لكلوك بتاريخ: 1 أغسطس 2006 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 1 أغسطس 2006 محمد حسيب القاضي في كتابه "قذائف الورق" كتب جوبلز مسؤول الإعلام النازي يقول: "إذا أردت أن تقضي على شعب، فلا بد أولاً أن تقضي على تاريخه وأساطيره". .. وعلى طول أكثر من أربعين سنة لم تتوقف إسرائيل عن محاولة هدم الذاكرة الفلسطينية بنفس الطريقة التي يهدم بها البلدوزر منزلاً ويشرد عائلة.. لكن حقائق التاريخ أقوى من كلام جوبلز وقوة البلدوزر الإسرائيلي، ذلك أن هناك لحظات نادرة وعميقة تبقى عالقة بأعماقنا إلى آخر الزمان لأنها انحدرت إلينا من تجاويف التاريخ وحكمة الجدّات وأنين الشبّابة العريقة في دروب وقرى وجبال فلسطين. ومن هذه الحكايات سيرة الأميرة الفلسطينية ذات الهمة.. وهي سيرة شعبية صحيحة تداولتها الأجيال منذ القرن الثامن الميلادي حتى يومنا هذا. فنحن دائماً في حاجة لمعرفة تراثنا الشعبي في فلسطين باعتباره الهوية التي تؤكد ذاتنا في مواجهة نفي الآخر. وهذا التراث يحمل في داخله ذاكرة ثقافية هي ثقافة وذاكرة العامة التي تصوغ وعي التاريخ بذاته، داخل النسق المثيولوجي الذي يمثل الحكايات والرموز والحكمة الشعبية التي لا تبلى. ولذلك نجد أن الفيلسوف أرسطوطاليس يوصي الإسكندر الأكبر بما معناه: أن عليه قبل أن يدخل أي بلد غازياً أن يصغي لأغانيه ويسمع حكاياته الشعبية حتى يستطيع أن يفهم نفسية الشعوب التي يحاربها ويتمكن من الانتصار عليها. ولم يقل لنا التاريخ أن الإسكندر المقدوني حاول أن يقتلع ذاكرة الشعوب التي غزاها بالحرب والقتال لأنه كان يعلم أن ذلك أمر مستحيل وغير ممكن ولعل جوبلز النازي قد أدرك هذا أيضاً... فقدم صيغة أكثر تطرفاً وعدوانية تتمثل في إحراق ذاكرة الشعوب والقضاء على أساطيرها.. وهي صيغة تتفق مع نظرة هتلر العنصرية الحاقدة التي لم يكتب لها النجاح. من هي الأميرة الفلسطينية ذات الهمة؟ تقول سيرة الأدب الشعبي أن الاسم الحقيقي لذات الهمة هو فاطمة ابنة مظلوم بن الصحاح بن الحارث الكلابي. ولدت فاطمة وترعرعت في أحضان قبيلة فلسطينية في مطلع الإسلام وانتشاره وحروبه في مواجهة الدولة البيزنطية الرومانية حسب موسوعة الفولكلور والأساطير الشعبية لشوقي عبد الحكيم. فتحت "ذات الهمة" عينيها على اعتداءات قبائل طيء المتكررة على قبيلتها وانخرطت في الدفاع عن شرف القبيلة، وأبدت شجاعة نادرة جعلتها تلقب (بذات الهمة) وهي المحاربة الحسناء التي عرفت الحب، وانجذبت إلى ابن عمها الأمير مرزوق فارتبطت بالزواج منه لصفات الشجاعة فيه ودفاعه عن قومه وأنجبت منه ولداً سمته عبد الوهاب. وتبلغ أحداث سيرة الأميرة الفلسطينية 26 ألف صفحة في مخطوط من القطع المتوسط. ويقول شوقي عبد الحكيم أن النسخة الوحيدة محفوظة في مكتبة برلين.. ولم تصل إليها يد المطبعة.. وهي لهذا فخر لا يبارى بالنسبة للمكتبة المذكورة. وقد تم إنقاذها من الدمار الذي حدث في الحرب العالمية الثانية. وكما نرى فإن الملحمة الشعبية ذات الهمة هي ملحمة فلسطينية الأصل والمنشأ. وأن انتقلت السيرة بعد ذلك من يافا وحيفا وعكا إلى ساحل سوريا كما دخلت إلى مصر عن طريق غزة حتى أن الكثيرين باتوا يعتقدون أن مصر هي الموطن الأصلي للسيرة بسبب ما لقيته من اهتمام بين الناس البسطاء وانتشارها في النجوع والقرى بواسطة شاعر الربابة الشعبي. وتعتبر سيرة ذات الهمة وابنها عبد الوهاب من التراث الشعبي الذي لا يعرف مؤلفه . فهي تراث شعبي مهمل بالنسبة للباحثين الفلسطينيين الذين لم يلتفتوا إليه ولم يذكروه في دراساتهم وأبحاثهم عن الفولكلور الفلسطيني، ربما لعدم معرفتهم بأصل السيرة أو لأنها غير متداولة في أوساط العامة في فلسطين. ولعل الأغاني والأمثال الشعبية والمواويل أكثر شيوعاً عندنا من السير المروية.. ما عدا بعض الحكايات التي لا ترقى إلى تفاصيل السيرة الملحمية المعروفة في بعض أقطار العالم العربي وخصوصاً في مصر. تدور حكاية الأميرة الفلسطينية "ذات الهمة" في عهد الخلافة الأموية في دمشق.. وتحديداً في عصر عبد الملك بن مروان ثم مروان بن محمد وهو آخر الخلفاء الأمويين الذي لقي مصرعه في أبو صير في مصر الوسطى على يد أبو مسلم الخرساني. وتمتد أحداث السيرة الشعبية حتى مطلع العصر العباسي. وقد شهدت هذه الفترات المتعاقبة أحداثاً سياسية على جانب كبير من الخطورة سواء في الداخل أو الخارج. فكان الصراع على السلطة هو الصبغة التي طغت على تفاصيل السيرة التي تشمل أكثر من ألف صفحة تسرد هذا الصراع السياسي بين اليمين التقليدي واليسار الإسلامي الذي كان يحذر من الخطر الداهم المتمثل في الدولة البيزنطية التي كانت استعماراً متقدماً يطمع في السيطرة على ربوع الإسلام والثغور البحرية على الساحل الأفريقي. ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الأمور على العرب في فلسطين وأميرتهم ذات الهمة وابنها عبد الوهاب. وقد استطاعت هذه الأسرة الفلسطينية أن تدافع عن الخلافة الإسلامية وذلك بسبب موقع فلسطين الساحلي مما جعل الفلسطينيين بمثابة طلائع بحرية في الثغور الممتدة حتى لبنان وسوريا، ومما وفر لهم الفرصة للنجاح في رد الغزوات عن العالم العربي . والسيرة تتحدث عن حرب بني كليب التغلبيين الفلسطينيين ضد الدولة البيزنطية التي تهدد الدولة الإسلامية. ولا تتعرض موسوعة الفولكلور والأساطير العربية لتفاصيل السيرة الموجودة في مكتبة برلين وغير المنشورة حتى الآن . كما أنه من الصعب الإلمام بسياق التفاصيل التي تستغرق مجلدات عديدة، وتؤرخ لمراحل مختلفة من الحياة العربية في صدر الإسلام . فهذه السيرة – كما ذكرنا- فلسطينية الأصل والمنشأ، وتدل على أن الفلسطينيين موجودون على هذه الأرض ولهم حضارة وأبطال وسير وأنماط حياة عصرية، وهذه بقعة غائبة عن مؤرخي الفولكلور الشعبي والمهتمين بالتراث عامة. إذ لا نكاد نصادف أي ذكر لسيرة ذات الهمة فيما قرأنا من كتب ودراسات لمؤلفين فلسطينيين حيث لم يقتربوا من هذه السيرة بأي كلمة أو إشارة ويعتبرها شوقي عبد الحكيم أكبر سيرة في التاريخ. وتشكل سنداً تاريخياً علمياً يؤكد وجود شعب فلسطيني في مواجهة ادعاءات إسرائيل ومحاولات طمس الهوية. إننا في أشد الحاجة إلى كل سند وبرهان نقدمه للأجيال القادمة كي نؤكد أن تاريخنا يبدأ من فترات ما قبل الميلاد، وهو مستمر حتى الآن. وإننا موجودون هنا ولم نغادر الهوية والوطن لأن جذورنا أعمق من أي ادعاء وتزييف. فقد قادت ذات الهمة الجيوش العربية ووصلت إلى مالطة والقسطنطينية وأصبحت امبراطورة متوجة لفترة من الزمن.. ولعب ابنها عبد الوهاب دوراً في أحداث الصراعات الداخلية التي انتهت بمذبحة البرامكة ، وكان متحالفاً مع جعفر البرمكي.. وتشمل السيرة الكثير من المعارك والسياسات التي كانت تحتدم داخل الدولة الإسلامية.. وفي كل الحالات تبرز ذات الهمة وابنها عبد الوهاب لتصوغ معه تلك الأحداث، وتؤثر فيها بشكل عميق.. بل وتغير مسارات الصراع سواء مع الدولة البيزنطية أو في مواجهة المؤامرات الداخلية التي كانت في صلب الخلافة. هل يهتم دارسو التراث الشعبي بسيرة ذات الهمة الفلسطينية؟! رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان