اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

عشوائية خلاقة!


Sherief AbdelWahab

Recommended Posts

ربما يري البعض أن الواقعة بسيطة أو عادية، وأنها ليست الأولي، ولن تكون الأخيرة، أو قد تكون مجرد رد فعل غاضب علي حكم قضائي، لكن المؤكد أنها كاشفة وتعكس إلي أي مدي ضربت الفوضي البلد، وغاب المنطق عن تصرفات غالبيتنا، وساد الشعور بالظلم حتي لو كنا من الظالمين،

الأمر يتعلق بالأحداث التي جرت داخل قاعة المحكمة، بعد النطق بالأحكام في قضية رشاوي البترول.. وبغض النظر عن القضية أو المتهمين أو طبيعة الوقائع فيها، فإن الواقعة أثارت تساؤلاً مهمًا: إذا كان علية القوم في البلاد استندوا إلي ما لديهم من سلطة ونفوذ ومال،

في خرقهم القوانين في شتي المجالات.. فعلي ماذا يستند البسطاء في إصرارهم علي خرق كل قانون؟ إن حالة الغضب العام في مصر جعلت الناس لا يثقون في كل ما هو رسمي، تنفيذياً أو تشريعياً أو قضائياً، ولا يمكن الفصل بين ما جري في قاعة المحكمة وخارجها، وبين رد الفعل علي إسقاط عضوية البرلمان عن النائب محمد السادات، أو ردود الفعل علي قرارات الحكومة،

في شأن القمح المسرطن أو الأدوية المميتة، أو المسارح الحارقة أو العبارت الغارقة، ولذلك اختار المواطن أن يحصل علي حقه بيده، وأن يعيش دون أن يدع غيره يعيش، وأن يمارس الركاكة ويستمتع بها، حتي لو كانت مهلكة لمواطن آخر.

كيف انفجرت ماسورة الميكروباصات في شوارع مصر، دون ضابط أو رابط؟ وكيف تضرب قواعد المرور من عفاريت الأسفلت وشياطين الترلات؟ ولماذا تسرطن التوك توك في الشوارع، رغم قرار منعه؟ ولماذا يلجأ مواطن إلي سرقة التيار الكهربي بطرق وحيل مبتكرة ويشعر بالسعادة؟ ويسرق بعضهم الماء بتوصيلات من منازلهم؟

ويلقي الناس زبالتهم إلي الشوارع بعيداً عن صناديق القمامة البلاستيكية؟ و«يضرب» أحدهم شهادة الدكتوراه من إحدي الدول الأوروبية، التي كانت شرقية؟ ويصر الطالب علي الغش في الامتحانات رغم الدروس الخصوصية؟

وينهب التاجر المستهلكين، دون رادع أو حتي تأنيب لضمير؟ ويخاطر مواطن بـ«خنصرة» حق الدولة من ضرائب أو جمارك أو رسوم؟ لماذا عمت الفوضي وسادت العشوائية واختلط الحابل بالنابل، وصار كل منا يفرح ويسعد ويبتهج، كلما نجح في اقتناص مصلحة، حتي لو كانت محرّمة أو مُجرمة؟

يفعل البسطاء ذلك، لأنهم أدركوا أن حقوقهم ضائعة ولسان حالهم يردد: «وما نيل المطالب بالتمني»، وعقولهم علي قناعة، بأن حياتهم مهددة، ما لم يعودوا إلي قانون الغاب، مادام أن القانون قد غاب.. يتلذذ المواطن بخرق القانون، لأنه رأي أصحاب النفوذ والسلطة والمال، قد حصدوا الأخضر واليابس،

وبنوا علي الأرض الزراعية فكسبوا ثمن بيعها شققا وبنايات وناطحات سحاب، ثم نالوا أراضي صحراوية «ببلاش»، ليستثمروا فيها أموال بنوك حصلوا عليها، دون عناء أو ضمان.. يبتهج المواطن كلما ضرب عرض الحائط، بقرار أو قانون حين يعرف أن «التسقيع»، صار شطارة، وأن المال العام أصبح تجارة،

وإذا وجد المرافق والمواسير والكابلات تمد إلي مساكن عشوائية، أقيمت بالمخالفة للقانون في كل موسم انتخابات، طمعاً في أصوات أصحابها وساكنيها، وإذا أيقن أن المال اختلط بالسلطة، وأن أصحاب المال والسلطة معاً، لا يسددون غرامات المرور أو حق الدولة من ضرائب أو جمارك، و«طالعين واكلين نازلين واكلين»،

رغم ما يعانونه من تخمة، عندما ينام المواطن ليله ويصحو ليجد فنادق قد أسست وأبراجًا قد ارتفعت، لتفسد عليه حياته وترفّه عن الآخرين حياتهم، وتحجب عنه ضوء الشمس ومنظر النيل، الذي ظل لسنوات يسمع أن مصر هبته.. أي فوضي خلاقة أفضل من تلك؟

نحن ابتكرنا فوضي لا يحلم بها لنا الأمريكيون، مهما تآمروا وخططوا وأنفقوا ليزرعوها فينا، وخلطناها بمزيج من العشوائية والارتجالية.. وإصرار عجيب علي الإطاحة بحضارة نتحدث عنها ولا نمارسها، وتاريخ ندرسه في المدارس ونطمسه خارجها، فقدنا حواسنا وألِفْنا العيش عشوائيا ونعتقد أننا نعيش عيشة خلاقة.

http://www.almasry-alyoum.com/article.aspx?ArticleID=62807

خلص الكلام

Sherief El Ghandour<br /><br />a furious Egyptian

رابط هذا التعليق
شارك

مقال أكثر من رائع ... أحييك على اختيارك عزيزى شريف .. ان ما يحدث ى مصر حاليا هو فوضى حقيقية .. لا نعلم بعد ما اذا كانت خلاقة أم لا .. سنعرف عن هذا قريبا .. قريبا جدا على ما أعتقد

مهيب

<span style='font-size:14pt;line-height:100%'>حين يصبح التنفس ترفـاً .. و الحزن رفاهية .. والسعادة قصة خيالية كقصص الأطفال</span>

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...