مسلم-فلسطين بتاريخ: 24 مارس 2006 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 24 مارس 2006 الحوار الوطني في ميزان الإسلام خطبة لفضيلة الشيخ عصام عميرة أحد المدرسين في المسجد الأقصى المبارك الجمعة 10 صفر 1427 هـ الموافق 10 آذار 2006 م الحوار الوطني في ميزان الإسلام (الخطبة الأولى) أيها الناس: تدور - ومنذ أمد بعيد - حوارات وطنية داخل كل قطر من أقطار العالم الإسلامي الممزق، وتصرف في هذه الحوارات جهود مضنية وأموال طائلة وأوقات طويلة، ويدخل المتحاورون في كثير من الأحيان في سجالات عقيمة قد تفضي إلى حد الاقتتال الداخلي أو الحرب الأهلية. ثم تستأنف هذه الحوارات الوطنية بوساطات خارجية بحجة رأب الصدع، ولم الشمل، وتوحيد الجهود الوطنية، وما بات يعرف بالوحدة الوطنية. ثم تنطلق الشعارات التي تنادي بالوحدة الوطنية، وأنها خط أحمر لا يجوز تخطيه بأي شكل من الأشكال، ويتحدثون عن حرمة إراقة الدم الوطني، وما شابه ذلك من مصطلحات يكررها الساسة والمسؤولون، ويرددها الإعلاميون أكثر من التسبيح والتهليل والتحميد والحوقلة. وصار سقف هذه الحوارات الوطنية لا يتعدى وئاماً وطنياً مؤقتاً يحافظ فيه الفصيل الوطني المسيطر على مكتسبات الحكم وغنائمه، وترضى باقي الأطراف الوطنية الأضعف بنصيبها من تلك الغنائم، ولا عزاء لشهداء الوطن الذي قضوا في سبيل تلك الأهداف المتواضعة، بل إن التنظيمات الوطنية قد اتخذتهم جسراً تعبر فوقه إلى مصالحها ومصالح أسيادها في الوطن وخارجه. أيها الناس: إننا نلاحظ أن الذي يدير هذه الحوارات الوطنية في العالم الإسلامي ومنه العربي هم الساسة الغربيون وسفراؤهم في بلاد المسلمين، وأحياناً توكل مهمة إدارة تلك الحوارات إلى مدراء الأجهزة الأمنية ورجال المخابرات الذين تشكلت عقلياتهم على أسس إجرامية تجسسية، وينحصر سجل إنجازاتهم في قمع إخوانهم خدمة لأسيادهم. وهذا عين ما هو حاصل في الحوار الوطني اللبناني اليوم حيث يعتقد سياسيون ومحللون لبنانيون أن واشنطن وباريس والرياض ودمشق وطهران وحتى تل أبيب تتدخل في الحوار الوطني اللبناني بشكل واضح حيناً وخفي حيناً آخر. ويشير هؤلاء إلى أن الأميركيين والفرنسيين يتدخلون عبر سفاراتهم النشطة في بيروت، ولا يمر يوم دون أن يلتقي مسؤولون من سفارتي الدولتين بمسؤوولين لبنانيين معنيين بالحوار الوطني. وأكثر من ذلك يشير البعض إلى أن وجهة نظر إسرائيل الأمنية فيما يتعلق بسلاح المقاومة اللبنانية والفلسطينية، موجودة في جلسات الحوار. وقد شوهد السفير الأميركي أكثر من مرة في ساحة النجمة ببيروت يدور بسيارته أثناء عقد جلسات الحوار في علامة لا تقبل النفي أو النقاش على التدخل الأميركي. وأكد نائب لبناني أن التدخل الأميركي ليس خفياً، بل واضحاً وضوح الشمس، وحمل نائب آخر سوريا مسؤولية أي إرباك يمس الحوار، ولا يستبعد محلل سياسي لبناني أن تكون هناك دول خارجية تدفع بالحوار من أجل مصلحتها. أما الحوار الوطني الفلسطيني فحدث عنه ولا حرج، حيث اللقاءات المصرية الفلسطينية المعلنة وغير المعلنة، مع مختلف القوى الوطنية والإسلامية في غزة والقاهرة، وزيارات مدير المخابرات العامة ونوابه المتكررة، وغير ذلك من متعلقات الحوار الوطني الفلسطيني كتدخل إسرائيل وأميركا والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، كل ذلك قد مهد لما يعرف بالتهدئة، وأوصل الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم في بلد ليس للمسلمين فيه سدة ولا حكم. أيها الناس: إن الذي يسري على الحوار الوطني اللبناني والحوار الوطني الفلسطيني يسري في نفس الوقت وبنفس القوة وعلى نفس النمط على الحوار الوطني العراقي والسوداني والجزائري والمغربي وكل أنواع الحوار والوئام الذي يقوم على أسس الوطنية، سواء كان في داخل الوطن الواحد أم خارجه، كالحوار بين دول الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو منظمة الوحدة الافريقية أو مجلس التعاون الخليجي، فهي جميعاً محكومة بقواعد الحوار المتبناة من قبل الدول الكافرة التي لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة. أيها الناس: ليس من تفسير لحضور مندوبين عن دول الكفر ومؤسساته السياسية والاقتصادية والإعلامية وحتى الاجتماعية لمؤتمرات الحوار الوطني في العالم الإسلامي إلا أنه تدخل سافر في شؤون المسلمين، وفرض إراداتهم على أعمال هذه المؤتمرات، وتوجيهها الوجهة التي تتفق مع مصالحهم وتحقق أغراضهم، فهل بعد هذا البيان نقول إنهم أصدقاؤنا ولا غنى لنا عنهم؟ أيها الناس: لقد أصاب المسلمين من الحوارات الوطنية غم كبير وشر مستطير، وقد انحرفوا عن مسار الحوار الصحيح الذي يقوم على أسس الإسلام بين المسلمين أنفسهم، وبينهم وبين الكفار، وخرجوا عن الخط التحاوري الذي رسمه لهم رسول الله صلى اله عليه وسلم عندما حاور الأوس والخزرج لما فتنهم اليهود قائلاً: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}. وخاطب على أساسه الكفار من أهل الكتاب قائلاً: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}. ثم جابه المعاندين بقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}. جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كما في صحيح مسلم: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله - إلى قوله: فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون". أيها الناس: هكذا كانت خصال قواد المسلمين في الفتوحات الإسلامية الأولى، ولم يتعد حوارهم ذلك أبداً، وكان لهم ما أرادوا. فقد طلب زعماء الروم من أبي عبيدة أن يرسل إليهم رجلاً ليعرفوا حاجة المسلمين، فأرسل إليهم أبو عبيدة معاذ بن جبل وكان ذلك في سنة 13 هـ، قبل معركة اليرموك، فقال معاذ لترجمانهم: أفهم عني أن أول ما أنا ذاكر حمد الله الذي لا إله إلا هو، والصلاة على محمد نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن أول ما أدعوكم إليه أن تؤمنوا بالله وحده وبمحمد صلى الله عليه وسلم، وأن تصلوا صلاتنا، وتستقبلوا قبلتنا، وأن تستنوا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وتكسروا الصليب، وتجتنبوا شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، ثم أنتم منا ونحن منكم، وأنتم إخواننا في ديننا، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فأدوا الجزية إلينا في كل عام وأنتم صاغرون، ونكف عنكم، وإن أنتم أبيتم هاتين الخصلتين فليس شيء مما خلق الله عز وجل نحن قابلوه منكم، فابرزوا إلينا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين، فهذا ما نأمركم به وندعوكم إليه. فلما فرغ معاذ من خطابه قالوا: ما نرى بيننا وبينك إلا متباعداً، وهذه خصلة نحن نعرضها عليكم، فإن قبلتموها منا فهو خير لكم، وإن أبيتم فهو شر لكم، نعطيكم البلقاء وما إلى أرضكم من سواد الأرض، وتنحَّوا عن بقية أرضنا وعن مدائننا، ونكتب لكم كتاباً نسمي فيه خياركم وصلحاءكم. فقال معاذ: هذا الذي عرضتم علينا وتعطونه كله في أيدينا، ولو أعطيتمونا جميع ما في أيديكم مما لم نظهر عليه ومنعتمونا خصلة من الخصال الثلاث التي وصفت لكم ما فعلنا. فغضبوا عند ذلك، وقالوا: نتقرب إليك وتتباعد عنا؟ اذهب إلى أصحابك، إنا لنرجوا أن نفرقكم في الجبال غداً. فقال معاذ: أما الجبال فلا، ولكن والله لتقتلننا عن آخرنا، أو لنخرجنكم من أرضكم أذلة وأنتم صاغرون. فانصرف معاذ إلى أبي عبيدة فأخبره بما قالوا، وبما رد عليهم. ثم بعث الروم إلى أبي عبيدة رجلاً يخبر به عنهم قالوا: إنك بعثت إلينا رجلاً لا يقبل النَّصَف، ولا يريد الصلح، ولا ندري أعن رأيك ذلك أم لا، وإنا نريد أن نبعث إليك رجلاً منا يعرض عليك النَّصَف. فقال لهم أبو عبيدة: ابعثوا من شئتم. وعندما وصل رسولهم قام أبو عبيدة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الله بعث فينا رسولاً نبياً، وأنزل علينا كتاباً حكيماً، وأمره أن يدعو الناس إلى عبادة ربهم، رحمة منه للعالمين...إلى أن قال: وأمرنا رسولنا فقال: إذا أتيتم المشركين فادعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله، وبالإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل، فمن آمن وصدَّق فهو أخوكم في دينكم، له ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية حتى يؤدوها عن يد وهم صاغرون، فإن أبوا أن يؤمنوا أويؤدوا الجزية فاقتلوهم وقاتلوهم، فإن قتيلكم المحتسب بنفسه شهيد عند الله، وهو في جنات النعيم، وقتيل عدوكم في النار، فإن قبلتم ما سمعتم مني فهو لكم، وإن أبيتم ذلك فابرزوا. أجل أيها المسلمون، هكذا يكون الحوار وإلا فلا. (الخطبة الثانية) أيها الناس، يا أصحاب الحوار الوطني، يا من يممتم وجوهكم شطر أميركا وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة: إن لكم فيمن سبقكم من المتحاورين عبرة! فلقد كانت نتيجة حوار أسلافكم من القادة المسلمين أن فتح الله عليهم البلاد ودانت لهم العباد وخضعت لهم رقاب الجبابرة، وكانت نتيجة حوار أسلافكم من الوطنيين الأتراك مع بريطانيا هدم الخلافة الإسلامية، وصيرورة تركيا بلداً فقيراً لم يرفع رأساً منذ نيف وثمانين عاماً. وكانت نتيجة حوار الوطنيين السعوديين مع الإنجليز سلخَ جزيرة العرب عن جسم الدولة الأم، وقتلَ إخوانهم الأتراك والعرب من المسلمين، ومنذ نيف ومائة عام وهم ينفقون ثروة الأمة بسفه بالغ، وقد أصبحت الجزيرة في عهودهم النحسة مرتعاً للكفار وقواعد لهم وإرصاداً لحرب المسلمين. وكانت نتيجة حوار عبد الناصر مع أصدقائه السوفييت الاشتراكيين وبالاً على مصر أجيالاً متعاقبة، وليست معاناتهم من الرأسمالية العفنة أقل سوءاً. وكانت نتيجة حوار السودانيين الوطني أن تفسخ السودان وتمزق وهم ينظرون. وماذا بالله عليكم كانت نتيجة الحوار الوطني الصومالي أو النيجيري أو الموريتاني أو الباكستاني أو اليمني أو الكويتي أو غيرها من الحوارات الوطنية التي تُجمع جميعاً على إقصاء الإسلام عن الحياة الوطنية، وفي أحسن الظروف توظيفه لخدمة أغراضها الوطنية. أيها الناس: رب مريد للخير لا يصيبه، فمن كان قصده الخير لشعبه من تلك الحوارات ونيته صادقة، فإنا نقول له إن صدق النية وحده لا يكفي، فلا بد من موافقة ذلك لما جاء به الشارع الحكيم، والتزام الشرعية الإسلامية واتخاذها مرجعية وحيدة. فالله سبحانه وتعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}. أيها الناس: هذه هي الخصال التي ينبغي أن يحاور فيها المسلمون الكفار، ليختاروا ما يرونه، أما ما سوى ذلك فلا مجال فيه للحوار. وقد يقول قائل: هذا إن كان للمسلمين قوة ومنعة وعدة على ذلك، فماذا يصنعون اليوم وحالهم ما تعلم؟ والجواب: إن عليهم أن يعدّوا لذلك العدة، وأن يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم، وأن يعملوا مع العاملين لإقامة دولة خلافة المسلمين الثانية الراشدة على منهاج النبوة التي تتولى ذلك الحوار حسب الأصول، فليتنحوا جانباً حتى يأخذ القوس باريها. رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان