عادل أبوزيد بتاريخ: 25 أغسطس 2020 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 25 أغسطس 2020 ريفيرا الإسكندرية.. صبية حنون الأربعاء 19 أغسطس 2020 كتب إيناس عمارة رائحة اليود والصوت الهادر وعيونى تجتهد لإبصار «العظيم» فى آخر الشارع الضيق، «قدس الأقداس» الصاعد تدريجيّا فى مهابة تليق (ببوسيدون- نبتون- البحر)، الإسكندرية الفرعونية، البطلميّة، الإغريقية، الرومانية، العروس التى لا ينتهى عُرسُها، جميلة فى كل زىّ وكل عصر.. سيدة المتوسط بلا منازع، ومع الظهور المسرحى للمارد الباسم أمُدّ وجهى من نافذة السيارة، ألتقط الرذاذ وأنا أصيح فى هستريا صوتى الطفولى: البحر.. البحر.. البحر. أرض الأحباب بيت الأهل القديم بمنطقة الإبراهيمية التى سكنتها الجاليات اليونانية والإيطالية والأرمنية والفرنسية حتى أواخر القرن الماضى، المتميزة بالقصور الفخمة والعمائر التى لا تتخطى الأدوار الثلاثة قبل ظهور «الدوشم» الإسمنتية ذات الأدوار الثلاثين، حاجبة الشمس والهواء، تخفى الأزرق عن أشواق العيون. نتكدس فى الغرفة - ننام كصغار فى أى مكان وركن- فلا خصام و لا غضب و لا شجارات حادة، كان بيتًا عجائبيّا، إذ يتضاعف اتساعه كلما تعالت الضحكات وتبادل الحكايات الظريفة، وازداد نزق ألعاب الورق «الكوتشينة»، هرج يشق الليل ويربك الهدوء، لا يحكمه إلاّ صوت جاد وحازم يأتى من الغرفة المجاورة محذرًا: «ناموا..الناس نامت.. والّا مفيش بحر»، ثم يردف ليحفزنا على النوم: «بُكره هنصحَى بدرى للمعمورة، مشورانا طويل». فنسكت، نلتحف السعادة، موعودين بالغد. الطريق يتم توزيعنا على سيارتين إحداهما النصر ذات الفوانيس الخلفية المستطيلة، التى يتفاخر صاحبها بأنها الوحيدة بين زميلاتها التى صُنعت كاملة بإيطاليا، سيارة تزهو بمشاركاتها فى عصورها الذهبية (رالى السيارات)، أمّا السيارة الأخرى فهى يابانية الصنع سبور، تحملتنا كثيرًا حتى قضت نحبها يومًا فى طريق سفر بعد سنوات كثيرة. يجلس النساء أولًا، وبعد التأكد من جلوسهن مرتاحات، يتم الدفع بنا نحن الأطفال، لحضنهن، تتحول السيارة لحافلة مكدسة، ويكون السائق هو سعيد الحظ الذى يملك مقعدًا محجوزًا لا يقترب منه أحد، يلقى النكات على علبة السردين المتحركة فى طريق طويل، مثير، صاخب، يرمقنا خلاله الآباء والأخوة الكبار بنظرة حسد مفتعلة فلا يوجد فى هذا الضِّيق ما نُحسد عليه، إلّا الحب والفرح والرّضَى فى القلوب، آنذاك لم تكن هذه الجواهر/ النّعم نادرة بين الناس الطيبة، كانت مألوفة وعامرة فى الأرواح، فى جو من الغبطة والمتعة لا يقربه ضيق ولا مَلل، حتى إذا وصلنا الجهة الموعودة تعلو صيحة أخرى آمرة: «لا تدخلوا المعمورة.. انتظرونا معنا بطاقات الدخول (الكارنيهات)». المعمورة أنشئت المعمورة الجديدة عام 1960 على مساحة 600 فدان وتكلف إنشاؤها 400 ألف جنيه تقريبًا، كان مبلغًا مهولًا لأغلب الشعب البسيط الحالم وقتها، تحمّلته الجمعيات التعاونية للفلاحين بشراء معظم الأسهم وتم بناء شاطئ الأحلام، ازدان بفيلات حديثة الطراز مختلفة عن المعتاد، وغرست حدائق غَنّاء تحيط بالشاطئ؛ لتصبح المعمورة أشبه بالريفيرا الفرنسية وربما أكثر جمالًا بموقعها المتميز بالقرب من قصر المنتزه، تجمعهما بوابة خاصة. هكذا دخلنا المعمورة مبتهجين، إذ بطاقات الدخول (الكارنيهات) التى انتظرناها لا يتوافر منها سوى اثنتين فقط لا غير، ليدخل الكبار بمفاوضات حثيثة وذكية مع حارس البوابة، أسفرت عن دفع قيمة تذكرتين فقط، ببساطة وسلاسة تم التوصل لحل يراعى الأعداد الغفيرة لركاب السيارة، دون عنجهية وتعقيدات، أو كسر لفرحة الأطفال. هكذا نمضى مسرعين لشاطئ حنون، واسع، مكتظ بعائلات متنوعة تتلاشى فروقاتها لتصبح عائلة واحدة، فإن ضاع طفل يعود، وإن جاع يأكل، وإن عطش امتدت الأيادى ترويه بالماء. أتحدث عن ثمانينيات القرن الماضى التى تعيش فى الذاكرة بكل التفاصيل الحبيبة، أذهب للإسكندرية كثيرًا، أراها بعين الطفولة، وشوق الشباب، لا تكبر ولا تتغير كما تقول الأغنية (إسكندرية ماريا وترابها زعفران... إسكندرية صبية مَهما يطول الزمان)، أمّا عن منطقة بحرى فالحديث يطول ولنا رحلة بسيارة أخرى، لن نضطر لدفعها فى طريق العودة من المعمورة للإبراهيمية. 1 اقتباس مواطنين لا متفرجين رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انضم إلى المناقشة
You are posting as a guest. إذا كان لديك حساب, سجل دخولك الآن لتقوم بالمشاركة من خلال حسابك.
Note: Your post will require moderator approval before it will be visible.