عن الثانوية العامة

[KANE]

عفوا .. أيتها الثانوية العامة!

محمد فهمي

وسوف يأتى اليوم الذى يصبح فيه السؤال الإجبارى فى امتحان الثانوية العامة: من هو مؤلف أغنية الواوا التى تغنيها هيفاء وهبي؟!السيدة الفاضلة .. والدة الرئيس الأمريكى .. لم تكن تنتظره على باب لجنة امتحان الثانوية العامة .. فى أمريكا لم تكن تصحبه إلى اللجنة وتقف مع العشرات من الأمهات فى انتظار فلذات أكبادهن بعد خروجهم من الامتحان .. خروج السكان من تحت أنقاض عمارة!

كل تلميذ فى الثانوية العامة .. يذهب للامتحان وحده .. إلا عندنا .. باعتبارنا .. فى دولة رائدة على كل الأصعدة .. وأزهى العصور ..

التلميذ يخرج لامتحان الثانوية العامة .. ومعه أولياء أمره .. وبعض الأقارب والجيران يشدون من أزره .. ويبذلون أرواحهم فى سبيل مرضاته .. ويدعون له بأن يصبره الله على ما بلاه ..

هذا يوسع له الطريق .. وهذا يقرأ له الفاتحة .. بينما تعانى أمه من أشد حالات الاضطراب .. بعد أن باعت صيغتها ورهنت أطيان شقيقتها لتدفع نفقات الدروس الخصوصية .. بينما يهددها زوجها بالطلاق .. إذا لم يحصل ابنها على المجموع الكبير!

الثانوية العامة عندنا .. حدث جلل .. وبالتالى فإن التلميذ يخرج من اللجنة .. كالأعمى .. لا يبصر ولا يهتدى .. وكأنه يسير فوق أرض موحلة .. من هول التجربة..

تكاد تسمع زفراته .. وقد أخرسته المفاجأة عن الكلام .. فامتحان الثانوية العامة عندنا .. هو مصيدة .. لا يخرج منها الطالب إلا بعقدة نفسية تصاحبه فى كل مراحل حياته ..

قد يرى البعض أنه مصيدة .. ويراه بعض آخر مكيدة .. المهم أن الطالب يخرج منه بعقدة .. تجعله فريسة سهلة لعصابات الهجرة غير الشرعية . التى تلقى به فى مياه العجمى ..

ولذلك فلو دخل أرشميدس .. امتحان الثانوية العامة عندنا .. لسقط فى الامتحان .

سيسقط أرشميدس من الخوف .. ومن صعوبة الأسئلة .. ومن الحزن على فلوس الدروس الخصوصية .. وعلى طلاق والدته ..

أرشميدس لن يحتمل كل هذا الهم

وسيحوله مكتب التنسيق إلى معهد التعاون

وبالمناسبة .. فى مدرسة السعيدية بالجيزة طالب تفوق فى الرياضيات اسمه عمرو سيد إبراهيم .. يطلق عليه أقرانه وأساتذته لقب فيثاغورث .. ويتوقع له الخبراء أن يحصل على جائزة نوبل فى الرياضيات .. إذا هاجر إلى أمريكا ..

تقول السيدة فتحية إبراهيم .. والدة فيثاغورث إن ابنها خرج من امتحان التفاضل والتكامل.. وهو فى حالة انهيار

قال لأمه .. الامتحان صعب يا ماما .. ثم راح فى غيبوبة!

فيثاغورث سيسقط فى امتحان الرياضة..

سيعيد السنة .. وربما يسعى للحصول على دور فى مسلسلات رمضان .. أو عازف عود فى فرقة شعبان عبد الرحيم.

---

الصور التى تنشرها الصحف لأولياء أمور تلاميذ الثانوية العامة .. أمام لجان الامتحانات .. لا تختلف كثيرا عن صور أقارب ضحايا العبارة!

هذا يبكى .. وهذا يولول .. وهذه تتأفف .. وتلك تطلم خديها بالشبشب..

كارثة كبري

ضحايا العبارة .. أكلتهم أسماك القرش فى البحر .. وضحايا الثانوية العامة .. أكلتهم أسماك القرش على البر..

أسماك القرش التى تعطى الدروس الخصوصية .. وتلتهم الضحايا كل سنة .. وفى نفس المواعيد وبانتظام..

كل تلميذ حوله مجموعة من أسماك القرش..

وفى كل سنة تزداد أسماك القرش الآدمية .. وحشية .. بسبب الغلاء والفساد..

ضحايا العبارات يحصلون على تعويضات .. أما ضحايا الثانوية العامة .. فلا يحصل أى منهم على قرش تعريفة .. على الرغم من أن عبارة الثانوية العامة تغرق كل سنة .. وفى مواعيد ثابتة .. ومعروفة..

لماذا؟

لأن صاحب العبارة .. عضو فى مجلس الشورى بقرار جمهورى وهو من أغنياء البلد .. أما حكومتنا فهى فقيرة .. وعجزت عن دفع 144 مليون جنيه كى يتابع فقراء البلد ومعدومو الدخل مباريات المونديال..

صاحب العبارة .. عنده كيس!

أما الحكومة فلم يعد لديها كيس .. والمثل الشعبى يقول:

إللى معاه قرش .. ابنه يزمر!

بما يعنى أن الأب المقتدر .. هو الذى يشترى لابنه زمارة .. يزمر بها .. أما الابن الذى لا يملك والده كيسا فليس أمامه سوى متابعة ما يجرى بين الأهلى والزمالك..

فى اللعب

وفى المقصورة الرئيسية

فالعين بصيرة . واليد قصيرة..

يحدث ذلك فى الوقت الذى تبلغ فيه رءوس الأموال المتداولة بين أسماك الدروس الخصوصية عشرات المليارات من الجنيهات .. ولا تحصل منها الحكومة على مليم واحد..

أسماك الدروس الخصوصية .. لا تدفع الضرائب ولا مصروفات التحصيل .. ولا نفقات رفع القمامة .. ولا الصيانة الدورية .. ولا ضرائب المبيعات والدمغات .. إلخ

علما بأن الحكومة هى التى فتحت أبواب الرزق أمام أسماك القرش .. عندما أفسدت التعليم .. وتركت أسماك القرش تنهش فى لحوم الضحايا..

ضحايا انحطاط السياسة التعليمية لسنوات طويلة تصل إلى ربع القرن ..

وكما أن العبارة لم تغرق فى يوم .. ولا فى شهر .. وإنما خلال سنوات طويلة من الإهمال والفساد . وتقديم الرشاوى لكبار رجال الدولة .. نجد أن عبارة التعليم .. تبعث بإشارات الاستغاثة .. مع كل امتحان للثانوية العامة ..

امتحانات الثانوية العامة .. هذا العام .. وكما يحدث كل سنة . هى المؤشر لوجود خلل فى منظومتنا التعليمية .. والصور التى تنشرها صحف الحكومة من أمام اللجان هى الدليل على ما نقول ..

وتبقى بعد ذلك كلمة:

إذا كان السيد أنس الفقى يعلن صراحة بأنه ليس لدى الحكومة 144 مليون جنيه لنقل مباريات المونديال .. فلماذا لا تفكر فى فرض الضرائب على أسماك القرش البشرية التى دمرت التعليم وأفسدت الذمم .. وحطت فى مكانة المدرس فى المجتمع؟!

افرضوا الضرائب على حيتان الدروس الخصوصية .. ليس فقط لينصلح حال التعليم .. وإنما لتتاح للبسطاء من أمثالنا .. متابعة المونديال .. ودفع المبالغ التى يطلبها الشيخ صالح كامل!

---

فى امتحان الثانوية العامة .. للغة العربية .. جاء السؤال الآتي:

لماذا تعلم عباس محمود العقاد .. اللغة الإنجليزية؟!

سؤال عجيب فعلا .. لا أعرف كيف خطر على بال رجال وزارة التربية والتعليم ..

أما الأعجب منه .. فكانت الإجابة النموذجية التى وزعتها الوزارة كى يحتذى بها وهي:

كى يستعين بها على فهم الإيطالية والأسبانية!

ومعنى الكلام أن التلميذ الذى لا تخطر بباله فكرة الربط بين تعليم اللغة الإنجليزية .. وفهم اللغتين الإيطالية والأسبانية .. سوف يسقط فى الامتحان .. ويضيع مستقبله..

أما التلميذ الذى يكتب فى كراسة الإجابة أن الأديب الكبير تعلم الإنجليزية .. كى يقرأ الأسبانية والإيطالية .. فسوف يحصل على أعلى المجاميع ... ويدخل كليات القمة .. ويصبح مهندسا للخرسانة بجامعة الأزهر!

وكم كنت أتمنى أن تضيف الوزارة .. اللغة الألمانية .. إلى اللغتين الأسبانية والإيطالية التى تعلم العقاد الإنجليزية من أجلهما .. ولو من باب ترضية اللجنة الرباعية التى تقدم المساعدات للفلسطينيين.

والأدهى فى ذلك أن رجال التصحيح اعترضوا على هذه الإجابة النموذجية وقالوا .. إن العقاد تعلم اللغة الإنجليزية بسبب احتكاكه بالسياح الأجانب فى أسوان منذ طفولته .. وحضوره مجالس الصفوة من الإنجليز .. فتعلم منهم اللغة الإنجليزية كى يجاريهم ويماشيهم ويساير هم فى الكلام!

ومن الواضح أن رجال التربية والتعليم عندنا .. لا يفرقون بين اللغات الأجنبية ويتصورون أن إجادة لغة واحدة .. تكفى لفهم كل اللغات..

سؤال آخر على نفس المستوى من الطرافة وهو:

ماذا يقصد طه حسين من قانون العرض والطلب؟

وجاءت الإجابة النموذجية التى وزعتها الوزارة على المصححين كالآتي:

قلة الناس فى الريف .. واتساع أرجاء القاهرة!!

واعترض رجال التصحيح على هذه الإجابة النموذجية وقالوا إن الإجابة الصحيحة هي:

قلة العلماء فى الريف ... وكثرتهم فى القاهرة!

أسئلة عجيبة .. وإجابات أشد عجبا .. ولكنها تكشف سيطرة الدروس الخصوصية على العملية التعليمية ..

لقد سيطرت عقلية الدروس الخصوصية .. ومراكز الدروس الخصوصية والشقق المفروشة والغش الجماعى على العملية التعليمية ..

لم تعد مهمة التعليم تدريب التنمية على الفهم والاستيعاب .. وإنما باتت المهمة .. هى حفظ الأجوبة..

التلميذ لا يفهم

التلميذ يحفظ الأجوبة

وكلما نجح التلميذ فى التدريب على حل الامتحانات .. كلما ارتفعت درجاته وعلا شأنه..

ومهمة المدرس الخصوصى .. هى تلقين التلميذ فن الإجابة على الأسئلة .. بما يتفق مع الإجابات النموذجية التى تقدمها الوزارة للجان التصحيح ..

هو لا يعلمه ..

هو يجهزه لمهمة محدودة .. هى أداء الامتحان بعقلية الإجابات النموذحية .. والكلفتة

وقريبا سيأتى اليوم الذى يصبح فيه السؤال الإجبارى فى امتحان الثانوية العامة هو:

من هو مؤلف أغنية الواوا .. التى تغنيها هيفاء وهبي؟

أو .. من هو ملك جمال مصر؟! .. هل هو إبراهيم عبد الجواد.. أم نجيب محفوظ؟!

تقلا عن الأهالي

تم تعديل 23 يونيو 2006 بواسطة KANE