نابغون في كل المجالات خرجوا من رماد المخيم

[لكلوك]

لم ينكسر الشعب الفلسطيني بفعل النكبات وعمليات التهجير والشتات والمذابح والترانسفير، بل أثبت أنه قادر على أن ينبعث من رماد المخيمات، ومن بين هشيم الإرادة العربية كطائر عنقاء أسطورية.

لم يستسلم الذين أخرجوا بليل من ديارهم لواقع الإنكسار، ولم يستعذبوا لحن الضعف، وإنما حاولوا كأفراد وكمجتمع اقتلع من أرضه أن يتحدي كل الأنواء، وأن يحمل السلاح بيد، وباليد الأخرى يبني أجيالا من العلماء والباحثين والأدباء والمبدعين الذين كثيرا ما تعدت شهرتهم الإقليم العربي محلقين في آفاق العالمية الفسيح.

رغم كل المآسي فإن معدلات التعليم بين الفلسطينيين تعد من أعلى المعدلات في العالم العربي، ولا يقتصر الأمر على الكم وحده، وإنما هناك نبوغ ملحوظ في كافة الميادين، من الموسيقى والفن إلى الإبداع الشعري والتشكيلي، ومن الكيمياء وعلوم الإنسانيات إلى عالم الأعمال، وأرفع درجات السلك القضائي في العالم.

يعرف المبدعون العرب محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان كشعراء عماليق حملوا جرحهم وعمموه ليصبح جزءا من ضمير الوطن بأكمله من محيطه إلى خليجه، على يدهم لم يصبح الطرد من الأرض، والاقتلاع والمذابح فعلا تمت ممارسته ضد الفلسطيني، وإنما ضد العربي في أي أرض كان، وفي نفس الوقت أشاعوا حالة من تحدي اليأس والهمجية، وألقوا في روع الجماهير العريضة أن الصهاينة مهما بلغ عتوهم وتجبرهم مجرد عابرين، لابد أن ينجلي غبارهم يوما.

لكن مشاهير كثيرين صاروا أكبر من أن يسجنوا داخل أطر التصنيف القطري وإن كانت فلسطين تعيش داخلهم مهما تباعدت المسافات، وطالت سنين الغياب.

يوجين قطران هو أول قاض عربي في المحكمة البريطانية العليا، لم يعد إلى وطنه منذ غادره عام 1949 طفلا إلا وهو في الستين من عمره، ولكن ليس كمواطن، بل كقانوني صاحب شهرة دولية، وذلك ليشارك في وضع مسودة إعلان دولة فلسطين، كما كان ضمن فريق القانونيين الذين قاموا بوضع أسس الدستور الفلسطيني.

أصل عائلة قُطران من عكا، والده يسكن القدس حيث يعمل في سلك المحاماة والقضاء وكان شغله بالقدس، حينما حدثت النكبة كان هو تلميذ بمدرسة الفرير، يتذكر كيف خرج سنة 48 مع أمه وأخيه وأخته في قافلة سيارات إلى مصر مرورا بالحواجز وطلقات الرصاص كي يلتحق كما قيل له بمدرسة كلية فيكتوريا في الإسكندرية، ظل والده بفلسطين، ويوم 15مايو 1948 أغلق والده البيت بالمفتاح بعد أن غطى الأثاث تاركا كل شيء على حاله على أمل أن يعود اليه بعد شهور قليلة، لكن الأسرة بأكملها صحت على واقع مر، أنها أصبحت ضمن اللاجئين المشردين.

لم يستسلم الأب، وإنما عمل في مناصب قضائية عديدة في إفريقيا، في السودان، ثم نيجيريا، والكاميرون، وأصبحت إفريقيا نقطة تحول ف حياة يوجين، وقارة يعود إليها مرَّات ومرات، فبعد بكالوريوس الحقوق من (ليتس) وشهادة القانون الدولي من (كامبريدج) حصل يوجين على بعثة (سِوَس) حملته إلى شرق إفريقيا في مهمة كانت الأولى من نوعها لدراسة، وتصنيف، وتدوين الأحكام العرفية.

مؤلفاته اليوم أصبحت مرجعاً في القوانين الافريقية، والدور الذي لعبه في توحيدها خطَّ صفحة جديدة في تاريخ تلك القارة التي تحولت إلى شبه بيت له لولا أن هجرة ثانية كانت تنتظر يوجين إلى أوربا بسبب حبه للعدالة وبدافع قرار منه.

أول مرة رجع لفلسطين كانت سنة 1990م عند وفاة عمه سليمان، وذلك لحضور جنازته، ذهب إلى القدس ليري مكان لهوه وصباه لكن كل شيء كان قد تغير، كل شيء تغير، وأن هناك سرقة بلد، بأراضيها، ومبانيها، ذهب إلى بيت العائلة ودق على الباب، طلعت له سيدة عجوز، قال لها: أنه كان يسكن في هذا البيت، قالت له: «مش ممكن، أنا لي هنا خمسين سنة». قال لها: كنا ساكنين هنا قبلك، كان ليه أمل أن تدعوه السيدة إلى الداخل ليلقي نظره على البيت التي تربي فيه، على أثاث المنزل، والحوائط وشخبطات الصغار، لكنها صفدت الباب في وجهه.

وهناك البروفيسور منصور أرملي اشهر جراح عيون في امريكا وهو من أصل فلسطيني وهو من أشهر أطباء العيون في الولايات المتحدة، والعالم. وفي حياته المهنية عمل الدكتور أرملي أستاذًا ورئيسًا لقسم العيون في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية وقد اشتهر د. أرملي بعد أن قام بوضع عدد من النظريات التي استعملت في ما بعد بمجال تعليم طب العيون، وكل من يطلع على المراجع الطبية في هذا المجال، يرى أن اسم د. أرملي يتصدر هذه المراجع، وأصبح اسمه علمًا في طب العيون، يؤمه المرضى من جميع أنحاء العالم، وبينهم شخصيات كبيرة ومسؤولون أمريكيون وعالميون.

وتاريخ الدكتور أرملي حافل ايضًا بالوطنية، والتي التزم بها طوال حياته، فقد فصل في أوائل الخمسينات من الجامعة الأمريكية في بيروت، بسبب نشاطاته مع الطلبة الوطنيين هناك، ومنهم جورج حبش ووديع حداد.وقد لازمه حسه الوطني خلال عمله في الولايات المتحدة، خصوصًا أثناء وجوده في منصب رئيس قسم العيون في جامعة جورج واشنطن فقد حرص على قبول طالب عربي واحد على الاقل كل سنة للتخصص في قسمه، وقد انتشر هؤلاء الخريجون في العالم العربي، وكان د. أرملي يعتبر هذا الجهد هو اقل ما يستطيع تقديمه لشعبه من موقعه في المهجر.

وفي عام 7691 قام الدكتور أرملي بزيارة والديه اللذين بقيا في مدينة حيفا بعد النكبة وقد قامت الجامعة العبرية بتوجيه دعوة له لإلقاء محاضرة فيها، إلا أنه رفض ذلك، ما أدى إلى قيام أجهزة الإعلام الإسرائيلية بشن هجوم كاسح عليه متهمة إياه بالقومية ومعاداة اليهودية.

ميشيل عبد المسيح.

مثل يوجين قطران كان ميشيل عبد المسيح الذي قدم إلى لندن وهو في الخامسة عشرة من عمره، يومها كان يحلم بأن يصبح مهندساً في علوم الطيران، غير أن الباص رقم 137 قاده ذات يوم أحد إلى زاوية في منتزه (هايد بارك) حيث يجتمع الخطباء، فاتخذت حياته وجهة مختلفة حملته إلى عالم الحقوق والمحاماة لينتهي به الأمر مستشارا قانونيا لملكة بريطانيا.

ميشيل عبد المسيح محامي مرافعات تمكن من تحقيق شهرة واسعة من خلال كسبه لقضايا مهمة أثارت انتباه الجمهور وجعلته براعته وتفوقه يحصل على لقب مستشار ملكي، وهو اللقب الذي يطلق على من بلغ الذروة في مجال المهنة.

للتمييز بين مختلف فئات المحامين يفرض القانون البريطاني على هؤلاء ارتداء لباس خاص يشير إلى خصوصية عملهم، فالمرافعون مثلاً يرتدون عباءة سوداء، وحين يكونون أصحاب رتبة مستشار ملكي تكون العباءة من الحرير، هذا إضافة إلى الشعر المستعار المصنوع من شعر الحصان.

التأثير الأساسي في حياة ميشيل هو مقتل عمته على يد المتطرفين اليهود في الأربعينيات وكانت حاملا في شهرها الثامن،قتلوها مع ابنها البالغ من العمر سنتين وزوجها. يقول ميشيل إن الرأي العام الغربي يجب أن يعلم مأساة هذا الشعب والنكبة وكيف حلت به، وهوا يعتقد أن الإعلام العربي يفشل في ذلك يومياً لأن القضية الفلسطينية هي قضية في خلاصتها عادلة، ويجب أن يعرف العالم ذلك هي قضية شعب سُرقت أرضه، فبالتالي يجب علينا أن نشرح هذا.

فنانون من القانون إلى عالم الفن والموسيقى والسينما حيث هناك مشاهير عالميون خرجوا من مخيمات اللجوء بينهم عازف العود سيمون شاهين الذي يكتسب شعبية واسعة في الولايات المتحدة ليس فقط في صفوف الأميركيين من أصل عربي بل أيضا في أوساط محبي الموسيقى الإيقاعية بشكل عام.

يقول شاهين: «حين قدمت إلى هنا سنة 1980 كان مشهد الموسيقى العربية في حالة يُرثى لها. ولم يكن الأميركيون يعرفون الموسيقى العربية الحقيقية. إذ كان يقتصر جل ما يعرفونه على موسيقى الملاهي الليلية الرخيصة وأفلام هوليوود». لكن اليوم، أصبحت الأنغام العربية عنصراً دائماً في الموسيقى الأميركية. ويتابع بالقول: «يستعير كبار الفنانين الكثير من هذه الموسيقى، سواء أكان ذلك من جهة الأفكار الموسيقية أو الآلات أو الإيقاع. انظروا إلى موسيقى الراب، إنها مليئة بالموسيقى العربية وآلاتها.

وتعود بشاهين الذاكرة فيقول إن حفله الموسيقى الأول في الولايات المتحدة استقطب ما بين 80 إلى 90 شخصاً فقط. أما اليوم فيؤدي عروضه أمام صالات تتسع ل2،500 شخص (وحتى 15 ألفا في المهرجانات المشتركة مع فنانين آخرين). وفي أماكن تكتظ بالرواد، مثل قاعة كارنيغي في نيويورك ومركز كندي في العاصمة واشنطن، تمثل موسيقى شاهين الموسيقى العربية الحقيقية التي يستمع إليها الكثيرون في الصالة لأول مرة. ويقول: «معظم من يأتي ليشاهدني ليس عربياً، أي حوالى 70 في المئة من الجمهور». وقد اعتبرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز ألبوم شاهين الأخير، وهو مزيج رائع من الأنغام الغربية والعربية عملاً مذهلاً «وأعتبرته مجلة سي أم جي معياراً جديداً لتقدير الانصهار العربي ـ الغربي في النمسا أيضا يشتهر الفنان الفلسطيني الأصل مروان عبادو الذي رفضت إسرائيل دخوله قبل أسابيع قليلة للمشاركة في حفل بالقدس المحتلة متذرعة بدواع أمنية، وذلك بعدما اعتقلته واحتجزته لساعات طويلة في مطار بن جوريون بتل أبيب.

واعادت إسرائيل الفنان الذي ولد في مخيم لاجئين ببيروت على أول طائرة للنمسا. وكان من المفترض ان يشارك في الامسية السادسة لمهرجان أناشيد الحرية السنوي التي تنظمه مؤسسة يبوس للانتاج الفني في القدس الشرقية.

وقالت اسرائيل انها لن تسمح بدخول عبادو فهو يشكل خطرا على اسرائيل.

يغني عبادو للنضال الفلسطيني ومعاناة اللاجئين. وإسرائيل تخاف من الكلمة واللحن لانها تدرك مدى تأثير ذلك على الشارع الفلسطيني. لذلك تعتبر أغاني عبادو جزءاً من النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.

يبرز أيضا اسم ميشيل خليفي وهو مخرج سينمائي خرج من فلسطين مع النازحين وعمره أقل من عشرين عاما التحق في ألمانيا بالمعهد العالي لفنون السينما والمسرح والعروض.

اتجه ميشيل خليفي للسينما فأنتج عدداً من الأفلام التي بشَّرت بميلاده سينما في فلسطين مكتملة الملامح، وأكدت على موهبة هذا المخرج الذي أصبح مسئولاً عن قسم الإخراج السينمائي في أحد أهم وأكبر معاهد الفن السابع في أوروبا.

من أفلامه نشيد الحجر، ملف عمل أو جدول عمل، وحكايات الجواري الثلاثة، و الزواج المختلط. يقول: «طبعاً أوسلو والحل السلمي بين منظمة التحرير وإسرائيل اللي لخبط كل بنيتنا، لخبط بكل معنى الكلمة كل بنيتنا، فصار من الصعب بالنسبة إلى إنه أرجع وأعمل نفس الأفلام وأعالجها بنفس الطريقة ومن ثم لازم الواحد يعيد بناء فكره، يعيد علاقته.. العلاقة الفكرية».

ويضيف: لا أبكي على الماضي، لكن الوطن لازم يصير جزءاً من حياتك.

الانتماء الإنساني لطالما عبر عنه ميشيل خليفي في موضوعات أفلامه التي وإن كانت في مجملها عن فلسطين فإنما لكي تروي الحالة الإنسانية التي تسبق الرمز والشعار وتؤسس لها.

خليفي مشغول بثقافة الفقراء، ومعجب بالفيتنامي الذي هزم إمبراطورية ضخمة بسلاحه البسيط.

يتعرض خليفي لحصار بسبب أفكاره فيقول. أنا كم مرة قالوا لي:أغير بعض المشاهد في عرس الجليل وأقول إنه فيلم إسرائيلي حتى يمنحوني الأوسكار، ورفضت طبعا.

بما إني عملت الذاكرة تحت الاحتلال، التأريخ تحت الاحتلال، عملت الفرح تحت الاحتلال، فلما حدثت الانتفاضة حملت دمي على كتفي والكاميرا معاي وأخذت فريق ورحت في عز الانتفاضة صورت نشيد الحجر، ما كانش ولا واحد بيصور، لا فلسطيني، ولا عربي، ولا أجنبي، المهم لأنه اللي همِّني هو كان الألم تحت الاحتلال هذا همني، همني كي أصور ألم الناس.

وتطفح كلمات ميشيل بالإنسانية حين يقول :.

لما يموت طفل.. الحياة كلها ما لهاش معنى، أيتها طفل يعني، مش بس الطفل الفلسطيني أو الطفل اللبناني أو الطفل السعودي أو المصري أو العراقي..، كلهم مهمين، كل أطفال العالم مهمين.

فلسطين بالنسبة إلى هي نموذج..، نموذج للإنسانية.

هناك أيضا نعومي شهاب ناي وهي كاتبة وشاعرة وقاصة ومتخصصة في علم الإنسان أميركية من أصل فلسطيني وقد نالت نعومي جوائز لإنجازاتها.

ومنى حاطوم وهي فنانة تشكيلية شهيرة انجليزية من أصل فلسطيني وفنها ينتزع تراثه الشكلي من لحظة خواء تعبيري وهو لذلك لا يعني الا بهذا النوع من الفراق الذي يشبه فراق الوطن بلا عودة تبدو قريبة.

في عالم السياسيين يبرز عضو البرلمان السويدي إيفون أبو رويدة وفي كاليفورنيا يبرزمعد أبو غزالة وهو من الحزب المؤيد لحرية الإرادة(أو ليبرتاريان) وهو أميركي عربي هاجر إلى الولايات المتحدة وتجنس فيها، ويتحدى توم لانتوس(ديمقراطي) الذي شغل مقعده طوال اثنين وعشرين عاما. وأبو غزالة أميركي عربي من أصل فلسطيني هاجر إلى الولايات المتحدة في عام 1979أبو غزالة، وهو في الأربعين من عمره يقول أشعر أن الولايات المتحدة تقف حالياً على مفترق طرق في تاريخها.

علماء من بين العلماء الفلسطينيين المشاهير الذين خرجوا من مخيمات اللجوء البروفيسور بهاء أبو لبن رئيس قسم البحوث العلمية في جامعة ألبرتا الكندية الشهيرة.

ولد أبو لبن في مدينة يافا سنة 1931، وعاش سنوات الطفولة والمراهقة فيها حتى خرج عام 48، كلاجئ فلسطيني تفتح وعيه على واقع النكسة، فغادر رفقة والديه إلى سوريا، وعلى باله بأن الرحلة لن تطول، غير أن سني العمر أقرت غير ذلك الواقع الذي به كان يحلم، ليبدأ مشوار غربته لاجئا بين سوريا ولبنان ليعيش التحول الأكبر في حياته.

نقطة التحول في حياته حدثت وقت خروجه، فقد كان أكثر الفلسطينيين الذين خرجوا سنة 1948 يقولون نحن نخرج لفترة أسابيع محدودة، ومن بعدها نرجع إلى وطننا، تكون القضية قد حُلَّت، وتكون الدول العربية قد ساعدتنا في حل القضية، لكن هذا لم يحصل، وبعد مرور أشهر وجد نفسه لاجئا لا يُعترف بجواز سفره، كما أن هويته أصبحت غير موجودة.

التحق بكلية الآداب بالجامعة الأميركية ببيروت، وكان تخطيطه لنيل البكالوريوس كخطوة تعينه للحصول على عملٍ بعد التخرُّج يمكنه مدخوله من دراسة الطب، فسافر إلى الخليج للعمل بعد تخرُّجه، ثم عاد إلى لبنان للتحضير لدارسة الماجستير بالجامعة الأميركية، وبعدها سافر إلى الولايات المتحدة لينال الدكتوراه ثم الأستاذية بتخصص الاجتماع من جامعة واشنطن.

ثم قام أبو لبن بإجراء دراسات عن الحقوق العربية وعن الزنوج في أميركا وعن أصحاب البلاد في شمال أميركا.. الهنود الحمر.

ومن بعدها تحوَّل نشاطه إلى دراسات تتعلق بتمويل الجامعات والبحوث العلمية فيها.

تعتبر جامعة ألبرتا واحدة من أهم وأقدم أربع جامعات في كندا، التحق بها البروفيسور بهاء أبو لبن مدرساً لمادة العلوم الاجتماعية بدرجة أستاذ، ثم تولَّى رئاسة قسم علوم الاجتماع بعد سنوات قليلة، ومن ثَمَّ تولَّى عمادة كلية الآداب، ثم نائباً لرئيس الجامعة ورئيساً لقسم الأبحاث والتخطيط، حتى العام 1987 ليتفرغ بعد ذلك لرئاسة مركز أبحاث الهجرة والاندماج حتى اليوم. يقول :.

عدد كبير من الهنود يشعرون أنهم لاجئون بالرغم من أنهم فعلاً ومن ناحية قانونية يمتلكون كندا، إلا أنهم يشعرون أنهم لاجئون، وهذا يعيدني إلى هجرتي نفسي كلاجئ فلسطيني خرجت من فلسطين سنة 1948، وطبعاً كنت لاجئاً في سوريا وفي منطقة الخليج ومناطق أخرى في الدول العربية قبل هجرتي إلى الولايات المتحدة وإلى كندا في منتصف الخمسينيات.

أما البروفيسور علاء الدين الحسيني فقد ولد في حي الرمال بغزة وظل هناك حتى بلغ الثانية عشرة من عمره، ولجأت أسرته إلى مصر، وفيها إلتحق بكلية العلوم جامعة طنطا، في السنة الأولى كان الثاني على الدفعة، ولاقى متاعب كثيرة حتى يحول أوراقه إلى علوم عين شمس لدراسة الكيمياء الحيوية، ولأن تحويل الطلاب الوافدين كان ممنوعا فقد حصل على استثناء من الدكتور كامل ليله الذي تولى بعد ذلك رئاسة مجلس الشعب المصري.

نشأته بغزة علمته الإصرار والتحدي، وتحقيق كل ما يريد فغادر القاهرة بعد تخرُّجه متوجهاً إلى الإمارات للعمل مع إحدى شركات البترول، وبعدها سافر إلى كندا لإتمام دراساته العليا ملتحقاً بجامعة (ماني توبا)، والتي تحصل منها على الماجستير، ثم أتبعها الدكتوراه، استكمالاً لدرجة التخصص من جامعة (بريتش كولومبيا) ليسافر بعدها إلى الولايات المتحدة لإتمام أبحاثه في جامعة كاليفورنيا، وبعدها مجموعة من الأبحاث المميزة في كيمياء الدماغ أهَّلته نتائجها لنيل مقعد الأستاذية في تخصص كيمياء الخلايا العصبية وآلية عملها، ودور بعض البروتينات في إحداث الأمراض النفسية والعصيبة، والتي كان لنتائج اكتشافها دوراً مهماً في إشهاره كعالم بارز في هذا المجال العلمي الدقيق، وعاد بعدها إلى كندا لينضم إلى فريق من العلماء لتأسيس مركز أبحاث متخصص بأبحاث الدماغ البشري بجامعة بريتش كولومبيا.

بعد مسيرة علمية مثابرة نال خلالها البروفيسور علاء الدين الحسيني العديد من الجوائز العلمية وشهادات التقدير أصبح في مصاف أهم أساتذة جامعة بريتش كولومبيا، وواحداً من أبرز باحثيها الأكاديميين.

رغم كل ذلك ما زال يراوده الحنين، وهو يقول : هناك أشياء لاتستطيع أبدا أن تسحبها من خيالك، وأنا من الناس غير القادرين على الاندماج كليا في المجتمع الجديد، فالإنسان يظل يحمل ذكرياته وهويته، خاصة إذا سلبت منه.

هناك أيضا الدكتور مجيد سليمان الكاظمي أستاذ للهندسة النووية في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا في بوسطن، ومدير مركز نظم الطاقة النووية المتقدمة في نفس المعهد.

الكاظمي خريج هندسة الإسكندرية بمصر خرج من حي الشيخ جراح بالقدس القديمة بعدما فجر المحتلون بيت والده، رحل أهله إلى عمان منتصف عام 1948، ثم غادروا بعدها إلى الكويت حيث عمل والده في بعض المشاريع الهامة آنذاك، غير أنه لم يكن في الكويت حينئذ المؤسسات التعليمية القادرة على إشباع احتياجات تلميذ تنبأ له الكثيرون بالنبوغ، لم يعد إلى فلسطين إلا عام 1993 حيث أراد أن يعرف أولاده مكان مولده ونشأته، ويقول: الولادة في القدس بتربط الإنسان ببلد عريق وقديم وحافل بأشياء تاريخية مهمة، لما بأرجع على القدس أجد لها وقعا خاصا علي، أشعر بارتياح، أحس أن هناك اندماجا بين التاريخ وبين مايجري حاليا، فالقدس صلبة صمدت أمام هجمات كثيرة وستصمد أمام الهجمة الحالية.

ومن المشاهير أيضا في الحقل الأكاديمي المرحوم إبراهيم أبو لغد رئيس دائرة العلوم السياسية في جامعة نورث ويسترن، ورشيد الخالدي الأستاذ في جامعة شيكاغو، وهشام شرابي من جامعة جورجتاون ومدير مركز تحليل السياسات في واشنطن.

هناك أيضا فيليب مطر عضو مركز وودرو ولسون الدولي للعلماء والمؤرخ المعروف الذي يؤكد أن أثر مراجعة التاريخ الإسرائيلي على يد المؤرخين الجدد ظل محدودا جدا وحتى عهد قريب خلال مفاوضات كامب دافيد عام 2000 قال رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك أن إسرائيل غير مسئولة عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

وقد بدأ اهتمام مطر بالتأريخ للنزاع العربي-الإسرائيلي حين كان طالباً يدرس التاريخ في جامعة كولومبيا، حيث وضع أطروحته عن أمين الحسيني، مفتي القدس الذي تزعم معارضة الاحتلال الصهيوني في فترة امتدت من العشرينيات من القرن الماضي وحتى عام 1948. ولاحظ مطر آنذاك أن السير العربية والصهيونية ترسم صورتين مختلفتين جداً للمفتي لخدمة أغراضها الإيديولوجية، ويجري مطر حاليا دراسة مقارنة بين خمس روايات تأريخية فلسطينية لخمسة أحداث مهمة والروايات الرسمية الإسرائيلية لتلك الأحداث. وهذه الأحداث هي، اضطرابات الحائط الغربي، والتي وقعت في 1928/1929، ودور المفتي في الحرب العالمية الثانية، وأسباب ومضاعفات حرب عام 1948، وحرب الخليج، ومفاوضات كامب ديفيد عام 2000.

وهناك أسلوب آخر يعتمده المؤرخون لتحريف السجل التاريخي يتلخص في انتقاء الألفاظ المستخدمة بعناية إما لشجب أو تبرير الحدث، فالكثير من المراجع اليهودية لا تشير للعرب إلا كإرهابيين، رغم ان عصابات الإرغون والستيرن ارتكبت في الثلاثينيات والأربعينيات أعمالاً ينطبق عليها تعريف الإرهاب.

وقال مطر: إن استخدام كلمة إرهابي لوصف الفلسطينيين دون استخدامها لوصف الإرهابيين اليهود في الأربعينيات هو نوع من التحريف والتشويه التاريخي. إنه وصف ازدرائي سلبي. وهو تعبير أصبح يستعمل اليوم ضد الأعداء. نحن لا نرتكب الأعمال الإرهابية. الجانب الآخر هو الذي يفعل ذلك.

من المشاهير أيضا الباحث الأميركي من أصل فلسطيني حنا بطاطو صاحب أهم كتاب عن تاريخ العراق الحديث.

ادوارد سعيد وُلد في فلسطين، مع أن والده كان يحمل الجنسية الأميركية كانت فلسطين أيام طفولته مكانا للمرح، فقد كان يدرس في مصر ويقضي فترات متقطعة في الصيف في فلسطين.

في 48 طُردت عائلته من فلسطين أعمامه وعماته وخالاته، وأبناؤهم ويقول : كانت فلسطين بالنسبة لي حتى حرب 67، قضايا إنسانية، لاجئين، تعاسة إنسانية، مرضاً، تشريداً، يأساً، حدثت لناس سيئي الحظ، ولهذا عندما كنت أزور أماكن اللاجئين في القاهرة مع عمتي، كنت أشعر بالمأساة، ولكني لم أكن واعياً للأسباب ولا لِمَ حدث في الحقيقة، أدركت ذلك فيما بعد في أميركا عندما ابتعدت وبدأت أقرأ عنها شعوري بالنفي التصق بي طيلة حياتي أعني أني كنت دوماً أحس باللا انتماء.

الدكتور إدوارد ظهر اسمه على الساحة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين أنور السادات وإسرائيل حيث طرح اسم إدوارد سعيد كواحد من الأميركان من أصل فلسطيني، ممن يرشحهم السادات لتمثيل سكان الضفة والقطاع فى مفاوضات الحكم الذاتي، قبلها وفي عام 1977 كان إدوارد عضوا فى المجلس الوطني الفلسطيني وعضوا فى مجلس العلاقات الخارجية وتوطدت علاقته برئيس المنظمة ياسر عرفات بعد مؤتمر الجزائر وقيل أنه لعب دورا فى التمهيد للاعتراف الاميركاني بالمنظمة.

إدوارد سعيد أصبح استاذا في أشهر الجامعات الأميركية، ويكفي أنه صاحب كتاب الاستشراق الذي أحدث انقلابا في المفاهيم النمطية التي روجها عنا المستشرقون.

كل حجر يلقيه فلسطيني على جنود الاحتلال كان يعقبه ظهور إدوارد سعيد على شاشة التلفزيون الاميركي ليشرح الدوافع لدرجة أن المواطن العادي فى الولايات المتحدة ظن ويظن أن إدوارد سعيد هو المنظر للانتفاضة.

رجال أعمال سجل النابغين الفلسطينيين، أبناء المأساة الذين قهروا كل الظروف لا ينتهي، فهناك نبوغ في مجالات الأعمال كما في المجالات الأخرى لدرجة أن مجلة فورتشن الأميركية أكدت قبل فترة إلى أن عدد أصحاب المليارات من الفلسطينيين في أميركا فقط بلغ أكثر من 25 مليارديراً.

في السويد على سبيل المثال هناك نائل طوقان وهو صاحب شركة رائدة في تصميم مطبوعات أهم الشركات العالمية.

عائلة نائل طوقان جاءت من نابلس وانتقلت إلى الكويت، حيث أنهى دراسته الثانوية ثم غادر إلى بيروت فالسويد، هويته الفلسطينية اليوم تشغل حيزاً كبيراً في نشاطه الاجتماعي، فهو يترأس الرابطة الفلسطينية في استكهولم، فقد قام حديثاً باصطحاب وفد من البرلمان السويدي في رحلة استهدفت تعريف الحكومة السويدية بوضع اللاجئين الفلسطينيين، عندما زار الوفد مخيم برج البراجنة بلبنان أبدى أعضاؤه دهشتهم من أن هناك أناسا يعيشون ظروف اللجوء التي شاهدوها لمدة خمسين عاما، وبدأوا بعد عودتهم يضغطون على الخارجية السويدية من أجل مساندة الحقوق الفلسطينية في العودة والحصول على دولة مستقلة.

هناك أيضا محمد أبو حمام صاحب أهم مصانع تصميم وإنتاج معدات إنارة الطوارئ في أوروبا.

قصة نجاحه قد تبدو حظاً تكرَّم به عليه القدر، لكن الحقيقة تكمن في إرادة مهولة نشلت صاحبها من حطام نكسات عديدة كان يمكن أن تثبط من عزيمة أي إنسان.

هو من مواليد عكا عام 1940 وهو يتذكر بلده الوديعة الجميلة بأسوارها ومدافعها وبواباتها القديمة التي أعجزت نابليون عن دخولها، كان والده واحدا من المشاركين في ثورة القسام، وفي يوم من الأيام ذهب إلى مزرعة تمتلكها الأسرة في بلدة الدمون المجاورة وعاد فلم يجد بيته، ولا أمه أو إخوته، أخبرته عمته أن معركة تمت بين الأسرة والعصابات اليهودية فرت على إثرها أمه وإخوته إلى الأراضي اللبنانية، وبقي مع الأسرة في بيروت حتى عام 1952 حيث رحلوا إلى الأردن.

بعد أن أنهى دراسته الثانوية في الأردن، وانتقل لتكملة دراسته في لبنان، حيث تزوج واستقر، وأسس شركته الأولى عام 1963، وفي عام 1970 بعد أحداث أيلول الأسود أنشأ إذاعة تبث من لبنان للفلسطينيين في الداخل، ثم توسع نشاط شركته لإنتاج مختلف الأجهزة الإلكترونية واضعاً أساساً متيناً لحياته في لبنان، ثم يأتي الاجتياح الإسرائيلي ليهدم كل ما بناه.

انتقل محمد أبو حمام إلى لندن، وأسس شركة لإنتاج أجهزة الإضاءة الإلكترونية للطواريء.

الشركة بدت برأسمال هو العلم، وتطوع أولاده للعمل معه فيها، ونفذت فيما بعد إضاءة قطار اليوروستار الذي يعبر نفق المانش، وكذلك معدات السفن التي تعبر بحر المانش.

يقول أبو حمام: أنا صحيح بأحمل الجنسية البريطانية، ولكني فلسطيني مهاجر، مازلت فلسطينياً، وسأبقى فلسطينياً، والحمد لله، أكون مخطئا لو لم أفكر في العودة في فلسطين.

كل عملي ودراستي وإنجازي كان من أجل أن يتعلم أولادي كما أريد ويعملوا على قدم وساق للعودة لفلسطين.

وأنا شخصياً إن لم أعد إليها حيا، فسأطلب أن أدفن في فلسطين

مجدي شندي