق، حتى اللافتة النحاسية المثبتة بجوار الباب والتي تعلن عن ماهية المكان بالفرنسية كانت غاية في البساطة وقديمة قدم المبنى الذي ثبتت على جداره العتيق. قفز سائد من وراء المقود ليفتح لحنان باب السيارة بشماله فيما امتدت يمينه نحو باب المطعم لتفتحه في نفس الوقت، فالمطر شديد والريح كانت تزمجر في الخارج فاندفعت نحو المدخل لتقف على بعد خطوات داخله بانتظار ربيع الذي انتقل لينزل من فس الباب اختصارا للمسافة واستبعادا لما قد يتعرض إليه من مطر ورياح رغم الشال الصوفي الذي كان يلف به رقبته ويغطي به جزءا من وجهه، فيما كان يحمل بيده مظلة صغيرة لم يضطر لفتحها حيث نزلا تحت مظلة اكبيرة تمتد فوق باب المطعم .. - تفضلي سيدتي بالدخول فالرياح شديدة وأنت في غنى عن التعرض لنزلة برد لا سمح الله. بخطوات قلائل اجتازا منطقة المدخل ليكونا في صالة المطعم، استقبلهما مدير المطعم بنفسه مرحبا بالسيد ربيع ورفيقته - سيد ربيع شرفت جنيف بزيارتك .. لم نحظ بشرف زيارتك لنا منذ مدة طويلة .. سيدتي اسمحيلي بالتقدم لك بآيات الشكر لهذا التشريف - سيدي هو شرف لي أن أكون في ضيافتكم المتميزة والتي طالما أطنب السيد ربيع في مدحها وهو الذي لا أشك في ذوقه الرفيع. نطقت بها بفرنسية أوحت بأنها من رواد الصالونات الباريسية الرفيعة، مما زاد من إشراق وجه مدير المطعم وهو يشير لهم بذراعه نحو طاولة في ركن المطعم بدت منفردة بتجهيزات خاصة بخاصة باقة الزهور البديعة التي وضعت في فازة من الكريستال الفرنسي .. وقف خلف الكرسي يسحبه لتجلس السيدة ومن ثم انتقل إلى كرسي السيد ربيع الذي سبقه بخفة وشكره بلطف .. - حنان .. أتسمحين برفع الألقاب .. –أومأت برأسها إيجابا- هنا تشعرين بأنك في بيت من البيوت الفرنسية، فكل ما تطلبينه يجهزه رئيس الطباخين -الذي هو صاحب المطعم- بنفسه.. تلك المرأة العجوز التي تجلس أمام الصندوق هي زوجه .. أما مدير المطعم فهو موظف فرنسي انتقاه صاحب المطعم ليكون الواجهة المناسبة للمحل .. - يبدو أنك معروف لديهم جيدا يا ربيع .. فقد دخل بعدنا زبائن آخرين لم يظهر لهم المدير نفس المستوى من الاستقبال الذي حظينا به. - نعم .. فراستك في محلها والفارق يكمن في أنهم زبائن محليين لا ينقطعون عن المكان كثيرا مثلي .. بعد أن استقرا في مكانهما تقدم منهما مدير المطعم مستطلعا ما يرغبان في تناوله - كمقدمة سأقدم لكن بعض المقبلات مكونة من شرائح كبد البط الفرنسية، وسلطة الخس بالجوز المكسر(عين الجمل) والخل، وبعض المقبلات الأخرى .. ماذا عن الحساء يا سيدتي؟ - حقيقة أنا أفضل شوربة البصل الفرنسية الشهيرة - أوه يا سيدتي إنها حقا كما نقول مجال اختصاصنا الأول .. وعادة ما تكون الاختيار الأول للسيد ربيع - هذا حسن فقد اتفقنا عن غير تعمد على حساء موحد .. أرفقها ربيع بابتسامة رقيقة - سأذهب لتجهيز ما طلبتم فيما تفكرون في التالي سيدتي فيما هو يبتعد همس ربيع ضاحكا - ياله من مجامل .. أنا أعرف أن حساء أفخاذ الضفادع هو اختصاصهم الأول .. لكنه لا يجرؤ على ذكره أما زبائنه العرب .. ومن يرغب به فإنه يطلبه بنفسه .. - حساء الضفادع آخر شئ يمكنني مجرد النظر إليه .. أذكر أنه قد قدمت لنا في أحد مطاعم دمشق ضفادع مشوية على أنها عصافير شبيهة بالفري .. لا تتخيل ما جرى لنا عندما علمنا بحقيقتها بعد ذلك .. - نعم ضفادع مشوية .. من أفضل ما يقدم في المطاعم الشامية الراقية .. - بالطبع .. لا وألف لا .. فهي ليست مما يؤكل في بلادنا يكفينا إزعاجا نقيقها عندما نبيت في الأرياف. - ذكرت لي من قبل أنك من القدس الشريف - نعم .. و لنا أرض زراعية في حزام إحدى قرى محافظة نابلس .. أشترك فيها مع إخوتي تحقيقا للتجذر في الأرض - ألا تذهب إلى القدس حاليا - إنني أتردد عليها باستمرار، فأنا احافظ على بطاقة هوية القدس رغم كل محاولات الصهاينة سلبها مني - ربيع .. كيف يكون شعورك وأنت تعبر الحدود إلى فلسطين - رغم ما اواجهه منذ اللحظات الأولى من منغصات يجهد الصهاينة أن يضايقوني بها عند المعبر، إلا ان نسيم الأرض المقدسة هو الذي يسود، فيهون علي معاناتي، ويجعلها ضريبة بل مكوسا لارتباطي بقدسي التي أنا ذاهب إليها تقدم منهما نادل يدفع عربة الطعام وقد حملت تشكيلة من السلطات والمقبلات وأطباق الحساء .. شوربة البصل الفرنسية وقد وضعت في إناء من الفخار اكتسى وجهه بوشاح من الجبن الفرنسي الذي التصق بأطراف الطبق الفخاري بشكل مغرٍ ران عليهما الصمت فيما كانا يرتشفان الحساء الملتهب ببطء وتلذذ، وما أن انتهيا من الحساء حتى تقدم مدير المطعم من الطاولة يحمل بين يديه طبقا كبيرا يعلوه غطاء عالي لا ينبئ بما يخبئه لهم تحته - سيدتي .. اسمحي لي بتقديم بعضا من اطايب ما نشتهر به في مطعمنا، إننا نفخر بجلب الماكولات البحرية من سواحل البحر الأبيض كل يوم طازجة، أتمنى ان ينال منكم الرضى وأن أكون قد وفقت في الاختيار كشف الغطاء عن تلة صغيرة من القريدس العملاق (الجمبري) المقلي، تتوسطه كتلة من لحم اللوبستر المغطاة بطبقة رقيقة من الجبن وقد تكتل الجميع على صدفة بحرية كبيرة، فيما احاطت به حلقات من الكاليماري اليوناني الشهير شهقت حنان لروعة المنظر وفتنة تنسيق الطبق الذي أوحى لها وكأنه باقة من الزهور اليانعة وليس ماكولات بحرية - هذا جميل جدا، فعلا لقد خلق الله الذوق وركزه في بلادكم - هذا إطراء سوف نفخر به ياسيدتي دوما نظر ربيع إلى الرجل وقد نطقت عيناه بامتنان شديد لهذه البادرة الجميلة، وسكب عليه آيات من المديح الممتزج بالشكر الجزيل. 7. أرق لم تكن تشعر بالنعاس عندما كانت تودع ربيع على باب حجرتها بالفندق بعد عشاء فاخر حفل بالمفاجآت اللطيفة .. بتكاسل شديد نزعت عنها ملابسها وألقت بنفسها على الأريكة وقد أغمضت عينيها في فاصل من الاسترخاء الذي حاولت فيه استقطاب النعاس لعلها تخلد إلى النوم بعد قليل .. حتى الآن أرى أن الأمور تمشي الهوينا على درب رحلة الأحلام وبأكثر مما اشتهت منها، ربيع لم يأل جهدا في توفير جو بديع مفعم بالطمأنينة . كأنه يشغل فكره كثيرا في دقائق الأمور حتى تبدو لها وفق ما تحب وترضى. ترى ماذا بعد؟! سؤال طالما ألح عليها بعد كل محور أو انعطافة، ماذا يخبئ لها ربيع؟! أيعقل أن تظل مسارات الرحلة وردية مخملية! ألا يسعى هذا الرجل إلى هدف يختبئ في حنايا صدره ولما يأت الوقت المناسب ليبعثه من مخبئه؟! دارت برأسها تلك الهواجس والظنون حتى جفى النعاس جفنيها وأرقتها أفكار بدأت تتلمس طريقها في دخيلة نفسها .. لا .. لا بمكن أن يكون لهذا الرجل وجه آخر يبطنه، فقسمات وجهه المريحة توحي بالثقة بشكل لا يداخلها فيه ادنى شك، وهي التي خبرت الرجال وتعايشت مع أقسى ظروف الوحدة الموحشة التي كانت مدعاة لاستغلال الكثيرين حتى من أقرب الناس إلى قلبها .. مرت ساعة او اكثر وهي جالسة لا تحرك ساكنا، تسوق لنفسها الحجج على حسن طوية ربيع محاولة جهدها طرد مخاوف عجزت عن ايجاد ما يؤكدها. تحركت نحو دولاب الملابس ترتب ما محتوياته من جديد في محاولة للتلهي والانشغال عما يجول في خاطرها، تركزت عيناها على ثوب منزلي خفيف جلبته معها دون تفكير في امكانات استخدامه. على حين غفلة من خواطرها انسلت داخل الثوب وطفقت في تصفيف شعرها بخفة . أمام المرىة وقفت تصلح من زينتها، بل بالواقع تزيل ما كان على وجهها لتستبدله بلمسات خفيفة من الميكياج الهادئ كما اعتادت أن تصنع في بيتها. نحن في طابق الكونسيرج، الطابق المخصوص، تذكرت حنان أن غرفة المعيشة تعمل على مدار الساعة، لم لا تذهب اليها في محاولة للتغيير والهروب من الوساوس التي لازمتها منذ أن امست وحيدة في غرفتها. دخلت إلى القاعة ممنبة النفس بجلسة هادئة تخلد خلالها إلى كوب من الشاي الأحمر، هي لا تحب الشاي إلا في كوب من الزجاج، تحب أن تمتع ناظريها بمنظر الشاي الأحمر البديع عبر زجاج الكوب فيما هي ترتشفه على مهل. - لو كنا على موعد لاختلفنا .. لم تمض لحظات على دخولي القاعة وصلها صوت ربيع جذلا للمفاجأة التي لم يكن أي منهما يتوقعها - أوه .. سيد ربيع .. وكأنه هاتف قد دعاني لترك الحجرة والقدوم إلى هذه القاعة بالذات .. أتأخذ معي كوبا من الشاي؟ قالتها وهي تتوجه صوب طاولة وضعت عليها معدات لتجهيز القهوة والماء المغلي وقد رصت بجوارها أباريق ملئت بأنواع العصائر - أتشرب الشاي في فنجال من الصيني أم مثلي تفضله في كوب زجاجي؟ لم تنتظر الرد بل انبرت لتعد الشاي في كأسين من الكريستال .. - العيب هنا أننا لن نجد النعناع الأخضر الذي لا أستسيغ الشاي بدونه عقب ربيع مدللا على اختياره للشاي أيضا .. - ربما نستطيع تدبير ذلك من "خدمة الغرف" قد يكون محفوظا لديهم لاستخدامات اخرى - لا بأس في السؤال امتدت يده نحو الهاتف ليتصل بخدمة الغرف الذين أجابوا بالنفي - علينا ارتشاف الشاي مع تخيل أن وريقات من النعناع قد زينت الكوب كما نهوى - أول شئ سأفعله صباح الغد هو تدبير حزمة من النعناع تلازمنا حيثما حللنا تمتم معقبا على فشله في الحصول على النعناع لهذه الليلة .. - اعتدت ان أمضي بعضا من الوقت في هذه الغرفة قبل الذهاب إلى النوم، قراءة شئ من الشعر العربي القديم ينعشني ويريح نفسيتي بعد يوم عمل طويل .. - لمن تقرأ من الشعراء ياترى - شاعري المفضل هو أبي فراس الحمداني وغن كنت أقرأ لغيره .. - أما انا فشاعري المفضل هو عدوه اللدود - المتنبي؟ - ولم تقولها هكذا .. ألا تعترف بأنه الملك المتوج للشعراء عبر كل العصور؟ - هو بلا أدنى شك ملك المتكسبين من شعرهم، أما الحمدني فهو الأمير بلا منازع .. - هاقد وجدت ما تختلف معي عليه ياربيع - بل إنني لا اجرؤ على مخالفتك إطلاقا .. ليطيب خاطرك فإنني أنتازل لك عن الإمارة وآل حمدان كلهموا - يالحاتميتك التي لا حدود لها - حنان أتأذنين لي ان أطلب منك طلبا .. بل هو رجاء وتمني - كلي آذان صاغية، أنت لك الأمر وانا علي الطاعة تكلمت بعفوية مطلقة، وكأنها بالكلمات تخرج دون حسيب ولا رقيب، لاحظ ربيع اللهجة الصادقة على لسانها مما منحه شجعه على الاستطراد في الكلام - منذ ان التقينا لأول مرة في صالة الفندق وأنا أشعر بحجاب هلامي كأنه حاجز زجاجي يقف حائلا بينك وبين حنان التي أعرف منذ سنين. هل بدر مني ما اثار في نفسك انفعالات معينة تجاهي؟ أم أن سلوكي بمجمله يجعلك تتصرفين بحذر، وكأن كلماتك تتلمس دربها في طريق معتم! ربما يكون التعبير قد خانني عن غير قصد في موقف فألهمك مالم يخطر لي على بال و - على رسلك يا ربيع بيك ، هل لك في التريث لبرهة، أراك تحمل الأمر مالا يحتمل، سيدي هناك فرق بين أن يكون المرء جالسا على كيبورد وشاشة، يفكر مليا ويكتب ويشطب ويعيد الصياغة، وبين أن اكون امامك بشحمي ولحمي، ما تعتقد بانه حاجز هلامي هو بالفعل حاجز حقيقي، ليس بيني وبينك، بل بين طبيعتي العفوية وبين الخشية من الوقوع في الخطأ .. لدي ما يؤرقني يا ربيع، ربما لأنها المرة الأولى في حياتي التي اتعرض فيها لتجربة علي الاعتماد فيها على نفسي بالكامل، وربما لكونه اليوم الأول الذي كان طويلا وحافلا بالأحداث التي كانت بمجملها تصب في بوتقة الأحلام الوردية، حتى أنك في مواقف كثيرة قد تجاوزت بمفاجآتك اعذب أحلامي صاحبت كلماتها سحنة بدى عليها الإرهاق، وكأنها تنتزع الكلمات من حلقها انتزاعا، ثم تنفرج أساريرها وتعلو الحمرة وجنتيها وقد أشرقت على شفتيها المكتنزتين بسمة خافتة بدت في ناظري ربيع كشذى ياسمينة بلدية.. - لم أقصد ان أسبب لك هذا التوتر يا سيدتي، فأنت لم تمهليني حتى أضع الخاتمة لكلامي، ما اردت قوله أننا في رحلة أحلام، والأحلام فيها حلوها ومرها كالحياة تماما، فلم لا نكون على سجيتنا، ونترك وراء ظهورنا حيانتا الماضية بما فيها من ذكريات، ما أتمناه عليك أن تعيشي الحلم بما فيه ولا تترسمي خطواتك فيه، اتركي الأمور تمشي ومن ثم لا بأس في إبداء ملاحظاتك، مثلما فعلت مع الشاي الآن، لو رأيت مالا يعجبك أو بدا لك أن نغير في المسار فاتركي نفسك تعبر بعفويتها .. هذا ما أريد قوله .. صمتت ولم تعقب بشئ، وكأن ربيع قد أتى ليكمل ما اعتمل في دخيلة نفسها، وهاهو يلفت انتباهها لما جاهدت طويلا للتخلص منه دون جدوى. - ربيع .. أتسمح لي بسؤال طالما ترددت في طرحه عليك - تفضلي .. فاليوم يوم الصارحة - لِمَ تأخرت في الزواج حتى الآن؟ أرجو ألا يكون فيه إحراجا، فلا يتعدى الأمر عندي حالة فضول ليس إلا صمت طويلا وقد بدأت قسمات وجهه في الاختلاف، وكأن تيارات متضاربة قد بدأت تعصف بروحه، تلاشى ذلك الصفاء الذي كان يكسو صفحة وجهه فيما بدأت سحب قاتمة تتجمع في افقه لتتحول ببطئ إلى مسحة حزن عميق بذل جهدا كبيرا في أن يبقيها تحت السطح الساكن. بدأت الكلمات تتهادى وكأنها تبحث بين شفتيه بصعوبة بالغة عن مخرج لها .. - قليلا ما تحدثت في هذا الشأن مع أحد - إذن أرجو أن تعذرني على تطفلي هذا .. يبدو أنني أقحم نفسي في خصوصية تـ .. - أبدا ليس بتطفل يا سيدتي .. بل أظن أن حالي يدعو لاستفسار مشروع من قبل القريبين مني .. لطالما واجهت هذا السؤال من قبل المحيطين بي بسلبية قاطعة .. ربما اعتبرتها مسألة شخصية لا يجدر بي البوح بها لأحد .. لا بأس .. ربما أتمكن من تجاوز حاجزي النفسي قريبا، وأتمكن من أن أحكي لك عن السبب .. فهي قصة طويلة .. والوقت يداهمنا .. ولا بد لك من أخذ قسطا من الراحة .. فأمامك يوم طويل .. أظنك ترغبين في جولة في الأسواقفي الصباح .. وقد أوصيت السائق ليكون جاهزا لاصطحابك .. عادة ما أستيقظ باكرا .. أصلي الفجر في موعده .. ثم أتناول فنجالا من قهوتنا المحببة أصنعه بنفسي .. بعدها أنطلق في تمشية طويلة على الكورنيش تنتهي بمقهى صغير يقدم القهوة مع الكرواسون والمربى المنزلي .. - بداية رائعة ليومك يا عزيزي .. ما أجمل التريض في الصباح .. هذا ما احرص عليه يوميا .. لكنني اعتدت عليه داخل المنزل - هنا الوضع مختلف .. ولن تكوني وحدك في الشارع مهما بكرت في الخروج .. فكثيرون ستجدينهم قد سبقوك إلى الركض والمشي على الكورنيش .. ماعدا في حالات العواصف المطيرة أو الثلجية. - إذن ائذن لي بالانصراف لعلي أستطيع النوم الآن - أخلام سعيدة .. وتصبحين على خير - الخير في إصباحك بإذن الله يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 مارس 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 مارس 2006 8. قهوة .. جوارح تخفق مع تباشير الصباح وجدت حنان نفسها تفيق وهي في قمة النشاط، فمناخ السفر يبدل من حالتها النفسية ويؤثر على وضعها الهرموني بشكل إيجابي .. تناولت كوبا كبيرا من الكابوتشينو المغطى بطبقة كثيفة من الكريمة الطبيعية، قبل أن تضع عليها بذلة رياضية شتوية وقد أحاطت جيدها بشال صوفي ارتفع ليغطي نصف وجهها .. فوق كل هذا كان لا بد لها من ارتداء معطفها الصوفي الثقيل فالبرد لا بد أن يكون شديدا في الخارج .. بهمة ونشاط انطلقت لممارسة رياضة الجري على الجانب الأيمن من الكورنيش حيث لسعات البرد تدغدغ وجنتيها فتمنحها حافزا للمزيد من الركض لعلها تتغلب عليها بحرارة الدم الذي تدفق بانسياب في عروقها. في طريقها مرت بعدد من المقاهي التي بدأ العاملون بها في إزالة آثار ليلة انصرمت، وإن بدت خالية من الزبائن فيما هي ذاهبة في مشوارها .. فيما بدأت الروح تداخلها وهي في طريق عودتها فقد بدأ المتريضون في التقف فيها لأخذ قسطا من الراحة وارتشاف قهوة الصباح الساخنة مع إفطار خفيف يعوض بعضا من الطاقة التي فقدوها قبل قليل .. تابعت حنان سيرها بتؤدة وقد تحولت من الركض إلى المشي السريع في عملية إقلال من الجهد بشكل متواتر، حتى إذا ما رأت ربيع عبر زجاج المقهى الصغير الذي أشار إليه دلفت وهي مازالت تلهث من آثار الجري فيما كان صدرها يعلو ويهبط بشكل مطرد. - يا صباح الخيرات .. لقد سبقتني وأنا التي كنت أظن أنني أول من سار هذا الصباح كان وجهها متهللا وقد علت الحمرة وجنتيها اللتان كان الدم يتدفق فيهما بفعل الجري - أسعد الله صباحك يا عزيزتي تفضلي هنا بالقرب من المدفأة تنحى لها جانبا بكرسيه حتى تتمكن من الجلوس في أقرب مكان من المدفأة التي تعمل بالغاز .. - حقيقة أن البرد هنا لا يوصف هذا الصباح - وكيف لو كان الكورنيش مغطى بالجليد كعادته في هذا الوقت من السنة - ما كنت لأخرج من غرفتي ولفضلت ممارسة بعضا من الحركات السويدية بديلا عن الركض - كرواسون فرنسي طازج مع قليل من المربي سيمنحك طاقة جيدة - وقهوة فيينا إن وجدت - هذا المكان على صغره يمتاز بتخيره لأروما أكثر من ممتازة .. تشممي رائحة القهوة التي تتسلل إلى اليأفوخ مباشرة .. رنت إليه بعينين ممتنتين عبرت فيهما عن مدى سعادتها برفقته مما جعل الدم يتزاحم في وجهه مضفيا مسحة من الخجل لإحساسة بتعابير عبر ناظريها عجز مبسمها عن البوح بها.. لم تستطع عيناه مفارقة عينيها البديعتين بتعابيرهما الجياشة وقد بدأ في مجاهدة النفس حتى لا تفضح قسمات وجهه ما يعتمل فيها من شعور اعتادت نسيانه لزمن خلى.. تسارع الدم في التدفق على وجنتيها بفعل النظرة الطويلة التي لا تريد لها أن تنتهي .. لم تصمد عيناها طويلا وتراخت ببطء لذيذ متغطية بطبقة من الخجل الذي قد اكتسى بدلال كاد أن يطير لربيع صوابه .. كان عليه أن يتشاغل بعينيه عن عينيها محاولا التلهي بلا شئ لكن عينيه عادتا بعناد لتتطوف بوجهها المشرق في شغف وقد امتلأت بمكنونات وجدانه التي بدا عليها استسلام عذب. امتدت يده لترفع نظارتها الشفاف التي كانت تقي بها عينيها من الرياح في الخارج وبقيت في هانئة موضعها تحتضن اجمل عينين .. فيما كان يتمتم بكلمات حاولت تغييير مجرى حديث العيون الذي يكان أن يبوح بالكثير .. - لا تهب الرياح عادة داخل المقهى - آه .. لقد نسيتها عند دخولي - عيناك بلا ساتر تكونان أجمل .. وأفصح .. - ربييييييييع .. العيون مرآة صادقة للنفس، قلما استطاع الإنسان التحكم في مسالكها .. - ونسائم الصبح قد تركت بصمات خلابة على وجنتيك فكستهما بوريقات جورية فزادتهما إشراقا فاجأتها جرأة الكلمات العفوية الصادقة التي دفعت بمزيد من الدم إلى وجهها فيما بدا أن خافقها في أوج نشاطه يعلو ويهبط كالمرجل، وتكاسلت عيناها في شبه إغماضة حالمة .. واحاسيس دفعت بروحها نحو حلقومها الصغير الذي شعرت فيه بشحنات عاطفية جياشة خدرته حتى عجز عن تلبية رغبتها في الكلام .. كانت تريد أن يكف عن دغدغة عواطفها التي ما عادت بقادرة على كبح جماحها .. اخيرا وبعد جهاد طال كالدهر خرجت نسيمات قلائل عبر مبسميها هاتفة : - على رسلك أيها الفارس، ما كل هذا الإطراء والمجاملة الفائقة - لا وعينيك ما كنت...... وضعت كفها على فمه بلطف مانعة للكلمات من الاسترسال فقد اشتعلت النيران في صدرها ولم تعد تحتمل المزيد مما جعلها تتشاغل بالتلفت يمنة ويسرة في ايماءة إلى الاستعداد للخروج .. - علي الذهاب إلى الفندق والاستعداد للخروج .. هلا رافقتني في طريق العودة أم تراك بحاجة إلى مزيد من القهوة لم يكن ليفوت عليها تهربها وقد لاحقتها عينيه المشدودتين إليها بإصرار لا إرادي .. لكنه سرعان ما استلهم رباطة الجأش من نهوضها فهب واقفا باسطا ذراعه لتتعلق بها بمرح فيما سارا كتفا إلى كتف يحتميان من برودة عالية فاجاتهما لدن خروجهما من المقهى الذي ازداد دفئا بما تبادلته العيون .. على الرغم من التلكؤ المقصود في المسير فسرعان ما وصلا الفندق، لم يكونا يريدان للطريق أن تنتهي لكنه الفندق الذي غافلها بالتقرب منهما بشكل سريع. السيارة كانت بالباب فيما كان سائد يجلس في الصالة بالقرب من الباب ليكون على أهبة الاستعداد للانطلاق، ألقيا عليه التحية وانطلقا في خطى حثيثة صوب المصعد .. عند باب غرفتها وقف ربيع قبالتها مواعدا إيهاها بلقاء قريب بعد عودتها من السوق .. - سأكون بانتظارك بإذن الله .. أرجو أن تطلبيني فور عودتك - سأبذل جهدي ألا أتغيب طويلا توجه ربيع نحو غرفته ببطء شديد وكأن ساقاه لا تطيعانه في البعاد عنها، فيما وقفت هي تتابعه بعينيها وقلبها حتى حال الباب بينهما .. انبرى ربيع يجري اتصالات هامة مع مقر عمله بدبي وبعض العملاء عبر البحار محاولا التهرب من أحاسيس مستجدة بدأت تتجمع في حنايا صدره، ماهذا الذي يشعر به، اهو حب جديد بعد هذا العمر؟ أم هي الحالة الفطرية للعواطف التي طالما كانت مرهفة في الصباح الباكر ومن ثم سرعان ما يبددها خضم العمل مع تقدم النهار !! هذه المرة فشلت كل محاولات التلهي في انتزاع ذلك الشعور اللذيذ المسيطر على وجدانه، طلب كوبا من عصير الليمون الطازج وقبل أن يصله ما طلبه كان قد شرع في ارتداء ملابسه على عجل، لن ينتظر عودتها .. كانت حنان تتنقل بين مختلف المحلات داخل مركز كبير للتسوق شيد على الطراز الأمريكي حيث تتواجد فيه محلات تمثل مختلف الماركات العالمية، عندما فوجئت به يقف أمامها وقد تشاغل بتفحص ثوبا نسائيا حريريا نم لها عن ذوق رفيع - ربيع !! عجبا !! لم تقل لي بأن لديك مشاريع تسوق - أوه أهلا حنان .. انتهيت من اتصالاتي باكرا فأتيت لغرض معين .. ما رأيك في هذا الثوب .. أظنه يناسبك تماما لسهرتنا الليلة - سهرتنا الليلة؟ - نعم فلدينا مقصورة قد حجزت في دار الأوبرا .. انهم يعرضون "كارمن" - كم أنا محظوظة، فلطالما تمنيت مشاهدتها ولكن بفرقة عالمية - أظنها قادمة من فيينا .. هل تعجبك - بالطبع من أروع فرق الأوبرا واكثرها إبداعا - هذا حسن، إذن لتستعدي منذ اللحظة، لا وقت لدينا ..تفضلي وجربي هذا الثوب دلفت إلى غرفة القياس حيث لبست الثوب الحريري فاتضح لها بأنه بحاجة إلى لمسات ترزي ماهر حتى يضبطه على جسمها كما تود .. دقائق وكان الترزي يأخذ مقاييسها وينطلق بالثوب إلى غرفة داخلية لتوضيبه .. بكل تأدب أفسح ربيع لحنان المجال للاحتفاظ بخصوصيتها فحافظ على مسافة واضحة بينه وبينها فيما كانت تتنقل بين مختلف المحلات ممارسة هواية تغذية النظر بأحدث المبتكرات العالمية، وباحثة عن بعض الملبوسات لابنتها .. سرعان ما انتهت جولتها في الأسواق فاصطحبها إلى مطعم ايطالي بقدم البيتزا الصقلية بطريقة تجعلك تعيش في باليرمو او بريولو لسويعات خلابة .. بعد الغذاء تركا لسائد الريادة في جولة حرة حول المدينة عمل خلالها دليلا سياحيا خاصا حتى انهما لم يشعرا به وهو يتوقف أمام مدخل الفندق .. أما باب غرفتها ودعها ربيع وانطلق إلى غرفته يحمل بعضا من الملابس التي اشتراها فيما فتحت هي الباب للخادم ليضع ما حمله من ملبوسات اشترتها خلال جولتها، بعد مغادرة الخادم التفتت نحو السرير حيث لفت نظرها لفافتين كبيرتين قد وضعتا على السرير .. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 24 مارس 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 مارس 2006 9. حديث نفس على مهل فضت اللفافة الأولى، أزالت باقة الورد الصغيرة والشريط والورق الملون عن الصندوق الجميل الذي وجدت بداخله ما أنبأه به حدسها، انه ثوب السهرة المصنوع من الحرير الخالص بلونه اللازوردي وقد طرزت عليه لوحة فنية شكل لونه معها قمة في الإبداع .. رقص قلبها مرحا بهذه الهدية الثمينة، ألهذا الحد تبلغ قيمتي عند ربيع، أم أنه الكرم الذي جبل عليه وجعل منه فارسا غاية في الشهامة .. التفتت نحو اللفافة الثانية، ليست من نفس المحل، أو على الأقل هكذا بدا من طريقة التغليف الرائعة .. امتدت يدها تزيل الغلاف عن الصندوق وعينها تسبقها تطفلا .. ما هذا؟!! فراء!! معطف يخطف الأبصار مصنوع من فراء المنك المتناسق الألوان .. لم يسعفها خيالها في استيعاب ما يجري من حولها .. فقد أثقلت هدايا ربيع كاهلها بما لا تملك لمبادلته .. فالولاعة الذهبية التي اختارتها هدية له سبقها السائق بتسديد ثمنها ببطاقة الائتمان التي تركها معه ربيع لتغطية مشترياتها .. كان من الممكن أن تتقبل الثوب الحريري الذي خلب لبها، فكيف لها أن تستوعب هذا المعطف الثمين .. لا شعوريا امتدت يدها صوب الهاتف: - كثير هذا يا سيد ربيع .. لقد تجاوزت بما أسلفت سقف أحلامي واليوم أفاجأ بك تُحَلِّق بي في عالم الأساطير .. فعلا انا كلي خجل مما أرى .. - أيتها الأميرة الغالية .. لم أجد ما يليق بك فأتعشم أن تتعطفي وتقبلي ما اخترته على عجل، فقد كنت أخشى أن تتركي السوق قبل لقائي - أنت تخجلني فعلا .. ولا أدري كيف أعبر لك عن الحال الذي أوصلتني إليه .. أ - لا تكملي سيدتي فلو شعرت للحظة أنني أجاملك أو أبتغي ... - توقف أرجوك .. فما خطر ببالي شيئا مما تفكر فيه .. إن هي إلا طبيعتي المتناهية في البساطة منذ الصغر.. إنها تأبى علي تقبل مالا أقدر عليه .. الثوب الحريري فوق طاقتي .. فما بالك بالمعطف!! أرجو ألا تسئ الظن بما أقوله الآن .. يجب أن تعيد المعطف للمحل الذي اشتريته به .. فأنا لا أستطيع تقبله .. كان الدمع ينهمر من عينيها وهي تختنق بالكلمات التي سجلت بها موقفها، وشعر ربيع بحرج الموقف وبأنها قد اجهشت بالبكاء فألقى بسماعة الهاتف وانطلق صوب غرفتها بسرعة .. فتحت له الباب فيما كانت تكفكف دمعها باذلة قصارى جهدها في السيطرة على عواطفها في هذا الموقف البالغ الحرج .. - سيدتي .. ما شجعني على هذا هو كرمك الزائد معي .. قلبي الذي لم يخفق منذ شبابي وجدته يرتعش كطائر ذبحته النظرات الحميمية التي باحت له بما اطبقت عليه شفتاك .. وقلبي أبدا لا يخطئ .. وكلما دنى منك شعرت به يكاد يقفز من بين أضلعي ليرتمي تحت أقدامك .. فلا تخذلي قلبك بموقف في غير محله .. باغتتها الكلمات الرقيقة الحانية .. شعرت وهي تنظر في عينية بنبل مشاعره وبذلك الحس المرهف الذي يُبَطِّنَها .. تجمدت الكلمات على شفتيها المرتعشتين .. وقد تحول المع في عينيها إلى حبات لؤلؤ كبيرة التصقت برمشها السفلي وقد أحست بروحها قد أشرفت على مغادرتها .. شعر ربيع بما يصطرع بين ضلوعها .. فصدرها الناهد قد بدأ يعلو ويهبط بتسارع ملحوظ .. كان عليه أن ينهي الموقف بأي شكل .. لكن الكلمات لم تسعفه .. فقد انشغل بكل وجدانه بمتابعة الأحاسيس التي عجزت الكلمات عن التصريح بها .. - حنان .. تعلمين بأنني أتعايش مع ما لديك من إباء وشمم .. وكلي حرص على ألا أقترب منهما في كل الأحوال .. وأنت أغلى عندي من كنوز الدنيا جميعها .. لكن .. نحن اليوم نعيش حالة غاية في الخصوصية .. وما استجد علينا أرى فيه ما يفسح لي مساحة أكبر من الثقة والطمأنينة .. فلا تفسدي أحلاما نعيشها سوية .. أتمنى عليك ألا يطغى ذلك الإباء وعزة النفس على ما يختلج في صدرك .. قالها وانفلت من أمامها مغادرا إلى غرفته قبل أن تنبت ببنت شفة .. فما ستقوله إن لم يكن إيجابيا فسيعكر عليهما صفو الحلم اللذيذ .. تعشق عايدة كثيرا .. كم من مرة شاهدت عروضها لمختلف الفرق .. لكن مشاهدتها اليوم سوف تكون مختلفة .. فالفرقة عالمية مشهورة وقد طعمت بنجوم مشهود لها من إيطاليا .. سواء في الأداء الأوبرالي أو الموسيقي .. للمكان والزمان وعالمية الفرقة دخل كبير في الاستعداد النفسي والوجداني لعايدة، وعايدة تمثل لها العنفوان والتمرد على المألوف، فيها كثير من الإيحاء بانفلات الفرس البرية الأصيلة وتمردها على ساستها وبيئتها، الحب الجارف حتى الجنون الكثير الكثير في كارمن يجعل منها حلما ناعما لدى حنان .. كل هذا يأتي قيراطا أمام ما يختلج في حشاشة قلبها من انفعالات طارئة ظنت أن عامل الزمن قد أدخلها في سبات عميق إن لم يكن قد بددها تماما .. ربيع تسلل إلى حياتها على حين غرة، في غفلة من عقلها أم هو وجدانها الذي تمرد على العقل أم ماذا .. لا تدري كنه ما يجري فقد استمرت علاقتهما على رتابتها لأعوام خلت، صداقة .. احترام متبادل .. لم تكن فيها أية علامات أنثوية .. خيل لها لأكثر من مرة أنها تتقمص دور رجل في مبادلته الرأي والفكر، لم تشعر يوما بحرج من التحدث إليه عبر المسنجر، أهو المسنجر الذي يسلب من الكلمات مافيها من روح، أم هو الخوف الكامن بين أحرف لوحة المفاتيح مسيطرا على مخارج الحروف فيمتص منها طلاوتها ويخرجها جافة لا طعم ولا لون لها .. لا ليست لوحة المفاتيح تلك، بل هو المسنجر .. ناقل الكلمات بين مجهولين .. إذن .. هو الخوف من المجهول وخشية مالا يحمد عقباه .. مسكين هو المسنجر .. شماعة تلقى عليه حالات الفشل في علاقات طالما سمعت عنها .. أطرق ربيع برأسه وهو جالس على اريكة صغيرة في ركن يشرف بزاية صغيرة على البحيرة الواسعة .. ما أكثر كآبة الشجر في الأسفل بالقرب من الشاطئ وقد تعرى من اوراقه واكتسى بكامله بثلوج فضية اللون .. جال ببصرة فوق سطح البحيرة الذي خالطته الثلوج مجاولة تغييبه تحتها .. ستفلح الثلوج في مسعاها .. عاصفة جليدية تهب منذ العصر .. والسماء حبلى وتكاد القِرَبُ فيها تنفجر بثقل حملها .. قرب كبيرة تتفجر جليدا بفعل البرودة القاسية .. ماهذا الذي تداعب صدرك يا ربيع، أبعد هذه السن ما زال لديك قلب يخفق؟ أيعقل هذا؟ لقد صمت طويلا حتى نسيت تاء التأنيث وطمست في وجدانك بصمات جرح غائر آليت ألا تنفض عنه التراب أبد الدهر .. حتى اقتحمت حنان حياتك .. لا .. حنان في حياتي منذ سنين .. أبدا لم تكن حنان في حياتك .. بل كانت دوما في البعيد كانت .. وكنت .. تعرفان كيف تسدلان ستارا على عواطفكما حتى وكأنها لا وجود لها .. كان هناك حاجز مسنجري صلد يقف حائلا بين عقلكما ووجدانكما .. فما هذا الذي دهمني بلا مقدمات .. أهو الحب يا ربيع؟ أم تراها نزوة سرعان ما تضمحل وتتلاشى بالعودة إلى المسنجر لا ليست بنزوة لقد كبرنا على النزوات ألا يقولون بعودة المراهقة إلى روح المرء بعد سن معينة لا .. لا .. إن ما اعيشه شئ مختلف لطالما مررت بنزوات لم يكن أسهل علي من التخلص منها هذه حنان شئ مختلف تماما لم أعايش لها مثيلا من قبل بل إن حياتي على جفافها قد جرى فيها أكسير غريب للهواء معها عبق فريد أحس بروحي تهفو عليها بحنين عذب قلبي يخفق مع رنات ضحكاتها .. ترى .. بم تشعر حنان الآن لقد احرجتها كثيرا بتهافت هداياك عليها أي غباء هذا أفلا تصبر تتمهل وهل يعرف الخافق التمهل لقد أردت أن املكها كل الدنيا بما فيها فقد ملكت قلبي وحشاشة ورحي ماذا لو أصرت بعد كل هذا على إعادة المعطف لسوف أحتفظ لها به فسيأتي يوم لا ترفضه فيه أواثق أنت هكذا بنفسك ليست نفسي بل هي عيناها اللتان باحتا بمكنونة وجدانها لم أكن واثقا بأحد مثل ثقتي بصدق عينيها 10.عايدة جلس في ركن غير بعيد بصالة الفندق بانتظار نزولها من غرفتها .. فنجال القهوة التركية الذي كان امامه رشف منه رشفات قلائل قبل أن ينساه في غمرة تفكيره بما مر به اليوم .. شريط طويل من الأحداث مر سريعا امام عينيه حيث توقف طويلا عند منعطفات مفصلية شعر بأنها كانت هي المؤثر الأساس في الحالة النفسية التي وجد نفسه في خضمها .. فجأة قفز إلى ذهنه خاطر جديد .. المؤشر الوحيد الآن سيكون فيما سوف تظهر به حنان، فإذا لبست ما اختاره لها فإنها تكون .. و إذا أتت بغير ذلك ؟ لا .. لن يحدث رفض الاحتمال الآخر طاردا اياه من مخيلته بشدة .. - ليهنأ به - ماهو؟ قفز من مكانه على صوت حنان الذي أخرجه من أفكاره المتشابكة - ذلك الذي أخذ بعقلك وشغل فكرك - آمل ذلك من صميم قلبي - ماهو الذ يأتمله ياترى - أن تهنأ به - من هي .. هل لي أن أعرف - منية النفس التي لا تفارق فكري حتى وهي أمام عيني ابتسمت بدلال وقد نزلت بعينيها حتى لا تواجه نار الشوق الذي كان يشع من عينيه .. وقف سائد بالباب يفتحه لهما فيما تقدمت حنان تتبختر أمام ربيع حينما تنبه ربيع إلى مؤشره العتيد الذي كان قد نسيه مع سماعه لرنين صوتها في أذنيه .. إنها تضع على كتفيها قطع الفرو الجميلة وقد بدت اطراف الثوب الحريري تتدلى عند آخرها .. فتح لها باب السيارة وقلبه يكاد أن يقفز من بين أضلاعه بانتصاره على هاجس كاد أن يضعه على محك لا يبتغيه .. قفز خلفها إلى داخل السيارة التي انطلقت بهما على الفور. - ربيع .. أوتدري ما تشتهيه نفسي الآن .. قلما فعلناها .. لكن في كل مرة أظن أنها الأولى لبهجتها - ماهي ياترى - جلسة جميلة لدى مطعم الشبراوي في آخر الحي السابع بمدينة نصر - وماذا يقدم هذا المطعم بربك - الجلسة بحد ذاتها بعد منتصف الليل على الرصيف في أيام الصيف هي الرائعة .. سلطاته ومخللاته تفتح شهية الشبعان ليأكل من جديد .. الطعمية الساخنة .. الفول بخلطاته المختلفة .. الباذنجان والبطاطس المقليين .. كل لك له خاصيته .. - حنان .. ونحن ذاهبان إلى دار الأوبرا تحنين إلى فول وطعمية ! عجيب أمرك .. فيما أنا أرتب لعشاء عرمرمي في مطعم لبناني يشتهر بمشوياته المنقطعة النظير و .... - أولم أقل لك أنني أعشق البساطة في العيش .. - لو تعشيت لدن الشبراوي هذا فستنامين من أول العرض في الأوبرا .. - عندك كل الحق .. فعادة ما نتناول طعامه بديلا للأقراص المنومة افتر ثغرها عن ابتسامة هادئة فيما كان دوي ضحكات ربيع تخترق سقف السيارة .. - ذكرتني بقسم اللغة الانجليزية بالكلية .. كان المدرس يشرح ويشرح والشباب ساهمون .. حتى إذا وصل إلى نقطة معينة تأكد منها أن لا أحد منا يتابعه صرخ فينا: o لماذا أنتم فاغرون أفواهكم هكذا .. وكأن على رؤوسكم الطير .. أهو بفعل حبوب منع الفهم التي تتعاطونها قبل الدخول إلى الكلية؟ سأطلب من الإدارة العمل على إغلاق مطعم الفول هذا الذي يعترض طريقكم أمام المدخل فنغرق جميعا بالضحك بينما يعود المدرس العجوز إلى الدرس وقد استقطب اهتمامنا من جديد هاقد وصلنا إلى المطعم .. سأسأله إن كان لديه فول وطعمية مصريين .. قالها وهو ينزل من السيارة ليفتح لها الباب وقد أشرق وجهها بابتسامة خلابة - ربيع أمن المعقول أن تجد فولا لديه .. مطعم مشويات وفي جنيف!! - من الممكن أن يضعه ضمن المقبلات دخلا المطعم الذي كان على كبره مزدحما بالزبائن من مختلف الجنسيات .. كانت طاولتهما محجوزة مسبقا .. كان عشاءا رائعا .. فقد كان للمطعم وصفته الخاصة في تجهيز الشواء .. خصوصا الكباب حيث يمرر السيخ على طبق مملوء بالزعتر الأخضر مما يضفي على الشواء طعم ورائحة ذكيتين .. لم يطل بهما المقام حتى امتلأت الطاولة بتشكيلة من الأطباق الصغيرة محتوية على المقبلات التي تمتاز بها المائدة اللبنانية الشهيرة حتى إذا ماتيقن النادل من الانتهاء منها تقدم بطبق كبير مفروش بأوراق البقدونس التي غطيت بنخبة منتقاة من مشويات اللحم الضأن والدجاج المخلي من العظم .. لم تكن المسافة بين المطعم ودار الأوبرا ببعيدة، بضع دقائق وكان سائد يقف بالسيارة على الباب ويترجلا منها باتجاه المدخل الرئيس حيث كان بانتظارهما مرشد من الدار قادهما إلى مقصورتهما بسرعة .. كانت دار الأوبرا تعج بالرواد من مختلف الأجناس والأعمار وإن غلب كبار السن من الأمراء والأميرات السابقين حتى أن المرشد وقد اعتاد على علية القوم ميز حنان بهندامها الرفيع فأسبغ عليها لقب الأميرة الشرقية .. دلفا إلى مقصورتهما حيث نزعت حنان عنها معطف الفراء الذي استلمه المرشد ليضعه في دولاب خاص .. ماهذا الذي تراه ياربيع .. شمس من شموس منظومة اخرى ام درة مكنونة حفظت طويلا في علم الغيب لتتلألأ أمام ناظريك ..لم يتمالك نفسه من التحديق فيها طويلا فيما كانت ابتسامة ساحرة تغطي وجهها فتزيد طلعتها بهاءا ..الثوب الحريري بألوانه المتناسقة وقد التف حولها مبديا مفاتن لم تقع عيناه على مثيل لها من قبل .. خصلات شعرها التي لم يلحظ من قبل تسريحها الذي حررها من قيود المثبتات وفبدا منسابا على كتفيها العاريتين حاضنا نخرها المرمري وقد استقرت بدلال خصلتان كبيرتان منه فوق صدرها الناهد .. وقف ربيع مشدوها أمام جمالها حتى خيل له أنه يراها لأول مرة .. ببطء شديد ارتفعت عيناه لتلتقيان بعينيها .. أي سحر هذا الذي يبرق من مقلتيها بوميض فتان .. أخيرا تنبه ربيع إلى أنهما مايزالان يقفان أمام مقعديهما وكأنها تنتظر منه الإذن لتجلس، أم أنها هي الأخرى قد أخذت بنظراته فأطالت الوقوف وقد سمرتها جرأة عينيه اللتان تكادان تلتهمانها بعدما احرقتاها بنيرانهما الجشعة .. افتر ثغره عن ابتسامة خجلة فيما أشار بيده إلى مقعدها - يا لغادتي الفاتنة .. هلا تفضلت سيدتي الأميرة بالجلوس خرجت الكلمات مبعثرة وكانها ينتزعها من حنجرته انتزاعا .. أزعجه إحساسه بقلق دفين لاحظه يتغلغل في اعماق عينيها .. نوع من عدم الارتياح .. شئ غريب لا يدري كنهه .. ذلك الذي لمحه رغم الوميض الساحر الذي خطف أبصاره منذ لحظات .. جلس ربيع على مقعده وقد استند إلى الجانب الأيسر من المقعد .. فيما جلست حنان متوسطة مقعدها وقد التفتت بوجهها باتجاهه .. لفت انتباهها نعده بشكل ملحوظ عنها .. لم تشغل بالها بتفسير طريقته في الجلوس - ربيع .. ما أجمل دار الأوبرا هذه، عراقة المبنى توحي لي بتارخ طويل من الفن الراقي، ربما كانت تلك الدار في فيينا أعرق منها وأكثر فخامة إلا أنها لا شك غاية في الروعة مال برأسه قليلا نحوها دون أن يحرك جسمه وهمس - حقيقة انهم ينفقون كثيرا على إبراز الوجه الحضاري للبلاد، النواحي الثقافية تحظى باهتمام واسع في أوروبا عموما، انظري من حولك كل شئ يكاد ينطق بآيات الفن والذوق الرفيع بدأت الاستعدادات للعرض مما قطع عليهما الاسترسال في حديثهما، وران الصمت عليهما فيما هما يتلفتان يمنة ويسرة يتأملان مختلف التصاميم الفنية واللوحات التي تخلب اللب بروعتها. ما أن بدأت الموسيقى في التسلل إلى أسماعهما حتى كان ربيع قد دخل في عالم آخر لا علاقة له بما يجري أمامه، فقد عاوده الفكر فيما أحس به في عيني حنان في اللحظات الأخيرة قبل أن يجلسا، من المؤكد أن ثمة شئ يزعجها وتحاول بابتساماتها وتحركاتها أن تطويه بين حنايا صدرها .. سبق له أن أخبرها بأن العيون مرايا صادقة لا تكذب، وحدسه يحتم على فكره بأن وراء هذا الصفو عكر .. ألإلحاحه عليها في مسألة المعطف الثمين دخل ياترى .. أم أنها شعرت بما لم يعجبها في تصرفاته التي تخطى فيها حواجز كثيرة في سويعات قلائل .. لكنها لبست الفراء كما طلب! قد يكون لبسها له فيه إرضاء له على حساب بعضا من ثوابتها التي حكتها له .. لا .. لا .. ليس هناك ما يزعجها .. إن هي الا اوهام وتخيلات .. حانت منه التفاتة نحوها فوجدها مشدودة تماما إلى المشهد الذي يؤدى، والفرح الغجري ينعكس على صفحة وجهها المتفاعل مع الألحان المرحة التي تواكب الاحتفال الغجري على المسرح .. لو كان هناك شئ مما تظن لما قدرت على التركيز في العرض الأوبرالي الذي استقطب حواسها ووجدانها .. حقيقة هو ليس له في الأوبرا ولا العروض الفنية الغربية الكلاسيكي منها ولا غيره .. إن سهرة مع شريط لأم كلثوم أو فريد يستهويه ويطرب له .. لكنه اختار هذه السهرة لعلمه بعشقها للأوبرا .. كان قد أبدل من جلسته ليرتاح بكتفه على ظهر أريكته بجانبه الأيمن، وفيما كانت يده تستقر على ذراع المقعد إذا به يشعر بها تنزلق على ملمس أملس بض، رنى بعينه نحو ما تحت ذراعه ليجد أنها قد استراحت فوق ذراع حنان التي لم تغير من جلستها ولم تبد حراكا، بهدوء شديد لم يشعر الا بيديه تتناول يدها بلطف شديد لترفعها من مكانها ويضع يده أسفلها جاعلا من ذراعه مسندا لذراعها .. التفتت نحوه بوجه حالم ونظرت إلى الوضع الجديد الذي استقرت عليه اليدين وربتت بحنان على يده .. وتشاغلت بمتابعة العرض بكل هدوء .. انتهى العرض وأضيئت الأنوار واستفاقا من الجو الحالم الذي كان كل منهما يعيشه على حده، التفت ربيع إلى حنان بحنو شديد وقد أحس بالحالة العاطفية التي انتهت إليها بانتهاء العرض تلك النهاية المفجعة، فقد كانت تقبض بأصابعها على ظاهر يده بشدة فيما كان رأسها قد استقر على كتفه، حتى إذا ما مالت بوجهها نحوه شاهد لؤلؤتان كبيرتان تنفصلان عن مقلتيها بصمت، بابتسامة شحبة تجمعت فيها عصارة قلبه تناول منديلا ورقيا وراح يلتقط الدمعتان قبل أن تصلا إلى ثغرها الذي كان يحمل مشروعا فاشلا لابتسامة تلاشت مع حزنها الشديد .. 11. في الريف السويسري في الصباح الباكر انطلقت بهما السيارة ميممة شطر الريف السويسري، كان ربيع قد حجز في فندق ريفي بقرية صغيرة تبعد بالسيارة عن أقرب مدينة ما يزيد قليلا عن الساعتين .. كان صباحا مشرقا قد سطعت فيه الشمس عندما كانا يبتعدان بسرعة عن جنيف، الثلوج تغطي كل شئ في المدى المنظور، حرارة الشمس لم تكن كافية لإذابة الجليد المتراكم على جنبات الطريق وقد خالطه الطين المتحدر بسبب الأمطار وسواد آثار عجلات السيارات وعوادمها .. إن هي إلا ساعة ونيف حتى وصلا إلى الفندق المنشود .. مبنى كبير نسبيا مكون من طابقين هو أشبه ما يكون ببيت عائلة كبيرة، طراز البناء وشكله يوحيان بالقدم رغم محاولات اصحابه المتواضعة لإسباغ شئ من الجدة على مظهره الخارجي فقد بدا أنه قد تعرض لعملية صيانة منذ مدة قصيرة ... للوهلة الأولى، دخلا إلى صالة الفندق الواسعة بسقفها العالي .. عتامة جذابة تنبئ بالقدم يتغلب عليها ضوء خافت ينبعث من ثريا نحاسية كبيرة عتيقة تتدلى من السقف الذي ازدان بلوحات بارزة أمضى فيها الفنانون زمنا طويلا لتستقر ملتصقة في السقف طوال هذه العقود وربما القرون .. احست حنان بأنها قد انتقلت إلى عالم آخر، عالم مما قرأت في الروايات القديمة لكتاب ماقبل مايسمى بعصر النهضة، في منتصف الصالة وقفت سندريلا بشحمها ولحمها تحمل بيمينها ضمة صغيرة من الزهور اليانعة، صبية في عمر الزهور التي تحمل وقد بدا الاحمرار على وجتنيها بشكل ملفت للنظر وكأنها كانت قبيل قدومهما تجلس أمام المدفأة الكبيرة في صدر الصالة .. تقدمت الفتاة الصغيرة بلباسها الشعبي زاهي الألوان وقد غطت صدرها بمريلة كبيرة من ذلك الطراز القديم الناصع البياض وقد زركشت اطرافه فيما وضعت على رأسها قبعة صغيرة من نفس قماش المريلة منبئة بأنه الزي الرسمي للعاملات بالفندق الصغير.. امتدت يد الصبية بباقة الزهور وقد افتر ثغرها عن ابتسامة ترحيبية رشيقة .. وبفرنسية عذبة صاغت كلمات منتقاة للترحيب بالضيفين الكريمين وبتادب شديد استأذنت حنان في مساعدتها بحمل معطفها الثقيل لتنطلق بخفة امامهما ترشدهما إلى غرفتيهما في الطابق الثاني .. السلم الخشبي متوسط العرض كان قريبا على الجانب الأيسر بالقرب من مكتب الاستقبال الصغير .. صدق ظن ربيع في كينونة المبنى بيتا للعائلة الكبيرة في السابق فقد وصلا إلى صالة علوية متوسطة المساحة ربما كانت تستعمل كغرفة معيشة للعائلة بينما أحاطت خمسة أبواب تفضي إلى خمس غرف هي مصدر الرزق لأصحاب هذا الفندق العائلي إضافة إلى المطعم الصغير بالطابق الأرضي .. فيما دخل كلٌ إلى حجرته قدم الأب يحمل حقيبة حنان فيما عاونه سائد في حمل حقيبة ربيع .. - سائد .. ستقيم في الغرفة المجاورة لي تماما .. نعم الجار يا بني - شرف كبير يا سيدي لست بأهل له .. سأبحث عن غرفة في الطابق السفلي حتى أكون على أهبة الاستعداد لخدمتكما - ومن قال أنك ستخدمنا .. إن هي إلا راحة واستجمام إجباريين لك بعد مشقة اليومين الماضيين معنا .. وقد اخترت لك جواري حتى اطمئن عليك واتاكد من راحتك التامة طأطأ سائد برأسه خجلا من كرم ربيع الذي ما انفك يغمره بعطفه كأب حنون .. وانطلق ليجلب حاجياته القليلة من السيارة وقد وضعها في حقيبة رياضية متوسطة الحجم .. دخلت حنان إلى حجرتها منبهرة بما ترى، لفت انتباهها ان أرضية الغرفة تئن تحت وطاة أقدامها كلما مشت فيها، فالخشب العتيق قد اكل عليه الدهر وشرب، وبتآكله قليلا قد تباعدت المسافات بين ألواحه بينما استراحت الأرضية من تحتها مما جعل لها صريرا ينبئ بتأريخ طويل .. السرير الحديدي العتيق وقد ارتفعت قوائمه لتنتصب عليها ناموسية خفيفة بزرقة السماء .. الملايات المتعددة التي اكتسى بها السرير قد أضفت عليه رونقا بما حوته من تطريز يدوي بدائي هو ذاته قد ارتسم على الستارة المزدوجة .. الملاية العليا والستارة الأمامية من نفس القماش الثقيل الذي بدى رغم عراقته غاية في النظافة والجمال .. كل شئ في الغرفة كان نظيفا فعلا .. باقي قطع الأثاث توحي بضخامتها بأنها من مخلفات القرون الوسطى، فبجوار السرير يرتفع دولاب صغير إلى مستوى المرتبة الصوفية، وقد وضعت عليه مزهرية صغيرة وضعت فيها وردة حمراء وبجوارها وضع دورق ماء زجاجي وقد غطي بطبق صغير.. في صدر الغرفة نافذة خشبية صغيرة بيضاء اللون تطل على لوحة أبدع الخالق صنعتها فالحقول ممتدة أمام النظر لا يقطع المنظر سوى بضع شجرات مترامية دون تنسيق .. بالأسفل من النافذة وضعت طاولة صغيرة وبجوارها كرسي هزاز من خشب الزان والقش، إلى اليسار باب مفضي إلى حمام واسع به حوض للاستحمام أثري يرتفع على أربعة قوائم حديدية، وبجواره حوض صغير مستدير .. كل مافي الحمام يعمل بكفاءة وجودة عالية .. فيما كانت حنان تبدل ملابسها امام التسريحة الضخمة سمعت طرقات خفيفة على الباب وتناهى إليها صوت ربيع يبلغها بنزوله إلى الطابق الأرضي حيث سيكون بانتظارها لتناول طعام الإفطار.. هبطت حنان درجات السلم قفزا حتى وصلت إلى الصالة، كان ربيع وسائد قد أوصيا سيدة المنزل على إفطار ريفي مخصوص، اتخذت مقعدها في المطعم في مواجهة ربيع وقد جلس سائد إلى يسارها وقد بدا متشاغلا بيديه وعينه عنهما بما أمامه من أدوات الأكل .. طاقم فضي عتيق يبدو أنه يتعرض للتلميع يوميا .. - أرجو أن تكوني قد ارتحت إلى غرفتك ياحنان - الحمد لله .. انتقلنا فعلا من مرحلة الحلام إلى جو الأساطير الخلابة - فعلا يبدو أن الاختيار كان موفقا جدا .. في جو الريف يعيش الإنسان على الفطرة، فكل شئ فيه طبيعي وقد أتقنت صنعته .. تسرب إلى خياشيمها عبق رائحة ذكية، انها ربة البيت تقترب منهم حاملة سلة الخبز .. وباليد الأخرى كانت قد رصت على راحتها وجزء من ذراعها ثلاثة أطباق متوسطة الحجم .. - ماهذا؟ ياللروعة .. صفي لنا يا سيدتي ما تقدمين لنا - سيدتي كل ماهو أمامك هو من صنع أيدينا، كلٌ في موسمه خبز ريفي طازج من الفرن مجهز من الحبوب الكاملة .. مربى التفاح البيتي .. قطع من الزبد البلدي ناصع البياض .. شرحات من اللحم المقدد .. كل شئ هو من خزين البيت ياسيدتي .. - سيدتي، لو بقيت عندكم أسبوعا فإنني بالقطع سأحتاج إلى ملابس جديد .. إننا نفتقد كل هذا فعلا - اشكرك يا سيدتي على هذا الإطراء انسحبت من أمامهم بهدوء وهي مشرقة الوجه لتعود بعد قليل بأطباق البيض البلدي المقلي بالزبد البلدي مع شرحات من هام البقر الرقيقة .. - بسم الله .. هنا يمكننا الاستغناء قليلا عن الإيتيكيت إذ لا أظن أن معدتي ستنتظر تلقيمها لقمة لقمة قالها ربيع مداعبا وقد امتدت يده لتتناول كرة من الخبز الساخن ليضعها في طبق حنان معيدا الكرة مفرغا يده في طبق سائد .. - لا بأس الآن في الانطلاق خارجا فالشمس الساطعة تشجع على التمشية في الخارج، لعلنا نستطلع القرية وسوقها الصغير .. فقد قيل لي أنهم يبيعون هنا منتجات يدوية غاية في الإتقان .. - هيا بنا نهضت حنان لتتقدم ربيع فيما استأذن سائد في الذهاب للعناية بالسيارة وترتيب مكان وقوفها وتغطيتها بشكل جيد .. فيما كان ربيع يرتدي بذلة من الجوخ الثقيل، كانت حنان ترتدي بنطالا صوفيا سميكا ومعطفا من الجوخ المخمل الثقيل .. طرق القرية لا تختلف كثيرا عن الحواري الضيقة في الأحياء القديمة بمدن الشرق العربي مع فارق أساس هو النظافة .. انطلقا سوية باتجاه منطقة السوق الصغير تحت أشعة الشمس الحانية التي لا يكادان يشعران بحرارتها، بينما كان ربيع يمشي محاولا التمهل كي تواكبه حنان بخطواتها، فإنها كانت تكاد تطير مرحا وهي تتقافز بجواره، تمشي قليلا متعلقة بكلتا يديها بذراعه الأيمن بينما يده قد اندست في جيب معطفه، ثم فجأة تتخلى عنه منطلقة بقفزات سريعة لتواجهه من امامه وتسير بظهرها بعض الوقت .. - هاهو السوق يا منية النفس .. - ما هذا بضعة حوانيت صغيرة متراصة ! أهذا كل شئ؟ - ربما يكون هناك غيره دعينا نستطلع الأمر وصلا أول محل في السوق ونظرا اليه من الخارج فوجدا أنه يعرض بضائعه بشكل أنيق .. تقدما من البائع فإذا به ينبري معرفا على أفخر مالديه من حاجيات منزلية وأقمشة مزركشة زاهية .. تحولا إلى المحل التالي .. يعرض هدايا وتذكارات مرتبطة ببيئة المنطقة الرائعة .. عقود كبيرة الأحجار بمختلف الأشكال والألوان .. أساور وحلقان نقشت بألوان مفرحة .. حقائب يد صغيرة صنعت من القماش المطرز يدويا بألوان فولكلورية جذابة .. امتدت يدها تتفحص كل شئ في المحل، فيما كانت عينا ربيع قد استقرتا على أيقونة على شكل قلب نحت من حجر كالياقوت الأحمر، تناولها بكلتا يديه وراح يتفحصها بعناية حتى إذا ما ضغط بإصبعه على جانبها انفلق القلب إلى نصفين مبرزا صورة صغيرة تملأه من الداخل لفتاة شقراء بدت كممثلة مشهورة يعرفها .. كعادة الرجال امتدت يده إلى جيب معطفه ليتناول محفظته سائلا البائع عن ثمنها .. - إنها من الياقوت الأصلي ياسيدي - لا .. لا .. نحن نعرف الياقوت أيها السيد .. يبدو هذا الحجر بأنه تقليد للي اقوت ردت عليه حنان محاولة التبخيس في البضاعة حتى لا يغالي في السعر .. ضحك ربيع جذلا وأومأ برأسه للرجل أن يجيب على ادعائها - يا سيدتي سأكتب لكما صكا بالبيع .. ولتأخذانها للفحص لدى الصاغة، ولو لم تكن ياقوتا فإنني سأتعرض لمساءلة قانونية أنا لست بحملها سأله ربيع أن يضعها في علبة هدية تكون مناسبة لها وانقده الثمن دون مناقشة للسعر فيما كان حنان تغلي لعدم اتاحته الفرصة لها لتستعرض على البائع مهاراتها الشرائية .. في محل آخر وجدا تشكيلة جميلة من المصنوعات الجلدية حيث اشترت حنان معطفا من جلد الماعز الجبلي الرقيق .. تسكعا طويلا بين مختلف المحلات حيث أمضيا وقتا ممتعا في تفقد البضائع المعروضة وانتقاء ما يجدانه مناسبا حتى إذا ما بدأت الشمس بالانحدار نحو المغيب سلكا درب العودة قبل أن يصعقهما برد المساء القارص .. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 25 مارس 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 25 مارس 2006 (معدل) 12. ...... ما أن دخلت حنان غرفتها حتى شرعت بهمة ونشاط في اعداد حوض الاستحمام .. فتحت الماء الدافئ بينما كانت تنتخب عددا من قوارير الزيوت المعطرة والمرطبة لتسكبها في مزيج متجانس مع الصابون ذو الرغوة الكثيفة .. ما أن اكتمل الاستعداد لحمام بديع حتى كان الماء يفور في الغلاية لتملأ منه كوبها الزجاجي وقد سكبت في كمية معتبرة من الزهورات الشامية التي فاحت رائحتها لتلأ الغرفة بشذى جذاب، لا بأس في إضافة قليل من عسل السدر الجبلي اليمني الذي أهداه لها ربيع يوم اللقاء الأول في جنيف .. حمل المذياع الذي سبق لها وأن وجهته إلى قناة موسيقية محلية أنغام لحن طالما سمعته ولم تلتفت إليه يوما .. كأنه أحد ألحان خاتشودريان الشهيرة .. حملت كوبها بكل حرص إلى الحمام حيث استقر بالقرب من رأسها على حافة الحوض بعيدا عن مصدر المياه حيث استلقت باسترخاء في الماء الدافئ وقد أنعشتها الرائحة المنبعثة منه فأسلمت نفسها لشبه إغفاءة لذيذة هي بين النوم الخفيف واليقظة المتخدرة .. انتهى اللحن الجميل ليبدأ من بعده بث كونشيرتو الكمان يتموجاته واستقطاباته للوعة الروح ومداعبته للعواطف الجياشة.. أحست بخدر في أطرافها بدأ يتسلل إلى جفنيها لم يكن ليقطعه سوى صوت قطرة ماء كانت كلما اطلت برأسها من فوهة الصنبور انزلقت محدثة لدى ارتطامها بسطح الماء صوتا كأنها تحاول لفت الانتباه لانضمامها إلى جوقة الإنعاش التي تحتضن حنان كلها إلا رأسها الصغير الذي بدا طافيا على السطح باستكانة طفولية .. بين الفنية والفنية يتحرك ذراعها إلى ما فوق رأسها ليتلمس كأس الزهورات الذي بدأ يفقد حرارته وكأنه يتلهف اللقاء مع شفتيها ليسكب فيهما ما اختزنه من مكنونات الطبيعة الساحرة .. جاذبية المياه بدفئها وعبيرها بدأت في التغلغل هادفة أعماق روح حنان مستحضرة شريطا زهريا داعب مخيلتها مستعرضا ما مر بها من لحظات حالمة أسعدت قلبها الذي استفاق على دفقا سعيدا من الأحداث والتطورات في رحلة الأحلام الوردية بما صب فيها ربيع من رحيق روحه العذبة .. غافلها الشريط باستحضار بعضا من اللمحات التي بزغت في عمق خيالها مميطا عن خباياها ما جهد ربيع بكل حرص على ألا يبرز أغراضه منها .. حتى في اختلافاتهما النادرة كان دوما هو الفائز بشغاف قلبها البض .. لقد سيطر بفروسيته النبيلة على أركان وجدانها حتى لم يعد للمقاومة مكان فيه .. ببطء وتراخ استدعت ما تبقى لديها من يقظة لتفتح عينيها المتكاسلتين اللتان فوجئتا بالليل وقد اطل برأسه على نافذة الحمام في متطفلا على الوقت الذي شاغلها عن نفسه مبقيا اياها في ماء قد شابه الفتور وفقد كثيرا من الدفء فيما تبددت فقاعات الرغاوي من حول نحرها وكأنها قد انسحبت إلى باطن الماء و نسيت أن تودعها .. فيما كانت تلف قامتها بمنشفة كبيرة تناهى إلى أسماعها لحن مقطوعة موتزار الخالدة (دون جوان) التي تعد درة مؤلفاته ومن ابدع الالحان واجملها .. لم تتمالك نفسها إذ بدأت تجوب مختلف أرجاء الغرفة وهي تتمايل بانسجام مع اللحن وقد شدها الطرب .. في هذا الجو الوجداني راحت تنتقي ما سترتديه لهذه الليلة البهيجة، استعرضت مافي دولاب الملابس تمسك بكل ثوب فيه وتفكر في مناسبته للجو العاطفي الذي قد ملك عليها وجدانها .. فبينما كانت روحها وثابة وقد استردت فجأة من الدفق العاطفي الجياش حيوية الشباب بمرحها وانطلاقها، ظلت روح المرأة الرصينة تحلق في سماء الغرفة محاولة افمساك بلجامها وكبح جماح تلك الفرس الشاردة في أعماقها .. أخيرا استقرت على ماستلبسه، شرعت في تصفيف شعرها الطويل ثم ربطته على شكل ذيل الفرس مكبلة اياه بشريط مخملي أسود عقدته على شكل مروحة صغيرة، تناولت زجاجة عطر الورد "الطائفي" وزجاجة مسك "المتسلق" لتمرر على جسدها خليط منهما ليعبق بالرائحة الذكية عن بعد .. ارتدت جيبة مخملية فاحمة السواد مع قميص أزرق بلون السماء الصافية، وأحاطت خصرها بجزام رفيع قد تناثرت عليه حبات من الألماس الأبيض، وانتعلت حذاءا أسود من الشمواة معقود على مقدمته شريط أسود يماثل في ذلك حقيبة يد صغيرة حملتها وغادرت الغرفة بعدما اكتمل هندامها .. ما ان فتحت الباب حتى ألفت ربيع جالسا على مقعد في الصالة يقلب صفحات جريدة عربية اصطحبها سائد معه من جنيف .. - مساء الخير يافارس الحلام - أسعد الله مساء أميرتي الفاتنة .. ماهذا الجمال الساحر ياعزيزتي افتر ثغرها عن ابتسامة تجمعت فيها السعادة الفائقة التي تعيش لحظاتها الثمينة ورنت له بعينيها في نظرة سلبت له لبه - هكذا أنت يا ربيع لا تنفك تجامل بشكل مفرط حتى تجعلني أصدق افطراء وتشربني كأس غرور لست أهل له - ثكلتني امي لو خالط حديثي مجاملة او سشابته شائبة نفاق .. فما أنا إلا واسطة .. عيناي تنقلان ما تريانه فييصيغه قلبي باستحسان لما تلقى من آيات الجمال الفتان .. وعلي أن أعذره إذا ما لم يستوحي ما يناسبك من أوصاف لم ترد في قاموسة الفقير .. تفضلي عزيزتي تقدميني إلى قاعة الطعام فقد أجهدت سيدة البيت نفسها في الاستعداد بما لن تنسينه من أطايب ما تتفنن في طهيه .. تقدمت حنان منه لتحتضن يده بكلتا يديها وقد تركزت عيناها في عينه .. ما أفصح لغة العيون .. كنت تنطق بسعادة غامرة مشبعة بامتنان عظيم - ربيع .. حقيقة .. وجودي بالقرب منك قد جعل مني إنسانة أخرى .. لقد رسخت في روحي شئ اعجز عن البوح بمكنوناته .. تعجز الكلمات عن التعبير عن مدى امتناني لكل ما شملتني به .. - حنان يا عزيزتي .. أنت من صنع كل هذا بالفعل .. فالفكرة كانت قد انبثقت عنك .. وتبلورت فيما بيننا .. ولولا إيجابيتك وحيويتك وسر ساحر دفين في أعماقك لما كنا في موقفنا هذا اليوم .. فالشكر والامتنان يجب أن أتوجه بهما لشخصك .. أعتقد أن سيدة هذا البيت ستمل من طول انتظارنا .. أرجو أن تتقدميني .. قالها فيما كان يرفع يديها ليطبع عليهما قبلة حانية مفسحا لها الطريق لتتقدمه إلى السلم الخشبي الموصل إلى الطابق الأرضي .. 13. حطام قلب لم يكن من السهل على سيدة البيت الاختيار بين مئات الأطباق التي يشتهر بها المطبخ السويسري العريق، حتى بعد اختصار القائمة إلى الأصناف التي تشتهر بها هذه المنطقة من الريف السويسري، ومن ثم الأكثر اختصارا بحصرها في نطاق الكلات الشتوية التي تبعث الدفء في الأطراف في هذا الجو القاسي .. حساء الخضروات السويسرية بالتوابل بداية طيبة .. ما أن نتهيا منها حتى تقدمت الصبية الشقراء تدفع عربة صغيرة وضعت عليها القدر الخاص "فوندو الجبن السويسري" وتشكيلة الصلصات بجوار أصناف الجبن الشهية .. - حيرتني رغبتي بتقديم ما يليق بكما، وأخيرا استقريت على ما تشتهر به سويسرا الساحرة، الفوندو وهي عبارة عن قطع من الجبن المغلي كثير الدسم مع التوابل في حلة تنصب على نار هادئة وتقدم قطع الخبز الصغيرة على شكل مكعبات والتي يتم غرسها في اناء الجبن بواسطة شوكة معدنية طويلة لبرهة من الوقت ليتم التهامها ساخنة لمقاومة البرد حتى لوكان الجو صيفيا - اختيار جميل يا سيدتي خصوصا عندما تصنعينه بنفسك .. أجابتها حنان بامتنان فيما قامت الأم بتجهيز فوندو الجبن وفق رغبة كل منهما .. لم تبخل عليهما بما كانت تختزن من مخللات ومشهيات لذيذة .. ظهرت تنائج إتقان الصنعة على وجه ربيع مع اول قطعة خبز بالجبن التهمها مما جعل جعله ينظر إلى السيدة بعينين تحملان آيات الشكر ممتزجة بمحبة خاصة فيما لم تتمالك حنان نفسها فتناولت القطعة التالية بإصبعيها وهي تشهق من الطعم المتميز .. قبل الاتنهاء من تناول ماتبقى من الجبن تقدمت منهما سيدة البيت تعرض عليهما مفاجأتها التالية - سيدتي ما رأيك في الفوندو برغينيون سأدعكما تجهزانه بنفسيكما .. - حقيقة أنا لم أسمع بها من قبل .. لكنني شديدة الرغبة بالتعلم - سأقدم لكما كل شئ وأتابع إعداد كل منكما لطبقه - كيف سنقوم بإعداده؟ - الفوندو برغينيون هي من أشهر الوصفات في المطبخ السويسري وهي عبارة عن قطعة فيليه تزن 600 غ مقطعة كل قطعة 50غ إضافة إلى 6 أنواع صلصة 3 بارد 3 ساخن وهي لا تجهز مسبقا بل توضع على الطاولة وكل شخص موجود يعمل قطعته على طريقته الخاصة سواء في القلي أو في تحديد نوع الصلصة - 600 جرام كثير جدا علينا - ستتناولان ما يكفيكما بالتأكيد إنما اعطيك فكرة عن أصل المكونات بالتفصيل - هذا حسن .. بدأت حنان في تجهيز طبقين لهما تحت اشراف سيدة البيت في جو غاية في المرح .. شعرت بمتعة كبيرة في الأداء بعد الانتهاء من العشاء انتقلا إلى الصالة العلوية ليمضيا شطرا من الليل سويا .. أعد ربيع فنجالي قهوة تركية كان قد أخرج لوازمها وأدواتها من غرفته لهذا الخصوص .. - ربيع .. انت وعدتني بشئ أراك قد أجلته كثيرا - لا أذكر أنني لم أوف بوعد قطعته لك - حاول ان تتذكر .. شئ تريد أن تبوح به لي فكر قليلا ثم فجأة تغير لون وجهه بشكل ملحوظ وخرجت الكلمات من فمه بطيئة وغير منتظمة - تلك قصة قديمة .. لا أعتقد ..... بل أجزم بانها لن تكون موضع اهتمام لديك - بل ان تأجيرها يكاد ان يوحي لي بأن وراء الكمة ماوراءها - لا باس .. لكنها قصة طويلة نسبيا .. ولا بد من سرد خلفية تخصني حتى تستوعبيها بشكل سليم - كلي آذان صاغية .. تفضل - إنها قصة جرح غائر تعمق في قلبي كثيرا .. ولم يكن بالساهل علي تجاوزه والمضي قدما في حياتي بالرغم من الأثر الدائم الذي لازمني عبر مراحل طويلة في مقتبل العمر تربيت في بيئة محافظة .. في البيت اعتدت أن أعزل نفسي عن أخواتي من البنات أثناء اللعب والمرح .. فكانت البنات تلعبن مع اترابهن من بنات العائلة، والأولاد يخرجون للعب في الحارة مع اترابهم .. عندما كبرت شقيقتي الأصغر مني مباشرة صرت أغادر البيت كله بمجرد دخول صديقة لها للبيت .. انهيت المرحلة الثانوية وقررت السفرإلى أمريكا للدراسة هناك، كان علي أن أمضي بعض الوقت في عمان للتقوية في اللغة الإنجليزية واداء بعض المصالح فيها .. كان ذلك في منتصف الستينيات من القرن المنصرم .. سافرت إلى رام الله عبر مطار قلندية القريب .. أمضيت بضعة أيام لدى أقارب لي هناك .. انتقلت إلى عمان لقيم لدى أقارب آخرين حيث شرعت في تعلم اللغة الإنجليزية في معهد لغات تابع للمركز الثقافي الأمريكي .. أبليت في الدراسة بلاءا حسنا .. وتعلمت في نفس الوقت الضرب على الآلة الكاتبة باللغتين العربية والانجليزية .. العائلة التي أقمت لديها كانت تتكون من قريب لوالدي وزوجه التي كانت أيضا قريبة له، وابنتاهما الصبيتين، فيما كان ولداهما الكبيرين متزوجين ومستقلين في السكن، بينما كان الابن الأصغر قد سافر إلى إحدى دول الخليج سعيا للرزق .. كان الأب يمتهن عمل الطهارة حيث يقوم بختان الأطفال ويقيم ببلدة الكرامة في غور الأردن ولا يعود إلى بيته إلا في نهاية الأسبوع .. في هذا الجو الجديد علي تماما من حيث المكان فالبيئة مختلفة تماما عن تلك التي ترعرعت وسطها .. ومن حيث المحيط السكني حيث استبدل الهل المباشرين بأقارب من الدرجة الخامسة أو السادسة .. كنت اشعر بالحرج الشديد في الاستمرار بينهم، لذا قررت المغادرة فور انتهاء مرحلة الضيافة واستئجار غرفة في سكن يكون قريبا من معهد اللغات .. فور سماع العم أبو رجاء بطلبي البحث عن غرفة مناسبة حتى امسك بيدي وتوجه بي إلى غرفة الجلوس بالبيت حيث وضع الفراش الذي أنام عليه في ركن منه ونظر في وجهي متفرسا فيما كان يقول - ألا تعجبك هذه الغرفة يابني، ام أن بيتنا ليس في المقام الذي يناسبك .. - أبدا يا عمي لكنني أريد أن أستقر في السكن .. فالدورة بالمعهد كما تعلم تستمر لثلاثة أشهر، وأنا قد انتهت ضيافتي، وعرفتموني مشكورين على كل الأماكن التي يلزمني التردد عليها و .. - وماذا بعد .. أتظن ان من السهولة علينا أن تخرج من تحت رعايتنا المباشرة والسهر على راحتك لتعيش جامعا بين الغربية والوحدة .. - يا عم أنا يشهد الله - وأنا أشهد الله أن إقامتك بيننا قد كانت عند قدومك عبئا ثقيلا لم أكن احتمله .. خاصة وأنا كما تعلم لا أقيم هنا طوال الأسبوع .. فيما بعد .. بعد ايام قلائل بات تغيبك لسويعات عن البيت يجعلنا نجلس أنا وخالتك ساهمين نرقب عودتك بين لحظة وأخرى .. - هذا لطف منك وقد أثلج صدري فعلا والمسه بنفسي قبل أن تصرح به .. - إذن ماذا بقي؟ ياولد أتظن انك قد كبرت .. لا تنس أنني من قام بختانك قبل أن تكمل أسبوعك الأول .. الموضوع منتهي قبل أن يبدأ .. ويوم تشعر بالضيق منا لن أقف في سبيلك على الإطلاق .. تم تعديل 25 مارس 2006 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 25 مارس 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 25 مارس 2006 14. (13/) في الصباح الباكر كنت أستيقظ وأنا في قمة نشاطي، بينما يكون أهل البيت يغطون في سبات عميق إلا من الخالة التي كانت تستيقظ مع آذان الفجر للصلاة، ثم تعود إلى النوم من جديد .. تعمدت السهر والنوم متأخرا دون جدوى، الاستيقاظ المبكر لازمني طوال رحلتي في الأردن .. تأقلمت مع الجو، كنت اخرج من البيت مستكشفا الحي مع زقزقات العصافير التي كانت ترافقني في جولاتي المتكررة .. ذات يوم أصابني الملل من الجلوس وحيدا بعد أكثر من ساعة من الاستيقاظ .. قررت اقتحام عرين الأسد، غرفة النوم الوحيدة في المنزل، حيث تنام الأم وبنتيها، كان البرد شديدا في الخارج، وما أن فتحت الباب حتى دخلت معي نسمة ساقعة جدا فتحت عيني الخالة التي تبسمت في وجهي وأشارت إلي بيدها أن أرتقي السرير وأتمدد بجوارها، كيف ذلك والبنت الأكبر تنام بجوارها، هززت لها برأسي، وغادرت لا ألوي على شئ .. عدت إلى غرفتي الباردة، فجهاز التدفئة يتم إقفاله عند النوم توفيرا لزيت الكاز ودرءا للخطر المحتمل .. جلست على أريكة في صدر الغرفة .. ولتح الباب وأطلت الخالة التي تبعتني بابتسامتها الحانية - أكنت تريد شيئا - نعم ظننت انك لا تعودي للنوم بعد الصلاة فأحببت أن أسامرك - البرد شديد في الخارج .. ودفء الفراش يجتذبني للعودة إليه حيث لاشئ أفعله حتى يستيقظ الجميع - آسف يا خالتي .. فلقد أفسدت عليك نومك عن دون قصد جلست بالقرب مني تسامرني وقد طار النوم من عينيها، قصص وحواديث لا تمل تكرارها عن يوم مولدي والأوضاع في البلد وعقوق الأولاد .. ولم أكن لأمل تكرارها، بل أستزيد ، فقد كانت طريقتها في السرد وتعابير وجهها الطيب تجتذبني فعلا، كنت أرى فيها جدتي التي أفتقدها بشدة .. لم ننتبه للوقت، وعلى حين استفاقة بين قصتين انتبهت إلى الفتاتين تجلسان كقطتين صغيرتين تحت أقدامنا على الأرض وهما مستقطبتان لما تسمعان من امهما .. أفلتت مني ضحكة للمفاجأة الحلوة .. لقد تحولن جميعا من غرفتهم لمشاركتي مسكني بسبب حركة رعناء قمت بها .. كم أنا مزعج .. في ثوان معدودات تحولت الضحكة التي لاقت صدى لدى الجميع إلى وخز ضمير انطلقت ألهج به لإخراجهما من دفء مختزن تحت اللحاف ليجلسن من حولي بلا غطاء .. قررت أن أذهب لجلب طبقين من الفول الساخن والحمص بالطحينة من دكان فوال بالقرب من المنزل فيما شرعت الفتاتان في تقشير البطاطس والباذنجان لقليهما لوجبة الإفطار .. قررت لي الخالة أن أنضم إليها في فراشها عند استيقاظي، ولا بأس في زحزحة ليلى قليلا لتوسع لي مكانا اتمدد فيه بينهما مشاركا إياهما اللحاف .. منذ ذلك الحين لم أعد أشعر بوحشة سويعات الفجر كما كنت في الماضي القريب .. فقد كنت قد بدأت أشعر بالأنس بينهما مستحثا الدفء في جسدي ولا بأس في استعارة بعضه منهما في البداية .. فأراني أغط في سبات عميق من جديد لا أستيقظ منه الا حوالي الثامنة لأذهب في مشوار الفول والحمص في أغلب الأحايين .. كنت أتصرف ببراءة طفل كبير .. ذات صباح .. لم أذهب اليهم كما هي العادة .. بل لم أغادر فراشي .. إن هي إلا برهة وجيزة حتى ألفيت باب غرفتي يفتح بهدوء .. تسللت إلى الداخل ليلى .. ظنت في البداية أنني نائم .. لكنها لاحظت من ارتعاشة اللحاف أنني أرتعد من البرد .. بخطوة واسعة كانت تنحني فوق رأسي الذي بدأت تتلمسه .. هالها ارتفاع درجة حرارتي بشكل مخيف .. انطلقت مهرولة إلى خارج الغرفة وقد ندت عنها صرخة مرعوبة .. في ثوان معدودات كانت الخالة تجلس فوق رأسي وقد حملت معها منشفة صغيرة فيما أحضرت ليلى إناء كبير به ماء بارد .. - كمادات الماء البارد سوف تساعد في خفض حرارتك يا بني - سوف أحضر له أقراص النوفالجين يا والدتي دخلت الابنة الصغرى "آمنة" تحمل شريطا من النوفالجين حيث أجبرت على ازدراد قرصين منه على عجل .. بينما ذهبت آمنة لتجهيز كوب من الحليب الساخن، احضرت ليلى بضع ورقات من جريدة قدية وفتحت أزرار قميص النوم لتضعها فوق صدري مباشرة - هذه سوف تعزل البرودة عن صدرك وتشعرك بالدفء .. إنها مجربة .. - لقد أتعبتكم معي .. لم اكن أعلم بأن قليلا من البرد سيشعل النشاط في البيت في هذا الوقت المتقدم - لقد أخافتني حرارتك العالية .. لقد كانت أسنانك تصطك بشكل مرعب - لقد كانت أسناني تصطك فزعا من فتح الباب .. لقد ظننتك لصا يقتحم علي الغرفة ارتسمت على وجهي ابتسامة متخابثة وإن علا وجهي الشحوب .. كانت عيناي حائرتين بين الخالة وليلى، فقد كانت الخالة حريصة على إبقاء الكمادات باردة .. بين الفنية والأخرى كانت تطبع على جبيني قبلة كنت أشعر بأنها تتفحص حرارتي بشفتيها الرقيقتين .. لم تدم الحالة طويلا، إذ سرعان ما بدأ النوفلجين يعطي مفعوله الملطف للحرارة بمساعدة الكمادات الباردة .. غادرت الخالة الغرفة لتأدية صلاة الفجر تركة لليلى مسؤولية متابعة الملاحظة عن قرب .. من حين لآخر كانت تمرر راحتها على جبيني تقيس بها حرارتي التي بدأت في الانخفاض بشكل تدريجي .. بدأ العرق يغطي وجهي ورقبتي بغزارة بمفعول الدواء .. وتحولت العملية من التبريد إلى التجفيف .. كانت ليلى تتابع مسح العرق عن جبيني ووجنتي تارة ورقبتي وصدري تارة أخرى فيما كنت مستسلما في مكاني لا ابدي حراكا يذكر .. لكنها لم ترفع ورق الجريدة الذي تبلل بالعرق .. قمت بفتح صدري من جديد لرفع الجريدة فبدأت بتجفيف صدري بنفس المنشفة .. بدأت أتعرض لمشاعر لم أكن قد خبرتها من قبل .. كان لابد لي من التخلص من هذا الموقف الذي يكاد يعصف بي ويقلب كياني .. بكل هدوء .. امسكت بيدها وأخذت المنشفة منها وتوليت بنفسي امر التجفيف فيما كانت عيناي تنطق بالشكر والامتنان وإن كان صدري قد بدأ يخفق بشدة .. لمزيد من التحرر من إطباقتها علي .. طلبت منها أن تجهز لي كوبا من الشاي بالنعناع .. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
مصري المصري بتاريخ: 28 مارس 2006 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 28 مارس 2006 أنت رائع يا أسامة .. قصتك ممتازة .. مليئة بكلمات عذبة رقراقة .. أستأذنك في إضافتها إلى قاموسي الشخصي .. التشويق عنصر هام فيها .. الأدب الجم والذوق الرفيع هما المتحكمان في القصة .. اعذرني ان كانت كلماتي ليست على نفس مستوى روعة القصة .. ورجائي أن تستكمل فصولها ولك كل الشكر .. بسم الله الرحمن الرحيم ( إن الذينَ أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلِهمُ انقلبوا فكِهين * وإذا رَأوْهُم قالوا إن هؤلاء لضآلون * وما أرسِلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الآرائك ينظُرون * هل ثوِبَ الكفارُ ما كانوا يفعلون ) رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 31 مارس 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 31 مارس 2006 (معدل) 15. (13//) لم تكن هناك تطورات تذكر في علاقتي بالعائلة فيما بعد، رب العائلة يأتي بنتظام حاملا معه من غور الأردن لحم الضأن البلدي الطازج والزبد الفلاحي وكل شئ يجده طبيعيا مما لذ طعمه ولا تجد له مثيلا في عمان على الإطلاق .. والخالة تحيطني برعايتها وعطفها وحنانها بما أنساني حضن أمي وحنان جدتي التي هي شقيقة الخالة، فقد كانت خالة والدي .. البنتان تحرصان على توفير سبل الراحة لي والجو الملائم للدراسة حيثما جلست، كانتا تتباريان في إعداد القهوة في مواعيدها والشاي في كل الأوقات، فكنت أبذل قصارى جهدي في الدراسة من جهة وتلبية طلبات المنزل فورا كلما كانت هناك حاجة .. تقدم شاب لخطبة الفتاة الصغرى، كان مناسبا من جميع الجوانب فقبلت خطبته بسرعة .. وبدأ الخطيب في التردد على البيت مما اضاف علي مسؤولية جديدة، كانت الأم تصر على تواجدي مع الخطيبين باستمرار وألا ينفردا معا بأي حال، لم أمهلها طويلا حتى أقنعتها بأن الرقابة عن بعد تعطيهما شعورا بالمسؤولية أولا وتتيح لهما التفاهم بينهما دون أية ضغوط او إحراجات .. تركتهما معا في غرفة الجلوس وخرجت بكتابي لأجلس في حوش البيت الصغير تحت الدالية، إن هي إلا دقائق معدودات حتى وجدت الشاب يتقدم مني ويتغنى بالجو الدافئ تحت الشمس والهواء العليل خارج الغرفة .. استشعر بالمسؤولية وفضل الجلوس غير بعيد عني فأكبرت فيه ذلك .. بدأت أتفكر في أمر ليلى، بمختلف المقاييس هي لم تبلغ العنوسة بعد لكن في مقاييس ذلك الزمان فإنها يكاد يفوتها قطار الزواج، فأترابها كلهن قد تزوجن بل صار لبعضهن أولادا .. وهي تجلس في البيت تترقب طارق لبابها لم يأت بعد .. بت أرقب في عينيها انكسارا خفيا ربما لم يلحظه غيري، حتى كوب الشاي صارت تشيح بوجهها عني وهي تقدمه لي، وكأنها تدرك من نظرة عيناي مالم أصرح به البتة .. تجمعت في خاطري مشاعر هي خليط من العطف الممتزج بالرجاء أن يلحظها احد .. فهي لا ينقصها جمال ولا ادب .. سألت والدتها ذات مرة -وقد أفضت إلي بشجونها حول ليلى- عن سبب هذا التاخر في إدراك النصيب .. أجابتني بأنها كانت تخطب في سن مبكرة لكننا كنا نرفض لصغر سنها، فقد كانت دون السادسة عشرة وإن بدت أكبر من ذلك فالبنات تفور بسرعة وكثيرا ما تنضج البنت قبل أوانها .. لكل بداية نهاية، والدورة اللغوية التي كنت قد انتظمت فيها قد شارفت على الانقضاء .. أجرت لنا المدرسة الامريكية اختبارا تجريبيا هو ماقبل الاختبار النهائي فكنت الأول على الفصل الدراسي وبعلامات ارتقت إلى مرتبة الامتياز، ثم كان ان تقدمنا للامتحان النهائي الذي كانت أسئلته وزمنه ضعف الامتحان التجريبي .. انقطعت بعدها عن المعهد .. بدات في الاستعداد للمغادرة ولكن ببطء .. راسلت الأهل بخصوص المرحلة القادمة .. وبدأت بالشعور بعدم الاستقرار من جديد .. تحركت مشاعر جديدة لتحل محل الشعور بالعطف على ليلى، اكتشفت أنه لم يكن عطفا بل شئ من عاطفة تجمعت في ثنايا صدري عبر شهور وكأنها كانت تتسلل في غفلة مني لتقض مضجعي فيما بعد .. بت أترق شوقا للعودة إلى البيت كلما غادرته لأي سبب كان .. صار تواجدها أمام عيناي يلهب صدري ويخفق له قلبي، لكنني لا أقوى على المكوث لدقائق في غرفتي بعيدا عنها .. بدأت أفتعل الأسباب لأختلي بها، حتى إذا كنا بمفردنا اطبق فمي على لساني فلا أنبس ببنت شفة .. كنت اشعر من سرعة استجاباتها لحركة صغيرة من رأسي أو بطرف عيني أنها تعيش معي على نفس الوتر المشدود الذي يلهب أحشائي .. بسمة هادئة ترتسم على شفتي يشرق لها وجهها وكأنني قد اهديتها الدنيا بما فيها .. لم يدم السر في طي الكتمان، شعرت بعيني الخالة قد تبدلت ونظراتها باتت ذات مغزى لم يسبق لي أن خبرته فيهما، لم اكن بذلك الآبق الذي يغدر بمن أكرموه وآووه، فكان لزاما علي البوح بما يعتمل به صدري للخالة أولا، من عينيها فهمت مالم تقله، ليت هذا يصلح .. فارق السن بينكما لا يمكن تجاوزه .. أحس بعاطفتك .. وأدرك جيدا معاناتك .. الصمت الذي التزمته معها فيه من كرم الأخلاق مالا أنكره .. ربما ما تشعر به نوع من العطف عليها .. انتقلت بطلبي وبكل جرأة إلى الأب فور حضوره، التزمت بالدخول من الباب فاحترمي في أمانتي وإخلاصي، ورفض بشدة ففارق السن وطول الانتظار حتى اتخرج من الجامعة ليسا مما يسهل تجاوزهما .. طال الجدال بيننا .. تحرك لساني بدفق عجيب لم أكن أتخيله .. ومكث الحاج بيننا طوال الأسبوع محاولا إقناعي بحججه، التقينا في منتصف الطريق، أو بما هو أقرب إلى جانبي، فاتفقنا على عدم الإعلان عن الأمر، وأن التزم الصمت حتى ما بعد التخرج، ثم يكون لكل حادث حديث .. كاد قلبي يطير فرحا بالحل الذي اعتبرته في صالحي تماما، حقيقة لا يحمل اي التزام سوى الشق الأدبي منه وهذا يرضي كل رغباتي .. كان هناك صديق للعائلة صاحب شاحنة اعتاد ان يوصل بضائع من الأردن وسوريا ولبنان إلى مختلف دول الخليج .. أقنعني بمرافقته في رحلته القادمة حيث يحمل بضائع إلى أبو ظبي، ولسوف أستمتع برفقته عبر الصحارى العربية .. وجاء يوم السفر، لم تكن ليلى بقادرة على مداراة ما اشتعل في صدرها بسبب هذا اليوم الذي لم تكن تتمناه .. فانفجرت بالبكاء وهي تشملني بعينيها المتاعتين وقد ارتجفت شفتيها اللتان لم تفرجا عن آهة واحدة .. كنت أشعر بخضم مشاعرها التي تقاطعت مع ما يجيش في صدري .. فما أصعب الوداع .. الصامت.. طلبت من الخالة أن تزودني بزجاجة من زيت الزيتون الممتاز الذي لديهم .. دخلت ليلى معي لمخزن المونة حيث رصت صفائح الزيت بأنواعه والسمن واكياس الحبوب .. حملت بكلتا يدي صفيحة الزيت وانحنيت إلى الأمام فيما رفعت ليلى الزجاجة بيدها وانحنت في المقابل لأصب فيها الزيت .. بينما كان الزيت ينساب ببطئ من الصفيحة تلاقت عيناي بعينيها .. تبادلتا كل الأحان الملتاعة .. طال حديث العيون اللتان بدأتا في التقارب .. حتى شعرت بصفيحة الزيت تتفلت من بين يداي .. غادرت المكان مسرعا تاركا ليلى تكفكف دمعها المنهمر .. وتمسح عن الأرض ما انسكب من زيت .. بعدما وعدتها بلقاء في القريب والحفاظ على العهد .. 15. (13///) لحقت بي ليلى حتى باب البيت .. مدت مدها مسلمة .. وعينيها مغرورقتان بالدموع .. وأنا الذي طنت أن دمعتي عزيزة، سكبت من الدمع الكثير قبل ذلك وأنا أقبل الخالة الغالية .. أفلتت يدي من يدها وقد استقرت فيها قطعة من الورق المقوى حتى إذا ما استقريت في سيارة الأجرة نظرت إلى ما أودعت في يدي فإذا بها صورة صغيرة لليلى كانت آخر شئ تعطنيه ليبقيها ملاصقة لقلبي .. رحلة السفر عبر الفيافي والفقار كانت طويلة وحافة بالمفاجآت، معظم الطريق لم يكن معبدا، وعلى الشاحنة في كثير من الأحيان ان تشق لها دربا جديدا بعدما أتلفت الشاحنات الدروب السابقة .. فوجئ الأهل بوصولي عصر ذلك اليوم من رمضان .. فكان لهم عيد مبكرا .. وأي عيد .. بعد الهدوء والصمت الجميل في عمان، عدت إلى ضخيخ إخوتي وأخواتي، كان من المفترض أن يكون ذلك مؤقتا، لكن الظروف اختلفت، ولم يكن مكتوبا لي أن ألتحق بالجامعة ذلك العام، عدت للمذاكرة من جديد، فقد اتفقت مع الوالد على تقديم الثانوية العامة من جديد، وأن التحق بعد ذلك بإحدى الجامعات المصرية .. رغم أنني قد تقدمت لامتحان الثانوية العامة من منزلي (نظام منازل) غذ لم أكن منتظما في المدرسة الصباحية ولا المسائية، إلا أنني تقدمت الصفوف بشكل لم أصدقه، فقد كان ترتيبي الخامس على مستوى البلد .. التحقت عبر مكتب التنسيق بجامعة في القاهرة، وبدأت مشوارا جديدا لم يسبق لي أن سبرت غوره من قبل .. ولكنني كنت محاطا بعناية خاصة، فقد سبقني صديقان بالتسجيل في طب عين شمس وطب الأزهر .. فكانت مجرد مجاراتهما في المذاكرة ولو ليومين في الأسبوع كافية لكون جاهزا باستمرار فقد كانت الدراسة في كليتة التجارة أهون من الطب بمراحل .. في ذلك الزمان كانت وسيلة الاتصال الوحيدة بين الطالب وأهله هي المراسلة .. كنت أرقب قدوم الرسالة من والدي على أحر من الجمر، وكنت أمتع ناظري بها مرارا وتكرارا أشمها، ألثمها ثم أعيد تشنيف ناظري بحسن خط الوالد الغالي، كان خطي يشبه خطه، لكن وهو الأصل كانت كلماته ذات شكل ولون ورائحة مميزين .. ذات يوم وصلتني رسالة من والدي يبغني فيها بوفاة زوجة عمي الأوسط بعد الولادة بقليل .. فقد نقلت من مستشفى الولادة إلى المستشفى العام في حالة طوارئ .. وتوفيت هناك أثناء عملية جراحية عاجلة اجريت لها .. يقولون أنها لم تحتمل جرعة المخدر بسبب الربو .. رحمها الله .. حزنت كثيرا لفقد هذه المرأة الطيبة .. عشرة عمر .. تذكرت أفضالها علي في طفولتي وصباي .. وذهب بي الفكر حول أطفالها .. قبل أن أشرع في كتابة رسالة تعزية لعمي وللأهل .. تلقيت رسالة ثانية يخبرني فيها والدي بأن عمي قد غادر إلى عمان للزواج .. فالأولاد كثر .. ولا تقدر الجدة على القيام بأعبائهم وهي في تلك السن .. في الصفحة الثانية كانت الصاعقة .. فوالدي يخبرني بأنهم قد رشحوا له ......... ليلى من بين بنات حواء لم يتراءى لهم سوى من اعتلت عرش قلبي .. لُمَ ليلى بالذات .. أذهلني ما قرأت ورحت اجول بفكري لعلي أجد لي مخرجا من هذا الوضع الدقيق الذي ألفيتني أقاسيه .. أخرجت الصورة التي لم تفارق جيب القميص فوق قلبي مباشرة .. ورحت أناجيها .. ليلى أيعقل أن ترضين؟ والدك وعدني .. وأنت ودعتني على العهد .. آخر ما لامست يدي كان دمعك الغالي .. فما تراك فاعلة؟ خرجت من البيت لا ألوي على شئ .. بقيت هائما على وجهي ماتبقى من النهار وجانبا طويلا من الليل .. يا ليل .. داري شجوني ياليل .. أولست سمير العشاق أيها الليل .. لليل صداقة متينة مع العاشقين .. أما أنا فقد خاصمت تلك الليلة السوداء .. أحالك سوادها أم أن عيناي تعكسان شقاء روحي .. ايها الليل البهيم أنى لك الإطباق على ضلوعي بهذه القسوة .. ياليل .. ارحم مآقي فقد سالت مدامعها معتصرة قلبي المفجوع .. أفقت من غيبوبة روحية لأجدني اتجول في أزقة حي من أحياء القاهرة القديمة .. لم أعرف المكان .. ولم أكن احمل ساعة على معصمي .. سأل أحد المارة عن المكان والوقت .. قرابة الفجر .. في منطقة الظاهر بيبرس .. حبيبي أيها الفارس الهمام .. لكن قلبي الكسير قد أنهكه الفكر .. ليلى ستصبح زوجة عمي!! طبيعة العلاقة بين الأهل لا تفرق بين بيت وبيت .. أي انني سأكون مجبرا على دخول بيتهم في مختلف الأيام والأوقات .. وليس من المعقول أن تنفر زوجة العم من ابن الأخ وبخاصة انه أمضى معها شهورا طويلة .. لن تشاهد وجهي إطلاقا .. سأتحاشى بيتهم ما حييت .. لكن أيعقل أن تقبل به بعدما دار بيننا . أي غضب هذا .. أعقوبة إلهية .. أم ابتلاء؟ عدت أدراجي إلى البيت .. لم يكن صديقاي قد استسلما للنوم وقد استبد بهما القلق لغيابي المفاجئ .. فكان ان انهالا علي بالأسئلة والعتاب معا .. نظرت إليهما بعينين زائغتين وانسحبت إلى غرفتي بهدوء .. لحقا بي وقد استبد بهما القلق .. ماذا أقول لهما ؟ وهما لا يعلمان بليلى .. وآه يا ليلى .. - أبدا .. حزنت كثيرا على امرأة عمي المتوفاة - خبر قديم والآن تذكرت أن تحزن - لا أحزنني عدم الوفاء .. تخيلا أن تربتها لم تجف بعد وهاهو قد ذهب للزواج من أخرى - لا أصدق .. كيف عرفت؟ - من رسالة جديدة استلمتها اليوم لم يمض أكثر من أسبوع حتى وصلتني رسالة ثالثة من الوالد .. عمي غادر عمان إلى دمشق للبحث عن زوجة هناك .. زاغ بصري .. واشرأب عنقي وماذا عن ليلى؟ وجد أن ليلى قد تزوجت .. لا شعوريا وجدتني أحمد الله على ذلك فلقد خلصتني بزواجها من مأزق أزلي خلال أشهر قلائل .. تتم خطبتها وزواجها!! دخلت في غيبوبة فكرية .. تجمدت أطرافي على الورقة .. الرسالة .. هذه المرة لم أبك تحجرت مآقي .. كيف لي أن أبكي على من نستني قبل أن أغادر الحدود الأردنية وربما قبل أن أغادر عمان .. ليسترها المولى .. فهي تستحق كل خير .. كفاها ما عانت في انتظار النصيب .. بالتأكيد أن والدها كان عقلانيا وواقعيا .. أيعقل أن يجعلها تنتظر سنين طوال على أمل مبهم ربما كان والدها أو شقيقها الأكبر من وافق على العريس فورا .. آه يا ليلى بهدوء وكامل وعي أخرجت صورتها انتزعتها عن قلبي لم يعد من حقي الاحتفاظ بها بعد الآن .. بالتأكيد أنها قد تخلصت من صورتي .. بل ربما من كل الصور التي أخذناها سويا في البيت مع افراد العائلة .. لم أشعر بأصابعي وهي تمزق قلبي إربا إربا .. ومع بقايا الصورة .. نزف قلبي آخر أحاسيسه نحو حواء .. جفت ينابيع العاطفة في دفينة نفسي .. ولم يعد لتاء التأنيث مكان في حياتي .. ---------------------------------------------------------------------------------------------------------- يا أخي "مصري" انا لا أستحق مثل هذا المديح والإطراء ان هي إلا محاولات للكتابة تروق للبعض من النظارة ولكنها لا ترقى إلى مستوى الأدب بأي حال أشكر لك تلطفك وتشجيعك تم تعديل 31 مارس 2006 بواسطة أسامة الكباريتي يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 31 مارس 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 31 مارس 2006 15. (13///) لحقت بي ليلى حتى باب البيت .. مدت مدها مسلمة .. وعينيها مغرورقتان بالدموع .. وأنا الذي طنت أن دمعتي عزيزة، سكبت من الدمع الكثير قبل ذلك وأنا أقبل الخالة الغالية .. أفلتت يدي من يدها وقد استقرت فيها قطعة من الورق المقوى حتى إذا ما استقريت في سيارة الأجرة نظرت إلى ما أودعت في يدي فإذا بها صورة صغيرة لليلى كانت آخر شئ تعطنيه ليبقيها ملاصقة لقلبي .. رحلة السفر عبر الفيافي والفقار كانت طويلة وحافة بالمفاجآت، معظم الطريق لم يكن معبدا، وعلى الشاحنة في كثير من الأحيان ان تشق لها دربا جديدا بعدما أتلفت الشاحنات الدروب السابقة .. فوجئ الأهل بوصولي عصر ذلك اليوم من رمضان .. فكان لهم عيد مبكرا .. وأي عيد .. بعد الهدوء والصمت الجميل في عمان، عدت إلى ضخيخ إخوتي وأخواتي، كان من المفترض أن يكون ذلك مؤقتا، لكن الظروف اختلفت، ولم يكن مكتوبا لي أن ألتحق بالجامعة ذلك العام، عدت للمذاكرة من جديد، فقد اتفقت مع الوالد على تقديم الثانوية العامة من جديد، وأن التحق بعد ذلك بإحدى الجامعات المصرية .. رغم أنني قد تقدمت لامتحان الثانوية العامة من منزلي (نظام منازل) غذ لم أكن منتظما في المدرسة الصباحية ولا المسائية، إلا أنني تقدمت الصفوف بشكل لم أصدقه، فقد كان ترتيبي الخامس على مستوى البلد .. التحقت عبر مكتب التنسيق بجامعة في القاهرة، وبدأت مشوارا جديدا لم يسبق لي أن سبرت غوره من قبل .. ولكنني كنت محاطا بعناية خاصة، فقد سبقني صديقان بالتسجيل في طب عين شمس وطب الأزهر .. فكانت مجرد مجاراتهما في المذاكرة ولو ليومين في الأسبوع كافية لكون جاهزا باستمرار فقد كانت الدراسة في كليتة التجارة أهون من الطب بمراحل .. في ذلك الزمان كانت وسيلة الاتصال الوحيدة بين الطالب وأهله هي المراسلة .. كنت أرقب قدوم الرسالة من والدي على أحر من الجمر، وكنت أمتع ناظري بها مرارا وتكرارا أشمها، ألثمها ثم أعيد تشنيف ناظري بحسن خط الوالد الغالي، كان خطي يشبه خطه، لكن وهو الأصل كانت كلماته ذات شكل ولون ورائحة مميزين .. ذات يوم وصلتني رسالة من والدي يبغني فيها بوفاة زوجة عمي الأوسط بعد الولادة بقليل .. فقد نقلت من مستشفى الولادة إلى المستشفى العام في حالة طوارئ .. وتوفيت هناك أثناء عملية جراحية عاجلة اجريت لها .. يقولون أنها لم تحتمل جرعة المخدر بسبب الربو .. رحمها الله .. حزنت كثيرا لفقد هذه المرأة الطيبة .. عشرة عمر .. تذكرت أفضالها علي في طفولتي وصباي .. وذهب بي الفكر حول أطفالها .. قبل أن أشرع في كتابة رسالة تعزية لعمي وللأهل .. تلقيت رسالة ثانية يخبرني فيها والدي بأن عمي قد غادر إلى عمان للزواج .. فالأولاد كثر .. ولا تقدر الجدة على القيام بأعبائهم وهي في تلك السن .. في الصفحة الثانية كانت الصاعقة .. فوالدي يخبرني بأنهم قد رشحوا له ......... ليلى من بين بنات حواء لم يتراءى لهم سوى من اعتلت عرش قلبي .. لُمَ ليلى بالذات .. أذهلني ما قرأت ورحت اجول بفكري لعلي أجد لي مخرجا من هذا الوضع الدقيق الذي ألفيتني أقاسيه .. أخرجت الصورة التي لم تفارق جيب القميص فوق قلبي مباشرة .. ورحت أناجيها .. ليلى أيعقل أن ترضين؟ والدك وعدني .. وأنت ودعتني على العهد .. آخر ما لامست يدي كان دمعك الغالي .. فما تراك فاعلة؟ خرجت من البيت لا ألوي على شئ .. بقيت هائما على وجهي ماتبقى من النهار وجانبا طويلا من الليل .. يا ليل .. داري شجوني ياليل .. أولست سمير العشاق أيها الليل .. لليل صداقة متينة مع العاشقين .. أما أنا فقد خاصمت تلك الليلة السوداء .. أحالك سوادها أم أن عيناي تعكسان شقاء روحي .. ايها الليل البهيم أنى لك الإطباق على ضلوعي بهذه القسوة .. ياليل .. ارحم مآقي فقد سالت مدامعها معتصرة قلبي المفجوع .. أفقت من غيبوبة روحية لأجدني اتجول في أزقة حي من أحياء القاهرة القديمة .. لم أعرف المكان .. ولم أكن احمل ساعة على معصمي .. سأل أحد المارة عن المكان والوقت .. قرابة الفجر .. في منطقة الظاهر بيبرس .. حبيبي أيها الفارس الهمام .. لكن قلبي الكسير قد أنهكه الفكر .. ليلى ستصبح زوجة عمي!! طبيعة العلاقة بين الأهل لا تفرق بين بيت وبيت .. أي انني سأكون مجبرا على دخول بيتهم في مختلف الأيام والأوقات .. وليس من المعقول أن تنفر زوجة العم من ابن الأخ وبخاصة انه أمضى معها شهورا طويلة .. لن تشاهد وجهي إطلاقا .. سأتحاشى بيتهم ما حييت .. لكن أيعقل أن تقبل به بعدما دار بيننا . أي غضب هذا .. أعقوبة إلهية .. أم ابتلاء؟ عدت أدراجي إلى البيت .. لم يكن صديقاي قد استسلما للنوم وقد استبد بهما القلق لغيابي المفاجئ .. فكان ان انهالا علي بالأسئلة والعتاب معا .. نظرت إليهما بعينين زائغتين وانسحبت إلى غرفتي بهدوء .. لحقا بي وقد استبد بهما القلق .. ماذا أقول لهما ؟ وهما لا يعلمان بليلى .. وآه يا ليلى .. - أبدا .. حزنت كثيرا على امرأة عمي المتوفاة - خبر قديم والآن تذكرت أن تحزن - لا أحزنني عدم الوفاء .. تخيلا أن تربتها لم تجف بعد وهاهو قد ذهب للزواج من أخرى - لا أصدق .. كيف عرفت؟ - من رسالة جديدة استلمتها اليوم لم يمض أكثر من أسبوع حتى وصلتني رسالة ثالثة من الوالد .. عمي غادر عمان إلى دمشق للبحث عن زوجة هناك .. زاغ بصري .. واشرأب عنقي وماذا عن ليلى؟ وجد أن ليلى قد تزوجت .. لا شعوريا وجدتني أحمد الله على ذلك فلقد خلصتني بزواجها من مأزق أزلي خلال أشهر قلائل .. تتم خطبتها وزواجها!! دخلت في غيبوبة فكرية .. تجمدت أطرافي على الورقة .. الرسالة .. هذه المرة لم أبك تحجرت مآقي .. كيف لي أن أبكي على من نستني قبل أن أغادر الحدود الأردنية وربما قبل أن أغادر عمان .. ليسترها المولى .. فهي تستحق كل خير .. كفاها ما عانت في انتظار النصيب .. بالتأكيد أن والدها كان عقلانيا وواقعيا .. أيعقل أن يجعلها تنتظر سنين طوال على أمل مبهم ربما كان والدها أو شقيقها الأكبر من وافق على العريس فورا .. آه يا ليلى بهدوء وكامل وعي أخرجت صورتها انتزعتها عن قلبي لم يعد من حقي الاحتفاظ بها بعد الآن .. بالتأكيد أنها قد تخلصت من صورتي .. بل ربما من كل الصور التي أخذناها سويا في البيت مع افراد العائلة .. لم أشعر بأصابعي وهي تمزق قلبي إربا إربا .. ومع بقايا الصورة .. نزف قلبي آخر أحاسيسه نحو حواء .. جفت ينابيع العاطفة في دفينة نفسي .. ولم يعد لتاء التأنيث مكان في حياتي .. مر بالجامعة وقلبه بلا حراك .. لم يستجب لأي نداء بعد ليلى زميلة له ظلت قرابة العام تتقرب إليه .. لكن قلبه المقفل لم يحرك ساكنا حتى في عيد ميلاده .. ارسلت له هدية اسطوانة نجاة .. الطير المسافر ولم تحرك عواطفه .. مع انها تستحق منه عكس ذلك حتى زملاء الدراسة والسكن أنبوه .. رده كان جافا لا مكان في قلبي لغير الوطن .. أنا لا أستحقها دعوها بدون علمه إلى حفل رتبوه له .. المرة الوحيدة في حياته التي يحتفل بها أحد بيوم مولده خرجت في نهاية الحفل وقد فهمت أنه لا رغبة له بأي أنثى كانت .. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 7 أبريل 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 7 أبريل 2006 16. حضن جبل التفت ربيع نحو حنان وقد أنتهى من البوح بما كان يخفيه لسنين طوال، فوجئ بعينيها وقد احمرتا من كثرة البكاء، لم يكن قد تخلص بعض من لواعج قلبه التي أتعبته وهو يسرد حكايته مع حواء، فجاهد نفسه طويلا حتى استطاع رسم ابتسامة حانية على وجهه .. - حنان .. لم أكن لأخبرك بذلك لولا حرصي على أن اكون أمينا مع نفسي - لقد عانيت كثيرا وأنت في مقتبل العمر .. لا شك انك أيضا قد تركت في نفس ليلى الأثر نفسه .. - بل كلي قناعة بأنها قد نستني فور زواجها - بالتأكيد أنها قد عانت بصمت .. - لم أسأل عنها البتة فقد ألغيتها من حياتي بعدما أصبحت في عصمة رجل آخر - ربما يكون هذا سبب آخر لمعاناتك دون ان تدري - ألا تشعرين بالنعاس .. الوقت متأخر ولا بد لك من النوم قليلا قبل أن يبزغ الفجر - اجل علينا ان ننام هب واقفا ليمد يده مساعدا حنان على النهوض متمنيا لها احلاما سعيدة وتحول الى غرفته وهو اشبه مايكون قد افاق من كابوس مزعج حمد الله على خروجه من دخيلة نفسه .. في تلك الليلة استغرق ربيع في النوم حتى أنه لم يشعر إلا وكف سائد تمر على جبينه وقد بدا القلق مرتسما على وجهه، فيما كان ربيع يتفرس في وجه سائد باستغراب طفق السائق الوفي بالحديث عما اعتراهم من قلق عليه - سيدي انها الظهيرة .. لقد كنت مستغرقا فيالنوم حتى أن طرقاتنا على الباب قد فشلت في ايقاظك .. ولقد انتابنا قلق شديد عليك مما دفعني إلى فتح الباب الذي لم يكن مغلقا بالمفتاح بعدما استدعيت صاحب النزل لهذا الغرض - لا بأس يا سائد انه الإرهاق ليس إلا .. أنا بخير والحمد لله .. بل إنني أشعر بأنني في قمة نشاطي .. فقد نمت كما لم أنم من قبل .. وقفت حنان بباب الغرفة وقد عادت الحياة إلى وجهها لدى مصافحة صوت ربيع لمسامعها وهي في الخارج .. - لقد جعلتنا جميعا نرتعد خوفا عليك - الحمد لله كانت ساعات نوم افتقدتها منذ زمن - يفترض فيك النوم جيدا هذه الأيام .. فنحن في اجازة .. راحة واستجمام - بل انني احرص ما استطعت على ألا أضيع وقتي بعيدا عنك - هيا انهض واستعد نشاطك فقد ذهب جل النهار وانت راقد قفز ربيع من سريره فيما كان سائد وحنان يغادران الغرفة وتوجه إلى غرفة الحمام حيث أنعش جسده بحمام دافئ على عجل .. عندما غادر ربيع غرفته وجدها تجلس متأهبة على حافة الأريكة وقد بدت على وجهها ملامح قلق شديد فيما كانت عيناها تقاوم دعتين تترجرجان بين جفونها - مابالك ياقمري المنير .. أرى أنك لست على مايرام .. أهناك ما يعكر عليك صفوك - وهل لدي غيرك يا اميري يثير الرعب في صدري وينهك تفكيري .. أثار طول مرقدك في قلبي فزعا شديدا .. السهرتنا البارحة علاقة بهذا النوم - يبدو لي ذلك .. خاصة وانني قد شعرت بعد الانتهاء من سرد قصتي أنني قد انزاح عن صدري حمل غير خفيف .. يبدة أنني كنت بحاجة لمن أبوح له بما كنت اطبق عليه فمي .. هيا بنا لنخرج من الفندق .. سنذهب إلى قرية قريبة.. نصحني صاحب النزل بزيارتها وبتناول الغذاء هناك غادرا الفندق حيث كان سائد قد جهز السيارة ووقف بها بباب الفندق .. ما ان ركبا حتى انطلق إلى الطريق الذي أشار عليه رب البيت بسلوكه .. ما أن ابتعدوا عن القرية حتى بدأ الطريق في الارتفاع مصعدا إلى جبل قريب هو بمثابة مقدمة لسلسلة جبلية شاهقة بدت من بعيد وقد غطتها الثلوج كعروس ليلة زفافها أو كحورية من حواري الجنة .. كان الطريق مزدوجا ولذا لزم سائد الحذر في قيادته وبخاصة انهم في نزهة ليس فيها للعجلة اي داع .. بعد نصف ساعة من السير في طريق يتلوى كالثعبان على خاصرة كل جبل يمرون به برزت للعيان معالم قرية صغيرة بدت وكأنها قد ارتمت في أحضان جبل عريض .. كانت كثير من الأنوار قد أضيئت بسبب كثافة الغيوم التي تلبدت بها السماء بدت من بعيد وسط الضباب الخفيف الذي يلفها وكأنها حبات لؤلؤ تناثرت على كومة من القطن المندوف أو على صفحة ماء تجمد من شدة البرودة . سرعان ما اهتديا إلى ضالتهم التي كانت عبارة عن مجمع تجاري صغير وقد رصت خارجه أدوات التزلق ومعدات التخييم وفي الداخل تنوعت البضائع في أقسام غاية في الترتيب الذي ينم عن ذوق رفيه .. فهذا قسم البقالة قد أبعد في المؤخرة حتى يمر مرتادوه على البضائع الأخرى لعل العين تقع على ما يستقطبها فيجعلها تستنزف مافي الجيوب .. وهنا قد علقت تشكيلة من الملابس النسائية بشكل جذاب وبجوارها وضعت ملابس الأطفال .. وغير بعيد كانت الملابس الرجالية ولوازم التدخين بمختلف اشكاله وانواعه .. في الصدر فتح باب واسع يفضي إلى قاعة المطعم المنشود .. ما ان دلفا حتى ألفياه يعج بالرواد من مختلف الجناس والأعمار .. - يبدو ان رب البيت كان على صواب .. فالظاهر أن المطعم من الشهرة بمكان حتى لزم أن نحجز لديه منذ البارحة - يبدو لي ذلك جلسا الى مائدة بجوار نافذة صغيرة تطل على سفح الجبل المترامي الأطراف وقد بدت الخضرة في البروز على استحياء من تحت العباءة الثلجية التي بدأت في التآكل في غير مكان من النواحي السفلية للجبل الشاهق .. - ما أروع المنظر يا ربيع .. لا يمكن الحصول عليه سوى في هذه الفترة من السنة حيث تجتمع أمام عينيك نصاعة بياض الثلج وبراعم زهور تستيقظ من بيات شتوي طويل وسط خضرة يانعة قاتم لونها بسبب الغيوم الكثيفة .. أي رسام يمكنه أن يبدع مثل هذه اللوحة الرائعة - بديع السماوات والأرض هو الجميل لا يشبهه شئ من خلقه .. لاحظي كيف ان الضباب الذي بدا لنا كثيفا ونحن نقترب من القرية قد خف حتى لا يكاد يرى من النافذة وإن نكاد نحس به بعيوننا عبر لون الثلج المائل للزرقة أمامنا - كلما شعرت بالحنين إلى الخضرة ارتحلت إلى الريف حيث لنا مزرعة صغيرة يديرها لنا عم ابنتي .. أعشق رائحة الطين الأسمر والخضرة في الربيع .. وأهيم بالزهور البرية .. فأنا متيمة بالطبيعة وكل شئ طبيعي .. في مزرعتنا طلبت منهم ألا يستخدموا فيها الا كل ماهو طبيعي .. - أحسنت فما أحوجنا إلى العودة للطبيعة الفطرية في حياتنا حيث يكون لكل شئ طعمه ورائحته المميزة .. تقدم منهما النادل بقائمة الطعام فخاطبه ربيع بأدب جم - سيدي .. أتينا الى هنا وقد جذبتنا شهرتكم في الجوار .. فهل لك أن تقدم لنا أطيب ما تتميزون به من طعام - لن أخذلك يا سيدي .. فلدينا طاه متميز يعشق عمله ويتفانى في تقديم ما يعتز به ويفخر .. حساء ذيل العجل لدينا متميز بما يضيفه عليه الطاهي من بهارات خاصة .. وهو يحسن اختيار الطيور التي يقدمها مشوية على الفحم مضيفا اليها صلصات خاصة من صنع يديه تضفي عليها رونقا وطعما لا يمكن ان تجدهما في المعمورة كلها .. فهذه من أسرار مطعمنا .. - وأي نوع من الطيور ستقدم لنا - انكما محظوظين ياسيدي فاليوم قد وصلنا صيد ثمين من طيور الحجل الكبيرة .. انهم يمسكون بها حية بالفخاخ .. ونحن من خيرة زبائن الصيادين الجبليين .. وسنقدم لكم شيئا من شرائح لحم غزلان طازجة - أحسنت الاختيار فعلا .. هلا عجلت لنا بالحساء حتى ندفئ به معداتنا الخاوية .. لا تنس ان تقدم نفس ماتقدمه لنا لسائقنا الجالس على الطاولة القريبة من الباب .. - أمرك سيدي رنت اليه حنان بعينين تشعان بالغبطة والفرح وربتت بيدها على يده الممدودة على الطاولة تعبيرا على الاستحسان والامتنان فيما بدت على وجهه علامات الرضى والحبور - عزيزتي .. لم يتبق لنا سوى يوم واحد في هذه البلاد .. أستطيع البقاء لبضعة أيام أخرى لو تكرمت علي بالموافقة فاجأها ربيع بعرضه هذا، بينما كانت رتنو اليه بعينيها طفقت تفكر في طلبه الذي يميل اليه قلبها بكل جوارحه لكنها أحست بأنه ليس سوى تأخير للحظة الفراق الحتمية - وبعد الأيام تلك .. ماذا سيحدث .. سوف يحين وقت الرحيل من جيد .. أولا عن آخر .. حقا انه يعز علي أن تنصرم سويعات الحلم الرقيقة .. فما كنت يوما أحلم بصحبة كريمة .. ولا بسمو أخلاق ورفعة قدر كالتي شاء لي قدري ان احظى بهم. - ما أسرع ما تنقضي لحظات الهناء .. حقيقة لكل بداية نهاية .. لنحسن اغتنام الوقت .. سأحلق بك بين النجوم .. دعينا نرتفع فوق الغمام على قمم الجبال الشاهقة .. غير بعيد من هنا بلدة صغيرة يتجمع فيها المتزلجون في الموسم .. الآن تجدينها قد استكانت لسكانها .. لنمضي ليلتنا فيها .. وجل نهار الغد .. يمكن لسائد ان يعود لنا بملابسنا من النزل ونرتب امرنا على سهرة جبلية لا تنسى يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 11 أبريل 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 11 أبريل 2006 17. الصعود إلى القمة لم يكن التصعيد في الجبل بالأمر الهين، على الرغم من عدم ضيق الطريق مقارنة بالطرق الجبلية في بعض البلاد العربية إلا أن العامل المشترك بينها جميعا أنك تصعد عبر سلسلة جبلية حيث تكثر الانحناءات والتعرجات وطبقا لتضاريس الأرض من تحتك تجد نفسك تارة في صعود وأخرى في هبوط يعقبه صعود جديد، وعندما يتراءى لك الطريق ممتدا على سفح الجبل التالي يخطر ببالك أنه ثعبان يتلوى غير عابئ بمن يمر به. كلما ازداد الطريق ارتفاعا كلما تدنت درجة الحرارة بات منظر الجليد أشد كثافة، وفي بعض المناطق لم يتزحزح الثلج عن الطريق الا بفعل الجرافات التي شقت وسطه دربا رفيعا يكاد يتحكم بمسار السيارة التي بدت تجاهد في الارتقاء الى درجة اعلى .. - سائد، انك تظهر مستوا مرموقا في القيادة في هذه الظروف الجبلية الصعبة .. تمرسك في التحكم بالسيارة عبر الثلوج ينم عن خبرة عالية - سيدتي تعودت المرور عبر هذه الطرق في مواسم التزلج طوال الشتاء، حيث تكون قسوة الطبيعة في أوجها، كنت أرى الكثير من السيارات تقف عند أقرب استراحة لبعض الوقت حتى تبرد محركاتها التي تكاد تشتعل بفعل الحرارة الناجمة عن الجهد العالي على الرغم من الانخفاض الشديد في درجة الحراة .. لم يتبقى سوى كيلومترات قليلة لنصل إلى هدفنا بإذن الله. - ليكلأك الله برعايته فإننا لم نشعر بالطريق ووعورته لمهارتك في قيادة السيارة بانسيابية وفن عقب ربيع - هاقد وصلنا سيدتي لنسأل عن الفندق الذي نصحونا به في المطعم إنه غير بعيد بحسب الوصف حتى انني لا أشعر بالحاجة إلى السؤال .. فعلا هاهو ذاك الذ ترونه فوق المرتفع المطل على القرية مباشرة .. - موقع رائع فعلافالمناظر من حوله خلابة بشكل منقطع النظير .. ترجلا من السيارة فيما هم سائد بالانظلاق عائدا إلى القرية لإحضار حقائبهم من النزل ويسدد فاتورته المستحقة عليهم كما أمره ربيع من قبل. - ماذا تفعل يا سائد، ترجل معنا لترتاح قليلا من التركيز في القيادة طول الطريق - أود أن أعود بسرعة قبل أن تحتاجا لملابسكما - أمامك وقت طويل لتفعل .. لا بد لك من الراحة قليلا وتناول شرابا ساخنا معنا ومن ثم ننطلق في جولة بالقرية فيما تذهب أنت إلى النزل، لا تنس أن تشكر أصحاب الفندق على كرم وفادتهم .. وأن تغدق لهم بالعطاء جراء ذلك .. ترجل سائد على استحياء وتوجه إلى مقهى صغير بالقرب من باب الفندق حيث جلس لتناول كوبا من القهوة يستعيد به حيويته .. - ربيع، لا حاجة بنا للشراب الآن، هيا بنا نتسكع في اسواق البلدة، ربما نجد مكانا في السوق نتناول فيه قهوتنا .. - لا بأس، أردت لك بعض الراحة، وحيث أنك في نشاطك فهيا بنا انطلقا مسرعين هبوطا عبر طريق جبلي رفيع نحت في الجبل ووضعت عليه بلاطات سميكة من الجرانيت وقد حفته من الجانبين أسوار خشبية متينة ليمسك بها المارين تحسبا للانزلاق على الثلوج التي كانت تغطيه .. في منتصف الطريق العام ظهر أمامهما مبنى بدا وكأنه مجمع تجاري كبير .. فلما دلفا اليه ألفيا نفسيهما في باحة كبيرة مغطاة بالزجاج المصفح بأسياخ حديدية وقد أحاطت بالباحة سلسلة من المطاعم المختصة بالوجبات السريعة على الطريقة الأمريكية وتناثرت بينها مقاه مشهورة عرفت بتميز قهوتها كل بنكهات خاصة جدا .. - أترين، هاقد اهتدينا إلى كنوز القهوة بكل أشكالها هلمي بنا - لا يا سيدي، هذا الكان سوف يكون محطتنا قبل الأخيرة في طريق العودة من الأسواق، لاتنس أن الموسم قد انصرم، وهواة التزلق قد هجروا البلدة، ولم يتبق إلا من هم على شاكلتنا ممن يرومون الهدوء والتمتع بجمال الطبيعة الخلابة .. وبالتالي فإن المحلات باتت تغلق أبوابها مبكرة .. هكذا عادا ليجدا نفسيهما في سوق طويل ترامت فيه المحلات على اليمين وعلى الشمال، لم تكن حنان تهدف للتسوق، لكنها عادة المرأة التي تجد متعتها في التجول بالأسواق وتفقد البضائع ومقارنتها من حيث الشكل والجودة وتفحص أسعارها .. أما ربيع، فإنه كان يبحث عن شئ خاص ليشتريه، لم يبح بغرضه لحنان لذا فقد أظهر هدوءا غريبا ونوع من اللامبالاة إلا أنه كلما دخلوا متجرا تفحص بضائعه بعينين خبيرتين، فيما كان يراقب بطرف عينه انطباعات حنان عما تراه وتتفحصه، كانت دليله دون أن تشعر، وسرعان ماتعرف على ذوقها في الاختيار وخبرتها في تصنيف المنتجات المحلية والأشغال اليدوية .. - الله .. انظر ربيع إلى هذا الثوب ما أبهاه، إنه مصنوع من الحرير الخالص، والكم الهائل من أشغال التطريز قد طغت على لونه الأصلي، حقيقة أنه قطعة نادرة بخاصة انه كله مشغول يدويا لفت بريق عينيها نظر صاحب المحل العجوز وشعر بمدى إعجابها به - سيدتي لقد عملت به مجموعة من اشهر فتيات القرية المجاورة واكثرهن احترافا للتطريز اليدوي، نحن لا نصنع منه إلا عددا محدودا في العام، وهو الثوب الوحيد المتبقي لدي من مجموعة هذا الموسم - فعلا يبدو انه كما قال .. لكن ألا يبدو أطول منك قليلا، وربما يكون قياسه اكبر من قياسك - نعم عندك حق، لكنني لم أكن أفكر في اقتناء مثله، فألوانه الزاهية تناسب صبية يانعة لا امرأة في سني - ماهذا الذي تدعينة، انك لم تبتعدي عن ذلك السن بعد، ان هي الا نقلة من سن المراهقة والصبيانية إلى النضوج المبكر - لا لا لا ياربيع، إن هي إلا بصيرتك التي تخادع بصرك ليس إلا .. - حسن يا حنان، انني وجدت ضالتي في هدية لابنة صديق لي، فقد تربت في حضني، وانا اعتدت أن أجلب لها في كل سفرة النادر والثمين من الهدايا، إلنه يناسبها تماما .. - أحسنت الاختيار في هذه الحالة طلب ربيع من صاحب المحل أن يلف الثوب بعناية ويضعه في صندوق خاص اختاره بنفسه وتناول بطاقة صغيرة كتب عليها جملة ووضعا وسط الثوب قبل أن يغلق غليه الصندوق ويغلفه .. يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
أسامة الكباريتي بتاريخ: 2 مايو 2006 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 2 مايو 2006 18. ليلة الوداع كان الليل قد بدأ يرخي أسداله على البلدة عندما توجها صوب مجمع المطاعم والمقاهي .. طلب ربيع كوبين كبيرين من القهوة الفرنسية واتخذ هو وحنان مكانا متنحيا على طرف الصالة .. - تتميز هذه البلدة في الصيف بوفرة الزهور النابتة في كل مكان فيها، تشعرين وأنت تتجولين بأنك وسط باقة جمة من الزهور بمختلف أنواعها والوانها .. - هل كنت هنا من قبل يا ربيع - أحرص على قضاء يومين فيها كلما زرت سويسرا صيفا كان أم شتاءا، فلكل فصل فيها رونقه وزهوته - من الواضح أن الحياة لا تتوقف لديهم على موسم بعينه - نعم فهم يستعدون بدءا من أواخر الصيف لموسم التزلق .. وفي الربيع تبدأ الاحتفالات الموسمية وأهمها مهرجان الزهور .. يأتونه من مختلف أرجاء العالم لتميزه بخصوصية لا توجد إلا هنا .. في كل بيت مستنبت خاص للزهور، وهم هنا يعتمدون على النوعية والتناسل واستنباط أنواع جديدة في كل موسم تزدهي بها المهرجانات حيث تصدح الموسيقى وينطلق الشباب بالثياب التقليدية المزركشة بألوانها الزاهية وقد تعلقت على صدور الفتيات عقودا من الزهور .. مناظر خلابة فعلا - تستحق فعلا أن تحرص على ارتيادها بانتظام انتهيا من تناول قهوتهما وغادرا المكان عائدين إلى الفندق حيث وجدا سائد قد وصل بحقائبهما .. - أهلا بالسيد ربيع .. أهلا بك ياسيدتي .. لقد حجزت لك جناحين كما طلبت على الهاتف - شكرا لك يا سيدي على تلطفك صعدا فورا إلى جناحيهما ليأخذا قسطا من الراحة .. حنان فضلت أن تمضي وقتا طويلا في مغطس الاستحمام الكبير وقد اجتذبها بإغراءات الاتساع والماء الدافئ وما تصطحبه من معطرات وأعشاب برية تضفي على الطقس شيئا من الحميمية والروحانية .. أما ربيع فقد ألقى بجسده على السرير بعدما تخفف من ملابسه، إن هي إلا دقائق معدودة وكان يغط في سبات عميق لم يوقظه منه سوى رنين الهاتف النقال بمكالمة من مقر عمله .. نظر في الساعة مستغربا كيف أمضى أكثر من ساعتين في النوم وهو الذي كان يظن بأنه لن يغفو الا للحظات قلائل! نهض متكاسلا ولم يستفق جيدا إلا وهو يتلقى بجسده رشات من الماء البارد قبل أن تتحول إلى الدفء الذي كان ينشده فيها .. غادر جناحه بعدما هاتف حنان التي فهم منها انها كانت على أهبة الاستعداد، التقيا عند باب جناحها المجاور - كيف نمت ياحنان ىمل أن يكون الجناح قد أعجبك - ولأنه كان من ترتيبات رحلة الأحلام الخاصة فإنني لم أضيع وقتي في النوم درت والابتسامة تكسو وجهها - لا تقولي بأنك قد أمضيت الوقت في تأمل جدران الجناح ومحتوياته - بل كنت طوال الوقت أستغل التسهيلات المتاحة في الحمام حيث أسلمت جسمي لراحة إجبارية في مياة غاية في الدفء - النوم سلطان .. لقد نمت بعمق شديد حتى قبل دقائق قليلة .. - أتعرفين .. بالرغم من كل المرات التي حضرت فيها الى هنا، فإنها المرة الأولى التي أكتشف فيها هذا الفندق الرائع، في كل مرة كنت انزل في فندق صغير يشبه كثيرا النزل الذي كنا فيه بالقرية - حقيقة كان اختيارا موفقا من حيث الموقع والإمكانات المتاحة فيه هبطا درجات السلم إلى قاعة الفندق حيث طلبا قهوة إيطالية مركزة (إسبرسو) بعثت نكهتها القوية النشاط في يأفوخ كل منهما .. - حنان .. أتمنى عليك ألا ننهي رحلتنا هذه بمثل هذه السرعة .. أسبوعا آخر لن يضينا بشئ - المكوث معك لا صير فيه البتة .. لكنها ارتباطاتي في القاهرة والتي تحتم علي العودة في موعدي - ألا يمكن زحزحة هذه الارتباطات قليلا إلى الأمام .. يمكننا أن نمضي في رحلتنا نجوب فيها أرجاء سويسرا بل وربما نغادرها إلى بلد اوروبي آخر في الجوار .. فرنسا مثلا - مضت الأيام بسرعة البرق .. كالحلم .. أشبه بطيف جميل لا أستعجله .. لكنني بالأمس وعدت ابنتي بالالتزام بالموعد المحدد .. ولا أستطيع تأجيل اي من مواعيدي الأخرى بأي حال - حقيقة انها رحلة الأحلام .. لقد تضاءلت سنين حياتي فيما قبل لقائي معك وباتت مغلفة بضباب كثيف .. خلال سويعات قلائل بت أنت المسيطر بلا منازع على مقدرات حياتي - أرجوك يا ربيع أن تكف عن ذلك .. فأنا أشعر بكلماتك قيودا تكبل روحي وتستولي على شغاف قلبي - واقعنا يقول بأن حياة جديدة قد بدأت تدب في روحينا .. وحتى تستقر الحياة في الروح، لا بد لها من وقت .. لنعطي روحينا الوقت .. ستعودين إلى مصر .. لكننا لن نفترق .. سيظل بيننا ماسنجر .. وربما وسائط اخرى .. ............................ وبدأت الحياة دورة جديدة يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان