اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

المادة السابعة من الدستور


عادل أبوزيد

Recommended Posts

 

سبق أن كتبتُ رأيى فى هذه المادة فى هذه الجريدة عبر مجموعة من المقالات تحت عنوان: ذكريات الدستور، وكان ذلك فى 21/6/2020 على وجه التحديد. وفيها علَّقت بأن هذه المادة ناتجة عن مداولات لجنة الدستور الإخوانى برئاسة المستشار حسام الغريانى الذى صاغ دستورًا يتناسب مع مطامح جماعة الإخوان التى سعت ولا تزال إلى تأسيس دولة دينية.

 

والغريب أن المادة الخاصة بالأزهر قد انتقلت من بقايا دستور الإخوان إلى الدستور الذى صاغته لجنة عمرو موسي. وكنتُ أتصور أن لجنة عمرو موسى سوف تتراجع عن هذه المادة، وستقوم بإلغائها مع كل المواد التى يمكن أن تتعارض مع الهوية المدنية للدولة المصرية فى الدستور الجديد. وتنص المادة على أن: الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كل شئونه، وهو المرجع الأساسى فى العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء. وما يلفت الانتباه فى هذه المادة، ومن ثم يدفع إلى الدعوة إلى تغييرها هو ما يلى من ملاحظات:

الملاحظة الأولي: إن هذه المادة قَصَرت الرأى فى الأمور الدينية على هيئة كبار العلماء. وكبار العلماء هم مجموعة من العلماء بالفعل لكن لا يمكن الاقتصار عليهم وحدهم فى أمور الدين، فهناك غيرهم من علماء الأزهر غير الداخلين فى هذه الهيئة وبعضهم أكبر فى علمه وفى مكانته الفكرية من أعضاء هيئة كبار العلماء على مستوى الإفراد أو الجمع.

أما الملاحظة الثانية: فهى أن هذه المادة قد أعطت هيئة كبار العلماء التى يشكلها شيخ الأزهر سُلطة ليست من حقهم وحدهم، وإنما هى من حق مجموع المشايخ الثقات فى الأزهر كله. وهذا أمر ترتب عليه احتمال اختيار عدد محدود موثوق به من أعضائها دون غيرهم من الأعداد الغفيرة من أساتذة جامعة الأزهر مهما بلغت مكانتهم أو الثقة العلمية فى توجهاتهم. وهو أمر يثير التساؤل، فعلى سبيل المثال: الدكتور سعد الدين الهلالى وهو بدرجة أستاذ ليس عضوًا فى هذه الهيئة، فلماذا لم يتم اختياره؟ ولماذا لم تتم أيضًا إضافة الدكتور عبد الحى عزب، وأضف إليهما غيرهما ممن لا تحضرنى أسماؤهم.

والملاحظة الثالثة: إن اقتصار هيئة كبار العلماء - فى المادة نفسها - بأنها الوحيدة المناط بها الفتوى فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، هو تضييق لا سند له فى النصوص الإسلامية الصحيحة وعلى رأسها القرآن الكريم. وقد سبق لى أن ذكرتُ فى مقالي: استفتِ قلبكَ, الآيات التى لا تقصر الفتوى فى أمور الدين على أحد بعينه ذلك لأن الله - سبحانه وتعالى - لم يضع بينه وبين عبده واسطة، فلا وساطة بين العبد وربه فى الإسلام. وقد أكد الشيخ محمد عبده ذلك مرارًا وتكرارًا.

وللأسف فإن هذه الهيئة قد أثبتت بما لا يدع سبيلًا إلى الشك أنها تحاول بالفعل أن تكون سلطة دينية، وأنها هى صاحبة الأمر والنهى وحدها فيما يتصل بشئون المسلمين. ودليل ذلك ما رأيناه من اقتراح تقدم به رئيس الجمهورية فى أن يتم الطلاق كتابة وعن طريق قاضٍ مختص. وما ذهب إليه الرئيس هو نوع من الاجتهاد الذى أباحه الله – تعالى - للمسلم فى دينه، وذلك فى سياق الأولوية التى يعطيها الإسلام للعقل، وينص عليها بالحجج المقنعة.

ولكن هيئة كبار العلماء رفضت هذا الاجتهاد الذى يجد له سندًا إسلاميًّا فيما يسمى فقه المصلحة، مُتعللة بأنه ليست هناك نصوص تدعم التحول من شفاهية الحُكم إلى كتابية الحُكم بواسطة القضاء. وهو تبرير مغلوط, لأن الشفاهية كانت مقترنة بطبيعة مجتمعٍ بدوى قليل العدد معدود الأفراد يعرف كل واحد منهم غيره، لكن عندما يتحول هذا الوضع الاجتماعى وتحل الكتابية محل الشفاهية، ويتحول العدد المحدود من المسلمين إلى أعداد غير محدودة تتجاوز الملايين إلى المليارات، فإن الأمر يستلزم التغيير، ومن ثم الانتقال ليس من الشفاهية إلى الكتابية فحسب، وإنما من الكتابية إلى الكمبيوتر وآلات التواصل الأحدث التى ابتدعها هذا العصر.

والحق أننى عندما استمعتُ لبيان هيئة كبار العلماء قلتُ: ها هى العلامة التى تؤكد ما يمكن أن يترتب على السُّلطة الدينية من خطر، وأن هيئة كبار العلماء قد سلكت بمسلكها هذا مسلك السلطة الدينية التى ليس لها وجود فى الإسلام أصلًا. وتذكرتُ التاريخ غير الناصع لهذه الهيئة، وكان على رأس ما تذكرتُ، ما فعلته هذه الهيئة عندما قامت بطرد على عبد الرازق من منصبه الدينى بوصفه قاضيًا شرعيًّا فى محكمة المنصورة الشرعية، وحرمته حرمانًا دينيًّا ومدنيًّا من تولى أى وظيفةٍ دينيةٍ أو مدنيةٍ وكان ذلك فى عام 1925. والطريف أن الأيام قد مرت وأصبــح مشايخ الأزهــــر أنفسهـــم يفتون بآراء هى نَســـخٌ لآراء على عبد الرازق فى مسألة الخلافة وأصول الحُكم فى الإسلام.

ويبقى تأكيد مسألة الاختصاص، أو حصر الفتوى فى الرأى الدينى على هذه الهيئة، فهناك من الهيئات الدينية والمدنية خارج هذه الهيئة، وهناك من كبار العلماء المدنيين فى الجامعات المختلفة من هو قادر على الإفتاء بوجه حق فى علوم الدين. والنموذج الأقرب إلى ذهنى هو الدكتور أحمد كمال أبو المجد - عليه رحمة الله - ومثله كثيرون بينهم من لا يقل علمًا بفقه الدين عن هيئة كبار العلماء التى تحولت إلى هيئةٍ مقصور عليها الفتوى فى الدين كما لو كانت هى وحدها الأدرى من غيرها، بما جعل منها سُلطة موازية للدولة، وهو أمر يرجعنا إلى ما كان يردده البعض عن السلطة المدنية فى موازاة السلطة الدينية. والواقع أنه لا سلطة فى زمننا إلا لسلطة مدنية واحدة هى سلطة الدولة المُحصَّنة بالدستور والقانون، أما الدين فهو للعلماء الذين من أوائل علامات علمهم الإيمان بفقه المصلحة وضرورته فى هذا الزمان الذى نعيش فيه.

تم تعديل بواسطة عادل أبوزيد
تغيير الفونت

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

المقال للدكتور جابر عصفور و منشور بجريدة الأهرام أمس

مواطنين لا متفرجين


رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...