أبو الغيط والجهل السياسي

[الكلمة الحرة]

لا ادري كيف يكون وزير خارجية دولة بحجم مصر بكل هذا الجهل والسطحية السياسية .. وكيف يظل رجلاً يمتلك كل هذه القدرة على استفزاز مشاعر الناس في موقعة .. كيف يظل وزيراً لخارجية مصر وهو لا يعبر إلا عن نفسه وأفكاره المذعورة بعيداً عن نبض الشارع واتجاهات الرأي العام .. ومن أعطاه الحق كي ينصب نفسه ولياً لأمر الشعب المصري ومتحدثاً باسمه .

لقد أخطأ أحمد أبو الغيط خطئا لا يغتفر عندما قال أن قيام مصر بتجميد معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني يعني إعلان الحرب فهذا التصريح كارثة بكل المقاييس .. فهل هو مقتنع فعلاً بهذا التصريح الغبي عن أن تجميد معاهدة السلام يعد إعلان حرب ؟ .. هل هو يدرك ما قاله من أن سحب السفير المصري من الدولة العبرية لن يؤدى إلى شيء ولن يحقق مكاسب ؟ .. والسؤال الأهم ماذا لو فاجأتنا الدولة العبرية غداً وقامت بأي دافع بإلغاء معاهدة السلام هل تكون بذلك أعلنت الحرب علي مصر ؟ .. وهل بذلك مصر تعتبر هذه الخطوة إعلان حرب وتبدأ فى تعبئة الجيش والتحرك نحو الحدود ؟ .

اعتقد أن إجابات هذه الأسئلة ستكشف عن جهل سياسي واضح وغياب للحنكة السياسية وعدم الإدراك لأبسط قواعد اللعبة السياسية .. وان سيادته عاقد العزم على أن لا يؤرق مضاجع الصهاينة ويخشى غضب مجلس الوزراء الصهيوني والكنيست .. وأننا نتعامل مع قضية السلام وكأنها التزام ابدي لا يمكن الخلاص منه مهما فعل الصهاينة ومهما تجاوزا من خطوط حمراء ومهما اقتربوا من المساس بالأمن القومي المصري .

إن ما قاله هذا الرجل يعد ضوءا اخضراً لليهود كي يفعلوا ما يحلو لهم ورسالة واضحة للصهاينة مفادها أن لا داعي للقلق فمصر ما تزال نائمة .. ومصر لا تزال عاجزة .. ومصر لن تتحرك .. إنها إذعانا كاملا ومطلقا وإعلانا واضحا مباشراً بان مصر ما زالت لم تتعافي من الغيبوبة العميقة التي تقبع فيها .. فمصر مازالت خاضعة .. ساكنة .. مستسلمة .

لكن هذا الموقف ليس غريباً على أبو الغيط فأين كان من قتل الجنود المصريين على الحدود .. وما موقفة من قتل المدنيين المصريين فى رفح .. أليس هذا تعدياً على السيادة المصرية .. و انتهاكا لمعاهدة السلام .. وخرقا لأبسط الاتفاقيات " الورقية " الموقعة .. الم يكن يدعو هذا الموقف لطرد سفيرهم وسحب سفيرنا على الأقل بدلا من أن تزهق أرواح شهدائنا دون أي رد فعل وكان دمائنا مياه ودمائهم دماء .. لماذا أرواح شهدائنا بلا ثمن ودماء جنودنا تضيع هباء .

لقد أصابنا موقف أمثالك بالخزي والعار والمهانة .. لقد أشعرتمونا بالعجز وغياب الرجولة وفقدان الكرامة .. وكأن ما يجري في عروقكم ماء بارد.. وكأننا أصبحنا بلا ادني موقف أو حراك أو رغبة في الدفاع عن وطننا وأبنائنا وعروبتنا .

لماذا تبدو خائفا مرتعدا مهزوزا وأنت تتحدث عن الكيان الصهيوني .. لماذا تمعن فى إشعارنا بالعجز والمهانة والإذلال .. لماذا نحن دائما من نلتزم بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق من طرف واحد .. لماذا أصبح تهديد أمننا القومي أمرا عاديا .. روتينيا .. مستساغا .. ومتى يصبح لنا موقف ونقول كلمتنا .

بدلا من هذه الكلمات الغبية وهذه التصريحات الانهزامية لماذا لم تحاول طرح مشروع قرار لحل الأزمة فى وقتها .. بدلا من تصريحاتك الفكاهية الاستهلاكية " نطالب بوقف فوري لإطلاق النار " فمن سيصغي لك وأنت بكل هذا الضعف .. والعجز .. والهوان .. لماذا لم تفكر في التحرك بجدية ومحاولة طرح حلول جريئة وقوية وقابلة للتنفيذ وعرضها على الدول الأعضاء فى مجلس الأمن .. لماذا لم تتحرك وتقم بدورك بدلا من السفسطة والهراء دون طائل .. وبدلا من إظهار كل هذا الجهل السياسي المفضوح .

إن مثل هذا الكلام جد خطير لأنه يعطي الصهاينة مزيدا من الحرية والانطلاق .. يعطيهم الحق في العربدة واستباحة حرماتنا .. يعطيهم المزيد من الثقة واليقين بان مصر لن تتحرك قيد أنمله وان الموقف المصري المخزي أصبح مرض لا يمكن علاجه فى الوقت الحاضر طالما ظل أمثال هذا الرجل يشغلون هذه المواقع الحساسة ويحدثون هذه اللغة الانهزامية .. فنحن لم نطلب إعلان الحرب ونحن ضد التورط في حرب ليست حربنا .. ونحن ضد الحرب حتى أخر جندي مصري .. فهذا العصر قد ولى .. ولكننا نريد أن تسترد مصر مكانتها .. ودورها .. وقيمتها .. وصوتها .. وقدرتها .. وحجمها .. وتأثيرها .. نريد أن تعود لنا مصر التي اختطفتموها أيها العجزة .