عادل أبوزيد بتاريخ: 10 يناير 2022 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 10 يناير 2022 هى الصبيّةُ المتفوقة الجميلة التى كانت من أوائل الجمهورية فى شهادة الثانوية العامة، ثم اختارت أن تلتحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة، لتتخرج فيها حقوقيةً نابهةً ذات عقل نيّر مشرق تعرف حقوق الإنسان وحقوق المجتمع وتمتهن المهنة الأشرف: «مهنة صناعة العدل». بعد تخرجها فى الجامعة امتهنت المحاماة ثلاثين عامًا لتدافع عن المظلومين وتعيد الحقوق إلى أصحابها. نظرًا لفرادتها وتميّزها، كانت أول امرأة مصرية تعتلى كرسى القضاء، لتغدو «قاضية»، بعدما ظلَّ ذلك المنصب الرفيع حكرًا على الرجال وحسب. وشكرًا للرئيس عبد الفتاح السيسى الذى انتصر لصوت الحضارة وفتح الباب مشرعًا أمام سيدات نابهات قبل سنوات، لكى يتبوأن مراكزَ مرموقة فى سلك القضاء، والنيابة العامة، ومجلس الدولة فى قرار تاريخى جسور يعود بمصر إلى دورها الريادى والحضارى العريق الذى به شيّدت مصرُ حضارتها العظمى فى فجر التاريخ، وكانت فيه المرأة تقفُ جنبًا إلى جنب جوار الرجل ندًّا لند، وسندًا لسند، وعقلا إلى جوار عقل، لكى يشيّدا معًا مجتمعًا قويًّا حضاريًّا صحيح البدن. أتكلّم عن السيدة الجميلة التى فقدناها بالأمس، القاضية الجليلة والوطنية المحترمة سيادة المستشارة المصرية «تهانى الجبالي»، «ماعت» العصر الحديث كما يروق لى أن أناديها كلما التقيتُ بها. الفارسة القوية التى وقفت فى وجه الإخوان فى عزّ جبروتهم وقالت للسيد «مرسى العياط» بكامل القوة: «أنت غير مؤهل لقيادة مصر!»، فتعرضت إثر ذلك لحملة اغتيال أدبى ومعنوى شعواء من قِبل فصيل الإخوان الدموى، وتم استبعادها من منصب «نائب المحكمة الدستورية». لكنها لم تنكسر ولم تتوقف عن دورها الوطنى الجسور. وقبيل ثورة يونيو الشريفة فى ٢٠١٣ دعت لتأسيس حركة تحالف جمهورى لمواجهة الفاشية الإخوانية التى كانت تحكم مصر آنذاك، وظلت على كفاحها مع جموع شرفاء الوطن، حتى أشرق علينا يوم ٣ يوليو ٢٠١٣ الذى صفا فيه وجهُ مصر من غيمة الاحتلال الإخوانى المعتمة. وفى عام ٢٠١٥ حصلت على المركز الأول من بين السيدات الأكثر تأثيرًا فى مصر. أسميتُها «ماعت» لكى نتذكر «ربّة الحق والعدالة» فى الأدبيات المصرية القديمة، التى كانت تضعُ على رأسها ريشة الضمير، الذى به تزن قلب المتوفى لتعرف حجم ما يحمل من حسنات وآثام. تُنبئُنا الجدارياتُ والبرديات الفرعونية أن أولَ قاضية ووزيرة عدل فى تاريخ البشرية، هى المصرية: «نبت»، التى اعتلت كرسى القضاء المصرى قبل ٧٠٠٠ عام. كانت «نبت» رأسَ المحكمة المصرية. قراراتُها نافذة وفقَ بنود «قانون العدالة» الذى وضعه كبارُ حكماء ومستشارى ملوك مصر القديمة. هكذا كرّست مصرُ أسطورةَ «ماعت» ربة العدل، حاملة الميزان، معصوبة العينين، التى تُزيّن تماثيلُها الآن جدر محاكمنا المصرية ومحاكم العالم. وهكذا كانت الراحلة الجميلة «تهانى الجبالي» امتدادًا مشرقًا لحضارتنا الراقية، لتطوى كلَّ الحقب الظلامية التى أخمدت صوتَ المرأة المثقفة. وشكرًا لله أنها شهدت قبل رحيلها فى العهد الراهن تحقق حلمها بعودة مصرَ فى «الجمهورية الجديدة» إلى ثقافة تؤمن بأن فاعلية المرأة تكريسٌ لتوازن الكون وسيادة الأمن والسلام والخصب، ونبذ العنف والاقتتال. لم تكن المستشارة «تهانى الجبالي» قاضيةً وحسب، بل قاضيةٌ فى المحكمة الدستورية العليا. فى بادرة رفيعة تُحسب لمصر. ولم تكتف بما حققت، بل كافحت لتفتح الباب لقاضيات ونيابيات أخريات، بعدما أعلنت حزنها من التوجّه ضد استكمال التجربة النسائية فى القضاء. وتساءلت متى تتواجد المرأةُ فى كل ساحات القضاء بمصر، لكى تغدو تجربة جماعية، لا فردية؟ طالبت بوجود المرأة فى النيابة العامة والقضاء الإدارى وغيرهما من مجالات السلك القضائى، إذ من العبث أن يكون أوائل الخريجين فى كليات الحقوق فتيات، ثم يُستبعدن بسبب جنسهن! فى حين يجب أن تكون الكفاءةُ، لا النوع، المعيارَ الحقيقىّ والعلمىّ للاختيار! وقد تحقق لها ما أرادت فى حياتها. كان وجود نموذج المستشارة «تهانى الجبالي» معادلا موضوعيًّا يُعزّينى عن حال المرأة العربية الذى كان يجنح نحو التبعية والخنوع. فكنتُ أفتخرُ، مثل كل مصرىّ مثقف، بتلك القامة النسائية الرفيعة التى تؤكد لى أن مصرَ لن تسقط بإذن الله، مهما تكاثر الظلاميون. أيام الإخوان المريرة، كنتُ أبكى كل يوم على اختطاف مصر. ولم أكن أجد عزائى إلا حينما أهاتف المستشارة «تهانى الجبالي» لأسألَها والدمع يطفرُ من عينى: (هو خلاص كده مصر ضاعت يا سيادة المستشارة؟!) فتجيبنى بصوت واثق: (لا اطمئنى. مصر لا تضيع. ده درس صغير عشان نفوق. الإخوان مصيرهم إلى زوال ومصر باقية). فيدخلُ الاطمئنان قلبى. وداعًا أيتها الجميلة، وفى أمان الله. رزقك الله فردوسه الأعلى وعوضنا عنك خيرًا. twitter:@fatimaNaoot مواطنين لا متفرجين رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان