اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

عندما هتف فريق البرازيل لمصر فى برلين


مهيب

Recommended Posts

قرأت مقال الرائع جمال الغيطانى فى الصفحة الأخيرة من جريدة الأخبار (يوميات الأخبار) .. و أعجبنى للغاية .. فلم أستطع منع نفسى من أن أجلبه الى هنا كى تشاركونى المتعة

كتب جمال الغيطانى:

عندما هتف فريق البرازيل لمصر فى برلين

الأحد : برلين

أخرج من المتحف القومي بعد أن امضيت فيه حوالي ثلاث ساعات، معرض مخصص للتأثيرات الثقافية المتبادلة بين اليابان وألمانيا، كنت سعيدا ومرهقا، أما السعادة فلرؤيتي أصول لوحات قابلتني في كتب الفن التشكيلي، فوجئت بها في المعرض، لاشيء يعادل رؤية الأصل مهما بلغت جودة الطباعة والقدرة علي التصوير. اما الارهاق فلطول الوقوف والمشي المتمهل.

عبرت الطريق الي مجموعة المباني الضخمة، الحديثة المعروفة بأشهرها، عمارة سوني، أري ساحة حولها مطاعم، مقاهي، أمضي الي أحدها. يتبع فندق حديث يرتفع بناؤه فوقه، لا أحد، المطعم خال تماما، تتطلع النادلة الحسناء إلي بحيرة، يبدو انه محجوز، لكن ربما رفقها منظر شيخوختي وارهاق باد، سألتني عما اذا كنت بمفردي، أومأت، تقدمتني الي منضدة جانبية، طلبت شايا، عادت بطبقين صغيرين، في احدهما زيتون اسود والآخر فيه شطائر خبز، وقائمة الطعام، وحتي أتأملها علي مهل، بعد دقائق فوجئت بتدفق اعداد كبيرة من شباب متقاربي العمر، يرتدون زيا موحدا، قمصان صفراء وبنطلونات زرقاء، بعضهم اسمه مكتوب علي الظهر، كانوا مرحين، أصواتهم عالية، تسري بينهم حميمية ضاعفت شعوري بالوحدة في يوم الاحد هذا، عندما مر احدهم أمامي لمحت البطاقة المعلقة الي صدره، أدركت انني امام فريق البرازيل بالكامل، وادارته ايضا، وجوههم مألوفة، بعضها ذو ملامح افريقية، كنت الوحيد المختلف، لا أحد غيري، شيئا فشيئا تصاعد المرح الامريكي اللاتيني، ضحكات مرتفعة، ومع احتسائهم البيرة الالمانية بدأت الدندنة والغناء الجماعي، من أغنية الي اخري، تذكرت الرحلات المدرسية الجماعية في الزمن الخالي من الهموم، في الجماعة بهجة، وفي الصحبة ونسة ومتعة، كان بعضهم لا يكف عن الحركة، خاصة الفتيات اللواتي يرتدين قمصانا صفراء وبنطلونات جينز وتبدو عليهم علامات الصحة والعافية والتمكن!

بعد أن فرغت من أكل طبق السلاطة وشرب الشاي، طلبت الحساب، بعضهم كان ينظر الي بفضول، يبتسم لي، أبادله الابتسام في صمت، كنت أبحث عن بيليه الجوهرة السوداء، ومازال جيلي يذكر مجيئه في بداية الستينيات وتسديده ثلاثة أهداف، كانت دار أخبار اليوم هي الجهة الداعية لفريق البرازيل وقتئذ، لم ألمحه بينهم، قمت واقفا متأهبا للانصراف وقد سري الي شعور بالبهجة منهم، فجأة حدث ما لم أتوقعه.

فيفا ايجبت

صاح أحد الجالسين في مواجهتي بالانجليزية.

­ مع السلامة.

وردد الفريق كله 'مع السلامة' وقوفي وهم جميعا جلوس جعلهم ينظرون الي، عندئذ قررت أن أرد التحية بأحسن منها. رفعت يدي بعلامة النصر. وصحت هاتفا.

­ فيفا برازيل.

وكأنني أوقدت نارا، نهض بعضهم، وارتفعت ايديهم ولوحت قبضاتهم.

­ فيفا برازيل.

فجأة وجدت نفسي انا من كان احساسي بالارهاق والوحدة قبل دقائق أقود مظاهرة، ومع من؟ مع اشهر فريق كرة قدم في العالم، كانوا في غاية الانبساط وقررت ان ابادلهم الود، لمحت اسما مكتوبا علي ظهر أحدهم، رفعت صوتي.

­ فيفا رونالدو..

طبعا لما أكن اعرفه، لكن في مباراة البرازيل ضد كرواتيا بعد يومين اكتشفت أنه من أهم اللاعبين، فجأة صاح احدهم.

­ من اين انت؟

استمرت يدي مرفوعة بشارة النصر.

­ مصر.

واذا بقاعة المطعم تدوي بهتاف الفريق البرازيلي وادارته.

­ فيفا ايجبت 'تحيا مصر'.

رددت مرة أخري فرددوا خلفي.. وعندئذ قررت المجاملة.

­ فيفا برازيل.

ثم توالت الهتافات، فيفا رونالدو، فيفا بيليه، تعددت الفيفات، وسرت بهجة حارة بين الجميع، وعندما غادرت المطعم صفقوا جميعا، مرددين 'فيفا ايجبت' مشيت الي محطة المترو مبتهجا، مبتسما، مفكرا، كيف سأحكي ما جري لصحبي؟ عندما اخبرت صديقا عزيزا مقيما في برلين بما حدث، قال ان الصحافة الالمانية تحاول تعقب خطاهم وتصرفاتهم، ما لفت نظري ان العدد الذي رأيته كبير بالقياس الي عدد الفريق 'احد عشر لاعبا' لقد رأيت أكثر من ثلاثين وبينهم فتيات جميلات. طبعا لم اكن في حاجة الي هذه الواقعة لأقرر تشجيع البرازيل.

ايران عصرا:

في مقر اقامتي بمعهد الدراسات المتقدمة مكتبة ضخمة بالطابق الأول، يتصدرها تليفزيون يبدو المبني خاليا رغم يقيني بوجود ضيوف آخرين، انه يوم الاحد، جلست في مواجهة التليفزيون، بعد قليل ستبدأ مباراة ايران والمكسيك، ليست لي اهتمامات كروية الا عندما تلعب مصر في مباراة مع فريق اجنبي، قررت تشجيع ايران، ليس لاعجابي العميق بالادب الايراني، والموسيقي الايرانية التي اصحب تسجيلاتها معي، انما تعاطفا مع ايران التي تتعرض لحملة ظالمة من الولايات المتحدة لاصرارها علي امتلاك التكنولوجيا النووية، في الوقت الذي لا يرتفع فيه صوت ضد قدرات اسرائيل النووية.

منذ ان بدأت المباريات وتسود المانيا حالة من البهجة والشعور بالتنافس الرياضي الحقيقي، الشاشات الضخمة موزعة علي الميادين الرئيسية، يحتشد أكثر من مئة ألف لرؤية المباريات، في الحدائق العامة شاشات ايضا، في جميع الاماكن العامة، من حق المواطن الالماني ان يتفرج مجانا وفي المكان الذي يوجد فيه، المطاعم تتنافس في وضع الشاشات، صاحب مطعم مصري قال لي انه ادخل شاشة ضخمة، ولكن اقبال الجمهور الاجنبي ليس بالمعدل الذي تم تقديره قبل المونديال، الشرفات ترفع الاعلام، طبعا الاغلبية الالمانية، لكن هناك وجود قوي لجاليات اخري، الايطاليون، الاسبان، مواطنو امريكا اللاتينية لكن المثير للانتباه ان الالمان يشجعون فرقا اخري وخاصة البرازيل، في الميدان الرئيسي القريب من حديقة الحيوان، نصبت خيام تحمل كل منها علم فريق شارك، علمان عربيان يرفرفان في كل مكان، التونسي والسعودي، تابعت مباراة ايران والمكسيك، مثير رؤية انفعالات المدربين والمعاونين، هزمت ايران رغم انها لعبت بشكل جيد، وأخبرني من يتقنون الالمانية ان المذيع كان متعاطفا مع الفريق الايراني، غير انني كنت علي موعد مع البرازيلي مرة أخري.

الثلاثاء : عصرا

في القطار العائد من ليبزج، نزلت في المحطة المركزية التي بناها المهندس المصري هاني عازر، ربما يفسر هذا شعوري ان لي صلة بشكل ما بها، صعدت الي المستوي العلوي لأركب المترو كان مزدحما، وعدد كبير من الركاب يرتدون الزي الرياضي للفريق البرازيلي، ظننت انهم برازيليون، لكنني اكتشفت من اللغة والملامح انهم ألمان، ثم فوجئت بفتيات ألمان جميلات، يرتدين ما خف حمله بسبب الحر ­ قاتل الله التقدم في السن ­ يوزعن قطعا صغيرة من الورق المغطي بالبلاستيك داخلها ورقة تطبع علي الجلد وشما هو شعار البرازيل، وطبعا مكتوب توضيحات انها لا تضر الجلد وانها تزال بسهولة. اما الحسناوات اللواتي يرتدين الشورتات الساخنة فيقدمن عروضا لطمأنة الركاب، بالصاق الوشم علي الذراع والجبهة والسيقان مما يجعلني انظر الي الناحية الاخري حياء، سألت جاري الالماني في المترو،، لماذا يشجع الألمان فريق البرازيل؟

قال انه فريق كبير وله شعبية كبيرة، ثم قال ان الألمان يشجعون فرقا تلعب ضد فرق قوية لا يريدون صعودها الي النهائيات، فقد كانوا ضد الفريق الهولندي مثلا، عندما نزلت من المترو في وسط المدينة متجها الي محطة الاوتوبيس، رأيت شبابا يرفع اعلام اسبانيا التي ستلعب في ليبزج غدا. وبينهن فتيات يرتدين البكيني أو ما يشبهه وعلي اجسادهن وشم العلم الاسباني، عندئذ اسرعت الخطي مرددا: لقد زاد التشجيع عن الحد.

تساؤل

اميل محدقا في المرآة.

تلك ملامحي، اتقنها، اتعرف عليها، هذه آثار أشواقي، خوضاتي اللجج، هزائمي، بصيص أمالي، شدائد توقي، قلة حيلي، ركض صبواتي، جهات حنيني.

يطالعني هذا كله عبر صورتي، فمن يري من؟

من ديوان الشعر العربي

قال كثير عزة:

فما ورق الدنيا بباق لأهله

ولا يشدة البلوي بضربة لازم

فلا تجزعن من شدة إن بعدها

فوارج تلوي بالخطوب العظائم

نقله بالنص .. مهيب

<span style='font-size:14pt;line-height:100%'>حين يصبح التنفس ترفـاً .. و الحزن رفاهية .. والسعادة قصة خيالية كقصص الأطفال</span>

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...