اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

وما زال التعذيب مستمرا - أسترها معانا يا رب


Spider

Recommended Posts

التعذيب.. جريمة مستمرة – بقلم: حسين عبدالرازق  

 

 

 

أقر وأعترف بأننى لم أتعرض للتعذيب البدنى والإهانة عندما دخلت سجون السلطة محبوساً احتياطياً مرات ستة خلال الفترة من 1972 وحتي ،1981 أو عندما استضافتنى زنازين مباحث أمن الدولة بلاظوغلى في طريقى إلي السجن. ومع ذلك فقد انشغلت دائماً بقضية تعذيب المواطنين في المعتقلات والسجون وأقسام الشرطة وأماكن الحجز الأخري كمعسكرات الأمن المركزى ومعهد أمناء الشرطة... إلخ، ربما لما سمعته من أصدقاء وأقارب مروا بتجربة الاعتقال والسجن مع الإخوان المسلمين »1947 ـ 1954 ـ 1965« أو مع الشيوعيين »1959 و1968« أو ما كنت شاهداً عليه فى »القلعة« عندما ألقى القبض علي مجموعة يسارية اتهمت بالإعداد لنسف السفارة الإسرائيلية »في مقرها الأول بشارع محيى الدين أبوالعز« ثم ما عاينته عن قرب وعديد من الزملاء خلال تجربة »التحفظ« من سبتمبر إلي ديسمبر ،1981 وما جري في سجن الاستقبال بطره للمتهمين بجرائم العنف أو الانضمام لتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية بعد اغتيال السادات فى أكتوبر 1981.

واحتفظ فى مكتبتى بملف ضخم تحت عنوان »التعذيب« يضم القليل الذى ينشر فى الصحف، وتقارير منظمات حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة، وبعض أحكام القضاء المصرى.

وفي الأيام الأخيرة لفت نظرى صدور أحكام ضد عدد من ضباط الشرطة المتورطين فى التعذيب وهي ظاهرة جديدة تستحق التسجيل والترحيب معاً.

في يوم الأحد 11 أغسطس الحالي »أى منذ خمسة أيام« قضت محكمة جنايات الأقصر بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ علي ضابط مباحث الأقصر لاحتجازه مواطناً وتعذيبه لإجباره علي الاعتراف بجريمة سرقة.

قبلها بثلاثة أيام »الخميس 8 أغسطس« أصدرت محكمة أخري حكماً بالسجن 3 سنوات علي ضابطى شرطة لإدانتهما باحتجاز مواطنين بتهمة سرقة سيارات وتعذيبهما مما أدي إلي وفاة أحدهما.

وقد صدرت خلال الأعوام القليلة الماضية سلسلة من الأحكام في قضايا تعذيب لمواطنين في أقسام الشرطة، وأحيل ضباط آخرون للتحقيق في جرائم من نفس النوع.

من أهم هذه القضايا وأكثرها إثارة قضية الأب الذى اعترف بقتل ابنته وقدم للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في الإسكندرية برئاسة المستشار محمد عزت عجوة، التي قضت ببراءته حيث تبين لها أنه أدلي بهذا الاعتراف الذي تجافي الحقيقة تحت التعذيب، وأن ابنته المتهم بقتلها حية ترزق. وأمرت المحكمة بإحالة 13 من قيادات وضباط الشرطة للنيابة العامة للتحقيق معهم. وروت المحكمة في حيثياتها القصة الحقيقية لجريمة الشرطة والتي تفوق الخيال. فخلال محاكمة الأب البرىء الذي اتهمته الشرطة بقتل ابنته بعد أن ذهب إلي قسم الشرطة ليبلغ عن غياب ابنته »جهاد محمد بدرالدين« التي خرجت من المنزل ولم تعد، وتصادف أن عثرت الشرطة علي جثة لطفلة مجهولة تبلغ من العمر تسع سنوات بجوار مزلقان العامرية. وبسرعة قرر ضباط الشرطة أن هذه الجثة هي جثة جهاد وأن قاتلها هو والدها الذى قام بتعذيبها حتي فارقت الحياة!، وأمام النيابة أكد الأب المتهم اعترافه بقتل ابنته كما جاء في محضر الشرطة. وأثناء المحاكمة، وبعد ستة أشهر في الحبس الاحتياطى وقعت المفاجأة التي قلبت القضة رأساً علي عقب.

أثناء تفتيش مفاجىء قام به محمد المنشاوى وكيل النائب العام، عثر علي الطفلة جهاد وأمها فى الحجز بقسم شرطة المنتزه منذ 13 يوماً، بعد أن حضرتا للقسم لتأكيد براءة والد الطفلة جهاد التي كانت قد هربت من المنزل ثم عادت إليه لتجد والدها متهماً بقتلها!. وتبين للمحكمة أن رجال الشرطة استعملوا »القسوة والتعذيب مع الأب المظلوم وزوجته« وأن هذا التعذيب بلغ درجة من الجسامة أدت إلي اعتراف المتهم تفصيلياً بتصوير غير حقيقى لجريمة لم يرتكبها، وأن »أقوال رجال الشرطة والمباحث ما هي إلا اصطناع، وثبت أن الأوراق تنطق وتصرخ بهذا التلفيق، وأن ما صدر عن المتهم من اعتراف كان وليد إكراه واستعمال قوة، كما أن احتجاز الطفلة جهاد ووالدتها بقسم شرطة المنتزه طيلة 13 يوماً لحين انتهاء محاكمة الأب ولولا التفتيش المفاجىء للنيابة لكانت جريمتهم اكتملت والتي قصد بها تضليل العدالة والنيل منها«.

لقد صدر حكم محكمة الجنايات في ديسمبر ،1998 وللأسف لم أجد في الصحف ما يشير إلي ما انتهت إليه تحقيقات النيابة مع ضباط الشرطة الثلاثة عشر المتورطين في هذه الجريمة، ومن بينهم لواءان وثلاثة عقداء ومقدم ورائد، وما إذا كانوا قد أحيلوا للمحاكمة وأدينوا، والحكم الذى صدر في حقهم؟!

ونشرت الصحف أيضاً أن وزير الداخلية الحالي »اللواء حبيب العادلي« أحال ستة ضباط للتحقيق بالوزارة ووقع عقوبة علي 3 ضباط آخرين، وحول خمسة للمحاكمة التأديبية بسبب استخدام القسوة في التعامل مع المواطنين.

وفي فبراير 2001 قضت محكمة شبين الكوم برئاسة المستشار صلاح عفيفى بالسجن لمدة 10 سنوات لمأمور سجن وادى النطرون، و7 سنوات لضابط بمباحث السجن و5 سنوات لثلاثة من مساعدى الشرطة وعزل الجميع من وظائفهم لقتلهم أحد السجناء وتزوير محضر يفيد وفاة السجين قضاء وقدراً، وأخذ بصمة القتيل بعد وفاته علي أقواله في المحضر المزور.

وفي يوليو ،2001 أصدرت محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمد السيد قنصوة حكماً علي رئيس مباحث نقطة شرطة أبوسمبل »السابق« بالسجن 3 سنوات والعزل من وظيفته لقيامه بتعذيب اثنين من المتهمين بالسرقة.

وخلال هذا العام »2002« حكم علي رئيس مباحث قسم شرطة إمبابة بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات، وعلي أربعة من رجال الشرطة بالسجن بينهم ضابط برتبة عقيد، بعد إدانتهم بضرب سجين حتي الموت، وعلي ثلاثة ضباط آخرين في قضية أخري بالسجن 5 أعوام بسبب تعذيبهم متهماً حتى الموت.

وأحيل رئيس مباحث قسم ثان مدينة نصر ومعاونه وأمين شرطة ورئيس مكتب مكافحة سرقة السيارات إلي محكمة جنايات القاهرة بتهمة تعذيب مواطنين وقتل أحدهما بالقسم.

ولا شك أن توالى المحاكمات والأحكام خلال هذه الفترة ـ ومنذ تولي اللواء حبيب العادلى لوزارة الداخلية ـ يمكن اعتبارها ظاهرة جديدة وصحية تستحق ـ كما سبق القول ـ الترحيب.

ولكن هناك نواقص فادحة لابد من الالتفات إليها.

فهناك نقص فادح في التشريع المصرى في مواد القانون الخاصة بالتعذيب أو استعمال القسوة، فالمادة 126 من قانون العقوبات تعرِّف التعذيب علي أنه ذلك الذى يقع من ضابط شرطة أو أحد رجال الشرطة علي متهم من أجل استخلاص اعتراف منه.. أي أنها تشترط أن يكون التعذيب بهدف الحصول علي اعتراف المتهم، وتقصر العقاب علي مرتكب الفعل والآمر به. بينما تنص الاتفاقات والعهود الدولية التي وقعت عليها مصر علي توسيع دائرة تعريف التعذيب لتشمل الممارسات التعذيبية التي يكون الغرض منها الحصول علي اعتراف أو معلومات، والمعاقبة علي عمل ارتكبه الضحية أو يشتبه أنه ارتكبه، أو لمجرد التخويف والإرهاب، أو الإرغام علي عمل معين أو بسبب أي تمييز سياسى أو دينى أو عنصرى.. وسواء وقع ذلك التعذيب علي شخص المتهم أو المعتقل أو وقع علي طرف ثالث قد يكون أحداً من أهله أو أصدقائه أو جيرانه. كما تنص هذه الاتفاقات علي توسيع نطاق المسئولية عن التعذيب لتشمل إلي جانب الذى قام بالفعل أو أمر به »من حرض عليه أو وافق عليه أو علم به وسكت عنه وكان يملك بمقتضى وظيفته الرسمية منعه أو إىقافه ولكنه لم يفعل«، وهو ما يعني مد المسئولية إلي وزير الداخلية ومعاونيه ورؤسائه.

كذلك فالمادة 129 عقوبات ترتب على استعمال القسوة بحق المواطنين عقوبة هزيلة باعتبارها جنحة، لا تتجاوز الحبس سنة وغرامة لا تتجاوز 200 جنيه.

وتتجاهل وزارة الداخلية والنيابة العامة الغالبية العظمى من البلاغات التي تتقدم بها منظمات ومراكز حقوق الإنسان حول جرائم التعذيب. وكما تقول المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، فقد تقدمت عام 1997 ـ علي سبيل المثال ـ بـ»294« بلاغاً للنائب العام و»290« بلاغاً لوزارة الداخلية بـ»173« بلاغاً لمصلحة السجون، ولم تتلق أي رد من الجهات الثلاث يفيد التحقيق في هذه البلاغات. وتكرر نفس الموقف مع مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء الذى تقدم في الفترة منذ عام 1997 وحتي عام 2001 بأكثر من ألفى بلاغ عن وقوع تعذيب.

وهناك إنكار وزراء الداخلية تفشى ظاهرة التعذيب فى مصر، فمثلاً يؤكد اللواء حسن أبوباشا وزير الداخلية الأسبق، أن ما يقع من تجاوزات بعض الضباط يأتى في إطار طبيعة البشر في أية مهنة، فيكون من بينهم من يخطىء ومن يكون خطؤه جسيماً، ولكن الأمر لا يعتبر ظاهرة في جهاز الأمن، باعتبار أن تكراره نادر، ولا يترك دون عقاب. ويؤكد نفس الأمر اللواء حسن الألفي وزير الداخلية السابق، فتجاوز الضباط يمثل حالات فردية، ولكل واقعة ظروفها، وإن كان الموقف يرجع أصلاً إلى عناد المتهم.

والأخطر أن النيابة العامة تتبع نفس المنهج، فالمستشار رجاء العربى النائب العام السابق منذ يوليو 1991 وحتي سنوات قليلة مضت، والذى عمل قبل ذلك ولمدة 15 عاماً أو يزيد في نيابة أمن الدولة ووصل إلى أن يصبح المحامي العام الأول بها، يقول أمام لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة »إن التعذيب لا يشكل ظاهرة عامة في مصر، وأن مزاعم التعذيب تمثل حالات فردية يجري معاقبة من تثبت إدانته في أى منها وفقاً للقانون«.

ويضيف المستشار جمال شومان النائب العام الأسبق: إن حالات التعذيب في مصر كجناية هى حالات فردية محدودة، وليست بالكثرة التي يتصورها البعض، أما الحالات الأخري فإنها تندرج تحت باب استعمال القسوة.

وهذه التصريحات جميعاً تتجاهل أن ضحايا التعذيب بالآلاف، وتتجاهل أىضاً ما كشفت عنه منظمة العفو الدولية »الأمنستى« في فبراير 2001 من أن مصر والدول العربية وإسرائيل هى من أكثر دول العالم التي تستورد أدوات التعذيب التي تشمل »أجهزة العصى والبنادق الكهربائية ذات الذبذبات، والملابس الخاصة للمساجين التي تسبب الآلام ويتم من خلالها التعذيب عن بعد بواسطة التحكم الإلكتروني، وأدوات متطورة لقطع الأظافر ولتقييد الأيدى بصورة مؤلمة«، وحكومة تستورد مثل هذه الأدوات لابد أن تمارس شرطتها التعذيب بصورة منهجية وكسياسة مستمرة للحكم.

وأخطر ما في ظاهرة محاكمة الضباط المتورطين في التعذيب، هي اقتصارها علي جرائم تعذيب المواطنين العاديين والصمت والتجاهل التام لتعذيب السياسيين والمتهمين والمعتقلين في قضايا العنف في الثمانينيات والتسعينيات تلك الظاهرة التى بدأت مع إعلان حالة الطوارئ من قضايا العنف في 6 أكتوبر 1981 ومازالت مستمرة إلي الآن، وأصابت 16 ألف مواطن اعتقلوا في هذه الفترة »وهذا رقم تقريبى« وتصاعدت في بعض الفترات إلي ما سمى بالقتل خارج القانون. وقد أثبتت المحاكمات السياسية في ست قضايا مختلفة علي الأقل وقوع تعذيب بشع علي المتهمين »4 منها خاصة بالمتهمين في قضايا العنف والإسلام السياسى، وواحدة خاصة بما سمي التنظيم الشيوعى المسلح، وأخري خاصة بما سمي بالتنظيم الناصري المسلح«، وأظن أن المحامين علي الأقل يتذكرون قضية تعذيب ومقتل زميلهم عبدالحارث مدني الذى توفى بعد 24 ساعة من اعتقاله عام 1994 ووعد النائب العام أمام ضغوط محلية ودولية بإعلان نتيجة التحقيق الذى لم ينته حتي الآن بعد ثمانية أعوام كاملة.

والمرة الوحيد التي تحركت فيها النيابة العامة وقدمت 44 ضابطاً وجندىاً للمحاكمة بتهمة ممارسة التعذيب للمتهمين في قضية الجهاد، وكان ذلك بعد حملة صحفية اشتركت فيها وآخرون بصحيفة الأهالي التي كنت أرأس تحريرها واستمرت من 15 سبتمبر 1982 وحتي سبتمبر ،1986 وحكم علي المتهمين جميعاً بالبراءة.. لم يكن الحكم لعدم ثبوت الجريمة وإنما لعجز النيابة عن إسناد التهمة لهؤلاء المتهمين، وقد اتهمت المحكمة في حيثياتها بوضوح النيابة العامة ووصف تحقيقاتها بالسطحية وعدم الكفاية.

وهكذا واصل الجلادون التعذيب للمعتقلين والمتهمين في القضايا السياسية ولم تحرك أجهزة الحكم ساكناً لوقف هذه الجرائم طوال ما يزيد على عقدين، وبدا إقدام وزارة الداخلية علي محاسبة الضباط المتورطين فى تعذيب المواطنين العاديين، وكأنها محاولة للتغطية علي جرائم التعذيب في القضايا السياسية والتي يبلغ ضحاياها بالآلاف. وقدمت الحماية لضباط مباحث أمن الدولة وضباط السجون وأماكن الحجز الأخري الذين يمارسون التعذيب في اطمئنان كامل بأن أحداً لن يحاسبهم وأن القانون لن يقترب منهم، فهم في النهاية ينفذون سياسة حكم بكامله، وفاتهم أن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم.

وإذا كان التعذيب في القضايا السياسية قد تراجع في العامين الأخيرين كما لاحظت منظمة العفو الدولية، فذلك يرتبط بانخفاض عدد حالات اعتقال المتهمين بعضوبة الجماعات الإسلامية المسلحة كما قالت بحق نفس المنظمة.

وما لم يتم التصدى بقوة لظاهرة تعذيب السياسيين ـ والمواطنين العاديين ـ وتعديل مواد القانون لتتوافق مع المواثيق والعهود الدولية، ووقوف كل الأحزاب والنقابات الديمقراطية ضد هذه الظاهرة والعمل معاً لوقفها، ورفع الحماية المفروضة علي المتورطين في التعذيب بمن فيهم وزراء الداخلية السابقون ورؤساؤهم الذين أقروا هذه السياسة.. فستظل هذه الجريمة مستمرة.

2002-08-16 العدد

الوفد

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

With great power comes great responsibility

وحدة المرء خير ......... من جليس السوء عنده

وجليس الصدق خير ... من جلوس المرء وحده

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...