الثورة بحساب الربح والخسارة

[محمد علي عامر]

يتفق السواد الأعظم من المصريين أن أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية قد وصلت الي حالة من الضياع والانحطاط يستحيل معها الاستمرار في انتهاج نفس السياسات التي أدت الي تلك الأوضاع ، و أنه لا بد من تغيير يضع البلاد علي طريق الاصلاح للخروج من هذا النفق المظلم الذي وضعها فيه نظام حسني مبارك .

وتنحصر سيناريوهات الاصلاح الداخلي المرجو في ثلاث إحتمالات لا أحسب لها رابعا:

أولها أن يقوم الجيش بحركة تقضي علي نظام مبارك ثم تسلم الحكم - في أفضل الحالات- الي إدارة مدنية مؤقتة للإشراف علي إرساء نظام تعددي يتيح للشعب إختيار من يحكمه .

ومن أكبر مساوئ هذا السيناريو أنه يجعل الشعب في موقف المتفرج السلبي الذي ينتظر أن ياتي له التغيير علي طبق من فضة بدون أي جهد و لا تضحية . ولا مانع أن يظهر الناس دعمهم للقوات المسلحة التي طردت الفساد عن طريق مظاهرات التأييد.

ويؤخذ أيضا علي هذا السيناريو أنه قد جرب من قبل ( ومن جرب المجرب كان عقله مخرب) في أكثر من بلد منها علي سبيل المثال السودان وباكستان بل في مصر نفسها ، وآلت كل هذه التجارب إلي نظم أوتوقراطية لم تحقق لشعوبها إلا مزيدا من القهر والتخلف.

و إذا وافقنا اليوم علي أن يقوم الجيش بانقلاب فإن هذا يعطي له الحق في الإنقلاب علي أي حكومة لا تروق له فيما بعد.

وعلي أية حال فنحن مازلنا ُنحكم من قبل العسكر - أليس حسني مبارك جنرال هُمام؟

وثاني هذه السيناريوهات أن ندع الفرصة للنظام الحالي كي يصلح نفسه بالتدرج وخاصة أن المناخ الدولي قد أصبح ضاغطا علي الأنظمة الدكتاتورية وليس أمام هذه الأنظمة إلا الانصياع أو الضياع.

ولا يُخرج هذا السيناريو الشعب من معادلة صنع التغيير ( و إن بدرجة أقل من سيناريو الإنقلاب العسكري) فحسب و إنما يساهم في إطالة عمر النظام حتي ينهب آخر قطرة من خيرات الوطن ، بل يمكّنه لاحقا من الإنقلاب علي أي إصلاحات جزئية قام بها تحت ضغوط داخلية أو خارجية لاسيما أن الضغوط الخارجية يمكن المساومة عليها مع الدول الكبري بالتنازل عن المزيد من مصالح الشعب مقابل رفع هذه الضغوط عن النظام.

يبقي السيناريو الثالث و هو أن يقوم الشعب بالتغيير بنفسه ولنفسه بالثورة علي النظام وإقامة نظام حكم يرتضيه علي أن تكون العصمة في يده إن أراد خُلعا خَلَع.

وفي نظري أن هذا السيناريو هو الأقل تكلفة والأكثر ربحا – إذا أردنا الحساب المادي البحت.

فأي ثورة مهما كان جبروت الحاكم الطاغية بقوات أمنه وجيشه لن يتعدي ضحاياها- أو بمعني أصح شهداؤها – الآلاف أو عشرات الآلاف إذا كان هذا المستبد من نوعية هولاكو.إضافة إلي بعض الأضرار بالممتلكات كثيرة أو قليلة

وإذا قارنا "خسائر" سيناريو الثورة مع خسائر حالة الخنوع التي عاشها الشعب المصري علي مدار الأربع و عشرين عام التي حكم فيها مبارك سنجد خسائر الأخيرة ملايين حالات الموت البطيئ والسريع جراء أمراض السرطان والكبد الوبائي والفشل الكلوي والإكتئاب والفقر وعشرات الآلاف من المعتقليين و آلاف من حالات التعذيب المفضي للموت أحيانا وللجنون أحيانا أخري في السجون وفي سلخانات الشرطة ونهب أموال البلاد و خيراتها و تبديد موارد الشعب في مشاريع فاشلة – توشكي وأخواتها- و خلق حالات إجتماعية لم تكن منتشرة في مصر كالعنوسة والزواج السري – العرفي و إضعاف وزن مصر الدولي و الإقليمي لدرجة أنها أصبحت أقل وزنا من دولة مثل قطر أو الإمارات ، و إضعاف القدرات العسكرية لمصر مقارنة مع العدو الإسرائيلي و إنكشاف مصر النووي تجاه هذا العدو (بل إنني أشك في وجود عقيدة عسكرية عند الجيش المصري بعد أن أصبحت إسرائل دولة صديقة وغدا الجيش المصري يقوم بمناورات عسكرية مع الجيش الأمريكي حامي حمي إسرائيل والضامن لتفوقها العسكري والتكنولوجي علي أمة الإسلام وليس علي العرب فقط. ولن ننسي هنا قتاله في صف القوات الأمريكية ضد الجيش العراقي!!!! ) ، و تدني مستوي التعليم والإعتماد علي الخارج في شراء معظم إحتياجات الشعب وخاصة الغذاء وعلي رأسه الخبز. وإنتشار السلبية واللامبالة والقضاء علي شعور الإنتماء لدي عامة الشعب ، و يأتي من بعد هذا كله مخطط توريث الشعب المصري لإبنه وكأن هذا الشعب متاع أو عبيد تنتقل ملكيته بموجب إعلان الوراثة من المرحوم إلي أبنائه........

فماذا نحن منتظرون ؟؟؟؟؟؟

يقول الله تعالى : " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين "