اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها... ولكن أحلام الرجال تضيق


KANE

Recommended Posts

محمد كريشان: أهلا بكم.. أستاذ هيكل جرت العادة في هذا البرنامج أن نقدم حلقة خاصة بين كل مجموعة واخري من الحلقات بمعني ان الاستاذ هيكل خصص العشرين حلقة الماضية للحديث عن أيام يوليو، والجزء التالي سوف يشرع في سلسلة جديدة بعنوان 'الولادة العسيرة'. وبين هاتين المجموعتين فنحن امام حلقة خاصة.. إطلالة علي الشأن الجاري حتي نطلع علي بعض الملفات الساخنة في الساحتين العربية والدولية. نخصص بالتحديد التحليل لثلاثة ملفات، هي إيران والعراق وفلسطين.

.......... أستاذ هيكل قبل أن نفتح هذه الملفات الثلاثة، اذا اردنا ان ننطلق من نظره بانورامية عامة فما الذي يمكن ان يقال؟

هيكل: وأنا في الطريق (إلي هنا) كنت أفكر في انك سوف تبدأ بالملفات الساخنة، تصورت ان نضع شبه خريطة نضع مساحة نحدد عليها المواقع، لأن القضايا التي اشرت اليها بحق تعد قضايا ساخنة، لكن إلي جانب القضايا الساخنة نحن في حاجة لإطلالة سريعة علي المشهد.. وأنا في الطريق تذكرت واقعة غريبة، لكني اتصور انها معبرة جدا عما يجري فمنذ فترة قريبة، حل عليٌ ضيفا في منزلي بالريف رئيس القسم الدولي السابق بجريدة 'التايمز' كنا نشاهد فيلما، تصادف أنه فيلم بوليسي، مليء بمشاهد الرعب، ضيفي رجل كبير، ولديه تجربة طويلة سياسيا، ودوليا، ومن عائلة مشهورة في تاريخ الادب الانجليزي. كنا نشاهد الفيلم البوليسي بعد مناقشات استمرت طول اليوم. وفي الفيلم كان هناك شخص يريد قتل آخر، وهناك متربص. ومتآمر وشخص يقتل في حادث سيارة.. وفجأة في وسط الجلسة هب (ضيفي الصحفي) البريطاني واقفا وقال: هم بيخوفونا ليه؟ انا بصراحة خايف من العالم اللي احنا فيه.. طلب مني اغلاق التليفزيون، فأغلقناه واسترحنا!

....... المصيبة الكبري أنني اشعر وكأن المشهد السياسي العام اشبه برواية بوليسية. والكارثة اننا لا نستطيع اغلاق جهاز التليفزيون، راضين بدور الضحايا، والابطال، ونحن القاتلين، وكل ما تريده.. اردت وانا قادم أن أضع امامك عدة مشاهد، اذكرها حسب الترتيب: الأول ان هذه المنطقة اصبحت اشبه ما تكون وقد عادت 'للمسألة الشرقية' والدولة العثمانية التي كانت 'رجل اوربا المريض' فنحن في منطقة العالم العربي اصبحنا الرجل المريض في العالم.. ثانيا، ان هذه المنطقة وضعت رهانها كله علي امريكا وقد خسرت هذا الرهان لكنها تتصرف كما يتصرف أي مقامر خاسر، لايريد ان يترك المائدة، وصاحب 'الكازينو' لايريد اقراضه (نقودا) وأن هذا المقامر بدأ يتسبب في مشاكل، وقيام أمن الكازينو بإخراجه وأنا في حياتي لم أمارس هذه اللعبة، لكني دخلت كازينوهات لمشاهدتها، ولا اعرف العب طاولة حتي الشيء الثالث، اننا اهملنا محيطنا كله، اهملنا شرقا وغربا، بينما هناك القوي النامية لاتفرط في ذلك. فنحن اهملنا اوربا الغربية عندما راهنا علي أمريكا، وأهملنا آسيا وهي صاعدة مثلما الهند والصين لنفس الشيء.. الملاحظة الرابعة، ان القوي المحيطة بالاقليم العربي، اصبحت كلها اقوي من الاقليم، واتحدث تحديدا عن ايران وإسرائيل وعن تركيا.. المحور الخامس، اننا مع الأسف الشديد نسير في طرق، وموجودين في صحراء ليس فيها قمر ولا يوجد فيها نجم قطبي، لايوجد قمر يعبر عن فكرة مضيئة، تلهم، ولا يوجد نجم قطبي، (أقصد) رجل في المنطقة، او زعيم في المنطقة يشار اليه ويتبع، أو علي الاقل ينظر إليه في الملمات.. الشيء السادس انه مع ضعف الدول العربية، وحالة الانحلال الموجودة دخلنا في المرحلة التي يسميها 'هويز' اهم اساتذة الفلسفة السياسية الانجليزية، حالة 'الكل في حرب مع الكل' لأنه في غياب الدولة، واختلال اوضاع المجتمع، تسقط سلطة الدولة، أو تهتز صورة الدولة يصبح كل المتوافق عليه في المجتمع بين اطرافه قد وقع وتظل خلافاتهم فتصبح حرب الكل ضد الكل، وفي هذه الصورة الصعبة تصبح إسرائيل وهي الخصم الذي نواجهه، سواء اطلقنا عليها الخصم أو العدو او أي تسمية، هي الطرف القادر علي الاتصال بكل الاطراف التي اهملناها، وبكل الافكار التي لم نقبلها ولم نتصورها، وبكل العصور الرافضين للدخول فيها.. قلت اضع امامك هذه النقاط في البداية.

الملف الايراني

كريشان.. جيد في هذه النقاط علي الاقل ان فيها إيران وإسرائيل...

هيكل: وإيران بالتحديد....

كريشان: بدايتنا سوف تكون مع إيران وقد عنونت بعض الصحف 'أخيرا.. فعلتها إيران' بعد كل التهديدات، والأخذ والرد، أعلنت توصلها إلي تخصيب اليورانيوم، والضجة حول هذا الموضوع، برأيك أي أثر سوف يكون لهذه الخطوة؟

هيكل: أنا اعتقد ان إيران ومنذ قيام الثورة الايرانية وهي تشعر انها مستهدفة، ولمواجهة الحقيقة فالثورة الايرانية كانت اكبر تغيير استراتيجي شهدته المنطقة في الجزء الاخير من القرن العشرين.. وإلي جانب انها مستهدفة فقد تم تحريض الاقليم عليها فظلت باستمرار تشعر بالخطر، ومثل اي دولة بدأت تسعي للخيار النووي... وأنا في الفترة الاخيرة التقيت ثلاثة اشخاص لهم علاقة بهذا الملف.. قابلت الدكتور محمد البرادعي (مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية) و (الرئيس الايراني) محمد خاتمي لعدة ساعات في الفترة الاخيرة وكوفي عنان سكرتير عام الامم المتحدة مرتين علي الاقل في الفترة الاخيرة...

واعتقد ان الايرانيين لعبوا اوراقهم بذكاء شديد جدا. وكان واضحا أن الايرانيين مصرون علي تحقيق هدف التخصيب، لكن هنا توجد قضيتان: الاولي، أن ايران تسعي الي امتلاك قوة تردع آخرين عن المساس بها. ثانيا: هناك آخرون يريدون منعها بكل وسيلة، لهدفين: الأول المعرفة لأن المعرفة هي العالم، هي المستقبل، هي العصر والزمن، فهم يريدون منعها لذلك.. وهذا معلن!

... الشيء الآخر أن هناك رغبة لتغيير النظام، وبدراسة تصرفات الرئيس الأمريكي جورج بوش والإدارة الأمريكية كلها يتأكد أن هذا هو الهدف الموجود.

.. النظام (الإيراني) لم يخف نواياه منذ البداية، قال إنه يسعي إلي هذا باعتباره معرفة ولا أسعي إلي الأسلحة. لكن الإسرائيليين كانوا علي دراية أكثر من أي طرف آخر وهم أكثر عنصر ملح في هذا الشأن كانوا علي معرفة بأنه ليس هناك هذا الفاصل الكبير بين المعرفة والأسلحة، وبالتالي حاولوا عرقلة المشروع.. إيران استطاعت أن تستفيد فائدة مهولة من ظرف ناشئ في العالم كله، فبعد أحداث 11 سبتمبر ­ بغض النظر عن ملابساتها ­ مر العالم بلحظة سياسية ليس لها قواعد، فالأحداث الكبيرة المفاجئة في السياسة الدولية علي النحو الذي جري في 11 سبتمبر ترتب عليها انشغال أمريكا به، ونتائجه، خاضت حربين في أفغانستان، وخربت في العراق، لكن في فترة الانشغال الإيراني لعبوا أوراقهم بذكاء وكل الناس الذين ناقشتهم (في هذا الملف) قالوا: إن إيران تسعي لكسب الوقت، أمريكا تري أن إيران تسعي لذلك كانت قلقة ولكنها عاجزة ومشغولة بأشياء أخري (الحرب المزعومة علي الإرهاب). إسرائيل في هذه الفترة لم تفعل شيئا إلا التركيز علي إيران، والشيء الغريب الذي تناولته من قبل أنه ليس هناك سياسي إسرائيلي ذهب إلي أي مكان في العالم العربي إلا ولمس الموضوع الإيراني كما لو كان الأولوية الأولي.. كانوا يشعرون أن إيران في وضع أفضل لأنها تملك الموارد، والاستقلالية في القرار إلي حد ما.. ولديها الكادر الإنساني الذي تستطيع به تنفيذ طموحاتها.. فضلا عن استفادتها من تجارب أخري. وبالتالي فهي سعت لاستغلال الوقت، ونجحت.. الدكتور عبدالقادر (القدير) خان (عالم نووي باكستاني) فرض عليه في الفترة الأخيرة أن يخضع لعملية استجواب بواسطة خبراء من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A ليل نهار لكي يعرفوا ماذا أعطي لإيران بالضبط.. إذن فإيران استطاعت أن تمارس إرادة معينة، واستطاعت أن تحدث اختراق معين، لكن في هذه اللحظة أعتقد أن إيران مهددة وهو في اعتقادي تهديد مكلف جدا، هناك دوافع كثيرة تدعو أمريكا لتوجيه ضربة لإيران وهناك عوامل تدعو إلي التمهل، ومن بين ما يدعو لتوجيه ضربة لإيران الضغط الإسرائيلي، فإسرائيل لا تطيق أن تشاركها دولة أخري في المعرفة النووية فضلا عن السلاح وهذه قضية أخري، وأمريكا في نفس الشيء لكن واشنطن حاولت بكل الوسائل النفسية لكي تعطل، لكن هذه الوسائل النفسية لم تنجح. نحن رأينا المناورات العسكرية التي نفذتها إيران، خرجت بالبوارج والصواريخ وقامت باستعراضات، وهو الأمر الذي أثار ضجة، لكننا نسينا في المقابل أن الأمريكان نفذوا من قبل أكبر مناورات حية في نفس المنطقة، لذا فما فعلته إيران لم يكن أكثر من رد...إيران تدرك أن لديها وسائل للدفاع عن نفسها.. أنا أعتقد في هذه المسألة أن الخوف الأكبر هو الخوف الإسرائيلي.

كريشان: هل تعتقد أن إيران استفادت من تجربة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأنها لم تعلن الدخول في مواجهات حادة إلا بعد توصلها لعملية التخصيب، بمعني أنها لم تطلق تصريحات نارية أو مخيفة ­ علي الأقل بدرجة معينة ­ إلا بعد أن تأكدت من أنها محمية أو محصنة، فاختارت النموذج الكوري الشمالي (في تشدده) علي غيره من النماذج؟

الإيرانيون لعبوا أوراقهم بذكاء.. والشيء الأساسي أنه لم يحدث في أي وقت من الأوقات أنهم أخفوا نواياهم، الخطر باستمرار عند الأطراف في السياسة الدولية هو كلام البعض.. حيث إن النوايا أكبر من قدراتهم، لكن الذي استطاع الايرانيون القيام به وهذه نقطة لابد أن تسجل لهم أنهم عبروا عن نوايا، أعلنوا عنها بطرق مختلفة، وبلهجات ونظرات متفاوتة بين القوة والهدوء.. بمعني أنه في وقت خاتمي كانت اللهجة هادئة، وفي وقت رفسنجاني كان هناك تعبير بطريقة أخري، وهكذا في فترة (الرئيس) أحمدي نجاد.. ولكنهم علي كل الأحوال لم يخفوا نواياهم، والأهم من ذلك أن هناك من جعل ما حققه قريبا من نواياه المعلنة وهذا العنصر ­ في اعتقادي ­ الذي يعطي منطق الأخلاق إلي جانب القدرة.... ورغم أن الإيرانيين لعبوا أوراقهم بذكاء إلا أننا مقبلون علي مرحلة في غاية الصعوبة!

كريشان: الكل يقول، وعلي الأقل واشنطن وموسكو إن ما فعلته إيران خطوة في الاتجاه الخاطئ.. فما هي مواصفات أن تكون خطوة في الاتجاه الصحيح؟

هيكل: الاتجاه الخاطئ أن تفعل ما يحرمه عليك القانون، هذا خطأ أن تفعل ما تحرمه عليك ضرورات أمنك.. أي دولة في العالم مرتبطة بعدة أشياء: منها القانون العام الذي يحكم العالم، ممثلا في الأمم المتحدة، وما يتصل به. الشيء الآخر هو ضرورات أمنك، أما المحور الثالث فهو طموحاتك الطبيعية وهنا نتحدث عن علم المستقبل (الطاقة النووية) نحن حاولنا (المشروع النووي المصري) بغض النظر عما تم، لكن الإيرانيين وبمنطق طبيعي جدا (انطلقوا في هذا الطريق) لأنه علم العصر، والدول كلها تعمل في التخصيب، ولو فكرنا في رصد عدد الدول فأنت أمامك علي أقل تقدير من 12 14 دولة في هذه اللحظة تعمل في التخصيب، لكن هناك من هو راغب في هذا العالم بأن يكون هناك علم مسموح به، وعلم محجوب، وهذا لا يجوز.. لأن العلم معناه أن تعيش عصرك.. الشيء الآخر (في الخطوة الإيرانية) أن إيران بلد مهدد وجيرانه منذ اليوم الأول (بعد الثورة في 1979) حاولوا غزوه، ليس فقط العراق، لكن بعض الأطراف العربية رتبت في مرات عدة لعمليات غزو إيران من الطرف الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، وفي هذا الشأن تم الترتيب مع القبائل، وذهبت قوات حتي تدخل مع القبائل في حرب عصابات، وصرفت مبالغ.. وذهب ضباط الاتصال ثم لم يظهر أحد علي الجانب الإيراني، وإلي جانب التهديد الإقليمي فهناك المحيط الدولي يبدو صعبا من حوله، وإسرائيل ترغب في احتكار المعرفة النووية، فلديه المبرر الأمني كله بعد المبرر العلمي لأن يحاول الوصول إلي عوامل القوة.. والأمر الآخر أننا نعرف أن الطاقة، طاقة البترول لها أجل محدد وأن العالم كله يبحث عن بدائل، ومن أهم البدائل الموجودة في هذه اللحظة هو الطاقة النووية، وحتي لو كانت إيران لديها الطاقة النووية، أي دولة لديها موارد بترولية فليس هناك ما يمنعها لضرورات مستقبلها إذا كنا نتحدث بجدية أن تبحث عن مصادر طاقة بديلة، وهنا أنا لا أتصور أن الإيرانيين فعلوا الشيء الخطأ، لكنه حقا بكل المقاييس التي يمكن أن تضعها لتحدد طرفا وتحكم عليه.

كريشان: ولكن هل ما فعلته إيران يعتبر مكسبا للمنطقة، أو ما يسمي أحيانا في أدبيات السياسة الحديثة 'قوي الممانعة' البعض يعتبر توصل إيران لهذا المكسب سوف ينعكس بالتبعية علي العرب والمسلمين، ويعزز موقفهم في الساحة الدولية، والبعض الآخر يعتبر أن حسابات إيران داخلية بحتة.

هيكل: في بعض المجالات عنصر الاعتبار الوطني يظل دائما هو العنصر الحاكم، والعالم العربي الإسلامي قام بتمويل القنبلة النووية الباكستانية وهي قنبلة وليست تخصيبا، وفي هذا الشأن فكل اختراق من هذا النوع هو مكسب بالدرجة الأولي وطني فهذه الأسرار لا يمكن التبرع بها. لأنها أهم سلاح موجود في العالم..

نحن مرات طلبنا من الصينيين وكانوا من السابقين في هذا المجال لكنهم قالوا بوضوح قبل حرب 1973 للعقيد معمر القذافي تحديدا: الأسرار النووية ليست للبيع بين الدول، وعليكم أن تبحثوا وسوف نساعدكم مجرد المساعدة.. لأن أي طرف يحصل علي سبب من أسباب القوة الهائلة يحتفظ بها لنفسه.

وبالتالي فما حدث مكسب لإيران، أقصد التخصيب لأن القنبلة أمامها بعض الوقت في حال رغب الإيرانيون في ذلك لكن كل طرف يكسب بما يصنع، والاعتماد علي الآخرين من منطلق أنها قنبلة إسلامية، رغبة يجانبها الصواب، ودليلي في ذلك القنبلة النووية الباكستانية التي لم تحقق أمنيات مموليها.. لكن تبقي مسألة مهمة أمامي وهي أنني لا أرغب ولا أتصور أن أي طرف عربي حقيقة بأن تظل دولة واحدة في المنطقة عندها احتكار القوي النووية. من هذه الزاوية أقول إنها (الخطوة الإيرانية) كسرت الاحتكار النووي الإسرائيلي، ولابد لنا في يوم من الأيام أن نطالب بشيوع هذه المعرفة.

قد تكون هناك سهولة في منطق شراء الأشياء أو الحصول بالصداقة علي الأشياء، لكن هناك أشياء لا تشتري وأشياء لا يعطيها الصديق لصديقه، لأنها تتعلق بالحياة والموت ولابد للراغبين فيها من التوصل إليها.

كريشان: قبل أن نغلق الملف الإيراني هل الخيار العسكري ضد إيران خيار قائم فعلا؟

هيكل: نحن في موقف كل شيء فيه معلق في الهواء، وأنا أعتقد أن الخيار العسكري وارد، وأنواع الخيار العسكري واردة، وأول محور هو الخيارات الأمريكية وهو اتجاه إيران تحديدا تضع بعين الاعتبار أنها أمام دولة لا تحيط بها قواعد عربية كما حدث في العراق، فهي بعيدة عن القوات البرية، وفي نفس السياق فأمريكا ليس لديها قوات برية، وفيما يتعلق بتوجيه ضربة جوية لإيران، فأمامي تقارير تقول إن هذه الضربة تحتاج إلي ضرب 400 هدف في نفس اللحظة، حتي تضرب المشاة والوسائل التي سوف تنفذ بها إيران الضربة الثانية أو الرد الثاني، وهي لديها الوسائل التي تمكنها من الرد.. وهذه مسألة صعبة جدا (علي الأمريكان) فضلا عن عجز الأمريكان عن استخدام القواعد الموجودة في دول الجوار في الخليج والعراق أو أفغانستان لأنها خطرة جدا، ولذلك فحتي حلفاء أمريكا ينصحونها بتجنب الخيار العسكري، والإنجليز في هذا الشأن تقدموا بخطط، وفي الواقع فالخيارات العسكرية ضد إيران بدأت فعلا، منذ زمن، فنحن نتابع تسلل قوات وعناصر داخل الحدود الإيرانية، وهناك اتصال مع القبائل الإيرانية (الازال.. البختيار.. البالوش)، والإنجليز في خططهم يقترحون العمل من الداخل، لهز أركان النظام، ولابد أن أسلم بأن الأحوال الداخلية في إيران قبل التعبئة الشاملة في الموضوع النووي لم تكن علي أفضل حال، وهنا جاء الموضوع النووي وأخذ الرأي العام كله وراء هدف واحد.. لذا فالإنجليز حاولوا استغلال أسباب الضعف التي كانت موجودة فحاولوا التدخل من الأحواز وفي مقابله قام الإيرانيون بعمليات في البصرة، لذا فلعبة العمل السياسي في إيران ابتدت!

كريشان: إيران أدارت هذا الموضوع بشيء من الذكاء..

هيكل: حتي هذه اللحظة..

كريشان: حتي هذه اللحظة استعملت الحكمة في الاستفادة من عنصر الوقت، لكن تعاونها في موضوع أفغانستان، وفي العراق.. وهنا تدخل إلي موضوع العراق حتي نتحدث عن الدور الإيراني في العراق، فهل تعتقد أن كل (المواءمات) كانت لهذا الهدف بحيث إنها أبدت تجاوبا إلي حد ما مع المشروع الأمريكي وسهلت العملية السياسية حتي تكسب الوقت والآن بامكانها.. أن تتمرد علي هذا الدور بعد أن تمكنت مما توصلت إليه؟

هيكل: اختلف معك قليلا بشأن الدور الإيراني في العراق، علي سبيل المثال إيران لم تكن راغبة في الغزو الأمريكي للعراق، لأنها لا تريد قوات أمريكية في هذا الجوار، ونحن الذين أعطينا لأمريكا قواعد العمل في العراق وليس إيران.. إيران وتركيا الدولتان الإسلاميتان في الجوار العراقي رفضتا تسهيل الغزو لكن الدول العربية بدون استثناء تقريبا تعاونت علي نحو أو آخر.

ورغم أن إيران لم تكن راغبة في الوجود الأمريكي في الجوار العراقي، لكنها أما وقد وجدت هذه القوات ونحن في السياسة الدولية نحاول باستمرار ردع الأخطار، فإذا اقترب منك هذا الخطر فإنك تحاول إحراجه، فإذا استطعت إحراجه أمكنك توظيفه لخدمة مصالحك، وأنا أعتقد أن هذا ما فعله الإيرانيون بمعني أنهم لم يكونوا متحمسين للغزو، لكنهم أما وقد وجدوا الأمريكان في العراق، كان هناك ضيق في البداية، لكنهم اكتشفوا حدود القوة الأمريكية في العراق، وبالتالي خططوا لأن يحولوا هذه القوة إلي أداة في أيديهم.

في وقت قريب.. من عامين تقريبا فكر الأمريكان قبل الانتخابات في توجيه ضربة جوية لإيران، لكن الإيرانيين قالوا للأمريكان ببساطة عن طريق وسيط دولي أنا أعرفه أن التفكير في ضرب إيران سوف يترتب عليه اختطاف ما بين 700 إلي 1000 عسكري أمريكي في العراق سوف يختطفون من قبل عناصر إيرانية فصرف النظر عن هذا. وبالتالي أقول: في السياسة الدولية هناك أخطاء يرتكبها آخرون ويمكن الاستفادة منها. نعم أنت لم تخطط لأخطاء الآخرين، لكن بإمكانك إذا كان لديك وعي أن تستفيد من هذه الأخطاء وأظن أن هذا ما حدث.

كريشان: هل تجاوز الدور الإيراني في العراق مجرد التعاطي بهذه الطريقة مع الأمريكان، أم تحول إلي دور تدريجي واضح في ترتيب مستقبل العراق؟

هيكل: أريد أن أقول إن كل دولة لها عدة حدود، هناك حدود سياسية مرسومة علي خرائط، وهناك حدود أمن وهناك حدود مصالح، وهناك حدود نفوذ.. ولو نتذكر فالعراق دخلت تحارب إيران اعتقادا بأن طهران تؤثر عليها وهذا جزء من اعتبارات صدام حسين وهو يدخل الحرب، وأريد أن أقول إن التأثيرات بين دول الجوار، تأثيرات متبادلة لأن حدود الأوطان ليست سقفا مغلقا علي ساكنيها، وما يجري في جواري يشكل أهمية قصوي لأمني.. أنا قرأت مقالا يتحدث عن إسرائيل الناصرية وفيه أن نظرية عبد الناصر في دوائر الأمن الثلاثة تتبناها إسرائيل، فأصبح لديهم دائرة محيطة ودائرة أوسع!

لذا فعندما تتحرك إيران، فإنها تتحرك في الحدود المقبولة في عالم الدول، وفي مصر علي سبيل المثال هل يصح أن أغفل ما يجري في السودان؟ وحتي لو (اتهمنا) قيل إن تواجدنا من أجل المصلحة فهذا لا يمنع وصحيح.

كريشان: الكلام عن الشيعة والسنة في العراق، وهي مفردات لم تكن متداولة في الموضوع العراقي خاصة عندما يقال إن الشيعة موالون لإيران وأنهم ينفذون أجندتها.

هيكل: أحزنني هذا الكلام وبصراحة أغضبني لأنه غاب عن بالنا أن الشيعة العرب حاربوا في الجيش العراقي أمام إيران ولم يترددوا، ونحن نعرف أن الجزء الأساسي من الجيش العراقي من الشيعة، وهؤلاء الشيعة حاربوا بأوامر سنية إذا جاز لنا القول لدوافع وطنية وكانت هذه الوطنية هي العنصر الغلاب، وأعتقد أن التقسيم الطائفي في العراق بدأ أمامنا ونحن شاركنا في تنفيذه، فعندما فرضت مناطق الحظر الجوي علي العراق، وأصبح هناك جنوب وشمال ممنوع علي القوات الجوية الطيران فوقه، رضينا بكل هذا، وتركيا أيضا شاركت في هذا، هذا التقسيم الطائفي عبارة عن تكملة لهذه الخطوات السابقة، لكن التقسيم الطائفي الذي يتم بهذه الحدة، وبهذا الشكل صنعه الاحتلال، أنا أعرف أن هناك أسبابا، لانك لا تستطيع أن تختلق شيئا من لا شيء وهذه الأسباب تدعمها خطوط علي الأرض، هذه الخطوط تتوقف علينا نحن، فإما أن نجعلها خنادق حقيقية أو أن نردم هذه الخنادق، فالأمريكان صنعوا هذا الفلق لوضع عراقي معين، كنا نعرف أن هناك خطوطا لكن الوطنية والقومية تجاوزت هذه الخطوط لوقت طويل، ما عدا مشكلة الاكراد ونحن أخطأنا في هذه المشكلة، أقصد الحركة القومية أخطأت في علاجها.

ومع ذلك فاليوم هناك واقع موجود في العراق، وهناك أمر لابد من علاجه، ووسائلنا فيه قليلة، المقاومة العراقية بصرف النظر عن أي توصيف لها سواء بعثيون قدامي أو إسلاميون، إلا أنها صنعت شيئا مهولا وأنت تتحدث عن العراق بالضبط مثلما يكون هناك شخص يسير بكامل قوته ثم يتعثر في حجر، وأهم شيء فيما جري مع الأسي لكل المذابح التي حدثت ولا تزال تحدث والاطفال والمشردين هي أن المشروع الامبراطوري الذي دخل مستغلا ظروف 11 سبتمبر ودخل بكبرياء وتعال إلي المنطقة غازيا.. وفاتحا.. ومنظما وفي ذهنه ترتيب جديد لكل الأوضاع أراه أمامي تعثر في حجر فسقط، وهنا لا أتحدث عن سقوط القوة الأمريكية، لكني أتحدث عن المشروع الامبراطوري الأمريكي الذي قاده المحافظون الجدد، والذي اقتنع به الرئيس الأمريكي فذهب الي العراق وهو يتصور أنها بداية الفتح فإذا به يتعثر في شيء لم يكن متوقعا، واخطر شيء في مشروع الامبراطوريات هو عنصر الهيبة، عنصر تصور القدرة.. عنصر تصور الفاعلية، وعندما يتحرك مشروع امبراطوري وفي خطوته الافتتاحية الأولي حيث دخل في كامل هيبته في عملية عسكرية تصور أنه وصل بمقتضاها إلي بغداد ثم إذا بنا نري الامبراطور وهو يتعثر في حجر فيقع علي الأرض.. يحاول الوقوف مرة أخري، لكن الأمريكان في ظل الوضع العراقي اكتشفوا حدود القوة لأن (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي والمجموعات المحيطة به تتصور أن لديها قدرا من القوة الصاعقة تستطيع أن تحقق به أي نتائج بأرخص تكاليف وبالتالي ذهب الأمريكان بهذا المنطق وبهذا التفكير فإذا بهم أمام ما لم يكن يتوقعونه وهو بمعايير القوة بسيط لكنه مؤثر جدا، وبالتالي أصبح الرئيس الأمريكي في مأزق والمحافظون الجدد يتراجعون، والتحريض الإسرائيلي ايضا أصبح في مأزق، وهو الأمر المقلق في الملف الإيراني الذي قد يتصور الإسرائيليون علي وجه التحديد أنه قد يعطي دافعا جديدا لمعركة تنقذ الأمريكان من المأزق العراقي، وبالتالي فنحن أمام عناصر متشابكة، وإذا كان هناك قيد علي بوش في القيام بعمل عسكري تجاه ايران فهناك غواية تتمثل في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ في نهاية العام الجاري، وفشل حزبه الجمهوري، وهناك غضب في الكونجرس وغضب مماثل بين مجموعة العسكريين وشعبية الرئيس التي تهبط باستمرار، وما أخشاه هو التعامل مع الملف الايراني بعقلية المقامر، ومما يقلق أن كل من خسر أو تعثر وأنا هنا لا أتحدث عن هزيمة أمريكية حيث لا نزال بعيدين عن هذه النقطة لكن أتحدث عن المشروع الامبراطوري الذي سقط في مشهد مهين، نعم هو يحاول الوقوف لكن وسائله محدودة، والمشكلة أن إيران قد تمثل الرهان الذي يسترد به كل ما ضاع (من خلال توجيه ضربة عسكرية لها). وأنا قرأت (لبوش) تصريحا قريبا يتحدث فيه عن أن ما يحدث في إيران فرصة نادرة قد يستطيع أن يستغلها، لكنها إذا مرت لن يستطع رئيس أمريكي بعده لا جمهوري ولا ديمقراطي أن ينفذها فأنا إذن أمام لحظة خطيرة.

كريشان: من النقاط التي ذكرتها في البداية أننا في صحراء لا قمر فيها ولا نجم..

هيكل: ولا يوجد فيها نجم قطبي...

كريشان: نعم ولا نجم قطبي ينير الطريق، البعض اعتبر فوز حركة حماس في الانتخابات (التشريعية) الفلسطينية الأخيرة أول تداول سلمي للسلطة في البلاد العربية في التاريخ الحديث حتي وان كان تحت الاحتلال، وهذه نقطة لابد من الاشارة إليها، والبعض جعله وكأنه جزء من مسلسل التمرد علي الهيمنة الأمريكية وامتداد لما هو موجود في أمريكا اللاتينية، لما هو موجود في ايران، لما هو موجود في العراق.. واعتبروا فوز حماس وتشكيلها للحكومة جزءا من هذا التوجه الجديد، هل تري الأمر علي هذا النحو؟

هيكل: أعتقد أن فوز حماس مسألة مهمة جدا، ومن أول يوم ناقشت هذا الكلام مع الأخ خالد مشعل وعدد كبير من قادة حماس لكني قلق، ولهذا القلق أسباب (منها علي سبيل المثال هذه الواقعة) فهناك شخصية دولية اتصلت ب 'إيهود أولمرت' (رئيس الوزراء الصهيوني بالانابة) بالطبع لم أكن طرفا في الاتصال، ولكننا أحيانا ننسي في السياسة الدولية أن الناس تتحدث وهناك معلومات متداولة أمام أي صحفي باحث عن الحقيقة فهذه الشخصية الدولية اتصلت بأولمرت بعد ظهور نتائج الانتخابات وقالت: نحن نعرف انكم تحتاجون لبعض الوقت من أجل تشكيل حكومة ائتلاف، لكنكم لابد أن تكونوا جاهزين باستراتيجية لأن الأمور لا تقبل هذا الانتظار بهذه الطريقة، وقد فوجئ المتحدث ل 'أولمرت' أن رئيس الوزراء الصهيوني يقول: أي استراتيجية؟

الشخصية الدولية: هتعملوا إيه مع حماس؟

أولمرت: نحن أعطينا أنفسنا فترة سنة في هذا الموضوع وأعتقد أنه في هذه السنة سوف يتولي الأمر بين الفلسطينيين تسوية نفسه. نحن من فترة طويلة كنا نطالب السلطة بنزع سلاح حماس لأنه يزعجنا، لكننا مقبلون علي مرحلة نحن نتصور أن حكومة حماس سوف تنزع منها السلطة بواسطة الفلسطينيين أنفسهم.. زمان كنا نتحدث عن سلاح، واليوم نزع السلطة عن حماس ونحن نعتقد أن حماس فيها ناس كويسين وأن هؤلاء الناس سوف يصطدمون مع غيرهم لأن من قبلهم لن يمكنوهم من تحقيق ما يتصورون أنهم يستطيعون تحقيقه...!

وأعتقد أن إسرائيل تراهن علي نزاع بين السلطة (مؤسسة الرئاسة) وحكومة حماس وأن في هذه الفترة الفلسطينيين داخلين في اقتتال وأن ما لم ينجح فيه الإسرائيليون بخصوص نزع السلاح سوف يحاصر الحكومة الفلسطينية وبالتالي أنا أعتقد أن إسرائيل لن تفعل شيئا ولكنها سوف تترك الوضع في فلسطين بهذه الطريقة، لكنها وهو ما يوضح شكل ما هو قادم ومن خلال اختطاف أحمد سعدات والضرب المنتظم في غزة فهم يسعون إلي جعل الحياة حول حكومة حماس غير محتملة وبالتالي تعطي فرصة لسابقي ومعارضي حماس حتي يحكموا علي تجربتها في الحكم بالفشل... لا أخفي أني قلق جدا من تجربة حماس لأن بها قدرا كبيرا جدا من البراءة.. من البعد عن حقائق السياسة الدولية ومن خلال بعض الاصدقاء ومنهم وزير خارجية حماس (الدكتور محمود الزهار) لم يكونوا يتصورون حجم ما كان ينتظرهم ولافت جدا أن يقول قادة حماس اننا ذاهبون إلي الصين، لكن الصين تعلن عدم استعدادها في الوقت الحالي، ومرات يغيب عنا أن حماس حركة صغيرة لكن قوتها تكمن في جماهير حولها وفي جوار حولها يساعدها، وفي قدرتها علي نقل قضيتها الاخلاقية بالاعلام لأجل هذا فهي تتعرض للتضييق، تذهب 'للصين' لكن أي طرف دولي تذهب إليه يقيسك علي حجمك ومن أنت في موقعك، ونحن لا نستطيع أن نذهب لأحد لكي نعرض عليه قضية لا بعدالتها ولا بأن شعرنا أصفر وعيوننا زرقاء، هذا لا يجوز لكنك تستطيع عرض قضيتك بما يسندها من حقائق قوة ومشكلة حماس أنها جاءت في ظرف الوضع العربي فيه كما ذكرت، الوضع الدولي كما ذكرت أيضا.. معقول ما قامت به أوربا التي قررت عدم التعامل مع حماس؟! هي لا ترد علي حماس لكنها ترد علي خيبة عربية بالرهان علي أمريكا واهمال أوربا، فالدول عند وضع خريطة حساباتها لا تضع هذه الحسابات بالتجزئة، لكنها تتحدث بالجملة والاستراتيجي، فحماس ضمن الصورة التي تحدثنا عنها في هذا العالم (المنطقة العربية) الذي أصبح مثل رجل العالم المريض.

كريشان: هناك من يعتقد أنه ربما تكون إسرائيل في وضع من أروع ما يكون، لأنها دائما كانت تقول انه لا يوجد شريك وكان البعض يناقشها في ذلك الآن جاءت حركة توصف ب 'الارهابية' لدي الامريكيين والأوربيين وهذا أعفي إسرائيل من محاولة تقديم تنازلات، فهل هذا الوضع برأيك مريح لإسرائيل؟

هيكل: القول بانه ليس هناك شريك، هذه سياسة معتمدة منذ أيام عرفات الذي قدم لإسرائيل أكبر مما هو متصور عندما اعترف بها وكنت رجوته الا يفعل ذلك وأنا اعتقد أن اعترافه بإسرائيل أنهي دوره حتي في الوجود الانساني، وأصبح فيما بعد الاعتراف مجرد عقبة لأنه سوف يطالب بالمقابل، وبالتالي بالحديث عن شريك من عدمه يفرض سؤالا أصليا (مفاده) هل إسرائيل تريد التفاوض مع الفلسطينيين؟ إسرائيل لا ترغب أساسا في ذلك سواء كانت المنظمة في وقت عرفات أو السلطة في وقت عباس أو حكومة في وقت حماس.. والسؤال حول الوضع إذا كان مريحا من عدمه يجعلني أقول ان الوضع الذي تعيشه إسرائيل غير مريح، وهناك شيء لابد أن نثبته له فطالما ليس هناك تطبيع في العالم العربي فسوف تظل إسرائيل وفي وضع غير مريح، والقضية ليست في الأمن فهناك عنصر في العقلية الإسرائيلية وللعلم أنا عمري ما شفت إسرائيلي، ولا جلست معهم أبدا، شاهدتهم من بعيد ولكن من ناحية مبدئية رمزية ليس لي علاقة بهم لكني متابع للصحافة الإسرائيلية يوميا.. ومرات يصيبني الضيق لأنه مرة جولدا مائير (رئيسة وزراء إسرائيل الأسبق) كانت في مؤتمر صحفي مع كرايسكي النمسا قالت: انا أقرأ 'هيكل' لأني أعرف أنه معبر عن عبدالناصر، كان لدينا من القوة ما يجعلهم يهتمون بماذا نكتب. أنا النهاردة أقرأ الصحافة الإسرائيلية كما لو كانت كتابة مقدمة، والخلاصة أن هؤلاء أناس ليس في مقدورك أن تطمئنهم بأي شيء لأنه يعلم أنه موجود في مكان غريب وفي اقليم غريب، لا يستطيع أن يعطي لإسرائيل أي قدر من الطمأنينة يجعلها تشعر معك بالراحة إلا إذا اعطيتها سيطرة علي كل مقدراتك.. وهو معقول بعد ما قام به الرئيس السادات بزيارة إسرائيل عندما قال له هنري كيسنجر إن 70 % من مشكلة إسرائيل نفسي، لذا ذهب السادات إلي هناك وهو معتقد في ذلك ومن خلال مشهد دراما حاول تجاوز هذا الخوف، لكنه فشل، بل والكارثة ان هذا الرجل الذي أعطي كل شيء ترك في الهواء!!

كريشان: كثيرون يعتقدون أن فشل حماس معناه في النهاية انهيار السلطة وهناك من يدعون من الآن لحل السلطة وجعل هذه الأراضي الفلسطينية تحت وصاية دولية تتحمل إسرائيل مسئوليتها كسلطة احتلال، باعتبار أنه من عيوب المرحلة الماضية بعد أوسلو هو خوف إسرائيل من هذا الوضع..

هيكل: الاحتلال الإسرائيلي أرخص احتلال في الدنيا..

كريشان: فهل تعتقدون أن فشل حماس..

هيكل: القصة ليست فشل حماس، لكن إذا نظرت إلي حماس إلي نقطة بمفردها وسط هذا الحصار فهي فاشلة، لكن إذا تيقظ محيط حماس، ومحيط فلسطين إلي آخر نفس في القضية الفلسطينية في هذه المرحلة وحاول أن يساعد فمن الممكن أن تتغير أشياء، وما أريد أن اقوله إن حماس جاءت في لحظة وهي مأخوذه بالتصويت الشعبي، لكن أنا من اللحظة الأولي مع الأسف الشديد قلت لزعماء الحركة: أخشي انكم دخلتم في أكبر مأزق فالشعب الفلسطيني أعطاكم هذا التفويض لكن الكارثة الكبري أن العالم العربي المحيط والعالم تعطيك فرصة لكي تستعمل هذا التفويض فإذا فشلت حماس فهي ليست مسئولة عن الفشل لكنها جزء من حالة عامة في رجل العالم المريض.

كريشان: معني ذلك انها دخلت في معادلة لم تكن جاهزة لها، هي كانت عبارة عن قوة ان صح التعبير في الحديقة خارج البيت وكانت قوة استراتيجية نظامية، والآن دخلت هذا البيت ولكنها غير مستعدة لقواعد اللعب داخله ، فهل هناك أزمة هيكلية أو استراتيجية تعانيها الحركة؟

هيكل: كل ما تقوله صحيح وما يحدث أن حماس أخذت هذا التفويض المشرف في لحظة غير مشرفة في تاريخ العالم العربي، وبالتالي فهي لو افترضت أن لديها كل الاخلاص وكل البراءة والرغبة في التضحية.. فأنت أمام معادلة قوة تكاد تكون مستحيلة فما يحدث أمامي من أوضاع معبر بقوة عن ذلك: لا مرتبات، ولا حياة معيشية تليق، هناك مشكلة مقبلة علي الشعب الفلسطيني وهناك رغبة في تصفية كل بقايا المقاومة في العالم العربي وهذا دور إسرائيل التي تري أن المشروع الامبراطوري الأمريكي قد تعب أو اصابه التعثر كما حدث في العراق، وإسرائيل تدرك أن ما يحدث في المنطقة والعالم العربي عموما منذ ما بعد 11 سبتمبر لا يتحرك وفق قواعد لكن محركه الاساسي حالة مزاجية، ولا توجد قواعد مرسومة في العالم، فإسرائيل تدرك أن عليها تصفية بؤرة حزب الله وبؤرة حماس.

كريشان: لا يمكن أن ننهي اللقاء دون كلمة عن مصر؟

هيكل: آه.. كنت راغب الا أتحدث في موضوع مصر، لكننك وأنت تتحدث عن مصر افتكر بيت شعر يقول:

'لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها...

ولكن أحلام الرجال تضيق'

خلاص!!

كريشان: شكرا أستاذ هيكل.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...