طائر الشمال بتاريخ: 17 مايو 2019 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 17 مايو 2019 هذا هو إسلامي، فهل تقبلوه؟ اراك متقدما نحوي، متجهم الوجه، تحجب كثافةُ لحيتك رقبتَك، شرارة غيظ تشتعل بها عيناك، ومحاولة فاشلة لتشكيل تعبيرات وجه مؤمن صبوح متسامح. هذه المظاهر الملبسية التي تظنها جواز مرورك من بين يدي رضوان لتتفتح لك جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين لا تنطلي علي، لكنك قد تنجح بها مع الساذجين والأميين والبسطاء وغير الواثقين في إيمانهم وإسلامهم. قرأت لك وعنك ومنك في مئات الصفحات على النت، وداخل كتب اشتريتها من مكتبات متفرقة أو كتب صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. شاهدتك في مصر ودول الخليج وفي أوروبا وعلى الشاشة الصغيرة، وأطلت طلعتك عليّ طوال العقدين الماضيين في كرنفال المزايدة الدينية، لكن الله تعالى أنعم علي بنعمة العقل وعدم الخلط بينك وبين اسلامي الحنيف، فأنت تمثل نفسك ولو جئت لي بشهادات موثقة من قناة ( اقرأ ) وأبي قتادة وأبي حمزة المصري وباعة الأعشاب النبوية أمام مسجد السيدة زينب في قاهرة المعز. قبل أن تصدر فتواك العجيبة التي سيصدقها الجهلاء والقساة وموزعو صكوك الغفران دعني أعترف لك أن أحاديثك تنفّرني ، وأنني أراها دعوة مناهضة للاسلام، وأن لسانك بساط أحمر يمر من فوقه الإرهاب بكل صوره بدءً من تكفير الآخرين وليس انتهاء بصناعة المسلم الساذج المنفصل عن عصره والمتشبث بعالم الأموات. نعم .. أنا مسلم رغم أنفك، ورغم محاولاتك العثور في ثنايا كتب مرَّ على أحدثها ألف خريف على أدلة موثقة بأن ممارستي للاسلام غير صحيحة، وأن كتاباتي واهتماماتي وهمومي وقناعاتي ليست اسلامية عليها ختم ( حلال ) كما يختم مسلمو الجاليات الاسلامية في الغرب بضاعتهم فيشترك البزنس مع الدين لزيادة الربح وتهدئة الضمير، إلا أنني لا أكترث لحُكْمك، ولا تهمني الصورة الحديثة التي رسمها خيالك لمسلم زمن الهزائم والمخدرات والفشل والجهل والكراهية . نعم .. أنا مسلم ، أسمع الموسيقى وأرى أن عدم الاستماع إليها يفرّغ النفس من المشاعر الودية والدافئة، فيجعل منها خواء صحراويا قحطا. أنت ترى أن الاستماع للموسيقى حرام، وأن العلي القدير سيضعها في ميزان سيئاتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأنا، كمسلم، أرىَ، ولو بدا الأمرُ مبالـــَــغا فيه، أن عدم الاستماع للموسيقى هو الذي سيعرضك لمحاسبة عسيرة، فمن لا ترتوي نفسه بالجـَمال، ولا يؤثر النغم الجميل الساحر والهاديء في فؤاده فلن تعرف مصداقية الإيمان طريقها الصحيح لقلب مفرغ من أحاسيس تلتقط الجمال عن طريق الأذن أو البصر كما تهب نسمة ربيع رقيقة فتتسلل لتنعش كل حواس جسد مرهق متعب. وأنا قد أقرأ آيات من الذكر الحكيم، وأقوم لصلاة العشاء، ثم أستمع لكونسرتو بيانو لبيتهوفن، أو ( حيرت قلبي ) لأم كلثوم، أو ( لحن الوفاء ) لعبد الحليم حافظ، أو ( روحي وروحك حبايب ) لوردة! وأنا مسلم أمارس إيماني انسانيا فلا أزايد ، ولا أقدّم رشوة للعناية الالهية، وأصوم رمضان بفرح شديد في أوله وأحيانا أتمنىَ الانتهاء منه في نهايات الشهر الكريم. أتفق معك في روعة الدعوة النبوية الشريفة من خاتم الأنبياء عن الصلاة ( أرحنا بها يا بلال )، لكنني إنسان لا أخدع نفسي، وأصارحها بضعفي وقوتي، وأصلي أحيانا لأنها واجب أو لأستريح بها أو لأستريح منها. أنت تدخل المسجد أو غرفتك، وتصلـــّـي الفرضَ والسُنّة والنوافل وكل الزيادات وتترك زوجتك وأسرتك وأولادك يتعلمون بعيدا عنك، ويتربون في غير حضنك، أما أنا فلله عندي سبع عشرة ركعة لا غير هي جواز سفري للجنة، وهي التي وعدني العزيز الرحيم بالعفو والمغفرة مادمت ملتزما بها. أنت تحاول أن تكسب ثوابا فتنشغل عن ابنك الصغير في صلاة طويلة تتورم منها قدماك، فيذهب إلى فراشه وهو مشتاق إليك وإلى صوتك وحكاياتك الجميلة والمسلـّية التي تذهب معه في أحلام سعيدة، أما أنا فأكسب ثوابي بأن تكون آخر أنفاس يتنفسها قبل النوم وأكل أرز مع الملائكة هي أنفاسي ويستمع لصوتي وتتأجل أو تتأخر الالتزامات الأخرى لأن ما أقوم به هو صُلب العبادة .. بل أصل العبادة. أنت تنقل ما كتبه الآخرون، وتحفظ اجتهادات مرّت عليها قرون، وتضمها عنوة للاسلام الحنيف، أما أنا فأحترم العقل، وأبحث عن صواب واحد ولو أخطأت سبعين مرة.أنت تجند الدين لحساب الفاشية والاستبداد، وتفسره وفقا لرغبات السلطة والطغاة، وتطالب المسلمين أن يطيعوا ولاة أمورهم ولو عاثوا في الأرض فسادا ما داموا يقيمون فينا الصلاة والعيدين، أما أنا فأرى الاسلام من خلال الوعي التام والثورة والتمرد والمناهضة والاعتراض وعدم قداسة الفرد ولو كانت تحيط به ملائكة من كل مكان. أنت ترى اسلامك دينا هشــّـا وإيمانك قابلا للكسر في أي وقت وقوتك في ضعفك وابعاد أي فتنة ولو كانت في خيال مريض، أما أنا فأرى الاسلام العظيم قوة لي وتحديا للنفس الأمارة بالسوء. أنت تبحث عن مدخل الجنة من أبواب سُدَّت كل المنافذ التي تؤدي إليها وتسعة أعشار تلك الأبواب ترتبط ارتباطا وثيقا بالمرأة وحجابها ونقابها وخمارها وصوتها العورة ومكوثها في البيت وطاعتها العمياء للرجل وأهمية رضاك عنها حتى ترضى الملائكة بدورها فلا تلعنها، أما أنا فأرى أهمية اسلامي في كوني إنسان يقوى ويضعف، يتحدى ويخطيء ويصيب. أنا أمدّ يدي وأصافح المرأة ولست مريضا مثلك بالخوف من الخلوة في ضوابطها العقلانية، أما أنت فلا تمد يدك لابنة عمك لأنك لست مَحْرَما، وتخشى أن لا تكبح شهواتك الحيوانية أمام وجه زميلتك في العمل والمظاهرة والجامعة، وترى الجحيم من خلال نصفك الآخر وتشك في أن كل امرأة ستحرضك على أكل تفاحة الخطيئة. أنا أحلق لحيتي وأرتدي ما يناسبني من ملابس وأستبدل بسواكك فرشة أسنان أكثر نظافة وصحة ولا أرى ولا أقتنع أن الاسلام العظيم الذي أكمل به ربُ العزة الدينَ يمكن أن يحدد لك جلبابك وطوله والمسافة بين طرفه وأصابع قدميك ولونه ونوعية قــُـطنه أو بعض حريره أو ملمسه. وأنت تخترع دينا قشريا يناسب المزايدة، ويفصل المسلم عن واقعه، ويجعل المسلمين مميزين في جيتو كأنهم ليسوا من هذا الكون. أنت في حالة عداء مع نفسك ومع محيطك ومع كل من يخالفك وترى العالم منقسما بين مؤمنين وكفار، وتسلط سيفك على مخالفينك حتى لو كان هذا السيف فكرة سيئة أو فتوى حمقاء أو شراء لكل بطاقات الدعوة للجنة وتمنع عنها غير المسلمين؛أما أنا فمؤمن بالعزيز الوهاب، وأرفض سرقة الحساب الالهي لميزان دنيوي يقوم به عقل قاصر. أنت تهين زوجتك باصرارك أن رحيلك عن الدنيا قبلها يعني ارتماءَك في أحضان ثلاث وسبعين من الحور العين تستمتع بهن كما تشاء، ولا ترى الآخرة إلا من خلال تلك التصورات وليس من التفكير الموضوعي الملتصق بإيمان صادق عميق بالله عز وجل بأن الجنة فيها وجه ربك ذي الجلال والاكرام، وفيها أناس من كل المشارب والأديان والعقائد والجنسيات. أنت تحلم بجنة ليس بها غير المسلمين وربما أتباع مذهبك أو جماعتك أو حزبك ومعهم مسلمو القرون الأولى والصحابة وغيرهم، أما أنا فلا أكترث ولا يهمني فتلك حسابات لا قِبل لأحدنا بها، ولو صفح اللهُ عن الخلق كلهم، مؤمنيهم وكافريهم، أولهم وآخرهم، حتى لو عفا الرحمن الرحيم عن إبليس نفسه فهي أمور يتجنبها عقلي، وهي مما أختصها الله لنفسه. أنت ترى الناس من خلال حُكمك على عقائدهم الظاهرة مما يوقعك في عالم البغضاء والكراهية والتمييز، وتصنع لنفسك أصحاب الجنة، أما أنا فأتجنب قدر استطاعتي خداع نفسي، ولو خيّرني الله بين أن يكون بجواري في الجنة واحد من مسلمي الدعوة الذين لم أرهم أو أن يكون معي شارلي شابلن وباتريس لومومبا ونيلسون مانديلا لأخترت الأخير. أنت تريد أن تنقل بالمسطرة كل حرف وحركة وسكنة حدثتك عنها كتبُ الأقدمين عن حياة مسلمي القرن الأول، وأنا أريد أن أنقل إليهم عالمي والتكنولوجيا والصعود إلى الفضاء والديجيتال وعبقرية العقل البشري في الوصول إلى هذه الدرجة المذهلة من التقدم المادي والعلمي. أنت تشعر أنك أقل منهم مئة درجة ، وأنا أشعر أنهم يحسدوننا لو كانوا أحياء عن عالمنا الجديد رغم ما فيه من حروب وقتل وتشرد وفقر ومجاعات وايدز ومخدرات وقسوة واحتلال، لكن فيه أيضا ملايين من الأشياء التي تحسدنا عليها كل الأجيال السابقة لنا. أنت تنتفخ علما وهميّا متورما عندما تقرأ أربعة أو خمسة كتب مضت عليها مئات الأعوام، وأنا أشعر بدونية وجهل كلما قرأت في العلوم الانسانية والتاريخ والجغرافيا والآداب والاختراعات وما تدفع به مطابع الدنيا، فتتهمني بالجهل في الدين وأشفق عليك لجهلك في الاثنين معا .. الدنيا والآخرة. أنت تأخذ من الدين استعلاء واستكبارًا وغطرسة فإنْ أختلف معك أحد شحذت أسلحتك ، واستعنت بأقوال ومأثورات لأناس مثلي ومثلك، وبينك وبينهم عشرات من الأجيال، وفسّرت على هواك أحاديثي تأويلا كاذبا فتدّعي أنني أنكر السنة النبوية أو أنني علماني يكره الدين أو أنني مناهض للفكر الاسلامي، فيلتف حولك ببغاوات النقل الأحمق ويصدّقونك، ولا يستخدمون عقولهم، ولا يبحثون عن الكذب الذي أخفاه حديثك، وتطلب مني استجداءً لك بصك البراءة في كل مرة لكنني أؤكد لنفسي أنني مسلم ومؤمن، وبيني وبين خالقي علاقة جميلة متسامحة ومحبة، أخطيء فيصفح عني، وأجتهد فيرضى عني، وأسمح لعقلي في التجول بين خطوطك الحمراء فيكافئني عليها رب العزة ولو أخطأت لغة واستدلالا وتفسيرا ومنهجا . أنت ترى الاسلام في أولوياته حجاب المرأة ولحية الرجل ونسخ حياة الأولين ثم لصقها في عصرنا الحديث، أما أنا فأرى الاسلام في أولوياته الدفاع عن المظلومين، ومناهضة الاستبداد، وكرامة المواطنين، والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وبين المسلم و.. غير المسلم. أنت ترى الأمية لا علاقة لها بالاسلام، وأن الأمي حر يتعلم أو يظل كما هو، فهذا شأن ليس من واجبات الدين. أما أنا فأرى الأمية حراما، وأن الأمي الذي تتاح له فرصة تعلم القراءة والكتابة ويرفض فهو آثم ومخالف لتعاليم الدين. أنت ترى أنك ستجني ثوابا مضاعفا إن ضاعفت صلواتك واعتكفت أسابيع في المسجد وقضيت نصف شهر رمضان بجوار الحرم الشريف. وأنا أرى الثواب هنا مشروطا بعدة أمور وأهمها أن تقرأ وتتثقف وتتعلم، وأن لا تسرق من وقت أسرتك وزوجتك وأولادك ووالدك المسن ووالدتك المريضة. أنت ترى الكتاب خيارا شخصيا إن تركته لن يحاسبك الله، وأنا أراه واجبا دينيا ولو قضيت نهارك وليلك في كل يوم في صلاة وعبادة دون أن تقرأ، وتضيف لعقلك علوما ومنطقا ومعلومات واحاطة بالعلوم الانسانية والفكرية فأشك أن صلاتك كلها مقبولة، أو أنك كسبت ثوابا مضاعفا. أنت تؤدي مناسك الحج أكثر من مرة وتظن أنك كسبت ثوابا، ولكنك في الحقيقة سرقت مكان مسلم آخر وفقا للنسبة المئوية لعدد الحجاج، ولو لم تحج للمرة الثانية أو الثالثة أو العاشرة فإن مسلما آخر كان سيحظى بشرف وتكليف هذه الشعيرة الاسلامية والفرض الواجب لمن استطاع إليه سبيلا. أنت تظن أن الله لن يمنح الفقير الذي لا يستطيع الحج نفس ثوابك لأنك قادر ماديا وجسمانيا، وأنا مؤمن بأن الله رحيم وعادل، وأن الذي يتمنى فقط ولكنه لا يستطيع لضيق ذات اليد حج البيت الحرام له نفس ثوابك، فالله، تعالى، ليس ربا للأغنياء فقط. فيك غلظة وقسوة ولو أنا أخطأت لما ترددت أنت في فصل رأسي عن جسدي، أما أنا فلا أشاهد فصلا واحدا من المشهد الاجمالي العمري لأي شخص ثم أحكم عليه. أنا أبحث عن الايمان في الحرية، وعن الثواب في الخطأ، وعن الجنة في نهاية كل ذنوبي وآثامي. تسألني الآن: لماذا لم استشهد عامدا متعمدا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية! لأنني أعرف أن القرآنَ حَمّال أوجه، وأنّ أشَدّ الطغاة غلظة وأكثر العلماء غُلوّا في التطرف نهلوا من الكلمات المقدسة وفسروها وفقا لما في أنفسهم مسبقا. أنت ستحكم عليّ الآن، وستطلب مني شهادة توثيق واثبات قبل أن يسارع لسانك بالتكفير، وأنا أقدّمها الآن لله، عز وجل، وليس لك، وأقول بأنني مسلم وموحد ومؤمن بالقرآن الكريم وبنبيه صلوات الله وسلامه عليه وبكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر. لو لم يكن إيماني قويا وعميقا وصادقا لنفّرني حديثك، ولكرهت هذا الدين وأهله وتابعيه، لكنني بفضل الله لم أتأثر قيد شعرة بك وبغلوك وتطرفك وتشددك وتزمتك وصخرية عقلك وقسوة قلبك. قضيت أكثر من عاما في أوروبا وأحببت الله أكثر، ولم يهتز إيماني، ولم أرتشف رشفة خمر واحدة، وألتزم بواجباتي الدينية وأراني مسلما ولكنني جزء من العالم كله وصديقي هو الانسان بغض النظر عن دينه وشكله ولونه، ولا أفرق بين المسلم وغير المسلم في المعاملة وحتى في المشاعر والأحاسيس فأنا أحب الكريم والصادق معي ومع نفسه. أكره محاسبتك إياي، وأبغض مشاعر الفوقية التي يصدأ بها عقلك عندما تريد أن تحدد لي ما تراه صالحا، وأراك تسلك سلوك القتلة بدون سلاح عندما ترفض الآن حريتي في خياراتي. وأنا مؤمن بأن تغطية وجه المرأة حرام، ولا حَدّ على المرتد، والتصويت في الانتخابات لصالح الديكتاتور حرام كترك الصلاة تماما، وأن "أطباء بدون حدود" سيدخلون الجنة، وأن تكفير مسلم مجتهد في رأيه من الكبائر كالشرك بالله، وأن فتاوى العلماء والفقهاء ليست ملزمة للمسلمين، وأنني مسلم رغم أنفك ولو أتيت بملء الأرض أدلة على غير ذلك! محمد عبد المجيد طائر الشمال عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين أوسلو النرويج رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان