Riyadh بتاريخ: 22 مارس 2001 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 22 مارس 2001 فى انتظار الصباح بقع الضوء المتباعدة لم تكن كافية للإيغال بالحارة الطويلة، ذات التعرجات والهواجس، والأرض الترابية المحتفية ببقايا طعام، أو أكوام القمامة، على الجوانب، وكلما تحركت تحركت معى بعض الروائح المنبعثة من الأركان والزوايا، أغلب لمبات أعمدة النور مطفأة أو غير موجودة أصلاً. البيوت القديمة دائماً محملة بمكنون ما ولكنها تكتفى بالإيحاء به، ليست مجرد بنايات أسمنتية صلدة وشاهقة تملأ العابرين بالضآلة والغربة، البيوت القديمة منشغلة بحديث لها فى الليل بلغة تذوب فى الهواء وتجعله ثقيلا بعض الشىء، لغة تصل الأرض بقبة السماء، تسرى بين الجدران التى أكلت الرطوبة أطرافها وبين الشبابيك الخشبية العريضة وآثار الطلاء التى صنع تساقطت أطرافها بعض اللوحات الحوشية، فبدت معبأة بخبرات طويلة صامتة، صاخبة، كانت ترتفع حتى تكاد تلتصق من أعلى، لكنها حريصة على إبقاء فجوة بينية تغطيها السماء وتعبر منها النجوم أو يطل منها القمر. الحارة فى هذا الوقت من الليل، أكثر دفئاً واقتراباً، نائمة كانت تحت طبقات من الظلال والظلام، تاركة خلفها الشوارع الرئيسية الواسعة والتى تتوركها البنايات الضخمة على الجانبين، مفرودة الصدر، هائجة اللافتات، لامعة الزجاج، صلدة النوافذ، ذات الألومونيوم الأبيض والداكن، وقد تخلت عن ألفة الخشب، تضج بمروق السيارات العجلة المزمجرة. أريد أن أصعد فى هدوء، وأفتح الباب وأضع الحقيبة وملابسى عنى ثم أدخل المطبخ وأخرج منه أكثر امتلاءاً برغبة النوم، وكأن الأمر عادى جداً سأنام، ثم أستيقظ متأخراً، دون أن يقلقنى أحد، آآه لو كان لى بيت فى هذه الحارة، أو أى حارة ، لو كان بوسعى أن أتوقف عن الدوران والسعى الحثيث نحو الصباح. لو يخرج لى أحد الأصدقاء القدامى من خلف أحد هذه الأبواب الخشبية، فارداً ذراعية، وهو لايصدق أننى هنا، وفى هذا الوقت من الليل، مصراً أن أبيت لديه، سأصر طبعاً أن يجعلها فرصة أخرى، وسأقسم أننى مشغول جداً، ويكفى أننى رأيته وسوف أعود إليه بالتأكيد عندما يكون الوقت مناسباً، ولكنه طبعاً سيرفض هذا التملص وسيصر طبعاً ، سيصر أن أدخل معه، لكننى لاأستطيع، بالفعل لاأستطيع، فهناك من ينتظرنى الآن، ثم إننى لابد أن أعود إلى البلد، وهذا آخر موعد للقطارات قد أوشك، وفى النهاية سأضطر فقط لشدة إلحاحه، وبعد تهديده بالمعاملة بالمثل أن أقبل ممتعضاً ومتعجباً من تصلبه الغريب !!!، وبصراحة لولا معزته لدى ماكنت أهملت مواعيدى كلها إلى هذا الحد، لأقضى معه هذه الليلة. بعض الشبابيك لها براويز أسمنتية مكسرة الحواف وقريبة من الأرض، وكأنها إطار ضخم للوحة قديمة، هنا فى القاهرة يصرون أن يغلقوا المساجد فى الليل، ولديهم مبررات لانعرفها فى البلد. آلامى المخزنة فى المفاصل تكفيها فقط دقائق من الراحة حتى تنشط ثم لايمكن بعدها أن أتحرك مرة ثانية. كان العرب قديما إذا نزل بساحتهم عابر يمسى ضيفهم ثلاثة أيام، يذبحون له الذبائح، ويجيرونه من عدوه، حتى يتولى عنهم، محبور النفس، سالم الصدر، موفور الصحة، جديد النشاط، لم تكن هناك هذه البنايات الهائلة التى تبدو شرفاتها مقابض أدراج مكتب ضخم. ياااه ... هناك الآن من هو جالس خلف هذا الباب يشاهد فيلما مثيراً خلف أبخرة كوب من الشاى، وربما بعضهم يرى أحلاماً سعيدة تحت غطاء دفىء الملمس. ترى هل سيأتى الصباح حقا...؟ Mohammed Riyadh Al-Shorbagy رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان