اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

أستراتيجيه تدمير البدائل لنظام مبارك


أحمد محمود ميلاد

Recommended Posts

استراتيجية تدمير البدائل لنظام المهازل

بقلم د. سعد الدين إبراهيم

ربما يتذكر جيل أكبر، من المصريين المعاصرين ممن هم فوق الخامسة والأربعين، رئيسنا الراحل أنور السادات الذي أدي لمصر والعرب خدمات جليلة،

جعلته يستحق عن جدارة وصف «بطل الحرب والسلام». لقد كان بطل حرب أكتوبر المجيدة التي أعادت لمصر والعرب الإحساس بالكرامة، بعد ست سنوات من إهدار هذه الكرامة علي رمال سيناء، ومرتفعات الجولان، وباحة المسجد الأقصي. كذلك هو بطل السلام، بمبادرته الجريئة التي فتحت بوابات التسوية العادلة لصراع المائة عام بين العرب واليهود.

لقد عارضت الرئيس السادات في حياته، حينما كان يملك لي النفع والضرر. ولكني أنصفت الرجل بعد عشر سنوات من اغتياله، أي عام ١٩٩١، بكتاب عنه، وحيث لم يكن يملك لي، أو لغيري، نفعاً أو ضرراً. وصدرت الطبعة الأولي من الكتاب بعنوان «رد الاعتبار لأنور السادات» عن دار الشروق، ثم أعاد مركز ابن خلدون، ودار قباء إصدار طبعات أخري منه في السنوات العشر التالية. ومناسبة هذه المقدمة لمقالنا، هو أنني وجيلي نتذكر كيف كان يحلو للسادات الترحم علي سلفه ـ «جمال الله يرحمه»، أو «عبد الناصر الله يرحمه». لقد كانت العبارة تنطق بلهجة لا توحي للسامعين بأنها دعاء صادق مخلص ـ علي الطريقة التي يردد بها البعض عبارة «إن شاء الله»، بلهجة مستخفة، أقرب إلي ما تعنيه عبارة شعبية أخري «في المشمش».

من ذلك ما سمعناه طوال الأسابيع الأخيرة من الرئيس حسني مبارك حول أزمة القضاة ومحنة القضاء في مصر، فقد دأب الرئيس علي ترديد عبارة أنه «لا يتدخل في شؤون القضاء»، أو «علي القضاة أن يحلوا مشكلاتهم الداخلية بأنفسهم..» يقول ذلك أو عبارات أخري بنفس المعني، يقول الرئيس ذلك

وكأنه لم يعين وزير العدل الحالي، الذي هو جزء من السلطة التنفيذية؟ وكأن هذا الأخير لم يأخذ الضوء الأخضر، إن لم يكن الأمر المباشر قبل إحالة المستشارين الجليلين، محمود مكي وهشام البسطويسي، إلي محاكمة تأديبية، كانت القشة التي كادت تقصم ظهر البعير؟ يقول الرئيس ذلك وكأنه غير مسؤول عن تجميد مشروع قانون استقلال السلطة القضائية لأكثر من خمسة عشر عاماً، رغم وعوده المتكررة، والتي بدأت في مؤتمر العدالة، الأول عام ١٩٨٦ ـ أي قبل عشرين عاماً ـ وكان آخرها أثناء حملته الانتخابية لرئاسة خامسة، في خريف العام الماضي (٢٠٠٥).

هذا هو الرئيس المتأني، لأكثر من خمس عشرة سنة، هو نفسه الذي دفع بتعديل دستوري ـ أي أهم من أي قانون ـ في أقل من خمسة شهور (بين ٢٨ فبراير و ٢٥ مايو ٢٠٠٥)، فسبحان مغير السرعات، يمكن للرئيس جرياً علي تقليد «جمال الله يرحمه»، أو «علي القضاة أن يحلوا مشكلاتهم الداخلية بأنفسهم»، أن يلوم الرئيس مبارك مجلس الشعب علي التأجيل، حيث لو كان الأمر بيد الرئيس وحده، لما قصّر أو تأخر، والله العظيم! أي فليحل القضاة مشكلاتهم مع مجلس الشعب، فهذا الأخير هو «سيد قراره». لقد أصبح تكرار هذه الادعاءات تقليداً راسخاً في عهد مبارك.

لقد وقعت خلال نفس السنة التي تم فيها التعديل المشوه للمادة ٧٦ من الدستور، وتفاقمت فيها أزمة القضاة ونادي القضاء، القبض علي د. أيمن نور، عضو مجلس الشعب (عن دائرة باب الشعرية)، ورئيس حزب الغد. وكانت السرعة المتناهية التي تم بها طلب رفع الحصانة البرلمانية،

ثم النظر في الطلب وإقراره، في أقل من ٢٤ ساعة، ثم إلقاء القبض عليه في غضون دقائق من انتهاء جلسة مجلس الشعب التي رفعت فيها الحصانة، وبعد خطوات من خروجه من مبني المجلس، وفي الشارع في وضح النهار، وعلي مرأي من آلاف المارة في تلك المنطقة المزدحمة (وسط القاهرة)! مما أوحي للناس أن هناك أموراً خطيرة قد وقعت أو وشيكة الوقوع. من ذلك بأن يكون حرباً، أو سراً حربياً، أو خيانة عظمي، أو جريمة قتل قد وقعت، أو أن الرجل يحمل في جيوبه أو حقيبته مخدرات أو مواد مشعة أو مستندات تمس الأمن القومي ويقتضي الأمر القبض عليه فوراً، أي وهو «في حالة تلبس...».

طبعاً اتضح لأيمن نور وللرأي العام في الداخل والخارج أن السبب المعلن لهذه الدراما المثيرة هو سبب هزيل، يقع مثله بالآلاف كل يوم ـ وهو الادعاء بالتزوير في أوراق، قدمت لجهة رسمية للحصول علي رخصة لحزب الغد، الذي أسسه أيمن نور، بموافقة هذه الجهة (لجنة الأحزاب)

قبل أربعة أشهر (أكتوبر ٢٠٠٤). المهم قليلون في الداخل والخارج هم الذين صدقوا هذا السبب الهزيل، فمن ناحية تأخذ لجنة الأحزاب ما بين سنة وعشر سنوات، لفحص الأوراق التي يتقدم بها طالبو الترخيص ـ بما في ذلك برنامج الحزب، وصحة الإقرارات الخاصة بهم. وهذه هي المرة الأولي، وربما الأخيرة خلال ثلاثين عاماً هي عمر اللجنة وعمر التجربة الحزبية الحالية، التي يثار فيها موضوع تزوير توقيعات بالنسبة لأي من الأحزاب العشرين التي وافقت عليها اللجنة، أو الخمسين حزباً التي رفضتهم ومن ناحية ثانية كان يمكن إلغاء الترخيص بقيام حزب الغد،

عملاً بالقاعدة القانونية «أن ما يبني علي باطل، فهو باطل»، علي فرض أن توقيعات المؤسسين «مزورة»، أي أن الأمر في أسوأ الأحوال، وعلي افتراض صحته ووقوعه ومسؤولية أيمن نور عنه، لم يكن يستحق هذه المهزلة، أو إلقاء القبض علي الرجل بهذه الطريقة.

لذلك لا يلام معظم الناس في الداخل والخارج للصدمة ـ عدم تصديق الرواية الرسمية لحكومة الرئيس محمد حسني مبارك، ولا يلام الناس علي سعيهم للبحث والتأمل والتخمين حول الأسباب الحقيقية للقبض علي أيمن نور والتنكيل به علي مرأي من الجماهير، كما لو كانت الرسالة هي أن يجعل منه النظام «أُسوة للآخرين من أمثاله». لذلك أيضاً تعاطف الناس مع أيمن نور في مواجهة النظام. وتعاطفوا أيضاً مع القضاة، الذين يريدون استقلالهم في مواجهة السلطة التنفيذية التي يتربع حسني مبارك علي قمتها منذ ربع قرن.

وتعاطفوا مع الصحفيين في مطلبهم الخاص بإلغاء عقوبة حبس الصحفيين في مخالفات وجرائم النشر والاكتفاء بتوقيع عقوبات أخري ـ مثل الغرامة والمصادرة وإيقاف صدور الصحيفة أو المطبوعة، أو حتي سحب ترخيصها. تعاطف الناس أيضاً مع المهندسين، الذين تعرضت نقابتهم لفرض الحراسة، منذ عدة سنوات، دون أسباب مفهومة من مهندسي مصر، الذين يتجاوز عددهم المائتي ألف. وقد فعل نظام الرئيس مبارك ذلك مستعيناً بالقانون رقم ١٠٠ للنقابات المهنية، الذي يعطي السلطة التنفيذية (جهة الإدارة) في ظل ظروف استثنائية ـ

مثل المخالفات الجسيمة أو الصراعات الحادة ـ التدخل وتعيين حارس مؤقت إلي أن تنصلح الأحوال، ولكن الحكومة استمرأت هذه الرخصة للانقضاض علي نقابة المهندسين العتيدة للسيطرة علي مقدراتها، ولا تستجيب لطلباتهم المتكررة بالدعوة إلي جمعية عمومية، لانتخاب مجلس إدارة جديد، يتسلم النقابة ويدير شؤونها كما جرت العادة.

وقرأنا أن المهندسين اضطروا لمحاولة عقد جمعية عمومية، علي الرصيف أمام مبني نقابتهم بشارع رمسيس، قبل أسبوع، ولكن جحافل الأمن المركزي فرقت جموع المهندسين بنفس الطريقة الشرسة، التي دأبت الحكومة مع أي تجمع شعبي، أو مظاهرة سلمية، كما شهدنا منذ مظاهرات ٢٥ مايو ٢٠٠٥، والتي انتهكت فيها أعراض المتظاهرات، وهو ما أثار اشمئزاز واحتجاج دوائر واسعة في الداخل والخارج.

وهكذا نري كل الفئات المهنية الرئيسية في حالة سخط علي نظام الرئيس مبارك، وقد رأينا مظاهرات التعبير عن هذا السخط، لا فقط بين القضاة والصحفيين والمهندسين، ولكن أيضاً بين أساتذة الجامعات والمحامين والأطباء، فضلاً عن الطلبة والعمال. وكان التضامن الواسع لكل هذه الفئات مع القضاة هو تلخيص وتكثيف لهذا السخط العام. وقد حاول النظام أن يكسر هذا الإجماع الشعبي علي رفضه، بالعنف تارة، وبإشاعة أن «الإخوان المسلمون»

هي المحرك الرئيسي لكل هذه المظاهرات تارة أخري، أو بالتراجع التكتيكي تارة ثالثة، ثم الانقضاض الانتقائي مرة رابعة. وقد رأينا نماذج لهذا كله خلال شهر مايو ٢٠٠٦، ففي الوقت الذي استخدم فيه النظام أسلحة البطش والتنكيل مع المتضامنين مع القضاة والمهندسين، تراجع تكتيكياً في المحاكمة التأديبية للمستشارين محمود مكي (براءة) وهشام البسطويسي (لوم) إلا أنه في نفس اليوم رفض الطعن بنقض الحكم الظالم ضد د. أيمن نور،

وهو ما يعني حرمان الرجل من حقوقه السياسية إلي عام ٢٠١٦، أي إلي ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة (٢٠١١)، والتي يذهب كثيرون إلي أن ذلك كان الهدف منذ البداية، وحتي تخلو الساحة من أي منافس حقيقي. أكثر من ذلك لاحظ المراقبون أن نظام الرئيس مبارك،

بما في ذلك أجهزته الأمنية والإعلامية، يتعمدون تدمير كل البدائل الإيجابية المعتدلة، بحيث لا يظل علي الساحة إلا هم من ناحية، والإخوان المسلمون من ناحية أخري، وبالتالي لا يكون أمام الطبقة الوسطي، ورجال الأعمال، والأقباط، والعالم الخارجي إلا اختيارهم، مهما كانت أخطاؤهم أو خطاياهم، من ذلك أنه في عدد واحد من إحدي مجلات النظام امتلأت الصفحات بالهجوم علي القضاة، وعلي أيمن نور، وعلي الداعية الشاب عمرو خالد، علي «الإخوان المسلمون» والسعودية، وربط هؤلاء جميعاً بالبعبع الأمريكي. إن حملات النظام وعملائه علي كل البدائل جعلته يرتكب من المهازل والمخازي ما يضحك أحياناً ومن المآسي ما يبكي في كل الأحيان. فلا حول ولا قوة إلا بالل

أن غــدا لنــاظــره قــريب

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...