اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

ثمن الغربة ~ قصة من قصص بريد الأهرام


Recommended Posts

<h3 dir="rtl">قصـــور وقبـــــور</h3>

43901_38m.jpg

أكتب إليك وأنا لا أعرف كم تبقي لي من العمر‏,‏ فقد وهنت‏,‏ وهنت علي كل من حولي‏,‏ ولكني أستحق كل ما يحدث لي‏,‏ وأدعو الله أن يغفر لي‏,‏ ويحقق أمنيتي الأخيرة قبل أن أري وجهه الكريم‏,‏ وأتمني أن تصبح قصتي هذه صدقة جارية‏,‏ يستفيد منها كل إنسان يعيش الآن ما عشته سابقا‏,‏ فيتدبر حياته‏,‏ ويقفز من مركب الغفلة قبل فوات الوقت‏.‏

سيدي‏..‏ دعني أبدأ لك الحكاية‏,‏ منذ ما يزيد علي‏40‏ عاما‏..‏ كنت شابا يافعا‏,‏ من الأوائل علي كليتي العملية‏,‏ كل أسرتي تفخر بي‏,‏ ويراني والدي ثمرة كفاحه التي كافأه الله بها‏,‏ لذا فقد كان يدللني ويغدق علي بعطائه المادي والمعنوي‏,‏ عملت بوظيفة مرموقة‏,‏ وحققت نجاحا باهرا جعلني أترقي بسرعة شديدة في عملي‏,‏ مما جعلني مطمعا لأسر وفتيات عديدات‏.‏ وحتي لا أطيل ـ فمحطات حياتي طويلة ومتعددة ـ تزوجت من فتاة جميلة‏,‏ من أسرة طيبة‏,‏ وبدأت حياتي تسير نحو الإستقرار والسعادة‏.‏

منحتني الأقدار كل شيء جميل‏,‏ فازدادت ثقة بنفسي‏,‏ بل قل غرورا‏,‏ معتقدا أن كل ما أنا فيه بسبب ذكائي وقدراتي الفذة‏..‏ كنت أستمتع بنظرات الرضي والمباهات التي تطل من عيني زوجتي‏,‏ كلما إلتقينا مع أحد‏.‏

إتفقت مع زوجتي علي تأجيل الإنجاب‏,‏ حتي أتفرغ قليلا لعملي ودراساتي‏,‏ فاستجابت وتحملت لمدة عامين‏,‏ حتي وجدتها ذات يوم تبكي وحيدة في غرفتها‏,‏ وبعد ضغط مني وإلحاح‏,‏ عرفت أن سبب دموعها هو إشتياقها إلي الإنجاب‏,‏ فاحترمت رغبتها‏,‏ وتركنا أنفسنا للأقدار‏,‏ ولم يمض وقت طويل حتي رزقنا الله بطفل جميل‏,‏ وقبل مرور عامين جاءت أيضا إبنتي وقرة عيني‏.‏

هكذا كنت رجلا ناجحا مستقرا‏,‏ وكنا أسرة سعيدة هانئة لم يكن ينقصنا شيء حتي أقبل العرض الذي قدم لي‏..‏ شركة عالمية افتتحت فرعا لها في إحدي دول الخليج في بداية السبعينيات‏,‏ تطلبني للعمل هناك بمقابل مادي مبهر‏.‏ وافقت علي الفور‏,‏ علي الرغم من رفض زوجتي‏,‏ ومحاولاتها المتكررة لإثنائي عن ذلك‏,‏ حتي أنها لجأت إلي والدي‏,‏ الذي رجاني ألا أسافر‏,‏ وأحافظ علي نجاحي في بلدي‏,‏ ولكني أصررت علي موقفي‏,‏ وسافرت قبل أسرتي‏,‏ حيث أعددت الفيلا التي ستقيم فيها ثم حضروا وبدأنا حياة جديدة‏..‏ حياة أكثر هدوءا‏,‏ أكثر أموالا‏,‏ لكنها أيضا أكثر جفاء‏.‏

إزدادت ثروتي‏,‏ وبدأت في شراء أراض في مصر‏,‏ بنيت عمارة في أرقي ضواحي القاهرة‏,‏ وفيلا في ضاحية أخري‏,‏ ولم نكن نستمتع بأي منهما إلا في أيام قليلة‏,‏ هي أيام الاجازات المصيفية‏.‏

كبر الأبناء‏,‏ وحصل إبني علي الثانوية في نهاية الثمانينيات‏,‏ وإلتحق بكلية في القاهرة‏,‏ ولكن إبنتي الصغيرة مازالت في الصف الأول الثانوي‏,‏ فماذا نفعل؟

إقترحت زوجتي أن نكتفي بما حققناه ونعود إلي مصر‏,‏ ولكني كنت أدمنت نمط الحياة في هذه المدينة‏,‏ فأرسلنا الولد ليكمل دراسته ويقيم عند جده حتي نلحق به بعد أن تنتهي شقيقته من الحصول علي الثانوية العامة‏,‏ أصيب إبني بصدمة في البداية وتعرض لأزمات نفسية عديدة بسبب إختلاف السلوكيات‏,‏ حتي أنه كان يستغيث بي ويرجوني أن يعود إلينا‏.‏ ولكن بعد عام واحد‏,‏ بدأ جده هو الذي يشكو من غيابه المتكرر عن البيت‏,‏ فكنت أتصل به وأوبخه‏,‏ فيعدني بالإلتزام‏.‏

بعد عامين تكرر الموقف وكان علي ابنتي أن تعود إلي القاهرة لدخول الجامعة‏,‏ وبعد حوارات مطولة‏,‏ طلبت من زوجتي أن تنزل معها لتنظيم حياتهما‏,‏ ثم نحدد هل تتركهما وتعود لي‏,‏ أم أعود أنا في زيارات إليهم‏.‏

كانت فكرة عودتي مستبعدة تماما عن ذهني‏,‏ لقد أصبحت جزءا من هذا المجتمع‏,‏ أشعر بغربة شديدة في مصر‏..‏ في الأسابيع القليلة التي كنت أقضيها أجد نفسي عصبيا مستفزا من سلوكيات البشر‏,‏ ملامحهم أصبحت تغضبني‏,‏ حتي طعم الشاي والطعام أصبح غريبا علي‏.‏

بعد نزول زوجتي وابنتي‏,‏ شعرت بسعادة غريبة‏,‏ أحسست أني حر‏,‏ غيرت نمط حياتي‏,‏ وأصبحت أكثر إنطلاقا‏,‏ خاصة أن البلد الذي أقيم فيه أصبح أكثر إنفتاحا وبهجة‏,‏ فعدت أكثر شبابا وحيوية‏.‏ وقررت إقناع زوجتي بألا تعود علي أن أسافر إليهم كل‏6‏ أشهر وبمبررات مختلفة استجابت زوجتي‏.‏

إعتدت بعد شهور قليلة علي إستغاثات زوجتي‏,‏ إبنك تغير‏,‏ مصاحب أولاد فاسدين‏,‏ بدأ يشرب سجائر‏,‏ بنات كثيرة تتصل به‏,‏ تزوره في البيت‏,‏ خلاص تعبت معاه‏,‏ تعال اتصرف معاه كنت أكتفي بالاتصال به‏,‏ مهددا مرة‏,‏ وواعدا مرة أخري‏.‏ مهددا بسحب السيارة أو منع المصروف‏,‏ وواعدا بمزيد من الهدايا والمزايا إذا أراح أمه وجعلها لا تشكو‏.‏

الحقيقة التي لابد أن أعترف بها الآن أني كنت غارقا في أنانيتي‏,‏ في استمتاعي بمباهج لا تليق ولا تحق لي‏,‏ وكل ما أتمناه أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم‏.‏

في العام الأخير بالجامعة سقط ابني‏,‏ وأخبرتني والدته أنه يشرب المخدرات والخمور‏,‏ وعندما واجهته‏,‏ انفجر فيها وتجاوز في الكلام بل ـ كما قالت لي ـ كاد يمد يده عليها‏.‏ في هذه المرة شعرت بالخطر‏,‏ فحصلت علي اجازة من عملي وعدت مسرعا إلي مصر‏..‏

وجدت أبنتي مكتئبة‏,‏ منزوية‏,‏ صامتة‏,‏ لم أشعر بدفء حضنها‏,‏ وكذلك زوجتي أصبحت بعيدة عني‏,‏ روحها في واد آخر‏.‏ أما ابني فكأني لا أعرفه‏,‏ لغته غريبة‏,‏ نظراته زائفة مخيفة جلست أياما‏,‏ أضع ضوابطا لما هو قادم‏,‏ قلت لهم ـ كاذبا ـ إني أعيش هناك وحيدا متألما من أجلهم‏,‏ لأني أريد لهم حياة أفضل‏,‏ لا أحب أن يعانوا أو يتعذبوا في المستقبل‏.‏ ألقيت بنصائحي وهربت بجلدي إلي عالمي مرة أخري‏.‏ مالي أنا وهذا العذاب‏,‏ أيام مراهقة ستمر علي إبني وتنتهي‏.‏

ملت زوجتي من الكلام‏,‏ اعتادت علي غيابي‏,‏ واعتدت علي حالي تخرج الولد في الجامعة وأصبح أكثر غيابا وعنفا‏,‏ حتي إنه أصبح يبيت كثيرا خارج البيت‏,‏ ولم تعد أمه تحكي لي ولم أعد أسأل‏!‏

بعد عامين من تخرجه‏,‏ أفقت علي صراخ زوجتي في التليفون الحقني‏,‏ انزل فورا‏,‏ ابنك‏,‏ صحيت من النوم‏,‏ لقيت بنت معاه بايتة في حجرته‏,‏ ومعاهم حقن وسجائر‏,‏ أنا خلاص حسيب البيت وأطفش

صدمة هزتني‏,‏ شعرت بأن كل حياتي تنهار‏,‏ كان علي أن أتخذ قرارا سريعا‏,‏ كان قراري أن أحضر ابني ليعيش معي‏,‏ أوفر له عملا هنا ليبدأ حياته بعيدا عن تلك الأجواء‏.‏ أخبرت زوجتي بقراري‏,‏ ففرحت به‏,‏ لأنها هي الأخري ألفت الحياة بدوني‏,‏ ولم تعد تلح علي في العودة‏,‏ وهذا الأمر كان يسعدني كثيرا‏,‏ وأحمد الله علي عقلها‏.‏

خلال أيام أنهيت اجراءات التأشيرة‏,‏ وأرسلت التذكرة إلي ابني‏,‏ بعد أن اتفقت معه علي أن يأتي لفترة قصيرة يستريح ويجرب الحياة هنا‏.‏ فإما أن يستمر أو يعود‏,‏ حسب رغبته‏.‏

جاء ابني وبدأت في انهاء اجراءات الاقامة‏,‏ من ضمن هذه الاجراءات يا سيدي ـ بعض الكشوف والتحاليل الطبية‏,‏ من بينها تحليل الايدز‏.‏ أعتقد أنك تصورت ماذا حدث؟

ابني‏,‏ عمري‏,‏ مصاب بالايدز‏,‏ ليس مهما كيف ومتي‏,‏ المهم أن المصيبة وقعت‏,‏ استدعاءات‏,‏ وقرارات صارمة‏..‏ الترحيل الفوري‏.‏

لا أعرف ماذا حدث ولا كيف تصرفت‏,‏ كان علي أن أغادر مع ابني‏,‏ وحيدي الذي انهار‏,‏ وأصيب بحالة هيستيرية‏.‏

عدنا إلي القاهرة‏,‏ بمصيبة الموت أهون منها‏..‏ انهارت زوجتي‏,‏ انطفأت روحي‏,‏ وعاش ابني أياما سوداء في اجراءات واستدعاءات في مصر كان ينظر إلي‏,‏ كنت أخجل من النظر إليه‏.‏

تحولت الفيلا إلي قبر‏,‏ زوجتي أصبحت شبحا‏,‏ عيناها تتهماني‏,‏ تكرهني‏,‏ ابنتي خاصمتني‏,‏ أما ابني‏.‏ فقد حاولت أن أتحدث إليه لأطمئنه بأني سأظل معه وسنبحث عن علاج‏,‏ فهو حامل للفيرس وليس مصابا به‏,‏ فثار في وجهي وقال لي‏:‏ لا تتحدث معي‏.‏ عليك أن تصمت إلي الأبد صمت ولم أتحدث حتي الآن‏.‏ منذ‏5‏ سنوات يا سيدي استيقظت من النوم‏,‏ فلم أجد ابني‏,‏ وجدت رسالة في يد أمه الغارقة في دموعها‏,‏ قالت لي‏:‏ مبروك‏,‏ ارتح وأكمل حياتك‏,‏ ابنك ساب لك البلد وسافر‏.‏

سافر ابني إلي الخارج لا أعرف كيف‏,‏ اختار منفاه‏,‏ وتركني معذبا‏,‏ الأمراض لاحقت زوجتي‏,‏ وابنتي لم تتزوج حتي الآن‏,‏ تعمل طبيبة في احد المستشفيات تكاد تقاطعنا‏,‏ وإذا تحدثت كان كلامها صراخا في وجوهنا‏,‏ أما أنا فأعيش وحيدا‏,‏ مترددا علي المساجد‏,‏ أبكي وأنا ساجد أدعو الله أن يغفر لي ويرحم ابني وابنتي وزوجتي‏..‏ أخطأت في حقهم جميعا‏,‏ نادم علي كل ما فات‏..‏ قرار خاطيء في بداية حياتي أدي بنا إلي هذه الهاوية‏.‏

سيدي‏..‏ كل ما أدعو الله به‏,‏ وأتمني أن يستجيب لي‏,‏ أن يقرأ ابني كلماتي ـ إذا كان حيا ـ ويرحم شيخوختي ويطمئني عليه‏,‏ يكلمني مرة واحدة‏,‏ يقول لي إنه سامحني‏,‏ هذا هو كل حلمي الآن‏,‏ فهل يتحقق؟‏!

أظن هذه واحدة من القصص المأساوية التي نسمع عنها بسبب الغربة

ارى أن الخطر الحقيقي هو بعثرة الأسرة وليس الغربة

فإما أن نتغرب سوياً أو نكون في مصر سوياً

فليس مهم التضحية ببعض الراحة المعيشية مقابل إستقرار الأسرة

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

ثمن الغربه....

كلآ منا يدفعه....سواء في الغربه...او في بلدنا.....

نحن ندور في حلقه مفرغه....مكبلين بالسلاسل....

فهنا غربه وهناك غربه...ولا بد ان ندفع الثمن.....

"فإما أن نتغرب سوياً أو نكون في مصر سوياً"

عندك حق ما احنا متغربين متغربين فمتبقاش غربه وفراق في نفس الوقت.....

ربنا يهون عليكم يا شعب مصر يا اطيب شعب في العالم......

ربنا يخفف عنا العناء والتعب ويهون علينا ويفرجها يارب......

عازفه على أوتار الذهب

834334369.gif

______________________________________________

ياعيني عليكي يا طيبه...لما بتضيعي منا....

لما بنصحى نلاقينا بقينا حد غيرنا......

وفعز الإحتياج لحضن يضمنا.....

وفعز الإشتياق لحضن يضمنا....

قادرين إزاي ندوس على قلب حبنا...

وبقينا إزاي كده....ياعيني عليكي ياطيبه......

رابط هذا التعليق
شارك

ان كان رب البيت بالدف ضارب .....فشيمة اهل البيت الطبل والزمر.

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)

[النساء : 93]

رابط هذا التعليق
شارك

للاسف الشديد الشعب المصري فعلا شعب نسبة كبيرة منه عايشة خارج البلد منه المهاجرين ومنه المغتربين وده مشكلة لان في جيليين متتاليين اتولدوا وكبيروا خارج مصر وده صعب للغاية معندوش او لم يلاقي مقومات التي تجعله منتمي للهذا البلد دي في حد ذاتها فضيحة في حق البلد

اما الغربة الداخيلية يعني في مصر ايضا الناس متغربين فعلا انا ما قولتش لا ولا الهم الاعظم اللي عايشيين خارج مصر

او افتكر اول مرة نزلت مع بعض غربة دامة 5سنوات كانت جوايا نشوة وفرحة حزينة وممتعة وانا لسه في المطار رجال الجمارك قاموا بالواجب واخذوا مني كاميرا تصوير عادية واصروا ان ياخذوا مني جمارك عليها قولت له انا راجع بعد يومين قالي لا ادفع تامين مبلغ 2000جنيه وفي النهاية لم ادفع لا جمرك ولا تامين وسابوني باكيت انا ايه اللي جابني من المعاملة السيئة

يعني مفيش اي مقومات تجعل المصري يحس بالامان في بلده

عبده بيه

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

رابط هذا التعليق
شارك

الانسان يكتب الخبرات ويتعلم كل يوم من الحياه ولكن تمر الايام ويكتشف ان كان اختيارته وقرارته كانت صائبه ولكن للاسف دائما بعد فوات الاوان

الغربه قصه نجاح واخفاق نجاح مادي واخفاق معنوي واجتماعي واسري الطمع يقل ما جمع حقا

يريت نتعلم لان كلنا معرضين لكده مش بس المتغربين

* لسانك لا تذكر به عورة امرىء فكلك عورات وللناس أعين

* إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

022.gif

79046.gif

رابط هذا التعليق
شارك

عزيزي ... هذه حكاية او قصة من آلاف القصص والحكايات التي يعيشها المغتربون عن مصر - أعرف شخصيا وقائع حدثت لأناس مقربين - بدأوا رحلة الكفاح في الغربة يملؤهم الأمل بمستقبل مشرق وعيش رغيد - ولكن للأسف انتهت تلك الحكايات نهايات مأساوية - لا أدري اهو سوء التخطيط , اهو عدم القناعة والطمع , أهو التعود على نمط معين من الحياة والعيش يصعب التخلي عنه , لكن هذا كله لا يمثل مبررات تجعل الناس تخاطر بأهم شيء في الحياة والذي من اجله تحملوا الم الغربة والفراق وهو الأولاد .

الموضوع صعب ومعقد والظروف تختلف وتتباين بين شخص وآخر لكن في النهاية لابد من وقفة مع النفس , وقفة مجردة وبعيدة عن الأنانية وحب الذات .. فالحياة مهما طالت قصيرة ومشكلتنا كبشر اننا نتكلم عن الموت ونؤمن به ولكن داخلنا نشعر اننا مخلدون وان العمر سيمتد بنا إلى قرون تطول...

كان الله في عون هذا الشخص صاحب القصة واشكرك اخي الكريم على عرضها في المنتدي لعلها تمثل عبرة لمن يعتبر.

91589411.jpg

رابط هذا التعليق
شارك

وأيضا من بريد الأهرم لهذا الاسبوع

<h3 dir="rtl">طريق الغربة</h3>

43908_26m.jpg

أكتب إليك من قلب غربة مريرة لا يعرفها إلا من يكابدها مثلي‏,‏ لقد قرأت رسالة الأسبوع الماضي قصور وقبور ودمعت عيناي مع كلمات هذا الاب المسكين الذي ضاع وحيده بسبب غربته وانشغاله عنه‏,‏ وأصارحك القول أني لم أدمع من أجله هو فقط أو من أجل استعطافه لابنه كي يعود أو يتصل به بعد أن هجره وترك البلاد مريضا بمرض قاتل‏,‏ ولكني بكيت علي حالي أيضا‏,‏ أنا الموثوق بحبال العمل وسلاسل الإنفاق اللازم علي أسرة اعتادت علي مستوي معين لا يمكن أن يتنازلوا عنه ــ أو أتنازل أنا عنه‏.‏

ولأبدأ منذ سفري لعالم الغربة والتغريب لعلك تتصور معي محطات حياتي وتدلني علي محطة الوصول‏.‏

أنا ياسيدي كنت محاسبا مثل ملايين الشباب تخرجت وبحثت عن عمل طويلا ولم أجد سوي وظيفة حكومية في جهاز تابع لوزارة ما‏.‏

وظيفة رغم سعيي وراءها وفرحتي في البداية بها فإنها لم تسد حاجتي ولم أستطع الاعتماد عليها بعد أن تزوجت وأنجبت طفلي الأول‏..‏ لهثت وراء كل فرصة للعمل في الخليج

حتي وفر لي مكتب إلحاق عمالة بالخارج فرصة السفر‏,‏ وتركت زوجتي وطفلي علي أمل أن يلحقا بي فيما بعد‏..‏ ظللت أعمل بكل جد ومهارة وتفوقت علي أقراني هناك ولكي أكون صريحا معك أكثر لقد أزحت عن طريقي زملاء أقدم مني حتي أحظي براتب أكبر وأضمن عملا مستمرا وتجديدا لعقدي أطول فترة ممكنة‏.‏

صاحب الشركة أصبح يعتمد علي لأمانتي معه وحرصي علي أمواله وتضييقي علي العاملين لأوفر له ما يمكن توفيره‏,‏ ونجحت في استقدام زوجتي وطفلي بعد عامين‏,‏ لكن لكثرة مصاريف الدراسة والإقامة هناك فضلت أن يعودا لمصر علي أن أكثر أنا من زياراتي إليهما‏.‏

لم أستطع طبعا‏..‏ كان نزولي يتأجل مرة بعد أخري‏,‏ وبالكاد أقضي أسبوعين كل سنة معهم‏..‏ إذ رزقني الله بابنة مثل القمر‏..‏ وسحبني دوار الادخار لتأمين المستقبل‏,‏ لكنه إدخار بسيط لم يوفر لنا سوي شقة في مدينة نصر وسيارة عادية جدا ومحل في مدينة جديدة‏..‏ وباقي الدخل ينفق علي مصاريف الحياة في مصر‏.‏

هل تعرف ياسيدي كم تكلفني مصاريف الدراسة في مدرسة محترمة ومصاريف الدروس ومصاريف العلاج و‏...‏ و‏...‏ و‏...‏ ألا تعرف؟‏!‏

أكيد تعرف وتشعر بغول الأسعار الذي يلتهم أي ادخار‏..‏ ومع ذلك حاولت أن أنهي عملي بعد‏18‏ عاما وأعود نهائيا‏,‏ أتعرف من الذي رفض وبشدة؟‏.‏ إنها زوجتي وهي سيدة عاقلة وملتزمة‏,‏ ولا أحب أن أسيء‏,‏ إليها بكلمة أو ظن سييء لقد قالت لي إذا عدت‏,‏ فلن نحتمل الحياة وربما تكثر المشاكل بيننا فتدمر حياتنا‏..‏ فمن أين سنأتي بمصاريف الأولاد ومصاريفنا وقد نضطر لبيع السيارة والمحل‏(‏ الذي لا يعمل حتي الآن‏)‏ وربما الشقة أيضا وسنفقد المستوي الكريم الذي نحياه‏..‏ وظللت أمني نفسي بالرجوع عاما بعد آخر وفي نهاية كل عام أتراجع‏.‏

المشكلة ياسيدي ليست فقط في احتمالي الغربة والعيش بمفردي وطهي الطعام لنفسي أو شرائه جاهزا‏,‏ وليست في إحساسي بأمراض الدنيا وقد بدأت تغزو جسدي‏..‏ المشكلة في اكتشافي أن ابني الوحيد أصبح إنسانا آخر‏,‏ نعم هو متفوق ولكنه مكتئب دائما لا يخرج إلا لمدرسته ثم يغلق الحجرة علي نفسه عندما يعود‏,‏ في آخر زيارة لم نتحدث أكثر من نصف ساعة إذا جمعنا كل الدقائق التي كنت أحاول الحديث فيها معه‏!‏

ابني علي أعتاب مراهقة جارفة أعرف ذلك‏,‏ وأعرف أنه قد يضيع مني لاختلاطه بأي شلة فاسدة في أي وقت‏,‏ قد أفقده إلي الأبد والله أعلم هل ستلحق به أخته أم لا‏..‏ زوجتي أيضا أصبحت خائفة عليهما لأنهما في حاجة الي تربية رجل حازم‏,‏ في حاجة إلي أب‏,‏ لم يجداه في حياتهما إلا شهرا كل عام‏,‏ لكنها تدرك كما أدرك أن عودتي تعني بشكل آخر الحرمان من الحياة الكريمة‏.‏

هل علمت ياسيدتي الآن لماذا دمعت عيناي وأحسست بحرقة في قلبي؟‏!‏ لأنني عاجز عن إنقاذ ابني ومقيد في طريق الغربة وأنا أراه علي وشك الانهيار‏..‏

لاتحسب ياسيدي أنه الطمع في الادخار أكثر وأكثر‏..‏ فالغربة لاتعطينا ثروات طائلة كما يتخيل الناس‏.‏

لكنها الرغبة في حياة كريمة لي ولأولادي وزوجتي‏..‏ فهل حرام أن نحيا حياة كريمة؟ وهل لابد أن يدفع أولادنا ثمنها إن حققناها؟ أليس هناك طريق وسط؟‏!‏ وهل أعود الآن وتتغير حياتنا شيئا فشيئا حتي نبيع كل شيء ونعيش بالكفاف‏..‏ أم ماذا؟

*‏ سيدي‏..‏ سأقول لك رأيي الذي سيرفضه الكثيرون‏,‏ بعد أن تلقيت رسائل عديدة من خارج مصر وداخلها تطرح نفس سؤالك‏:‏ ألا يوجد بديل ثالث؟ يسألون السؤال وهم لايرون إلا الإجابة بضرورة السفر والبقاء في الخارج‏,‏ مستندين إلي واقع مؤلم‏,‏ وظروف اقتصادية صعبة‏,‏ بعد أن خذلتنا الحكومات المتعاقبة‏,‏ ولم تفلح يوما في توفير حياة كريمة لأبناء هذا الوطن‏,‏ فقست عليهم ودفعتهم دفعا إلي الهروب بحثا عن حياة كريمة في أوطان أخري‏.‏

نعم هذه الظروف تجيز لبعض الحالات السفر‏,‏ للشباب الذي لايجد فرصة عمل ويسعي لتكوين أسرة‏,‏ لمن لايجد مأوي ولامطعما‏.‏

إذا لم يكن غير الأسنة مركبا

فما حيلة المضطر إلا ركوبها

أما من هم في مثل وضع صاحب رسالة الأسبوع الماضي قصور وقبور‏,‏ والذي بني عمارة‏,‏ واستعذب حياة الوحدة والرفاهية‏,‏ فلم يكن أمامه إلا خيار وحيد‏,‏ هو العودة‏.‏ فالغربة كان الهدف منها هو الاستثمار في الأبناء لا في البناء‏,‏ فماذا يجديه الآن وجود سيارات أو عمارات‏,‏ وابنه مهاجر وحيد ينتظر الموت‏,‏ وابنته مريضة بالاكتئاب‏,‏ والحوار مقطوع بينه وبين زوجته‏.‏

قرار صاحب الرسالة الخاطئ‏,‏ لايتحمل مسئوليته وحده‏,‏ بل تشاركه الخطأ زوجته ومن هن مثلها‏,‏ فهي ـ وغيرها ـ اعتادت غياب الرجل‏,‏ واعتادت إدارة مركب الحياة بمفردها‏,‏ بمعني آخر رتبت حياتها علي عدم وجود رجل‏,‏ زوج فقط شهرا في العام‏,‏ يزعجها بتفاصيله واحتياجاته وتدخلاته واعتراضه علي أسلوب تربيتها للأبناء‏,‏ فتختار راحتها وراحة أبنائها الظاهرية علي حساب أهمية وجود الأب بين أبنائه‏,‏ فتجعل أبناءها أيتاما في وجود أبيهم كمال قال شاعرنا أحمد شوقي‏:‏

إن اليتيم هو الذي تلقي له

أما تخـــلت وأبا مشــــغولا

عودة إليك سيدي أقول لك إن سفرك وغربتك قطعة من العذاب وليس أمامك إلا أحد الحلين‏,‏ إما أن تستدعي أسرتك لتعيش معك‏,‏ في حضنك وتحت رعايتك‏,‏ وإما أن تلملم أشياءك وتعود فورا إلي بيتك لتنقذ أبناءك من المصير الذي يبدو أمامك جليا‏.‏ إبنك وابنتك في حاجة إليك‏,‏ وأنت لست فقيرا حتي ينطبق عليك قول سيدنا علي ابن أبي طالب‏:‏ الغني في الغربة وطن‏,‏ والفقر في الوطن غربة فأنت لست غنيا في الغربة‏,‏ ولست فقيرا في وطنك‏,‏ لديك شقة وسيارة ومحل يمكنك استثماره‏

فمما تخاف؟ من الحاجة؟ وهل الخوف من الحاجة إلا الحاجة نفسها‏..‏ استدع الإيمان من داخل قلبك وتذكر قول رسولنا الكريم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت‏,‏ لأدركه رزقة كما يدركه الموت‏.‏

انزل البحر ياسيدي وسوف تتعلم العوم‏,‏ تلفت حولك وسل نفسك كيف يعيش الناس في بلادي؟‏..‏ كيف يعيش من لايملكون سيارات ويستأجرون شققا؟‏,‏ وقتها ستعرف النعمة التي تنعم بها‏,‏ أما إذا اخترت أن تبقي بعيدا وحيدا فلن أقول لك إلا من يود السفر عليه أن يفتح محفظته ويقفل فمه لتبكي عيناه‏..‏ وإلي لقاء بإذن الله‏.

"نحن شعب ينتحر -بمزاجه- إنتحاراً جماعياً ببطء كين

~~~~~

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "انها ستكون سنون خداعات .. يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن .. ويكذب فيها الصادق .. ويصدق فيها الكاذب .. وينطق فيها الرويبضة .. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم فى أمر العامة

~~~~~

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا (41) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا (42){النساء}

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...