عادل أبوزيد بتاريخ: 14 مايو 2021 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 14 مايو 2021 كشفت جائحة كورونا النقاب عن الكثير من القصور في النظم المجتمعية، من خلال الآثار والتوابع التي تمخضت عنها. ولعل أخطر توابع الجائحة تلك التي أصابت قطاع تشكيل وتأهيل رأس المال الإنسانى، وهو قطاع التعليم. وقد حدث تخبط في بدايات الجائحة، لكن الدول تفاوتت في القدرة على التكيف السريع والتعامل مع الأزمة تبعًا للحالة التي كان عليها قطاع التعليم قبل الأزمة. وفى الحالة المصرية تميزت مواجهة الجائحة في قطاع التعليم بالتخبط والاضطراب لمدة أطول من الخبرات العالمية، وفاقم الموقف الأوضاع المتردية للتعليم السابقة على الجائحة، ما أدى إلى انهيار في المنظومة التعليمية بأسرها وفى كل مستوياتها. وقد صدر مؤخرا مؤشر دافوس لجودة التعليم لسنة 2021، والذى يضم 140 دولة، كان ترتيب مصر فيه 139. ولا يستقيم الأمر باستمرار هذه الأوضاع وتركها تتعقد وتتفاقم. لذلك هناك حاجة إلى كشف النقاب عن بعض الخلل والقصور في تعامل قطاع التعليم مع الجائحة (تمهيدا للتصحيح والإصلاح)، الذي فاقم من اختلالات كبرى وعميقة كانت سائدة مسبقا في كل مؤسسات التعليم ومستوياته المختلفة، وهى تتزايد خلال العقود الأخيرة دون إصلاح حقيقى. وجاءت الجائحة لتدفع بالقطاع كله إلى الهاوية الراهنة التي كشف عنها مؤشر دافوس. وفى مراحل التعليم قبل الجامعى، لم تستطع الوزارة أن تتعامل بفاعلية مع الجائحة، حيث اقتصر الأمر على تقليص أيام الدراسة الأسبوعية لفترة، أعقبها إغلاق كامل للمدارس كإجراء وقائى. ولم تدرك الوزارة أن انتظام التلاميذ في المدارس (الحكومية على الأخص) كان غير موجود قبل الجائحة، ذلك لأن المدارس تحولت إلى أماكن يتم فيها الاتفاق على ترتيبات ومواعيد الدروس الخصوصية ليس إلا. وفى نظام التقييم، استبدلت الامتحانات في المقررات في المراحل الأدنى بامتحانات مجمعة للمقررات أو بمشروعات أبحاث. وفى الامتحانات المجمعة، ضعفت بطبيعة الحال تغطية الامتحان لعناصر المقررات، فتحولت إلى مقاييس صورية، لاستيفاء متطلبات بيروقراطية يطلبها النظام. أما مشروعات الأبحاث فتحولت إلى ما يشبه الفضيحة الأخلاقية، حيث كانت إما وسيلة لنشاط وتربح مراكز الدروس الخصوصية، أو مهمة لأولياء الأمور يعدون فيها الأبحاث بدلا من الأبناء الصغار الذين لم يتدربوا على مثل هذه الواجبات. وقد غابت عن وعى بيروقراطية الوزارة عبر كل هذا أوضاع الفساد والانهيار المهنى والأخلاقى والسلوكى الذي تغلغل ويتزايد منذ عقود في المؤسسات التي تتبعها أو تشرف عليها. ويمثل قانون الثانوية العامة الجديد (القائم على الدرجات التراكمية) الذي تم التقدم به في ذروة الجائحة امتدادًا لاغتراب بيروقراطية التعليم عن الواقع المتردى المعاش. فرغم أن هذا النظام معمول به عالميا، إلا أن آثار السنوات الماضية تجعل المدارس والمدرسين فيها غير مؤتمنين على تقييم الطلاب عبر سنوات الدراسة. الغريب في الأمر أن هذه الأوضاع معلومة للكافة، ويفترض أن تكون كذلك لكوادر الخبرة في الوزارة. وكان أحرى بالوزارة أن تبدأ في معالجة عوامل الانهيار في المنظومة قبل وصول الجائحة، وأن تكيف المبادرات المناسبة للتصدى لها، أخذًا في الاعتبار عوامل القصور في المنظومة ومؤسساتها وفى المجتمع نفسه، لا أن تتغافل عنها أو تتناسى وجودها. وفى التعليم العالى ليس الحال في مواجهة الجائحة أفضل بأى حال. فقد تمثلت أول مواجهة للجائحة في تعليق الدراسة لفترة، تلاها التعاقد من قبل وزارة التعليم العالى مع شركة مايكروسوفت لاستخدام برنامج «تيم TEAM» ليكون الوسيط الإلكترونى الذي تقدم من خلاله المحاضرات في الجامعات الحكومية. وهذا البرنامج مصمم أصلا للاجتماعات التي تتم إلكترونيا وليس للتعليم. وقدمت برامج لبناء قدرات أعضاء هيئات التدريس حول استخدام البرنامج، لكن الحضور فيها كان محدودا للغاية، فضلا عن أن هذا البرنامج معقد للغاية ولا يصلح للأعداد الكبيرة للطلاب. وكشف استخدام البرنامج عن مشكلات عديدة في التطبيق. فأغلب الكليات لا يوجد فيها دعم فنى لتقديم المساعدة في هذا الشأن. ومثّل ضعف وانقطاع الإنترنت مشكلة مزمنة نتيجة ضعف طاقة الشبكة المصرية في هذا الخصوص. ونتيجة لأن الطلاب كانوا أصلا لا يقبلون منذ زمن على الانتظام في حضور المحاضرات الفعلية (خاصة في كليات العلوم الاجتماعية والإنسانية)، فقد امتد هذا (وبدرجة أكبر) إلى المحاضرات الإلكترونية. وجاءت الكارثة الكبرى في عقد وإدارة الامتحانات وفى الأوراق البحثية التي يتم على أساسها التقييم في المقررات. ففى الامتحانات الإلكترونية بنظام الأسئلة الموضوعية (اختيار متعدد أو صح وخطأ)، وتم فيها الامتحان عن بعد أو داخل الكليات، دفع بالامتحانات دون فحص وتدقيق لمدى مصداقيتها كأداة قياس (لعدم خبرة الكثير من أعضاء هيئات التدريس بهذا النظام)، وشاعت ممارسات الغش الجماعى وعجز الكثير من الكليات (خاصة ذات الأعداد الكبيرة) عن السيطرة على مجريات النظام والضبط خلال عقد الامتحان. والأدهى من ذلك، قامت مجالس بعض الكليات (الحقوق) بوضع قواعد (لا تستند إلى أساس علمى أو إلى الخبرة) تجعل الامتحان أداة صورية لاستيفاء الشكل وليس قياس التحصيل. ومنها مثلا أن يحتوى الامتحان على ما لا يزيد على عشرين سؤال اختيار متعدد، يتضمن كل منها أربعة بدائل. فمثل هذه الامتحانات لا يستغرق حلها أكثر من عشرين دقيقة في امتحان مدته ساعتان، وبالتالى تتيح الفرصة الواسعة في الوقت الباقى لمحاولات الغش. ونتيجة لتضافر هذه العوامل فقد ظهرت نتائج الفرق الدراسية في عدد من الكليات تحتوى على أوضاع شديدة الشذوذ في نسب النجاح وتوزيع التقديرات. من هذه الأوضاع مثلا الارتفاع الشديد في نسب النجاح في أغلب المقررات، كما ارتفعت نسب الحاصلين على ممتاز وجيد وأيضا من يتربحون من هذا. السؤال هنا: هل ما كشفت عنه الجائحة من تردٍّ في المنظومة والهياكل البيروقراطية التعليمية العقيمة وما بها من خلل في الحوكمة وغياب المساءلة وتغلغل الفساد سيحرك أجهزة الدولة لإخضاع قطاع التعليم لإصلاح حقيقى عميق وشامل؟.. وهل ما كشف عنه مؤشر دافوس من انهيار للقطاع سيؤخذ بالجدية الواجبة؟! جدا إلى 70 و60% في العديد من المقررات بالمخالفة الصارخة للأوضاع الحقيقية للتحصيل في الماضى التي لا تتجاوز 10 أو 15% للتقديرات العالية. وكان من الواجب تصحيح هذه النتائج باستخدام أدوات إحصائية متعارف عليها في الامتحانات الموضوعية، لتحقيق اعتدال التوزيع للتقديرات ونسب النجاح. لكن الكليات والجامعات التي تتبعها قررت تمرير هذه الأوضاع (عن إدراك وعمد) بصرف النظر عما تمثله من فقدان مصداقية البرامج التعليمية التي تقدمها والشهادات التي تمنحها.وبمعنى آخر قررت البيروقراطية الجامعية ألا تتصدى لهذه الأوضاع بالتصحيح، حفاظا على مواقعها بصرف النظر عما يمثله هذا من ضرر على المجتمع وعلى سوق العمل المتلقى للخريجين. أما الحالات التي تم فيها الاعتماد على أبحاث، فقد كانت هذه فرصة هائلة لتربح المراكز والأطراف الطفيلية المحيطة بالجامعات وفى داخلها بإجراء هذه الأبحاث للطلاب. ومثلت هذه فرصة أيضا لظهور العجز الأخلاقى الهائل السائد في أوساط الطلاب وأسرهم، مواطنين لا متفرجين رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان