أسامة الكباريتي بتاريخ: 8 أكتوبر 2002 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 8 أكتوبر 2002 حول الحراك الشعبي الجمعي: لماذا نجحت المقاطعة وكيف تستمر؟ ورقة العمل التي قدمت في مؤتمر المقاطعة العربية الذي انعقد في بيروت يوم الخميس 3/10/2002 بدعوة من حملة مقاطعة داعمي اسرائيل في لبنان. د. هشام البستاني نعرف جميعا أن "المقاطعة" هي مبادرة شعبية بالكامل (أو هي كذلك على الأقل في الأردن)، نفذها "الشارع"، وأنجحها "الشارع"، وجاءت "القوى" التي تعتبر نفسها "منظمة" لترفع لواءها بعد أن سار الركب وشارفت الرحلة على نهايتها. لذلك أجد من الضروري لنا أن نحاول أن نفهم آليات التفكير والتنفيذ التي أوجدت هذا التحرك وأنجحته، لنخلص بعد ذلك إلى السبل الكفيلة بضمان مزيد من الاستمرارية والنجاح لهذا الحراك الغير مسبوق. أولا: جدل الناس/القوى "المنظمة" الجماهير والشعوب ليست غبية على الإطلاق، وهي عندما تريد المشاركة والتغيير، فهي ربما تتصرف بعقلٍ جمعي واحد. في الأردن، يستطيع المراقب أن يشعر بهذه المسألة بشكل مباشر، فمع انطلاق الانتفاضة الثانية، هاجت شوارع عمان بالمسيرات ولمظاهرات التي وصلت ذروتها يوم الجمعة 2000/10/6 بمسيرة كبيرة في منطقة الرابية زحفت باتجاه سفارة العدو الصهيوني، وقد صدت قوات مكافحة الشغب الأربعة آلاف مواطن –وهم عدد المشاركين التقديري- عن هدفهم، واستمرت المناوشات بالقنابل المسيلة للدموع من طرف قوات الأمن ، والحجارة من طرف المتظاهرين لحوالي أربع ساعات، انتهت بهجوم كاسح لأفراد الأمن بالهراوات والعربات المدرعة على المتظاهرين. هذه المظاهرة لم تدع إليها أية قوة منظمة في الأردن على الإطلاق، ولم يشارك فيها أي من قادة الأحزاب أو النقابات المهنية البارزين، بل كانت هناك شخصيات مستقلة من المعارضة، وأناس عاديون، وربما لو رأيتهم في يوم آخر، لن تتوقع أبداً إن هؤلاء قد يخرجون في مظاهرة من هذا النمط، وقد أشار إلى هذه الظاهرة الكاتب موفق محادين في إحدى مقالاته حيث أورد أن "الدرس الأعظم للانتفاضة الفلسطينية البطلة، والمسيرات الشعبية العربية التضامنية، هو الاشتراك الواسع للشباب والطلبة، الذين تعرفوا على عدوهم الصهيوني والأمريكي في الميادين والمواجهات الشجاعة … رأيت بأم عيني شباناً حليقي الرؤوس ، على طريقة المارينز، يشاركون في المسيرات وهم يطالبون بطرد سفير العدو، ويهتفون لفلسطين، ويرددون… هي هي هي ..أمريكا رأس الحية…" (1) في هذه الظاهرة الجماعية، قام أصحاب البيوت والفلل الراقية على جانبي الشارع الذي شهد المواجهة الطويلة، بفتح بيوتهم للمصابين، وإسعافهم، ورفد المظاهرة بالبصل اللازم لمكافحة آثار الغاز المسيل للدموع، والعمل كنقاط مراقبة من أعلى أسطح العمارات دون أدنى تنسيق مسبق. لنتأمل النقاط التالية التي لاحظناها فيما سبق: 1- عفوية المظاهرة باتجاه سفارة العدو. 2- التناغم في الكر والفر أمام حائط قوات مكافحة الشغب. 3- استبدال مقدمة المظاهرة بشكل دوري (المقدمة المتعبة تتراجع ليحل محلها مقدمة مرتاحة وهكذا). 4- "الدعم اللوجستي" دون سابق تنسيق بين المظاهرة وسكان المنطقة. 5- مشاركة فئات غير مسيسة عادةً في المظاهرة وخصوصاً من الشباب والشابات. كل هذه هي دلائل وعلامات على ناظم جمعي للجمهور، ربما نقطة لا واعية تحفز لا شعورياً، وتدفع الجميع للمشاركة في لحظة واحدة، "حد استجابة" (threshold) جمعي مشترك عندما يتم تخطيه، نحصل على هذا الفعل الجماعي التضامني التعبوي. للأسف، لم ترق القوى المنظمة إلى مستوى هذا الفعل الجماهيري، بل تقاعست عن دعمه والدفاع عنه، بل تنصل البعض منه تماما، في حين تعرض العديدون للضرب والاعتداء والاعتقال دون أن يسأل أحد. النتيجة؟ المسيرة التي تلتها بأسبوع من نفس المكان كانت مكونة من حوالي 300 شخص، والأسبوع الذي تلاه، لا أحد. لقد تم إحباط الشارع. المثال الثاني يتعلق في مسيرة عفوية أخرى، شارك بها هذه المرة ما يزيد عن العشرين ألف مواطن، دون دعوة من أي جهة، باتجاه سفارة العدو في الرابية. وقد حدثت بتاريخ 2002/4/5، أي بعد حوالي سنة ونصف من المسيرة العفوية الأول، وفي مناسبة هامة أخرى هي بداية العدوان الصهيوني الشرس على ما يعرف ب"المناطق الخاضعة للسلطة" ومجازر جنين. لقد نزل المواطنون إلى الشارع على الرغم من التحذير الرسمي بالتصدي لهذه المظاهرة بالقوة، والإعلانات المستمرة بأنها غير قانونية. لقد أثبت الناس مرة أخرى تقدمهم على القوى المنظمة وتفوقهم عليها. لقد أحرج ذلك هذه القوى تماما، لذلك خرجت في اليوم التالي وأعلنت تصديها لتنظيم مسيرة أطلق عليها "الزحف المقدس" باتجاه سفارة العدو بعد أسبوع. وهي مسيرة تراجع عنها منظموها في اللحظات الأخيرة (نفس اليوم، قبل المسيرة بساعتين)، مخلفين مئات المعتقلين في السجون، وإحباطاً سيحتاج ربما إلى سنة ونصف أخرى للتغلب عليه. وهكذا، عندما تنطحت القوى المنظمة غير المؤهلة لتصدر الحراك الشعبي، لم يؤد ذلك إلا إلى إحباطها وإفراغها . إذاً لا عجب أن الناس "تقرف" فعلياً من "القيادات"، ولا تثق بها على الإطلاق. وهذا النمط من "القرف" والإحباط الشعبي من القوى المنظمة التي تفشل في التقاط "اللحظة التاريخية" ولا تستطيع مجاراة "الزخم الجماهيري"، ليس محصوراً في الشارع العربي، بل نجد مثاله المظفر في انتفاضة الأرجنتين الشعبية التي انفجرت في 19 ديسمبر 2001، والتي رفعت شعارها الصارخ "que se vayan todos": على الجميع أن يرحلوا، "والمعنى أن جميع الطبقة السياسية عليها أن ترحل: كل السياسيين في كل الأحزاب، المحكمة العليا، صندوق النقد الدولي، الشركات المتعدية الحدود، البنوك، الجميع، ليتمكن الناس من تقرير مصير هذه البلاد المعوقة اقتصادياً بأنفسهم".(2) وباستعادة أشبه ما تكون انعكاسية لحال الشارع العربي، يقول رولي، أحد المشاركين في انتفاضة الأرجنتين، وعضو إحدى "التجمعات الشعبية" التي نشأت تلقائيا لادارة الأحياء في بيونس ايريس: "الناس يرفضون الأحزاب السياسية. إن الخروج من هذه الأزمة يتطلب سياسة حقيقية. إن الاجتماعات التي يقوم بها الناس العاديين في الشوارع هي الشكل الأساسي لصنع السياسة"(3). الشارع العربي لا يرضى عن "قيادة" تجلس مرتاحة في مكاتبها وتناضل من خلال الهواتف، الجمهور يلتحم بقيادة "شوارعية"، أي تتحرك وتناضل في الشارع نفسه الذي تنزل إليه فيما بعد، وهي تدافع عن هذه القيادة ببسالة شديدة واحتمال عال. الجماهير لا ترضى أن تكون هي أو تَحَرّكها وسيلة للمساومة أو المفاوضة، وقد تعلمت على مدى سنوات عديدة وثقيلة، إن "القيادات" لا تنظر إليها إلا من هذا المنظار: أنها وسيلة ناجحة لتحقيق المكتسبات أو إدارة التسويات. لهذا، فقدت الثقة تماماً بالقيادات (سواء في الحكم أو المعارضة)، وهي غير معنية أبداً بتلبية ندائها أو حتى الوقوف إلى جانبها، إنها معنية بمن يتحرك من خلالها هي، وبآلياتها هي، وفي إطارها "الشوارعي" نفسه، وهي بهذا تكون على ثقة بهذه القيادة، وبصدقها، وبعدم انتهازيتها، وهو ما يثبت أنه صحيح تماماً. المثال الأبرز في هذا المجال سقوط مخيم جنين بعد أكثر من أسبوع من القتال الضاري الصعب، الذي كبد قوات الاحتلال خسائر كبيرة، نتيجة للالتحام الشعبي بالمقاومة الحقيقية وقياداتها الميدانية. وجاء رهان الجمهور في مكانه، حيث استشهد أو اعتقل أغلب (إن لم يكن جميع) قيادات المقاومة الميدانية. على الجانب الاخر، سقطت رام الله في سويعات، وما زال سدنتها أحياء يحلمون بطاولة المفاوضات. إن خيار قادة المقاومة في جنين، هو نفس خيار الشارع: خيار راديكالي، غير مهادن، غير تصفوي أو تفاوضي (على الأقل على مستوى الموقف المسبق)، ولا ينظر الى حركة الشارع كوسيلة تكتيكية. ثانيا: لتستمر المقاطعة في الحياة، يجب أن تبقى "شعبية" أنني أزعم أن ديمومة المقاطعة كفعل نضالي شعبي مرتبطة تماماً بما طرحته أعلاه، فمن الضروري جداً كما أرى أن تبقى المقاطعة فعلاً شعبياً دون قيادة، بل علينا أن نبتدع الآليات المناسبة لتحفيز وتذكير الناس بشكل مستمر ودائم بالمقاطعة دون إشعارهم بأن أحداً ما يملي عليهم أو "يتفصحن" عليهم، لأنهم ببساطة هم أصحاب المبادرة وليس أي أحد آخر!! إن دخول القيادات السياسية بخطاب من نمط: "… واللجنة الوطنية الأردنية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع ممثلة لأحزابنا ونقاباتنا ومنظماتنا الجماهيرية على ثقة أن شعبنا الأردني الأبي سيكون نموذجاً في الالتزام بمقاطعة المنتجات الأمريكية … فانجحوا برنامج المقاطعة"(4) هو دخول غير مجد على الإطلاق. إن هذه الخطابية المفرطة، واللهجة الآمرة، والتصدر الغير مبرر، كلها ستعطي نتائج عكسية في الشارع. وسيتساءل المواطن العادي صاحب المبادرة الذاتية: "مين همة هدول اللي جايين يحكوا؟". بل وسيبدأ بالانصراف عن هذه المسألة حين يقرأ مثلا أن اللجنة الوطنية الأردنية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع (المذكورة أعلاه) قد تراجعت عن نشر قائمة بأسماء الشركات والمنتجات المقاطعة خوفاً من مقاضاتها، واكتفت بالنداء العام (المذكور أعلاه أيضا)!! أو أن قادة جبهة العمل الإسلامي في الأردن (وهم من أقوى الدعاة إلى المقاطعة) قد اجتمعوا في أواسط شهر 7 من هذا العام بنائب مساعد وزير الخارجية الأميركية كريستوفر روس ومسؤول آخر"(5)، وهي زيارة "تأتي استكمالاً لزيارة سابقة قام بها بعض المسؤولين [الأمريكيين] برفقة الشيخ يحيى الهندي إمام مسجد جامعة جورج تاون الأمريكية"(6)، وكان موضوع الحديث هو "لماذا فشلت الإدارة الأمريكية في إقناع المسلمين بأن حربها ضد الإرهاب وليست ضد الإسلام والمسلمين"(7)، وأبدى روس "رغبته بمعرفة وتقييم موقف الشعب الأردني حول السياسة الأمريكية ولماذا يكره المسلمون أمريكا"(8) فقط لا غير!! هكذا، ستنهار ثقة الشارع بفعل المقاطعة تماماً، وسيبدأ الشعور بالإحباط حين يشاهد "سقف" المعارضة "المنظمة" أخفض بكثير من سقفه، أو أن هناك أطرافاً ما تستعملها لأجندات خاصة! علينا إذاً أن نبقي المبادرة شعبية، بل أن نناضل من أجل هذه المسألة، وعلينا بكل الوسائل أن نبعد قوى المعارضة "المنظمة" عن لعب دور "القائد"، لأنه دور مزور، فليست هي المبادرة بهذه المسألة، ولا هي مؤهلة أصلاً لقيادة تحركات هذا النوع، وأغلب الظن أن دخولها على خط الحراك الجماهيري سيحبط هذا الحراك من أساسه. لكن لا ضير من دور تحفيزي من قبل هذه القوى، ولكن شرط أن لا يتخذ شكل "التعليمات المنزلة من أعلى"! بل يجب أن يأتي بشكل توعية معلوماتية مركزة وموثقة. وربما كان هذا هو السبب الرئيسي الذي استدعى أن تقوم السلطات الأردنية بمنع فعاليات "يوم المقاطعة" الذي كانت النقابات المهنية تنوي تنظيمه يوم الثلاثاء 25/6/2002، وقامت في سابقة لم تحصل من قبل بمحاصرة مجمع النقابات ذلك اليوم وإغلاق المنطقة المحيطة به، ومنع الدخول إليه من الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر، وحتى الثامنة مساءا. ثالثا: السر في البساطة! علينا أن نتذكر أيضاً إن إحدى أهم نقاط الجذب الهامة في حركة المقاطعة الشعبية، أنها فعل غير صدامي بالمعنى المادي: فهي لا تتطلب مواجهة مع قوى الأمن المدججة بالأسلحة ولا استنشاقاً مستمراً للغاز، ولا جولات تعذيب في السجون حال إلقاء القبض على المتظاهر، ولا سؤال ولا جواب. لذلك فالمسألة سهلة جداً: لا أحد يملي عليك ماذا تشتري وكيف تشتري، ولا أحد يستطيع أن يقمعك أو يواجهك بالطرق القمعية الاعتيادية. الميزة هنا هي إمكانية إشراك أوسع ما يمكن من القطاعات: من طفل الثلاث سنوات إلى عجوز التسعين عاما. لا حدود ولا معوقات ولا "ضرائب" نضالية. إنها نضال "بسيط" فعلا. لكننا لا نفهم من هذا أن الجماهير العربية جماهير مستكينة أو جبانة، ولنا في مثالي المسيرتين في عمان دليلاً هاماً على شجاعة المواطن العادي عندما يقتنع بوجاهة فعل نضالي ما. "البسيطة" الثانية هي الشعار. شعار بسيط، ومنطقي، وصل إلى فهم الناس بسلاسة: "لا تدفع من جيبك ثمن أسلحة أعدائك". هذه إحدى أهم نقاط نجاح المقاطعة، وهو ما يجب أن يدفعنا لإعادة دراسة شعاراتنا فيما يتعلق بقضايانا الأساسية. فأنا لا أعتقد، رغم نشاطي الكثيف في مقاومة التطبيع والقضايا الوطنية الأخرى، إننا استطعنا أن نجعل مقاومة التطبيع أو نصرة العراق أو دعم الانتفاضة فعلاً يومياً مستمراً في قطاعات عريضة من الناس. الناس بمنطقهم الخاص يرفضون التطبيع ويتعاطفون مع العراق والانتفاضة، هذه مسألة محسومة، ولكن أن يتحول هذا الرفض والتعاطف إلى فعل وممارسة يوميتين، فهذه مسألة أخرى ينبغي الاستفادة فيها من "المقاطعة". رابعا: مقاطعة "داعمي إسرائيل" أم "أميركا وداعمي إسرائيل"؟ المقاطعة في الأردن لا تتم تحت شعار "مقاطعة داعمي إسرائيل". هذه الفكرة غير مطروحة بشكل جذري، بل السائد هو مقاطعة البضائع الأمريكية انطلاقاً من الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني، وخصوصاً فيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية، وهي مسألة منطقية تماماً. لنقرأ بعض التفاصيل. في تقرير حديث نشرهُ مركز معلومات تجارة الأسلحة في 5 أيار 2002 (9)، نجد أن حجم المساعدات الأمريكية للكيان الصهيوني خلال الـ50 عاماً الماضية بلغت 81.3 مليار دولار. ويحصل الكيان على 3 مليارات سنوية: 1.8 مليار منها على شكل معدات عسكرية (Foreign Military Finance) كمنح مقدمة من وزارة الدفاع الأمريكية، و1.2 مليار على شكل مساعدات اقتصادية (Economic Support Funds). وبحسب التقرير، فإن إدارة بوش تقترح خفض المساعدة إلى 2.76 مليار، ولكن ليتحول جزؤها الأكبر إلى المساعدة العسكرية (2.1 مليار دولار)، بينما الباقي مساعدات اقتصادية. وخلال العشر سنوات الأخيرة، اشترت "إسرائيل" ما قيمته 7.2 مليار دولار من الأسلحة والتجهيزات العسكرية، منها 762 مليون دولار فقط بالدفع المباشر، والباقي من خلال برنامج المساعدات العسكرية. ويذكر التقرير الدعم الأمريكي لمصانع الأسلحة والمشاريع العسكرية الإسرائيلية: 1.3 مليار لتطوير طائرة لافي (ألغي هذا المشروع)، 625 مليون لتطوير ونشر صاروخ أرو المضاد للصواريخ، 200 مليون لتطوير دبابة الميركافا، 130 مليون لتطوير نظام ليزر عالي الطاقة مضاد للصواريخ. كما يمتلك الكيان الصهيوني أكبر سرب من طائرات الـF-16 بعد الولايات المتحدة نفسها (أكثر من 200 طائرة، و102 إضافية تحت التصنيع). كما سلمت واشنطن سلاح الجو الإسرائيلي في 2002/8/9 "الدفعة الأولى من مروحيات بلاك هوك المحسنة والتي تعتبر الأحدث من نوعها في العالم"(10)، على أن يتسلم الإسرائيليون 24 مروحية أخرى خلال الأشهر القلائل التي تليها. إن مسألة مقاطعة "داعمي إسرائيل" أعقد من أن تقوم بها وتنظر لها مبادرة شعبية، فهي ترتكز أساساً على توفر كم من المعلومات لا يحصل عليه إلا نشطاء مختصون وقادرون، ويملكون وسائل الاتصال الحديثة، وخصوصاً الإنترنت، والقدرة على التعاطي معها. إن الحركة الشعبية معنية أساساً بمقاطعة البضائع الأمريكية كرد فعل على السياسات الأمريكية في المنطقة العربية والعالم، وهي فكرة سهلة، بسيطة، وعملية. وهكذا نجد مقاطعة نشطة لمنتجات كوكا كولا وبيبسي في الأردن أمام الإقبال على المنتجات السورية المماثلة (مندرين، أوغاريت)، إلى الدرجة التي طلب فيها هذان المصنعان الحماية مؤخراً من مديرية حماية الإنتاج الوطني في وزارة الصناعة والتجارة الأردنية، حيث بلغت زيادة نسبة الاستيراد لسلعة "مياه معدنية مضاف إليها سكر ومواد تحلية أخرى أو منكهة" في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام 294% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، كما أفاد بذلك مدير حماية الإنتاج الوطني (11)، حيث كانت "شركة الثلج والصودا الأردنية [مصنعة بيبسي] وشركة تعبئة كوكا كولا الأردن كثفتا حملاتهما الترويجية لمنتجاتهما منذ بداية حملة المقاطعة، وأطلقت الشركتين تصريحات صحفية هدفت إلى إثبات أن الشركتين تأسستا برؤوس أموال أردنية ويعمل بها أردنيون"(12)، كما كثفت الشركتان حملات التفتيش على الثلاجات الخاصة بهما لدى أصحاب المحلات للتأكد أن التجار لا يستعملوها لتبريد منتجات أخرى (13). وكان ماكدونالدز وبيرغركنج في الأردن قد قاما بحملة شبيهة ركزت على أن المحلات "أردنية" برأس مال وعمالة "أردنية"، وأنها تقوم بأعمال خيرية محلية. وقد خصصت ماكدونالدز 10% من أرباحها لمدة أسبوع لصالح فلسطين، في حين وقعت بيرغركنج اتفاقية مع شركة شووت صاحبة احتكار تذاكر الدخول إلى مباريات كرة القدم لترويج مأكولاتها من خلال التذاكر وبحيث يربح الشخص وجبات بيرغركنج على التذاكر، أو يحصل على تذكرة مع الوجبات (14). ويقاطع أيضاً في الأردن كنتاكي فرايد تشيكن، وسجائر مالبورو، في حين لا يعرف أحد أن شركة Nestle ومنتجاتها مقاطعة! المطلوب إذاً توفير معلومات غزيرة حول هذه المسألة، وبرأيي أن الحملة يجب أن تستمر بوصفها مقاطعة للشركات والخدمات وللبضائع الأمريكية، وتلك الداعمة لإسرائيل. لأن المقاطعة هي موقف من الولايات المتحدة أولاً بوصفها المحور الإمبريالي الأساسي والشديد العدوانية للعالم، وموقف من الكيان الصهيوني ثانياً بوصفه مشروعاً استيطانياً كولونيالياً في المنطقة العربية يرتبط ارتباطاً عضوياً بالإمبريالية الأمريكية. خامسا: مقترحات عملية ناتجة عن ملاحظات "ميدانية" 1- يتشتت الناس بسهولة، وغالبا ما لا يتذكرون القوائم الطويلة التي يوزعها نشطاء المقاطعة، ولذلك يجب إحداث نوع من التركيز المنسق على منتج واحد أو منتجين كل شهر، بدلا من اللجوء الى القوائم، على أن يعزز هذا الأسلوب بتوفير المعلومات الموثقة حول "لماذا نقاطع" هذا المنتج أو هذه الشركة. 2- المقاطعة الفعالة هي تلك التي يتوفر فيها "بدائل"، وبجودة مماثلة أو مقاربة. فالمندرين سهل كثيرا مقاطعة الكوكا كولا والبيبسي، في حين تحول أغلب مدخني المارلبورو والسجائر الأمريكية إلى الجلواز الذي افتتح مصنعا في الأردن مؤخرا. 3- على نشطاء المقاطعة المشتتين على أكثر من مجموعة إلكترونية (e-group)، إنشاء مجموعة متخصصة بالمقاطعة ليتم تبادل ونقاش الأفكار والمعلومات، وتنسيق جهود المقاطعة "المركزة التي تحدثت عنها في البند الأول، وربما يتمخض عنها إنشاء موقع مقاطعة إلكتروني مركزي. 4- مخاطبة مكتب المقاطعة العربي التابع لجامعة الدول العربية لتفعيل دوره من خلال النشطاء والمنظمات المعنية بالمقاطعة، خصوصا وأن "القمة" العربية قد أخذت قرارا بهذا الخصوص. 5- مخاطبة اللجان والمنظمات العالمية المناهضة للإمبريالية والعولمة الرأسمالية، وتلك المتضامنة مع القضايا العربية، لاشراكها في حملة المقاطعة والنقاشات الدائرة فيها، خصوصا وأن الكثير منها ينخرط حاليا في حملة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، كما توجد حملة أكاديمية لمقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين وقطع تمويل الأبحاث في الجامعات العربية. وربما يتم تنظيم مؤتمر عالمي حول هذه المسائل. الهوامش (1) موفق محادين، خبطة قدمكم (مقال)، العرب اليوم، الثلاثاء 2000/10/10 (2)Que se Vayan Todos: Argentina’s Popular Uprising, An eyewitness account of the financial meltdown and ongoing grassroot rebellion. A tabloid with no publisher, no date. Text/design by: John Jordan and Jennifer Whitney written in the period from 15 to 18 Feb 2002. Page 5. (3)ibid., page 6 (4) "نداء إلى جماهير شعبنا الأردني الأبي"، صادر عن اللجنة الوطنية الأردنية العليا لحماية الوطن ومجابهة التطبيع، بدون تاريخ. (5) العرب اليوم، الخميس 2002/7/25، ص 3 (6) العرب اليوم، الأحد 2002/7/28، ص 3 (7) نفس المرجع السابق (8) العرب اليوم، الخميس 2002/7/25، ص 3 (9)William D. Hartung and Frida Berrigan, US Arms Transfers and Security Assistance to Israel, An Arms Trade Resource Center Fact Sheet, May 6, 2002 (10) الرأي، السبت 2002/8/10، ص 23 (11) بدء التحقيق في قضية الإغراق المقدمة من بيبسي وكوكا كولا، تقرير علا الفرواتي، الرأي، الثلاثاء 2002/9/17، ص 17 (12) نفس المصدر أعلاه (13) نفسه (14) الدستور، الثلاثاء 2002/7/16، ص 40 يا حيف ع اللي جرحهم جرحي وفوق الجرح داسوا صاروا عساكر للعدى وكندرة العدو باسوا حسبنا الله ونعم الوكيل رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Cleo بتاريخ: 8 أكتوبر 2002 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 8 أكتوبر 2002 عزيزى أسامة.... أعتذر عن عدم استطاعتى إكمال قراءة مداخلتك... ليس لأنها طويلة. و لكن لأنها "وجعت قلبى".... :D :D :D كلاما مررت فوق سطورها سيطر على سرد الجبرتى لتاريخ 100 من تاريخ مصر (تلك التى وردت فى كتابه.. ده غير ال 200 سنة التى تلت و ال 5000 التى سبقت عصره) "فسرت فى الناس كرشة.... و هرعوا الى بيوتهم و أغلقوا حوانيتهم و أخذوا يدعون :يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف..ز يا مالك الممالك نجنا من المهالك...." ده حاجة تكسففففففففففففففف........... :sneaky2: :sneaky2: :sneaky2: :sneaky2: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المائدة - 51 مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ الأحزاب - 23 رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان