اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

جواسيس إسرائيل من النيل إلى الفرات


المدهش

Recommended Posts

جواسيس إسرائيل من النيل إلى الفرات مرورا بالليطاني (الحلقة الأولى)

لبنان يكشف 13 شبكة تجسس صهيونية في 13 عاما

القاهرة- من جمال الجمل :

«مغامرات الجواسيس وقضايا التجسس ليست قصصا للتسلية والتشويق وفقط، لكنها اسلحة حاسمة في جولات الصراع بين الدول، ليس على جبهات الحرب فقط، بل في مختلف المجالات, فالتجسس دخل جميع ميادين الحياة واصبح وسيلة للهيمنة والسيطرة والثراء، في مجالات الحرب والسلم معا، كما اصبح عاملا مهماً في تحديد مكانة الدول على خريطة العالم، بعد أن بدا واضحا للجميع أن التجسس العلمي والتجاري لايقلان خطورة عن التجسس العسكري التقليدي.

في هذه الحلقات نحاول فك طلاسم الخريطة السياسية العربية الحالية من خلال القراءة السياسية لقضايا التجسس بين العرب وإسرائيل، وبخاصة ان هذه القراءة تتيح لنا رؤية هزائمنا وانتصاراتنا من منظور آخر أكثر واقعية مما يبدو على السطح، وتفسر لنا اسباب انتكاسة يونيو 1967 وانتصار اكتوبر 1973.

كما تفسر ماحدث في لبنان على مدى ربع قرن من الاختراق والصمود، وتفسر ايضا أسباب سقوط بغداد بسهولة لم تكن في بال أحد ,ربما لأن العراق تحول في سنوات حكم صدام حسين إلى مايشبه الملعب الذي تتنافس فيه أجهزة مخابرات عديدة في مقدمها الموساد الاسرائيلي.

وهذا ما يغرينا بأن نعيد صياغة المقولة الشهيرة التي تتصدر الكنيست تعبيرا عن حدود دولة «إسرائيل الكبرى» لتصبح «من النيل إلى الفرات «جواسيسك» يا اسرائيل»,وهنا أخطر قصص التجسس بين العرب واسرائيل من النيل إلى الفرات.

اسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي انشأها «جهاز مخابرات»، قبل أن تعيد هي إنشاءه بتسمية جديدة، ففي العام 1940 في ذروة الحرب العالمية الثانية شكلت وحدة العمليات الخاصة البريطانية (SOE) وحدة كوماندوز لليهود في فلسطين التي كانت تحت الانتداب، وتكونت هذه الوحدة التي كانت تعرف باسم «الفيلق اليهودي» من المتطوعين القادمين من «الهاغاناه» أو «قوة الدفاع اليهودية»، أو وحدة «البالماخ»، ومعناها بالعبرية «جماعة الضرب»، والتي تم تنظيمها؛ لتقاتل بطريقة حرب العصابات، إذا ما احتلت «ألمانيا» الأراضي الفلسطينية.

فيما بعد، تطوّرت «الهاغاناه»؛ لتصبح جيشاً يهوديا تحتياً، له فرع مخابراتي يدعى «شاي»، اختصاراً لـ «شيروت يديعوت»، أو «خدمة المعلومات» بالعبرية، وأصبحت الـ «شاي»، بـ«عملائها» المتناثرين في أرجاء المنشأة البريطانية في «فلسطين»، أول وكالة مخابرات إسرائيلية، إذ تواجدت فعلياً قبل إعلان دولة «إسرائيل» في 14 مايو 1948، ومع إنشاء خدمة «المخابرات الحربية» في يوليو 1948 -المعروفة باسم «أمان»، وخدمة الأمن المحلية، «شين بيت»، تم إلغاء الـ «شاي»، ولم يكن الـ «شين بيت» أحسن حظا فقد تعرض لمشاكل وتجاوزات عديدة اساءت إلى عمله.

وفي عام 1951، عندما كانت أجهزة المخابرات الإسرائيلية في حالة فوضى، عاد منسق المخابرات السرية في وزارة الخارجية من رحلة إلى الولايات المتحدة الاميركية، بعد أن جمع معلومات عن طريقة عمل وكالة المخابرات المركزية الجديدة هناك (CIA)، واقترح الرجل على ديفيد بن غوريون -رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك- إنشاء وكالة مماثلة في «إسرائيل»، تكون تابعة مباشرة لرئيس الوزراء.

وبناء على هذه التوصية تم تأسيس «الموساد»، وهذه الكلمة هي الاختصار الشهير لاسم «مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة» التي تأسست في أول أبريل من العام 1951 بقرار بن غوريون، وتشكلت «على انقاض الدائرة السياسية» التي عملت أولا في نطاق وزارة الخارجية الصهيونية ، وكانت مهمتها الرئيسية جمع المعلومات خارج اسرائيل، وبدأ «الموساد» بتسميات مختلفة ، منها «المركز الرئيسي للتنسيق» ، ثم «المؤسسة الرئيسية للاستخبارات والامن» وانتهى لاحقا بظهوره باسمه الرسمي الحالي، وكان أول رئيس للموساد هو مستشار بن غوريون ومساعده الخاص للشؤون الخارجية روبين زاسلانسكي، الذي عرف باسم «روبين شيلوح»، وظل اسم رئيس الجهاز سريا حتى مارس 1996، مع تعيين الجنرال داني ياتوم اذ تم للمرة الأولى الكشف عن اسم رئيس «الموساد»

مايعنينا في هذه الحلقة هو التعرف على الطريقة التي تميز العمل التجسسي للموساد، وهي «الطريقة البشرية» والتي كشف عنها خبير الشؤون الأمنية في صحيفة «هآرتس» الصحافي يوسي ميلمان قائلا: «إن هذه الطريقة تعتمد كليا على العنصر البشري، اذ يقوم «الموساد» بموجب هذه الطريقة بزرع عملاء يحصلون على هوية جديدة في دولة او تنظيم، ليصبحوا فيما بعد مصدرا مباشرا لجمع المعلومات، وبحسب ما يذكره فيكتور اوستروفسكي عميل «الموساد» السابق في كتابه «عن طريق الخداع»، فإن استخدام هؤلاء العملاء يتم بواسطة وحدة ميدانية في «الموساد» يطلق عليها اسم : متسادا».

ويقول «ميلمان: «إن 90 في المئة من جهود وطاقات جهاز «الموساد» توجه نحو مهمة «جمع المعلومات»، وان جزءا ضئيلا من انشطته وفعالياته يكرس لتنفيذ «عمليات خاصة» او حسب وصف ميلمان «عمليات عنيفة وصاخبة» في اشارة لمسلسل طويل من اعمال الاغتيالات والتصفيات الجسدية التي وقف «الموساد» مباشرة او اشترك مع اجهزة وفرق استخبارية وعسكرية أخرى في تنفيذها.

وخصوصا منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي، دون أن تعترف الدولة العبرية او تنسب لهذا الجهاز التجسسي المسؤولية عنها، تماشيا مع قواعد السرية شبه المطلقة التي احيط بها عمل «الموساد» منذ تأسيسه وحتى الآن، ضمن نسق ونهج ينسجمان مع تقاليد الدولة العبرية في «تمجيد الاغتيالات السرية» وسعيها الدؤوب إلى إبقاء جهازها الاستخباراتي الخارجي محاطا بهالة من الغموض تضفي عليه هيبة و «جبروت الذراع الخفية» القادرة على التسلل والوصول إلى كل مكان في العالم.

هذا التنوع في العمليات هو الذي أدى إلى ضرورة التنوع في الإدارات والوحدات داخل المؤسسة، فهناك «سايريت متكال»، أو «وحدة الاستطلاع العامة ذات الطابع العسكري السري»، و«إيه دي هوك»، من أجل العمليات الخاصة، و«لاكام» وهو اختصار للاسم العبري لمكتب تبادل العلوم، التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية، ، وقد أنشئ في سرية بالغة في عام 1957، حتى إن عيزرا هاريل، أعلى ضابط مخابرات إسرائيلي حينذاك، لم يعرف بإنشائه!

من النيل إلى الفرات... مرورا بالليطاني

تكشف لنا هذه الطريقة التي تحدث عنها ميلمان أن اسرائيل في حاجة دائمة إلى عناصر بشرية للعمل في التجسس، ولما كان معظم اليهود الغربيين القادمين إلى الدولة الجديدة غير ملائمين للعمل في الدول العربية محل الصراع.فلم يكن امام قادة «الموساد» إلا تجنيد أبناء الدول العربية انفسهم سواء كانوا من اليهود المقيمين بهذه البلدان، ومعظمهم محل شك، او من بعض ضعاف الدين والوطنية من المسلمين والمسيحيين الذين يبيعون انفسهم مقابل وعود وهمية بالحماية والثراء، ولايمنع هذا الأسلوب البشري في التجسس من استخدام جميع الوسائل الأخرى، والتي تبالغ اسرائيل غالبا في الترويج لها لإثبات مدى تفوقها على جيرانها العرب ففي مطلع صيف هذا العام (2006). مثلا أطلقت إسرائيل قمر التجسس الاصطناعي «أورس B» وأعلنت في أول مايو الماضي عن وصول أول دفعة صور أرسلها بتقنية عالية ووضوح شديد من أكثر من دولة، وذكرت صراحة أسماء سورية ولبنان وإيران.

وعرض مسؤولون أمنيون اسرائيليون على وسائل الإعلام صوراً أكدوا أنها لقاعدة بحرية عسكرية سورية وسد الفرات على نهر الفرات إلى جانب مواقع استراتيجية بينها محولات للكهرباء، كما عرضوا صوراً أخرى لميناء عسكري في إحدى الدول التي لم يذكروها ، ومواقع صواريخ ومدافع على متن سفن سلاح البحرية التابع لتلك الدولة، وذكر المسؤولون الأمنيون أن الصور التي التقطت تظهر منشآت نووية في إيران، مؤكدين أنه يمكن للقمر التقاط صور لأجسام بطول 70 سنتيمتراً .

هذا الإعلان الاسرائيلي يذكر ببدهيات عدة، في مقدمها أن النشاط المخابراتي لاسرائيل اتجه شرقا في السنوات الأخيرة، بعد أن اختلفت طريقة المواجهة مع مصر على الحدود الجنوبية، وبات على اسرائيل التفاعل بشكل مكثف مع عرب آسيا، وبخاصة لبنان وسورية والعراق.

بالطبع لايتوقف الأمر عند مجرد الإعلان عن قمر تجسس، لأن عددا من الخبراء أكدوا أن هذا الاعلان ليس إلا جولة من جولات الحرب النفسية التي تمارسها اسرائيل ضد العرب للتأكيد على تخلفهم في مقابل تفوقها التكنولوجي، وبخاصة أن إسرائيل تمارس التجسس على هذه المنطقة بالطائرات المسيّرة لاسلكيا وتحصل على صور عالية الدقة عما يجري، كما تركز على أسلوبها التقليدي الذي يعتمد على شبكات العملاء، والاختراق البشري المباشر، بالاضافة إلى تنمية قدراتها في مجال الاستطلاع من خلال شبكات الاتصال الهاتفي والحاسوبية عن بعد، وهو أمر تبالغ تل ابيب في كتمانه ومنع الخوض فيه إعلاميا أو حتى من خلال الندوات العلمية.

إذ إن معظم المعلومات الإسرائيلية حول العالم العربي يتم جمعها من خلال اعتراض الاتصالات الهاتفية الداخلية والدولية بأساليب متقدمة ,وهي لا تمارس ذلك ضد أعدائها فقط بل تمارسه مع دول صديقة وحليفة في الغرب، ومع دول عربية ايضا ترتبط معها بمعاهدات سلام مثل مصر والأردن التي لها فيها سفارات، حيث تسعى للتنصت على كبار السياسيين والمسؤولين لغرضين: الأول: هو التعرف على حقائق الأمور، والثاني: هو إمكانية استخدام المعلومات للضغط على تلك الدول وابتزازها عند الضرورة كما تكشف من فضيحة التجسس على أميركا نفسها!

مفتاح الحرب اللبنانية

بعد اندلاع الحرب اللبنانية - الاسرائيلية الأخيرة في يوليو الماضي شعرت الأجهزة الأمنية والسياسية في اسرائيل بخيبة كبيرة نشرت الفزع بين صفوفها، ولم تكن هذه الخيبة نابعة فقط من قوة الصمود اللبناني، وكفاءة مقاتلي «حزب الله»، لكنها كانت ناجمة بالأساس عن «صفعة استخباراتية» عنيفة وضحت تماما في الخداع الذي تعرضت له اسرائيل بعد أن فوجئت بحجم ونوعية تسليح «حزب الله». وهو مايعني أن معلوماتها الاستخباراتية ناقصة، وانها تعرضت لجولة خاسرة على صعيد أعمال التجسس، وبعد دراسات مكثفة، خرج أحد الخبراء الأمنيين بتفسير مفاده أن الثغرة الوحيدة التي تم من خلالها تهريب هذا السلاح قد تكون سرب طائرات مدنية أرسلته سورية إلى ايران محملا بمواد غذائية وطبية وبطاطين وملبوسات كنوع من الإغاثة الإنسانية لمنكوبي الزلزال الذي تعرضت له مدينة بم في العام 2003، وان هذه الطائرات قد تكون عادت محملة بالصواريخ والأسلحة الايرانية إلى سورية، ثم بدأت جولات تهريبها بريا عبر الحدود بين البلدين.

وبناء على هذا التقرير اصيبت اسرائيل بنوع من «حمى الحدود»، وتصاعدت تصريحاتها عن مشكلة تهريب سورية للأسلحة إلى حزب الله، حتى بدت وكأنها ذريعة لحرب مباشرة ضد سورية، كما حدث نوع من هيستيريا الطلعات الجوية لمراقبة الحدود بين البلدين، وفي ذلك الوقت (منتصف اكتوبر الماضي) نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريراً وصف بأنه سري حول تحذيرات بوش لعدد من القادة الأوروبيين بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تواصلت عملية نقل الأسلحة إلى حزب الله عن طريق الحدود السورية - اللبنانية، وفي اليوم التالي نشرت الصحيفة نفسها تقريرا بعنوان «الأسد يجدد تهريب الأسلحة إلى حزب الله»، بناء على ما أسمته «معلومات استخباراتية» أكدت فيه أن محاولات تهريب الوسائل القتالية من سورية إلى لبنان تجددت أخيرا، وأن بعض هذه المحاولات قد نفذ بنجاح، وذلك وفق ما صرحت به «مصادر سياسية عالية المستوى» استناداً إلى «معلومات استخبارية»، وأن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بأنها لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي.

وبدا التصعيد مثل سيمفونية يديرها مايسترو في الخفاء، وتعزف فيها جهات وأطراف عدة، فالجنرال يوسي بايداتز رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية بالجيش الإسرائيلي يقول ماتقوله ميري إيسير المتحدثة باسم أولمرت من أن إسرائيل تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن النفس، وستسهر على تطبيق الحظر على الأسلحة عبر الحدود بين سورية ولبنان، وهو ما تحرص على تأكيده وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، في لقائها مع وزيرة الخارجية الأميريكية كونداليزا رايس، وهو ضرورة تشديد المراقبة على حظر وصول الأسلحة إلى لبنان، في إشارة إلى الثغرات الحدودية بين سورية ولبنان.

ولاتنسى ليفني أن تحذر ايضا من تحول قطاع غزة إلى «وكر للإرهاب» في أعقاب التسلح المتسارع لحركة «حماس» وتهريب الوسائل القتالية من سورية إلى قطاع غزة. وطلبت ليفني من رايس أن تتدخل في هذا الشأن لدى مصر، وهو التحذير الذي تحول بالفعل إلى تدخل عسكري وأدى إلى مجزرة جديدة في «بيت حانون»، كما أدى إلى توتر على الحدود بين مصر وإسرائيل لم يحدث منذ سنوات طويلة.

المثير أن التصعيد على هذه الجبهة اتخذ في ظاهره شكل المماحكات العسكرية والتلويح بالتهديد، اذ قامت إسرائيل مثلا بإبلاغ هذه المعلومات للإدارة الأميركية وعناصر أخرى دولية، محذرة بأن «صبرها قد نفد»، وأن «إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي نظراً لعدم فرض حظر وصول الأسلحة إلى «حزب الله»، وتم تفسير ما تسميه إسرائيل «نفاد الصبر» على انه اتجاه لخيارات عسكرية، قد تصل إلى إعلان الحرب، وبخاصة بعد أن أكدت مصادر إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي رفع حالة التأهب على الحدود الشمالية مع سورية، وسط تقارير متبادلة بين الطرفين، تفيد بأن كلا منهما ينوي شن هجوم مباغت على الطرف الآخر، وفي المقابل تم نشر تقارير للاستخبارات الإسرائيلية تقول: «إن هناك احتمالاً أن يلجأ الرئيس السوري بشار الأسد للقيام بضربات عسكرية، من أجل استعادة مرتفعات الجولان»، ونقل «راديو سوا» عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن تقارير الاستخبارات تشير إلى أن سورية تدرس جديا إمكان القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، وخرج تصريح لرئيس أركان الجيش الاسرائيلي دان حالوتس يحذر فيه سورية من محاولة القيام بأي عمل عسكري ضد اسرائيل، وفي المقابل أعلن وزير الإعلام السوري محسن بلال في مقابلة تلفزيونية، أن بلاده «تضع في حسبانها إمكانية أي مغامرة إسرائيلية عسكرية، وهي مهيأة لكل طارئ، ولمخططات إسرائيل العدوانية بعد فشل أهداف العدوان الإسرائيلي على لبنان.»

واعتبر بلال أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت «تتخبط الآن بعد هزيمتها جراء انتصار المقاومة اللبنانية»، وقال الرئيس السوري بشار الأسد: «إن إسرائيل قد تشن هجوماً على سورية في أي لحظة»، مؤكداً «ضرورة البقاء على جاهزية عالية في جميع الأوقات.»، وردت اسرائيل عليه بإنها لاتنوي مهاجمة سورية، واتهمت «حزب الله» بمحاولة تصعيد الوضع بين الطرفين.

هذا البالون الإعلامي الذي اتخذ مسار «كرة الثلج» اذ ذلك لم يكن مجرد «طنطنة اعلامية» أو تلويح أرعن باستخدام الجيوش من دون استعداد كاف للحرب، لكنه كان جزءا من خطة استخباراتية محكمة لمعالجة القصور الذي وقعت فيه اجهزة الأمن الاسرائيلية، و رغم استخدام الاعلام والزج بالمنظمات الدولية وملء المجال بتصريحات من نوع ما قاله مبعوث الامين العام للأمم المتحدة الى لبنان لتنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن عن خطورة وجود عمليات منتظمة لتهريب أسلحة من سورية إلى حزب الله في لبنان, مشيرا إلى أن المنظمة الدولية أبلغت بيروت بذلك , وأن لبنان «يتصرف في هذا الشأن على نحو لين بسبب موقفه السياسي الهش»، او قوله للسفير الأميركي لدى الأمم المتحدة جون بولتون إن المسؤولين اللبنانيين لا يقدمون معلومات دقيقة عن التهريب «خشية التعرض لأعمال انتقامية من جانب سورية». نتوقف امام التقرير الذي قدمته المخابرات الاسرائيلية إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست لمناقشة هذه القضية في حضور وزير الدفاع عامير بيرتس، وبالتحديد نتوقف امام خلاصته التي تقول: «ربما ينبغي القيام بعمل عسكري ما لم تتوقف هذه الشحنات.»، ويدعم ذلك بيريتس بقوله أمام اللجنة: «نرى في هذا الأمر قدراً كبيراً من الخطورة.»

المثير حقا أن كل هذه التهديدات تمت بعد الدعوة التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، لنظيره رئيس الحكومة اللبناني فؤاد السنيورة، للبدء فوراً في مفاوضات للسلام بين البلدين! هذا السلام الذي دعا إليه أولمرت علنا في خطاب افتتاح الدورة الشتوية للبرلمان الإسرائيلي. مطالبا بعقد لقاء مباشر مع السنيورة «وجهاً لوجه» والذي رفضه السنيورة -علنا ايضا-، لم يمنع وزير الدفاع الإسرائيلي من توجيه رسالة مضادة، هدد فيها بأن الطيران الحربي الإسرائيلي لن يتوقف عن التحليق في الأجواء اللبنانية مستخدما ما اعتبره شرعية القرار 1701 الذي أصدره مجلس الأمن في 14 أغسطس الماضي.

وعلى الصعيد نفسه أعلن الجيش الإسرائيلي أنه بدأ مرحلة الاستعداد لحرب جديدة في الصيف المقبل ضد كل من سورية وحزب الله، وذكرت صحيفة «هآرتس» في عددها الصادر في 6 نوفمبر الماضي أن هيئة أركان الجيش الإسرائيلي توصلت بعد اجتماعات مكثفة إلى ضرورة هذه الحرب، ونقل المعلق العسكري للصحيفة أمير أورن ان عددا من جنرالات الجيش ( الاسرائيلي) الذين شاركوا في هذه الاجتماعات قولهم إنه تقرر الشروع فوراً في إجراءات الاستعدادات لتلك الحرب!

القراءة السياسية المتعلقة بموضوع هذه الحلقات، لا تركز على مدى جدية هذه التهديدات من عدمها، ولا يجب أن تنساق إلى ظاهر التصريحات، لكنها تحاول أن تربط بينها وبين النشاط الاستخباراتي باعتباره واحدا من اهم اسلحة الصراع في هذه المرحلة المتشابكة والمعقدة والتي تتداخل فيها مصالح قوى دولية واقليمية بعضها يسعى لصياغة المنطقة من جديد تحت مسميات من نوع «الشرق الأوسط الكبير» وبعضها يسعى الى الهيمنة وتوسيع النفوذ، وبعضها يسعى الى اقتسام غنائم وثروات المنطقة، وبعضها الآخر يسعى الى مجرد الدفاع عن النفس، او انتزاع حق الوجود، وثمة من يرضى بدور العميل مقابل الأجر، ما يطرح امامنا ظاهرة نجاح العدو في تجنيد «الدولة الجاسوس»، وليس مجرد «الجاسوس الفرد»!

سقوط الشبكات

المعلومات التي تفسر لنا هذا الهوس الاسرائيلي بفكرة مراقبة الحدود وتجفيف مصادر تسليح «حزب الله»، لايمكن فصلها عن نجاح الجيش اللبناني واجهزة الأمن في إلقاء القبض على عدد من شبكات التجسس داخل لبنان، بل وعن عجز هذه الشبكات قبل سقوطها عن تقديم معلومات حقيقية عن حجم ونوعية تسليح «حزب الله»، والأهم المعلومات التي تتحدث عن كيف ومتى دخلت هذه الأسلحة إلى الأرض اللبنانية، ولأن اسرائيل من الضعف النفسي الذي يجعلها «كارهة للمفاجآت». فقد بات من الضروري بالنسبة اليها أن تبدد الظلام الذي خرجت منه الأشباح التي طيرت النوم من عيونها، بعد سقوط جواسيسها وشبكاتها تباعا، فقد اعترفت مصادر أمنية اسرائيلية أخيرا أن جهاز الأمن الخاص في «حزب الله» استطاع في مطلع سبتمبر الماضي تفكيك أخطر شبكات التجسس الصهيونية التابعة للموساد الصهيوني والتي عملت في بيروت والجنوب اللبناني.

وقالت المصادر في تصريحات لأحد المواقع الالكترونية الاسرائيلية «ديبكا» والمهتم بشؤون الأمن والتجسس أن عملاء «الموساد» الذين القي القبض عليهم في بيروت هم الأخطر في منطقة الشرق الأوسط, والأكثر تدريبا على احدث الأجهزة الإلكترونية, وأن مهمتهم كانت تحديد الأماكن والمخابئ السرية والشقق البديلة التي يستخدمها زعماء «حزب الله « ووضع علامات إلكترو- مغناطيسية وفوسفورية على الأماكن التي يجب أن يستهدفها القصف الصهيوني إضافة إلى زرع أجهزة التنصت في أماكن متعددة في الضاحية الجنوبية، وكانت هناك خلية ثانية تتكون من 20 شخصا عملت خلال الحرب في الجنوب اللبناني.

وقدمت معلومات حول الأنفاق والمواقع التابعة للحزب وأن قائدها هو قبطان بحري لبناني جرى تجنيده وتهريبه من ايطإليا إلى دولة الاحتلال بعد أن ألقت السلطات الايطالية القبض عليه بتهمة الاتجار بالمخدرات، كما ألقى جهاز الاستخبارات الخاص في الحزب القبض على مواطنين عربيين يقومان بتصوير الضاحية الجنوبية مشيرة إلى أن «التحقيقات معهم أثبتت أنهم من عملاء «الموساد» وأن جوازات سفر مزيفة وجدت بحوزتهم».

وقبل سقوط هاتين الشبكتين أثناء حرب يوليو, اعتقلت الشرطة اللبنانية سيدة فلسطينية اسمها جمال زعرورة بتهمة التجسس لحساب إسرائيل كانت تخطط مع مجموعتها لتنفيذ عمليات ضد القادة الفلسطينيين الذين يتخذون من لبنان مقرا لهم، كما كانت تستهدف اغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بمتفجرات وكيماويات سامة.

وقبلها تم الكشف عن شبكة الجاسوس محمود رافع، التي كانت تسعى الى التخريب والتفجيرات، ودبرت عددا من العمليات القذرة من بينها اغتيال محمود المجذوب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي وشقيقه نضال في مدينة صيدا اللبنانية، كما نشر الموقع الاستخباري الاسرائيلي «تيك دبكا» تفاصيل شبكة تجسس ضبطتها الأجهزة الامنية اللبنانية, مشيرا إلى أن «القيادي في تنظيم الجبهة الشعبية القيادة العامة حسين خطاب هو زعيم هذه الشبكة وانه تمكن من الهرب إلى إسرائيل».

وفي أحد تصريحاته كشف رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني كمال شاتيلا أن الجيش اللبناني كشف نحو 13 شبكة تجسس اسرائيلية تخريبية منذ العام 1992 إلى الآن، وهذا يعني أن لبنان إحدى الدول المستهدفة بقوة من جانب اسرائيل، وانه من اهم جبهات الصراع الاستخباراتي مع اسرائيل، وهو ما سوف نعود إليه في حلقات منفصلة تقدم لنا تفاصيل هذا الجولات المثيرة.

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...