اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

دكتوراه للبيع ~ العلم لا يكيل بالبتنجان


Recommended Posts

الحقيقه وبالصدفة البحتة وقعت على مقال منشور في جريدة الوطن الخليجية يتحدث فيه الكاتب بعنوان "اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم" عن مقالات منشوره لفهمي هويدي "المقال بالمناسبة دش بارد للمصريين ولكن لا حياة لمن تنادي"

مقال الوطن http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-04-09...s/writers03.htm

ولم اصدق ما رأيته بعيني فبحثت عن مقالات هويدي وهاهي :P

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

هزل في مقام الجد بقلم: فهمي هويدي

إذا أردت نموذجاً مصرياً صميماً لتداخل الهزل مع الجد والوهم مع الحقيقة، فستجد ضالتك في المناقشات المطولة التي أجراها مجلس الشورى في الأسبوع الماضي، حول مشروع إنشاء هيئة لمراقبة جودة التعليم. وهي الفكرة التي تثير دهشة المرء أول وهلة، باعتبار انه لم يعد في بر مصر تعليم يمكن تجويده.

(1) لم أجد غرابة في الفكرة من حيث المبدأ. لكنني استغربت جدا مناقشتها وأخذها على محمل الجد، ومن ثم تضييع وقت المجلس على مدى ثلاثة أيام في الجدال حول تفصيلات القانون الذي تبناها. ولست ألوم الذين اعدوا المشروع واجهدوا أنفسهم في صياغة مواده، باعتبار أن لهم مصلحة في تسويق بضاعتهم، لكني لا أستطيع أن اعفي من اللوم أولئك الذين لم يفطنوا إلى الهزل في الموضوع، ولم يخطر على بال أحدهم أن يستدرك قائلاً: أليس من المنطق أن نوفر التعليم في البلد أولاً ثم نسعى إلى تحسينه وتجويده؟ وهل من الحكمة أن نستصدر تشريعاً للتعامل مع شيء افتراضي، يسمع به الناس ولا يرون له وجوداً حقيقياً بينهم؟ أنني لا أتصور أن أعضاء المجلس لا يعرفون أن ثمة كارثة تعليمية من العيار الثقيل في مصر، لها عواقبها الوخيمة التي تتجاوز الحاضر، وتهدد بإجهاض الآمال المعقودة على المستقبل. ولا أريد أن اصدق انهم يعرفون ولكن لا يريدون أن يتكلموا حتى لا تفوح رائحة الفضيحة. ذلك أن الملف لم يعد فيه سر، والفضيحة جرى إشهارها على الملأ، بعدما أخرجت التقارير الدولية الجامعات المصرية من قوائم المؤسسات التعليمية المعتبرة، وبعدما افاضت الصحف المصرية بمختلف توجهاتها في الكشف عن وقائع وشواهد الصورة المشينة للتعليم في كل مراحله. مفزع في الكارثة لا ريب أنها وقعت وأصبحت ماثلة بين أيدينا، ولها صداها الموجع في كل بيت مصري. ولكن الأكثر مدعاة للفزع والخوف هو درجة اللامبالاة التي تتعامل بها الجهات المعنية مع تجلياتها المختلفة، وتلك الجهود التي تبذل من جانب البيروقراطية المصرية للتستر على الكارثة والتهوين من شأنها، أحياناً بالتصريحات الوردية التي تشيع في النفوس تفاؤلاً فاسداً ومغشوشاً، وأحياناً أخرى بالشهادات المزورة التي تنسب إلى مؤسسات دولية مجهولة اشادتها بإنجازاتنا التعليمية، وكيف أنها أصبحت نموذجاً يستحق الاحتذاء والتعميم لإخراج البشرية من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة وآفاق النهضة... إلى غير ذلك من الأكاذيب التي يسربها المسئولون، ويتنافس في تسويقها موظفو العلاقات العامة عبر وسائل الإعلام لأسباب مفهومة.

(2) قبل أيام قليلة من إرسال مشروع قانون هيئة جودة التعليم إلى مجلس الشورى (في 27/2) - نشرت صفحة التعليم في جريدة «الأهرام« تعليقاً لزميلنا لبيب السباعي، وهو من الخبراء المختصين بالموضوع، مس فيه بعضاً من جوانب المشهد الذي نتحدث عنه، الذي وصفه بأنه «مصيبة سوداء«. وقال: انه توقع أن تقوم الدنيا ولا تقعد في مصر بعدما تلقت أنباء «الصفر الأكاديمي« دولياً وافريقياً، وفق تقارير دولية اختفت منها جامعات مصر بالكامل من قائمة افضل 500 جامعة في العالم، وهي القائمة التي ضمت سبع جامعات إسرائيلية. وبعدها بعام كامل جاءت قائمة افضل مائة جامعة في افريقيا، لكي تحتل جامعة القاهرة العريقة المركز رقم 28، في حين تقدمت عليها جامعات أخرى في تنزانيا وناميبيا وأوغندا وموزمبيق وموريشيوس، وهي الدول التي كانت تحلم قبل سنوات بأن ترسل أبناءها النوابغ للدراسة الجامعية على منح مجانية كانت تقدمها لهم مصر، وفاء لدورها الريادي والطليعي في القارة. انتقد زميلنا بمرارة غياب أي صدى له قيمة لفاجعة تراجع الجامعات المصرية، فلا الوزير المختص اهتز له رمش عين، ولا المجلس الأعلى للجامعات تعامل بجدية مع النتيجة، ولا الجامعات ذاتها تحركت، ولا لجان مجلسي الشعب والشورى عنيت بتحري أسباب الكارثة وملابساتها. وباستثناء بعض ردود الأفعال الفردية، فانه لا أحد بدا مدركاً خطورة انهيار الجامعات وفقدانها رصيدها العلمي والتاريخي، وتأثير ذلك في حاضر مصر ومستقبلها. وبلغت المرارة ذروتها في إشارة لبيب السباعي إلى أن رد الفعل في مصر إزاء صفر المونديال (حين استبعدت مصر ولم تحصل على صوت واحد في الاقتراع على استضافة المباريات) كان أضعاف رد الفعل في صفر الجامعات (في الأولى انهال اللوم على جهاز الرياضة وأحيل بعض المسئولين إلى التحقيق واستبعد الوزير من تشكيل الوزارة، في حين لم يحدث شيء في فضيحة الجامعات). نقل زميلنا في تعليقه رأياً موجعاً لأستاذ جامعي في الطب من جيل الرواد، ذكر فيه أن خريج الطب في مصر كان في السابق يحظى بالتقدير والاحترام في جامعات أوروبا وأمريكا، لكنه في ظل التدهور الراهن اصبح يعاد امتحانه إذا ما تقدم للعمل بدول الخليج، حتى إذا كان حاصلاً على درجة الماجستير. وخلص الأستاذ إلى أن مستوى الجامعات المصرية تدنى لدرجة هبطت به إلى ما تحت الصفر، وأننا نحتاج إلى جهد يبذل لكي نصل إلى درجة الصفر. بعد أن يغتم المرء من جراء هذا الكلام، يعاجله زميلنا بلطمة أخرى، إذ يتحدث عن إعلان نشرته إحدى الصحف لأستاذ جامعي يتولى توريد الأبحاث العلمية اللازمة للراغبين في الحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه، مشيراً إلى أنها ليست حالة فردية، ولكنها ظاهرة عامة، لأن هناك العديد من المراكز التي أسسها أساتذة معروفون لتسويق أمثال تلك الاطروحات الجاهزة في كل التخصصات، (نسبة غير قليلة منها تباع لأبناء الدول الخليجية). ويحدثنا بعد ذلك عن إلقاء القبض على شبكة تخصصت بتجارة الشهادات الجامعية، بما في ذلك شهادة الدكتوراه، حيث تبيع الشهادة في أي فرع مختومة ومعادلة ومصدقا عليها، مقابل مبالغ مالية تختلف باختلاف التخصص. وهو ما يثير اكثر من سؤال حول مدى الثقة بأطروحات وشهادات جيش «الدكاترة« الذين طفوا على سطح المجتمع في السنوات الأخيرة.

(3) هذه القصة نشرها بريد الأهرام (في 16/6/2005): ظل ميكانيكي السيارات يتعامل مع «زبونه« أستاذ الجامعة بمنتهى التوقير والاحترام عدة سنوات، ولكنه انقلب عليه بمعدل 180 درجة حين كبر أولاده والتحقوا بالكليات، حيث تحول الاحترام إلى «ازدراء«، بعدما أدرك الرجل حقيقة الفساد في الجامعات المصرية. وهو ما عدّه صاحب الرسالة (الدكتور منصور عبدالرحمن، الأستاذ بهندسة المنصورة) تحولاً مفهوماً. وعلق على القصة قائلاً: ان الفساد يستشري يوماً بعد يوم في جامعاتنا المصرية، فبأي ماء وجه أو حياء نتحدث عن البحث العلمي والمستقبل؟ في الفم ماء كثير، ذلك أن وقائع التدهور وشواهده تتجاوز كل ما يخطر على البال، حتى يغدو هذا الذي مررنا به مجرد نقطة في بحر. لا أريد أن أطلق الكلام بحيث اغمط حق نماذج في الجامعات لأساتذة شرفاء لايزالون قابضين على الجمر، لكن هؤلاء اصبحوا استثناء في الوقت الراهن، فضلاً عن انهم تحولوا إلى فئة غريبة ومنقرضة، بعدما انقلبت الآية واصبح غيرهم هم الأصل والقاعدة. بعض هؤلاء الأساتذة القابضين على الجمر لم يحتملوا هول ما يرون، فلم يكفوا عن إنكاره والتحذير من مغبته في كل منبر ومحفل ومناسبة. ولدي ملف حافل بكتابات نشرتها لهم الصحف والمجلات تستصرخ من يهمه الأمر لإنقاذ سفينة التعليم الغارقة. في مقدمة هؤلاء الدكاترة حامد عمار وسعيد إسماعيل ومحمد أبوالغار وكمال نجيب ورؤوف عباس والشافعي بشير ورضوى عاشور ومصطفى كامل السيد.. وغيرهم. ولأن المجال لا يتسع لعرض التفاصيل الكارثية التي أوردوها في كتاباتهم، فانني سأكتفي باستعراض عناوين الفواجع التي استأثرت باهتمامهم، ومنها على سبيل المثال: شيوع السرقات العلمية بين أعضاء هيئات التدريس - تراخي القيادات الجامعية في محاسبة المنحرفين - انتشار الدروس الخصوصية (بعض المدرسين والأساتذة يستأجرون بيوتاً لهذا الغرض) - الاتجار في الكتب والملازم الدراسية - اعتماد الواسطة والمحسوبية في ترقيات اللجان العلمية - تدهور أوضاع المكتبات والمعامل - تدخل الجهات الأمنية في تعيينات عمداء الكليات وأعضاء هيئات التدريس، الأمر الذي أدى إلى تغول دور الأجهزة داخل الجامعات (للعلم: منذ سنتين اعتدى ضابط برتبة ملازم أول بالضرب على أستاذ للغة الإنجليزية في جامعة عين شمس، ولم يعاقب أو يعاتب حتى الآن). أما أم الكوارث والفواجع فهي الجامعات الخاصة التي اصبح الفساد يعشش بصورة مزرية في أرجاء الغالبية العظمى منها، بعدما تحولت إلى مشروعات تجارية وباب للثراء السريع والفاحش، حتى قال لي أحد الخبراء: ان أرباح تلك الجامعات باتت تتجاوز بكثير أي أرباح تتحقق من تجارة الأفيون أو السلاح وقد فطن بعض رجال الأعمال إلى هذه الحقيقة حتى باتوا يتسابقون على إنشاء تلك الجامعات (9 تم إنشاؤها و5 تمت الموافقة عليها من حيث المبدأ و48 طلباً آخر لم يبت فيها بعد، علماً بأن في مصر 15 جامعة حكومية).

(4) كارثة الجامعات (لا تسأل عن المعاهد العليا) ليست أمراً استثنائياً في المشهد التعليمي، لأنها تعد امتداداً لكارثة أخرى اجتاحت كل مفاصل التعليم الأساسي، وهو ما تعرض له مقالة سابقة (نشرت في 18/10/2005)، فيما عدته بعضاً من قسمات «مصر الأخرى« المسكوت عنها. ولم تكن الصورة المزرية لمراحل التعليم الأساسي هي أسوأ ما في الأمر، لأن ما هو أسوأ أن وزارة التربية والتعليم حاربت وقمعت، في منتصف التسعينيات، جهود تشخيص الحالة والكشف عن مواضع الخلل فيها، حتى انتهى بها الأمر ليس إلى إصلاح الخلل، وإنما إلى إلغاء جهاز المتابعة الذي حاول خبراؤه التنبيه إلى مواضعه ومظانه. في هذا الصدد فإنني مازلت احتفظ برسالة من أصداء تلك المقالة لا أريد أن اصدق مضمونها، بعث بها الدكتور محمد عبدالرؤوف كامل مدرس الإعلام بالجامعة، خلاصتها أن الرجل كان يراجع كراسات بعض أبنائه، فوجدها تتضمن دروساً تم تصحيحها ولكنها حافلة بالأخطاء الإملائية والنحوية. وإذ فوجئ صاحبنا بذلك، فحمل الكراسات وذهب إلى مدير المدرسة ليطلعه على قرائن إهمال الأساتذة وضعفهم. وكان الرد الذي سمعه منه مفاجأة أكبر، حيث ابلغه المدير بأن ثمة قراراً وزارياً بعدم محاسبة التلاميذ على أخطاء الإملاء والنحو لأن الأهم في اللغة هو قدرتها على التوصيل، وإذا ما تحقق ذلك الهدف فان الباقي لا يهم. والأمر كذلك فلعلك تتفق معي في تأييد الرأي الذي ذهب إلى أننا صرنا نحتاج إلى بذل جهد لكي نصل بالتعليم إلى درجة الصفر، وفي زعمي أن إنشاء هيئة لتجويد التعليم ليس سوى دعوة عبثية، لأنه لا يوجد تعليم يصلح للتجويد. لقد قامت الدنيا ولم تقعد لأننا حصلنا على صفر المونديال، وأصيب الناس في مصر بنشوة فرح عارمة كادت تتحول إلى لوثة، حين فزنا بكأس الأمم الافريقية في مباريات كرة القدم. ولم ينتبه أحد إلى أننا لم نخسر الكثير حين لم نفز باستضافة المونديال، كما أننا لم نكسب الكثير حين فزنا بالكأس، وان المسألة كلها كانت وهماً في وهم، لأنك إذا ترجمت ذلك كله على الأرض، في مجتمع مأزوم مثل مصر، فستجد أن الفوز بالكأس فيه من الوجاهة اكثر مما فيه من الإضافة. أو قل: انه من قبيل الزهو بركض لا يراوح المكان، في حين انه لا يمثل أي خطوة إلى الأمام. وتلك خلاصة تبعث على الخزي والأسى، الذي يضاعف منه أن كثيرين غيرنا، ممن صدقوا «ريادتنا« يوماً ما، سبقونا بمراحل، وراحوا ينظرون إلينا بخليط من مشاعر العطف والرثاء. في دراسة أجريت حول التفوق في الرياضيات، قدمت إلى ندوة عقدت قبل حين في المنامة عاصمة البحرين، حاز المراتب الثلاث الأولى تلاميذ من سنغافورة وكوريا الجنوبية وهونج كونج، بينما جاء ترتيب العرب متراوحاً ما بين الثلاثين والأربعين، واحتلت مصر المرتبة السادسة والثلاثين. وهو خبر لم يستوقف أحداً في المحروسة، لأن أهلها لايزالون مخدرين - هل أقول مكتفين؟ - بحكاية الفوز بكأس افريقيا. هل نبالغ كثيراً إذا قلنا: اننا نحلم بيوم تولي الحكومة فيه قضيه التعليم - التي هي بحق قضية المستقبل - بعضاً من الاهتمام الذي نوجهه صوب كرة القدم؟

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

دكتوراه للبيع بقلم: فهمي هويدي

هذه فضيحة من العيار الثقيل، تضرب بقوة سمعة مصر الثقافية، وتسلط الضوء على المدى الذي بلغه الفساد حتى طال رأس الهرم التعليمي، وهتك عرض أعلى الشهادات وارفعها، حتى حولها إلى سلعة مبتذلة تباع وتشترى على أرصفة سوق النخاسة الجديدة.

(1) كنت قد كتبت في الأسبوع قبل الماضي عن مأساة التعليم في مصر بمختلف مراحله، وتحدثت عن «الصفر الأكاديمي« الذي انحطت إليه جامعاتنا، حتى أخرجت من قوائم المؤسسات العلمية المحترمة. واستشهدت في ذلك بإعلان نشره أحد أساتذة الجامعات عن استعداده لتوريد الأبحاث العلمية اللازمة للراغبين في الحصول على الماجستير والدكتوراه، وقلت ان هذه ظاهرة تفشت في مصر خلال السنوات الأخيرة. غير أن الأسطر القليلة التي عرضت فيها للمسألة فتحت علي باباً ما تمنيت أن ألج فيه، وكشفت لي وجهاً قبيحاً ما تمنيت أن أراه، ليس فقط لفداحة المعلومات التي توافرت لي، ولكن لان بعضها اسقط من عيني أناساً كنت احسن الظن بهم، حين أقرأ ما ينشر بأسمائهم أو أراهم يتحدثون بثقة وثبات على شاشات التليفزيون، في مختلف شئون الكون. ادري أن ثمة ولعاً شديداً بالألقاب في مصر والعالم العربي بوجه أخص. وانه في أزمنة التراجع، وفي العالم الثالث عموماً، لا تقاس قيمة المرء بما يضيفه في مناحي الخير والبناء والمعرفة، ولكنها تقاس بمقدار وجاهته سواء استمدها من مال وفير أو ألقاب كثيرة. فسقراط وأبوحنيفة والعقاد واحمد أمين، لم يحتاجوا إلى ألقاب لكي يثبتوا حضورهم في التاريخ، لكن من دونهم بكثير، ممن ليست لهم أي بصمة على صفحات التاريخ ولن يكون لهم فيه ذكر، هؤلاء يتعلقون بأهداب الألقاب ولا يرون لأنفسهم حضوراً إلا من خلالها. من خبراتنا عرفنا أناساً اخذوا الدكتوراه بالنية، بمعنى انهم بدأوا الرحلة فعلاً ولكنهم لم يكملوها لسبب أو آخر. وبين رجال السياسة والإعلام والأعمال نماذج من ذلك القبيل. عرفنا آخرين أضافوا اللقب إلى أسمائهم بالمجان بمجرد دخولهم مجال العمل العام، وهم مطمئنون إلى أن أحداً لن يفتش وراءهم ويكشف الانتحال، وهؤلاء كثر أيضاً. عرفنا كذلك أن البعض اشترى الشهادة من دول أوروبا الشرقية أيام الاتحاد السوفيتي، أو أهديت إليهم لأسباب سياسية (رفاقية). كما عرفنا عدداً من الضباط حرصوا على اقتناء اللقب بعد ثورة يوليو 52، فحصلوا على الدكتوراه التي جرى «تفصيلها« لتتناسب مع الصدارة السياسية التي تبوأوها، وكان ذلك على سبيل المجاملة في اغلب الأحوال. تعددت الحكايات في هذا الصدد، وطالت اطروحات الماجستير بطبيعة الحال، وفي هذا وذاك فان الأمر ظل ظاهرة استثنائية في المحيط الأكاديمي المصري.

(2) في إطار المتغيرات السلبية التي طرأت على مصر منذ عصر الانفتاح بوجه أخص، الأمر الذي احدث انقلاباً في منظومة القيم الاجتماعية السائدة، وتآكلاً في تقاليد مختلف المهن، لم تنج الجامعات من أصداء ذلك الانقلاب، وكان من تجليات تدهورها أن ظهرت في مدينة القاهرة وحدها اكثر من عشرة مراكز تتولى إعداد اطروحات الماجستير والدكتوراه للراغبين في مختلف مجالات العلوم الإنسانية. (لم يتح لي أن أتقصى المراكز المماثلة التي تتعامل مع تخصصات الكليات العملية)، وما اعنيه بالمراكز هو تلك المؤسسات التي تتخذ مقار في شقق سكنية، ولها مديرون وجهاز إدارة وفريق من الباحثين الذين يتولون «طبخ« الرسائل المطلوبة. لكن المراكز ليست كل شيء، لان هناك آخرين - ليسوا قلة - يباشرون العمل من «منازلهم«. ويستعينون في ذلك ببعض المعاونين، والذين يقومون على تلك الأنشطة هم بعض الأساتذة المخضرمين في الجامعات، منهم رؤساء أقسام ووكلاء كليات. حين تحريت الأسعار التي تدفع في تلك السوق الخفية وجدتها كالتالي: الدبلوما تتراوح ما بين ثلاثة وعشرة آلاف جنيه - الماجستير بين 20 و40 ألف جنيه - الدكتوراه بين 40 و60 ألف جنيه. وفي كل الحالات فان السعر يصل إلى حدوده الدنيا أو القصوى حسب طبيعة الموضوع و«شطارة« الزبون. الأمر ليس مقصوراً على الاطروحات الجامعية، لان تلك المراكز تقدم خدماتها لأي راغب مطالب بتقديم ورقة بحث لأي مناسبة، ومعظم الندوات التي تقام في منطقة الخليج يعتمد المواطنون المشاركون فيها على أوراق أعدت لحسابهم في القاهرة، وتم شراؤها بقيمة تختلف من بحث إلى آخر. اكثر من ذلك، وجدت أن مسئولي المراكز وفروا للبعض كتباً صدرت بأسمائهم من دون أن يخطوا فيها حرفاً. وطبخوا لآخرين مقالات نشرت لهم بالصحف والدوريات، ومن هؤلاء أشخاص غير موهوبين أرادوا فقط إثبات الوجود والتطلع إلى الشهرة. مما سمعته في هذا السياق انه بعد الوفاة المفاجئة لأحد كبار الصحفيين، فان واحداً من المنسوبين إلى المهنة طلب إلى أحد المراكز إعداد كتاب عن الفقيد على وجه السرعة - ولان كله بثمنه - فقد تمت الاستجابة لرغبته، و«طبخت« مادة الكتاب خلال 24 ساعة، ثم صدر بعد أيام «بقلم« صاحبنا المذكور.

(3) مجتمع المافيا الثقافية يعتمد في كل ما يسوقه على جيش صغير من الجنود المجهولين، الذين يقومون بتجميع المواد وصياغتها وتلفيقها، ثم إخراجها في أطروحة أو بحث أو مؤلف يحمل اسماً رناناً. هذا الجيش يأتمر بأمر الأكاديمي المخضرم الذي يدير المركز، ويعقد الصفقات مع الراغبين. وهؤلاء الجنود المجهولون من الشبان عادة، ويشتركون في ثلاث صفات أساسية، أولاها انهم من أبناء الأقاليم الذين يفدون إلى القاهرة بحثاً عن العمل. ثانيتها انهم من الفئات المسحوقة التي هدها الفقر وقسا عليها الزمن. ولان الجوع كافر، فقد اصبح هؤلاء مستعدين لفعل أي شيء يسد الرمق ويسترهم ومن يعولون. ثالثتها انهم موهوبون يتمتعون بذكاء شديد وكفاءة عالية، لكنهم لم يجدوا فرصة طبيعية لاستثمار قدراتهم، فلم يترددوا في أن يبيعوا عرقهم لغيرهم بأي ثمن. إذا توافرت تلك العناصر في أي شاب، فانه يصبح مرشحاً نموذجياً مطلوباً للمراكز التي نتحدث عنها. لا يهم بعد ذلك أن يكون جامعياً أم لا، أو له صلة بموضوعات البحث التي يكلف بها أم لا. في رحلة تقصي الظاهرة، تعرفت إلى واحد من هؤلاء، سأشير إليه بحرف (س) على سبيل الاحتياط. وهو شاب موهوب، ظل متفوقاً على أقرانه طوال سنوات دراسته، حتى كان الأول على مستوى الجمهورية في امتحان الشهادة الإعدادية. لكن الحاجة حالت بينه وبين التفكير في الالتحاق بالجامعة. فاكتفى بالحصول على دبلوم التجارة المتوسطة، وكان عليه بعد ذلك أن يخوض بسرعة غمار الحياة، ليدبر قوت أسرة مكونة من ثمانية أفراد، مات عائلها في وقت مبكر. طرق الفتى كل باب صادفه، وتقلب في أعمال كثيرة، بدت له مسلسلاً لا نهاية له، حفلت حلقاته بآيات القسوة والجشع والمهانة. أما أبطاله فكانوا نفراً من الأقوياء الذين استخدموا بعض ذوي النفوذ لقهر العاملين لديهم ومص دمائهم. بعد عذاب دام سنين عمل (س) ساعيا «فراشا« في أحد المكاتب الصحفية، حيث وجد نفسه في مسار له علاقة بالقراءة والكتابة. وعاش تجربة تعلم فيها أشياء كثيرة، واطلع على بعض خلفيات صناعة النجوم المزيفين. بأم عينيه شاهد ذات مرة حارس البناية، الذي كان بدوره من الفقراء النابهين، وهو يعرض على مدير المكتب محاولاته في كتابة بعض أفكاره التي كتم صاحبنا إعجابه بها، واحتفظ بالمخطوطة في مكتبه. وبعد حين أصدرها كتاباً باسمه، تحول في وقت لاحق إلى مسلسل إذاعي، تصدر مقدمته اسم «الكاتب الكبير«! (للعلم: صدر للكاتب المذكور اكثر من 17 كتاباً لم يضع بصمته في أي منها). في المكتب تعرف (س) إلى آخرين، أوصلوه إلى أحد المراكز «الأكاديمية« في مصر الجديدة، وبعدما نجح في الاختبار الأول، خضع مع زملائه لعملية تدريب على كيفية توفير المعلومات من مظانها في الكتب المهمة ومختلف المراجع. وتقدم بسرعة في وظيفته، حتى أتقن كيفية إعداد مشروع الرسالة، وكيف يساعد صاحبها على اجتياز المناقشة التي تسبق عملية تسجيلها. وبعد التسجيل اصبح بمقدوره تلفيق الرسالة وطبخها خلال اشهر معدودة، عن طريق الاقتباس ونقل الفصول والتوصيات من المؤلفات المختلفة، بعد التلاعب في كيفية صياغتها. وهو الفن الذي تعلمه من «الأستاذ« مدير المركز (في بعض الحالات كان ينقل فصولاً كاملة من دون تعديل في الصياغة). وطبقاً لتوجيه الأستاذ فانه كان يحضر مناقشة الاطروحات التي يعدها، باعتباره الأدرى بمحتواها، لكي يتدخل لإنقاذ «الزبون« إذا تعثر أثناء مناقشته، وطرحت عليه أسئلة خارج نطاق التلقين الذي تدرب عليه. إذ كان على زالباحثس في مثل هذه الحالة أن يرطن بلهجته المحلية إذا كان عربياً، حتى يعد له (س) الإجابة المناسبة، وبعد ذلك يسقط الباحث أي شيء على الأرض، فيسارع (س) إلى التقاطه ومناولته إياه، وفي المناولة يدس له الإجابة. لدى (س) حكايات كثيرة حصل عليها من خبرته في إعداد الاطروحات، وتمريرها بامتياز مع مرتبة الشرف. وكيف أن اكثر تلك الاطروحات لا تقرأ من جانب لجان المناقشة، التي عادة ما يتم اختراقها بتقديم هدايا ثمينة لبعض أعضائها. ولأنه كان الأقرب إلى التفاصيل، فان بحوزته أسماء الأساتذة «المتعاونين« الذين يمررون الاطروحات بعد أن يغمضوا أعينهم عن مضمونها. ولديه معلومات كثيرة عن كيفية ترتيب ذلك «التعاون«، لضمان الفوز بالامتياز مع مرتبة الشرف. سألت (س) حامل دبلوم التجارة عن عدد الاطروحات التي أعدها خلال سنوات عمله الأربع في المركز، فقال انها 12 رسالة ماجستير ودكتوراه، أعدها لثمانية أشخاص، نصفهم مصريون والنصف الآخر من أبناء الخليج، ممن اصبحوا يتولون مناصب مرموقة في أقطارهم، أحدهم صار نائب وزير، ورشحته بلاده لأحد مناصب الجامعة العربية.

(4) صاحبنا (س) كان واحداً من ثلاثة، اجتمعت فيهم الأصول الريفية والفقر المدقع والذكاء الحاد. ولأنه كان يحمل شهادة دبلوم التجارة فلم يكن له طموح علمي كبير، وإنما كان مدركاً أن حلمه بدخول الجامعة قد أجهض مبكراً، وظل شاغله الأساسي هو كيفية تدبير نفقات المعيشة لأسرته. ومع ذلك فانه ظل مستشعراً وخز الضمير مما يفعله، فترك العمل عند أول فرصة لاحت له. الثاني كان متخرجاً في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لم يتح له أن يجد وظيفة غير التي حصل عليها، فاستسلم لقدره، ولايزال يقوم بعمله في مطبخ المافيا حتى الآن. أما الثالث - اسمه عبدالحميد - فكان أشدهم فقراً وأكثرهم حساسية وأوسعهم اطلاعاً. ولأنه كان مدركاً لكفاءته، فقد ظل معذباً طوال الوقت، لأنه كان عاجزاً عن إكمال دراسته العليا بسبب ضيق ذات اليد، في حين كان يعطي ثمار جهده لآخرين من القادرين، مقابل اجر متواضع يتقاضاه، ويقبله مضطراً لأنه يعده مالاً حراماً، وفي كل مرة كان يخرج منهاراً وساخطاً من مناقشة الرسالة التي أعدها ونال عليها غيره أعلى درجات التقدير. وكان يضاعف من سخطه اقتناعه بأنه إذا ذلل العقبات التي تعترضه، وقدم الرسالة ذاتها فانه لن يحصل على التقدير المرتفع نفسه، بسبب فقره ومظهره البائس، هذا إذا قبل أعضاء اللجنة العلمية أن يحددوا موعداً لمناقشة فقير مثله. دأب الثلاثة على الالتقاء كل مساء في ركن بمقهى بمدينة نصر، أطلقوا عليه «ركن الفاشلين«. وذات يوم افتقدوا عبدالحميد الذي لم يحضر على غير عادته. وحين تقصوا خبره عرفوا انه شهد مناقشة رسالة قدمت لمعهد البحوث والدراسات العربية، كان قد أعدها لأحد الأشخاص. وبعد مداولة اللجنة، قررت منح مشتري الرسالة تقدير الامتياز مع مرتبة الشرف، مع التوصية بطبعها على نفقة المعهد. وكما هي عادته خرج من قاعة المناقشة منهاراً وساخطاً، وبدلاً من أن ينضم إلى زميليه، قادته قدماه إلى أحد الجسور، في قلب القاهرة، حيث ألقى بنفسه في نهر النيل. ترى، من قتل عبدالحميد؟

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...