اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

هل للمــرأة قضيـــة؟


صبح

Recommended Posts

هل للمــرأة قضيـــة؟

التركيز الكبير على "قضيّة المرأة" في الخصومة التاريخية ضدّ الخطاب الإسلامي، وفي ردود الفعل عليها، يستدعي الحديث عن هذه "القضيّة" تخصيصا، ولا ينفي ذلك أنّ الحديث عن المرأة هو الحديث عن "جزء عضوي" من ذواتنا ومن قضيّتنا هذه، لا ينفصل عن سواه، سواء دار بعض جوانبه حول مسائل تتعلّق بالمجتمع، أو الأسرة، أو العمل السياسي، أو حول حاضنة وطنية مشتركة. هو حديث "كلّنا مع كلّنا"، وإن ورد حينا على ألسنة بعضنا من الرجال، وحينا آخر على ألسنة بعضنا الآخر من النساء.

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

وَلَسْتُ بَهَيَّــــــابٍ لمنْ لا يَهابُنِي ولستُ أرى للمرءِ ما لا يرى ليــا

فإن تدنُ مني، تدنُ منكَ مودتــي وأن تنأ عني، تلقني عنكَ نائيــــا

كِلاَنــا غَنِيٌّ عَنْ أخِيه حَيَـــــاتَــه وَنَحْنُ إذَا مِتْنَـــا أشَدُّ تَغَانِيَــــــــا

رابط هذا التعليق
شارك

الانحراف في "قضية المرأة"

أوّل ما بدأ الانحراف في التعامل مع المرأة تحت عنوان "قضيّة المرأة"، كان بحلحلة العروة الوثقى التي تربطها بقضيتنا الأشمل، قضية الإنسان وحقوقه وحرياته، كما لو كان ممكنا التعامل مع المرأة في طريق منفصلة عن التعامل -فيما يتجاوز ما يوجبه جانب التخصّص المحض- مع مشكلات معاناة الإنسان على صعيد التقدّم والتخلّف، والثراء والفقر، والعلم والجهل، والمرض والصحة، والحرية والاستبداد، أو كأنّنا عندما نتحدّث عن المرأة، لا نتحدّث عن أنفسنا، ومن ثم عن جزءٍ ثابتٍ من أسرنا ومن مجتمعنا ومن وجودنا.

باتت المرأة وفق الدعوات والدعوات المضادة تحت عناوين التحرير والمساواة وما شابه ذلك كائنا آخر، علاقتُها بالرجل علاقة صراع، لا يدور بينهما أو عليهما معا، باعتبارهما يمثّلان معا "جنس الإنسان"، بل يدور حولها هي، وعليها هي، أو حول "القدْر" الذي يعطيه هو تطوّعا، أو تنتزعه هي انتزاعا من الحقوق والحريات الإنسانية، وهي في الأصل حقوق وحريّات ثابتة، سارية لجنس الإنسان، فليس منها ما يمكن اعتباره منحة تُعطى لأحد ولا مكسبا يُغتصب اغتصابا، ولا ينبغي التعامل معها من هذا المنطلق.

يجب أن يكون الحديث عن المرأة حديثا عن قضيّة مشتركة، ولا ينبغي القبول بتحويله إلى حديث رجال عن تحرير حقوق المرأة، وكأنّهم من جنس الإنسان وليست منه، ولا إلى حديث نساء عن ثورة على الرجل، وكأنّ الثورة عليه لا تعني الثورة على الذات في المجتمع الواحد المشترك، وقد كان أسوأ ما يُطرح في قضيّة المرأة، في هذا الإطار، ذاك الذي فرّق بين قضايا المرأة وقضايا الرجل، عبر مزاعم تتجاوز الفوارق الطبيعية بينهما، فأوجد فوارق "قيميّة"، وابتدع عناوين ذكورة وأنوثة، فتحوّلت القضيّة برمّتها إلى مسألة الدفاع عن المرأة الأنثى ضدّ مجتمع ذكوري.

دون تجاهل المظالم القائمة، كان الانحراف في التعامل مع المرأة ولا يزال مرتكِزا على اصطناع قضيّة لها منفصلة عن قضية الإنسان. وهو جزء من الانحراف الأوسع والأشمل، الناشئ عن النظرة إلى حقوق الإنسان وحريّاته وواجباته مادّةً لصراع جبهات، يكسب الأقوى فيها ما يكسب، ويخسر الطرف الأضعف، بدلا من الانطلاق في تصوّراتنا، ومناهجنا، ووسائل فكرنا وإعلامنا وتربيتنا، من أنّ الحقوق والحريات والواجبات، أصيلة ثابتة، تولد مع الإنسان يوم تلده أمّه، المرأة العزيزة الكريمة الحرّة، حرّا كريما عزيزا، وليست مسألة معركة من بين معاركنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يكون تحصيل تلك الحقوق والحريّات الإنسانية مقتصرا على الجهة التي تملك أسباب القوّة أكثر من سواها.

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

وَلَسْتُ بَهَيَّــــــابٍ لمنْ لا يَهابُنِي ولستُ أرى للمرءِ ما لا يرى ليــا

فإن تدنُ مني، تدنُ منكَ مودتــي وأن تنأ عني، تلقني عنكَ نائيــــا

كِلاَنــا غَنِيٌّ عَنْ أخِيه حَيَـــــاتَــه وَنَحْنُ إذَا مِتْنَـــا أشَدُّ تَغَانِيَــــــــا

رابط هذا التعليق
شارك

توظيف القضية

لقد أدّى طرح ما يرتبط بالمرأة طرحا منفصلا عن قضيّة الإنسان وحريّاته وحقوقه، إلى وضعها تحت منظار "حزبي" أو "سياسي" أو "شخصي"، ووضعها في محور تنافس على ما يمكن أن يضيفه هذا الموقف أو ذاك إلى رصيد التيّار الذي يتبنّى القضية، أو الحزب أو الجماعة أو الزعيم، فضلا عمّن لا يريدون رؤية القضية إلا من خلال عدسة مقعّرة أو محدّبة، ما بين تشدّد في الفكر والسلوك، يشمل نظرة صاحبه إلى المرأة، وبين تسيب وانحلال، يشملها أيضا.

واعتمادُ عنصر الصراع القائم على القوّة في تثبيت الحقوق أو تضييعها، أدّى عموما -وليس فيما رُبط بالمرأة فقط- إلى ما نرصده من خلل في النتائج ناجم عن خلل موازين القوّة المنتشر في سائر المجتمعات، فولّد الخلل ما لا ينقطع من مظالم أصابت العمال، والأطفال، والناشئة، والسود، والملوّنين، وسواهم من الفئات الأضعف في المجتمع من الجنسين، أمّا النساء فقد أصابتهنّ المظالم الناجمة عن الخلل مضاعفة، في إطار التعامل معهنّ في قضية قائمة بذاتها، وفي إطار التعامل معهنّ مع سواهنّ تحت عناوين أخرى.

لم نعد نتحدّث عن "قضية المرأة" لتوظيف ما نتحدّث به في مصلحة المرأة، بل أصبحت "قضية المرأة" هي التي تُوظَّف لخدمة مصلحة ما، يستهدفها الحديث عنها.

حوّلنا المرأة نفسها إلى قضية، ففصلنا المرأة عن ذاتنا الجماعية، فحوّلنا قضيّتها تلك لخدمة مصالحنا على أصعدة أخرى، وحوّلنا التعامل معها إلى صراع، والصراع إلى مجرّد كلام. ثم كان الأسوأ سلوكا -ونتيجة عن هذا كلّه- تعميمُ نظراتنا المتعدّدة إلى ما نسمّيه قضية المرأة، ووضعها تحت أضواء كاشفة من صنع شعارات مختزلة، لا تضيء الدروب بقدر ما تبهر الأبصار، فلا توصل إلى غاية نبيلة ولا تحقّق هدفا كريما للمرأة أو المجتمع عموما.

قد تختلف الشعارات المرفوعة وتتناقض ولكنّ الحصيلة واحدة، سيان أكانت هذه الشعارات إيجابية أم سلبية، ومعبّرة عن هذه الاتجاه أو ذاك، فلم يعد يوجد فارق كبير بين شعارات من قبيل شعار "حقوق المرأة"، الذي يرفعه أناسٌ بأسلوب مَن يحتكر لنفسه بضاعة يملكها، رغم زعمهم أنّها بضاعة القواسم المشتركة بين الأسرة البشرية جمعاء في عالمنا المعاصر، ذكورا وإناثا، وشعارات أخرى من قبيل ما يقترن بادّعاءات أصحابها أنّهم هم الذين يدافعون الدفاع "الحقيقي" عن الحقوق "الحقيقية" للمرأة، وعن "صيانة" المرأة، باسم الإسلام.

تقصير شامل مشترك

لا يمكن بناء علاقات إنسانية مستقرّة على أساس تعميم النظرة القائلة إنّ ما تحصل عليه المرأة من حقوق تنتزعه انتزاعا من الرجال، فكلّ صيغة من صيغ حصولها على حقوقها هي كسب مشترك للمرأة والرجل، لجنس الإنسان، وللمجتمع بكافّة أفراده وفئاته.

وكان من المفروض ببلادنا و"نخبها" أن تستفيد من تجربة الغرب الذي طُرحت فيه للمرأة قضية على أرضيّة الصراع، فكانت الحصيلة بعد زهاء قرنين أنّها لا تزال مهضومة الحقوق على أرض الواقع الذي تصنعه جولات الصراع، والمختلف آنذاك بالضرورة عن الصيغ الموضوعة في مواثيق ومبادئ وقوانين. فلا نجد بعد أكثر من سبعة أجيال مرّت على ألوان شتّى من الصراع إلا نسبا متدنيّة لوجود المرأة في مراكز توجيهية عليا، سياسية واقتصادية وقضائية ومالية وفكرية، مقابل ارتفاع نسب وجودها إلى أكثر من النصف في أماكن العمل الإنتاجي، المرهِق وغير المرهق، وإلى أكثر من تسعين في المائة في ميادين الدعارة والإباحية. ومن تلك الحصيلة أيضا أنّ "الإناث" يمثّلن النسبة العليا من ضحايا سائر أصناف الجرائم والاعتداءات التقليدية والمبتكرة، لا سيّما ذات الخلفيّة الجنسية، على نقيض كافّة ما كان يتردّد من أنّ "التحرّر الجنسي" يحمي المرأة من عدوان يصنعه "الكبت الجنسي".

ومن أوهن الردود المنتشرة عند ذكر أمثلة من تلك الحصيلة قول بعضهم إنّ مثل ذلك الإجرام أو ما يشابهه موجود في بلادنا "الإسلامية" أيضا، ولا يواريه سوى تغييب الإحصاءات أو العزوف عن طرح المشكلات، فكأنّ هذا ينفي العلاقة الوثيقة بين منطلقات الغرب في "قضية المرأة" ونتائجها، أو كأنّ هذه الردود تكفي لتحميل الإسلام بالذات -وهو الذي سبق تغييبه على معظم الأصعدة لحساب "التغريب"- وجود تلك المشكلات وانتشارها في المجتمعات القائمة في بلادنا بغالبيتها من المسلمين، بدلا من تحميل المسئوليّة "التغريبَ" وما صنع.

هي ردود من قبيل المزايدة وليست من قبيل البحث في جوهر المشكلات، فلا ينبغي التوّقف طويلا عندها.

إنّ غلبة التقليد الأعمى بدلا من الاستفادة الإيجابيّة من تجربة الغرب بتقويمها وتقويم حصيلتها، لا ينفي أنّ التعامل مع المرأة في بلادنا، يستدعي الانطلاق من المعطيات فيها، من أنّ لنا محاور حضارية وتاريخية وموازين ومعايير ذاتية، أضعنا الانطلاق منها في معظم قضايانا، فكان ذلك جزءا من أسباب أنّنا في البلدان العربيّة والإسلاميّة إجمالا مقصّرون رجالا ونساء، في مختلف الميادين، ومن ذلك ميدان المرأة.

وهو تقصير شامل واسع النطاق، فنحن مقصّرون في حقّ المرأة المواطنة، لا في مسألة حقوقها السياسيّة فقط، والمرأة الإنسان، لا في نطاق بعض المظالم داخل الأسرة فحسب، في حقّ المرأة الأم، والزوجة، والبنت، والأخت، في حقّها، ربّة بيت أو عاملة، ناشطة في المجتمع أو منزوية على نفسها، مقيّدة دون مسوّغ للتقييد أو منطلقة رائدة في شتّى المجالات، في حقّها، وهي مقلّدة لسواها دون تفكير، أو قاعدة عن بذلِ أيّ جهدٍ إبداعي.

مقصّرون ومخطئون ليس في جانب واحد، أو تجاه "عيّنة" محددة، بل هو التقصير العامّ رغم كثرة الكلام، وبعضه يتقمّص رداء الدفاع عن المرأة، وبعضه ينطوي على الإمعان المجحِف في ظلمها، هذا مع إدراكنا أنّه لا يوجد بين هذين الجناحين المتطرّفين، عنصر واحد من العناصر لإلحاق الظلم بالمرأة "وحدها" دون الرجل، ولا العكس، فجميع ما يضيرها قسطٌ لا ينفصل عمّا يضير المجتمع، كما أنّ ما يضير المجتمع يضيرها، فهي جزء عضوي منه، وهو قائم عليها وعلى الرجل معا.

وليس ميدان العلاقة بين الجنسين ما بين الانفلات والضوابط، والاستغلال والتوجيه، والقيم والمادّة، سوى ميدان واحد من ميادين الجنوح في تلك المظالم تسيبا وتشدّدا، تمييعا وتطرّفا، وصاية مزيّفة وأخرى مثلها، وإن تبدّلت الكلمات والألوان بين الفريقين.

وليس الميدان السياسي للحقوق والحريات والواجبات، من ترشيح وانتخاب ومناصب وما يتبع ذلك، سوى وجه واحد من وجوه التقصير، رغم التركيز عليه في الكتابات الفكرية وبعض الجولات الانتخابيّة أو شبه الانتخابيّة، بينما كان التركيز العمليّ في مختلف ميادين الحياة على سائر ما يرتبط بالقيم والأخلاق، تحت عناوين تحرير المرأة الذي انصبّ في النهاية في "تحرير" العلاقات بين الجنسين في الدرجة الأولى من مختلف الضوابط لها، المفترض أن يسري مفعولها على الجنسين وليس على المرأة فقط.

إنّ المحور الأهم الذي ينبغي ألا تغيب فيه الشعارات ولا الأهداف الواضحة والجهود المتواصلة، هو أنّ أيّ مطلب من المطالب، لن يستقيم مضمونه ولن يحقّق الغرض منه، إلا إذا تبيّن نظريا وممارسةً أن محور التعامل مع المرأة في الساحة السياسية مثلا، لا يقوم بالتركيز على منظور أنّها امرأة، بل في إيجاد الساحة السياسية المغيّبة أصلا، ومع سائر ما تعنيه الكلمة من حقوق ومسئوليات وقضاء وحريّات، ومع إدراك أنّ جميع ذلك هو من الحقوق الأصيلة الثابتة للإنسان، جنس الإنسان، من رجال ونساء، من أصحاب الانتماءات الحزبيّة والتيّارات المتعدّدة ومن الممتنعين عن الانتساب إلى تلك الانتماءات والتيّارات، على السواء، ممّن يصل إلى منصب من المناصب ومَن لا يصل.

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة ٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

وَلَسْتُ بَهَيَّــــــابٍ لمنْ لا يَهابُنِي ولستُ أرى للمرءِ ما لا يرى ليــا

فإن تدنُ مني، تدنُ منكَ مودتــي وأن تنأ عني، تلقني عنكَ نائيــــا

كِلاَنــا غَنِيٌّ عَنْ أخِيه حَيَـــــاتَــه وَنَحْنُ إذَا مِتْنَـــا أشَدُّ تَغَانِيَــــــــا

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...