موضوع مهم -- الغش الجماعي والمستقبل

[KANE]

الغش الجماعي والمستقبل ـ د. أحمد دراج

د. أحمد دراج : بتاريخ 25 - 4 - 2007 تناولت في الأسبوع الماضي قضية الغش الجماعي في مدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية التي نافح فيها الرجل التربوي وكيل الوزرة عن خراب وزارته، كما نافح فيها أحد مشايخ السلطة عن مكاسبه الشخصية كرئيس مجلس أمناء المدرسة في زمن صار فيه الغش والتدليس بضاعة مطلوبة ورائجة، وفي نفس السياق أعرض على القراء الكرام حكاية واقعية من إحدى مدارس وزارة التربية والتعليم المصرية المصونة.

في أعقاب نهاية العام الدارسي الماضي قص على أحد المدرسين الشباب في الكلية التي أعمل بها حكاية ابنته -التي لم تكد تتجاوز الأعوام الخمسة بقليل- بانزعاج ومرارة شديدين، وأشاطره كل مخاوفه على هذه الأجيال وعلى مستقبل بلد كامل ينهش الغش في مفاصله .

بعد انتهاء العام الدراسي الماضي وحصول ابنة زميلنا على أعلى الدرجات في مرحلة الحضانة، وكان ترتيبها الأول على الصف الثاني من الحضانة ( KG2 )، فقرر هو وزوجته إقامة حفل صغير لتشجيعها على مواصلة التفوق في العام التالي.

وبعد انتهاء الحفل الذي جمع زميلاتها وبعض أصدقاء العائلة المقربين، وانصراف المدعوين، جلس زميلنا الشاب مع زوجته وابنته ذات السنوات الخمس، وهم في غاية السعادة بالهدايا والحفل، فقال في نفسه هذه فرصة مناسبة لأتحدث إلى ابنتي في هذا الجو المرح على مداومة التحصيل والاجتهاد من بداية العام الدراسي المقبل، وبعد أن انتهي هو وزوجته من حوارهما الدافئ مع طفلتهما الصغيرة ، قال لابنته : نريد أن تبدئي من أول العام في المذاكرة بجد مثل العام الماضي لتظلي الأولي ونقيم لك هذا الحفل وتلك الهدايا.

فقالت لهما الطفلة ببراءة الأطفال وفي منتهي الجدية : أنا لن أتعب نفسي في المذاكرة بعد ذلك مثل العام الماضي، ولكن اطمئنا فسوف أكون الأولى على الفصل وعلى المدرسة كلها.

فقال الأب متعجبا : كيف تكونين الأولى بدون مذاكرة طول العام ؟

فردت الطفلة الصغيرة : كل ما أذاكره وأسهر من أجله طول العام ليس له أي فائدة، لأن المدرسين والمدرسات يأتون في الامتحان ويغششونا الإجابة كلها، ويكتبون الإجابة للبنت التي لا تعرف الكتابة، فلماذا أتعب نفسي في المذاكرة والسهر ؟ انتهي.

هذه والله الحكاية كما سمعتها وبحذافيرها دون زيادة أو نقص، وعلمت من بعض الزملاء الآخرين أن كثيرا من المدرسين والمدرسات في المدارس التجريبية والخاصة يطلبون من تلاميذ الحضانة والابتدائي الحصول على دروس خاصة أو مجموعات تقوية، وسأترك للسادة القراء استنتاج أي مستقبل مظلم سيأتي على هذا البلد في ظل براعم تربي على كل الخصال السيئة من غش وكذب ونفاق!!!

وبعد ذلك، كيف يعرف هؤلاء الأطفال قيمة العمل والمثابرة والجهد ؟ وما قيمة العلم والمعرفة في مفهوم هذه الأجيال التي ستتحمل مسئولية البلد ؟ وأي مستقبل ينتظر أبناء بلد تعلى من قيمة الغش والفهلوة والبكش والتكاسل ؟ اتقوا الله في هؤلاء الأطفال والشباب الذين تخربون عقولهم وتدمرون مستقبلهم !!!!

وقد يتساءل بعضنا : كيف يتغلب المدرسون وغيرهم من عامة الشعب على عدم كفاية المرتب الشهري في ظل الغلاء وزيادة الأسعار ؟

في رأيي ورأي غيري أن الطريق كان واضحا، وهو مطالبة جهة العمل الوزارة والدولة بمقابل مادي مناسب للعمل في المدارس، ولو أدى ذلك لاستخدام الحق الدستوري في الاعتصام والإضراب عن العمل للحصول على مرتب يكفي للحياة الكريمة، ولكن معظم المدرسين وتبعهم غيرهم في الانحراف عن جادة الصواب واختاروا الطريق الخاطيء الأسهل وهو ابتزاز الطالب وأسرته للحصول على حقهم في العلم بمقابل مادي يكبر كل يوم، وتحولت بعض شرائح الشعب إلى المشاركة في ابتزاز غيرها، وأصبح كل منا يدور في رحى مرتب لا يكفي الدروس الخصوصية ومصاريف المدرسة والرشاوى والنهب من السجل المدني للمرور إلى الكهرباء والماء وهلم جرا، فهل يمكن أن يتطور أو يعيش شعب سادت فيه الانتهازية والرشوة والمحسوبية إلا كما تعيش الجرذان ؟ فهل هذا معقول ؟!!!