تصحيح بتاريخ: 15 يناير 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 يناير 2007 (معدل) ملخص رواية "العَمَى" للكاتب الكبير/ جوزيه ساراميجو الحاصل على جائزة نوبل عام 1998 تلخيص: سيد جودة توقف في إشارة المرور حين رأى الضوء الأحمر. كان في أول الصف ومن ورائه صف طويل من السيارات المنتظرة أن يتحول هذا الضوء الأحمر إلى الأخضر. وفجأة.... وجد نفسه غارقاً في بحر من اللبن! كل شيء حوله أبيض اللون, لم يعد يرى إلا اللون الأبيض. تحولت الإشارة إلى الضوء الأخضر وبدأت السيارات خلفه في إطلاق أبواقها تستحثه على المضي ولكن أنّى له أن يقود سيارته وقد أصيب بالعمى! العمى! العمى الأبيض! أخرج يده من نافذة سيارته مشيراً إلى أنه يطلب المساعدة. اقترب منه شخص ما فقال له في هلع لقد أصبت بالعمى فجأة, أنا لا أرى! ساعده هذا الشخص على الخروج من السيارة, وقف على الرصيف يكاد أن يبكي والتف حوله الناس يهدئون من روعه. أخبره الشخص الذي جاء لمساعدته أنه سيوقف سيارته في شارع جانبي حتى لا يعطل المرور, وبعد أن فعل ساعده وأوصله لبيته وساعده في الصعود لشقته وبعدها انصرف تاركاً إياه وحيداً في شقته ينعي حظه وينتظر عودة زوجته من العمل. تحسس طريقه فارتطمت يده بزهرية على المائدة, لم يكن هذا مكانها ولكن يبدو أن زوجته وضعتها هنا هذا الصباح فوقعت على الأرض وتناثرت أشلاؤها. انحنى ليجمع ما تناثر فانغرست قطعة من الزجاج في أصبعه, صرخ متألماً وأخرج منديلاً من جيبه وربط جرحه ثم جلس على أريكة في الصالة. حين عادت زوجته عنفته على إهماله وكسله في تنظيف ما فعل. أخبرها بأنه أصيب بالعمى, احتضنته باكية واتصلت بأخصائي عيون وطلبت محادثة الطبيب الذي أخبرته بحادثة زوجها الغريبة فطلب منها الطبيب الحضور فوراً. ساعدت زوجها في النزول وتركته في بهو العمارة ريثما تحضر السيارة من الشارع الجانبي القريب. قالت له تصرف بشكل طبيعي إن ظهر أحد الجيران, إن عينيك تبدوان طبيعيتين جداً. غابت دقائق ثم عادت لتؤكد أن السيارة قد اختفت, قال أكيد أن الرجل الذي ساعدني قد استغل عماي وسرق سيارتي, يا له من خسيس! وصلا للعيادة فدخلا فوراً بناءً على أوامر الطبيب فتذمر من كانوا ينتظرون دورهم. فحصه الطبيب واكتشف أن عينيه سليمتان تماماً. ما تفسير هذا العمى إذن؟ لا جواب لدى الطبيب الذي طلب منه أن يعود لزيارته لاحقاً ليفحصه ثانية مع زملائه الأطباء. لم يكن في نية الرجل الذي ساعده أن يسرقه رغم أنه لص محترف بل كانت مساعدة خالصة ولكن حين وجد المفاتيح في يده والسيارة تنتظره وصاحبها قد أصيب بالعمى فلن يستطيع قيادتها ثانية واتته فكرة أن يسرقها ففعل. بعد أن قادها بعيداً توقف في شارع جانبي هادئ وخرج منها ليتمشى قليلاً فوجد نفسه فجأة غارقاً في اللون الأبيض! أخذ يصرخ لقد أصبت بالعمى! جاءه شرطي لا ليقبض عليه كلص هذه المرة بل ليساعده في محنته. كان الطبيب يقلب في مراجعه محاولاً أن يجد تفسيراً لهذا العمى الأبيض حين فجأة رأي الأشياء من حوله قد صبغت باللون الأبيض! لم يخبر زوجته ليلتها ونام آملاً أن يفتح عينيه في الصباح فيعود بصيراً, ولكن في الصباح تأكد من أنه قد أصيب بالعمى فأخبر زوجته وطلب منها أن تتصل له بوزارة الصحة. رفض الموظف في الوزارة أن يجعله يحادث مسئولاً في الوزارة فاضطر أن يتصل بمدير المستشفى التي يعمل فيها وأخبره بما حدث له وأن استنتاجه أنها حالة معدية. طلب منه المدير ألا يتحرك وأن سيارة إسعاف ستأتي فوراً لأخذه. طلب الطبيب من زوجته ألا تقترب منه حتى لا تصاب بالعمى هي الأخرى فأبت إلا أن ترافقه حين تأتي سيارة الإسعاف واضطررت أن تتظاهر بالعمى لتركب سيارة الإسعاف مع زوجها. كانت هناك فتاة جميلة ترتدي نظارة سوداء من داء في عينيها من بين المنتظرين دورها حين زار العيادة أول رجل يصاب بالعمى. مرت على صيدلية واشترت دواءً لعينيها فغازلها الصيدلي سائلاً إياها لماذا تغطي عينيها الجميلتين؟ كانت على موعد مع زبون في أحد الفنادق واشترطت عليه ألا تخلع نظارتها فلم يعترض. ***************************. أخذت تصرخ في حالة هسيتيرية, ارتدى الرجل ملابسه بسرعة وهرب هلعاً. بعد قليلٍ جاء شرطي وأخذها من الفندق. قررت الحكومة وضع كل من أصيب بالعمى الأبيض تحت الحجر الصحي في عنبر منعزل يجاوره عنبر آخر يوضع فيه كل من اتصل بهم ولمَّا يصب بالعمى بعد. كان المكان كله تحرسه قوة عسكرية من الجيش ولها أوامر بإطلاق النار على كل من يحاول الهرب أو الخروج من العنبر جهة البوابة. كانوا ستة من العميان معاً: الطبيب وزوجته, أول شخص يصاب بالعمى والشخص الذي ساعده ثم سرقه, والفتاة ذات النظارة السوداء وطفل أحول كان في العيادة في ذلك اليوم منتظراً دوره والذي ظل يسأل عن أمه ومتى تعود فكانت الفتاة ذات النظارة السوداء تحتضنه وتخبره بأنها آتية قريباً. بالمصادفة اكتشف أول شخص يصاب بالعمى أن الرجل الذي سرق سيارته معه فعنّفه فوبّخه الأخير قائلاً له إن كنت أنا قد سرقت سيارتك فأنت قد سرقت بصري! اندلعت مشاجرة بينهما تبادلا فيها اللكمات التي كان الحظ الأوفر منها من نصيب أول رجل يصاب بالعمى. بالنسبة لزوجة الطبيب التي أخفت عن الجميع إلا عن زوجها حقيقة أنها مبصرة, فقد أسرَّت لزوجها رغبتها في أن تكاشف من معهم بأنها مبصرة فحذرها من ذلك حيث أن كل واحد منهم سيستخدمها لمساعدته وستصبح خادمة للجميع فآثرت الصمت والكتمان وشرعت تساعدهم في العثور على دورة المياه. كانوا يسيرون صفاً يضع كل منهم يديه على كتف من أمامه وطبعا زوجة الطبيب في المقدمة. وضع سارق السيارة الذي كان بملابسه الداخلية يديه على كتف الفتاة ذات النظارة السوداء وفجأة تحسس رقبتها بيدٍ ***********فركلته ركلة خلفية في فخذه الأيمن. كانت الركلة قوية فجعلته يصرخ ألماً ونعل حذائها تسبب له في جرح غائر في فخذه. لم تجد زوجة الطبيب شيئاً لتربطه به سوى قطعة قماش لتنظيف الأرضية. طلبوا من الجنرال إعطاءهم أية أدوية أو أربطة صحية فرفض لأنها لم تأته بعد وحتى ذلك الحين فعليهم التزام الهدوء وإتباع الأوامر. أخذ الجرح في التلوث وأصيب الرجل بالحمى. حين كانت زوجة الطبيب تمسح العرق عن جبينه أمسك يدها وهمس لها أنا أعرف أنك مبصرة أليس كذلك؟ أجيبيني, أخبرته بأنها ستقول له غداً وعليه أن ينام الآن. في الغد كانت الحمى قد ازدادت عليه فزحف للخارج والآخرون نيامٌ آملاً أن يأخذه الجنود لمستشفى لعلاجه ولكن جندي الحراسة حين رآه زاحفاً ناحية البوابة أصيب بالهلع من أن يصاب بالعدوى وأطلق عليه رصاصة في الوجه أردته قتيلاً. ظل ممدداً عند الباب إلى أن قام زملاؤه العميان بحفر حفرة له في الساحة الخلفية للجناح الذي ينزلون فيه ودفنوه! بدأت العدوى في الانتشار وبدأ عدد العميان يتزايد على العنبر وكذلك حالات القتل حيث أطلق الجنود النار على مجموعة من العميان كانوا يتلمسون طريقهم ويتدافعون لأخذ كراتين الطعام التي تركها لهم الجنود في أول البهو المؤدي لعنبرهم, ظن الجنود أنهم يحاولون الخروج من العنبر تجاههم فأطلقوا عليهم النار! ومرة ثانية قام زملاؤهم بحفر حفرة لهم ودفنهم. انتشرت العدوى في البلد بشكل مفزع وذات يوم جاء للعنبر مائتان ملأوا كل الأسرَّة في العنابر الأربعة الموزعة على جناحين وشاركوا المبصرين عنبرهم فأصيبوا جميعاً بالعمى! شكّـل نزلاء العنبر الثالث في الجناح الأيسر قوة مسلحة بقضبان الأسرّة الحديد وبالعصا الخشبية وبمسدس كان في حوزة أحدهم فاستولوا على كراتين الطعام التي تأتي ثلاث مرات يومياً قسراً مجبرين نزلاء العنابر الأخرى على شراء نصيبهم من الطعام نقداً وذهباً وبكل ما له قيمة على أن يكون الدفع مقدماً واشترطوا عليهم دفع كل ما لديهم دون إخفاء شيء وإلا لن ينالوا أي طعام. اضطر نزلاء العنابر الأخرى للرضوخ لتعسف هذه الجماعة المسلحة, وحين جَمْعِهم كل مقتنياتهم وأموالهم قامت زوجة الطبيب التي ما زالت مبصرة بأخذ مقص حاد الطرفين وعلقته على مسمار مثبت في الحائط. قام كل عنبر بتسليم هذه المقتنيات للجماعة المسلحة في عنبرهم رقم 3. حين كان يسلم مقتنيات نزلاء عنبره مع أول رجل يصاب بالعمى, سمع الطبيب الرجل الذي يحمل مسدساً يقول لشخص معه دوِّن ما نستلم! هل من بينهم مبصرٌ؟ ربما يكون أعمى منذ زمن وجيء به هنا بالخطأ وله طريقة ما في تدوين هذه الأشياء, إذن فإن عندهم محاسباً أعمى! هذا ما فكر فيه الطبيب, يا لهم من محظوظين! حين استلم ثلاثة كراتين للطعام اعترض الطبيب حيث أنهم كانوا يستلمون أربعة كراتين في السابق فوضع الرجل المسلح فوهة المسدس على رقبته وهدده أنه في كل مرة يعترض ستنقص كرتونة فقبل الطبيب على مضض. كان من بين مقتنيات عنبر رقم 1 راديو صغير يعمل ببطارية رفض صاحبه ذو العصابة السوداء على عينه تسليمه لأنه وسيلته في معرفة الأخبار في الخارج. كان يستمع كل يوم للأخبار وهو يغطي رأسه تحت البطانية حتى يكتم صوت الراديو وبعد استماعه لنشرة الأخبار كان يقص على زملائه موجزها. ذات يوم وهو يستمع للنشرة إذ بالمذيع يصرخ أنا أعمى! حدثت جلبة حوله وانقطع الإرسال. يا إلهي! حتى المذيع أصيب بالعمى. ما من أحد في البلد كله بمأمن الآن. **************************** ************************* ***************** بعد أن سلبت الجماعة المسلحة مقتنيات وأموال العميان الذين في العنابر الأخرى طالبوا بمطلب جديد وإلا لن يوزعوا عليهم كراتين الطعام: وهو أن تأتي لهم نساء كل عنبر ليقدمن أجسادهن ثمناً لطعامهن وطعام الآخرين. رفض الرجال في كل عنبر ودار جدال طويل انتهي بقبولهم رغماً عنهم. تطوعت النساء لهذه المهمة بدلاً من الموت جوعاً وخرجت من العنبر الأول سبع سيدات لتموت واحدة منهن عند الصباح متأثرة بجراحها. قررت زوجة الطبيب الانتقام من زعيم هذه الجماعة. كان الدور على نساء العنبر الثاني وأثناء قيام رجال العنبر الثالث باغتصابهن, تناولت زوجة الطبيب المقص وتسللت على أطراف أصابعها إلى آخر سرير في العنبر حيث كان الزعيم غارقاً في متعته وغرست المقص في رقبته فأردته قتيلاً. انتبه العميان على صرخة المرأة التي كانت مع الزعيم حين قتله فاندفعوا ناحية الصوت واكتشف المحاسب الأعمى موت الزعيم فأعلن النبأ للآخرين واستولى على المسدس من جيب القتيل وأعلن نفسه زعيماً بأن أطلق رصاصة في السقف من شأنها أن أثارت حالة من الفزع بين العميان. انتهزت النساء الفرصة وهربن. قبل هروبها توعدت زوجة الطبيب العميان بمزيد من القتلى فهددها المحاسب الذي أصبح زعيماً بأنه عرف صوتها وسوف ينتقم منها فهددته بالقتل وقتل كل من يخرج من العنبر لأخذ كراتين الطعام. ساد الهلع بين صفوف العميان فأغلقوا على أنفسهم العنبر. مرت ثلاثة أيام لم يحضر فيها الجيش لهم أي طعام. كان الجوع يفتك بنزلاء العنابر الأخرى فطالبوا بمعرفة قاتلة الزعيم لتسليمها لعنبر رقم 3 حتى يستطيعوا أن يأخذوا طعاماً مما اختزنوه. رفض الرجل ذو العصابة السوداء ذلك قائلاً إنه من الأكرم لهم أن يواجهوا هذه العصابة ويقاتلوا من أجل قوت يومهم. في اليوم التالي وفي نفس الوقت من كل يوم كان صوت الجنرال المسجل على شريط يقرأ التعليمات التي يجب على العميان اتباعها وفجأة انقطع الصوت وخيم الصمت على المكان. انقطعت الكهرباء بدون سبب معروف ولم يكن هذا ليحدث أي فرق للعميان باستثناء زوجة الطبيب. قام الرجل ذو العصابة السوداء بتنظيم نزلاء العنابر الثلاثة وجمع قضبان حديدية من الأسرّة ثم توجهوا نحو عنبر الجماعة المسلحة في الجناح الأيسر ففوجئوا بأنهم وضعوا أربعة أسرّة لسدّ مدخل العنبر. حاولوا إزاحة الأسرّة لكن دون جدوى لأن الآخرين كانوا يدفعون في الاتجاه المعاكس. هنا أطلق المحاسب الأعمى ثلاث رصاصات فأصيب رجلان وسقطا في بركة من الدماء. قام زملاؤهما بسحبهما بعيداً عن خط النار وفشلت خطة الهجوم فعادوا لعنابرهم. دخلت سيدة عنبرها رقم 2 وأخذت تفتش في حاجياتها إلى أن عثرت على ولاعة صغيرة سارعت بإخفائها في كف يدها كأن نجاتها فيها. خرجت متسللة إلى العنبر رقم 3 حيث كان العميان بالداخل يتناولون طعامهم بمرح محتفلين بانتصارهم. تحسست المرأة الأسرّة الأربعة وسحبت برفق طرف الملاءة من كل سرير ثم بدأت بإشعال النار في الواحدة تلو الأخرى, وخوفاً من أن يطفئ العميان النار بما لديهم من ماء هبطت تحت السرير وأشعلت النار في المرتبة. شم العميان رائحة الدخان فهبوا يلقون ما لديهم من ماء قليل على النار دون جدوى فقد اشتدت النار وامتدت من سرير لسرير وحاصرت العميان الذين تخبطوا هنا وهناك لا يدرون أين المفر. رائحة الدخان نبهت نزلاء العنابر الأخرى فخرجوا ليستكشفوا الأمر ولكن كانت النار تنتشر بسرعة هائلة من مكان لآخر ومن عنبر لآخر. تدافعوا جميعاً طلباً للهرب ولكن أين يهربون والجنود في الخارج ينتظرون ولن يتورعوا عن إطلاق النار على كل من يجرؤ على الخروج من الباب. قررت زوجة الطبيب أن تحاول أن تثير فيهم الجانب الإنساني ليسمحوا لهم بالخروج من المبنى قبل أن يحترقوا أحياء. خرجت على حذر وكان الظلام دامساً منذ انقطاع الكهرباء. أخذت تنادي عليهم ولكن دون رد من أحد. تقدمت بحذر خطوتين ثم خطوتين حتى اكتشفت أنه لم يعد هناك أثر للجنود, لقد رحلوا جميعاً أو ربما أصيبوا بالعمى جميعاً فصاحت برفاقها المتدافعين في الخلف طلباً للنجاة لقد أصبحنا أحراراً. في نفس اللحظة سقط سقف العنبر متأثراً بالحريق الذي دمره فاندفع اللهب في كل مكان. تدافع العميان للخروج للردهة فمنهم من وقع تحت الأقدام ومنهم من حوصر في ركن لا يعرف منه الفكاك وسط هذا الزحام, وأخذت النار تقترب! خرج من المبنى من استطاع الخروج مجهداً منهكاً لا يقوى على الوقوف. انهمرت الأمطار بشدة ومع ذلك ظلوا يسيرون, سقط واحد منهم تحت وطأة الإعياء ولم يستطع الوقوف ثانية ً, فقد كانت سقطة الموت. سار نزلاء العنبر رقم 1 السبعة تجاه المدينة تقودهم زوجة الطبيب والتي علم الجميع الآن أنها مبصرة. استمروا في السير إلى أن بدأت معالم المدينة تظهر ولكن كانت الشوارع خالية تماماً وامتلأت بالقاذورات والفضلات والبراز في كل مكان. بعض المحال كانت مفتوحة الأبواب ولكنها خاوية من الداخل. طلبت منهم زوجة الطبيب أن يجلسوا في أحدها إلى أن تعثر على طعام. تذكرت رقم المحل واسم الشارع ثم مضت فرأت حركة في أحد المحال فاقتربت فرأت ناساً ينامون على الأرضية. حادثت أحدهم ومنه عرفت أن المدينة كلها بل والبلد كلها قد أصيبت بالعمى ولم يعد أحد يستطيع أن يعود لشقته حيث فاجأهم العمى وهم بالخارج. أصبح معظم الناس يعيشون في المحلات والسيارات لأنها أسهل من الصعود على السلالم للسكن في شقة خاوية لا طعام فيها. قام الرجل ومن معه من جماعة وأخذوا يجوبون الشوارع بحثاً عن طعام في المحلات الخاوية وبين القمامة المتناثرة. عادت زوجة الطبيب وأحضرت رفاقها وطلبت منهم أن ينتظروا في هذا المحل الخاوي واستمرت بمفردها تبحث عن الطعام. أتت على سوبرماركت لكنه كان مليئاً بالعميان الباحثين عن أي شيء يؤكل. لم تجد أي شيء أمامها فقد ملأ العميان كل ركن وقلبوا كل شيءٍ رأساً على عقب ولم يدعوا شيئاً إلا وفتشوه. طرأت على ذهنها فكرة برقت لها عيناها, يوجد في كل سوبرماركت بدروم لتخزين البضائع, لابد وأن به بعض المعلبات والأطعمة. بحثت عن أكياس لتعبئها بما تجده من أطعمة وأخذت تبحث عن مصعد أو سلم حتى رأت مصعد بضائع وبجانبه باب جرار شدته فصرَّ صريراً خافت أن يلفت انتباه العميان الذين معها في السوبرماركت. دلفت منه للداخل فرأت سلماً يؤدي إلى البدروم. أغلقت الباب خلفها فغمر الظلام المكان ولم تعد أحسن حالاً من باقي العميان, الفرق الوحيد هو أنهم يرون كل شيء أبيض اللون وهي تراه أسود اللون. أخذت تهبط السلم بحذرٍ بالغ وخوف من أن يكون المكان مليئاً بعميان آخرين نائمين على الأرضية, أو ربما يكون هناك عفريت يخطفها لمكان بعيد حيث لا شيء إلا الموت الأبدي, أو ربما يكون هناك تنين بأنياب ومخالب. هاجمتها الهواجس ولكن غريزة الجوع كانت أقوى من أي خوف تشعر به, أخذت تتحسس طريقها وهي تحبو على أربع لتأمن أن لا تنزلق قدماها إن وقفت. اصطدمت يدها بشيء معدني أملس تبينت أنه رف, وقفت وأخذت تتحسسه وعلمت أنها قريبة من مكان تخزين الطعام, وفعلاً لمست يدها بعض العلب والزجاجات فشرعت تملأ بها الأكياس التي معها دون أن تعرف ما هي هذه الأشياء. أثناء بحثها ارتطمت يدها بعلبٍ صغيرة وسمعت صوت ارتطامها بالأرض, كاد قلبها أن يتوقف من الهلع. صوت خشخشة هذه العلب ذكرها بعلب الكبريت فتهلل وجهها فرحاً وأخذت تبحث عنها فوق الأرضية, إنها فعلاً علب كبريت. يا لعناية السماء! أشعلت عوداً وطالعت ما ملأت به الحقائب البلاستيك التي معها فأفرغت محتويات الحقيبة الأولى ونصف الحقيبة الثانية من كل ما لا يؤكل. ملأت ستة أكياس حملت ثلاثة في كل يد وبمساعدة عيدان الكبريت استطاعت أن تهتدي لمكان السلم الذي جلست عليه والتهمت كيساً من السجق لتعطي لنفسها الطاقة كي تستطيع العودة لرفاقها حاملة هذه المؤن. صعدت السلم وأغلقت الباب خلفها. طرأ على بالها أن تصيح في العميان بأن هناك طعاماً في البدروم ولكنها عدلت عنها إذ أنهم سوف يتدافعون ويسقطون من على السلم ويدهس بعضهم بعضاً فيموت منهم من يموت, الأفضل أن تحتفظ بهذا السر وحين ينفذ ما معها من طعام تعود لأخذ المزيد. حين صعدت للسوبرماركت انتابها خوف من أن تنبه رائحة السجق المنبعثة من فمها باقي العميان إلى أن معها طعاماً, وبينما كانت تسير جهة الباب في حذر من أن تلمس أو تصطدم بأي شخصٍ منهم صاح أحدهم من فيكم يأكل سجقاً؟ أخذت تجري جهة الباب صادمة ودافعة كل من كان يقف في طريقها حتى خرجت للشارع وكانت السماء تمطر سيولاً لكنها واصلت المسير. التفت حولها كلاب الشارع الجائعة بعد أن شمت رائحة السجق من فمها. نظرت حولها فشعرت أنها ضلت الطريق ولم تعد تعرف أي طريق تسلك. جلست على رصيف تبكي والكلاب من حولها تتشمم الأكياس وحين أدركت أنها علب وزجاجات لن تستطيع أكلها انصرفت عنها سوى من كلب أخذ يلعق دموعها الجارية على خديها. ربتت على ظهره وواصلت بكاءها. ومرة أخرى تدخلت العناية الإلهية لإنقاذها فقد رأت على مرمى بصرها خريطة للمدينة من تلك التي يطبعها مجلس المدينة خصيصاً للسائحين. بمساعدة الخريطة استطاعت أن تعود للمحل الذي تركت فيه رفاقها الذين كانوا راقدين بلا حراك كالحجارة. نادت عليهم وأخبرتهم هامسة بأن معها طعاماً ثم أغلقت الباب حتى لا يدخل عليهم أحد. قصت عليهم المغامرة التي قامت بها وتناولوا الطعام لأول مرة منذ أربعة أيام. والآن كيف يعودون لشققهم؟ ترى ما حالتها الآن ومن يسكن فيها وهل سيستطيعون دخولها أم لا خاصة أنه لم يعد معهم المفاتيح؟ كانت أقرب شقة في طريقهم هي شقة الفتاة ذات النظارة السوداء. حملوا ما معهم من أكياس طعام ومضوا في طريقهم يتبعهم الكلب. كانت القاذورات تملأ كل مكان في البنوك والمتاحف والمكتبات التي أصبحت كلها خاوية فلم يعد أحد يرى لينظر إلى الأعمال الفنية أو ليقرأ كتاباً. في الطريق رأت زوجة الطبيب جثة رجل ومن حولها الكلاب تنهشها والغربان تحوم حولها فتقيأت ثلاثاً من هول ما رأت. رائحة الموت والعفن غزت كل مكان وتسللت من خصاص النوافذ المغلقة وتسربت بين شقوق الجدران. أصبحت المدينة بلا كهرباء ولا ماء بعد أن أصيب الجميع بالعمى فما عاد أحد يستطيع أن يصلح الأعطال لتعود الكهرباء والمياه للشقق. بعد أن وصلوا لشقة الفتاة ذات النظارة السوداء في الدور الثاني كانت الشقة مغلقة ولا يوجد أحد في المبنى كله سوى عجوز في الطابق السفلي فتحت الباب حين طرقت الفتاة. سألتها عن أبويها فقالت إنه تم أخذهما مع الآخرين, سألتها زوجة الطبيب لماذا لم يأخذوها هي الأخرى وكيف استطاعت الحياة بمفردها؟ أجابت العجوز بأنها اختفت حين جاءوا لأخذ سكان العمارة في شقة الفتاة ذات النظارة السوداء بأن تسلقت سلم الحريق الخلفي وكسرت زجاج النافذة وانسلت للداخل ومن يومها وهي تعيش على الخضروات التي تنمو في الساحة الخلفية للبيت وعلى بعض الدجاج والأرانب التي تربيها هناك. رأت زوجة الطبيب على أرضية الشقة بعض جلود الأرانب وريش الدجاج حين دخلت مع الفتاة لتسلق سلم الحريق لدخول الشقة. حين دخلت شقتها أخذت الفتاة تتحسس الحوائط والأثاث ثم جلست على سريرها وتذكرت كيف كانت تجلس عليه باسترخاء وأخذت تبكي, واستها زوجة الطبيب فما معنى الدموع في عالم أصبح كل ما فيه نقيض العقل, عالم أعمى يموت موتاً بطيئاً. كانت الشقة خاوية من أي شيء يمكن أن يؤكل أو يشرب, حتى الحمام كان في حالة بشعة ولا يمكن استخدامه ثانية حاله مثل حال كل حمامات المبنى. باتوا ليلتهم في الشقة وأعطوا العجوز بعض الطعام مرتين. في اليوم التالي انقض الكلب على دجاجة والتهمها في الساحة الخلفية, رأته زوجة الطبيب فكأنه شعر بالخزي فحفر حفرة ودفن فيها بقايا الدجاجة لئلا تدرك العجوز فقدانها. حين استعدوا للرحيل تركوا مع المرأة العجوز مفتاح الشقة لحين عودة الفتاة مرة أخرى وواصلوا المسير حتى وصلوا لشقة الطبيب فوجدوها مغلقة, أخرج الطبيب المفتاح من جيبه الصغير ومدّ يده به لزوجته لتأخذه وتفتح الباب فأمسكت بيده وقربتها من ثقب المفتاح. كانت الشقة نظيفة من الداخل عكس المدينة بالخارج ولم يكن عليها سوى طبقة من الغبار. أحس الآخرون ذلك من رائحة الشقة النظيفة فخجلوا أن يدخلوها بأحذيتهم وملابسهم القذرة. طلبت منهم زوجة الطبيب أن يخلعوا أحذيتهم ويتركوها خارج الشقة ففعلوا, حين دخلوا ظلوا واقفين مدركين أنهم لو جلسوا سيتركون قذارتهم في المكان, طلبت منهم زوجة الطبيب أن يخلعوا ملابسهم ووضعتها في الشرفة ثم بحثت في الدولاب واستطاعت أن توفر لهم ملابس نظيفة من بين ملابسها وملابس زوجها. كان في الشقة غرفتا نوم خصصتا للطبيب وزوجته وأول رجل يصاب بالعمى وزوجته أما عن الرجل ذي العصابة السوداء والفتاة ذات النظارة السوداء والطفل الأحول الذي لم يعد يسأل عن أمه فقد ناموا فوق ثلاث أرائك كانت في الصالة الكبيرة. حين هبط الظلام على المدينة أعدت لهم زوجة الطبيب عشاءً بسيطاً ولم يحاول الكلب الذي اعتاد على الجوع أن يستدر عطفهم بعد أن التهم دجاجة هذا الصباح. بعد العشاء أعرب الطفل عن عطشه الشديد ولكن لم يكن هناك ماء, فكرت زوجة الطبيب قليلاً ثم ذهبت للحمام ورفعت غطاء خزان المياه المخصص لصرف البراز وملأت كوباً وأعطته للطفل ليشرب. سألها زوجها من أين أتت بالماء فأخبرته, ذكرها بأنه كان هناك بعض زجاجات المياه قبل تركهما الشقة. هتفت فرحاً وطلبت من الطفل ألا يشرب, دخلت المطبخ وأحضرت أفضل ما لديها من أكواب كريستال وضعتها على المائدة وأتت بزجاجات المياه قائلة ً لهم بكل فخر وسعادة والآن ستشربون ماءً طبيعياً! صبت لهم الماء بعناية وكأنها تؤدي طقوساً دينية وأخذوا يشربون الماء ببطءٍ كما طلبت منهم زوجة الطبيب حتى تستفيد المعدة أكبر استفادة ممكنة. كانوا يشربون بمتعة شاعرين بقيمة كوب الماء الذي يشربونه ويتمنون لو عرف العالم قيمة قطرة الماء المهدرة. ناموا ليلتهم وحين بزغ الفجر كانت الأمطار تغمر المدينة بسيولها وتطرق على النوافذ الزجاجية والشرفة كأنها توقظهم. نهضت زوجة الطبيب فأحضرت كل ما في الشقة من أوانٍ وأحواض يمكن ملؤها بالماء, استيقظت زوجة أول رجل يصاب بالعمى والفتاة ذات النظارة السوداء فطلبت منهما المساعدة في غسيل الملابس والأحذية القذرة. خلعن ملابسهن حتى لا تبتل وأخذن يغسلن تحت سيول المطر التي انهمرت بلا توقف. بعد أن انتهين من غسيل الملابس والأحذية هبطن إلى الشارع وأخذن قطعاً من الصابون واستحممن تحت المطر في مرح كأنهن ثلاث صبيات يلعبن. حين صعدن للشقة كان الكهل ذو العصابة السوداء قد استيقظ فطلب أن يستحم هو الآخر ولكن في الحمام, ساعدته زوجة الطبيب على حمل حوض الماء لداخل الحمام وأعطته قطعة صابون جديدة وقالت استخدمها كلها إن أردت فربما يخلو السوبرماركت من الأطعمة لكنه لن يخلو بالتأكيد من مستلزمات التنظيف. لم يكن الماء وافراً في الحوض, اغترف الكهل ذو العصابة السوداء غرفة ً بيديه ورش الماء على صدره فسرت في جسده رعدة برد. تساءل ألم يكن من الأفضل أن يستحم تحت الماء المنهمر بوفرةٍ من السماء كما فعلت السيدات الثلاث؟ حك كل جزء في جسده بقطعة الصابون جيداً, أراد أن يغسل شعره أيضا ففك العصابة السوداء وطرأ على ذهنه أن يغسلها فألقاها في قاع الحوض, بلل شعره وغسله بالصابون جيداً فأصبح رجلاً من الرغاوي الصابونية البيضاء. بينما هو ينظف نفسه سمع باب الحمام يفتح بهدوء ثم شعر بيد امرأة تلامس ظهره ثم جعلت تحكه له. كاد أن يسألها من هي لكنه امتنع وهي لم تعلن عن نفسها, بعد أن فرغت من تنظيفه فتحت باب الحمام وانصرف بهدوء. ترى من كانت؟ أهي زوجة الطبيب أم زوجة أول رجل يصاب بالعمى أم الفتاة ذات النظارة السوداء؟ المنطق يقول بأنها زوجة الطبيب لأنها المبصرة الوحيدة ولكن منذ متى يؤمن بالمنطق؟ بعد أن انتهى من استحمامه ارتدى البيجاما التي أعطته إياها زوجة الطبيب وخرج عليهم نظيفاً معطراً. قالت زوجة الطبيب ها هو أول رجل نظيف بيننا, ثم أكملت وكأنها تذكرت شيئاً ولكن للأسف لم يكن هناك من يحك لك ظهرك! لم يرد ولكن صدق حدسه بأنه لا يجب أن يؤمن بالمنطق. بعد تناولهم إفطاراً مكوناً من بعض البسكويت والمربى التي كانت موجودة في مطبخ زوجة الطبيب حين غادرت شقتها أخبرتهم أنه يتعين عليهم أن يخرجوا للبحث عن طعام جديد فعرض عليها أول رجل يصاب بالعمى وزوجته بالذهاب معها للمرور على شقتهما ومعرفة ما حدث لها. انطلق ثلاثتهم فبدا الشارع لهم أكثر قذارة ً لأنهم أصبحوا أكثر نظافة ً. كان العميان في كل شارع يبحثون عن الطعام وكانت الكلاب تنبش في كل كومة من القاذورات وغالباً ما كانت تجد طعامها مخفياً تحت هذه الأكوام. حين وصلوا لشقة أول رجل يصاب بالعمى كان الباب مغلقاً فطرقه عدة طرقات ففتح الباب رجل كهل سأل عما يريدون فقال أول رجل يصاب بالعمى إنها شقتي, سأله الرجل وما دليلك؟, فقالت زوجة أول رجل يصاب بالعمى إنها تستطيع أن تصف الشقة بالتفصيل. دعاهم الرجل للدخول ومنه عرفوا أنه كاتب وأنه يعيش مع زوجته وابنتيه اللائي خرجن بحثاً عن الطعام, سألوه عن اسمه فقال ليس مهماً اسمي فأنا صوتي. عندما علم بأنهم كانوا في الحجر الصحي سألهم كيف كانت الأمور هناك لأنه يريد أن يكتب كتاباً عن هذه الفترة, دهشوا عندما علموا أنه ما زال يكتب, سألوه كيف؟ فقال بأنه يكتب بالقلم الجاف الذي يترك أثراً على الورقة تمكنه باللمس من أن يعرف أين توقف في الكتابة آخر مرة ثم أراهم عشرين ورقة كتبها سابقاً. أخبرته زوجة الطبيب أن بعض السطور مكتوبة على بعضها, تعجب حين عرف أنها مبصرة وأخذ يسألها كيف استعادت بصرها, أخبرته أنها لم تصب بالعمى فطلب منها أن تحافظ على نفسها. أبدى الكاتب استعداده لإعادة الشقة لصاحبها فقال له أول رجل يصاب بالعمى لا داعي فنحن الآن نعيش مع صديقتنا في شقتها ولكن سنعود من وقت لآخر للاطمئنان على الشقة فرحب الكاتب بهذه الفكرة. بعد يومين طلب الطبيب من زوجته أن تأخذه لزيارة عيادته الطبية لمعرفة ما حدث لها فطلبت الفتاة ذات النظارة السوداء أن تذهب معهما لتفقد شقتها الواقعة بالقرب من عيادة الطبيب. في الطريق كان الطقس معتدلاً فعلق الطبيب قائلاً كيف سنحيا حين تشتد حرارة الجو؟ لابد لنا من نظام يحكمنا فأي مجتمع مثل الجسد الذي يسير وفقاً لنظام دقيق ولكن كيف لمجتمع من العميان بأن ينظم نفسه؟ إننا نموت, كلنا سنموت يوماً ما ولكننا نموت لأننا عميان, العمى هو سبب موتنا. حين وصلوا للعيادة كانت الفوضى تعم أرجاء المكان, الأدراج مفتحة والأوراق مبعثرة, ولكن ظلت الأجهزة بحالة جيدة, أخذ الطبيب يتحسس جهاز الأوبثالموسكوب وقال في هذا المكان كنت أصنع المعجزات ولكن ها أنا الآن قد فقدت قدرتي على صنع أي معجزة. خرجوا من العيادة وواصلوا سيرهم لشقة الفتاة ذات النظارة السوداء وفي الطريق رأوا جماعات من العميان ملتفين حول أفراد كل منهم يلقي خطبة عن انتهاء الحياة على الأرض وقرب مجيء الملاك وتصادم الأفلاك, كان العميان يخطبون كأنهم مبصرون وكان المستمعون ينصتون كأنهم كذلك أيضاً. واصلوا المسير فرأت زوجة الطبيب جثثاً أكثر مما قبل, حين وصلوا لبيت الفتاة كان هناك جثة امرأة التهمت الحيوانات الضالة نصفها راقدة أمام الباب. تبينوا أنها المرأة التي تقطن في الدور الأول وفي كف يدها رأت زوجة الطبيب مفتاحاً التقطته وعرفت أنه مفتاح شقة الفتاة. ربما أحست العجوز بقرب موتها فأرادت أن تغادر شقتها ومعها المفتاح حتى تتركه للفتاة, أو ربما ملت من وحدتها وقررت أن تنهي حياتها. كان لابد من دفنها فسحبوا الجثة المتيبسة إلى شقتها ثم هبطوا بها للساحة الخلفية عبر سلم الحريق. عادت زوجة الطبيب لشقة الفتاة بحثاً عن ملاءة لتلف بها الجثة ثم بحثت عن جاروف حتى وجدت واحداً فجعلت تحفر حتى تصبب العرق منها وآلمها ظهرها. فجأة صاحت لجماعة من العميان ظهروا في شرفة بعد أن استرعى انتباههم صوت الحفر إنها ستنهض ثانية ً! انتابهم الفزع فدخلوا شقتهم. انتهت من حفر الحفرة وبمعاونة زوجها والفتاة ذات النظارة السوداء قامت بدفن المرأة العجوز ثم قطعت غصناً من شجيرة وغرستها عند رأس القبر. سألتها الفتاة ذات النظارة السوداء هل ستنهض ثانية ً؟ أجابتها زوجة الطبيب لا, ولكنّ هناك كثيرين من العميان الأحياء الذين يحتاجون إلى النهوض بأنفسهم ولكنهم لا يفعلون. علق الطبيب قائلاً إننا نصف أموات, فقالت زوجته إننا نصف أحياء أيضاً. أرادت الفتاة ذات النظارة السوداء أن تترك شيئاً لأبويها يذكرهما بها حين يعودان ولم تدرِ ماذا تترك, عادت زوجة الطبيب للشقة وأتت بمقص قصت به خصلة من شعر الفتاة وعقفتها ثم علقتها على أكرة باب الشقة, أكيد أن أبويها سيعرفان أن هذا هو شعر بنتهما. حين عادوا لشقة الطبيب جلسوا في المساء حول لمبة الجاز تقرأ لهم زوجة الطبيب من كتاب, حين انتهت من القراءة قال الكهل ذو العصابة السوداء أرجو أن تظل زوجة الطبيب بصيرة فهي التي تربطنا معاً ولولاها لانفرط عقدنا ولافترقنا, قالت الفتاة ذات النظارة السوداء إنها ستظل تحلم وتأمل أن تعود لأبويها وأن يعود الطفل الأحول لأمه. قال الكهل ذو العصابة السوداء بأنه يخشى أن يأمل في استرداد البصر, سألته الفتاة لماذا؟ فامتنع عن الرد وحين أصرت قال لكي نحيا كما نحن, سألته تقصد جميعاً أم أنت وأنا؟ قال لأن الرجل الذي في داخلي يحب المرأة التي في داخلك وفي سني هذا يكون المرء سخيفاً حين يعلن عن حبه, أنت لست سخيفاً! إن كنت تريد أن تعيش معي فأنا أيضاً أريد أن أعيش معك, أنت لا تحبينني, أنا لم أحب أحداً قط في حياتي ولكني أحبك بالقدر الذي يجعلني أوافق على الحياة معك, ربما يكون لكِ رأي آخر لو تقابلنا في ظروف أخرى فما أنا إلا كهل بعصابة سوداء وشعر أبيض تساقط نصفه, ربما ولكن المرأة التي في داخلي الآن تريدك, سنرى ماذا ستريد المرأة التي في داخلك غداً, أتختبرني؟ لا, ولكنها الحياة هي التي تقرر هذه الأشياء وهي الآن قد اتخذت قراراً واحداً فقط. وضعت زوجة الطبيب عدة وسائد على الأرض بشكل يصلح لأن يكون سريراً وقالت للطفل الأحول من الآن فصاعداً ستنام هنا. لم يعد لدى الكهل ذو العصابة السوداء أدنى شك فيمن حك ظهره حين كان يستحم. في اليوم التالي خرج الطبيب مع زوجته إلى بدروم السوبرماركت بحثاً عن المزيد من الطعام. كانت حالة الشوارع تزداد سوءً يوما بعد يوم, حين وصلا للسوبرماركت كان خالياً من العميان الأمر الذي تعجبت منه زوجة الطبيب, حين اقتربت من سلم البدروم انبعثت رائحة كريهة فطلبت من زوجها الانتظار ريثما تستكشف الأمر. حين نزلت البدروم يتبعها كلبها واصلت سيرها رغم الرائحة العفنة. سمعها زوجها تتقيأ وتكح وسمع الكلب ينبح فهرع لها وكانت رائحة الموت تفوح في المكان, ساعدها زوجها على الخروج للشارع وبعد أن هدأت قليلاً قالت له إن العميان ماتوا في البدروم وتحللت جثثهم, يبدو أنهم علموا أن هناك طعاماً حين شموا رائحة السجق في المرة السابقة وظلوا يبحثون حتى وجدوا البدروم ودهسوا بعضهم بعضاً فتحول البدروم إلى قبر كبير لهم بعد أن أغلق العميان الآخرون الباب عليهم ربما دون قصد. كان هناك كنيسة أمامهم فطلبت زوجة الطبيب الذهاب إليها, عند دخولها كانت مزدحمة عن آخرها بالعميان, لم يكن هناك موضع لقدم فنبح الكلب وتفرق العميان قليلاً مما أتاح للطبيب وزوجته الفرصة للتقدم للأمام. ظنت زوجة الطبيب أنها تتخيل ولكن تأكدت من حقيقة ما ترى حين رأت صورة رجل مصلوب وعلى عينيه عصابة بيضاء وصورة امرأة مغروس في قلبها سبعة سيوف وعلى عينيها عصابة بيضاء أيضاً. أخذت زوجة الطبيب تنظر للرسومات على الحوائط والسقف فرأت كل شخص معصوباً بعصابة بيضاء فأخبرت زوجها بهذا. قال يبدو أن قسيس الكنيسة فعل هذا حين انتشرت العدوى, سمع العميان المجاورون لهما الحديث فانتقل الخبر من واحدٍ لآخر حتى علم به كل من في الكنيسة, ملكهم الفزع فهرعوا يجرون للخارج تاركين خلفهم بعض الأطعمة التي أخذها الطبيب وزوجته وعادا لشقتهما. بعد أن تناولا هذا الطعام القليل اقترحت عليهم زوجة الطبيب أن يذهبوا للريف فهناك الطعام أوفر وأفيد للصحة ويمكن أن يحلبوا البقر والماعز. كان الليل قد أسدل ستاره حين بدأت زوجة الطبيب تقرأ لهم على ضوء لمبة الجاز, نام من نام وهو جالس في مكانه إلا أول رجل يصاب بالعمى الذي ظل مستيقظاً يفكر في أمر الذهاب إلى الريف وكيف سيترك شقته. بدأ جفناه ينزلان على عينيه بثقل فاكتست الدنيا بالسواد في عينيه, ظن بأنه ينام ولكن لا, إنه ليس بنائم, ها هو مستيقظ يستمع لقراءة زوجة الطبيب وها هما عيناه مفتوحتان, فما باله يرى اللون الأسود بدلاً من الأبيض؟! سرت في جسده رعدة فسألته زوجته عما به, أنا أعمى! نعم يا عزيزي كلنا عميان! لا, أنا أرى اللون الأسود بدلاً من الأبيض, بعد قليل صاح الرجل بفرح أنا أرى! لقد استعدت بصري! جرى الرجل واحتضن زوجته التي أخذت تبكي فرحاً ثم جرى ليحضن زوجة الطبيب التي عرفها رغم أنه لم يرها من قبل. سأله الطبيب هل ترى كما كنت من قبل أن تصاب بالعمى أم أن هناك أثراً للون الأبيض؟ أنا أرى جيداً كما كنت من قبل بل وربما أفضل, إذن هي مسألة وقت قبل أن نستعيد جميعاً بصرنا وما علينا سوى الانتظار. انخرطت زوجة الطبيب في البكاء كما لو أن كل مقاومتها العقلية طيلة هذه الفترة السابقة قد انهارت فجأة فبكت بكاء طفل وليد يرى الحياة لأول مرة, أخذ الكلب يلعق دموعها فاحتضنته باكية. ظلت الفتاة ذات النظارة السوداء مستيقظة بعينين مفتوحتين كأن بصرها سيدخل لهما من الخارج لا سينبع من الداخل وفجأة قالت أظن أنني أرى, قامت واحتضنت زوجة الطبيب وأخذتا تبكيان والكلب لاعق الدموع لا يدري أي دموع يلعقها أولاً. كان الشخص الثاني الذي احتضنته هو الكهل ذو العصابة السوداء وكانت هذه أول مرة تراه, ها هو بعصابة سوداء على عينه وقد ابيض شعره الذي سقط نصفه. ترى هل تستمر معه بعد أن تغيرت الظروف؟ إن التجاعيد هي التجاعيد والصلع هو الصلع أما الانسجام الزائف والمشاعر المثالية فلا مكان لها الآن. انظري لي, هذا هو الرجل الذي قلت إنك ستعيشين معه! أدري أنك الرجل الذي أعيش معه, قالتها واحتضنته. في الصباح استعاد الطبيب بصره وبعد قليل صاح رجل في الشارع أنا أرى! كان إفطار هذا الصباح وليمة ليس لكثرته بل لسعادتهم البالغة. قالت الفتاة ذات النظارة السوداء أريد أن أعود لشقتي وأترك ورقة على الباب لأبويّ أكتب فيها أني أسكن هنا, عرض الرجل ذو العصابة السوداء أن يذهب معها, قال الرجل الذي كان أول من يصاب بالعمى لزوجته يجب أن نعود لشقتنا ربما يكون الكاتب قد استعاد بصره ويريد العودة لشقته. بعد قليل كان الطبيب يجلس مع زوجته بعد أن انصرف الجميع سوى من الطفل الأحول الذي كان نائماً في الركن يحلم بأنه يحادث أمه قائلاً هل ترينني؟ قال الطبيب سيستعيد بصره حين يستيقظ وهذا حال الآخرين, ولكنّ الرجل ذا العصابة السوداء قد يتعرض لصدمة لأن عينه المصابة ربما ازدادت سوءً بعد توقف العلاج, سألته زوجته هل سيصاب بالعمى؟ لا, فحين تعود الحياة لطبيعتها سأعود للعمل ثانيةً. لماذا أصبنا بالعمى؟ لا أدري, ربما نعرف يوماً ما. قالت زوجته لا أعتقد أننا أصبنا بالعمى, أعتقد أننا عميان, عميان ولكننا نرى, عميان يستطيعون الرؤية لكنهم لا يريدون. قامت زوجة الطبيب واتجهت للنافذة تنظر للمدينة فرأت الناس يصيحون ويغنون مبتهجين فرفعت بصرها للسماء فرأت كل شيء أبيض اللون! إنه دوري! الخوف جعلها تخفض من بصرها بسرعة فرأت المدينة ما زالت هناك! تم حذف ما لا يلائم النشر على صفحات المنتدى الإدارة تم تعديل 16 يناير 2007 بواسطة صبح فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان