اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

مقالات فى المسرح


محمود الشاعر

Recommended Posts

ما هو المسرح

هل هو ذلك الفراغ المعتم الذي يضيئه ويشعله النص المسرحي ام انه روح وكيان لا تحده حدود

لن تستطيع ان تصل الى تعريف محدد للمسرح تعريف بالمعني الاكاديمي

اقتباس (سؤال يبدو سخيفا للمسرحيين وللمثقفين!! ولكن الاجابة عليه جد عسيرة، اذ تستغرق مجلدات، لان المسألة لا يكفي فيها مجرد التعريف، ولكن الدور والوظيفة بل الحاجة الى لون من ألوان النشاط البشري يفرضه احسان البشر لحياتهم واضفاء قيمة متجددة على تلك الحياة الكشف عن ابعادها وغوامضها تلوينها بألوان متنوعة تدعو الى رؤيتها من خلال عدد من المناظير لتوكيد ثوابتها واسقاط سفاسفها ابراز ادوار بارزة لمن يضيف اليها عنصراً او بعداً يسهم في رقيها والتمسك بما انجزه الاولون خدمة للبشرية، وكيفية انجازهم لتلك القيم وطبيعة فكرهم وقيمة مجهودهم وسائلهم الاسس الفكرية والفلسفية التي استندوا اليها ووصلوا اليها مشاعرهم وعلاقاتهم ودوافعهم.

اذاً فالمسرح لون من الوان النشاط الفكري والبشري المخصوص بالتعبير عن مشاعر الانسان ودوافعه وعلاقاته وتاريخه وقيمه ونوازعه وايرادات افراده بوصفهم ذوات خاصة او لكل منهم خصوصيته المتفاعلة فكراً ومشاعر وقيماً مع غيرها في حيز زماني ومكاني وفي حالة من التغير والنمو تعبيراً حاضراً في الرسالة والتلقي وفي الارسال والاستقبال عن طريق نص مترجم او مقتبس او مؤلف ومجسد تجسيداً مترجماً بالصورة الصوتية وبالصورة الحركية البشرية بمساعدة وسائل الية وتقنية او مجسداً تجسيداً مفسراً بالصورتين السابقتين بقصد اضافة رؤية المبدع والثاني «المحرج» الى الابداع الاول «النص» تلك التي سوف يعقبها ابداع ثالث «للممثل» بمساعدة ابداعات المصممين وتقنيات الحرفيين.

على هذا فان المسرح نشاط ابداعي فكري حرفي جماعي من جهة ارساله وهو يحتاج في الوقت نفسه الى نشاط جماعي بشري متلق له. فالمسرح ابداع تعبيري معروض في حالة من الاداء الحاضر على متلقين حاضرين جسداً وذهناً ومشاعر.

د. أبو الحسن سلام

وليس من العدل ان اقول ان بداية المسرح كانت على ايدي الرومان او الاغريق من قبلهم ولكن هذا الشكل المتعارف عليه الان والذي اسميناه مسرح اعتداد المؤرخين ان ينسبوه اليهم

(اقتباس )

نشأة المسرح وتطور الفن المسرحي

عند ذكر كلمة "مسرح" نفكر في نوع خاص من الترفيه، أو في مبنى معين مُعد ومجهز لتقديم هذا النوع من الترفيه. ويأمل البعض في قضاء وقت ممتع مع الضحك، أو قصة شيقة للهروب من مشقة اليوم. والمسرح، مثله مثل كافة الفنون، ترجع نشأته إلى السحر، أي إلى محاولة التأثير على الطبيعة بقوة إرادة الإنسان، وإحالة الأفكار إلى أشياء.

وفي الأزمنة الأولى من المسرح كان كل فرد ممثلاً، ولا تفرقة بين الممثل وبقية القبيلة، والدنيا هي المسرح. وكانت منصة التمثيل مكاناً مقدساً، وكان الحاضرون نوعين: مؤدين ومريدين. وبعد ذلك كانت المنصة هي المسرح، ولا يفصل بين الممثلين والنظارة سوى خليج مجازي معنوي، يصبح أخيراً خليجاً مادياً محسوساً. وأخيراً أصبح يفصل بين الممثل ومشاهديه آلاف الأميال.

وبين بداية المسرح وما انتهى إليه شبه غريب، من حيث إن مكان التمثيل هو الدنيا. وتطورت الدراما تطوراً جبرياً في عدة مراحل، ويمكن أن يطلق عليها التاريخ الطبيعي للدراما، وهذه المراحل هي: الدراما بوصفها سحراً، والدراما بوصفها ديناً، والدراما بوصفها زخرفة، والدراما بوصفها أدباً، والدراما بوصفها علماً.

وفنون المسرح فنون متكاملة، وبالأحرى فنون يكمل بعضها بعضاً، وليس منها فن يمكن أن يقوم بنفسه، بحيث لا تربطه ببقية الفنون المسرحية الأخرى رابطة أو وشيجة، ومن ثم لا بد لمن يدرس أحد هذه الفنون، أن يلم إلماماً كافياً ببقية الفنون المسرحية الأخرى. فالممثل يجب أن يتعرف بعمق على تاريخ المسرح، منذ أن نشأ قبل العصور التاريخية حتى اليوم. وتاريخ المسرح يشمل نشأة التمثيل، منذ أن كان رقصاً بدائياً، وإنشاداً دينياً، ثم تطوره بعد ذلك مع تطور الأغنية الإنشادية الراقصة، ومصاحبة الموسيقى ودق الطبول لها، حتى ظهرت المسرحية، التي حوّلت نواة هذه الأغنية، التي كان البدائيون يتعبدون بها، لخالق الكون المحيط بكل شيء.

وإذا كان الممثل في حاجة إلى تلك المعرفة ببدايات فكرة المسرح ليجيد تمثيله، فالمخرج أشد حاجة منه؛ لأنه المهندس المسرحي الأكبر، الذي يرسم كل شيء، ويضع لكل حركة تقديرها.

إن الثقافة المسرحية الواسعة، تؤدي إلى فن مسرحي عظيم. وقد كان أعظم الكتاب المسرحيين في تاريخ المسرح، هم أولئك الكتاب الذين شبوا في كنف المسرح، وتربوا في أحضانه، ونهلوا من موارده مباشرة. كان أولئك يكتبون وفي بالهم ظروف مسارحهم وإمكاناتها وفي حسبانهم كل صغيرة وكبيرة، مما يمكن تنفيذه لما يدور في أذهانهم، وتخطه أقلامهم.

ما سبق يسّر مهمة المخرج، والممثل، ومصمم الديكور، ومهندس الإضاءة، بل يسّر مهمة عمال الأثاث، ومغيرو المناظر.

إن المسرحية أو الدراما، من الرقص البدائي إلى التمثيلية الحديثة، ومن الطقوس الدينية إلى التمثيل الدنيوي، ومن المأساة اليونانية إلى "الصور المتحركة"، كل ذلك في مظاهره المربكة المحيرة يسجل تعريفاً عن "المسرح" وعن "المسرحية" أو "الدراما". لذلك لا يمكن الاهتداء إلى تعريف محدد للمسرح الذي هو ملتقى كل الفنون.

وقد ألف المؤلفون وترجم المترجمون كتباً كثيرة في كل موضوعات المسرح على حده "الإخراج والتمثيل، والإضاءة، والديكور، الخ"، ومن ثم كانت كتباً لا ينتفع بها إلا المتخصص في أي فرع منها، وحتى هذا المتخصص لا يكاد ينتفع بما يجده في كتابه هذا، إلا إذا أقام الصلة بين الفرع الذي يدرسه من فروع الفن المسرحي وسائر هذه الفروع.

يأتي الرقص في المرتبة الأولى مباشرة بعد ما تؤديه الشعوب البدائية من الأعمال التي تضمن لها حاجاتها الضرورية المادية من طعام ومسكن.

والرقص أقدم الوسائل التي كان الناس يعبرون بها عن انفعالاتهم، ومن ثم كان الخطوة الأولى نحو الفنون، بل إن الإنسان المتحضر في الزمن الحديث بالرغم من النواهي والمحظورات التي يتلقنها، وروح التحفظ التي يشب عليها، يعبر عن انفعالاته المفرحة بطريقة غريزية، والإنسان البدائي، بالرغم من فقر وسائله التعبيرية، وقلة محصوله من أوليات الكلمات المنطوقة، كانت وسيلته الشائعة في التعبير عن أعمق مشاعره هي الحركة الرتيبة الموزونة. وإذا كان القمر والشمس يطلعان ويغربان في نظام ثابت، وكانت ضربات قلبه ضربات إيقاعية، فقد كان طبيعياً لهذا السبب أن يبتكر الحركة الإيقاعية يعكس بها ما يخامره من فرح وبهجة.

وكان هذا الإنسان البدائي يرقص بدافع المسرة، ولكون الرقص طقساً دينياً فهو يتحدث إلى آلهته بلغة الرقص، ويصلي لهم ويشكرهم، ويثني عليهم بحركاته الراقصة، وإذ لم تكن هذه الحركات شيئاً مسرحياً مؤثراً أو تمثيلياً، إلا أن حركته المرسومة ذات الخطة كانت تنطوي على نواة المسرحية أو بذرة المسرح.

والدراما التي من هذا القبيل، وهي الفن الذي يكون فيه الفعل مادة محورية أصيلة، لم تنشأ من الرقص البدائي فحسب بل حين يجري التزاوج فيما بعد بينها وبين الشعر.

وإذا كانت رقصات الطقوس الدينية، ورقصات الزواج هي جذور التراجيديا أو الميلودراما الحديثة، فلا يمكن على وجه التحديد معرفة أي نوع من الرقص المضحك كانت قبائل ما قبل التاريخ تمارسه.

ولا يعرف أحد متى كتبت أول مسرحية تحديداً، وإن كان التاريخ يرجع بتاريخ المسرح إلى عام أربعة آلاف قبل الميلاد، ولا شك أن المسرح يعود إلى أبعد من ذلك، ولكن البداية الحقيقية التي تعنينا وتحدد نشأة المسرح تحديداً نسبياً هي بداية المسرح في بلاد اليونان خلال القرن الخامس قبل الميلاد. وأول تاريخ مهم يصادفنا هو عام 535 قبل الميلاد، ففي ذلك العام فاز "تيسبس" الذي يُعدّ بحق أول ممثل في أول مسابقة تراجيدية. غير أن أهمية هذا الخبر تتضاءل إلى جانب حقيقة كبرى ثابتة على وجه اليقين هي أن مدينة أثينا، تلك المدينة اليونانية، قدمت للعالم فجأة وخلال قرن واحد فيما بين القرن الخامس والرابع قبل الميلاد أربعة من أكبر كتاب المسرح، إن لم يكونوا هم آباء المسرح الحقيقيين الذين لا آباء قبلهم وهم: "أسخيلوس Aeschylus" و"سوفوكليس" و"يوربيدس Euripides" و"أريستوفنس Aristophanes".

وإذا وقفنا على النواة الأولى لبدء فكرة المسرحية أو الدراما وهو الرقص، فإن التأريخ لم يجلب الكثير عن المسارح ذاتها، حيث لا نستطيع الاستنتاج إلا شيئاً قليلاً، حيث كانت تقام الاحتفالات في الطرقات وفي الدروب، حيث يلتف العامة حول مقدمي تلك العروض الراقصة. وهؤلاء العامة من يمكن أن نطلق عليهم الجوقة، والراقصين من يمكن أن نطلق عليهم الممثلين. على أن ثمة عادة من عادات الرقص الظاهرية انتشرت انتشاراً ملحوظاً وهي عادة استعمال الأقنعة، إننا لا نجد في المتاحف الاثنوجرافية<A href="http://www.yabeyrouth.com/pages/index3389.htm#_ftn1#_ftn1">[1] Anthological شيئاً هو أكثر استرعاء للأنظار من الأقنعة ذات الألوان الصارخة التي كانت تستعمل في الطقوس الدينية.

أما عن القصة المسرحية فقد ذكر "روبرت أدموند" المؤرخ المسرحي وصفاً تخيلياً لمثل هذه النشأة التلقائية للقصة المسرحية، حين قرر أن رقصة القنص القائمة على حادثة قصصية حقيقية، أو مأثرة من المآثر الباهرة قد نشأت من إعادة سرد قصة هذه الحادثة حول نار المعسكر. ولو تصورنا ما كان يجري في العصر الحجري، عصر الكهوف والماموث، وتصوير المظلمات المائية فوق جدران الكهوف، وقد أمسى الليل، وجلس زعماء القبيلة معاً، وقد قتلوا أسداً، وها هو زعيم القبيلة يثب واقفاً ويقول: "لقد قتلت الأسد، أنا الذي قتلته، قصصتُ أثره فهجم عليّ فقذفته بحربتي فخر صريعاً"، ثم يبدأ في تمثيل المعركة إيقاعياً وسط أصوات الطبول، وتمثيله لخوفه من الأسد وهو يهاجمه، ثم ترديده لعبارات الشجاعة حين قتل الأسد. في هذه اللحظة تولد المسرحية بكل عناصرها المعروفة الآن، وإن كانت بغير تقنية على الإطلاق، وإن لم ننكر لعباس ابن فرناس فضل خياله المحلق في الطيران، فلا ننكر على الإنسان البدائي أنه الأب الأول للمسرح.

ولا بد من القول بأن تلك الشعوب البدائية لم توف حقها في الدراسة، إما لندرة المعلومات، وإما لتواضع الأداء المسرحي قياساً على ما تلا هؤلاء مباشرة.

نشأت الدراما "المسرحية" من الاحتفالات والأعياد الديونيزية، ومن الطقوس والرقصات والأناشيد التي كانت تُنشد، ومن المواكب التي كانت تقام تكريماً لديونيز. وعبده شعب اليونان على أنه إله لهم فقط من دون الناس، وكانوا يكرمونه في مهرجانات مفعمة بالبهجة وألوان من الشعائر الدينية المعربدة.

ثم نسج حماة الدين أسطورة من أساطيرهم يعلنون بها مجيء ديونيز. وكان المكان المكرس لحفلات البسط هذه يسمى "مسرحا"،ً وأصبح بعض المحتفين بالآلهة يسمون "كهنة"، ثم أصبحوا يعرفون فيما بعد "بالممثلين". وأصبح غيرهم ممن يتولون قيادة الإنشاد، والذين يمكنهم نظم أناشيد جديدة يسمون "الشعراء"، ثم اتسعت اختصاصات الشعراء حتى أطلق عليهم آخر الأمر اسم "الكتاب المسرحيين". كما أطلق اسم "الجمهور" أو "النظارة" على غير هؤلاء وهؤلاء ممن لا يطلبون شيئاً غير المشاركة في تمجيد ديونيز تمجيداً عاطفياً في حفلات تكريمه والثناء عليه.

واتخذت الدراما لنفسها عنصراً جديداً مولداً عن الحركة الراقصة. أما أين يقترب الرقص من المسرحية، ففي الميدان الذي اقترب فيه أحد الأشخاص البدائيين ورقص رقصاً معبراً فيه عن انتصاره في معركة، مبيناً كيف تلصص حتى رأى عدوه، ثم كيف اصطدم به وحاربه يداً بيد، ثم كيف كان يتفاداه، ثم كيف قتله وفصل رأسه عن جسمه، كان رقصه ذلك شديد القرب من المسرحية الصحيحة. أما الرقصات الغرامية الصامتة فتتفاوت بين المشاهد الثنائية الرائعة وبين الاستعراضات التي قد تبدو من الاستعراضات غير المحتشمة.

وقد مارست جميع القبائل البدائية رقصات الحرب ممارسة فعلية، كما مارست رقصات الحب، فضلاً عن الرقصات الدينية التي كانت تسود المجتمع الإغريقي وقتئذ.

أما المسارح فتكاد تكون أمراً مجهولاً يصعب استنتاج آثاره إلا شيئاً قليلاً. والنصوص القديمة كافةً، وخلاصة مسرحيات الآلام، والرقصات البدائية، كل ذلك يؤكد حقيقة مؤداها أن أول مسرح كامل، وأول مسرحية قديمة باقية تقترن بمسرح مبني، وبطريقة في العرض، هو المسرح اليوناني (اُنظر صورة المسرح اليوناني)، و(شكل المسرح اليوناني)، والمسرحية اليونانية وطريقة العرض اليونانية.

1. المسرح عند الإغريق

كان "جو" 525 - 456 ق م، أول كتاب المسرح العظام من المبرزين في معركتي "ماراثون Marathon و"سلاميس Salamis"، فلم يكن الرجل منشغلا بتوافه الأمور، ولا راغباً في توفير التسلية للجمهور بل كان لديه من الأفكار والتجارب ما يريد إشاعته وإشراك الناس فيه، فكانت مسرحياته بعيدة المدى، عظيمة التأثير. والظن أنه كتب تسعين مسرحية لم يبق لنا منها غير سبع وهي: الضارعات، والفرس، وبروميثيوس،و سبعة ضد طيبة، ومصافدا، وأورستايا. والأورستايا هي فى الواقع ثلاث مسرحيات: أجاممنون، وحاملات القرابين، وربات الإحسان المنعمات.

أما "سوفوكليس" 496 - 406 ق م، فكانت حياته أقل إثارة من حياة "أسخيلوس"، إلا أنه كان أعظم منه كاتباً مسرحياً، وكاد يبلغ في حياته الخاصة وفي أعماله مرتبة الكمال، حيث ظلت مهارته الحرفية معياراً للكتاب المسرحيين ومثلاً أعلى لهم طوال خمسة وعشرين قرناً تقريباً، حيث اتسمت أعماله بالعمق في التفكير والثراء في التعبير والحنكة في صناعة التوتر المسرحي وإثارة التهكم الدرامي. وكذلك بقيت لنا من أعماله سبع مسرحيات وهي: أوديب ملكاً، وإلكترا، وأوديب في كولون، وأجاكس، وأنتيجون، والتراقيات، وفيلوكيتيس.

ويرى الكثيرون أن أوديب ملكاً هي أكمل مسرحية كتبت على إطلاق المسرح منذ نشأته حتى الآن، وقد عدها أرسطو Aristotle نموذجاً لكثير مما تعرض له في كتابه النقدي "فن الشعر"، وقد امتدحها، خاصة حبكتها المشتبكة، وأحداثها المنسوجة بترابط، ووضوح الدوافع.

أما آخر كُتّاب التراجيديا الكبار هو "يوربيدس 484 - 406 ق م"، ويكفي للإشارة إلى بعض الفروق الأساسية بينه وبين "أسخيلوس" و"سوفوكليس" بعض الأقوال الشائعة بشأنه مثل، "كتب أسخيلوس عن الآلهة، وكتب سوفوكليس عن الأبطال، أما يوربيدس فيكتب عن البشر".

ولا أدل على العلاقة بين الكاتب المسرحي وبيئته من الإشارة إلى أسخيلوس ويوربيدس، فقد ولد الأول في أسرة غنية وثرية لها قدر ومكانة، وعاش أيام معركة ماراثون، وقتها كانت أثينا شابة مليئة بالأمل. أما يوربيدس فقد كانت حياته نقيضاً تماماً لما عاشه أسخيلوس، وعكست مسرحياته بوضوح الظروف التي أحاطت به. وقد وصلنا من مسرحه ثماني عشرة مسرحة أشهرها: "إلكترا"، "ميديا"، "النساء الطرواديات"، "هيبوليتس"، "أفيجينيا في أوليس".

والسمات الرئيسة للتراجيديا اليونانية هي مجموعة من الخصائص الآتية:

أ. ليس من اللازم أن تنتهي التراجيديا اليونانية دائماً بموت الشخصية الرئيسة أو الممثل الأول، أما الموضوع فهو، كما أشار أرسطو دائماً، موضوع جدي له قدر وحجم.

ب. تستغرق الواحدة من التراجيديات اليونانية ما يزيد قليلاً على الساعة، فالأورستايا بمسرحياتها الثلاث تستغرق تقريباً الوقت نفسه الذي يستغرقه تمثيل مسرحيتي شكسبير: "هاملت" و"الملك لير". وقد تلقي هذه الحقيقة بعض الضوء على مشكلة الوحدات الكلاسيكية الثلاث التي طالما كانت موضوعا للمناقشة. فوحدة الزمن تستلزم أن تقع الأحداث في يوم واحد، ووحدة المكان تستلزم أن تنحصر الأحداث في مكان واحد، ووحدة الفعل تستلزم ألا يكون في المسرحية غير حبكة مسرحية واحدة.

ج. يتضح مباشرة، لمن يقرأ التراجيديات اليونانية، أن الجوقة تؤدي فيها دوراً كبيراً، وهي تنفرد بالكثير من أجود الشعر في التراجيديات اليونانية، بل سمح لها بالاشتراك في الفعل الدرامي، وتحمل مسؤولية التعبير عن الكثير من الأفكار والآراء.

د. قصد الأغريق بالتارجيديا أن تؤدي لهم دوراً خاصاً، هو تحقيق تطهير الروح عن طريق الشفقة والخوف، ولا يستطيع أحد أن يجزم بأنه يفهم معنى هذا الكلام تماماً.

أعلى الصفحة

الكوميديا الإغريقية

أما الكوميديا الإغريقية فقد كانت لها وظيفتها الخاصة، حيث ارتبطت في أصلها بطقوس الخصب والتناسل البدائية، وهو ما يفسر لنا الكثير مما نجده فيها الآن ونعده خروجاً عن حدود الأدب والذوق، ولكن وظيفة الكوميديا قد تبدلت حين وصلت إلى أيدي أريستوفنس، فجعل منها سوطاً قوياً لمهاجمة الحماقات الاجتماعية والسياسية، و أصبحت لا تختلف كثيراً عن العروض الفكاهية الساخرة المعاصرة.

وإن لم يكن أريستوفنس 450 - 388 ق م، الكوميدي الوحيد في عصره إلا أنه كان، باتفاق الجميع، أعظمهم، وهو كذلك الوحيد الذي بقيت لنا من أعماله عدة مسرحيات في نصها الكامل، وكان يمتاز ببراعة مدهشة، وقدرة فائقة على الفكاهة والسخرية. إنه رجل لا يتردد في أن يسخر من كل شخص، ويتهكم على كل شيء. ومن عجب أن يكون ذلك الرجل محافظاً يجاهد في سبيل عودة الأيام القديمة، وعدواً لكل ما هو تقدمي أو جديد. واستمدت معظم مسرحياته مثل "الضفادع" و"الدبابير" و"السحب" أسماءها مما تمثله الجوقات فيها، وكان لها دور كبير فيما تقدمه المسرحيات من بهجة ومرح.

وقد سبق الزي المسرحي، في أثناء نمو الدراما، الديكور المسرحي، بل سبق كل مقر ثابت مخصص للتمثيل. وقد بقيت مثل هذه الأماكن الثابتة المخصصة للتمثيل، لأمد طويل، عائقاً أكثر منها معيناً لحل مشكلة الفن المسرحي كما عرفته الدراما الإغريقية. فبناء مثل مسرح ديونيز كان مصدر بلبلة للفكر المعاصر، إذ إن أطلاله الباقية لا تدل على مبنى يرجع إلى العصر الهليني فحسب، بل إلى العصر الروماني. والمتفق عليه نشأة كل من الملهاة والمأساة في المحافل القروية وفي المواكب الممجدة لديونيز الذي عُدّ في زمنه الإله الملهم وموفر الخصب.

إن أولى حفلات المآسي والملاهي قد مثلت في الأوركسترا Orchestra، وهي قطعة أرض ممهدة مستديرة الشكل، بميدان السوق، ومن ثم انتقلت بصفة دائمة إلى حيث حدود معبد ديونيز اليوثيروس، داخل الحرم المقدس، على المنحدر الجنوبي للأكروبول، على أنه لم تكن الأرض مسطحة، فكان لا بد من إقامة حائط ساند عند أحد الجوانب، وكان النظارة يتجمعون على سفح التل، وينظرون عبر الأوركسترا، فيرون فوق حافة الحائط الساند قمة معبد ديونيز.

لم تتضمن نظم البناء حتى القرن الخامس قبل الميلاد سوى الأوركسترا والمعبد، أي أن أولى مسرحيات أسخيلوس قد قدمت على هذه الصورة المبسطة، أما ما كان يلزمها من إكسسوار، كالهياكل والمقابر، فكان يعد عند حافة المسطح، حسب مقتضيات كل مسرحية.

ومن المفروض أن ممراً منحدراً، أو بالأحرى خندقاً، قد وفر طريقاً لظهور الجوقة والممثل الأول على مرأى من النظارة. وقد تسبب عدم الاستقرار في مفهوم الاصطلاحات المسرحية اليونانية في كثير من البلبلة لأذهان المعاصرين. كانت الأوركسترا مكاناً مسطحاً، مستديراً في الأصل، تؤدي فيه الجوقة تشكيلاتها، وكان المسرح مكان جلوس النظارة، وكانت الخيمة، حيث يرتدي الممثلون ملابسهم ومنها يظهرون كلما حل دور أحدهم، خليطاً يجمع بين كواليس المسرح الحديث وحجرات الممثلين، أي أنها لم تكن منصة التمثيل حسب المدلول الحديث.

أما ما يطلق عليه حالياً منصة التمثيل، أي خشبة المسرح، فكان اليونانيون يسمونها "بروسكنيون Proskenion".

حوالي عام 465 ق م أقيمت أول منصة خشبية صغيرة في استطاعة النظارة أن يروها، وبعد أربعين عاما، أقيم أساس حجري متين لمبني منصة حجرية ذات جبهة طويلة وجناحين متفرعين.

ولم تشيد في أثينا منصة حجرية كاملة قبل العصر الهليني. وأما آثار المنصة المحكمة المتقدمة جداً، التي ما زالت باقية، فيرجع تاريخها إلى ما لا يقل عن عهد نيرون. وينتهي الكثير من العلماء إلى أن جدار الحرم الذي كان يقوم مقام مؤخرة "للمنظر المسرحي"، إن جاز التعبير، يرجع إلى عهود لاحقة في تاريخ المسرح، قد استعمل مبكراً، منذ مطلع القرن الخامس، مؤخرة لمنصة خشبية، ثم في نهاية القرن، مؤخرة لمنصة حجرية.

ومن غير المستبعد أن المنصة الخشبية كانت تتخذ أولاً فأول، ما يتفق من الأشكال ومختلف مقتضيات المسرحية، بل قد مرت المنصة الحجرية نفسها بأطوار مختلفة. وفي متحف اللوفر Louvre بباريس آنية أولت على أنها توفر أصدق صورة لأول منصة حجرية في أثينا.

كانت الأشباح المقدسة تستحضر من خلال نفق مصبه المنصة، ولمثل هذا الممر اكتشفت آثار بمسرح إريتريا، عرفت باسم "السلم الشاروني"، وفي الأغلب أنه استعمل مبكراً منذ عهد أسخيلوس الذي عمرت تمثيلياته بالأطياف. كذلك ليس من شك في أن المسرح الإغريقي عرف الدور الأعلى، حيث قام بوظيفته المسرحية نفسها عند شكسبير، وهي إلقاء الخطب من شرفة، أو من أعلى جدار، أو من برج مراقبة.

فيما بين عهدي أسخيلوس ويوربيدس كان المسرح الإغريقي قد وفق إلى شتى اصطلاحاته، سواء الخاصة بالجدار الخلفي نفسه أو بمختلف ملحقاته الثانوية، وبدا الطريق ممهداً أمام تطور بلغ ذروته في الأزمنة الرومانية حيث المسارح المحكمة والإخراج المتقدم.

ولا يرجع إلى أسخيلوس فضل التقدم الأول الحقيقي من حيث المناظر المسرحية وآليتها فحسب، بل هو أول من أدخل على المسرح الزي المعين لكل ممثل أيضاً، أو بالأحرى هو الذي قد قرر في وضوح ما كان مستعملاً من قبل زياً في عبادات ديونيز، فالقناع أو الثوب ذو الكمين أو الحذاء العالي مستعار من ديانة ديونيز وشعائره.

وقد تأثر الزي في المسرح الإغريقي، في طابعه الديني وطابعه غير المألوف. والمسرح، عبر تاريخه، كان مجذوباً نحو الزي الغريب، الذي يساعد بحكم طبيعته الخاصة على نقل المتفرج من عالمه إلى عالم أخر مثالي. وثمة تفسير آخر هو أن الزي الذي يغطي جسم الممثل من أخمص القدمين إلى الرأس، حتى لا يعرفه أحد، كان يجبر الممثل على أن يتخلى عن شخصيته، في سبيل تمثيله خصائص حياة أرقى.

http://www.yabeyrouth.com/pages/index3389.htm

وان كنت أميل انا كمحمود الشاعر ان اقول ان لكل مجتمع مسرحه الخاص واسلوبه الخاص فى الحكي

مثل ما نجده فى الحكواتي المصري القديم ومغني الربابة انه اسلوب مسرحي خالص يكون فيه المؤلف او الشاعر هو المخرج والممثل والموسيقى كذلك فان الفراعنة نجد عندهم فى الاحتفالات الدينية و النقوش ما يشبه المسرح والعرب القدماء بمعلقاتهم وسوق عكاظ ماهو الا مسرح مختلف لكن التعريف والشكل الاغريقى ساد العالم كله وهناك محاولات من مخرجين مصريين لأعادة الحكاواتي والحكي المصري الى المسرح المصري

هذه كانت البداية للدخول الى عالم المسرح ذلك العالم الفريد الساحر وحين اتكلم عن المسرح لا اتكلم عن الكباريه المقام حاليا على خشبات تشبه المسرح

وللحديث بقية

البحر موعدنا ...........وشاطئنا العواصف جازف فقد بعد القريب ومات من ترجوه واشتد المخالف لن يرحم الموج الجبان ولن ينال الأمن خائف القلب تسكنه المواويل الحزينة ......... والمدائن للصيارف خلت الاماكن للقطيعة من تعادي أو تخالف جازف ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي ولا أن يصلح الاشياء تالف هذا طريق البحر ................لا يفضي لغير البحر والمجهول قد يخفى لعارف جازف فان سدت جميع طرائق الدنيا امامك فاقتحمها ولا تقف كي لا تموت وانت واقف

محمد ابراهيم ابو سنة

رابط هذا التعليق
شارك

أولا أشكرك من كل قلبي وربنا يخليك لينا يا عم محمود.............

ثانيا البداية أفضل مما كان في خيالي............

أنا بحب الكلاكيع دي قوي...........

عايز الموضوع من أوله يعني...............

إستمر من فضلك حتى ولو كنت أنا المشجع الوحيد أرجوك..........

بس أنا متأكد إن هيبقالك مشجعين كتير...........

إحنا ما دمنا عايزين نرفع الذوق العام..........

يبقى لازم نؤهله............

وده دورك في المجال ده...........

وشكرا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا جدا ...........

تعبت من كلمة جدا..........مش قادر أكمل باقي الصفحة

105724557.jpg

ألام على هواك وليس عدلا ................ إذا أحببت مثلك أن ألاما

رابط هذا التعليق
شارك

المسرح واجهة الحياة تسرد لنا بداياته سيدى الكريم بشكل اكاديمى مركز وجميل امتعتنى وذكرتنى بدراستى القديمة ارجوك اسمح لى ولن اضيف بل سابسط فقط فى مداخلة صغيرة فى الموضوع ما سردته سيدى ببساطة لمن يفضلون هذا هو تأريخ لتحول المسرحيات او العمل المسرحى ككل من طقس دينى الى اداء لنص مكتوب وكما هو معروف كان الاداء المسرحى يتم على ساحة كما نرى على سبيل المثال لا الحصر او التحديد كساحة المسرح الرومانى بالاسكندرية وهناك ينقسم الامر الى اصوات بلا ملامح حيث يرتدى كافة اعضاء الفريق اقنعة وعفوا لا يرتدونها لكنها تخفى معالم وجوههم وتستقيم امامهم على عصا خشبية او معدنية ويرتدى كل منهم زى شخصيته الخاصة ويتك وضعهم بنظام ثابت فلم يكن هناك فى بداية الامر ما يطلق عليه ميزانسين (خريطة حركة الممثل على خشبة المسرح لانه ببساطة لم يكن هناك خشبة مسرح بل ساحة متدرجة الارتفاع وفى البداية كانت سلمية الشكل من ثلاث طبقات والكورس او الجوقة يقفون تقريبا وسط المشاهدين الذين يجلسون بدورهم على مقاعد حجرية بنفس مستوى الساحة التى يقف عليها الجوقة

النصوص الادبية كانت تدور كلها فى فلك الاساطير القديمة والمرتبطة بالالهة الاغريقة والرومانية بشكل خاص فهذه قصة اغواء هذا لذاك او صراعهم على مقاليد الامور ولم يكن هناك تسجيل دقيق فى بداية الامر فالنص اسطورة ما والسرد والحكى سبق التسجيل والكل يحفظ اساطيره لانها كل ما يملك من تأريخ لذاته وبعد فترة تحول الطقس المسرحى لامتاع بعد ادخال النصوص الاكثر اثارة وتلوين الاقنعة وتطور فن الغناء والجوقة وتطور الاداء الرياضى فى الالعاب الرومانية الشهيرة (الاوليمبياد) وسمحوا للصغار بالمشاهدة ولبعض النساء من علية القوم بالمشاهدة ايضا وقدمت اعمال سوفوكليس وهوميروس بشكل رائع وجعلت رموزا لنشأة الفن المسرحى فيم بعد وسجلت جدران معابدهم مجالس صاخبة للاداء المسرحى كامتاع فى بداياته المبكرة

انتظر الاجزاء القادمة بمنتهى الشغف شكرا لجهدك ووقتك وثمار مجهودك الرائعين

دمت بكل الخير

عندما تشرق عيناك بإبتسامة سعادة

يسكننى الفرح

فمنك صباحاتى

يا ارق اطلالة لفجرى الجديد

MADAMAMA

يكفينى من حبك انه......يملأ دنياى ....ويكفينى

يا لحظا من عمرى الآنى.....والآت بعمرك يطوينى

يكفينى .....انك........................تكفينى

رابط هذا التعليق
شارك

محمود اية الموضوع الجميل دة

وبما انى درست مسرح سنتين كتاريخ وديكور وملابس واعلان مسرحى احب اضيف شوية حاجات

المسرح عالم متكامل تدخلة فى وقت محدد ولا تكون خارج الاحداث كاسنيما ولكن تكون داخل الحدث نتيجة لقربك من خشبة المسرح

وصحيح كما سبق وقلت ان المسرح كان فى بدايتة عبارة عن طقوس فى الاماكن المقدسة وعبارة عن قصص دينية تضع الخير والشر بشكل واضح مباشر

الا انة كان يعتمد فى التمثيل على الرجال فقط وكان تعمل شخصيات ذات تعبير فى الوجه كان تعتمد على الماسك الذى يعطى تعبير محدد بالحزن او الفرح او الغضب او الشر او الطيبة حتى الرقص كان مرتبط بالمعابد ومن خادمات المعبد

ومن هنا خرج شعار المسرح المتعارف علية حاليا

كما ان المسرح الان انواع مختلفة من المسرح الكوميدى الذى ليس لة وجود بعد مسرحيات محمد صبحى وقبلة فؤاد المهندس

والمسرح الترجيدى كما ظهرة المنوا درامة وهى تحمل فلسفة عالية ورمزية لصغر العرض

عموما المسرح عالم جميل وان لم يكن يقترب منها الا نوعية خاصة من الناس

وشكرا على موضوعك الجميل

رابط هذا التعليق
شارك

ماشي حلو قوي كلمتين التشجيع دول طب ما تسعدوني ربنا يكرمكم ارسين ورطني فمش عارف اعمل ايه قلت نبدأها من الاول كتاريخ يعني وبعد كدة نمسك حاجة حاجة ونتكلم عليها يعني فى مخيلتي بعد رحلة تاريخية نجيب اهم رواد المسرح العالمي ثم العربي ثم دور وعناصر كل مكونات المسرح المرئي لأن المسرح فى يقسم الى مسرح مرئي يعني مسرحية نتفرج عليها ودي ليها خصائص مميزة ومسرح مقروء ودي عالم تاني ممتع فى حد ذاته لأنك بتكون انت المخرج

على العموم نكمل المشوار التاريخي

طبعا المقال ده اللي مكتوب منقول

المسرحية

نشأتها وتاريخها وأصولها

تأليف

عمر الدسوقي

أستا الأدب، ورئيس قسم الدراسات الأدبية

بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة

وكما أن المسرح ابتدأ عند اليونان من اصل ديني فكذلك ابتدأ لدى الانجليز.

ولما كانت جمهرة الشعب حينذاك أمية لا تقرأ، فكر رجال الكنيسة في تقريب قصص التوراة لأذهانهم بوضعها في صور تمثيلية، وهنا يبتدأ ما يسمى في تاريخ الأدب (بتمثيل المعجزات) (مثل قتل هابيل ومولد المسيح وصلبه، وإقدام إبراهيم على ذبح والده وطوفان نوح ويوم الحساب وأنباء القديسيين المسيحيين..الخ) وكان ذلك في نهاية القرن الثاني عشر وأوائل الثالث عشر.

ثم أدخل على موضوع هذه المسرحيات الدينية شيء من الأخلاق كالعدل والسلام والصدق والكذب، وأخيراً استقلت المسرحية (الخلقية) عن مسرحية المعجزة حينما استطاع الناس أن يقرءوا التوراة بأنفسهم، ولم يعودوا في حاجة إلى تمثيل قصصها لهم.

وكانت المسرحية الخلقية درساً في الأخلاق يعطى على أيدي ممثلين قولا وعملا، وهؤلاء يمثلون أشياء معنوية كالخطيئة والعدل والصدق والكذب والذكاء والغباوة.

واستمرت المسرحية الخلقية حتى أوائل القرن السابع عشر، ثم أخذ الناس يملون النصائح والمواعظ الخلقية، ويطلبون معالجة مشكلات الحياة ورؤية شخصيات مألوفة. وقد نشأ في القرن السادس عشر نوع جديد من المسرحيات، كان يمثل في حفلات الطبقات العليا ومآدبها ليملئوا به الفراغ بين مرحلتين من مراحل الحفل لتسلية الحاضرين وإدخال المسرة على قلوبهم وكان يسمى (رواية الفترة). وهي مسرحية قصيرة مليئة بأسباب المرح.

وأنشى أول مسرح حقيقي مستقل بذاته عام 1576 على مقربة من لندن، ونهض المسرح الإنجليزي بعد ذلك نهضته العظيمة على يد شكسبير ( 1564 – 1616 م ).

2- في الأدب العربي:

أشار هيرودوت المؤرخ الإغريقي إلى قيام كهنة مصر الفرعونية بطقوس دينية في شبه عرض تمثيلي يستمد قصصه من بحث إيزيس عن أوزوريس، بيد أنه لم يذكر لنا أدلة أو يسوق شاهداً أو نصاً، وظل أمر المسرح الفرعوني غامضاً حتى أتى الكشف الحديث الذي قام به (كونتز) في سنة 1932، و (كورت) عام 1938، وسليم حسن سنة 1937، فبين لنا أن ثمة نصوصاً تمثيلية قديمة بعضها يقع في اربعين مشهداً كتلك التي اكتشفها كورت. وتدور حوادثها حول إيزيس وأوزوريس وابنهما حورس وعدوهم ست إله الظلام، وقد ظلت تمثل إلى زمن هيرودوت أي إلى القرن الخامس قبل الميلاد ولم تكن قصة ساذجة بل كانت كبيرة المغزى، وكنا رجال الدين يقومون بالتمثيل.

(هي نفس الأسطورة التي نسج حولها توفيق الحكيم مسرحيته إيزيسوس وسأقوم بعرضها إن شاء الله ..)

وقد ذكر هيردوت أن الإغريق قد أخذوا فن المسرحية عن الفراعنة وإن لم يتطور عندهم ويخرج عن النطاق الديني. وهناك سمات متشابهة بينهما فأوزوريس الإله المصري القديم ودنيسوس يرمز كل منهما إلى الخصب والنماء.

لم يقف المسرح المصري القديم على عتبة المعبد بل خرج إلى الشعب، وكان يقوم بالتمثيل فرق متجولة ويدخله بعض الرقص والغناء ثم قضى على هذا المسرح المصري وانمحت معالمه في مصر اليونانية والرومانية، ولا سيما بعد ظهور المسيحية لاتصاله الوثيق بالوثنية.

ولما دخل العرب مصر، واعتنق أهلها الإسلام، وتعلموا العربية، صار الأدب العربي أدباً لهم، وإذا بحثنا في الأدب العربي وجدنا كثيراً من أصول الأدب المسرحي، بيد أنها لم تتم وتتطور كما تمت عند الأمم الأخرى.

وقد كان الشيعة يمثلون مقتل الحسين في قصة تبتدئ بخروجه من المدينة إلى أن قتل في كربلاء، وكانت القصة تمثل في ساحة واسعة ضربت فيها الخيام واتشحت بالسواد، ويقوم شيخ يثير شجون الناس بذكر ما لاقاه الحسين وآله في نغم حزين يهيج العواطف ويستدر الدموع، ويطوف على الناس بقطعة من القطن يلتقط فيها دموعهم ثم يقطرها في زجاجة تحفظ للاستشفاء، وينتهي التمثيل بحرق أعشاش في جوانب الساحة التي مثلت فيها القصة، وهذه الأعشاش ترمز إلى كربلاء، ويظهر قبر الحسين عليه السلام مجللا بالسواد.

ثم نجد نوعاً آخر من الظواهر التمثيلية في ورايات خيال الظل أيام الأيوبيين والمماليك، وكانت هذه الروايات أول الأمر ملهاة الطبقة العليا من الشعب وأقدم ما وصل إلينا من النصوص التي ورد فيها ذكر خيال الظل ما ذكره المرادي في سلك الدرر للسيد أحمد البيوتي من رجال القرن السادس الهجري:

أرى هذا الوجود خيال ظل *** محركه هو الرب الغفور

فصندوق اليمين بطون حوا *** وصندوق الشمال هو التبور

ومن أشهر من ألف روايات لخيال الظل وابتدع فيه نمطاً جديداً هو ابن دانيال الكحال المتوفى في سنة 710 هـ ، وله رواية اسمها (طيف الخيال) .

وكان من اليسير أن يتطور هذا الفن وينمو، ويخرج من خيال الظل إلى المسرح ومن الحوار إلى الحركة لو أن العصر كان عصر قوة ونهضة، ولكن مصر كانت تنحدر كل يوم في مهواة الجهل والفاقة على أيدي المماليك والأتراك إلى أن نزلت في قاع الهاوية.

ومهما يكن من أمر فإن المسرحية الحديثة كما عرفتها أوربا لم تدخل مصر إلا بعد عصر النهضة وبعد اتصالها بالأدب الغربي.

3- في الأدب المصري الحديث:

لم تبدا العناية بالمسرح إلا في عصر إسماعيل، وكان مغرماً بتقليد الحياة الأوربية، ولا بدع فقد تربى في فرنسا صغيراً فكان كل همه أن يحاكي الحياة الأوربية، ويود لنفسه ورجال حاشيته والطبقة الحاكمة وسائل اللهو والمتعة، ومن أهم ما عنى به المسرح، فافتتح مسرح الكوميدي، عام 1969 لأول عهدد بالحكم حين احتفل بافتتاح قناة السويس، ثم أنشأ مسرح (الأوبرا) في العام نفسه ومثل فيهما جماعة من الممثلين والممثلات الذي أحضرهم من أوربا ، وأول مسرحية مثلت في الأوبرا هي (ريجوليتو) ثم كلف اسماعيل مريت باشا بوضع أوبرا مصرية يستقى حوادثها من التاريخ المصري القديم. فأشرك مريت معه اغيسلانسوني الإيطالي في تأليف (عائدة) ولحن موسيقاها (فردى).

وأول من أدخل الفن المسرحي في البلاد العربية هو مارون نقاش اللبناني الذي اقتبسه من إيطاليا حين سافر إليها في سنة 1846 ، وابتدأ تمثيله باللغة العربية الدارجة، وكانت أولى المسرحيات التي قدمها لجمهوره العربي في بيروت هي رواية "البخيل" المعربة عن موليير وذلك في اواخر سنة 1847 ثم قدم روايته الثانية (أبو الحسن المغفل او هارون الرشيد) في سنة 1849 .

أما في مصر فأول مسرح عربي أنشيء بها هو ذلك الذي قام به يعقوب بن صنوع. بالقاهرة في يوليو سنة 1876 وقد اقتبسه كذلك من إيطاليا التي درس بها ثلاث سنوات. وكان يجيد عدة لغات مكنته من أن يدرس هذا الفن دراسة متقنة، وقد مثل في خلال سنتين عاشهما مسرحه اثنتين وثلاثين مسرحية ما بين مقتبس من الأدب الغربي صبغه صبغة محلية، وما بين موضوع يعالج مشكلات اجتماعية.

وقد شجعه إسماعيل وأثابه على جده في وضع المسرحيات وإخراجها وتمثيلها، وحضر بعض مسرحياته ولقبه بموليير مصر.

وكانت فيه جرأة، ورغبة جامحة للإصلاح، فانتقد بعض الأمراء وسخر منهم ومن الأداة الحكومية؛ وندد بظلم إسماعيل وتعسف الحكام في عهده وبخاصة في مسرحية الوطن والحرية مما أثار عليه حفيظة الطبقة الحاكمة وعلى رأسها إسماعيل فأمر بإغلاق مسرحه.

ثم وفد إلى مصر من لبنان سليم النقاش في أواخر سنة 1876 ، تصحبه فرقة تمثيل، ومسرحيات عمه مارون نقاش: "البخيل" و "ابو الحسن المغفل" و "السليط الحسود" وترجم "اوبرا عايدة" إلى اللغة العربية محافظا على طابعها الغنائي، واقتبس من الفرنسية هوراس لكورني وميتردات لراسين.

وقد شجعه اسماعيل على تكوين فرقته والقيام بالتمثيل وابتدأ عمله في الاسكندرية وهناك دعا إلى صديقه أديب اسحق ليشد أزره، وكان أديب قد ترجم من قبل مسرحية "أندروماك" لراسين، فلما قدم الاسكندرية قدماه لمسرح نقاش، ثم ترجم مسرحية "شارلمان" وقد أعجب بها المصريون كثيرا ثم اشترك مع سليم النقاش في تأليف المسرحيات وتمثيلها بيد أنهما وجدا بعد فترة أن عملهما هذا لا يعود عليهما بربح، وأنهما لم يصادفا من النجاح ما يبشر بمستقبل باسم، فانصرفا إلى الصحافة سوياً، واتصلا بالسيد جمال الدين الأفغاني، تاركين فرقتهما إلى يوسف خياط الذي عمل معه الشيخ سلامة حجازي في مستهل حياته التمثيلية، كما عمل مع سليمان القرداحي الذي استقل بفرقته عن يوسف خياط.

ومن الذين عنوا بالمسرح والترجمة له محمد عثمان جلال وكان ينقل من الفرنسية ويضفي على مسرحياته روحاً مصرية خالصة. وكان بحق يسمى أبا المسرحيات الوطنية في العصر الحديث.

ومن أوائل المسرحيات التي كتبت شعراً مسرحية (المروءة والوفاء) لخليل اليازجي سنة 1786 وقد مثلت على مسرح بيروت عام 1888 . ثم انتقل المسرح المصري إلى طور جديد بقدوم أحمد أبو خليل القباني وفرقته المسرحية من دمشق إلى مصر في يونية سنة 1884 ، لأن المسرح ظل إلى أن جاء القباني معتمداً في الغالب على المسرحيات الأجنبية المعربة سواء مصرت أو لم تمصر، فلما جاء القباني اتجه نحو التاريخ العربي والاسلامي فوضع مسرحيات: عنترة والأمير محمود نجل شاه العجم، وناكر الجميل، وهارون الرشيد ، وأنس الجليس، ونفح الربى، والشيخ وضاح، وغيرها، وقد امتاز أسلوبه في تلك المسرحيات بأنه كان أرقى لغة وأقرب إلى العربية الفصحى، وقد استعمل السجع والشعر معاً، على أن مسرحياته كانت أوهى حبكة وأضعف سياقا من المسرحيات المعربة.

وعلى هذا النمط ألفت عدة مسرحيات في تلك الحقبة، وفي هذه الفترة حاول أحمد شوقي وهو بعد طالب في باريس كتابة المسرحيات مثل مسرحية علي بك الكبير ولكنه لم يظهرها للجمهور في ذلك الوقت، وربما كان من أسباب هذا أنه لم يكن راضياً عنها كل الرضا، أو أن الجمهور لم يكن مستعدا في رأيه لتلقي مثل هذه الرواية تلقيا حسنا، وهي تختلف عن مسرحية علي بك الكبير كما ظهرت فيما بعد بعض الاختلاف.

البحر موعدنا ...........وشاطئنا العواصف جازف فقد بعد القريب ومات من ترجوه واشتد المخالف لن يرحم الموج الجبان ولن ينال الأمن خائف القلب تسكنه المواويل الحزينة ......... والمدائن للصيارف خلت الاماكن للقطيعة من تعادي أو تخالف جازف ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي ولا أن يصلح الاشياء تالف هذا طريق البحر ................لا يفضي لغير البحر والمجهول قد يخفى لعارف جازف فان سدت جميع طرائق الدنيا امامك فاقتحمها ولا تقف كي لا تموت وانت واقف

محمد ابراهيم ابو سنة

رابط هذا التعليق
شارك

استاذ محمود...نانسي...بنت مصريه

اشكركم على مجهوداتكم الرائعة وأخص الاستاذ محمود الشاعر بجزيل اشكر لعظيم مجهوداته لسرده تاريخ فن من اهم الفنون في التاريخ

هنا بس انا عندي نقطه عاوز اوضحها...

انا في رأي المتواضع ...مازلت غير مقتنع بان المسرح ابو الفنون....ومازلت مؤمن بان الرسم هو ابو الفنون وانه هو الذي ألهم الانسان ...بل وهو السبب في تناقل التاريخ للاحداث وبسببه استطاع ان يوثق تاريخ الفنون والعلوم على حد ساء... وايضا هو السبب في تطور العالم ثقافيا وتكنلوجيا

الموضوع ده خانقني بجد ونفسي اقع على سبب تسمية المسرح بابو الفنون على الرغم من الدلائل والاثباتات العلميه والفنية التي تدين للرسم بتطور اللغه والفن بكل اقسامه!!!

معلش انا خرجت من الموضوع شوية....بس انا قلت اطرح تساؤلي على الكوكبه العظيمه من هؤلاء الفنانين في هذا التجمع الجميل...بنت مصرية (بكالريوس فنون جميله - قسم جرافيك).....نانسي (بكالريوس فنون جميله ديكور)....محمود الشاعر (شاعر وفنان وبكالريوس العلم الغزير (والمحبه كمان) :huh:

يارب الرحمه..!!

رابط هذا التعليق
شارك

حبيبي يا نسر

كل صاحب مهنة بيقول ان مهنة اعظم شيئ فى الدنيا

اما مقولة ان المسرح ابوا الفنون فده لأن المسرح فى العهود القديمة اتاح الفرصة لتطور الموسيقى فاصبحت تجد لها مواضيع مختلفة نمت عليها واستقت منها لتصبح كما نعرفها الان كذلك لحاجة المسرح لديكور فتطورت الصفات الجمالية للرسم وفن النحت لتصبح مدارس كثيرة

فأنت لأنك تعشق الرسم تقول ان الرسم هو ابو الفنون لكن الرسم لا يستطيع بمفرده تطوير الموسيقى او اداء الممثل او تطور حبكة القصة

وانا اقول ان الشعر هو ابو الفنون كلها ودي وجهة نظري

ولكن يبقى ان المسرح قد قاد حركة التطوير والنهوض بالفنون الاخرى وكلامي ليس على ما يقدم الان على مسارحنا لأنها حسب التقسيم النظري للمسرح ليست مسرح اساسا لكن كلامي على المسرحيات العظيمة مثل روائع شكسبير و بودلير واليوت و توفيق الحكيم

وللحديث بقية

البحر موعدنا ...........وشاطئنا العواصف جازف فقد بعد القريب ومات من ترجوه واشتد المخالف لن يرحم الموج الجبان ولن ينال الأمن خائف القلب تسكنه المواويل الحزينة ......... والمدائن للصيارف خلت الاماكن للقطيعة من تعادي أو تخالف جازف ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي ولا أن يصلح الاشياء تالف هذا طريق البحر ................لا يفضي لغير البحر والمجهول قد يخفى لعارف جازف فان سدت جميع طرائق الدنيا امامك فاقتحمها ولا تقف كي لا تموت وانت واقف

محمد ابراهيم ابو سنة

رابط هذا التعليق
شارك

عمرو المسرح بيجمع كذا فن فى فن واحد

فن القصة والسيناريوا ودراسة الملابس والاكسسوار والموبيليا حسب نوع العرض والتاليف الموسيقى والاعلان والاخراج والتمثيل

واحيانا فى عروض مسرحية يتم عمل رسوم تعبيرية عن العرض على فوندى لتكملة الفكرة الفنية

والى جانب رسم الفوندى المسرحى بخلفيات ولوحات تحمل تخيل لاماكن داخلية او حدائق خارجية

رابط هذا التعليق
شارك

محمود يا استاذنا

ربنا يوفقك ويعينك يارب انت تصديت لموضوع طويل وصعب اكتف انت بسرد التأريخ الادبى واتمنى ان توافقنى نانسى لمتابعة الحديث عن تطور شكل الخشبة وفن الديكور المسرحى وانا قد استطيع المساهمة بالقليل فى تحليل نصوص شكسبير وغيرها من النصوص التلى قد يتطلبها عرض تاريخ المسرح

وفقك الله هذا الموضوع حقا دسم

لى اقتراح ثان

اعمل بشكل متواز حتى تتجنب ملل القراء فمع تاريخ المسرح فى موضوع مواز اعرض لمسرحية مثلت جزءا من تاريخ مسرحنا المصرى من اعمال سعد الين وهبه او الريحانى او غيرهم وليكن الموضوع حاملا لاسم المسرحية وموضحا لحقبتها التاريخية ونقديا مبسطا حول النص والاداء والتميز هذا مجرد اقتراح واتمنى ان تفكر بالامر

شكرا لتعبك وجهدك المتميزين بارك الله فيك

عندما تشرق عيناك بإبتسامة سعادة

يسكننى الفرح

فمنك صباحاتى

يا ارق اطلالة لفجرى الجديد

MADAMAMA

يكفينى من حبك انه......يملأ دنياى ....ويكفينى

يا لحظا من عمرى الآنى.....والآت بعمرك يطوينى

يكفينى .....انك........................تكفينى

رابط هذا التعليق
شارك

حاضر يا ستي الكل بس فعلا انا حاسس اني متورط فلازم تساعديني انت ونانسي بجد

من رواد المسرح المصري

توفيق الحكيم

إنه الرائد الأكبر للمسرح الـحديث ، والكاتب الفنان العظيم الذي حاول أن ينقض مقولة كبرت بريفر القائلة: " إلى يومنا هذا لا توجد دراما عربية، بل توجد فقط دراما باللغة العربية. لأن جميع المسرحيات التي ظهرت في لغة محمد ليست إلا ترجمات، وعلى أحسن الفروض تقليدات تحاكي الأعمال الأوروبية ". إنه توفيق الحكيم الذي غذى الفن الدرامي و جعله فرعا هاما من فروع الأدب العربي ؛ وخير دليل على ذلك أعماله المسرحية التي تربو على الخمسين باختلاف أنواعها وشخصياتها ، لذا كان جديرا أن يطلق عليه اسم ( والد المسرح العربي ).([1])

أمـا عن السيرة الذاتيـة للحكيـم فنعرف أنه ولـد فـي مدينـة الإسكندريـة عـام 1898 مـن والـد مصـري فـي قريـة (الدلنجـات ) إحـدى قـرى مركـز ( ايتاي البـارود ) بمحافظـة البحـيرة.([2])

لكنَ هناك من يـؤرخ تاريخاً آخر لولادة توفيـق الحكيـم ـ رغم تأييد الحكيـم نفسه لهذا التاريخ ـ وذلك حسبما أورده الدكتور إسماعيـل أدهـم والدكتور إبراهيـم ناجي فـي دراستهمـ‏ا عـن الحكيـم حيث أرَخا تاريخ مولده عام 1903 بضاحية ( الرمل ) فـي مدينة الإسكندرية. لكنَ أرجح الآراء تأكد على أنّ تاريخ مولده كان عام 1898.([3])

اشتغل والد الحكيم بالسلك القضائي، وكان يعد من أثرياء الفلاحين، وكانت أمه سيدة متفاخرة لأنها من أصل تركي لذا كانت صارمة الطباع، تعتز بعنصرها التركي أمام زوجها المصري، وتشعر بكبرياء لا حد له أمام الفلاحين من أهله وذويه.

وكثير ما أقامت هذه الأم الحوائل بين الطفل توفيق وأهله من الفلاحين، فكانت تعزله عنهم وعن أترابه من الأطفال وتمنعهم من الوصول إليه، ولعل ذلك ما جعله يستدير إلى عالمه العقلي الداخلي، وبدأت تختلج في نفسه أنواع من الأحاسيس والمشاعر نتيجة لهذه العزلة التي فرضتها والدته عليه، فنشأت في نفسه بذور العزلة منذ صغره ، وقد مكّنه ذلك من أن يبلغ نضجاً ذهنياً مبكراً.

وقضى الطفل مرحلته الابتدائية بمحافظة البحيرة، ثم انتقل إلى القاهرة ليواصل دراسته الثانوية. وكان لتوفيق عَمّان بالقاهرة، يعمل أكبرهما معلماً بإحدى المدارس الابتدائية، بينما الأصغر طالباً بكلية الهندسة، وتقيم معهما أخت لهما. ورأى الوالد حفاظاً على ابنه أن يجعله يقيم مع عمّيه وعمتـه. لعل هؤلاء الأقارب يهيئون له المنـاخ المناسب للدراسة والتفرغ للدروس وتحصـيل العلم والتفرغ له.([4])

وفي أواخر دراسته الثانية من تعليمه الثانوي عرف الحكيم معنى الحب فكان له أكبر الأثر في حياته. وقصة هذا الحب أنه أحب فتاة من سنه كانت ابنة أحد الجيران، الذي اتصلت أسباب الصلة بين عائلتها وبين عمة توفيق، ونتيجة لزيارة هذه الفتاة لمنزل عمته فقد تعلق الحكيم بها إلى درجة كبيرة، إلا أنه للأسف فإن نهاية هذا الحب هو الفشل، حيث أن هذه الفتاة ساءت علاقتها بعمة توفيق أولاً، كما أنها أحبت شخصاً آخر غير توفيق. وكانت لهذه الصدمة وقعها في نفس الحكيم، الذي خرج بصورة غير طيبة عن المرأة من خلال هذه التجربة الفاشلة.([5])

وقد عاصر هذه العلاقة العاطفية بين الحكيم وفتاته اهتمامه بالموسيقى والعزف على آلة العود، وعنيّ بالتمثيل وراح يتردد على الفرق المختلفة التي كانت تقيم الحفلات التمثيلية في المسارح، ومن أهمها: ( فرقة عكاشة ) التي قدّم لها الحكيم العديد من أعماله.

وفي هذه المرحلة انفجرت ثورة 1919. وكان لها الأثر الكبير في نفوس الشباب لأنها تعادي الإنجليز الذين يستغلون بلادهم، وكانت بزعامة سعد زغلول، لذا اشترك فيها الكثير من الشبان آنذاك. ورغم أنها فشلت وتم القبض على سعد زغلول وعلى الحكيم ـ الذي هو أيضاً اشترك فيها ـ وغيرهم، إلا أنها كانت ينبوعاً لأعمال الكثير من الأدباء والفنانين، لأنها أشعـلت الروح القومية في قلوبهم فأسـرعوا يقدمون إنتاجهم الذي يفيـض بالوطنيـة، فكانت أولى أعمال الحكـيم " الضيف الثقيل ". وبعد انقضاء فترة السجن في المعتقل درس الحكيم القانون بناءً على رغبة والده الذي كان يهدف من تعليم ابنه أن يحصل على الدكتوراه في القانون.([6])

ونتيجة لاتصال الحكـيم بالمسرح العربي فقد كتب عدة مسرحيات كانت مواضيعها شرقية ويدل على ذلك عناوينها: " المرأة الجديدة " و " العريس " و " خاتم سليمان " و " علي بابا ".([7])

بعد ذلك عزم الحكـيم على السفر إلى فرنسا لدراسة الحقوق، فأرسله والده إلى فرنسا ليبتعد عن المسـرح والتمثيل ويتفرغ لدراسة القانـون هناك. وكان سفره إلى باريس عام 1925. وفي باريس تطلـع الحكـيم إلى آفاقٍ جديدة وحياةٍ أخرى تختلف عن حياة الشـرق فنهل من المسرح بالقدر الذي يروي ظمأه وشوقه إليه.([8])

وفي باريس عاصر الحكيم مرحلتين انتقاليتين هامتين في تاريخ المسرح هناك، وكان ذلك كالتالي:

1) المرحلة الأولى: وعاصر الحكيم فيها مرحلة المسرح بعد الحرب العالمية الأولى. عندما كانت ( المسارح الشعبية ) في الأحياء السكنية، أو (مسارح البوليفار) تقدم مسرحيات هنري باتاي، وهنري برنشتن، وشارل ميريه، ومسرحيات جورج فيدو الهزلية. وكانت هذه المسرحيات هي المصدر الذي يلجأ إليه الناقلون في مصر عن المسرح الغربي.

2) المرحلة الثانية: وتتمثل في الحركة الثقافية الجديدة التي ظهرت شيئاً فشيئاً في فرنسا. وتعتمد على مسرحيات ابسن وبراندللو وبرنارد شو وأندريه جيد وكوكتو وغيرهم .([9])

وكان هناك أيضاً مسرح الطليعة في مسارح ( ألفييه كولومبييه، والايفر، والاتلييه ). فاطّلع الحكيم على هذه المسارح واستفاد منها لمعرفة النصوص المعروضة وأساليب الإخراج فيها. وحاول الحكيم خلال إقامته في فرنسا التعرف على جميع المدارس الأدبية في باريس ومنها اللامعقول، إذ يقول الحكـيم عن ذلك: " إن اللامعقول والخوارق جزء لا يتجزأ من الحيـاة في الشرق ".([10])

وخلال إقامة الحكيم في فرنسا لمدة ثلاث سنوات استطاع أن يطلع على فنون الأدب هناك، وخاصة المسرح الذي كان شغله الشاغل، فكان نهار أيامه يقضيه في الإطلاع والقراءة والدراسة، وفي الليالي كان يتردد على المسارح والمحافل الموسيقية قاضياً فيها وقته بين الاستفادة والتسلية.

وفي فرنسا عرف الحكيم أن أوروبا بأكملها أسست مسرحها على أصول المسرح الإغريقي. فقام بدراسة المسرح اليوناني القديم وقام بقراءة المسرحيات اليونانية تراجيدية كانت أو كوميدية التي قام بكتابتها الشعراء المسرحيون اليونانييون. كما اطلع على الأساطير والملاحم اليونانية العظيمة.

وإضافة على اطلاعه على المسرح الأوروبي انصرف الحكيم إلى دراسة القصة الأوروبية ومضامينها الوطنية مما حدا به إلى كتابة قصة كفاح الشعب المصري في سبيل الحصول على حريته، فكتب قصة " عودة الروح " بالفرنسية، ثم حولها فيما بعد إلى العربية ونشرها عام 1933 في جزأين.

وفي عام 1928 عاد الحكـيم إلى مصر، وعيّن وكيلاً للنيابة عام 1930، وفي عام 1934 نقل مفتشاً للتحقيقات بوزارة المعارف، ثم نقل مديراً لإدارة الموسيقى والمسرح بالوزارة عام 1937، ثم مديراً للدعاية والإرشاد بوزارة الشؤون الاجتماعية. وخلال هذه الفترة لم يتوقف الحكيم عن الكتابة في مجالات المسرح والقصة والمقال الأدبي والاجتماعي والسياسي، إلى أن استقال من عمله الحكومي في عام 1944 وذلك ليتفرغ لكتاباته الأدبية والمسرحية.([11])

وفي نفس العام انضم إلى هيئة تحرير جريدة أخبار اليوم، وفي عام 1954 عيّن مديراً لدار الكتب المصرية، كما انتخب في نفس العام عضواً عاملاً بمجمع اللغة العربية. وفي عام 1956 عيّن عضواً متفرغاً بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بدرجة وكيل وزارة. وفي عام 1959 عيّن مندوباً لمصر بمنظمة اليونيسكو بباريس، وبعد عودته عمل مستشاراً بجريدة الأهرام ثم عضواً بمجلس إدارتها في عام 1971، كما ترأس المركز المصري للهيئة الدولية للمسرح عام 1962 وحتى وفاته.([12])

وفاز توفيق الحكيم بالجوائز والشهادات التقديرية التالية:

1) قلادة الجمهورية عام 1957.

2) جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1960، ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى.

3) قلادة النيل عام 1975.

4) الدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام 1975.

كما أطلق اسمه على فرقة ( مسرح الحكيم ) في عام 1964 حتى عام 1972، وعلى مسرح محمد فريد اعتباراً من عام 1987.

وخلال حياة الحكيم في مصر ظهرت لنا كتاباته أدبية كانت أو مسرحية أو مقالات أو غيرها. وترك لنا الحكيم الكثير من الآثار الأدبية المتنوعة في أساليب كتاباتها، كما ترك لنا ذلك الرصيد الهائل من المسرحيات التي تنوعت بين ذهنية واجتماعية وأخرى تميل إلى طابع اللامعقول.

وفي يوليو من عام 1987 غربت شمس من شموس الأدب العربي الحديث ورمز من رموز النهضة الفكرية العربية، شمس سيبقى بريقها حاضراً في العقلية العربية جيلاً وراء جيل من خلال ذلك الإرث الأدبي والمسرحي الذي أضافته للمكتبة العربية. فقد رحل نائب الأرياف توفيق الحكيم عن عمر يزيد على الثمانين، بعد حياة حافلة بالعطاء عمادها الفكر وفلسفتها العقل وقوامها الذهن.

مسرح توفيق الحكيـم

بالنسبة للمسرح فقد كانت أول أعمال الحكيم المسرحية هي التي تحمل عنوان " الضيف الثقيل ". ويقول عنها في كتابه سجن العمر ما يلي:

" … كانـت أول تمثيليـة لي في الحجـم الكامل هي تـلك التي سميتها " الضيف الثقيل " … أظن أنها كتبت في أواخر سنة 1919. لست أذكر على وجه التحقيق … كل ما أذكر عنها ـ وقد فقدت منذ وقت طويل ـ هو أنها كانت من وحي الاحتلال البريطاني. وأنها كانت ترمز إلي إقامة ذلك الضيف الثقيل في بلادنا بدون دعوة منا " .([13])

وبالنسبة للمسرح عند الحكيم فقد قسم الحكيم أعماله المسرحية إلي ثلاثة أنماط رئيسية:

أولاً: المسرح الذهني ( مسرح الأفكار والعقل )

كتب الحكيم الكثير من المسرحيات الذهنية من أشهرها:

1) مسرحية " أهل الكهف ". ونشرت عام 1933.

تعتبر هذه المسرحية الذهنية من أشهر مسرحيات الحكيم على الإطلاق. وقد لاقت نجاحاً كبيراً وطبعت هذه المسرحية مرتين في عامها الأول كما ترجمت إلى الفرنسية والإيطالية والإنجليزية وهذا أكبر دليل على شهرتها.([14])

والجدير بالذكر أن المسرح القومي قد افتتح بها نشاطه المسرحي؛ فكانت أول الـعروض المسرحية المعروضة فيه هي: " أهل الكهف " وكان ذلك عام 1935 وكان مخرجها الفنان الكبير زكي طليمات. ولكن للأسف كان الفشل حليفها، واصطدم الجميع بذلك حتى الأستاذ توفيق الحـكيم نفسه الذي عزا السبب في ذلك إلى أنها كتبت فكرياً ومخاطبة للذهن ولا يصلح أن تعرض عملياً.([15])

إن محور هذه المسرحية يدور حول صراع الإنسان مع الزمن. وهذا الصراع بين الإنسان والزمن يتمثل في ثلاثة من البشر يبعثون إلى الحياة بعد نوم يستغرق أكثر من ثلاثة قرون ليجدوا أنفسهم في زمن غير الزمن الذي عاشوا فيه من قبل. وكانت لكل منهم علاقات وصلات اجتماعية تربطهم بالناس والحياة، تلك العلاقات والصلات التي كان كلاً منهم يرى فيها معنى حياته وجوهرها. وفي حينها وعندما يستيقظون مرة أخرى يسعى كل منهم ليعيش ويجرد هذه العلاقة الحياتية، لكنهم سرعان ما يدركون بأن هذه العلاقات قد انقضت بمضي الزمن؛ الأمر الذي يحملهم على الإحساس بالوحدة والغربة في عالم جديد لم يعد عالمهم القديم وبالتالي يفرون سريعاً إلى كهفهم مؤثرين موتهم على حياتهم.

2) مسرحية " بيجماليون ". ونشرت عام 1942.

وهي من المسرحيات الذهنية الشهيرة للحكيم، وهي من المسرحيات التي اعتمد فيها الحكيم على الأساطير، وخاصةً أساطير الإغريق القديمة.

والأساطير إدراك رمزي لحقائق الحياة الإنسانية التي قد تكون قاسية. وهدفها خلق نوع من الانسجام بين الحقائق الإنسانية حتى تستطيع أن تستجمع إرادتنا وتوحد قوانا ويتزن كياننا المضطرب.([16])

وحسب هذا المفهوم استغل الحكيم الأساطير وخاصةً الأساطير اليونانية، فكتب ثلاث مسرحيات أحداثها مستوحاة من التراث الإغريقي الأسطوري وهي: " براكسا " و" بيجماليون" و" الملك أوديب ". ولكنه بثّ في هذه المسرحيات أفكاره ورؤيته الخاصة في الموضوع الذي تتحدث عنه كل مسرحية.

3) مسرحية " براكسا " أو " مشكلة الحكم ". ونشرت عام 1939

وهي أيضاً مستقاة من التراث الإغريقي. ويظهر الحكيم من خلال هذه المسرحية وهو يسخر من الإطارالإغريقي من النظام السياسي القائم في مصر وهو الديموقراطية التي لم تكن في تقدير الحكيم تحمل سوى عنوانها. وفي هذه المسرحية التي تحمل الطابع الأريستوفاني جسدّ الحكيم آراؤه في نظام الأحزاب والتكالب على المغانم الشخصية والتضحية بالمصالح العامة في سبيل المنافع الخاصة.

4) مسرحية " محمد ". ونشرت عام 1936.

لم تتجلى الموهبة العبقرية للحكيم كما تجلت في مسرحيته " محمد " وهي أطول مسرحياته بل أطول مسرحية عربية. وربما بسبب طولها فإنه من الصعب وضعها على المسرح. وقد استقى الحكيم مادتها من المراجع الدينية المعروفة. والمسرحية بمثابة سيرة للرسول عليه السلام، إذ أنها تشمل فقرات من حياة الرسول تغطي أهم جوانب تلك الحياة.

وهناك الكثير غير هذه المسرحيات الآنفة الذكر كتبها الحكيم، ومن أشهر مسرحياته: " شهرزاد " و " سليمان الحكيم " و " الملك أوديب " و " إيزيس " و " السلطان الحائر" … وغيرها.

ثانياً: مسرح اللامعقول

يقول الحكيم في مجال اللامعقول:

" … إنّ اللامعقول عندي ليس هو ما يسمى بالعبث في المذاهب الأوروبية …ولكنه استكشاف لما في فننا وتفكيرنا الشعبي من تلاحم المعقول في اللامعقول … ولم يكن للتيارات الأوروبية الحديثة إلا مجرد التشجيع على ارتياد هذه المنابع فنياً دون خشية من سيطرة التفكير المنطقي الكلاسيكي الذي كان يحكم الفنون العالمية في العصور المختلفة… فما إن وجدنا تيارات ومذاهب تتحرر اليوم من ذلـك حتى شعرنا أننـا أحـق من غيرنا بالبحث عـن هـذه التيارات في أنفسنا … لأنها عندنا أقدم وأعمق وأشد ارتباطاً بشخصيتنا ".([17])

ولقد كتب الحكيم في هذا المجال العديد من المسرحيات ومن أشهرها:

1) مسرحية " الطعام لكل فـم ".

وهي مزيج من الواقعية والرمزية. ويدعوا الحكيم في هذه المسرحية إلى حل مشكلة الجوع في العالم عن طريق التفكير في مشروعات علمية خيالية لتوفير الطعام للجميع، فهو ينظر إلى هذه القضية الخطيرة نظرته المثالية نفسها التي تعزل قضية الجوع عن القضية السياسية. فالحكيم لا يتطرق هنا إلى علاقة الاستعمار والإمبريالية والاستغلال الطبقي بقضية الجوع ولا يخطر بباله أو أنه يتناسى عمداً أن القضاء على الجوع لا يتم إلا بالقضاء على الإمبريالية التي تنهب خيرات الشعوب نهباً، ولا يتم ذلك إلا بالقضاء على النظام الرأس مالي الاستغلالي وسيادة النظام الاشتراكي الذي يوفر الطعام للكل عن طريق زيادة الإنتاج والتوزيع العادل.

2) مسرحية " نهر الجنون ".

وهي مسرحية من فصل واحد، وتتضح فيها أيضاً رمزية الحكـيم. وفيها يعيد الحكيم علينا ذكر أسطورة قديمة عن ملك شرب جمـيع رعاياه من نهر كان ـ كما رأى الملك في منامه ـ مصدراً لجنون جميع الذين شربوا من مائه، ثمّ يعزف هو ورفيق له عن الشرب، وتتطور الأحداث حتى ليصّدق رعاياهم فعلاً أن هذين الاثنين الذين لم يشربا مثلهم ـ بما فيهما من اختلاف عنهم ـ لا بدّ وأنهما هما المجنونان إذاً. وعلى ذلك فإنّ عليهما أن يشربا أيضاً مثلما شربوا. وقد جردّ الحكيم مسرحيته من أي إشارة إلى الزمان والمكان. وهكذا فإننا نستطيع أن نشعر بصورة أكثر وضوحاً لاعترض الحكيم ضد هذا القسر الذي يزاوله المجتمع على الإنسان فيجبره على الإنسياق و التماثل.

وهناك العديد من المسرحيات الأخرى المتسمة بطابع اللامعقول، ومن أهمها: " رحلة إلى الغد " و " لو عرف الشباب ". وفي المسرحية الأولى منهما يسافر رجلان خمسمائة سنة في المستقبل. وفي الثانية يسترد رجل مسن شبابه. ويحاول هؤلاء جميعاً التكيف مع حياتهم الجديدة ولكنهم يخفقون.

ويخرج الحكيم من هذا بأنّ الزمن لا يقهر، والخلود لا ينال، لأنهما أبعد من متناول أيديّنا. وإلى جوار فكرة الزمن يشير الحكيم إلى النتائج الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن البحث العلمي والتقدم فيه.

ثالثاً: المسرح الاجتماعي

( سوف نستكمل هذا الجزء في المرحلة القادمة )

خصائص مسرح توفيق الحكيم

يمكن أن نجمل أهم مميزات مسرح توفيق الحكيم فيما يلي:

1) التنوع في الشكل المسرحي عند الحكيم. حيث نجد في مسرحياته: الدراما الحديثة، والكوميديا، والتراجيوكوميديا، والكوميديا الاجتماعية.([18])

2) جمع الحكيم بين المذاهب الأدبية المسرحية في كتاباته المسرحية. حيث نلمس عنده: المذهب الطبيعي والواقعي والرومانسي والرمزي.

3) نتيجة لثقافة الحكيم الواسعة واطلاعه على الثقافات الأجنبية أثناء إقامته في فرنسا فقد استطاع أن يستفيد من هذه الثقافات على مختلف أنواعها. فاستفاد من التراث الأسطوري لبعض هذه الثقافات، ورجع إلى الأدب العربي أيضاً لينهل من تراثه الضخم ويوظفه في مسرحياته.

4) استطاع الحكيم في أسلوبه أن يتفادى المونولوج المحلي الذي كان سمة من سبقه. واستبدله بالحوار المشع والحبكة الواسعة.

5) تميزت مسرحيات الحكيم بجمال التعبير، إضافة إلى حيوية موضوعاتها.

6) تزخر مؤلفات الحكيم بالتناقض الأسلوبي. فهي تلفت النظر لأول وهلة بما فيها مـن واقعية التفصيلات وعمق الرمزية الفلسـفية بروحها الفكهة وعمق شاعريتها… بنزعة حديثة مقترنة في كثير من الأحيان بنزعة كلاسيكية.([19])

7) مما يؤخذ على المسرحيات الذهنية عند الحكيم مسألة خلق الشخصيات. فالشخصيات في مسرحه الذهني لا تبدوا حيةً نابضةً منفعلة بالصراع متأثرةً به ومؤثرةً فيه.([20])

8) تظهر البيئة المصرية بوضوح في المسرحيات الاجتماعية. ويَبرُز الحكيم فيها من خلال قدرته البارعة في تصوير مشاكل المجتمع المصري التي عاصرتها مسرحياته الاجتماعية في ذلك الوقت. وأسلوب الحكيم في معالجته لهذه المشاكل.

9) ظهرت المرأة في مسرح توفيق الحكيم على صورتين متناقضتين. كان في أولاهما معادياً لها، بينما كان في الأخرى مناصراً ومتعاطفاً معها.

10) يمكن أن نستنتج خاصية تميز مسرح الحكيم الذهني بصفة خاصة ومسرحه الاجتماعي ومسرحه المتصف بطابع اللامعقول بصفةٍ عامة وهي النظام الدقيق الذي اتبعه في اختياره لموضوعات مسرحياته وتفاصيلها، والبناء المحكم لهذه المسرحيات الذي توصل إلى أسراره بعد تمرس طويل بأشهر المسرحيات العالمية.([21])

نجيــب الريحــاني

عاش الكوميدي الموهوب نجيب الريحاني في الفترة (1889-1949) والذي لقب بموليير الشرق. ولد إلياس نجيب الريحاني ونشأ في أسرة من الطبقة المتوسطة بحي باب الشعرية بالقاهرة ، لأب من أصل عراقي وأم مصرية . انجذب نجيب الريحاني نحو المسرح منذ الصغر على الرغم من عدم ثقته من موهبته وقد درس بمدرسة الفرير بالخرنفش واشترك في تمثيل نصوص من المسرح الفرنسي ،هجر الدراسة قبل حصوله على البكالوريا . التحق في عام 1906 بالبنك الزراعي وهناك التقى بالفنان عزيز عيد والذى كان موظفا في نفس البنك حيث قامت بينهما الصداقة ، اشتركا في تمثيل أدوار صغيرة بعروض الفرق الفرنسية الزائرة وفي عام 1907 انضم لفرقة عزيز عيد الفودفيلية التي كونها ولكنه لم يستمر بها وفصل من البنك لعدم انتظامه فى العمل . انضم بعدها إلى فرق كثيرة منها فرقة سليم عطا الله ، عين بشركة السكر بنجع حمادي عام 1910 لكنه فصل منها بسبب مغامرة عاطفية ، التحق بعدها بفرقة الشيخ أحمد الشامي وتجول معها بأقاليم مصر والتي أكسبته خبرة طيبة بالرغم من المعيشة القاسية في المأكل والمبيت . بعدها أعادته والدته إلى شركة السكر وفضل بعدها الإقامة في القاهرة ليكون قريبا من الأنشطة المسرحية . في عام 1914 التحق بفرقة جورج أبيض ولكن الأخير وجده لا يصلح للتمثيل فاستغنى عنه ورجع مرة أخرى إلى فرقة عزيز عيد في يونيو 1915 ولم يستمر طويلا .

كانت بداية الريحاني كصاحب مشروع فني في صيف 1916 عندما فكر في تقديم عمل من خلقه ، تأليفا وتمثيلا وإخراجا ، بطله شخصية وثيقة الصلة بالواقع هي كشكش بك العمدة الريفي المتلاف عاشق النساء ، المحب للحياة ، الذي يفد للقاهرة ليغشى دور اللهو حيث ينفق أمواله على الحسان ويعود إلى قريته نادما تائبا . كان العرض الأول تعاليلي يابطة قدمها بكازينو آبيه دي روز في أول يوليو 1916 ، وتلتها بستة ريال ، بكره في المشمش ، خليك تقيل ، هز ياوز ، اديلو جامد ، بلاش أونطة ، كشكش بك في باريس ، أحلام كشكش بك... ، كانت أبرز الشخصيات كشكش التي مثلها الريحاني ، والحماة المزعجة أم شولح ، والخادم زغرب ، وكانت الفكاهة تعتمد على الهزل المحض من شخصيات مغلوطة ولهو خشن وسباب وسوء الفهم الناشئ عن إلتباس الألفاظ والحوار الذي يتضمن عبارات فرنسية .

قدم الريحاني أعمال استعراضية عام 1917 ، لينافس علي الكسار الذي كان يقدم هذا اللون بفرقة الأوبريت الشرقي بكازينو دي بار ، فقدم أم أحمد ، أم بكير ، حماتك بتحبك ، حمار وحلاوة (استمر عرضها ثلاثة أشهر 1918) ، على كيفك ، التي سادها الغناء والإستعراض وافتقدت للصراع والأحداث المترابطة والكوميديا وتميزت بالمشاعر الوطنية وأغانيها الحماسية وفقدت أهميتها عقب إنتهاء الثورة عام 1919 . توجه الريحاني إلى لون ارقى واكمل كالأوبريت لتوفر عناصر الدراما من قصة وشخصيات وأحداث مترابطة ومساحة للكوميديا ، وكانت البداية العشرة الطيبة التي قدمها 1920 اقتباس محمد تيمور وتلحين سيد درويش ، وكتب بالاشتراك مع بديع خيري خلال( 1923-1924) اوبريتات الليالي الملاح ، البرنسيس ، الشاطر حسن ، أيام العز ، الفلوس ، مجلس الإنس ، لو كنت ملك ، واعتمدت معظمها على قصص (ألف ليلة وليلة) واسند البطولة النسائية إلى زوجته الراقصة بديعة مصابني . هذه المسرحيات شكلت خطوة متقدمة لمسرح الريحاني .

تراجع الريحاني في الفترة بين (1926-1931) ، إذ حاول أن ينافس يوسف وهبي بتقديم مليودرامات وليؤكد على أنه قادر على أداء ألوان جادة غير الكوميدي ، فقدم مليودراما المتمردة عام 1929 ثم موفانا ، ولكن الجمهور لم يتقبل الريحاني ، نجم الكوميديا فقدم هزليات غنائية استعراضية بطلها كشكش بك ، وكان الرقص والغناء أبرز العرض في مسرحيات ليلة جان 1927 ، مملكة الحب ، الحظوظ ، يوم القيامة ، آه من النسوان ، ابقى اغمزني 1928 ، ياسمينه ، نجمة الصبح ، اتبحبح 1929 ، ليلة نغنغة ، مصر باريس نيويورك ، أموت في كده ، عباسية 1930 .

في المرحلة القادمة تطور فن الريحاني ، لأن الصراع لا يدور بين كشكش بك وحمته أم شولح بل بينه وبين أبناء الطبقة المتوسطة في المدينة ، كما تمتزج حيل الفارس بالسخرية اللاذعة والنقد في محاولة الخروج عن الهزل المحض ، واتخذ خطوات للإقلال من حجم الغناء والاستعراض ، واتى بشخصيات متنوعة من صميم المجتمع ، صبحت فيما بعد شخصيات أساسية في مرحلة النضج الفني 1932 -1949 مثل الإنسان الصغير الشريف ، الخادمة النشطة الشريفة ، الحماة المزعجة .

كانت الجنيه المصري نقطة تحول في حياة الريحاني اشترك فيها مع بديع عن نص توباز للكاتب الفرنسي مارسيل بانيول ، وهي كوميديا اجتماعية مثلتها فرقة الريحاني على مسرح الكورسال عام 1931 ، تكلمت على تأثير المال على الفرد والجماعات وكيف يفسد الضمائر وينتهك الأخلاق والمبادئ ، وقد مثلت الجنيه المصري بعد ذلك بنجاح تحت اسم الدنيا بتلف ، ثم السكرتير الفني ، ولكن الجمهور لم يتذوق هذه الكوميديا الساخرة عام1931 ، إلا أن الريحاني عاود التجربة عام 1935 بتقديم مسرحيات اجتماعية ناجحة ، التي شكلت مرحلة النضج الفني التي استمرت حتى وفاته .

في معظم مسرحيات تلك الفترة ظهر الريحاني كإنسان شريف نزيه متمسك بالقيم ، على درجة من الدهاء والثقافة ، ولكنه يائس مفلس وسيئ الحظ ، مؤمن بالقدر ، خفيف الظل ومتهكم ، ساخر من أوجه الزيف والفساد والمظهرية الجوفاء في المجتمع .ثم تدخل القدر وهبطت عليه ثروة ترفع من قدره ومكانته بفضل المسرحية "الدنيا لما تضحك" 1934 ، و" بندق أبو غزالة" الذي يسخر من قيادات الدولة المتخلفة في حكم قراقوش 1936 ، ثم تحسين المدرس البائس في مسرحية قسمتي 1936 ، " شحاتة " الكاتب الداهية في إدارة الوقف في " لو كنت حليوة " 1938 ، أنور الموظف الصغير في مواجهة فتاة ثرية رعناء أفسدها التدليل في " الدلوعة " 1939 ، ثم في دور " سليمان " المحامي المفلس الباحث عن كنز في قصر تتحكم في شؤونه عجوز تركية تعيش في الماضي و ذلك في " إلا خمسة" 1943 ، في عام 1945 مثل دور " عباس " في " حسن ومرقص وكوهين" .

في هذه المرحلة كثف الريحاني الخط الكوميدي الإنتقادي وأخذ ينهل من صيغ الكوميديا متعددة المستويات ابتداء من الكوميديا الراقية إلى الفارس والكوميديا الشعبية ، إلا أنه خفف قدر استطاعته من أساليب الهزل والهذر التي لا تخدم غايته وكانت سائدة في مراحل سابقة .

توفي نجيب الريحاني إثر إصابته بالتيفوئيد في 8 يونيو 1949 .

http://www.squ.edu.om/stu/tht/pioneers/najeeb.html

البحر موعدنا ...........وشاطئنا العواصف جازف فقد بعد القريب ومات من ترجوه واشتد المخالف لن يرحم الموج الجبان ولن ينال الأمن خائف القلب تسكنه المواويل الحزينة ......... والمدائن للصيارف خلت الاماكن للقطيعة من تعادي أو تخالف جازف ولا تأمن لهذا الليل أن يمضي ولا أن يصلح الاشياء تالف هذا طريق البحر ................لا يفضي لغير البحر والمجهول قد يخفى لعارف جازف فان سدت جميع طرائق الدنيا امامك فاقتحمها ولا تقف كي لا تموت وانت واقف

محمد ابراهيم ابو سنة

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 2 أسابيع...

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...