اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

السجون, ,و احترام آدمية الإنسان


الأفوكاتو

Recommended Posts

سبق أن نشرت مقالى هذا فى منتدى آخر, و لكنى سوف أنشره هنا لكى ألقى نظرة على فلسفة السجون العقابية,و كيف تختلف الفلسفة العقابية فى مصر, عن مثيلتها فى الدول المتحضرة, التى تحترم آدمية الإنسان, و لا تهدرها, كما يحدث فى سجوننا, و خاصة بعد نشر موضوع أيمن نور فى هذا الباب.

السجون, و إحترام آدمية الإنسان.

الجزء الأول:

التواجد بالسجن, سواء كعقوبة لجرم إرتكبه المواطن, أو إجراء وقتى إلى أن يتم النظر فى قضيته, هو قيد على حرية المواطن طبقا للقانون, و لا إعتراض لى على ذلك.

و العقوبة, , مقصود بها حماية المجتمع من الأخطار التى يمكن تفاديها بعزل المتهم عن بقية المجتمع لفترة تكفى لحمايته من شروره, كما تكفى ايضا ليكفر عما جنت يداه بينما أثناء فترة تهذيبه و إصلاحه .

و الحجز التحفظى مقصود به منع المُحتجز من التلاعب بالأدلة, أو محاولة التأثير على الشهود, أو تهديدهم . أو الإنتقام منهم, أو الهرب من البلاد, أو الإستمرار فى إرتكاب جرائم أخرى..

و لكن, عندما تكون عقوبة الحبس هى وسيلة لإهدار آدمية السجين و كرامته, و معاقبة أسرته و أصدقائه, الذين يرغبون فى زيارته, فهذا أمر لا أفهمه.

لقد زرت أحد سجون مصر مرتين خلال زيارتى الأخيرة, و لن أذكر تفاصيل تلك التجربة المحزنة, بل سأترك التعقيب عليها لأخوتى الزملاء,الذين شاء حظهم العاثر أن يضطروا لزيارة سجون مصر, ثم عانوا كما عانيت, نفسيا, و جسمانيا, من زبانية الحكم الفاسد. و ذلك بعد الإنتهاء من شرح كيف تدار السجون فى الدول المتحضرة, المتمدينة, التى تحترم آدمية الإنسان, كل إنسان.

زرت سجون إنجلترا و أستراليا فى زيارات رسمية, أى كجزء من عملى كمحاضر فى القانون, و لكن تجربتى الأخيرة كانت زيارة لأحد سجون " لييدز" فى زيارة شخصية.

فى زياراتى الرسمية, لم أتعرض للإجراءات الأمنية التى شاهدتها فى زيارتى الشخصية. و قولى هذا لا يعنى أنى أركز النظر على الإجراءات الأمنية, , و لكن بدون معرفة كل هذه الإجراءات, قد يظن القارئ أنى أتحدث عن أعمال قمعية, و لكن العكس هو الصحيح, كما سيتضح من الشرح:

ملحوظة هامة:

عند ذكر كلمة ضابط فى هذا المقال, فالمقصود به " الكونستابل" أو الكونستابل الممتاز, أو الشاويش فى النظام الإنجيزى, و ليس رتبة الضابط التى نستعملها فى مصر عند الإشارة إلى خريجى كلية الشرطة.( أكاديمية الأمن الآن)

و حتى لا أبيح أسرارا شخصية للأطراف التى سيرد ذكرها فى هذا المقال, سوف أشير للشخص الذى زرته بإسم " إكس", كما لن أتناول فى مقالى سبب تواجده هناك.

إتصل بى والد " إكس", و طلب منى أن أزور نجله المحتجز بالسجن على ذمة قضية ما, و الذى يريد أخذ مشورتى فى أمر يتصل بالقضية.

و عندما وافقت , قال لى :

طبعا , أنت راجل بتاع قانون, و فاهم إجراءات السجون.

فقلت له ضاحكا :

لقد زرت بعض السجون فى زيارات شخصية و رسمية, و لكن ذلك لا يجعلنى " بتاع سجون".

فضحك, ثم قال:

لقد وضعك نجلى فى قائمة الزوار الذين يمكنهم زيارته.

فسألت : هل ممكن أن تعطينى فكرة عن إجراءات الزيارة؟

فقال:

سوف أرسل لك فاكس يتضمن المعلومات المطلوبة.

و عندما وصل الفاكس, و قرأته, سرح فكرى إلى مصر, و وكستها فى إدارة سجونها,

و كما سبق أن ذكرت عاليه, لن أعلق تعليقا مطولا على إدارة سجون مصر, بل سأترك التعليق الكامل لكم.

تضمن الفاكس تعليمات الزيارة التى أرسلتها إدارة السجن للوالد, و ملخصها كالآتى:

الزيارة ثلاثة أنواع:

النوع الأول: زيارة مفتوحة, أى أن الزائر و السجين سيجلسان معا فى مكان واحد, فى صحبة سجناء و زوار آخرين , كما سأصف فيما بعد.

النوع الثانى: زيارة فى كابينة ( Box Visit ), منفصلة عن مكان المسجون. و لكن كل الزوار سيكونون فى مكان واحد مفتوح لهم, و منفصل زجاجيا عن السجناء الذين يجلسون فى قاعة واسعة, و بها كبائن مجهزة بتليفون للتخاطب مع الزوار

أى أن الزوارجميعهم يتواجدوا فى فى مكان واحد, و السجناء فى مكان واحد آخر, بعكس النوع الثالث من الزيارات.

النوع الثالث: ( (Secured Box Visitو يشبه النوع الثانى, و لكن لدواعى أمنية, تتم زيارة الزائر للمسجون فى كبائن منفصلة, و يفصل بينهما حائط زجاجى سميك, و الكبينة مجهزة بسماعات تليفون, و لا يرى الزائر أو السجين أى من بقية السجناء أو الزوار.أى أن لكل سجين و زائره كبينة منفصلة.

و لجميع السجناء, , الحق فى الحصول على زيارة واحدة كل يوم على النحو الآتى:

1- زيارة مفتوحة 3 مرات فى الإسبوع, , فى أى وقت بين التاسعة صباحا, و الثالثة عصرا.

2- زيارة كابينة( عادية), مرتين أسبوعيا لأسباب طارئة بعد إستنفاذ عدد مرات الزيارات المفتوحة.

3- بالنسبة للمسجونين من النوع الثالث, فإن زيارتهم تكون دائما مغلقة و مؤمنة, و لا يمكن لغير الزائر الدخول اليها. و تتم هذه الزيارة بين الساعة التاسعة, و الساعة العاشرة صباحا, فى جميع أيام الأسبوع.

و لكى يتمكن الزائر من زيارة السجين, عليه القيام بالآتى:

1- لا يزيد عدد الزوار لكل سجين عن ثلاثة بالغين , بالإضافة إلى أى عدد من الأطفال.

2- يجب أن يقدم كل زائر( تؤكد السجلات أنه مسموح له بالزيارة), إثبات شخصية , مثل رخصة القيادة, أو جواز سفر.

3- تتم مطابقة بيانات الزائر فى الكمبيوتر, للتأكد أن لديه صلاحية الزيارة

4- الزائر الذى له سجل جنائى لا يُسمح له بالزيارة.

5- بتم أخذ صورة بصمة البد اليمنى للزائر. كإثبات لشخصيته عند إنتهاء الزيارة, و قبل مغادرة مبنى السجن.

و سوف أشرح ما مررت به لدخول السحن, بعد أن أشرح بقية الإرشادات:

1- للمسجون الحق فى الإحتفاظ بقدر معين من الملابس المدنية, و إذا رغب فى تغييرها, فعليه إرجاع ما يريد إستبداله , قبيل الحصول على غيرها.

2- للسجين الحق فى الحصول على الصحف اليومية التى يمكن للزوار تقديمها فى مكتب الإستقبال.

3- من حق كل سجين الحصول من أهله على 120 جنيه إسترلينى شهريا لشراء الكماليات. و منه السجائر, و أدوات التواليت.

4- من حق السجين أن يوضع فى حسابه مبلغ لا يزيد عن عشرين جنيها لمواجهة المكالمات التليفونية المسموح بها للإنصال بأسرته, و لكن إدارة السجن لن تسمح بمكالمة لغير أهل السجين, و قبل الموافقة على الإتصال, يتصل ضابط السجن بالشخص المطلوب الإتصال به, و يسأله إذا كان يوافق على أن يتلقى مكالمات من السجين.

5- فى كل مكالمة , تدار رسالة مسجلة للشخص المتلقى المكالمة, تخطره بأن المكالمة صادرة من السجن, وأن متلقيها يمكنه فى أى لحظة رفضها, أو إنهائها وقتما رغب.

6- تعطى إدارة السجن للسجين مبلغ 10 جنيه إسترلينى لكى يصرف منها على كمالياته.

7- يمكن ترك رسائل شخصية للسجين فى مكتب الإستقبال, و لكن هذه الرسائل تخضع للرقابة.

8- ممنوع إحضار اية سجائر, أو أدوية, أو أطعمة للسجين.

كانت هذه هى الإرشادات المكتوبة, و قد تاكدت أنى قد استوعبتها تماما قبيل زيارتى ل " إكس" فى اليوم التالى.

توجهت إلى مبنى فى المدينة إسمه:

Leeds Assessment Prison

وهو السجن المستعمل فى الحالات الآتية:

1- حبس المتهمين لحين عرضهم على محكمة الجنح

2- حبس المتهمين أثناء محاكمتهم

3- حبس الأشخاص الذين صدرت ضدهم أحام حبس قصيرة المدى

4- إستمرار حبس بعض من لهم حالات خاصة, مثل المرضى بأمراض نفسية أو عصبية لا تحتاج للإقامة فى مستشفى.

5- حبس المحكوم عليهم بالحبس الذين يتراوح سنهم بين 15, و 18 سنة, فى جناح خاص مؤمن.

و عند إقترابى من المبنى, ظننته مستشفى عام, حيث لم أرى أى تواجد لقوات بوليس أو أمن ( مركزى), بل باب زجاجى كأبواب البنوك.

دخلت إلى قاعة مغطاة بالموكيت( السجاد من حائط لحائط), مؤدية إلى باب زجاحى كبير, فتحناه, و دلفما إلى قاعة الإستقبال.

على يمين القاعة, كان هناك مكتب مثل مكاتب إستعلامات الفنادق 5 نجوم, و على سطح المكتب, تواجدت ثلاثة كمبيوترات, و حوالى خمس تليفونات, و كان يجلس فى هذا هذا المكتب ضابطتين من ضباطات السجون, و هم موظفون مدنيون, يتبعون وزارة العدل, و يرتدون زى خاص يختلف عن زى البوليس, و لا يحملون سلاحا..

كان هذا المكتب مخصصا لرسائل, و حاجيات المساجين, بحيث إذا أراد زائر ترك رسالة, او وضع النقود الشهرية فى حساب السجين, أو تغيير و إستبدال بعض الملابس, فهذا المكتب مختص بهذه الأمور.

أما المكتب الواقع على اليسار, فقد كان مخصصا للزيارة, و كان يديره ضابطان, أما كل منهم كمبيوتر, .

و المساحة التى تحتلها القاعة قبل الوصول إلى هذه المكاتب كانت مفروشة بمقاعد فوتيه , من آخر طراز مريح, و كانت يافطات الإرشاد معلقة فى كل مكان.

كما كان بالقاعة 4 ماكينات للبيع آليا مثلجات غازية, و بسكوت, و شوكولاتة, و شيبس.

لاحظت و أنا منتظر دورى لكى أحصل على إذن الدخول, أن خلف هذه القاعة, تواجدت قاعة أخرى واسعة, بها مقاعد إنتظار للزوار الذين تم فحصهم, كما لاحظت تواجد عديد من الخزائن الحائطية, مثل التى توجد فى النوادى الرياضية لحفظ الملابس و الممتلكات, و كان عددها حوالى 80 خزنة.

و فى مؤخر هذه القاعة, و قبل الباب الزجاجى ألمؤدى إلى المرحلة التالية, رأيت علامات تفيد أن هناك تواليتات للرجال و السيدات. ( أفخر من التى رأيتها فى فى مطار القاهرة الدولى, الرجاء الرجوع إلى المقال)

ملحوظة هامة رأيت أن أسجلها هنا قبل أن ندخل فى بقية التفاصيل.

جميع ضباط السجن الذين قابلونا فى هذا القسم هم من درجة تعادل درجة الأمباشى, أو الشاويش, و كلهم مرتدين يونيفورم محترم, و يخاطبونك بكلمة:

سيدى.... سيدتى.... آنستى.

تقدمت إلى القسم الخاص بالزيارة, و سألنى الشاويش:

إسم الزائر من فضلك:

فقلت:

السيد" إكس" كذا.

فدق على أصابع الكومبيوتر, و نظر إلى رخصة القيادة التى يجب أن تكون خارج المحفظة, ثم نظر إلى إسمى, و قارنه بقائمة المسموح لهم بزيارة هذا الشخص, ثم سألنى:

هل تريد زيارة مفتوحة, أم زيارة كبينة؟

فقلت: زيارة مفتوحة

فدق مرة أخرى على مفاتيح الكمبيوتر, للتأكد أن الزيارة المفتوحة لهذا الأسبوع لم تستعمل بعد.

أعاد الضابط لى رخصة القيادة, ثم أعطانى بطاقة زرقاء, و مفتاح لخزنة صغيرة, ثم قال لى:

ضع كل شيئ معك عدا ساعة معصمك فى هذه الخزانة التى تحمل الرقم المطبوع على البطاقة المصاحبة للمفتاح( و أشار إلى دواليب الخزائن المرصوصة على الجانب الأيسر من القاعة) و بعد إنتهاء الزيارة, أعد المفتاح لنا, لا تنسى يا سيدى أن توقع على إستلام المفتاح قبل ترك هذا المكتب, كما يجب أن توقع ايضا عند إعادة المفتاح.

ثم أضاف: هذا الكارت الأبيض مكتوب عليه رقم دورك فى الدخول, فأرجو التفضل بالجلوس بعد قفل الخزانة, على أحد الفوتيهات الموجودة بالصالة, و سوف تشاهد شاشة تليفزيون تشرح جميع الإجراءات المتبعة هنا, كما ستعرض بيانات خاصة بجميع سجون إنجلترا, و قواعد زيارتها, و عند رؤية رقمك ( و كان رقم 4) توجه لهذا الباب الزجاجى الذى يوجد فى نهاية الصالة, و أضغط على المفتح الأسود, و سيتغير لون البقعة المضيئة من اللون الأحمر, إلى اللون الأخضر عند السماح لك بالدخول.

و أثناء جلوسى منتظرا, دخلت القاعة شابة فى منتصف العشرينات,من قوات البوليس, ترتدى أوفرول قوات مكافحة الإرهاب, و تحمل رتبة كونستابل ممتاز, و كان معها ضابط آخر بنفس الملابس و نفس الرتبة, و قال هذا الضابط للزوار:

نأسف لتعطيلكم ثوان, نرجوا منكم الوقوف موازين للحائط, وواضعين أيديكم إلى جنبكم,

و رصصنا أنفسنا بجوار الحائط, و هنا رجعت الضابطة الأولى إلينا بصحبة كلب بوليسى, و مررته أمامنا, حيث شم كل منا بتأنى, و تكرر ذلك مرتين, .

أعلن بعدها الضابط إنتهاء التفتيش المفاجئ بحثا عن مخدرات, معتذرا عن أية مضايقة.

و قبل أن أجلس على المقعد مرة أخرى , لمحت رقمى على شاشة التليفزيون, مصحوبا برنة اليكترونية, فقلت لنفسى : هانت.

سأتوقف هنا لكى أعطيكم, و أعطى نفسى راحة, و سأستكمل الموضوع فى المداخلة التالية.

و شكرا لقراءة الموضوع.

السجون: الجزء الثانى:

توقفت بكم أمس عندما ظهر رقم زيارتى على شاشة التليفزيون,

توجهت إلى الباب الزجاجى طبقا للتعليمات, و ضغطت على الزر الأسود, و أنتظرت إلى تحول لون لمبة صغيرة من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر, و دفعت الباب, و قرأت على الحائط المقابل يافطة تقول:

"رجاء التأكد أن الباب مغلق حتى يمكنك دخول المرحلة الثانية ".

تأكدت من إغلاق الباب, و رأيت حجرة فى داخل الحجرة, و كانت هذه الحجرة الأخرى, مقسمة إلى حجرتين, تقبع فى أحدهما ضابطة, ترصد جميع الحركات بالكمبيوتر, فهى ألتى أعطت إشارة فتح الباب.

دخلت الحجرة الخارجية, و كان بها ضابطة أيضا نظرت إلى الكارت الأزرق( الذى يدل على أن الزيارة مفتوحة) ثم أعطتنى بطاقة أخرى تدل على أنى زائر مصرح له بالدخول , و طلبت منى تعليقها على صدرى., ثم طلبت منى التوقيع فى كشف الزيارة, موضحا إسم السجين الذى أزمع زيارته.

ثم طلبت منى " بأدب جم " أن أقف على سجادة مطاطية خاصة, و طلبت منى رفع أذرعى إلى مستوى الكتف, حيث أجرت الكاشف الألكترونى اليدوى على حسدى للبحث عن أسلحة أو معادن, ثم طلبت منى أن أستدير, و أجرت البحث من الخلف, ثم قالت:

لاحظت أنك لا تحمل نقود عملة لإستعمالها لشراء مشروبات, أو شوكولاتة, أو شيبس,

فأنت مصرح لك باستحضار عملات معدنية توازى قيمتها عشرة جنيهات, و يمكنك أنت و من تزوره شراء هذه الأشياء, واستهلاكها قبل مغادرة قاعة الزيارة.

و لما شرحت لها إنى لم أقرأ هذه التعليمات إلا بعد وصولى, فلم أجد داعى لتأخير الزيارة, و مغادرة السجن, لإحضار ( الفكة).

إبتسمت الضابطة, و قالت: أرجوا أن تتذكر ذلك فى زيارتك القادمة.

ثم قالت:

من فضلك إدخل فى هذا الدهليز بعد الضغط على الزرار الأسود( و كررت التعليمات) و ستجد بابا فى النهاية هو باب صالة الزيارة, و على يمين هذا الباب, توجد دورة مياة للرجال, و أخرى للسيدات, و قد تفضل أن تستعملها لأنك متى دخلت, و أردت الخروج لإستعمالها, فلن يسمح لك بالدخول مرة أخرى.

و دخلت دورة المياة, لسببين,

الأول , لأنى كنت مضطرا لهذا.

الثانى, لمعرفة درجة تحضّر من يقومون بإدارة السجن.

و لقد نجحوا بإمتياز,

فقد كانت دورة المياة مجهزة بأحدث الأدوات الصحية, و نشافات أيدى ساخنة الهواء, و نشافات أيدى ورقية, و" سافون" اليكترونى, و تكييف هواء, و جهاز تنقية من الروائح, و صابون ممتاز.

بعد الكشف على التواليت,رجعت إلى الممر, و ضغطت على زر جرس الباب المؤدى إلى قاعة الزيارة, و الذى كان بجانبه الملحوظة ألآتية:

الرجا دق الجرس دقة واحدة.

و فور ضغطى على الجرس, فتح الباب ضابط و سألنى بأدب بأن أدخل, ثم تناول منى الكارت الأزرق,, ثم طلب منى أن أضع يدى فى جهازء قراءة بصمة الكف, للتأكد من شخصيتى, ثم أشار إلى قاعة الزوار التى سأقابل فيها نجل صديقى.

كانت القاعة مثل صالات " الفنادق" 4 نجوم, مفروشة بالكامل بالسجاد الموكيت الرمادى اللون( اللون الرسمى للسجون)

و لم تكن المقاعد فاخرة, و لكنها مريحة و نظيفة, مرصوص كل أربعة منها حول مائدة حديثة. و فى وسط الصالة كانت توجد كابينة زجاجية واسعة, يجلس فيها ثلاثة ضباط, و كان أحدهم يجلس قبل مكتب يوجد فوقه جهاز كمبيوتر , و فى نهاية الصالة, رأيت بابا مفتوحا يؤدى إلى حديقة خارجية, محاطة بحوائط عالية, و مرصوص بها عدد من الموائد و الكراسى فوق الحشيش, و تحت ظل الأشجار, كما لو كنت فى كازينو سياحى.

و فى ركن من الصالة رأيت ثلاجة مياة, و بجانبها أسطوانة مملوءة بكوبات بلاستيكية, و فى نهاية الصالة, رأيت ركن مخصص للعب الأطفال, و بعض مجلات الأطفال, و أقلام للرسم, وورق لزوم الرسم و الكتابة .

و ف ركن من القاعة, رأيت ثلاجات البيع الآلية التى ذكرتها الضابطة أثناء دخولى هذا القسم.

جلست بجانب إحدى الموائد, و انتظرت قدوم نجل صديقى, و بعد خمس دقائق, رأيته فى الحجرة الزجاجية, يتخاطب مع ضابط السجن, الذى أدخل إسمه فى الكمبيوتر, مسجلا موعد بداية الزيارة, ثم فتح الباب الزجاجى, و دلف إبن صديقى إلى القاعة.

تعرف على ّ إكس, لأنى كنت زائرا دائما لعائلته, و أسرع للقائى, ثم عانقنى, قائلا:

شكرا لحضورك يا عمى.

نظرت إليه, و كان فى صحة جيدة, و حليقا, و نظيفا, و لكنه كان مرتديا " اوفرولا أخضر" فسألته:

هل ترتدون ملابس السجن طول الوقت؟

فضحك و قال:

لا يا عمو, هذه هى ملابس الزيارة.

ثم شرح لى بعض الأمور التى أردت الإستفسار عنها:

قال:

نحن نرتدى ملابسنا الخاصة, التى يمكن أن نستبدلها بملابس أخرى إذا رغبنا, و لكن لعدم تواجد مساحات كبيرة فى الزنزانات, فإن كل سجين مسموح له بقدر معين من الملابس, يدرج كشف بها فى الكمبيوتر, و الطريقة الوحيدة لتغيير ما يحتفظ به هى أن يعيد إلى أهله بعض الملابس التى يريد إستبدالها.

و فى زيارة الكابينة, لا يرتدون أوفرول السجن, بل يرتدون ملابسهم المدنية, و لكن فى الزيارات المفتوحة, فقبل لقاء الأقارب, مطلوب السجناء أن يقلعوا القميص, وأن يرتدوا الأوفرول, المجهز بطريقة تمنع نقل أية أغراض من الزائر إلى السجين, مثل اسلحة, أو مخدرات, أو نقود.

ثم أضاف قائلا ردا على عديد من أسئلتى:

1- يقيم كل منا فى زنزانة صغيرة, مجهزة بسرير, و دولاب صغير, و جهاز تليفزيون, و تواليت به دش ساقع و ساخن.

2- لا ندخل هذه الحجرة إلا للنوم(أى بعد وجبة العشاء), أو أثناء التفتيش.

3- نقضى بقية اليوم فى نشاطات, منها المكتبة, صالة التليفزيون, المجهزة بمقاعد و موائد, كما نقضى بعض الوقت فى الجيمنازيوم المجهز بأحدث أدوات الرياضة الداخلية.

4- يمكننا الخروج إلى الحديقة أثناء النهار, للتريض, و الإستمتاع بالشمس, إذا وجدت.

5- نأكل ثلاث وجبات كافية جدا, و ممنوع إستيراد طعام من الخارج.

6- إذا أردنا أكل إضافى, فيمكن شراء ( Snacks أى وجبات خفيفة) من البوفيه.

7- تصرف إدارة السجن الأدوية المصرح بها من طبيب السجن فقط, و يتم توريدها مجانا بمعرفة السجن, حيث أنه من الممنوع أن يحصل أى نزيل على أية أدوية أو أطعمة من خارج السجن.

8- يزور السجن أطباء كل صباح, و توجد عيادة طوارئ 24 ساعة فى اليوم.

9- يزور المسجونين أطباء نفسيون مرة كل أسبوع, أو إذا دعت الحاجة.

10- للسجين حق قراءة الجرائد التى يمكن للزوار إحضارها, و إيداعها فى مكتب الخدمة.

11- للسجين الحق فى الإحتفاظ بعدد 6 كتب, و يمكنه تغييرها بغيرها, بشرط عدم الإحتفاظ بأكثر من 6 كتب فى وقت واحد.

12- يمكن للسجين الإتصال تليفونيا بأسرته إذا وجدفى حسابه قدر من النقود المتاحة له كما ذكرت فى المقدمة, للإتصالات التليفونية.

13- الإتصال التليفونى مقصور على أفراد الأسرة, و فى كل مرة يتم الإتصال, تبدأ المكالمة بإنذار أن هذه المكالمة صادرة من السجن, و أنه قد يمكن تسجيل محتوياتها.

14- إذا لم يرغب الشخص الذى تم الإتصال به قبول المكالمة, كل ما عليه فعله هو إنهاء الإتصال.

تكلمت مع " إكس" لمدة ساعة, لاحظت أثناءها إقبال الزورار على شراء المشروبات و السوكولاتة و البسكويت, لهم و لمن يزورونهم.

و حكى لى " إكس" عن ظروف حبسه, ثم وعدته بمتابعة موضوعه مع محاميه, و تعانقنا, ثم ترك القاعة, و انتظرت إلى أن اختفى داخل دهاليز السجن,و تم تفتيشه قبل أن يسمح لى ضباط السجن بالخروج من القاعة.

رجعت إلى القاعة الوسطى, حيث سلمت كارت الزيارة, ووقعت بأنى تركت السجن, ثم تم فحص بصمة يدى إليكترونيا, و بعدها ذهبت إلى المكتب الأمامى, حيث إسترجعت من الخزنة ممتلكاتى الشخصية, ثم سلمت مفتاح الخزنة لمكتب الإستقبال , بعد التوقيع على إعادة المفتاح.

و أثناء مغادرتى مبنى السجن, قالت لى ضابطة السجن الجالسة على مكتب الإستقبال:

Good bye Sir ( بمنتهى الإحترام )

طوال هذه الزيارة,لم أرى ضابط أو ضابطة برتبة ملازم, أو ملازم أول أو رتبة أعلى,

و لم أرى مظاهر سلطة, أو تسلط, أو منظرة , أو تعالى..

لم أرى أى من مظاهر "الواسطة" أو " المحسوبية" فمن يحاول ذلك سوف يتم طرده فورا,

لم أرى من يقول :

أنا من طرف فلان.

أو يقول:

إنتا عارف أنا مين؟

أو يقول:

معلهش يا باشا ,أنا فى عرضك. ربنا يخليك

لم أرى سجانا واحدا يهمس طالبا رشوة, ( إكرامية الحرامية)

لم أرى سيدات يرتدين ملابس مبهدلة, ووجوه مكفهرة, يطفن لتحصيل الإتاوة الرسمية اليومية للزيارة, ثم نكتشف فى النهاية أنهن " سجانات".

لم أرى السجانين و السجانات خارج السجن يتقاسمون علنا, و فى عرض الشارع, حصيلة اليوم من الإتاوة المفروضة على السجناء و زوارهم.

لم أرى عساكر تحضر كراسى من الخارج للزوار المريشين , و الراشين.

لم أرى عساكر تطوف موقف السيارات, و تعظم الزوارعمال على بطال, طمعا فى " حلوان"أو إكرامية.

لم أرى طوابير زوار يحملون حلل المحشى, ,و زجاجات الماء, و مشنات العيش, و أكياس الفاكهة, التى يدفعون فيها نصف دخلهم الشهرى, رغم علمهم أن نصفها, أو أكثر سيرى طريقه إلى كروش غير مستحقيها.

لم أرى عشرات القطط التى توافدت, و قبلت الحبس الإختيارى تحت أقدام الزوار و السجناء, منظرين الفرصة لإلتقاط الفتات المتروك من الزوار.

لم أرى هذه الأمور لأنها لا تحدث إلا فى البلاد التى تذل مواطنيها, و لا تحترم آدميتهم.

و رغم أنى وعدت فى مقدمة الموضع أن لا أعلق على الأوضاع فى سجون مصر, إلا أنى لا أعتبر سطورى الأخيرة تعليقا , بل هى بعض مشاهد مما رايته فى سجوننا, و أنفت أن أعلق عليها فى حينه.

و الآن, أترك لأعزائى الأعضاء الساحة مفتوحة, لكى يصُولوا, و يجُولوا فيها تعقيبا.

و تقبلوا تحياتى.

تم تعديل بواسطة DARWEEN

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

عمنا الأفوكاتو

الموضوع على عادتك ........... شامل ....... أسلوبه عالى جدا ودقيق ............ في الصميم

احسست من الوصف أنك كنت مدعو على عشاء فاخر في فندق خمس نجوم مش في زيارة سجين

بخصوص السجون في مصر شاء ربي أني لا أدخلها ولا أزورها ولكن الجواب بيبان من عنوانه لما كنت أمر قدام القسم في يوم معين من الأسبوع مش فاكره أطنه بيكون يوم ترحيل السجناء كنت ألاحظ اهليهم وذويهم مرمين قدام القسم لأنه غير مسموح لهم بالدخول وطبعا المساجين يركبوا السيارة الكبيره والأهلى يجروا وراها واللى يحلق بقا وكان منظر يقطع القلب لما تشوف ست في مقتبل العمر جايبه معاها اطفال وبتجري ورا السيارة دي علشان الراجل يشوف أولاده ولا تلاقيهم فرشين في الشمس قدام القسم .......... حسبنا الله ونعم الوكيل في من ظلمنا

أنا لا أكتب الأشـــعار فالأشعـــــــــار تكتبني

أريد الصمت كي أحيا ولكن الذي ألقاه ُينطقني

رابط هذا التعليق
شارك

الأخ العزيز الأستاذ لخبطة,

لا أريد تقطيع قلبك , و لكنى أرجوك إذا أتيحت لك الفرصة, زر سجن طرة من الخارج, و سوف تحزن على مصر و على شعبها, الذى يساق هناك كما تساق المواشى فى الزرائب.

لم أقدم شرحا لما يدور داخل السجن, و سوف أترك ذلك لمن زاروا أقاربهم هناك,

و لكن المثل يقول

" الجواب معروف من عنوانه"

تقبل تحياتى

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

بسم الله الرحمن الرحيم

لايسعنى الاان اقول حسبى الله ونعم الوكيل

لو كان يدرى مالمحاورة اشتكى ***** ولكان لوعلم الكلام معلمى

مع الاعتذار لعنترة

رابط هذا التعليق
شارك

مرحبا بك معنا يا أخى زكريا أبو المجد,

و تكلم معنا , فسوف نستمع لك, و نفتح لك قلوبنا

تقبل تحياتنا.و إحترامنا

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

وحياة ولادك ياشيخ

ولو فيها رزاله أو اساءة أدب

رجاء أخوي خصيمك النبي

تشوفلي أنا والعيال زنزانه كده على زوقك

مش شرط بحري

بس المهم تكون شرحه :wub:

المريض في غرفة الرعايه المركزه بقصر العيني مش متبغدد زي مساجين انجلترا

العيب فيكم يا في حبايبكم

أما الحب ياروحي عليه :)

Vouloir, c'est pouvoir

اذا كنت لا تقرأ الا ما يعجبك فقط فإنك لن تتعلم ابدا

Merry Chris 2 all Orthodox brothers

Still songs r possible

رابط هذا التعليق
شارك

أخى محمد زهيرى,

الفجوة واسعة, و تزداد إتساعا,

و أقصد بالفجوة , الفرق بين العلاقة بين المواطن و الحكومة.فى الدول المتحضرة من حهة, و بينها وبين حكومات دول الشرق الأوسط من جهة أخرى

فحكومات الدول الغربية تحترم آديمة المواطن, لأنه سيدهم, و دافع مرتباتهم.

أما فى منطقتنا, فالحكومة هى السيد, و نحن هم العبيد,

أنا أفضل إستضافتك عندى, بدلا من السجن, لأنك لكى تدخل السجن يجب أن ترتكب جريمة جادة, أما إذا كانت "جنحة," فستعود إلى بيتك, و تحضر للمحكمة من تلقاء نفسك فى موعدها.

سوف أعيد نشر مقال عن الإفراج بالكفالة و الضمان الشخصى قريبا.

تقبل تحياتى.

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

أستاذي العزيز الأفوكاتو

لا أمل من قراءة مداخلاتك الرصينة والرائعة

المقارنة تبعث على منتهي الحزن ... ان كان هذا الحال على مستوى السجون

فكيف ستكون المقارنة على مستوي المرافق والخدمات الاخرى

شعبنا يتعرض لإذلال جماعي والاجواء الفاسدة مرتع للمختلف أنواع الفاسدين

رابط هذا التعليق
شارك

شكرا يا أخى متفائل,

و لا تدرى كيف يتمزق قلبى كلما زرت مصر مرة كل سنتين, و أحس فى كل مرة بإزدياد الهوة الحضارية بيننا, و بين الشعوب الأخرى,

فبعض الدول التى كانت بدائية وقت أن كانت مصر أم الدنيا, أصبحت تتفوق علينا فى أمور كثيرة, و مثال ذلك ماليزيا, و سنغافورة.

تقبل تحياتى

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

أمس الإثنين كان مساعد وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون ضيفاً على برنامج إتكلم ..

وتم عرض فيديو يعرض مشاهد لابأس بها عن السجون المصرية ..

الشكل في الفيديو كان جيد .. ولكن الله أعلم بالحقيقة ...

في الغالب أن الموضوع كله كذب في كذب .. فرأيي الشخصي .. أن هؤلاء يكذبون كما يتنفسون ..

باستمرار وطوال حياتهم ..

في القصص الرومانسية القديمة .. يكتب المحب رسالة حب .. ويضعها في زجاجة .. ويرمي الزجاجة في البحر .. لا يهم من سيقرأها .. لا يهم هل ستصل إلي حبيبته أم لا .. بل كل المهم .. أنه يحبها ..
وتاني .. تاني .. تاني ..
بنحبك يامصر .. ...

 

1191_194557_1263789736.jpg


‎"إعلم أنك إذا أنزلت نفسك دون المنزلة التي تستحقها ، لن يرفعك الناس إليها ، بل أغلب الظن أنهم يدفعونك عما هو دونها أيضا ويزحزحونك إلى ماهو وراءها لأن التزاحم على طيبات الحياة شديد"

(من أقوال المازني في كتب حصاد الهشيم)
 

رابط هذا التعليق
شارك

أخى العزيز أسد,

الفيديو يبين مبان و أثاث, و حجر, و لكه لا يبين معاملة, و سلوك,و ضمير.

إنهم يعرضون واجهة مثل ديكور السينيما, مجرد واجهة, كاذبة, و فارغة.

لك شكرى و تحياتى.

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

الاخ العزيز افوكاتو .. مش عارفه اقول لك ايه .. مش اول مره اقرا لك.. لكن اول مره

اعلق .. تسالنى ليه .. عشان عندى احساس .. ان انا نقطه فى بحر جنبك وجنب اسلوبك الجميل

ومعلوماتك الثريه .. وانا مبحبش الاطراء لانى متاكده انك اكيد بتسمع كتير الكلام اللى

بقوله ده .

شكرا وتحياتى لك

757845%20dadf.gif
رابط هذا التعليق
شارك

الأخت الفاضلة yacho

سأكون كاذبا إذا قلت أنى لا أسعد بالإطراء, ليس لأنى أحبه , و لكن لأنه يعنى أن ما أقول قد نال إستحسان آخرين, و هذا يمنحنى منتهى الرضى و السعادة.

شكرا يا أختى العزيزة,

تمنياتى لك بالسعادة و الهناء, و دوام الصحة.

تم تعديل بواسطة الأفوكاتو

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 1 شهر...

للرفع, بعد الأحداث الدامية, و هوجة الإعتقالات, و إساء معاملة المساجين, و إهانة القضاة, و محاكمتهم , و سحل الرجال و النساء فى الشوارع.

هل تبقى للإنسان المصرى كرامة بعد كل ما فعلته الحكومة به؟

متى نحس بالظلم؟ و نصرخ بصوت عالى؟

أم أن كل شيئ على ما يرام, و شكرا لكرمك يا حكومة؟ :)

تم تعديل بواسطة الأفوكاتو

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

سبق أن نشرت مقالى هذا فى منتدى آخر, و لكنى سوف أنشره هنا لكى ألقى نظرة على فلسفة السجون العقابية,و كيف تختلف الفلسفة العقابية فى مصر, عن مثيلتها فى الدول المتحضرة, التى تحترم آدمية الإنسان, و لا تهدرها, كما يحدث فى سجوننا, و خاصة بعد نشر موضوع أيمن نور فى هذا الباب.

السجون, و إحترام آدمية الإنسان.

الجزء الأول:

التواجد بالسجن, سواء كعقوبة لجرم إرتكبه المواطن, أو إجراء وقتى إلى أن يتم النظر فى قضيته, هو قيد على حرية المواطن طبقا للقانون, و لا إعتراض لى على ذلك.

و العقوبة, , مقصود بها حماية المجتمع من الأخطار التى يمكن تفاديها بعزل المتهم عن بقية المجتمع لفترة تكفى لحمايته من شروره, كما تكفى ايضا ليكفر عما جنت يداه بينما أثناء فترة تهذيبه و إصلاحه .

و الحجز التحفظى مقصود به منع المُحتجز من التلاعب بالأدلة, أو محاولة التأثير على الشهود, أو تهديدهم . أو الإنتقام منهم, أو الهرب من البلاد, أو الإستمرار فى إرتكاب جرائم أخرى..

و لكن, عندما تكون عقوبة الحبس هى وسيلة لإهدار آدمية السجين و كرامته, و معاقبة أسرته و أصدقائه, الذين يرغبون فى زيارته, فهذا أمر لا أفهمه.

لقد زرت أحد سجون مصر مرتين خلال زيارتى الأخيرة, و لن أذكر تفاصيل تلك التجربة المحزنة, بل سأترك التعقيب عليها لأخوتى الزملاء,الذين شاء حظهم العاثر أن يضطروا لزيارة سجون مصر, ثم عانوا كما عانيت, نفسيا, و جسمانيا, من زبانية الحكم الفاسد. و ذلك بعد الإنتهاء من شرح كيف تدار السجون فى الدول المتحضرة, المتمدينة, التى تحترم آدمية الإنسان, كل إنسان.

زرت سجون إنجلترا و أستراليا فى زيارات رسمية, أى كجزء من عملى كمحاضر فى القانون, و لكن تجربتى الأخيرة كانت زيارة لأحد سجون " لييدز" فى زيارة شخصية.

فى زياراتى الرسمية, لم أتعرض للإجراءات الأمنية التى شاهدتها فى زيارتى الشخصية. و قولى هذا لا يعنى أنى أركز النظر على الإجراءات الأمنية, , و لكن بدون معرفة كل هذه الإجراءات, قد يظن القارئ أنى أتحدث عن أعمال قمعية, و لكن العكس هو الصحيح, كما سيتضح من الشرح:

ملحوظة هامة:

عند ذكر كلمة ضابط فى هذا المقال, فالمقصود به " الكونستابل" أو الكونستابل الممتاز, أو الشاويش فى النظام الإنجيزى, و ليس رتبة الضابط التى نستعملها فى مصر عند الإشارة إلى خريجى كلية الشرطة.( أكاديمية الأمن الآن)

و حتى لا أبيح أسرارا شخصية للأطراف التى سيرد ذكرها فى هذا المقال, سوف أشير للشخص الذى زرته بإسم " إكس", كما لن أتناول فى مقالى سبب تواجده هناك.

إتصل بى والد " إكس", و طلب منى أن أزور نجله المحتجز بالسجن على ذمة قضية ما, و الذى يريد أخذ مشورتى فى أمر يتصل بالقضية.

و عندما وافقت , قال لى :

طبعا , أنت راجل بتاع قانون, و فاهم إجراءات السجون.

فقلت له ضاحكا :

لقد زرت بعض السجون فى زيارات شخصية و رسمية, و لكن ذلك لا يجعلنى " بتاع سجون".

فضحك, ثم قال:

لقد وضعك نجلى فى قائمة الزوار الذين يمكنهم زيارته.

فسألت : هل ممكن أن تعطينى فكرة عن إجراءات الزيارة؟

فقال:

سوف أرسل لك فاكس يتضمن المعلومات المطلوبة.

و عندما وصل الفاكس, و قرأته, سرح فكرى إلى مصر, و وكستها فى إدارة سجونها,

و كما سبق أن ذكرت عاليه, لن أعلق تعليقا مطولا على إدارة سجون مصر, بل سأترك التعليق الكامل لكم.

تضمن الفاكس تعليمات الزيارة التى أرسلتها إدارة السجن للوالد, و ملخصها كالآتى:

الزيارة ثلاثة أنواع:

النوع الأول: زيارة مفتوحة, أى أن الزائر و السجين سيجلسان معا فى مكان واحد, فى صحبة سجناء و زوار آخرين , كما سأصف فيما بعد.

النوع الثانى: زيارة فى كابينة ( Box Visit ), منفصلة عن مكان المسجون. و لكن كل الزوار سيكونون فى مكان واحد مفتوح لهم, و منفصل زجاجيا عن السجناء الذين يجلسون فى قاعة واسعة, و بها كبائن مجهزة بتليفون للتخاطب مع الزوار

أى أن الزوارجميعهم يتواجدوا فى فى مكان واحد, و السجناء فى مكان واحد آخر, بعكس النوع الثالث من الزيارات.

النوع الثالث: ( (Secured Box Visitو يشبه النوع الثانى, و لكن لدواعى أمنية, تتم زيارة الزائر للمسجون فى كبائن منفصلة, و يفصل بينهما حائط زجاجى سميك, و الكبينة مجهزة بسماعات تليفون, و لا يرى الزائر أو السجين أى من بقية السجناء أو الزوار.أى أن لكل سجين و زائره كبينة منفصلة.

و لجميع السجناء, , الحق فى الحصول على زيارة واحدة كل يوم على النحو الآتى:

1- زيارة مفتوحة 3 مرات فى الإسبوع, , فى أى وقت بين التاسعة صباحا, و الثالثة عصرا.

2- زيارة كابينة( عادية), مرتين أسبوعيا لأسباب طارئة بعد إستنفاذ عدد مرات الزيارات المفتوحة.

3- بالنسبة للمسجونين من النوع الثالث, فإن زيارتهم تكون دائما مغلقة و مؤمنة, و لا يمكن لغير الزائر الدخول اليها. و تتم هذه الزيارة بين الساعة التاسعة, و الساعة العاشرة صباحا, فى جميع أيام الأسبوع.

و لكى يتمكن الزائر من زيارة السجين, عليه القيام بالآتى:

1- لا يزيد عدد الزوار لكل سجين عن ثلاثة بالغين , بالإضافة إلى أى عدد من الأطفال.

2- يجب أن يقدم كل زائر( تؤكد السجلات أنه مسموح له بالزيارة), إثبات شخصية , مثل رخصة القيادة, أو جواز سفر.

3- تتم مطابقة بيانات الزائر فى الكمبيوتر, للتأكد أن لديه صلاحية الزيارة

4- الزائر الذى له سجل جنائى لا يُسمح له بالزيارة.

5- بتم أخذ صورة بصمة البد اليمنى للزائر. كإثبات لشخصيته عند إنتهاء الزيارة, و قبل مغادرة مبنى السجن.

و سوف أشرح ما مررت به لدخول السحن, بعد أن أشرح بقية الإرشادات:

1- للمسجون الحق فى الإحتفاظ بقدر معين من الملابس المدنية, و إذا رغب فى تغييرها, فعليه إرجاع ما يريد إستبداله , قبيل الحصول على غيرها.

2- للسجين الحق فى الحصول على الصحف اليومية التى يمكن للزوار تقديمها فى مكتب الإستقبال.

3- من حق كل سجين الحصول من أهله على 120 جنيه إسترلينى شهريا لشراء الكماليات. و منه السجائر, و أدوات التواليت.

4- من حق السجين أن يوضع فى حسابه مبلغ لا يزيد عن عشرين جنيها لمواجهة المكالمات التليفونية المسموح بها للإنصال بأسرته, و لكن إدارة السجن لن تسمح بمكالمة لغير أهل السجين, و قبل الموافقة على الإتصال, يتصل ضابط السجن بالشخص المطلوب الإتصال به, و يسأله إذا كان يوافق على أن يتلقى مكالمات من السجين.

5- فى كل مكالمة , تدار رسالة مسجلة للشخص المتلقى المكالمة, تخطره بأن المكالمة صادرة من السجن, وأن متلقيها يمكنه فى أى لحظة رفضها, أو إنهائها وقتما رغب.

6- تعطى إدارة السجن للسجين مبلغ 10 جنيه إسترلينى لكى يصرف منها على كمالياته.

7- يمكن ترك رسائل شخصية للسجين فى مكتب الإستقبال, و لكن هذه الرسائل تخضع للرقابة.

8- ممنوع إحضار اية سجائر, أو أدوية, أو أطعمة للسجين.

كانت هذه هى الإرشادات المكتوبة, و قد تاكدت أنى قد استوعبتها تماما قبيل زيارتى ل " إكس" فى اليوم التالى.

توجهت إلى مبنى فى المدينة إسمه:

Leeds Assessment Prison

وهو السجن المستعمل فى الحالات الآتية:

1- حبس المتهمين لحين عرضهم على محكمة الجنح

2- حبس المتهمين أثناء محاكمتهم

3- حبس الأشخاص الذين صدرت ضدهم أحام حبس قصيرة المدى

4- إستمرار حبس بعض من لهم حالات خاصة, مثل المرضى بأمراض نفسية أو عصبية لا تحتاج للإقامة فى مستشفى.

5- حبس المحكوم عليهم بالحبس الذين يتراوح سنهم بين 15, و 18 سنة, فى جناح خاص مؤمن.

و عند إقترابى من المبنى, ظننته مستشفى عام, حيث لم أرى أى تواجد لقوات بوليس أو أمن ( مركزى), بل باب زجاجى كأبواب البنوك.

دخلت إلى قاعة مغطاة بالموكيت( السجاد من حائط لحائط), مؤدية إلى باب زجاحى كبير, فتحناه, و دلفما إلى قاعة الإستقبال.

على يمين القاعة, كان هناك مكتب مثل مكاتب إستعلامات الفنادق 5 نجوم, و على سطح المكتب, تواجدت ثلاثة كمبيوترات, و حوالى خمس تليفونات, و كان يجلس فى هذا هذا المكتب ضابطتين من ضباطات السجون, و هم موظفون مدنيون, يتبعون وزارة العدل, و يرتدون زى خاص يختلف عن زى البوليس, و لا يحملون سلاحا..

كان هذا المكتب مخصصا لرسائل, و حاجيات المساجين, بحيث إذا أراد زائر ترك رسالة, او وضع النقود الشهرية فى حساب السجين, أو تغيير و إستبدال بعض الملابس, فهذا المكتب مختص بهذه الأمور.

أما المكتب الواقع على اليسار, فقد كان مخصصا للزيارة, و كان يديره ضابطان, أما كل منهم كمبيوتر, .

و المساحة التى تحتلها القاعة قبل الوصول إلى هذه المكاتب كانت مفروشة بمقاعد فوتيه , من آخر طراز مريح, و كانت يافطات الإرشاد معلقة فى كل مكان.

كما كان بالقاعة 4 ماكينات للبيع آليا مثلجات غازية, و بسكوت, و شوكولاتة, و شيبس.

لاحظت و أنا منتظر دورى لكى أحصل على إذن الدخول, أن خلف هذه القاعة, تواجدت قاعة أخرى واسعة, بها مقاعد إنتظار للزوار الذين تم فحصهم, كما لاحظت تواجد عديد من الخزائن الحائطية, مثل التى توجد فى النوادى الرياضية لحفظ الملابس و الممتلكات, و كان عددها حوالى 80 خزنة.

و فى مؤخر هذه القاعة, و قبل الباب الزجاجى ألمؤدى إلى المرحلة التالية, رأيت علامات تفيد أن هناك تواليتات للرجال و السيدات. ( أفخر من التى رأيتها فى فى مطار القاهرة الدولى, الرجاء الرجوع إلى المقال)

ملحوظة هامة رأيت أن أسجلها هنا قبل أن ندخل فى بقية التفاصيل.

جميع ضباط السجن الذين قابلونا فى هذا القسم هم من درجة تعادل درجة الأمباشى, أو الشاويش, و كلهم مرتدين يونيفورم محترم, و يخاطبونك بكلمة:

سيدى.... سيدتى.... آنستى.

تقدمت إلى القسم الخاص بالزيارة, و سألنى الشاويش:

إسم الزائر من فضلك:

فقلت:

السيد" إكس" كذا.

فدق على أصابع الكومبيوتر, و نظر إلى رخصة القيادة التى يجب أن تكون خارج المحفظة, ثم نظر إلى إسمى, و قارنه بقائمة المسموح لهم بزيارة هذا الشخص, ثم سألنى:

هل تريد زيارة مفتوحة, أم زيارة كبينة؟

فقلت: زيارة مفتوحة

فدق مرة أخرى على مفاتيح الكمبيوتر, للتأكد أن الزيارة المفتوحة لهذا الأسبوع لم تستعمل بعد.

أعاد الضابط لى رخصة القيادة, ثم أعطانى بطاقة زرقاء, و مفتاح لخزنة صغيرة, ثم قال لى:

ضع كل شيئ معك عدا ساعة معصمك فى هذه الخزانة التى تحمل الرقم المطبوع على البطاقة المصاحبة للمفتاح( و أشار إلى دواليب الخزائن المرصوصة على الجانب الأيسر من القاعة) و بعد إنتهاء الزيارة, أعد المفتاح لنا, لا تنسى يا سيدى أن توقع على إستلام المفتاح قبل ترك هذا المكتب, كما يجب أن توقع ايضا عند إعادة المفتاح.

ثم أضاف: هذا الكارت الأبيض مكتوب عليه رقم دورك فى الدخول, فأرجو التفضل بالجلوس بعد قفل الخزانة, على أحد الفوتيهات الموجودة بالصالة, و سوف تشاهد شاشة تليفزيون تشرح جميع الإجراءات المتبعة هنا, كما ستعرض بيانات خاصة بجميع سجون إنجلترا, و قواعد زيارتها, و عند رؤية رقمك ( و كان رقم 4) توجه لهذا الباب الزجاجى الذى يوجد فى نهاية الصالة, و أضغط على المفتح الأسود, و سيتغير لون البقعة المضيئة من اللون الأحمر, إلى اللون الأخضر عند السماح لك بالدخول.

و أثناء جلوسى منتظرا, دخلت القاعة شابة فى منتصف العشرينات,من قوات البوليس, ترتدى أوفرول قوات مكافحة الإرهاب, و تحمل رتبة كونستابل ممتاز, و كان معها ضابط آخر بنفس الملابس و نفس الرتبة, و قال هذا الضابط للزوار:

نأسف لتعطيلكم ثوان, نرجوا منكم الوقوف موازين للحائط, وواضعين أيديكم إلى جنبكم,

و رصصنا أنفسنا بجوار الحائط, و هنا رجعت الضابطة الأولى إلينا بصحبة كلب بوليسى, و مررته أمامنا, حيث شم كل منا بتأنى, و تكرر ذلك مرتين, .

أعلن بعدها الضابط إنتهاء التفتيش المفاجئ بحثا عن مخدرات, معتذرا عن أية مضايقة.

و قبل أن أجلس على المقعد مرة أخرى , لمحت رقمى على شاشة التليفزيون, مصحوبا برنة اليكترونية, فقلت لنفسى : هانت.

سأتوقف هنا لكى أعطيكم, و أعطى نفسى راحة, و سأستكمل الموضوع فى المداخلة التالية.

و شكرا لقراءة الموضوع.

السجون: الجزء الثانى:

توقفت بكم أمس عندما ظهر رقم زيارتى على شاشة التليفزيون,

توجهت إلى الباب الزجاجى طبقا للتعليمات, و ضغطت على الزر الأسود, و أنتظرت إلى تحول لون لمبة صغيرة من اللون الأحمر إلى اللون الأخضر, و دفعت الباب, و قرأت على الحائط المقابل يافطة تقول:

"رجاء التأكد أن الباب مغلق حتى يمكنك دخول المرحلة الثانية ".

تأكدت من إغلاق الباب, و رأيت حجرة فى داخل الحجرة, و كانت هذه الحجرة الأخرى, مقسمة إلى حجرتين, تقبع فى أحدهما ضابطة, ترصد جميع الحركات بالكمبيوتر, فهى ألتى أعطت إشارة فتح الباب.

دخلت الحجرة الخارجية, و كان بها ضابطة أيضا نظرت إلى الكارت الأزرق( الذى يدل على أن الزيارة مفتوحة) ثم أعطتنى بطاقة أخرى تدل على أنى زائر مصرح له بالدخول , و طلبت منى تعليقها على صدرى., ثم طلبت منى التوقيع فى كشف الزيارة, موضحا إسم السجين الذى أزمع زيارته.

ثم طلبت منى " بأدب جم " أن أقف على سجادة مطاطية خاصة, و طلبت منى رفع أذرعى إلى مستوى الكتف, حيث أجرت الكاشف الألكترونى اليدوى على حسدى للبحث عن أسلحة أو معادن, ثم طلبت منى أن أستدير, و أجرت البحث من الخلف, ثم قالت:

لاحظت أنك لا تحمل نقود عملة لإستعمالها لشراء مشروبات, أو شوكولاتة, أو شيبس,

فأنت مصرح لك باستحضار عملات معدنية توازى قيمتها عشرة جنيهات, و يمكنك أنت و من تزوره شراء هذه الأشياء, واستهلاكها قبل مغادرة قاعة الزيارة.

و لما شرحت لها إنى لم أقرأ هذه التعليمات إلا بعد وصولى, فلم أجد داعى لتأخير الزيارة, و مغادرة السجن, لإحضار ( الفكة).

إبتسمت الضابطة, و قالت: أرجوا أن تتذكر ذلك فى زيارتك القادمة.

ثم قالت:

من فضلك إدخل فى هذا الدهليز بعد الضغط على الزرار الأسود( و كررت التعليمات) و ستجد بابا فى النهاية هو باب صالة الزيارة, و على يمين هذا الباب, توجد دورة مياة للرجال, و أخرى للسيدات, و قد تفضل أن تستعملها لأنك متى دخلت, و أردت الخروج لإستعمالها, فلن يسمح لك بالدخول مرة أخرى.

و دخلت دورة المياة, لسببين,

الأول , لأنى كنت مضطرا لهذا.

الثانى, لمعرفة درجة تحضّر من يقومون بإدارة السجن.

و لقد نجحوا بإمتياز,

فقد كانت دورة المياة مجهزة بأحدث الأدوات الصحية, و نشافات أيدى ساخنة الهواء, و نشافات أيدى ورقية, و" سافون" اليكترونى, و تكييف هواء, و جهاز تنقية من الروائح, و صابون ممتاز.

بعد الكشف على التواليت,رجعت إلى الممر, و ضغطت على زر جرس الباب المؤدى إلى قاعة الزيارة, و الذى كان بجانبه الملحوظة ألآتية:

الرجا دق الجرس دقة واحدة.

و فور ضغطى على الجرس, فتح الباب ضابط و سألنى بأدب بأن أدخل, ثم تناول منى الكارت الأزرق,, ثم طلب منى أن أضع يدى فى جهازء قراءة بصمة الكف, للتأكد من شخصيتى, ثم أشار إلى قاعة الزوار التى سأقابل فيها نجل صديقى.

كانت القاعة مثل صالات " الفنادق" 4 نجوم, مفروشة بالكامل بالسجاد الموكيت الرمادى اللون( اللون الرسمى للسجون)

و لم تكن المقاعد فاخرة, و لكنها مريحة و نظيفة, مرصوص كل أربعة منها حول مائدة حديثة. و فى وسط الصالة كانت توجد كابينة زجاجية واسعة, يجلس فيها ثلاثة ضباط, و كان أحدهم يجلس قبل مكتب يوجد فوقه جهاز كمبيوتر , و فى نهاية الصالة, رأيت بابا مفتوحا يؤدى إلى حديقة خارجية, محاطة بحوائط عالية, و مرصوص بها عدد من الموائد و الكراسى فوق الحشيش, و تحت ظل الأشجار, كما لو كنت فى كازينو سياحى.

و فى ركن من الصالة رأيت ثلاجة مياة, و بجانبها أسطوانة مملوءة بكوبات بلاستيكية, و فى نهاية الصالة, رأيت ركن مخصص للعب الأطفال, و بعض مجلات الأطفال, و أقلام للرسم, وورق لزوم الرسم و الكتابة .

و ف ركن من القاعة, رأيت ثلاجات البيع الآلية التى ذكرتها الضابطة أثناء دخولى هذا القسم.

جلست بجانب إحدى الموائد, و انتظرت قدوم نجل صديقى, و بعد خمس دقائق, رأيته فى الحجرة الزجاجية, يتخاطب مع ضابط السجن, الذى أدخل إسمه فى الكمبيوتر, مسجلا موعد بداية الزيارة, ثم فتح الباب الزجاجى, و دلف إبن صديقى إلى القاعة.

تعرف على ّ إكس, لأنى كنت زائرا دائما لعائلته, و أسرع للقائى, ثم عانقنى, قائلا:

شكرا لحضورك يا عمى.

نظرت إليه, و كان فى صحة جيدة, و حليقا, و نظيفا, و لكنه كان مرتديا " اوفرولا أخضر" فسألته:

هل ترتدون ملابس السجن طول الوقت؟

فضحك و قال:

لا يا عمو, هذه هى ملابس الزيارة.

ثم شرح لى بعض الأمور التى أردت الإستفسار عنها:

قال:

نحن نرتدى ملابسنا الخاصة, التى يمكن أن نستبدلها بملابس أخرى إذا رغبنا, و لكن لعدم تواجد مساحات كبيرة فى الزنزانات, فإن كل سجين مسموح له بقدر معين من الملابس, يدرج كشف بها فى الكمبيوتر, و الطريقة الوحيدة لتغيير ما يحتفظ به هى أن يعيد إلى أهله بعض الملابس التى يريد إستبدالها.

و فى زيارة الكابينة, لا يرتدون أوفرول السجن, بل يرتدون ملابسهم المدنية, و لكن فى الزيارات المفتوحة, فقبل لقاء الأقارب, مطلوب السجناء أن يقلعوا القميص, وأن يرتدوا الأوفرول, المجهز بطريقة تمنع نقل أية أغراض من الزائر إلى السجين, مثل اسلحة, أو مخدرات, أو نقود.

ثم أضاف قائلا ردا على عديد من أسئلتى:

1- يقيم كل منا فى زنزانة صغيرة, مجهزة بسرير, و دولاب صغير, و جهاز تليفزيون, و تواليت به دش ساقع و ساخن.

2- لا ندخل هذه الحجرة إلا للنوم(أى بعد وجبة العشاء), أو أثناء التفتيش.

3- نقضى بقية اليوم فى نشاطات, منها المكتبة, صالة التليفزيون, المجهزة بمقاعد و موائد, كما نقضى بعض الوقت فى الجيمنازيوم المجهز بأحدث أدوات الرياضة الداخلية.

4- يمكننا الخروج إلى الحديقة أثناء النهار, للتريض, و الإستمتاع بالشمس, إذا وجدت.

5- نأكل ثلاث وجبات كافية جدا, و ممنوع إستيراد طعام من الخارج.

6- إذا أردنا أكل إضافى, فيمكن شراء ( Snacks أى وجبات خفيفة) من البوفيه.

7- تصرف إدارة السجن الأدوية المصرح بها من طبيب السجن فقط, و يتم توريدها مجانا بمعرفة السجن, حيث أنه من الممنوع أن يحصل أى نزيل على أية أدوية أو أطعمة من خارج السجن.

8- يزور السجن أطباء كل صباح, و توجد عيادة طوارئ 24 ساعة فى اليوم.

9- يزور المسجونين أطباء نفسيون مرة كل أسبوع, أو إذا دعت الحاجة.

10- للسجين حق قراءة الجرائد التى يمكن للزوار إحضارها, و إيداعها فى مكتب الخدمة.

11- للسجين الحق فى الإحتفاظ بعدد 6 كتب, و يمكنه تغييرها بغيرها, بشرط عدم الإحتفاظ بأكثر من 6 كتب فى وقت واحد.

12- يمكن للسجين الإتصال تليفونيا بأسرته إذا وجدفى حسابه قدر من النقود المتاحة له كما ذكرت فى المقدمة, للإتصالات التليفونية.

13- الإتصال التليفونى مقصور على أفراد الأسرة, و فى كل مرة يتم الإتصال, تبدأ المكالمة بإنذار أن هذه المكالمة صادرة من السجن, و أنه قد يمكن تسجيل محتوياتها.

14- إذا لم يرغب الشخص الذى تم الإتصال به قبول المكالمة, كل ما عليه فعله هو إنهاء الإتصال.

تكلمت مع " إكس" لمدة ساعة, لاحظت أثناءها إقبال الزورار على شراء المشروبات و السوكولاتة و البسكويت, لهم و لمن يزورونهم.

و حكى لى " إكس" عن ظروف حبسه, ثم وعدته بمتابعة موضوعه مع محاميه, و تعانقنا, ثم ترك القاعة, و انتظرت إلى أن اختفى داخل دهاليز السجن,و تم تفتيشه قبل أن يسمح لى ضباط السجن بالخروج من القاعة.

رجعت إلى القاعة الوسطى, حيث سلمت كارت الزيارة, ووقعت بأنى تركت السجن, ثم تم فحص بصمة يدى إليكترونيا, و بعدها ذهبت إلى المكتب الأمامى, حيث إسترجعت من الخزنة ممتلكاتى الشخصية, ثم سلمت مفتاح الخزنة لمكتب الإستقبال , بعد التوقيع على إعادة المفتاح.

و أثناء مغادرتى مبنى السجن, قالت لى ضابطة السجن الجالسة على مكتب الإستقبال:

Good bye Sir ( بمنتهى الإحترام )

طوال هذه الزيارة,لم أرى ضابط أو ضابطة برتبة ملازم, أو ملازم أول أو رتبة أعلى,

و لم أرى مظاهر سلطة, أو تسلط, أو منظرة , أو تعالى..

لم أرى أى من مظاهر "الواسطة" أو " المحسوبية" فمن يحاول ذلك سوف يتم طرده فورا,

لم أرى من يقول :

أنا من طرف فلان.

أو يقول:

إنتا عارف أنا مين؟

أو يقول:

معلهش يا باشا ,أنا فى عرضك. ربنا يخليك

لم أرى سجانا واحدا يهمس طالبا رشوة, ( إكرامية الحرامية)

لم أرى سيدات يرتدين ملابس مبهدلة, ووجوه مكفهرة, يطفن لتحصيل الإتاوة الرسمية اليومية للزيارة, ثم نكتشف فى النهاية أنهن " سجانات".

لم أرى السجانين و السجانات خارج السجن يتقاسمون علنا, و فى عرض الشارع, حصيلة اليوم من الإتاوة المفروضة على السجناء و زوارهم.

لم أرى عساكر تحضر كراسى من الخارج للزوار المريشين , و الراشين.

لم أرى عساكر تطوف موقف السيارات, و تعظم الزوارعمال على بطال, طمعا فى " حلوان"أو إكرامية.

لم أرى طوابير زوار يحملون حلل المحشى, ,و زجاجات الماء, و مشنات العيش, و أكياس الفاكهة, التى يدفعون فيها نصف دخلهم الشهرى, رغم علمهم أن نصفها, أو أكثر سيرى طريقه إلى كروش غير مستحقيها.

لم أرى عشرات القطط التى توافدت, و قبلت الحبس الإختيارى تحت أقدام الزوار و السجناء, منظرين الفرصة لإلتقاط الفتات المتروك من الزوار.

لم أرى هذه الأمور لأنها لا تحدث إلا فى البلاد التى تذل مواطنيها, و لا تحترم آدميتهم.

و رغم أنى وعدت فى مقدمة الموضع أن لا أعلق على الأوضاع فى سجون مصر, إلا أنى لا أعتبر سطورى الأخيرة تعليقا , بل هى بعض مشاهد مما رايته فى سجوننا, و أنفت أن أعلق عليها فى حينه.

و الآن, أترك لأعزائى الأعضاء الساحة مفتوحة, لكى يصُولوا, و يجُولوا فيها تعقيبا.

و تقبلوا تحياتى.

جميل ان يلفت نظرك موضوع السجون واحترام آدمية الانسان فيها! والاسواء الا يلفت نظرك عدم احترام آدمية الانسان خارج السجون!!!!!

السجين يعرف ويتقبل تحديد وتقييد حريتة لانه فى سجن، ولكن من هو خارج السجن كيف اقنعة بتقييد حريتة؟ لا لحرية التعبير. لا لاستقلال القضاء(الذى له علاقة بآدمية السجين) لا لحرية ممارسة العبادة فى دور العبادة لا لحرية التعليم وممارسة الحياة الجامعية، لا لتكافؤ الفرص والترقى للاصلح والاكفاء بل للمحاسيب وسيطرة الامن على كل ممارسة للحرية

تم تعديل بواسطة mohameddessouki

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران173MOHAMEDDESSOUKI

رابط هذا التعليق
شارك

اعتقد مافيش مجال للمقارنة بين مصر وانجلترا فى الموضوع دة

انما الفيصل فى الموضوع انه كلما زاد التحضر كلما كان هناك قيمة للانسان وانسانيتة

احنا وصلنا لمستوى فى الهمجية وعدم احترام الانسان لدرجة ان بقى المدرس لا يحترم

والطبيب لا يؤتمن والعالم لا يكرم ولا نعترف الا بالقوة والسلطة

ربنا يستر على المجتمع كلة

رابط هذا التعليق
شارك

شكرا لك يا أخت نانسى على تعليقك,

و احترام آدمية الإنسان هو عموما تكريم للإنسان الذى خلقه و كرمه الله,

تقلبلى تحياتى.

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

الاستاذ الأفوكاتو

اشعر بالحيرة اليس هؤلاء الاشخاص هم من ارتكبوا ابشع الجرائم ضد الانسانية في ابو غريب والبصرة. و كذلك اسمع عن كثير من التجاوزات و الانتهاكات التي تحدث في سجونهم من اغتصاب و قتل بين السجناء انفسهم و بين السجناء و الحراس..

هل شاهدت فيلم "وداعا شاوشنك"..

هل هذه اكاذيب او حالات فردية..

هل نطمع في تحليل منك لهذا؟

أبو العبد الفلسطيني

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزى الأخ ميكى,

إن ما نراه فى الأفلام لا يمثل دائما الحقيقة, و شرحى لما رأيت يعكس ما يتطلبه القانون, و ما يمكن توقعه من سجانى السجون و محافظيها.

و لكن هنك حالات فردية من قسوة السجانين, الذين يُوقع عليهم أقسى العقوبات لإنتهاكهم القانون.

و بالنسبة لما حدث فى سجون العراق من إنتهاكات, فتفسيرها هو أن الجندى الذى ترسله دولته إلى بلد آخر ليقتل أهلها لا يُنتظر منه أن يتصرف بتمدن أو إنسانية, أو يحترم قانون غير قانون القتل و القسوة الذى تدرب عليه المقاتل.

و السجون الإنجليزية تدار بإدارة " مدنية" و ليست عسكرية, أو بوليسية. كما أن جميع شكاوى المسجونين تحظى باهتمام كامل من المحاكم المدنية. و هناك هيئة خاصة لسماع شكاوى المساجين و عائلاتهم, و توصياتها تحظى باهتمام و تأييد الحكومة.

و أخيرا, فإن نوعية "السجين" قد تجبر إدارة السجن على الإتيان بأفعال مخالفة للقانون, و لكن هذه حالات فردية نادرة, لا تغير المناخ العام الذى يحترم آدمية الإنسان, حتى لو كان قد ارتكب جرما.

تقبل تحياتى.

أعز الولد ولد الولد

إهداء إلى حفيدى آدم:

IMG.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

شكرا يا استاذ الأفوكاتو

و الله ان الانسان ليحزن علي ما وصلنا اليه من حال.. نحن الذين اكرمنا الله بخير دين واعلمنا بعظم خلق الانسان و حرمة دمه و ماله الا بالحق و علمنا حرمة الرشوة و المحاباة بل و علمنا كيف نعامل الحيوان يصل بنا الحال الي ما نحن فيه ..بينما الامم المادية التي لا تقيم مبادئها المادية للانسان شيئا و هي بالفعل تعتبره شيئا مجرد مادة تعامل مواطنيها بهذا الشكل..

حسبنا الله و نعم الوكيل علي من ظلم...

أبو العبد الفلسطيني

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...