اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

لماذا دولة الخلافة هي الحل الجذري للقضية الفلسطينية؟


Recommended Posts

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا كتاب يتألف من 90 صفحة سأقدمه على دفعات بإذن الله وهو من اعداد ( الأستاذ ابو تقي الدين الخليلي )

لماذا دولة الخلافة هي الحل الجذري للقضية الفلسطينية؟

الحقيقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا(2)ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا(3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا(4)فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا(5)ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلنكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا(6)إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَافَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا(7)عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا(8)﴾

أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله إن هذا يهودي خلفي تعال فاقتله الا الغرقد فانه من شجر اليهود"

مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :

فهذه سلسلة موضوعات تلقي الضوء على جوانب من القضية الفلسطينية: نشأتها، تاريخها، والتضليل الذي مورس فيها منذ أن هدمت دولة الخلافة والى يومنا هذا. وهذا العمل يحاول أن يبرز الكثير من الحقائق التي تخفى على الكثير من ابناء المسلمين ليصل بهم الى أن فلسطين سقطت بسقوط الخلافة الإسلامية وأن الخلافة الإسلامية القادمة بإذن الله تعالى هي التي ستحل القضية الفلسطينية حلا جذريا بإعادتها الى حظيرة الخلافة مرة اخرى.

اسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين الى الحكم بالاسلام والعمل بالإسلام، انه على ما يشاء قدير.

مع كتاب الله... آيات وحقائق

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا(2)ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا(3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا(4)فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا(5)ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا(6)إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَافَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا(7)عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ (8)﴾

تبدأ الآيات بالاشارة الى الاسراء ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ والحكمة من ذلك ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾. كما تذكر بكتاب موسى وما قضى الله فيه لبني اسرائيل من نكبة وهلاك وتشريد، مرتين، بسبب طغيانهم وإفسادهم، مع انذارهم بثالثة ورابعة﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾... وهذه الحلقة من سيرة بنى اسرائيل لا تذكر في القرآن الا في هذه السورة، سورة الاسراء. وهي تتضمن نهاية بني اسرائيل التي صاروا اليها، ودالت دولتهم بها. كما أنها تكشف عن العلاقة المباشرة بين مصارع الأمم وفشو الفساد فيها، وفاقا وتأكيداً لسنة الله، وهي أنه اذا قدر الله الهلاك لقرية جعل إفساد المترفين فيها سببا لهلاكها وتدميرها.

تبدأ الآيات بتذكير بني إسرائيل بجدهم الأكبر- نوح- العبد الشكور الذي لم يحمل معه في السفينة بوحي من الله الا المؤمنين. وهذا التذكير والإنذار يأتي مصداقا لوعد الله الذي يتضمنه سياق السورة، من أن الله لا يعذب قوما حتى يبعث اليهم رسولا ينذرهم ويذكرهم. و قد أخبر الله بنى اسرائيل بما قضاه عليهم من تدميرهم بسبب افسادهم في الأرض، وتكرار هذا التدمير مرتين لتكرر أسبابه من أفعالهم ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾، وأنذرهم بمثله كلما عادوا الى الإفساد في الأرض، تصديقا لسنة الله الجارية التي لا تتخلف.

وقضاء الله في بنى إسرائيل إخبار لهم بما سيكون منهم، حسب ما وقع منهم في علمه. وهو ليس قضاء قهريا عليهم، تنشأ عنه أفعالهم. فالله سبحانه لا يقضي بالإفساد على أحد، إنما يعلم ما سيكون علمه بما هو كائن، ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾. وقد قضى الله أن بنى إسرائيل سيفسدون في الأرض مرتين، وأنهم سيعلون في الأرض المقدسة ويسيطرون، وقضى أنهم كلما ارتفعوا فاتخذوا الإرتفاع وسيلة للإفساد سلط عليهم من عباده من يقهرهم ويستبيح حرماتهم ويدمرهم تدميرا.

وهذه هي الأولى: يعلون في الأرض المقدسة ويفسدون فيها. فييعث الله عليهم عبادا من عباده أولي بأس شديد، يستبيحون الديار، ويروحون فيها ويغدون بإستهتار، ويطأون ما فيها ومن فيها بلا تهيب ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا﴾. نعم وعدا لا يخلف ولا يكذب.

حتى اذا أفاد بنو اسرائيل من هذا البلاء المسلط عليهم، وحتى اذا ما ذاقوا ويلات الغلب والقهر والذل فرجعوا الى ربهم وأصلحوا أحوالهم، وحتى اذا استعلى الفاتحون وغرتهم قوتهم فطغوا هم الآخرون وأفسدوا في الأرض، مكن الله للمستضعفين من المستكبرين ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾.

ثم تتكرر القصة مع بنى اسرائيل من جديد... ولكن قبل ذكرها يقرر الله قاعدة العمل والجزاء عنده: ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾... نعم، هذه هي القاعدة التي لا تتغير، والتي تجعل عمل الإنسان كله له، بكل نتائجه وثماره، وتجعل الجزاء ثمرة طبيعية للعمل، وتجعل الإنسان مسؤولا عن نفسه، إن شاء أحسن اليها، وإن شاء أساء، لا يلومن إلا نفسه حين يحق عليه الجزاء.

وتأتي الثانية: ﴿فإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾... وهذا بعد ما يقع من بنى إسرائيل من إفساد تبع ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ﴾. فيذكر الله ما يسلطه عليهم في المرة الآخرة من إذلال ومساءة واستباحة واستهانة... نكال بهم يطغى على كل شىء، والذي لا يبقي على شيء ﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾.

ولقد صدق الله فيهم ووقع الوعد، فسلط الله على بنى إسرائيل من قهرهم أول مرة، ثم سلط عليهم من شردهم في الأرض، ودمر مملكتهم فيها تدميرا.

ولا ينص القرآن على جنسية هؤلاء الذين سلطهم على بنى اسرائيل، لأن النص عليها لا يزيد في العبرة شيئا. والعبرة هي المطلوبة هنا، وبيان سنة الله في الخلق هو المقصود.

ويعقب سياق الآيات على النبوءة الصادقة والوعد المفعول، بأن هذا الدمار قد يكون طريقا للرحمة ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ إن أفدتم منه عبرة. فأما إذا عاد بنو اسرائيل الى الإفساد في الأرض فالجزاء حاضر والسنه ماضية ﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾.... ولقد عادوا الى الإفساد فسلط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة كلها. ثم عادوا الى الافساد فسلط عليهم عبادا آخرين. حتى كان العصر الحديث فسلط عليهم نكالا في أوروبا. ولقد عادوا اليوم الى الافساد في صورة (إسرائيل) التي أذاقت وتذيق المسلمين في فلسطين الويلات. وليسلطن الله عليهم من يسومهم سوء العذاب، تصديقا لوعد الله القاطع، وفاقا لسنتة التى لا تتخلف ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾..... وان غدا لناظره قريب. هذا في الدنيا وعلى أيدي عباد الله. أما في الآخرة فمصير الكافرين والمفسدين معروف ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾.إن وعد الله بالقضاء على دولة يهود أمر لا ريب فيه، فهو وعد بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة، فمهما تضخمت دولة يهود وانتفخت، ومهما بلغت من القوة والتفوق شاءوا بعيدا، ومهما سايرتها دول وحكومات العالم، فقوله سبحانه وتعالى :﴿ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ قول دائم وقاطع وواقع، ومعناه أنه إن عاد اليهود واستكبروا في الأرض، وعاثوا فيها الفساد –كما يفعلون اليوم - فإن الله سبحانه سيعود عليهم بالتقتيل والتدمير والهلاك. فالآية ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ هي قاعدة ربانيه لا تتخلف، وبناءا عليها، فان تدمير (إسرائيل) لا محالة حاصل، وسيكون بالإسلام وعلى يد المسلمين- إن شاء الله تعالى- تحت راية الجهاد ولن يكون باسم العروبة أو الفلسطينية.

وصدق رسول الله حين أخبر أن المسلمين سيقاتلون يهود وسيقتلونهم حيث يقول: " لا تقوم الساعه حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله الا الغرقد فانه من شجر اليهود" رواه مسلم.

أين كانت بداية القضية ؟

إن بداية قضية فلسطين كانت وتبلورت مع الموقف العظيم الذي اتخذه آخر خليفة للمسلمين عندما راوده يهود على فلسطين. ذلك أنه لم يكن لفلسطين أن تحتل وتغتصب بوجود سلطان الإسلام ودولة الإسلام. وإن كل ما حصل للمسلمين ولبلادهم من تمزيق وإضعاف وهوان، حصل بعد أن تمكن الغرب الكافر من هدم دولة الإسلام، ونفي آخر خليفة للمسلمين الى سالونيك في اليونان. إن من يدرك أن كل بلايا المسلمين كانت ولا تزال بسبب غياب حكم الله في الأرض بعد زوال الخلافة الاسلامية يعي ويقطع أن عودة العزة للمسلمين مرة أخرى، كما كانت أيام خلافتهم، يحتاج الى موقف لا يكون أقل قوة من موقف أمير المؤمنين عبد الحميد. أما هذا الموقف، فليس هناك مرشحا لإتخاذه اليوم الا خليفة المسلمين القادم قريبا باذن الله. وسيكون الموقف واحدا ومشتركا بين أميرين: أحدهم رفض التنازل عن فلسطين، وعندما زالت الخلافة أخذت فلسطين غصبا، والآخر سيعيد فلسطين بعد أن تقوم الخلافة على منهاج النبوة مرة أخرى. هذه هي المعادلة فعلا: سقطت فلسطين وأخواتها بسبب مباشر ألا وهو سقوط الخلافة، وستعود بعودتها.

وليسمع كل من لديه عقل وبصيرة ماذا قال السلطان عبد الحميد لهرتسل حين راوده عن فلسطين. قال:"إن فلسطين ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، واذا مزقت دولة الخلافة يوما فانهم يستطيعون آنذاك ان يأخذوا فلسطين بلا ثمن. أما وأنا حي، فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة العثمانية. من الممكن أن تقطع أجسادنا ميتة، وليس من الممكن أن تشرح ونحن على قيد الحياة". رحمك الله أميرنا. لقد أدركت الأمر حقا، وأدركت أن سقوط فلسطين هين سهل بتمزق الخلافة. وها هي فلسطين تذهب بلا ثمن. رحمك الله أميرنا. لقد اعتبرت أن الحياة للمسلمين تكون بوجود كيان لهم وأن موتهم يكون بغياب هذا الكيان. لقد تمثل فيك الإمام الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أنه الجنة الذي يتقى به ويقاتل من ورائه. رحمك الله أيها السياسي. لقد كنت تدرك ما يحصل من مؤامرة، وكنت لا تقبل الا أن تسوس أمتك سياسة الإسلام. أين أشباه الساسة حكام المسلمين منك اليوم. انهم أعجز من أن يرعوا قطيع غنم. انهم يدركون تمام الإدراك مقولتك في فلسطين، ويدركون بعد قضيتها وحجمها. الا أن عمالتهم وخيانتهم وموالاتهم للكفار وإسراعهم فيهم يمنعهم من أن يتخذوا أدنى المواقف شرفا.

إن المواقف المشرفة لا يعرفها الا خلفاء المسلمين، وقد انقطعت هذه المواقف بعد السلطان عبد الحميد ولن يعيدها الا رجل من شاكلته. رجل يحمل فهم ووعي واخلاص عبد الحميد. رجل يقول:"لعمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أرى فلسطين ومقدساتها أسيرة أعداء الله. حي على الجهاد لتحريرها".

إن اغتصاب فلسطين يجب أن يربط بهدم دولة الخلافه العثمانية إرتباطا سببيا. فمواقف العثمانيين المشرفة الخالدة تجاه فلسطين أكبر من أن تنسى، ولعلها كانت من أوائل موجبات عمل الكفار لهدم دولة الخلافة. ذلك أنهم أدركوا استحالة وجود كيان ليهود في فلسطين بينما هناك خلافة. نعم لقد كان ذلك صحيحا ففي سنة 1882 م. أصدرت الحكومة العثمانية قانونا حرمت فيه الهجرة اليهودية الى فلسطين، وشراء الأراضي. ثم عادت وحددت الإقامة لليهود بشهر واحد، ومن تأخر يلاحق ويبحث عنه حتى يخرج. ولما أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م. راح العثمانيون يطاردون الصهيونيين. وأصدر جمال باشا بوصفه القائد للجيش الرابع المرابط في فلسطين أمرا منع فيه رفع أي شعار صهيوني في أي أرض تقع تحت حكمة، كما منع أي لافتة تكتب باللغة العبرية، وصادر جميع الطوابع والأوراق المالية التي تخص الحركة الصهيونية، وألغى جميع المؤسسات اليهودية التي تكونت في فلسطين، بعد أن دخلتها خفية. وجاء في البيان الذي صدر يومئذ في 25 كانون الثاني سنة 1915م. أن الحكومة العثمانية فعلت ذلك بناءا على ما لديها من معلومات تثبت أن بعض العناصر تتآمر باسم الصهيونية لإقامة مملكة يهودية في فلسطين. ثم كانت قبل ذلك مواقف عظيمة للسلطان عبد الحميد رحمه الله. يقول رحمه الله:" إن الصهيونية لا تريد أراضي زراعية في فلسطين لممارسة الزراعة فحسب، ولكنها تريد أن تقيم حكومة، ويصبح لها ممثلون في الخارج. انني أعلم أطماعهم جيدا، وانني أعارض هذه السفالة، لأنهم يظنونني أنني لا أعرف نواياهم أو سأقبل بمحاولاتهم. وليعلموا أن كل فرد في دولتنا يمتلىء قلبه غيظا عليهم طالما هذه نواياهم، وأن الباب العالي ينظر اليهم مثل هذه النظرة. وانني أخبرهم أن عليهم أن يستبعدوا فكرة إنشاء دولة في فلسطين، لأنني لا زلت أكبر أعدائهم"، ويقول:" أعرض هذه المسألة المهمة كأمانة في ذمة التاريخ. إنني لم أتخل عن الخلافة الإسلامية لسبب ما سوى أنني بسبب المضايقة من رؤساء جمعية الإتحاد المعروفة بإسم (جون ترك) وتهديداتهم، إضطررت وأجبرت على ترك الخلافة الإسلامية. إن هؤلاء الإتحاديين أصروا علي بأن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة فلسطين. ورغم إصرارهم فلم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف". ويقول هرتسل: بعث الي السلطان هذا الجواب:(بلغوا الدكتور هرتسل ألا يبذل بعد اليوم شيئا من المحاولة في هذا الأمر، فإني لست مستعدا أن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد لتذهب الى الغير. فالبلاد ليست ملكي، بل هي ملك شعبي، وشعبي روى تربتها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم من الذهب).

وهكذا يظهر أن المضلليين من الناس، أو العملاء الخونة هم من يظنون أو يعتبرون أن قضية فلسطين قضية شعب يطالب باستقلال وتحرر ووطن ونشيد، كغيره على جزء من أرض زرع فيها الغرب يهود من أجل حرب الإسلام وأهله ومنعه من التوحد مرة أخرى كما كان في دولة واحدة إسمها الخلافة.

إن واقع المشكلة الفلسطينية نشأ عمليا وسياسيا منذ العام 1916 م. عندما تم تقاسم ممتلكات الدولة العثمانية المنهارة بين الدول الأوروبية المستعمرة، وبالذات بين بريطانيا وفرنسا. ففي تلك السنة إتفق وزيرا خارجية الدولتين، سايكس وبيكو، على تقسيم البلاد العربية فيما بينهما. وكان في التقسيم شيء غريب عجيب، إذ سلخت فلسطين تحديدا من بلاد الشام، وأعطيت صفة متميزة عند الانتداب البريطاني الفرنسي. وهذه الصفة تتمثل في جعلها منطقة دولية وذلك توطئة لمنحها لليهود. وبعد ذلك بعام جاء وعد بلفور مؤكدا على منح اليهود وطنا قوميا في فلسطين. وجيء باليهود بعد ذلك بكثافة، ومكنوا من السلاح والمال والنفوذ حتى أقاموا الدولة اليهودية في أعقاب تسليم الانجليز لفلسطين لهم بعد انتهاء الإننتداب البريطاني عليها، ثم إخراج هذه المسرحية بحرب مزيفة بين الدول العربية والعصابات اليهودية تم على أثرها إقامة الكيان اليهودي وتمت رعايته دوليا من قبل الدول الكبرى.

هذه هي جذور المشكلة وبداياتها العملية. بينما بدأت جذورها وبداياتها النظرية منذ غزو نابليون لبلاد الشام حيث إختمرت وقتها في أوروبا فكرة زرع كيان يهودي في قلب العالم الاسلامي، وإبعاد يهود اوروبا والتخلص منهم. وقد أخرجت الفكرة سياسيا لأول مرة عام 1907م. حيث نشر اللورد كامبل ممثلا عن بريطانيا والدول الأوروبية تقريره الشهير عن حال المسلمين، الذي قال فيه:" هناك شعب واحد متصل، يسكن من المحيط الى الخليج لغته واحدة ودينه واحد وأرضه متصلة وماضيه مشترك وآماله واحدة، وهو اليوم في قبضة أيدينا، ولكنه أخذ يتململ، فماذا يحدث لنا اذا استيقظ العملاق؟. يحب علينا أن نقطع إتصال هذا الشعب بإيجاد دوله دخيلة، تكون صديقة لنا، وعدوة لأهل المنطقة، وتكون بمثابة شوكة توخز العملاق كلما أراد أن ينهض".

إذاً هذا هو واقع القضية. دولة دخيلة تابعة للغرب عدوة لأهل المنطقة، تمنع اتصال شعوبها، وتوخز العملاق كلما أراد أن ينهض. و لعل هذه الكلمات للورد كامبل تعبر بأوضح عبارة عن حقيقة هذه الدولة الدخيلة المسماة (اسرائيل). وهذا الواقع بعد إدراكه جيدا، يدل على أن هذا الغرب المتمثل بأوروبا وأمريكا، الذي سلخ فلسطين من الجسم الاسلامي الكبير لا يمكن أن يسمح بعودتها لأهلها، لأنه فعل ذلك من أجل السيطرة على المنطقة، فلا يعقل أن يسمح بعودتها لأهلها. وبذلك ندرك أن هذا الغرب الصليبي هو العدو الحقيقي، لأنه هو الذي زرع الكيان اليهودي في فلسطين بعد أن سلخها عن جسم دولة الخلافة السابقة. وهذه الحقيقة لا يمكن أن تنسى ولا يجوز أن ننساها، لأننا إن نسيناها أو تناسيناها، فهذا يعني أننا لم نعد بقادرين على تحديد العدو من الصديق.

وعليه فإن الغرب هو الطرف الرئيسي المعادي لنا في هذه القضية وعلينا أن نتعامل معه بوصفه عدوا، هذا إذا فهمنا المشكلة فهما صحيحا وحاولنا حلها حلا جذريا. أما اذا تغاضينا عن هذه الحقيقة فاننا سنقع في فخاخ كثيرة، وهذا ما حصل لنا بالفعل. فإنه لما كانت الحلول المطروحة للقضية الفلسطينية حلولا تسكينية ترقيعية وصلنا الى ما وصلنا اليه الآن من تفريط بأكثر من أربعة أخماس الأرض (الفلسطينية)، والتفريط بالخمس الباقي أو بمعظمه آت على الطريق عن طريق من أوجدوا لتصفية القضية لصالح يهود والغرب الصليبي.

إن المدقق للمطالب العربية الحكومية في فلسطين منذ عام 1948 م. الى 1967 م. يجد أن هذه المطالب كانت تتمثل – في ناحيتها العملية - باقامة دولة فلسطينية علمانية تضم اليهود والمسلمين والنصارى بحيث تكون السطوة فيها طبعا لليهود. وفي هذه الأثناء تم ترويض الرأي العام الإسلامي والعربي المطالب بتحرير فلسطين المحتلة عام 48، فكان الطرح الرسمي العربي في تلك الأثناء يعمل على إحتواء الطرح الشعبي وامتصاص غضبه، ثم تغير الطرح بعد هزيمة 67 النكراء وأصبح الطرح الرسمي العربي يطالب باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي التي احتلت عام67، وواكب هذا التغيير جملة من الهزائم والمذابح والتنازع بين الأطراف العربية الرسمية أدت الى ارهاق الشعب وترويضه، وجعله يبدو كأنه يرضى بدولة على خمس فلسطين.

ثم عندما انخفض سقف المطالب العربية والفلسطينية، راحت (إسرائيل) تلعب لعبة جديدة وهي لعبة المستوطنات، فملأت الضفة والقطاع بالمستوطنات بعد أن أدخلت الأطراف العربية والفلسطينية في اتفاقات أوسلو السلمية وغيرها، والتي إنشغلوا بها بينما إسرائيل تستمر في بناء المستوطنات. وما أن إستهلكت مسيرات أوسلو ومفاوضاتها، ووصلت الى الطريق المسدود، حتى إندلعت الإنتفاضة وبدأت مسيرة الدماء الزكية تنهمر على أيدي يهود. ثم جاءت خارطة الطريق أخيرا بتوقف الإنتفاضة ولتعد الفلسطينيين بدولة لم يتبق لها من أراض تقام عليها. ووافق اليهود على هذه الخارطة وتبنتها الإدراة الأمريكية وظن الجاهلون أن اعتراف أمريكا و(إسرائيل) باقامة دولة فلسطينية هو مكسب للقضية الفلسطينية. مع أن الحقيقة التي لا مراء فيها أن أعداءنا في الغرب بزعامة أمريكا ومعها يهود لم يتبق لديهم شيء يسوقونه لنا الا فكرة الدولة الفلسطينية، وكأن مشكلتنا هي دولة كرتونية جديدة نتلهف لإقامتها. فالحقيقة أن مشكلتنا ليست الدولة فعندنا من مثلها كثير، وهي غثاء كغثاء السيل، ولكن مشكلتنا هي تحرير فلسطين من رجس يهود. هذه هي مشكلتنا فلا يجوز أن تختلط علينا الأمور الى هذا الحد.

يتبع إن شاء الله ...

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

وهكذا إذا أدركنا حقيقة المشكلة وواقعها إدراكا عميقا، عندها يمكن وضع الحل الجذري لهذه المشكلة. والحل الجذري هو الحل المصيري وهو الحل الشرعي الذي يرتضيه الله سبحانه لنا، وهو يكمن في الرجوع الى الكتاب والسنة واستنباط الحكم الشرعي منهما، قال تعال: ﴿ فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، وقال: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.

والقضية الفلسطينية وفقا لهذا الحل قضية مصيرية اسلامية باركها الله سبحانه. لقد اغتصب اليهود فلسطين يعاونهم الغرب والحكام العملاء الذين استمروا حتى الآن في ضمان أمن دولة يهود وفي ضمان احتلالها لفلسطين. والقضية المصيرية تقضي بأن تسترد هذه الأرض جميعها من قبضة الغرب ويهود بالجهاد في سبيل الله، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. وحتى يستكمل هذا الحل، لا بد له من تحريك الجيوش أولا للإطاحة بالحكام العرب الذين يحافظون على أمن يهود ويحرسونها من المجاهدين، لأن الجيوش الإسلامية لن تتمكن من القضاء على كيان يهود تحت إمرة هؤلاء النواطير. لذلك لا بد من إزالتهم واقامة حاكم مسلم واحد بدلا منهم يحكمنا بشرع الله ويوحد الجيوش ويوجهها لتحرير فلسطين من رجس الغاصبين. فالتفريق بين الحكم بالإسلام وبين تحرير فلسطين، والفصل بين القضيتين، لا يجوز شرعا ولا يصح واقعا. فالمسألتين متلازمتين لا مجال للإنفكاك بينهما. فعن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أعمال ثلاثة: لا أخاف جوعا يقتلهم، ولا عدوا يجتاحهم، ولكني أخاف على أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم".

وعليه فالقضية الفلسطينية بدأت مع سقوط الخلافة ولن تنتهي الا مع ميلادها من جديد. فدولة الخلافة هي القادرة على إنهاء حراس يهود في بلاد المسلمين، وطرد الأمريكان، وإنهاء نفوذهم، وتحريك الجيوش لتحرير بيت المقدس وكل أرض المسلمين السليبة، وإعادة فتح الأرض من جديد باذن الله لنشر الخير والحق والعدل وإنهاء سيطرة الزناة الفجرة عليها. ورد في تاريخ ابن عساكر، عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا الأمر يعني (الخلافة) كائن بعدي بالمدينة ثم بالشام ثم بالجزيرة ثم بالعراق ثم بالمدينة ثم ببيت المقدس، فاذا كانت ببيت المقدس فثم عقر دارها، ولن يخرجها قوم فتعود اليهم أبداً". أي أن الخلافة تكون بالمدينة المنورة وكانت، ثم بدمشق وكانت، ثم بالجزيرة شمال سوريا وكانت أيام الخليفه الأموي مروان، ثم بالعراق أيام العباسيين، ثم بالمدينة وهي مدينة هرقل القسطنطينية التي فتحها محمد الفاتح السلطان العثماني واتخذها عاصمة له بعد ذلك وأسماها إسلام بول، والتي قال بحقها الرسول صلى الله عليه وسلم:" مدينة هرقل تفتح أولا"، ومعنى إسلام بول مدينة الإسلام. وظلت الخلافة هناك حتى أسقطها مصطفى كمال اليهودي عميل الانجليز سنه 1924م. وبقيت المرحلة الأخيرة من مراحلها وهو قيامها وتحرير بيت المقدس لتنقل اليه وتستقر فيه في عقر دارها "عقر دار الإسلام بالشام" كما أخبر الرسول. أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله ان هذا يهودي خلفي تعال فاقتله الا الغرقد فانه من شجر اليهود". وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا ابن حوالة، إذا نزلت الخلافة الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام". فستقوم إن شاء الله ويحملها الرجال على أسنة رماحهم وحد سيوفهم محررين أرض الاسراء حاضنة قبلة المسلمين الأولى منهين أيام الألم والحزن. وردا على كل طامع أثيم بهذه الأرض المباركة، ستعلن القدس عاصمة لدولة الخلافة (وليس لمن أعطاها ليهود) إن شاء الله ليعود اليها عزها ومجدها من جديد، لتكون حاضرة العالم أجمع الذي ستحكمه بإذن الله العظيم. عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد زوى الله لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها". وبهذا ينتهي خض الماء في فلسطين وتنتهي الفتنة التي أخبر عنها محمد عليه الصلاة والسلام وتأتي السواعد المؤمنة التي تخض قلوب المجرمين وتحسم الصراع. عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب حتى ينادي مناد من السماء أميركم فلان" رواه الطبراني في الأوسط. وعن سليمان بن حاطب قال:حدثني رجل منذ أربعين سنة سمع كعبا يقول:" إذا ثارت فتنة فلسطين تردد في الشام تردد الماء في القربة، ثم تنجلي حين تنجلي وأنتم قليل نادمون"، وعن سعيد بن المسيب قال:"تكون بالشام فتنة كلما سكنت من جانب طمت من جانب، فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان"

كيف سقطت فلسطين ؟...تاريخ وعبرة

إن فلسطين أرض إسلامية سلمت للأعداء الكفار، وبلاد مباركة دنسها أحقر شعوب الأرض. أخرجوا منها اهلها بمؤامرات مع زعمائها، حتى غدا الأدعياء الدخلاء أصلاء، والأصلاء غدوا لاجئين ونازحين طريدين مشتتين.

في البداية ساوم يهود عليها الخليفة عبد الحميد رحمه الله فرفض أن يملكهم منها شبرا واحد ومقولته في ذلك وموقفه معروفان. ثم دارت الدوائر وهدمت الخلافة، وانتدبت بريطانيا على فلسطين من قبل عصبة الأمم لتكون كفيلة على تنفيذ وعد بلفور، وتحقيق فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين.

وقبل ذلك...عندما أخرج النصارى المسلمين من الأندلس سنه 1492م. أخرجوا معهم اليهود. وقد ذهب قسم من اليهود ليعيشوا مع المسلمين في دولة الخلافة. أما القسم الثاني فقد توزعوا في البلدان الأوروبية، ولكنهم وضعوا في (غيتووات) أي حظائر خاصة بهم منفصلين عن باقي الجماعات والسكان في الدول الأوروبية. وفرق كبير بين عيشهم مع رعايا الدولة العثمانية وعيشهم في أوروبا منعزلين منبوذين. أما الذين عاشوا مع المسلمين فإن قسما منهم أعلنوا اسلامهم، وأضمروا يهوديتهم، وهم يهود الدونمة في سالونيك وغيرها. وقد أخذوا يكيدون للدولة التي يعيشون فيها، ويدبرون المؤامرات. وقد التقى كيدهم هذا مع مصلحة بريطانيا وكيدها، و التي تحيك المؤامرات السياسية، وتتخذ أنواع الخداع لضرب الخلافة واضعافها آنذاك.

أعطى نابليون وعدا لليهود باعطائهم فلسطين، وأعطى ابراهيم باشا وعدا لليهود باعطائهم فلسطين. وكلا الوعدين لم تتح الفرصة لتنفيذهما، لهزيمه نابليون في فلسطين، وإخراجه نهائيا من مصر، ولإندحار ابراهيم باشا عائدا الى مصر بموجب اتفاقية لندن سنه 1840م. في 10 حزيران سنه 1916م. أعلن حسين بن علي (ثورته العربية)، وقاتل مع الكفار المستعمرين ضد دولة الخلافة العثمانية. هذه الثورة التي قال عنها اللنبي في تقريره الذي رفعه الى وزارة الحرب فور انتهاء القتال: ( إن ثورة العرب ضد الترك قد ساعدت الحلفاء مساعدة كبيرة في الحصول على نتائج فاصلة في الحرب). في 1917 أعطت بريطانيا وعدا لليهود باعطائهم فلسطين وطنا قوميا لهم، وفرضت نفسها منتدبة في فلسطين وعينت أول مندوب سامي عليها وكان اسمه هربرت صمويل، وهو يهودي، هذا بعد تنفيذها لإتفاقية سايكس- بيكو مع فرنسا.

وعندما إنتهت الحرب العالمية الثانية سرحت بريطانيا كثير من جنود مستعمراتها، وكان منهم حوالي 80 ألف يهودي، كانوا يساعدون بريطانيا في الحرب، لكنهم تحولوا الى عصابات الهاجانا واشتيرن والأرغون وغيرها، حيث قامت بأعمال دموية فظيعة في فلسطين، كما قامت بنسف بعض المراكز الحكومية تنفيذا لمخطط سياسي، ما جعل بريطانيا تعلن أنها تريد وضع قضية فلسطين في أيدي الأمم المتحدة، فتتخلص بذلك من المأزق الذي سببه قتال العرب ويهود في فلسطين. على إثر ذلك جاءت وذهبت وفود أممية الى فلسطين واستقر الرأي في النهاية على قرار بتقسيم فلسطين رقم 181 بين يهود الدخلاء وأهلها الأصلييين، إضافة الى القرار المجرم بتدويل القدس لإيجاد مدخل للغرب الكافر في شؤون القدس. ويجدر الذكر في هذا المقام أن فكرة تدويل القدس في الأصل هي فكرة بابويه.

خرجت بريطانيا من فلسطين، وفي نفس اللحظة أعلن قيام دولة يهود، وتبع ذلك فورا إعتراف الدول الكبرى بها وتبع ذلك دخول جيوش سبع دول عربية لحمايتها.

حصلت مذابح رهيبة من قبل اليهود ضد أهل فلسطين في تلك الفترة. وطبعا بدل أن تفعل الجيوش العربية شيئا اشتبكت مع بعضها. يا للعجب جيوش سبع دول لا تستطيع فعل شي، أم أنها الخيانة المدبرة ؟!!

صدر صك الانتداب في 1922، وصدر دستور حكومة فلسطين في 1922، وصدر الكتاب الأبيض الأول والثاني والثالث وجاءت عدة لجان تحقيق، ثم صدر قرار التقسيم في 1947، ثم اعلن قيام دولة يهود في 1948، ثم وقعت اتفاقيات الهدنة في رودس في 1949،كما اجتمعت من أجلها أكثر من خمس عشرة قمة عربية، ثم أوجدوت منظمة التحرير سنه 1964، ولحقتها منظمات اخرى. وقعت ثورة 29، وثورة 36-39 ، ووقعت حروب 48، 56، 67 ، 73، 82 ، ووقعت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر ودولة يهود، ثم اتفاقية أوسلو ثم اتفاقية وادي عربة ثم اتفاقية واي ريفر وغيرها. فوجئت الأمة الاسلامية باتفاق (غزة أريحا أولا) ووجدت سلطة الحكم الذاتي ودخلت قوات جيش التحرير وتحولت الى شرطة تلاحق وتطارد المسلمين دفاعا عن يهود وحفاظا على مصالحهم.

هكذا أخذ يهود فلسطين، وجاءت فترة المرحلة النهائية وهي إجراءات التوقيع والإمضاءات من الدول العربية والمنظمة ثم السلطة. ذهبت الوفود والأطراف الى مدريد بإشارة من بوش الأب، ثم انتقلت الى واشنطن، ثم طرحت فكرة: غزه - أريحا أولا، وإذا باتفاقية أوسلو تطل برأسها، وبدأت الهرولة: التواقيع في واشنطن، ثم التواقيع في وادي عربة، ثم التواقيع في واي ريفر والمفاوضات المكثفة في كامب ديفد الثانية، ثم طابا المتكررة وتنيت وخطة ميتشل وهكذا. وقبل هذا بفترة طويلة في 17 –9- 1978 وقعت مصر اتفاقية كامب ديفد الأولى. ولا ننسى اعتداءات اليهود المتكررة على لبنان ودخولهم مرتين حتى وصلوا بيروت، كما دخل اليهود مصر مرتين في 56 و 67 ومكثوا فترة طويلة على ضفاف القناة.

و في هذا السياق يجب ألا ننسى ما قاله اللورد اللنبي حينما دخل القدس سنه 1917 :"الآن انتهت الحروب الصليبية". هذا الرجل كانت تنعته الصحف البريطانيه آنذاك ب"العائد من الحروب الصليبية"، ولا يجب أن ننسى ما قاله موشى ديان في القدس سنه 1967:"الان انتقمنا لخيبر"، ويجب أن لا ننسى كلمة عرفات في الجمعية العمومية:"إنه ليعز علي الدم اليهودي كما يعز علي الدم العربي"، وكلمة الشيخ عبد الحميد السائح عندما كان رئيسا للمجلس الوطني الفلسطيني: "نحن واليهود أبناء ابراهيم. يجب أن نعيش في فلسطين معا بسلام"، ومقولة الملك حسين بعد أن وقع سلامه مع يهود:"لقد حققت حلم جدي منذ عشرات السنين". كما لا يجب أن ننسى كلمة عبد العزيز آل سعود حين وقع على كلمات: "إنني أوافق على اعطاء فلسطين لليهود المساكين". وهكذا يظهر أن الذي أوجد الحكام في البلاد العربية ووزع عليهم الصلاحيات المحددة هو الذي أوجد منظمة التحرير الفلسطينية لتتوج إنهاء قضية فلسطين عن طريق التنازل عن ما تبقى منها بعد أن تنصلت الأنظمة العربية من مسؤولية تحرير فلسطين بإعطاء المنظمة حق تمثيل الشعب الفلسطيني.

إن كل الإتفاقات الخيانية والتواقيع والإمضاءات والمفاوضات، ومن قبلها الحروب الهزلية والتمثيليات التي جرت في فلسطين، كلها لم تزد اليهود إلا غطرسة، ولم تنقص من الاحتلال شيئا بل زادت بفلسطين ضياعا فوق ضياع.

وبعد هذا السرد للأحداث والحالات التي أخذ اليهود بها فلسطين، هل بقي من أمل في أي نظام من الأنظمة القائمة في العالم الاسلامي ليقوم باسترجاع فلسطين؟ وهل بقي من ثقة في المنظمة أو السلطة أن تتولى أمر فلسطين؟. وفي الحقيقة، هل هناك من أحد منهم يمتلك إصدار القرار السياسي فيما يتعلق بقضية فلسطين؟ وهل هناك من يمتلك تنفيذ ذلك القرار؟ إن الأحداث والتجارب والوثائق والمؤتمرات كلها في مجموعها تعطينا الجواب الأكيد أن لا أحد. أللهم إلا اذا كان القرار يسوق وينفذ حسب طلب أسيادهم وأولياء نعمتهم.

ومن الجدير ذكره في الحديث عن تاريخ فلسطين وإنعكاسات ذلك سياسيا في التعامل مع قضية فلسطين أن الكثير من الكتاب والمؤلفين والمحاضرين والمفكرين المعاصرين، يتناولون فلسطين والقدس من جانبها المادي والواقعي، دون أن يربطوها بجانبها الروحي الذي قرر لها مكانتها وقدسيتها. وهم بذلك انما ينهجون نهج الغربيين، وينطلقون من وجهة نظرهم عن الحياة، وهي عقيدة فصل الدين عن الحياة. فهم يفصلون قضية فلسطين عن تاريخها الإسلامي وأثر الأحكام الشرعية المتعلقه بها، فتكون النتيجة بالتالي خلط وإنحراف عن الطريق القويم في التعامل مع القضية وحلها. وهؤلاء يتناولون بيت المقدس وما حوله ، تاريخيا، من البدايات الأولى عبر حقب متناهيه في القدم، ابتداءاً من اليبوسيين مرورا بمن دخلها واحتلها من أقوام كالفراعنة واليهود، ثم الآشوريين فالبابليين ثم الفرس والرومان والبيزنطييين الذين خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم هرقلهم ليدعوه الى الإسلام. وهذا التأريخ لبيت المقدس وأكناف بيت المقدس إنما قصد به هؤلاء إثبات أن العرب كانوا هم السابقين في بناء القدس وسكناها، حيث أن اليبوسيين هم كنعانيون، أي عرب كنعانيون.

و هذا هو الجانب المادي من موضوع فلسطين والقدس، غير أن هناك جانبا آخر ونظرة أخرى جاء الإسلام وبينها في حق فلسطين، وأصبحت هي المعتمدة والأساس من حيث الحكم الشرعي المتعلق بها وبتاريخها. فتاريخ القدس وما حولها في الإسلام يبدأ أولا من حيث قدسيتها. فقد أثبت القرآن قدسية القدس، أي ربطها بالعقيدة من حين نزول قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾. هذا قبل أن يظهر أن هناك مسجدا ثالثا، وهو مسجد المدينة المنورة، مسجد هجرته عليه السلام. وزاده الله قدسية أن بارك حوله، فكان موضع الإسراء المذكور في الآية الكريمة، وكان هو منطلق العروج به صلى الله عليه وسلم الى السماء. وجرت الأمور على طبيعتها، واستقر الأمر لرسول الله في الجزيرة بأسرها، وسارت الفتوحات وتسلم عمر بن الخطاب مفاتيح القدس من البطريرك صفرونيوس في حين كانت محاصرة بالجيوش بقيادة أبي عبيدة سنه 15 للهجرة، 636 للميلاد. ومن قدسية هذا المكان أنه ظل سته عشر شهرا قبلة للمسلمين في صلاتهم حتى تحولت القبلة الى الكعبة. أما الأمر الثاني من تاريخ القدس وأكنافها، والذي لا يفهمه المفكرون والمثقفون العلمانيون اليوم، والذي لا يريد أن يعيه من أوجد من أجل التنازل عن القدس وفلسطين ليهود، فهو طبيعة الأمر الذي استقر عليه وضع القدس وأكنافها عندما تسلم عمر رضي الله عنه مفاتيحها، وهو أن عمر أعطاهم وثيقة استقر عليها حال المكان من حيث الأمان، وصيانة معابدهم، و أخذ عليهم عهدا أن لا يساكنهم فيها أحد من يهود، على أن يدفعوا الجزية. وقد مارس النصارى فيها حياتهم اليومية على هذا الوضع المنصوص عليه في العهدة العمرية بهدوء وإطمئنان. وهذه العهدة العمرية موجودة يحتفظ بها البطاركة عندهم الى يومنا هذا. ومنذ تلك الساعات أصبحت أرض القدس وفلسطين أرضا إسلامية جرت عليها أحكام الإسلام وخضعت لسلطان الإسلام، وأمانها بأمان المسلمين، وسكانها يحملون التابعية الإسلامية، وغدت دار إسلام، يقاتل دونها. وحمايتها والدفاع عنها وإسترجاعها فيما لو طرأ عليها عارض أو تغلب عليها مغتصب إنما يكون فرضا على جميع المسلمين، والى يوم الدين.

وهكذا كما قلنا، فانه قبل نزول آية ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ ومن قبل تسلم عمر مفاتيحها، ما قبل هذا التاريخ لا يؤبه له، ولا قيمة له عمليا، سواء كانت مكانا للهيكل الذي يزعم اليهود به، أو مكانا للنصارى بوجود كنيسة القيامة. كل هذا أصبح الآن منسوخا لا اعتبار له، ولا قيمة له، وليس لهم الا ما أعطاهم الإسلام من ممارسة عبادتهم وطقوسهم الدينية، ولهم الأمان ما حافظوا على العهود والمواثيق. لأن صاحب الحق في الإثبات والنسخ وهو الله تعالى قد نسخ كل ما مضى من تاريخ، وما تعلق به من حقوق. وقد نسخها كلها وأثبتت الحقائق التي ابتدأت من حين نزول الآية المذكورة زمنا وعملا. فأحكام أهل الذمة، وأحكام الجزية، وأحكام حقوق المعاهدين والمستأمنين، كلها منصوص عليها بنصوص قطعية، وطبقت عمليا من قبل الخلفاء والولاة والعمال والقضاة.

هذا هو التاريخ الذي يجب أن يبني عليه المسلمون فقط نظرتهم لفلسطين وبيت المقدس المغتصب. وهو تاريخ رسمت ملامحة الأحكام الشرعية التي لا تتغير بتغير الزمان. وهذا التاريخ بأحكامه هو ما جعل المسلمين في سابق عهدهم يتعاملون مع فلسطين على الأساس الشرعي السليم حينما حرروها من قبضة الصليبيين الفرنجة بقيادة صلاح الدين الأيوبي. حينئذ لم يكن هناك تضليل وإنحراف في الفهم، بل استنارة في الوعي على الواقع والأحكام، فكان الجهاد ضد من أباد المسلمين قتلا وذبحا وتقطيعا وحرقا بالنيران. واليوم، فإن الإسلام هو الإسلام والأحكام المتعلقة بفلسطين والقدس هي نفس الأحكام والحل يجب أن يكون هو نفس الحل.

القضية الفلسطينية أكثر قضية مورس فيها التضليل

إن قضية فلسطين من أكثر القضايا التي مورس فيها الخداع والتضليل وقلب الحقائق وتعمد خلق وقائع وقضايا جديدة وجعلها موضع الاهتمام والبحث والحديث لطمس حقيقة القضية أو فروع منها، حتى أصبحت هناك أجيالا لا تكاد تعرف شيئا عن هذه القضية، إلا بما تجود به وسائل الاعلام المسيسة والموجهة من صانعي القرار الغربيين، ومن التافهين أشباه السياسيين من حكام المسلمين الذين يتبعونهم.

وقبل الحديث عن التضليل الذي مورس في فلسطين، لا بد من القول أن الغرب الصلييي لم يسلم بأن الاسلام إنتشر في ربوع العالم، وأقام حضارة عالميه كانت وبالا على نفوذه وهيمنته. فلم ينس ذلك وكرر محاولاته لإعادة تلك الهيمنة، سواء عبر التبشير والغزو الفكري، أم بإعادة إحتلال الأرض وسلخها عن البلاد الاسلامية الأخرى. ولعل الحروب الصليبية القديمة الحديثة والاستعمار الحديث أكبر دليل على ذلك.

ومن هذه الزاوية، زاوية الصراع العقدي والحضاري يجب أن ينظر الى إقامة دولة يهود في فلسطين لأن الغرب حريص على أن يكون إنتصاره على المسلمين أبديا. لذلك يحاول أن يركز هيمنته وانتصاره. وما إقامة دولة يهود في فلسطين إلا إحدى تلك الوسائل حتى يبقى هذ الكيان خنجرا مسموما في جسد الأمة يعيث فيه الفساد والإفساد، ويكون رأس جسر للغرب في قلب العالم الاسلامي. لقد التقى المخطط الغربي هذا بطروحات يهود وأحلامهم في اقامة دولة لهم في فلسطين، فكان أن حصل هذا الزواج النكد بين المخطط والطموح، حيث تبنت بريطانيا اقامة هذا الكيان المسخ، فأعطت اليهود وعد بلفور، ثم مكنتهم فعليا من اغتصاب الأرض واقامة دولتهم عبر مساعدتها المباشرة. وعند إقامة هذ الكيان سنه 1948 كانت الدول العربية المحيطة بفلسطين تحت النفوذ والإستعمار البريطاني الفرنسي، ولذلك فإن حكام تلك الدول كانوا جزءا من المخطط التآمري على فلسطين، فقاموا بما رسم لهم أسيادهم لتمكين اليهود من فلسطين ، وبعد ذلك سخروا الجيوش وأجهزة الاستخبارات لحماية يهود وأخذ إعتراف أهل المنطقة بها.

ورغم هذا التحالف الثلاثي بين حكام المنطقة والغرب ويهود، إلا أن موقف الأمة كان ضدهم، وهو أن فلسطين جزء من أرض المسلمين، وفيها مسرى رسولهم وثالث الحرمين، وأن اليهود الكفار وبرعاية الغرب الصليبي يريدون سلخها عن محيطها وبترها عن جسد الأمه. لذلك نادى الكل بتحرير فلسطين بالكامل ورفض وجود يهود.

وهنا أدرك السياسيون في الغرب أن (إسرائيل) كدولة، ستبقى مشروعا فاشلا ينتظر لحظة إنهائه، وأيقنوا أيضا أن اعتراف الحكام بيهود دون الشعوب لن يعطيها الشرعية المطلوبة، وعرفوا أن آلية تثبيت يهود -ليس فقط في فلسطين ولكن في المشرق العربي بأسره- يكمن في إنتهاج سياسة جديدة يتم بموجبها تطويع الشعوب، وبخاصة أهل فلسطين.

ومن محاور هذه السياسه التدليسية التضليلية ما يلي:

1. أوجدوا مشكلات ووقائع جديدة لتصبح هي محل البحث والإهتمام وتوجه الأنظار اليها بدلا من المشكلة الأساسيه، فقد سلم حسين بقية فلسطين والمسمى بالضفة الغربية الى يهود في تمثيلية 1967، وبمسرحيات مماثلة استولت دولة يهود على سيناء والجولان. وبالتالي أصبح هناك واقع جديد وإحتلال جديد للفت الأنظار عن الاحتلال القديم لجزء كبير من فلسطين، وتصبح المطالبة بالانسحاب من الأراضي التي أحتلت مؤخرا فقط. ثم ضمت دولة يهود أجزاء من الضفة الغربية اليها، وأنشأت المستعمرات، واتبعت سياسة القتل والتهجير الجماعي للفلسطينيين بعامة، ولأهل القدس بخاصة. وبذلك أوجدت مشاكل ووقائع جديدة على الأرض لتصرف الأنظار الى معالجتها.

2. حجموا قضية فلسطين بفصلها عن الاسلام و المسلمين، وإعطائها صبغة غير اسلامية، وسموها ( الصراع العربي الاسرائيلي). وقد أتخذت لهذا التحجيم أساليب متعددة وملتويه إشترك فيها الحكام في بلاد المسلمين وإعلامهم وكتابهم باطلاق شعاراتهم الوهميه المضللة، وإبعاد ذكر الاسلام عند ذكر فلسطين. ثم الحديث عن مساندة الفلسطينيين وحصر ذلك باللجان الرسمية، والأعمال الشعبية، وفض الناس عن هذه القضية، ثم ترديد الإعلام وبعض رموز الأنظمة بأن قضية فلسطين كلفت الدول كثيرا وأخرت التنمية، ثم الإقلال من الحديث عن فلسطين في الإعلام وإعادة صياغة المناهج التعليمية لتجهيل الأجيال الجديدة بواقع القضية، وتنشئتها على قبول الواقع الجديد (دولة يهود). أما الفلسطينيون المهجرون في الدول العربية، وخصوصا دول الجوار، فقد حيكت لهم المكائد والفتن والصراعات المسلحة بينهم وبين الأنظمة، وأحيانا شعوب تلك الدول، وذلك لإيجاد الحقد والكراهية وإبعاد المسلمين عن فكرة تحرير فلسطين. فشهد الأردن وسوريا ولبنان مذابح ودماء وشهدت الدول الأخرى التضييق والطرد الجماعي.

3. ثم حجموا القضية أكثر بفصلها عن محيطها العربي، وحصرها بالفلسطينيين وحدهم، واعتبارها ( صراع فلسطيني إسرائيلي).

4. ثم أعادوا تحجيمها أكثر من ذلك بايجاد قيادة فلسطينيه، واعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، لتقوم بمهمة التفاوض مع يهود والتنازل لهم عن فلسطين وإعطائهم شرعيه الوجود. وتم ذلك باسلوب خبيث ظاهره لا يوحي بذلك، وهو إشاعة فكرة أن الفلسطينيين هم أصحاب الحق في التحدث والتصرف في قضية فلسطين فقط. فقد أصدر مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط سنه 1974 قرارا باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وبذلك نفض الحكام العرب أيديهم من قضية فلسطين، علما بأنهم هم الذين سلموها وأضاعوها، وهم مسؤولون عن تحريرها. وحتى تغطى الجريمة الفظيعة التي سترتكبها بذلك القيادة الفلسطينية من جهة، ولإرضاء طموح أهل فلسطين واسكاتهم من جهة أخرى، رأت أمريكا وجوب اقامة كيان للفلسطينيين يسمونه ( دوله)، وليس له من مواصفات الدولة الا الإسم، واتخذت أساليب التضليل في صناعة قيادة أو زعماء من الفلسطينيين يجرؤون على القيام يهذه الخيانة. فقد إبتدأت تلك القيادة بفكرة تحرير فلسطين "كل فلسطين"، والقتال ضد يهود، وتجميع الناس تحت السلاح، واشاعة أجواء الحرب، حتى إستطاعوا جمع الناس حولهم، وأخذ قيادتهم. ولكن أعينهم وأعين أسيادهم الذين صنعوهم كانت تتطلع الى هذا الإستسلام الذي نراه ونشاهده اليوم. وقد إقتضى بناء هؤلاء الزعماء قتل وتصفية كل من يلمس ويشم منه رائحة الإخلاص، وما أكثر ما شهدته تلك المنظمة من قتل وتصفيات جسدية بين عناصرها.

أما موضوع الكيان أو الدولة الفلسطينية، فإن الإسلام لا يقر بكل هذه الحدود التي رسمها الغرب في بلاد المسلمين. والمسلمون لا ينقصهم أن يزداد عدد أعضاء جامعة الدول العربية. ولا يجوز أن ينظر الى هذا الكيان إلا ضمن الترتيبات التي ترافقه والظروف التي يولد فيها، والثمن الباهظ الذي سيدفع له.

من هذا الإستعراض الموجز جدا يتضح لنا أن المرحلة الحالية التي وصلت اليها قضية فلسطين كانت ثمرة لذلك المكر وتلك الجهود الحثيثة الخبيثة التي بذلها الغرب وأعوانه الحكام ويهود. وبناء على ذلك تسقط كل التبريرات التي يؤلفها ويروجها صناع الهزيمة، ومن يريد بيع بلاد المسلمين ليهود، بادعاء أن الظروف الدولية، وسقوط الإتحاد السوفياتي وتفرد أمريكا في السياسة الدولية، هو سبب بيعهم واستسلامهم ؟ وهذا باطل، فما كان الإتحاد السوفياتي يوما يؤيد تحرير فلسطين، ولا هم بدأوا مساومتهم وخيانتهم بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، بل منذ وجودهم. يقول هاني الحسن أحد زعماء منظمة التحرير بعد أن إعترف المجلس الوطني الفلسطيني بدولة يهود سنه 1989: إنهم إتحذوا قرار الإعتراف (باسرائيل) سنه 1969، ولكنهم احتاجوا الى عشرين سنه حتى يعلنوا ذلك، لأنه كان عليهم أن يقنعوا الشعب الفلسطيني بالتنازل عن 78% من أرض فلسطين. وتسقط مقولة أن الضعف والعجز العربي هو سبب الاستسلام والبيع. فالضعف العربي هم الذين صنعوه ورعوه، وهم الذين يحافظون عليه إستجابة لأسيادهم الكفار حتى تخضع الأمة لما يخطط لها. وتسقط مقولة أن إنقسام المسلمين والتشرذم العربي هو سبب استسلامهم وخيانتهم، فهم القائمون على إنقسام المسلمين، حراس الغرب في تمزيق الأمة، وهم الذين يحاربون عودة الإسلام الى الحكم وتوحيد بلاد المسلمين تحت لوائه، وهم القائمون على الإنقسام، حتى أنهم لا يتفقون على عقد مؤتمر قمة الا اذا أمروا بعقده مع علمنا بتفاهته. وتسقط مقولة أن (إسرائيل) وبالدعم الغربي أقوى من الدول العربية، لأن الأمة قادرة، وعندها الإمكانية ليس لتحرير فلسطين فقط، بل لطرد النفوذ الغربي من كل بلاد المسلمين. والأمة تتشوق للجهاد في سبيل الله، ولكنهم هم الذين يكبلونها، ويقفون حائلا بينها وبين قتال أعداءها، ويحمون أعداءها منها. والأمة الاسلامية التي دحرت الصليبيين وطردتهم من فلسطين واستوعبت الهجمة التترية والمغولية، وقاومت الإستعمار الحديث قادرة على العودة سيرتها الأولى، باذن الله، إن هي وعت على الحقائق، وضحت في سبيلها عن بعض حطام الدنيا. و تسقط مقولة ان الناس قد سئموا الصراع والحروب، فلنتوجه الى التنمية وتحسين ظروف الناس. فهذا باطل، فالمسلمون لم ولن ييأسوا، والجهاد معلوم لصغيرهم وكبيرهم أنه فرض من الله وأنه عبادة، ولكنهم في هذا العصر لم يخوضوا حربا فعلية ضد عدوهم لتحرير فلسطين. ولو خلي بين المسلمين وبين عدوهم بحرب فعلية لحرروا فلسطين منذ زمن بعيد، ولما كلفتهم عشر ما كلفته خيانات الحكام والحروب الوهمية والغطرسة والعلو اليهودي والإستسلام ليهود.

إن الذي يجب أن يدركه المسلمون اليوم هو أن قضية فلسطين ليست إستجداء يهود في جزء من فلسطين تقام عليها دولة للفلسطينيين بعاصمة لها في جزء من القدس أو أطراف القدس، ولا هي في التحدث في كيفية إيواء اللاجئين وتوزيعهم، وكم يدخل الى (دولة) السلطة، ولا في البحث في السلطة التي تعطى لهذه الدولة الناشئة، أهي كاملة أم ناقصة. فالقضية ليست في هذا كله، ولا ينبغي أن يكون. بل إن القضية هي أن بلدا إسلاميا إحتله عدو كافر حاقد من أشد الناس عداوة للمؤمنين لا حل له الا بالقضاء عليه قضاءا يشرد به من خلفه من دول الكفر، ومن ثم تعود فلسطين كاملة الى ديار الإسلام. ولولا الحكام العملاء يمنعون الجيوش من قتال يهود، بل ويحرسون أمن كيانهم، ويقومون هم والسلطة بالاعتراف بالمغتصب وتقزيم قضية فلسطين الى مفاوضة يهود على جزء مما اغتصبوا لعله يعيد جزءا منه مهما كان واقع السيادة على هذا الجزء المستجدى من يهود... لولا ذلك لإنتهت القضية منذ زمن. إن على الأمة أن ترتقي الى مستوى الأحداث، وتمتلك القدرة على الإدراك السياسي، فلا تنخدع كما انخدعت من قبل بالألاعيب السياسية التي يحيكها الكفار، فتسير خلف زعامات زائفة أبرزها الكافر لهم، لتجرهم الى الهلاك والضياع. فهذا زعيم الأمة كلها وذاك الأخ المناضل وذاك الشجاع مشروع الشهادة.... وما هم الا أدوات إنحطوا بالأمة، وتركوها تضيع في خرافات النصر الزائف، وما هي الا هزائم صوروها انتصارات باهرة تحت شعارات منحطة فارغة لم تدرك الأمة واقعها الا متأخرا، كالحرية والوطنية والقومية والاشتراكية والاستقلال المزعوم.

لقد سعت( إسرائيل) والغرب الى تحويل الصراع – بالمغالطة – من كونه صراع إسلام ضد كفر الى صراع عرب ضد يهود، ثم حولوه ثانيا الى صراع فلسطيني يهودي، ثم حولوه ثالثا الى صراع منظمات فلسطينية ضد (إسرائيل)، ثم حولوه أخيرا الى صراع أجنحة من حركات ضد ( إسرائيل). والله يعلم كيف سيحولونه مستقبلا بالمغالطة دفاعا عن يهود. إن تقزيم الصراع الإسلامي اليهودي الى هذا المستوى هو الذي ضمن ليهود البقاء. فاذا أدركنا مرامي اليهود ومن ورائهم الغرب، في عزل معظم الأمة الاسلامية وتحييدها عن الصراع، و إلهاء الجيوش في ضرب شعوب الأمة وحفظ العروش، إذا أدركنا ذلك كله فانه يتوجب علينا إرجاع الصراع الى صعيده الأصلي، ألا وهو صراع المسلمين ضد الكفار اليهود ومن ساندهم من الغربيين.

إن سياسة قلب المفاهيم الصحيحة وتحويلها بالتضليل الى أشلاء مفاهيم، أو الى مفاهيم كسيحة هي من أخطر وأخبث السياسات التي حاربنا بها الكافر المستعمر، ما أوجد الميوعة عندنا في الفكر والعمل. إن سياسة قلب المفاهيم جعلت الجهاد إرهاب، وبسبب هذه السياسة ألقى المناضلون القدامى السلاح وتحولوا الى مفاوضين عصريين خائبين لا شغل لهم الا إلقاء التهم على من لم يلق السلاح بعد، ونعتهم بأقبح الأوصاف وإدراجهم في خانة العنف والخيانة.

حكام العرب و المسلمين ... والقضية الفلسطينية

لقد توصلت شعوب العالم الإسلامي الى استنتاجات حاسمة في شأن الحكام واليهود وفلسطين، منها: أن الحكام لن يفعلوا شيئا لفلسطين، ولن يقطعوا العلاقات مع يهود مهما كانت الأسباب، ولن يعلنوا الجهاد لا ضد يهود ولا ضد أمريكا ولا ضد أحد، ولن يفتحوا الحدود للمتطوعين ولو قطعوا إربا إربا، ولن يدعموا من يجاهد في فلسطين مهما تكن الظروف، ولن يستعملوا سلاح النفط ولا حتى التلويح به، ولن يجمعوا على رأي واحد تجاه فلسطين، أو تجاه أي قضية أخرى، وسوف يتجنبون مجرد ذكر كلمة حرب في أي تصريح لهم، ولن يقاطعوا السلع، ولن يجرؤوا على إعلان (ولو كذبا) وقف المفاوضات نهائيا مع يهود أو وقف التطبيع معهم.

والحكام همهم الأول والأخير أن يبقوا في كراسيهم، وأن ينالوا الرضى من أسيادهم الذين نصبوهم. لذلك ما يفعلونه فقط هو أنهم يروحون ويجيئون، يسوقون الخطاب السياسي لأطراف اللعبة السياسية، على شعوبهم، باحثين فيها عن إيجابيات مزعومة، وغاضين الطرف طبعا عن ما فيها من إسلام لبلاد المسلمين وأهلها ليهود وأمريكا وأوروبا. فحاكم منهم يقول: إن خطة أمريكا في فلسطين متوازنة، وآخر يعلن: بأنها مهمة وايجابية، وثالث يصرح: أنها ينقصها بعض التوضيح، داعيا لإلتماسه في تفسيرات وزير الخارجية الأمريكي، عندما يزور المنطقة. يالها من مفارقات عجيبة!!؟. أمريكا وأوروبا ويهود يعملون لتحقيق أجنداتهم السياسية في بلاد المسلمين، والحكام آخر من يعلم، وآخر من يؤثر. هذا إن سمح لهم أن يعلموا وأن يؤثروا. والله إنه لولا أن الغرب يريد أن يضلل البقية الباقية من الناس ممن يظنون أن هناك دولا عربية وحكاما، لما جاء سياسيوه ليجلسوا مع الزعامات، ولاإكتفوا بمراسلي سفاراتهم لبعث الأوامر والتعليمات. لكن الغرب يريد أن يظهر للعامة من المخدوعين والمضللين من أبناء المسلمين، أنهم يناقشونهم ويفاوضونهم، و يقيمون لهم وزنا.

بعد هذه النتائج القاطعة والحقائق المؤلمة لم يبق أمام الأمة الإسلامية سوى المراهنة على نفسها وجهدها وتضحياتها المجردة والمنسلخة عن الحكام تماما في تحركها من أجل التغيير، ليس فقط في فلسطين ولكن في كل العالم الاسلامي بالطبع.

إن كل من يظن خيرا في هؤلاء الحكام عليه، مراجعة امكانياته العقلية مهما كانت درجة أميته السياسية بعد كل ما رأى وسمع منذ قيام دوله يهود، و حتى هذه اللحظة. وإن كل من يراهن على مجرد خطوة عملية ومفيدة من هؤلاء الحكام فهو جد واهم، فقد أصبح الصغير قبل الكبير، ومن عنده شيء عقل، يجزم بعمالة الحكام وعجزهم. إن كل الأسلحة التي اقتناها الحكام منذ 1948 وحتى الآن، والتي كلفت مئات المليارات، يعرف الناس أنها لقمع الشعوب ولن تطلق منها رصاصة واحدة على أصدقائهم اليهود المرتبطين معهم بعلاقات سرية وعلنية.

إن أحداث فلسطين الأخيرة كشفت عورات الحكام أمام شعوبهم، فقد جلسوا في مقاعد المتفرجين على ما يدور و يجري، لا يحركون ساكنا أمام ما يجري من مذابح في فلسطين. لقد فقدوا الحياء والاحساس، وجسدوا بمواقفهم تلك مقولة أنهم حماة كيان يهود المسخ، يدفعون عنه الاذى، و يذودون عنه، لا يستحيون من الله ولا يرقبون في عباده إلا ولا ذمة.

إن الحكام يصورون لشعوبهم أنهم لا يستطيعون قتالا، ولا يملكون خيارا الا هذا السلام المزعوم، ويكتمون حقيقة الأمر التي يعرفها القاصي والداني، وهي أنهم لعب متحركة بأيدي رؤوس الكفر. فلا تظهر قوتهم الا على شعوبهم. عليها يصولون ويجولون، وهم أمام أعداء الله أذلة خانعون.

ووظيفة هؤلاء الحكام أن يحرفوا الكلم عن مواضعه، فبدل قوله تعالى:﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾، يقولون: ساوموهم وفاوضوهم وسالموهم. وبدل قوله تعالى :﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ﴾ يقولون: تنازلوا لهم عن كل الأرض مقابل الإنسحاب من بعض الأرض. وهؤلاء لا يفتأون يسارعون الى أمريكا والأمم المتحدة، لعلها تجد لهم حلا. وهم يعلمون ويدركون أن الذي أنشأ دولة يهود هم من أوجدهم لنفس الهدف، وهم الذين ما زالوا يمدونها بالمال والسلاح والرجال. ولكن ماذا نتوقع من عجزة عملاء خونة !!؟

وإمعانا في التضليل والخيانة، فان حكام المسلمين يستخدمون علماء سوء، وظيفتهم حرف الفهم الصحيح عند العامة. وهؤلاء المشايخ جاهزون وعلى الدوام لتفصيل الأحكام لتناسب مقاس الحكام، لترضي أسيادهم من اليهود والأمريكان. يقول العلي العظيم في شأن هؤلاء: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾. وكأن هذه الأية نزلت في حق إمام الأزهر وغيره، و الذي خرج علينا – في آخر استعراضاته المخزية وغير المستهجنة – في كوالالمبور أمام حشد من علماء المسلمين ليقول: أن الهجمات الإستشهادية (ويسميها الإنتحارية) التي يشنها المسلمون في العراق أو الشيشان أو افغانستان بما فيها تلك الهجمات التي تشن على الإسرائيليين هي هجمات غير مبررة وأنها خطأ. وأضاف: إن التطرف ليس السبيل للتنفيس عن الإحباط. فلا حول ولا قوة الا بالله. يالفرحة يهود والأمريكان بك يا شيخ النظام !. إن هذا الرجل وغيره من علماء السلاطين، ممن يتجرأون على دين الله، خدمة لأسيادهم الحكام هو نفسه من صفع مواطنا مصريا على وجهه وسط ذهول الجميع لمجرد أن قال له: لماذا لا تحث الناس على الجهاد لتحرير فلسطين؟ فكان رده: روحوا جاهدوا. هذا ما نشرته جريدة الأسبوع الصادرة في القاهرة رقم 193 بتاريخ23-10-2000. ونحن نقول بدورنا له: ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾.

إن هذا الرجل الذي يعتبر الجهاد ضد يهود وغيرهم عملا ارهابيا لا يقره الشرع، وأن الإستشهاديين يقدمون على الإستشهاد بسبب مشاكل نفسية. هذا الرجل يمثل جميع العلماء المرتزقة الذين يعتاشون من لي أعناق النصوص بإشارة إصبع من الحكام الذين سيتبرأون منهم عندما يقف الجميع موفق الذل عند المنتقم الجبار ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ ﴾.

وعلى فداحة ما يخرج من فم (الإمام الأكبر) الا أنه لا يستغرب عليه، وعلى غيره من علماء السوء هذا الكلام. فهؤلاء قطعا ليسوا العلماء الذين يرثون الأنبياء كما أخبر النبي صلى الله عليهم وسلم، وهم قطعا ليسوا بالعلماء العاملين. بل هم الذين يشركون الحكام في العبودية مع الله عندما يزينون لهم أعمالهم ويبررون فعل الحرام لهم. نعم لايستهجن منهم ذلك فهم أداة طيعة عند الحكام وجزء من نظامهم الفاسد وهم شركاؤهم في جرائمهم، لأنهم لا يأمرونهم بالمعروف ولا ينهونهم عن المنكر.

وعلى المسلمين أن لا يأخذوا دينهم عن هؤلاء ، وقد ثبت أنهم من ركائز الأنظمة المهترئة الواجب التخلص منها. وعلى المسلمين أن لا يخشوا في الله لومة لائم وأن يقولوا لعلماء السوء في أنفسهم قولا بليغا بعد أن يكون لديهم من الله برهان على خروجهم ولوثاتهم، وأن يتهموهم اذا رأوهم على أبواب الحكام كما جاء في الاثر. والمقصود هنا نفر من العلماء باعوا أنفسهم للشيطان وقبلوا أن يكتموا الحق بل ويحرفوه. أما العلماء العاملين فان الأمة تتعلم منهم وعلى أيديهم، وفضلهم لا ينكر. يقول الله في علماء السوء والموقف الواجب تجاههم :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ ﴾، ويقول :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

إن حكام المسلمين هانوا فسهل الهوان عليهم. عندما اشتدت مجازر يهود ضد مسلمي فلسطين قبل عامين قام صحافيون عرب بسؤال سمسار أمريكا الكبير في المنطقة (حاكم مصر) سؤالا مفاده: هل ستحاربون اليهود؟، فأجاب: "حرب ايه يا ابني؟"، وهو يستنكر مجرد السؤال. وعندما اشتدت طبول الحرب التي تقرعها أمريكا ضد العراق، وقف نفسه يقول: لا أحد يستطيع تأجيل الحرب، ولا أحد يستطيع منع وقوعها.

إن هذه العينة من الحكام هي التي جرأت يهود وأمريكا على ذبح المسلمين، وهم يظنون أن الأمة غائبه، ولكنهم لا يعلمون أن الأمة ستنفجر فجأة، وسيتطايرون هم وبطانتهم شظايا، ويطير معهم كبيرهم الذي علمهم السحر. ومهما كثفوا أجهزة التنصت و القمع وإحصاء الأنفاس، فان نهايتهم ستأتي من حيث لا يحتسبون، لأن الله ولي الذين آمنوا، وهم أولياؤهم الطاغوت. إن أمتنا (خير الأمم) التي صدت المغول والتتار وهزمتهم وهزمت الصليبيين، لكفيلة باعادة الحق الى نصابه ولو بعد حين باذن الله تعالى، وسوف يطلع فجرها رغم أنف المنافقين المعاندين. فهل بقي من بسطاء المسلمين، وحسني النية فيهم، من لا زال يثق بهؤلاء الحكام؟ وهل بقي من يعول عليهم فعل شيء من الخير لفلسطين أو غير فلسطين من أرض المسلمين؟ إنه لم يبق عذر لمعتذر أوحجة لمحتج، فمن لم يعمل لتغيير هؤلاء العملاء وهو قادر على ذلك، يكون مشاركا لهم في جرائمهم. إن جهود الأمة يجب أن تتجه نحو هذا الهدف. ولئن كان يلتمس العذر فيما مضى لبعض المضللين من الذين ظنوا أن خيرا قد يأتي من هؤلاء المتسلطين على رقاب المسلمين، فاليوم لم يعد هناك مدخلا للتضليل، فالأمور قد انكشفت والحكام أنفسهم يجاهرون بولائهم للغرب وبخاصة أمريكا وربيبتها يهود، ولم يعد الحكام يستخفون لا من الله ولا من الناس.

إن مطالب الشعوب المسلمة الآن، وبعد أن سقط كليا خيار الحكام والعمل من خلالهم، تتمحور حول قلع هؤلاء الرويبضات. ولأنهم لن يرحلوا طواعية ولن يتزحزحوا عن كراسيهم، ولأنهم مصدر الداء والبلاء، ولأنهم العقبة الأخيرة أمام الأمة كلها للتحرر، فلا بد من ازالتهم والتخلص منهم. وهذا ما سيحصل باذن الله قريبا، ومهما عملوا على تأخيره، فسيأتيهم، وعنده سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وستنتقم الأمة منهم شر نقمة.

رجال السلطة والقضية الفلسطينية

إن ما جرى، ويجري في فلسطين اليوم من شجاعة فائقة للمسلمين في مواجهة يهود، قد كشف حقيقة جريمة المفاوضات التي خاضها ويخوضها رجال السلطة في فلسطين مع يهود، مقرين بكيانهم ومحاولين التعايش معهم رغما عنهم بكل ما أوتوا من قوة و مقرين لهم بالسلطان والسيادة على معظم فلسطين.

ورجال السلطة لا يزالون مصرين على (إخضاع) يهود لإستمرار المفاوضات معهم، والإنصياع للقرارات الدولية ذات الصلة، ويعدون ذلك مطلبا، مهما وإنجازاً متقدماً، على الرغم من رفض يهود المتواصل. فرجال السلطة لن (يسمحوا) ليهود بأن يخربوا عملية السلام، وهم مستعدون لكل المذابح في سبيل هذا السلام. ويهود عند هؤلاء لا يعرفون مصلحتهم، وهم قاصرون، ولا يجب أن تقابل مجازرهم إلا بالورود، ولا بد لسلام الشجعان من أن يتحقق رغم أنف يهود.

إن المجازر التي تحصل في فلسطين لم ولن تقنع رجال السلطة بأن يتجهوا الى الرشد والصواب. وكيف لهم ذلك وقد أوجدوا من أول يوم لتصفية فلسطين لحساب يهود. إنها لإحدى الكبر أن لا تكفي الدماء الزكية في فلسطين لأن تعيد لرجال السلطة شيئاً من إحساس او حياء. ألم تكف هذه الدماء لإقناعهم أن الإعتراف بكيان يهود جريمة، والتفاوض معهم خيانة؟! أليس من عجائب الدنيا أن يناشد رجال السلطة المجتمع الدولي وعلى رأسه امريكا الصليبية بعد كل مجزرة أن يتدارك الأمر حفاظا على استمرار (العملية السلمية) وخشية (تعميق الجراح والكراهية)؟!

إن رجال السلطة يتخذون من تسخين الأجواء أوضاعاً لتحسين شروط المفاوضات، والتلاقي في المؤتمرات. وهم يتخذون الدماء الزكية التي تسيل تكأة لتنفيذ المؤامرات الخيانية في فلسطين. لقد وصلت جرأتهم حداً فظيعا لدرجة انهم يتآمرون ويتواطؤن مع امريكا ويهود لسفك الدماء الزكية في فلسطين كطريقة لترويض أهل فلسطين للقبول بالحلول، بدل ان تكون هذه الدماء الطاهرة طريقاً للقضاء على كيان يهود وإعادة فلسطين الى ديار الاسلام.

إن ما يدور في فلسطين لمفارقات مضحكة مبكية: فرجال السلطة مشغولين بما يسمى الإصلاحات والتعديلات والإنتخابات، تعزل هذا وتعين هذا، وكلاهما لا يمت الى تحرير فلسطين من يهود أو بسط سلطان فعلي على أي جزء من فلسطين، بينما يهود مشغولون ببسط سلطانهم على كل فلسطين، ومشغولون بقضيتهم المركزية، وهي إرتكاب المجازر والإغتيالات، يفعلون ذلك بتسارع وتباطئ حسب ما تقتضيه السياسة والظروف والأحوال. اليهود يبطشون ويقتلون ورجال السلطة لا زالوا يطالبون بالتفاوض والمحافظة على الإتفاقيات و(سلام الشجعان)، ويستمرون بالتنازلات التي تدفع يهود للمطالبة بأخرى!!؟.

مفارقات عجيبة غريبة: اليهود يعملون باخلاص لقضيتهم، ورجال السلطة يمسخون قضيتهم (هذا إن اعتبر أحد أن لهم قضية). مهمتهم الأساس كيف لا يغضبون أمريكا ولا يجرحون مشاعر أوروبا، بعد أن جعلوا الأرض المباركة ميدانا للصراع تصول فيه أمريكا وتجول، وتحاول أوروبا اللحاق بالسباق ليكون لها نصيب من المصالح والنفوذ. أما رجال السلطة وحكام العرب، فيصفقون للسابق، ولا يقطعون الود مع اللاحق. مبلغ همهم بقاؤهم فوق عروشهم، لا يضرهم سيطرة يهود على البلاد والعباد ما داموا هم يلمسون كراسيهم باقيه تحتهم.

ونتيجة لخيانات رجال السلطة، فهم لا يملكون حق السيادة على الأرض، ولا على المياه ولا على الأمن، ولا على المعابر ولا على الإقتصاد. كما لا يملكون حق القرار المستقل في الناحية السياسية، ولا التشريعية ولا الإقتصادية، ولا الأمنية. وقد قبلوا بكل ذلك فيما وقعوه أمام العالم من اتفاقيات، والتزموا به ليهود. كما قبلوا أن يكونوا أدوات بيد يهود للمحافظة على أمنهم ومستوطناتهم، ومنع أية مقاومة لهم من أفراد الشعب الفلسطيني، ومنع أي نقد أو مهاجمة قولية أو كتابية لهم في جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، ومنع الخطباء من التعرض لهم بأي سوء ولو بآيات القرآن أو الأحاديث النبوية. هذا قليل من كثير قبل به رجال السلطة وبمشاركة وتأييد حكام المسلمين خصوصا في الدول العربية. لكن كل اتفاقياتهم وتنازلاتهم باطلة لا تلزم الأمة الإسلامية لا الآن ولا في المستقبل بعد تطهير الأرض من أنظمتهم قبل تطهير فلسطين.

إن رجال السلطة الظلمة يتبعون أهواءهم وأهواء يهود وأولياءهم الأمريكان، وصدق الله اذ يقول في أمثالهم :﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾. نعم، هؤلاء هم أبطال مدريد، وعرابو أوسلو الذين اكتفوا من الغنيمة أن يقال عنهم أبطال سلام. ورحم الله الأيام الخوالي عندما قال المخلصون في أواسط الستينات أن منظمة التحرير ما أنشئت الا للتنازل عن أرض فلسطين والإعتراف بكيان يهود على الأرض المقدسة. عندها، هاج البعض وماج، وسخر وشتم، وهدد وتوعد، ونفخ وأزبد، بل صرخ عاليا حتى ضجت منه الآذان، أن الثوابت عندنا: تحرير فلسطين كل فلسطين، ولن نساوم على ذرة تراب واحدة من أرض فلسطين .... هذا ما كانت اذاعة صوت فلسطين صوت الثورة من بغداد تصم به الاذان. واليوم... أين هذه الشعارات وهذه الأغاني!!؟، وأين هذه الثوابت المزعومة!!؟. أسلقتها شمس أمريكا فتبخرت؟ أم أن هذه الدعوة كانت ضلالا وكفرا فاهتدى الناعقون بها أخيرا الى الحق؟. ما الذي حدث؟ لعلهم قرؤوا في التاريخ أننا لا نملك هذه الأرض، أو اكتشفوا أنهم يجهلون بالجغرافيا، فاكتشفوا أن أرض فلسطين أرض يهودية لم يفتحها عمر بن الخطاب، ولم يحررها صلاح الدين!! ما الذي حصل؟ هل اكتشف هؤلاء انهم كانوا مخطئين عندما نادوا بتحريرها، وعندما نعتوا الداعين للصلح مع يهود بالعملاء الخونة؟ أتراهم بعد ذلك فكروا وقدروا فقتلوا كيف قدروا ... فقالوا نريد أن نحقن الدماء. أي دماء يريدون ان يحقنونها!!؟ دماء لبنان التي سفكت فسالت أوديه !!؟، أم الدماء التي سفحت ظلما في الأردن وتونس؟. أية دماء هذه التي يريدون حقنها وهم الذين دعوا للإنتفاضة الأولى فتآمروا على شهدائها، وأنجبوا على اثرها بنت سفاح ... مؤامرة اوسلو!!؟. ولم يكتفوا بذلك، فدعوا لإنتفاضة ثانية سطر خلالها أهل فلسطين الميامين بطولات يأبى التاريخ إلا أن يكتبها بسطور من نور، ولا يزال مخيم جنين شاهد عليها. فهل كانت هذه الدماء جسراً يوصلهم راكعين لأعتاب البيت الابيض؟، وهل أرادوا أن يقدموا هؤلاء الشهداء قرابين لسادتهم ليتنازلوا عن مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟. لا والله ما لهذا قاتل المجاهدون في فلسطين.

سقط القناع وظهر الوجه الذميم وراءه. سقطت شعارات التحرير لكل الأرض ودحر يهود، وبدأت شعارات أخرى: اركعوا فهذا ليس عصر الجهاد، اعبدوا أمريكا واتقوها ما استطعتم، فالقول ما قالت، والحق ما أمرت، والعدل ما حكمت. لقد ولى عهد ما سمي بالمقاومة والدفاع عن الحقوق، وجاء عهد الخضوع والخنوع والانقياد. جاء عصر ملاحقة المخلصين والقضاء على كل من يرفع سلاح في وجه يهود. نعم هذه هي شعارات من ترضى عنه أمريكا، ومن ترضى عنه قطعاً متهم عند المسلمين ولا خلاق له. إن أمريكا تصنع تلك القيادات على عين بصيرة، لتمرير مخططاتها وسياساتها. وهي تعلن رضاها عنهم على رؤوس الأشهاد لتضليل بعض السذج، ودفعهم لدعم تلك القيادات المنبطحة. ماذا قال الرئيس الأمريكي عن رئيس الحكومه الفلسطينية الأسبق عندما جاء الى العقبة في آخر زياره له؟ قال عنه: انه رجلنا الذي نثق فيه. أما رئيس الوزارة، بدوره، فقال في نفس المناسبة: "لا نتجاهل آلام وعذابات اليهود على مر العصور، وسنعمل على انهاء هذه العذابات"، وقال أيضا: "لا يوجد عداوة بين الشعب الفلسطيني والشعب الإسرائيلي". ذلك قولهم بأفواههم، والله القوي العزيز يقول:﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ﴾. فمن نصدق؟ المنتقم الجبار؟ أم من يقول: سنجمع سلاح المقاتلين المجاهدين، وسندس كل من يخالف ذلك في غياهب السجون، وسنوقع بهم أشد أنواع العذاب!!؟

إن حكومة الفلسطينيين العتيدة، المرضي عنها أمريكيا، مصممة على محاربة ما يسمى بالارهاب، وعلى جمع أسلحة المجاهدين، بل وعلى قتلهم واعتقالهم إذا لزم الأمر، ولو كانوا من نفس تنظيم رئيس الحكومة ووزرائها. بل إن الحكومة إستحدثت جهازاً أمنياً جديداً لمكافحة هذا الإرهاب، أي لحرب المجاهدين. كل هذا يحصل لإرضاء أمريكا حتى تقتنع أننا أهلا لمنحنا دويلة أو أي شيء تريده. و كل هذا يحصل، بينما يهود يعملون في مسلمي فلسطين القتل والتشريد، فلا حول ولا قوة الا بالله. ألهذا كانت كل هذه التضحيات!!؟ الهذا كان كل القتل والإغتيالات!!؟ ألهذا كان كل التدمير والتخريب وهدم البيوت؟ ألهذا كانت كل هذه الأعداد من الشهداء والجرحى والمعتقلين؟ ما الفرق إذن بين ما قبل 28-9 بداية الإنتفاضة، وبين ما سيأتي في قابل الأيام حسب ما يريدون تنفيذه من خيانة؟ لا فرق. فقد خانوا مسلمي فلسطين وطعنوهم في ظهورهم وتآمروا عليهم. يقول عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.

إن هؤلاء (الأبطال)، أبطال مدريد وأوسلو يوهمون أنفسهم، ويريدون إيهام أهل فلسطين المخلصين أن ليس لديهم خيارات لأن العراق قد انتهى، والعرب قد طبعوا وسالموا، والكل قد تخلى عنا، وأنه لا أحد فوق الإرادة الامريكيه... وكأن العراق ببعثيته واشتراكيته البائدة كان سيحميهم !!، وكأن العرب ليسوا متواطئين على فلسطين منذ اليوم الاول !!. أم أنهم كغيرهم من حكام المسلمين مصنوعين للتنازل والتفريط والخيانة !!؟ أين ذهب شعار فلسطين من البحر الى النهر؟ وفيم كان كل هذا القتل والتدمير والخراب والحصار !!؟. إن سئلوا فسينغضون رؤوسهم ولا جواب، وإن تجرؤوا وأجابوا، فكذب كلامهم. ومن كذبهم إسطوانتهم المشروخة التي تعلموها من حكام المسلمين المنبطحين، والتي تردد أن ميزان القوى الدولية ليس في صالحهم، وأن هذا أقصى ما يمكن فعله، وأن على هذه القوى أن تمن عليهم أو تساعدهم. بئس ما يقولون. فمنذ متى كانت القوى الدولية، قوى الكفر والعداء للاسلام، ترد للمسلمين حقا أو تدفع عنهم ضيما أو تنكأ لهم عدواً، وقد إكتوى المسلمون بنار تلك القوى في كل مكان؟.

إن قولهم أننا ضعفاء وأن موازين القوى ليست في صالحنا قول هراء وهو فاسد. فالضعف ليس علة للتنازل ولا لإرتكاب الخيانات والمعاصى والآثام ولا يوجد دليل شرعي يدل على هذا المعنى. إضافة الى أن المسلمين ليسوا ضعفاء البتة، فعندنا من القوة ما يكفي لقبر دولة يهود لأنه لا ينقصنا المال ولا الرجال ولا العتاد، ولا ينقصنا الا القرار السياسي المعدوم بوجود حكام النذالة والخسة... القرار السياسي الذي يساعد رجال السلطة وبقوة على إستمرار جعله معدوما باعترافهم بحق اليهود في فلسطين ومكافأتهم بتقديمها لهم هدية بعد أن تستأصل كل معارض ومجاهد.

لكن رجال السلطة لا يستحيون ولا يخجلون، فهم أحفاد أبي رغال وشاور وابن العلقمي، بل إنهم تفوقوا عليهم. وهل بقي أحد لا يدرك أن السلطه في فلسطين إستغلت ولا زالت، دماء المسلمين التي تسفك على أيدي يهود لتسريع عجلة المفاوضات؟ وهل بقي أحد يصفق لما تتشدق به من حرص على الحقوق والتزام بالثوابت؟. يستمر يهود في جرائمهم في مشهد يدمي كل صاحب حس ومع ذلك يتقابل رموز السلطة مع يهود على موائد عامرة يتجاذبون أطراف الحديث كأن هؤلاء القتلى وتلك البيوت المهدمة لا تعنيهم. تتنافس حكومات يهود على الجرائم في فلسطين، ويجيب المفاوضون الأشاوس أنهم يفضلون اليسار الإسرائيلي و حزب العمل اليهودي، مع أن أكثر المصائب التي نزلت بأهل فلسطين كانت على يد حزب العمل المفضل لديهم. يصرح يهود بأن لا إزاله للمستوطنات، وأن لا لعودة اللاجئين، وأن لا لرفع الحصار... ويجيب الفلسطينيون أبطال السلام: لعل هذه التصريحات انتخابية، وأن السلطة لا تحب أن يسجل عليها العالم رفض السلام، لا بل هي شأن إسرائيلي داخلي. يصرح مسئولو السلطة وعلى الدوام أن الحوار مع يهود هو حوار طرشان، وتستمر المفاوضات، وتتهم السلطة الحكومات الإسرائيليه ورؤساءها بإرتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني، وتطالب بمحاكمتهم دولياً كمجرمي حرب، ثم تدعو لعقد مفاوضات مكثفة معهم. وهكذا يظهر أنهم يناورون ويتآمرون على دماء الشهداء الزكية لترويض الناس لقبولها ولو بالحديد والنار، لتثبيت كيان يهود المسخ في الأرض المقدسة. وهكذا ينكشف كيف يتنازل من يزعمون أنهم ممثلو فلسطين عن البقية الباقية من فلسطين بعد أن تنازلوا عن أل 48 وباعوها ونسوها. هؤلاء فقدوا الحس والحياء، وفاقد الحياء لا يدري أية جريمة يصنع، ولا في أي ذنب يقع، فقد صدئت قلوبهم وفقدوا التفكير السليم منذ زمن بعيد بعد أن قبلوا أن يبيعوا دينهم بدنياهم وكرامتهم بكراسيهم.

ثم إن رجال السلطة دأبوا على اختزال القضية الفلسطينية في قضايا ثانوية يفرضها يهود حتى يصبح حل هذه المشاكل الفرعية وكأنه مطلب للشعب الفلسطيني، وتحقيقه يصور انتصاراً وطنياً. وحكام فلسطين يفعلون ذلك لأنه ليس لهم قضية في الأساس يعملون لها بإخلاص، ولأنهم ليسوا لاعبا أساسيا في الساحة السياسية، وكل عملهم ردات فعل لما يفعله يهود ولما تحاول أمريكا إنتزاعه من يهود لهم. فقضية الجدار العازل الذي تبنيه (إسرائيل) اليوم أصبح هو الموضوع عندهم، وأصبحت عملية السلام في (خطر شديد) بسببه، وهو جدار (عنصري) لأنه يفصلنا عنهم، وهو جدار غير إنساني ويجب أن تقاضى (إسرائيل). وفي المقابل يستمر يهود في أعمالهم مدركين تأثير تصريحات سياسيو السلطة، وأنه يجب على هؤلاء أن يتلهوا بشيء. وقبل الجدار كان موضوع القتل والإغتيالات، وأن توقفها مغنم يمكن أن يسير بالأطراف الى طاولة المفاوضات !!. ومن الأمثلة على هذا النهج التقزيمي والتضليلي للقضية موضوع المستوطنات والمياه والإقتحامات وهدم البيوت !... فهل كانت الطرقات قبل الإنتفاضة مغلقة؟ وهل كانت البيوت تهدم كما اليوم؟ أليس من الخيانة أن تكون مطالبهم أن ينسحب يهود من الأراضي التي اجتاحوها؟ وأن يفك قيد الأسرى الذين أسروا؟ وأن تفتح الطرقات لتعود الأوضاع الى ما كانت عليه قبل أن تبدأ الإنتفاضة!؟. إن هذا لشيء عجاب!!. أم كان كل هذا القتل والحصار والجوع والتدمير والخوف، ونقص الأموال والأنفس حتى يحسن وضع المفاوض الفلسطيني المغوار؟ الذي باع البلاد وما فيها من عباد !!. وأي تحسين لوضعه وهو الذي تنازل عن كل شيء، وليس عنده سقف للتنازل؟. هل كانت دماء الشهداء لأجل أن ينتفع بها أصحاب شعارات "الوحدة الوطنيه والمصالح العليا للشعب الفلسطيني"؟. إن الشهداء الذين قضوا لو أجابوا لقالوا: إن جهادنا كان لنيل رضوان الله باخراج الكفار اليهود من أرض الاسراء والمعراج، ولقالوا: إنا برءآء مما يصنعون. أما رجال السلطة فيعتبرون أن التنازل عن فلسطين والحفاظ على كيان يهود من هؤلاء المجاهدين وإيقاف المقاومة محافظة على المصالح التي يسمونها عليا للشعب الفلسطيني. كما أنهم يبيعون فلسطين تحت شعار "الوحدة الوطنية" الذي يراد منه وقف الجهاد والمقاومة للمخلصين بحجة مصالح عليا. أيعقل أن توجد ثورة هدفها تحرير الأرض من المحتل، فاذا بها تتحول الى الحفاظ على أمن المحتل !!؟ والله ما سمعنا بهذا من قبل؟ وصدق الله العظيم اذ يقول: ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾.

ثم يأتي موضوع الهدنة

أو وقف العمليات ضد يهود

ليتوج رجال السلطة بذلك الإنبطاح والسير في المخططات المرسومة. فلم تكن الدعوة للهدنة صدفة بعد مؤامرة وخيانة العقبة، ولم تكن المطالبة بها موجودة قبل خارطه الطريق، فهو سير في مخطط الكفار وجزء من تصفية القضية. وهو في نفس الوقت كالذي يخلي بينه وبين جلاده يذبحه. والمطلوب طبعا تفكيك الحركات التي تدعو الى مقاومة يهود ونزع سلاحها حتى ولو قبلت بالهدنة.

إن دماء الشهداء ليست موضع مساومة وبيع وشراء ومتاجرة، فهي لم تسفك لأجل أحد يأتي ليغدرها ويستغلها في إمضاء هدنة أو اتفاق هدفه الأساس القضاء على من يفكر في جهاد يهود. إن على الحركات التى تتحدث عن هدن أن تعي أن جهاد يهود لا يلتقي بحال مع السير في بيع فلسطين ليهود، وعليهم أن ينتبهوا أنه يراد لهم المشاركة في مخططات التصفية تحت مسميات وذرائع مختلفة، وعليهم أن يرفضوا السير في هذا الطريق وأن يعوا أن من يقدم الشهداء لم يأخذ تفويضا من الله سبحانه بأن يسير في هذه المخططات. إن أحداً لا يملك الشهداء ولا الأرض المقدسة حتى يسوغ السير والإنخراط في خط التصفية للقضية الذي لا يرضى الله ولا الشهداء الذين بذلوا أنفسهم وبذلوا أغلى ما يملكون.... كلا والله. إن على هؤلاء أن يتوقفوا عن الإنخراط في خدعة ما يسمى بالهدنة وأن لا يكونوا ﴿ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا ﴾. كما يجب عليهم أن يقطعوا أن من يسير في بيع فلسطين لا يمكن أن يلتقي مع من يريد أن يحررها !!؟ إلا اذا كان ذلك الإلتقاء من أجل الاحتواء. ألا يرون من يتابع ويرعى ويهتم بموضوع وقف العمليات واستمرار الهدنة !!؟. ألا يفهمون ما معنى أن يرعى رئيس مخابرات أكبر دولة عربية هذا الأمر. ألم يشاهدوه يحمل إتفاق الفصائل في القاهرة ويطير به الى السي آي أي في اليوم التالي بعد آخر لقاء للفصائل عقد في القاهرة ؟ ألا يرون أنهم هم المقصودون من كل ما يجري؟ فلا حول ولا قوة الا بالله.

ورجال السلطة يعاونهم علماء، باعوا أنفسهم للشيطان، يحاولون مع كل خيانة وتنازل تزيين ذلك وإلباسه ثوب الشرعية، وهم بذلك يسيئون الى الإسلام العظيم. ومثال هذ التزوير الرهيب ما قاله بعضهم عن إتفاق أوسلو من أنه فتح عظيم يشبه فتح رسول الله صلى الله على وسلم ودخوله مكة، أو أن الهدن لها أصل في الحديبية. وهذا افتراء وتزوير وقح. ذلك أن فتح مكة وصلح الحديبية قررهما الرسول الكريم من عرين الدوله الإسلاميه، ولم يشاركه القرار احد من الكفار. بينما قررت كل الإتفاقات مع يهود في عواصم دول الكفر ومن قبل الكفار وبإمضائهم، وسار في تنفيذها بعض من يزعمون أنهم من أمة الإسلام طوعا أو كرها. ثم إنه عليه الصلاة والسلام فاجأ قريش بجيش الفتح فإستسلمت له، فدخلها بجيشه فاتحاً منصوراً عزيزاً كريماً. أما القائمون على الإتفاقيات مع يهود فلم يأتوا فاتحين ولا أعزة ولا كرماء، بل أذنت لهم (إسرائيل) بالدخول منزوعي السلاح تحت حراب يهود وفي قبضتهم. يضاف الى ذلك أن فتح مكة جعل للمسلمين سلطانا فيها، وجعل السيادة للشرع، أما إتفاقيات الفلسطينين فقد جعلت السلطان للكفار على المسلمين في فلسطين، وليس لرجال السلطة من الأمر شيء ولا يملكون أمرهم، وصدق رسول الله فيهم في حديث أخرجه أحمد في مسنده "... وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم بشيء".

ورجال السلطة لا يمثلون أهل فلسطين، وهم كغيرهم من أنظمة الحكم في بلاد المسلمين لا ترضى عنهم شعوبهم بل هم متهمون لديها. ولو خلي بين الناس في فلسطين، لاختاروا الإسلام لا الإستسلام شريعة، ولنصبوا عليهم من يحبونهم، ومن يأخذ بيدهم، ومن يوحدهم ويطبق شرع الله فيهم، لا من يتآمر عليهم ويسلمهم ويحارب وحدتهم وجهادهم. وأما موضوع "الممثل الشرعي والوحيد"، فقد جعلوه شرعيا ووحيداً حتى لا يحاسبه أحد عندما يخون ويتنازل.؟!. ويهود والأمريكان من وراءهم، يدركون أن الحكام جميعهم ليسوا شرعيين ولا يمثلون إرادة شعوبهم، لذلك فهم يعملون على جعل أفكارهم السياسية، من سلام واستسلام، وتنازل عن الحقوق، وأخذ الديمقراطية، ثقافه جماهيرية عند المسلمين. لكن خاب فألهم وخسئوا، فهم يحاربون الله. قال عز وجل :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾.

إن من يظن من المسلمين أن الإعتماد على الغرب وتحركاته السياسية وإرسال المبعوثين، يغدون ويروحون...إن من يظن أن في هذا نفعا لفلسطين يكون واهما مخدوعا، هذا مع إفتراض حسن النية في من يظن، فكيف بمن يعتمد على الغرب ويواليه، غادرا بأمته، خائنا لقضيته، يداوي عامدا بالتي كانت هي الداء!!؟ أليس الغرب نفسه هو الذي زرع دولة يهود في فلسطين، وأمدها، وما يزال، بأسباب الحياة الإصطناعية ليستطيع من خلالها، ومن خلال توابعه من العملاء، أن يحفظ مصالحه ويبقي على استعماره ونفوذه ويستنزف مقدراتنا ؟ فهل كانت توجد دولة يهود أو تستمر لولا الغرب!؟

إن حكام المسلمين والسلطة لا يخجلون أن يستنكروا مقتل يهودي في عملية إستشهادية، ففي الوقت الذي تسفك فيه دماء المسلمين بالآلاف صباح مساء، في فلسطين، نراهم يشجبون قتل يهودي واحد ويغضون الطرف عن شهداء المسلمين، ولا يحركون جيشا او جزءا من جيش لنصرة فلسطين وأهل فلسطين، بل يستنفرون الجيوش لقمع المحتجين على مجازر يهود دون هوادة أو رحمة. إن هؤلاء الحكام والسلطة أمامهم لا خير فيهم يرتجى، فهم رغم كل ما يصنعه يهود، يتسابقون الى الإعتراف به وتثبيت كيانه. إنهم يقفون موقف المتفرج رغم ما يرونه من قضم يهود للقدس بل لفلسطين كلها جزءا جزءا، ومع ذلك يعتبرون التفاوض مع يهود نصرا مؤزرا. إن هؤلاء متبر ما هم فيه، شر على فلسطين ولعنة على أهلها.

وعليه فلا يصح أن يكون الموقف هو الصلح مع يهود المغتصبين، ولا السير في ركاب الغرب والعمالة له والغدر للأمة والخيانة للقضية، وليس هو كذلك في التنسيق مع السلطة والحكام في تقزيم فلسطين الى أجزاء متناثرة هنا وهناك، بل هو جهاد يهود أعداء الله وتحريرها بالكامل.

وبعد كل هذا وذلك، نقول:

ألم يأن لأهل التفاوض أن يدركوا جريمة ما صنعوا وما يصنعون؟

ألم يأن لهم أن يدركوا أن تبعيتهم للغرب وتقربهم من يهود لن يزيدهم الا ذلا واحتقارا عند يهود؟

ألم يأن لهم أن يعوا أن من أعان ظالما سلطه الله عليه ومن ركن للظالمين أهلكوه؟

ألم يأن لهم أن يدركوا أن التنازل ليهود عن فلسطين، لن يجعلهم يكسبون ودا عند يهود، فالخانع الذليل لا يحترمه عدو ولا صديق.

ألم يأن لهم أن يدركوا أن فلسطين لن تعيدها مفاوضات ولا مساومات، بل زحف وقتال وتحرير، فيهود ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﴾. عندها يفرح المؤمنون بنصر الله. أما أولئك اللاهثون وراء التفاوض مع أعداء الله فلن يجنوا إلا الخزي على أيدي المسلمين وعذابا فوق عذاب يوم القيامة. فهل يعقل أهل التفاوض ؟!!

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...