الأفوكاتو بتاريخ: 15 مارس 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 مارس 2007 (معدل) صناعة الدساتير, كتبت هذا المقال بناء على طلب الأخ حسين huss , و سوف أنشره فى نفس الوقت فى موضوع " صناعة القوانين المثبت, حيث يمكن الرجوع إليه بسهولة, فضلا عن أن الدستور ما هو إلا قانون تسرى عليه قواعد صناعة القوانين, و بعض الإجراءات الأخرى التى سيتم شرحها فى بقية المقال. تعريف " الدستور" يجلس الدستور علي قمة الهرم القانوني للدولة، وتحتاج إليه كل دولة لتحديد هويتها دوليا، إذ أنه يحدد طبيعة الدولة (هل هي بسيطة أم اتحادية)،و شكل نظام الحكم فيها، كما يحدد علمها وعاصمتها ولغتها وعقيدتها الفكرية والسياسية، والمسألة الثانية التي ينظمها الدستور هي السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية من حيث تشكيلاتها واختصاصاتها، وطبيعة العلاقة الدستورية فيما بينها، و يُنظم الدستور الحقوق والحريات السياسية والمدنية سواء على صعيد الفرد أو مؤسسات المجتمع المدني ،وكلما تضمن الدستور في نصوصه على مبادئ حقوق الإنسان كان أكثر ديمقراطية ، و الأهم من ذلك تطبيق هذه النصوص ، فالنصوص التي لا تجد طريقها إلى حيز التنفيذ تعد نصوصاً معطلة . إن هناك معيارين لتعريف الدستور، المعيار الشكلي: وهو يعتمد بصفة أساسية على الشكل الخارجي للدستور أو الجهة التي أصدرته ،فالدستور هو مجموعة من القواعد القانونية التي لا يمكن أن توضع أو تعدل إلا بعد إتباع إجراءات خاصة تختلف عن إجراءات وضع وتعديل القانون العادي. والمعيار الموضوعي: الذي يعتمد على مضمون القاعدة أو موضوعها ، ففي ظل المعيار الموضوعي يقصد بالدستور مجموعة القواعد القانونية التي تنظم مزاولة السلطة السياسية في الدولة فتنظم شكل الدولة الخارجي والسلطات المختلفة فيها ووظيفة كل منها والعلاقات فيما بينهما، كما أنها تبين ما يفترض أن تقوم به الحكومة وما لا ينبغي أن تقوم به من ناحية أخرى. فالدستور إذاً هو مجموعة من القواعد القانونية الأساسية التي تتناول أو تحدد : 1- – طبيعة ( شكل ) الدولة :تنقسم الدول إلى الدولة البسيطة ، و إلى الدولة الاتحادية ( المركبة )، وتتميز الدولة البسيطة ببساطة تركيبها ووحدتها ،حيث تكون لها حكومة واحدة و يخضع الأفراد فيها إلى سلطة واحدة وقوانين واحدة ، كما إنها تبدو وحدة واحدة في المجالين الخارجي و الداخلي، حيث تتولى هيئة واحدة إدارة شؤونها الخارجية ، وفي المجال الداخلي تتميز بوحدة النظام السياسي حيث يوجد دستور واحد يسري على كافة إقليم الدولة كما توجد سلطة تشريعية واحدة و سلطة تنفيذية واحدة وسلطة قضائية واحدة.أما الدولة الاتحادية فإنها تظهر إلى الوجود بعد اتفاق عدد من الدول أو الأقاليم على قيام اتحاد بينهم ، وتختلف قوة هذا الاتحاد حسب توزيع السلطات بين سلطة الاتحاد و الدول المكونة للاتحاد ،كذلك حسب الشكل الذي يتبناه الاتحاد إذ أن هناك عدة أشكال للاتحاد ( الاتحاد الشخصي ، الاتحاد الحقيقي ، الاتحاد التعاهدي ، الاتحاد المركزي – الفيدرالي - ) 2-– طبيعة نظام الحكم, إذ تقسم أنظمة الحكم من حيث الشكل إلى: · نظام حكم ملكي و نظام حكم جمهوري، · ومن حيث صورة الديمقراطية: إلى أنظمة دكتاتورية و أنظمة ديمقراطية (ديمقراطية مباشرة، وديمقراطية شبه مباشرة، وديمقراطية نيابية) ، ومن حيث تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث إلى : النظام الرئاسي و النظام البرلماني ونظام حكومة الجمعية ( النظام المختلط ). أولا:- تقسيم أنظمة الحكم من حيث الشكل ( ملكي وجمهوري) يعتمد هذا التقسيم على كيفية تولي رئيس الدولة لمقاليد الحكم فيها، فإن كان طريق الوصول للسلطة هو الانتخاب اعتبر نظام الحكم في الدولة نظاما جمهوريا، وإن كان الطريق هو الوراثة اعتبر نظاما ملكيا ،و يحدد الدستور الشروط الأساسية التي يجب أن تتوافر فيمن يتولى مهمة الحكم والأسلوب الذي يجب إتباعه لتعيينه لتولى هذه المهمة .فإن كان الذي يحكم هو الملك، فالدستور يحدد الشروط التي يجب أن تتوافر في شخص ما حتى يكون ملكاً وهو يتضمن في هذه الحالة نظاماً لولاية العهد أو الخلافة، وإذا كان الذي يحكم هو الرئيس، يحدد الدستور الشروط التي يجب أن تتوافر في شخص ما لكي يتولى هذا المنصب و أسلوب ترشيحه وانتخابه .ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يمتد إلى إيضاح وتحديد كيفية ممارسته لمهمة الحكم .ثانيا: تقسيم أنظمة الحكم حسب صورة الديمقراطية : تقسم أنظمة الحكم إلى أنظمة دكتاتورية و أنظمة ديمقراطية ، فالأنظمة الدكتاتورية تتميز بعدة سمات منها : احتكار جميع السلطات بيد سلطة أو شخص واحد ، نظام الحزب الواحد وعدم الاعتراف بالتعددية السياسية و الحزبية ، حرمان المواطنين من التمتع بحقوقهم و حرياتهم الأساسية والتي نصت عليها المواثيق الدولية ....الخ . و يمكن تقسيم طرق تولي الحكام لمقاليد السلطة في الدولة إلى اساليب غير ديمقراطية و تشمل ( الوراثة ، الاختيار الذاتي ، القوة ) ، أما الانتخاب فيعتبر من الاساليب الديمقراطية لتولي السلطة .و توجد ثلاث صور لممارسة الديمقراطية هي الديمقراطية المباشرة و الديمقراطية شبه المباشرة و الديمقراطية غير المباشرة (النيابية): 1- الديمقراطية المباشرة: وهي حكم الشعب نفسه بنفسه أو ممارسة سلطاته مباشرة دون ممثلين، حيث يجتمع المواطنون في اجتماع عام للتصويت على مشروعات القوانين و تعيين القضاة والموظفين و تصريف الشؤون العامة، وكان هذا النوع من الديمقراطية مطبقاً في المدن الإغريقية القديمة مثل دولة مدينة أثينا، و في الوقت الحاضر فإنها تطبق في ثلاث مقاطعات (كانتونات) سويسرية لقلة سكانها وبساطة مشاكلها، ورغم أن هذا النوع من الديمقراطية يحقق السيادة الكاملة للشعب إلا أنه من الصعب تطبيقها في الوقت الحاضر خاصة بعد توسع الدول من حيث الكثافة السكانية والمساحة . 2- - الديمقراطية شبه المباشرة: وهي عملية مشاركة الشعب في ممارسة السلطة بجوار الهيئة النيابية المنتخبة من خلال عدة وسائل منها:أ- الاستفتاء الشعبي عن طريق أخذ رأي الشعب في أحد الموضوعات المهمة، وقد يكون الاستفتاء دستورياً أي متعلقاً بالدستور، وقد يكون تشريعياً لأخذ رأي الشعب في أحد القوانين العادية، وقد يكون الاستفتاء سياسياً متعلقا بالشؤون السياسية.ب - الاعتراض الشعبي حيث يحق لعدد معين من الناخبين الاعتراض على أي قانون تصدره السلطة التشريعية.ج - الاقتراح الشعبي حيث يحق لمجموعة معينة من الناخبين التقدم بمشروع قانون إلى السلطة التشريعية. 3- - الديمقراطية غير المباشرة (النيابية): وهي ممارسة الشعب لسلطاته عن طريق نوابه الذين ينتخبهم انتخاباً حراً ، وقد نشأ هذا النظام في إنجلترا ثم انتشر في بقية دول العالم، ويقوم هذا النظام على أربعة أركان رئيسية هي: 1- وجود هيئة نيابية منتخبة ذات سلطة فعلية: حيث يشترط أن تتمتع هذه الهيئة بسلطات حقيقية في تسيير أمور الحكم في الدولة وإلا تحولت إلى مجرد مجالس استشارية. 2- توقيت مدة العضوية: يجب تحديد مدة معينة للهيئة وتحدد معظم الدساتير مدة العضوية من 3 إلى 5 سنوات. 3- النائب المنتخب يمثل الأمة بمجملها : فالتمثيل لا يتجزأ حيث يجب ألا يقتصر تمثيل النائب على أعضاء دائرته فقط بل هو ممثل للأمة كلها. 4- - استقلال الهيئة النيابية عن الناخبين : حيث لا يخضع النائب لتعليمات الناخبين و لا يمكنهم ممارسة الضغوط عليه بعزله أو محاسبته أو غير ذلك. للحديث بقية ( طويلة) تحياتى. تم تعديل 15 مارس 2007 بواسطة الأفوكاتو أعز الولد ولد الولد إهداء إلى حفيدى آدم: رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
الأفوكاتو بتاريخ: 15 مارس 2007 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 مارس 2007 الفصل الثانى مقارنة سريعة للدستور المصرى ببعض الدساتير الأخرى. بدون إطالة مملة, سأتعرض, بعد بعض الشرح, للدستور المصرى الذى قد يرى غير المصرى أنه غير ديمقراطى, و لكن لكل دولة ظروفها الخاصة, لذا, فإنه من الصعب اللجوء الى مقارنات لتحديد ما هو ديمقراطى و ما هى التركيبة الديمقراطية المناسبة لدولة معينة. كما أن المقارنة نفسها ليست مجدية, فمقارنة الدستور الإنجليزى بنظيره الأمريكى هى مقارنة بين شيئين مختلفين من ناحية الشكل, و كذلك المضمون, ذلك لأن الدستور الأمريكى كان نتيجة تشريع أستفتى عليه الشعب الأمريكى عند توحيد الولايات( ومثله فى ذلك الدستور الأسترالى), بينما الدستور الأنجليزى تطور مع تطور العرف القانونى الإنجليزى, فالدستور الإنجليزى لم يشرع, ولم يستفتى الشعب عليه فى وقت معين, كما أنه ليس متضمن فى و ثيقة واحدة, و هذا غير مستغرب, فالقانون الإنجليزى أصلا هو قانون تطور من أحكام المحاكم, التى تحولت الى سوابق قانونية ملزمة للمحاكم الأدنى, مكونة ما يسمى بالقانون العرفى الإنجليزى " Common Law". وقد أدخلت على الدستور الأمريكى بعض التعديلات مع مرور الزمن, لتحتضن و تواكب تطور الأحداث العالمية, ومن أقوى مواد الدستور الأمريكى هى مادة عدم رجعية القوانين, التى لها نظير فى القانون المصرى, وإن جرى العمل على رجعية القوانين فى ظروف معينة( و خاصة فى الأمور المدنية), بشرط عدم الحاق ضرر بالمواطن, أى أذا كان القانون يفيد ولا يضر(لا رجعية للقوانين التى تؤدى الى تجريم ما لم يكن جريمة وقت إصدار القانون). تضمن الدستور الأمريكى كثير من حقوق المواطن وحماية الحرية الفردية, و عندما وافق البرلمان الأنجليزى على الدستور الأسترالى فى 5 يوليو عام 1900, الذى وحد المستعمرات البريطانية الأسترالية, تحت حكم حكومة فدرالية موحدة, مع الإحتفاظ بدساتير المستعمرات, التى تحول إسمها الى " ولايات", فقد تعمدت الحكومة البريطانية عدم الإشارة الى حقوق الإنسان ,و السبب فى ذلك زعمهم أن القانون الأنجليزى( الذى كان مطبقا فى أستراليا ذلك الوقت و بعده) يحتوى على قوانين تحمى جميع الحريات و الحقوق , و تسمى هذه القوانين "Law of Torts" , ويقابلها فى القانون المدنى المصرى القوانين الخاصة ب" الخطأ, و الضرر, وحق التعويض طبقا لقوانين المسئولية المدنية".كما يقال أن الحكومة البريطانية ( العتصرية فى ذلك الوقت) لم تحبذ قوانين تعطى مساواة تامة لأهالى أستراليا الأصليين. ووجه الشبه بين كل من الولايات المتحدة وكندا و سويسرا و ألمانيا و أستراليا أنها دول تتكون من ولايات أو دويلات, ولكن المقارنة المجدية تكون بين دساتير دول لها خلفية متشابهة, مثل أستراليا و أمريكا. وقد إختار الشعب الأسترالى النموذج الأمريكى تفضيلا على النموذج الكندى, مع بعض الفروق, ففى حين أن الحكومة الفدرالية الأمريكية تختص بإصدار قوانين فى الأمور المستجدة التى لم تمنح الولايات حق التشريع فيها, نرى أن النموذج الأسترالى قد أعطى الحكومة الفدرالية سلطات محددة بموجب المادة 61 من الدستور الفدرالى الأسترالى, وهذه السلطات لا تتمتع بها حكومات الولايات لأنها حق مطلق للحكومة الفدرالية ( فى أمور مثل العملة, الدفاع, المواصلات, النزاع بين الولايات, الضرائب... الخ) كما أعطى الدستور الأسترالى الحكومة الفدرالية حقوقا فى بعض الأمور التى تختص بها الولايات, وفى حالة التعارض, تسرى القوانين الفدرالية, أما ما عدا ذلك من أمور مستجدة أو لم ترد فى الدستور الفدرالى, فليس فى قدرة الحكومة الفدرالية إصدار أية قوانين فيه, و تصبح هذه الأمور من إختصاص الولايات فقط, إلا إذا فضلت الولايات التنازل عن هذا الحق, كما حدث فى قوانين الأسرة, التى كانت أصلا من إختصاص الولايات, ولكن لمصلحة توحيد قوانين الأسرة’ تنازلت الولايات للحكومة الأسترالية الفجرالية عن حق إصدار قوانين فى الأحوال شخصية. سأتوقف هنا, , و إلى اللقاء فى الحلقة القادمة. أعز الولد ولد الولد إهداء إلى حفيدى آدم: رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
الأفوكاتو بتاريخ: 18 مارس 2007 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 18 مارس 2007 الأعضاء الأفاضل, بعد الإطلاع على بعض ما نشرته أخيرا عن صناعة القانون و صناعة الدستور, جاءنى من عضو فاضل هذا السؤال: 1- ما هى مصادر القانون طبقا لدستور 1923؟ 2- , و ما هى المصادر التى وردت فى دساتير ما قبل دستور1971 3- متى بالضبط توقف الأخذ بالسابقة القانونية كمصدر للقانون فى مصر؟ و إليكم الإجابة على الفقرتين الأولى و الثانية من السؤال: آمن واضعو دستور 1923 بمبدأ تعدد مصادر القانون, و جعل " التشريع" المصدر الأول, ثم السوابق القضائية و فقهها , ثم العرف, ثم الشريعة الإسلامية ( فى حالة غياب نص تشريعى, و خاصى فى مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين, حيث أن مسائل أحوال الشخصية لغير المسلمين كانت من غختصاص المجالس الملية ) , ثم قواعد العدالة الطبيعية. و يبدو أن واضعى ذلك الدستور كان تملكوا حسا قانونيا يفوق كثيرا من يقومون الآن بصياغة الدساتير, فرغم الفرق الزمنى بين دستور 1923, و دستور 1971, الذى سيتم تعديله للمرة الثالثة, فإن دستور 1923 جاء متمشيا مع المبادئ الديمقراطية التى تطبقها الدول المتقدمة الآن. و كما شرحت فى عديد من مقالاتى, فإن أحد عيوب الدساتير المصرية الحديثة هى خلطها بين مصطلح " قانون", و مصطلح " تشريع" , بحيث أرجعوا كل القوانين إلى" التشريع", متغافلين عن مصادر, أخرى هامة ( معترف به عالميا) من مصادر القانون, مثل " الفقه القانونى المستمد من السوابق القضائية, و العرف, و قواعد العدالة الطبيعية. و الغريب هو ذكر مبادئ الشريعة الإسلامية ك" المصدر الرئيسى", بما يعنى أن هناك مصادر أخرى غير رئيسية, و لكن المشرع لم يكلف خاطره بذكرها, و كأنها سر من أسرار الدولة. و قد ألغى دستور 1923 بإصدار دستور مؤقت عام 1953, أى بعد سنة من قيام الثورة, تجسدت فيه جميع عناصر توحيد السلطة فى النظام الحاكم, و إلغاء الأحزاب, و تشكيل مجلس الثورة. و فى عام 56 , صدر دستور على نفس خطى الدستور المؤقت, تكلم عن الإشتراكية, و الإقطاع, و تحديد الملكية, و ملكية الشعب للأرض ووسائل الإنتاج... الخ, و فى هذين الدستورين, لم تتم الإشارة إلى مصادر للقانون سوى التشريع, الذى تكون مبادئ الشريعة الإسلامية "مصدر رئيسى" له. و تكرر نفس الأمر فى دستور الوحدة عام الذى وحد مصر و سوريا عام 1958, و لم يأتى بجديد, ثم تلا ذلك دستور 1964, و الذى استمر على تأكيد نظام الحزب الواحد, و الإستفتاء على شخص واحد لرئاسة الجمهورية. و جاء دستور 1971 لكى يكرر ما ورد فى الدساتير الأخرآ متجاهلا مصادر القانون الأخرى, و لكن رافعا من مقدار مبادئ الشريعة الإسلامية, و ذلك بإضافة حروف ألف و لام أمام كلمة " مصدر رئيسى" لكى تصبح " المصدر الرئيسى" للتشريع, و مرة أخرى, لا ذكر للمصادر الأخرى. الإجابة على الفقرة الثالثة من السؤال: الرد هنا يستلزم شرح لعملية إنشاء " السوابق القضائية" , و سأقوم بذلك مستعملا لغة يسهل فهمهما لمن لم يدرس القانون أكاديميا: السابقة القضائية ليست سوى حكم محكمة عُليا يسرى على المحاكم الأقل درجة منها , و تكون فى نفس نطاق اختصاصها, فالسابقة القضائية المصرية لا تسرى على محاكم الأردن مثلا, و إن كانت هناك مثل هذه الحالات( و التى ليست نادرة), و لكن فى نظم قضائية أخرى كما سأشرح بعد. و تكون للسابقة " الملزمة للمحاكم" قوة القانون فى الحالات المشابهة للقضية التى صدر فيها هذا الحكم. و لكن ليس كل حكم محكمة يشكل سابقة, فإذا كان الحكم ليس سوى إعمالا طبيعيا للقاعدة القانونية, فلا يعتبر الحكم سابقة, حيث أن كلمة سابقة تعنى حرفيا " أنها لم يسبق لها مثيل" و حكم المحكمة المكون للسابقة لا يخالف القانون , بل يكون تطبيقا للقانون, و لكن بتفسير لبعض كلماته على نحو لم يتم من قبل, طبقا للتغير فى الظروف السياسية, و الإجتماعية, و الإقتصادية, و البيئية.. و قد قدمت نموذجا لمثل هذه السوابق, فى القضية الفرضية التى نشرتها سابقا, عندما فسرت محكمة ابتدائية كلمة " عربات محركية", ( أى تدار بالموتور) بأن قصد المشرع كان إدراج السيارات, و الأتوبيسات, و الجرارات, و اللوريات, الخ, فى القانون و لكن ليس......." كرسى للمقعد يديره موتور كهربائى صغي, يدار ببطاريةر, و ليس ثقيل الوزن, و لا يُخرج عادما, و لا يضر بيئيا بالحدائق العامة, و خضرتها و زهورها و جوها النقى". عندما تستأنف البلدية ( فرضا) هذا الحكم, و تؤيده محكمة الإستئناف, يصبح هذا " التفسير" الوارد فى هذا الحكم ملزما لجميع المحاكم الإبتدائية, و لكنه ليس ملزما لمحاكم الإستئناف الأخرى, و لكن لو بلغ الأمر إلى محكمة النقض, و أقرت هذا التفسير, أصبح هذا " التفسير" سابقة قضائية" تسرى على جميع المحاكم فى القطر, و يكون لها قوة القانون. إذن , ليس كل حكم إستئنافى خالقا لسابقة, فالأحكام الإستئنافية قد تؤدى إلى الآتى: 1- إلغاء حكم سابق 2- تغيير الحكم السابق 3- تبديل مواقف المدعى أو المدعى عليه 4- إبداء إعتراض على الحكم السابق 5- تقديم تفسير لكلمة فى القانون لم تقدمها محكمة أخرى من قبل. و هذه الحالة الأخيرة هى التى يمكن أن تخلق سابقة قضائية. و لكن لهذا شروط: 1- يتكون الحكم من شقين, الشق الأول هو المبدأ القانونى الذى استند إليه القاضى فى إصدار الحكم, و يسمى هذا الجزء باللاتينية: ratio decedindi أى سند أو سبب الحكم و يتكون الشق الثانى من بعض ما ورد فى حيثيات الحكم, كالتعليق على جسامة الجريمة, و قسوة الجانى, وآلام أسرة المجنى عليه, و كثير من هذه المواد الإنشائية التى يجيدها بعض القضاة. و يسمى باللاتينية: obiter dicta أى كلمات تقال " على الماشى" فى هذه الحالة بالذات, و لا تدخل فى المبدأ الذى توصل إليه القاضى. 2- الحكم الذى يكوّن السابقة لا يقتبس منه سوى " ratio decedindi, 3- لتطبيق السابقة, يجب أن تتشابه الأحداث و الظروف فى القضية الجديدة مع أحداث القضية المنتجة للسابقة. 4- يمكن لقاضى محكمة إدنى التهرب من تطبيق السابقة فى القضية المنظورة أمامه , و ذلك بذكر أن أحداث هذه القضية تختلف عن أحداث السابقة القضائية.( تفريد الوقائع) و السوابق القضائية يمكن أحيانا أن تطبق فى دولة أخرى عن طريق " الإستحسان" و ليس عن طريق " الإلزام" فقد يستشهد محام أمريكى بقضية إنجليزية شهيرة أرست سابقة مهمة, و قد لجأت أستراليا إلى إقتباس كثير من السوابق الإنجليزية, إلى أن كون النظام القضائى الأسترالى سوابقه النابعة عن محاكمه. و إغفال السوابق القضائية التى أستقر عليها الفقه القضائى فى مصر سببه واضح, و عمدى, و مقصود. فالمشرع المصرى أردا أن يحرم المحاكم من حق البحث عن نية المشرع, فالدستور و القانون مكتوبان بطريقة تحقق تماما ما يريده رئيس السلطة التنفيذية, و لا مكان للمحاكم لكى تغير " بالتفسير" ما أراد رئيس السلطة أن يكون قانونا. و لأن المحاكم المصرية حاولت إرساء بعض السوابق فى الماضى, فقد ردت الحكومة على هذه المحاولة بأمرين: الأول : تجاهل هذه الأحكام التى تفسر القانون على غير هوى السلطة التنفيذية الثانى: قصر الحكم على الحالة الأصلية, و إصدار تعليمات بأن من من يتضرر من موقف قانونى معين, عليه , أثناء نظر قضيته, إثبات أن وقائع حالته " تتطابق تماما" مع القضية التى يستند إليها المتضرر كسابقة , أى أن العبرة هنا هى تشابه الوقائع, و ليس تشابه الموقف القانونى, أى التفسير القانونى للوقائع كما ثبت فى القضية التى يُستشهد بها كسابقة, و يتبع ذلك أن على من يريد الإستشهاد بسابقة قضائية, عليه إقناع قاضى قضيته من جديد بالمبادئ التى وردت فى السابقة القضائية. و سكون رد القاضى: سالتزم بوقائع قضيتك, و أحكم فيها بما أراه. و لا يوجد قانونيا أو دستوريا ما يلزم القاضى المصرى بتطبيق سابقة قضائية, حيث أن هذا ليس منصوصا عليه فى الدستور, و إن كان مبدءا قانونيا تلتزم به جميع النظم القانونية الدستورية فى العالم. و مجرد إغفال ذكر" فقه السوابق القضائية" فى الدستور كمصدر للقانون هو فى حد ذاته تجريد صريح للمحاكم من حقها فى إرساء سوابق قضائية, قد تفضح الفشل التشريعى. و على هذا, يمكن القول أن التوقف فى الأخذ بالسابقة القضائية كمصدر من مصادر القانون تم فور قيام الثورة, و التوقف عن ذكر السوابق القضائية و فقهها فى الدستور كمصدر من مصادر القانون, (و إن كانت هناك بعض الحالات الفردية التى لم يكن الحكم فيها يشكل تغييرا جوهريا فى مفهوم القانون السائد, و قبلتها المحاكم كسوابق قانونية, ليس لأنها ملزمة, بل لأنها حلت مشكلة). لعل هذا يشرح أسباب تفاوت و تعارض الأحكام القضائية, فى ظل "عزف فردى", و ليس جماعى, حيث يحق للعازف الفرد, أن يكون لحنه نشازا, خارجا عن اللحن الذى يفضله الجميع. تقبلوا تحياتى. أعز الولد ولد الولد إهداء إلى حفيدى آدم: رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان