تيتو بتاريخ: 6 يونيو 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 6 يونيو 2007 أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم . "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً" خُلُقنا اليوم هو خُلُق " الحياء"، والحياء والإيمان متلازمان كلما زاد خلق الحياء زاد الإيمان، وكلما نقص قل الإيمان، فهو لصيق بالإيمان. ما معنى الحياء؟ وما معنى أن نقول أن فلان عنده حياء؟ الحياء هو انقباض النفس عن فعل المعاصي والرذائل والقبائح، فقلبك لا يطيق أن تفعل الحرام، لأنك لا تطيق أن ترى نفسك مهانة أمام الله أو أمام الناس أو أمام نفسك. لأن نفسك كريمة . هذا هو الحياء، وكأنه عاطفة بداخل النفس ترتفع بها النفس عن الدنايا والصغائر، أنا أزني؟ أنا أسرق؟ أنا أكذب؟ لا يمكن، ولِمَ؟ لأن نفسي كريمة، عظيمة عن ذلك، فأنا أرقى من ذلك، وأنا أحترم نفسي أمام الله عز وجل وأمام الناس وأمام النفس.كلمة الحياء أصلها من الحياة، حيي، أو استحيا الرجل: أي من قوة نبض الحياة داخله ترفع عن فعل الرذائل والدنايا، لذلك هناك علاقة شديدة بين الحياء وأن يكون القلب حياً، كلما كان القلب حياً ازددت حياءً. ولذلك يقال: أكثر الناس حياة " أكثرهم حياءً" لأن القلب عندما يموت فلن تستقبح شيئاً، فأي شيء من الممكن أن تفعله. ما الفرق بين الخجل والحياء؟ كثيرون يعتقدون أن الحياء معناه الخجل، أنا أخجل إذن أنا حيي، لا. الخجل: هو ارتباك لمجرد أن يكون المرء أمام من هو أكثر منه علماً، أو تسلط عليه الأضواء، أو يوجه أحد له سؤالاً، فلا يقدر أن يعبر عن نفسه . وكأن الخجل ناتج عن جبن، عن خوف، عن شخصية لا تشعر بقيمتها، شخصية ضعيفة. الحياء : عكس ذلك تماما، فهذه الشخصية من فرط تقديرها لذاتها وأنها كريمة تستعلي عن فعل القبائح. الخجول يخجل لأنه يرى نفسه قليلة في نظره، أما الحيي فيترفع لأنه يرى نفسه كريمة، فيأبى أن تهان نفسه أمام الله أو أمام الناس أو أمام عينه، فالفرق كبير. هذا الفرق يجعلنا نفسر تصرفات كثيرة. فلا تترك حقك مهضوما وتقل إنني حيي، هذا ليس حياءً، إنما الحياء أن تستقذر القبيح، فلا يمكن أن تنطق بسبِّ أحد، أو تعاكس فتاة في الشارع. أقوال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحياء: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان " الإيمان بضع وسبعون خصلة أو نقطة أو موضوع، الحياء أحدها. والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر البضع وسبعين، لكنه ذكر " الحياء" ولِمَ ؟ لأن الحياء هو الذي يعينك على إكمال الشعب الباقية، فإذا انضبط الحياء ستنضبط بقية الأخلاق والبضع وسبعين شعبة. استكمل حياءك، تستكمل إيمانك. في رواية أخرى " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله؟ وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤكد على أن الحياء شعبة من الإيمان. حاول العلماء الاجتهاد لمعرفة البضع وسبعين شعبة، " فابن شيبان" قال إن أكثرها – وهي مقسمة – شعب تخص القلب، وشعب تخص اللسان، وشعب تخص البدن. فالتي تخص القلب: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالبعث والنشور والقيامة والجنة والنار – والخوف من الله والتوبة – والرضا – والشكر – كل ما يخص القلب … والتي تخص اللسان: - تجنب آفات اللسان – تعلم العلم – قراءة القرآن – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – والذكر والدعاء. والتي تخص البدن: - الصلاة- الصيام- الجهاد – الحج – العمرة – الدعوة إلى الله .. أشياء كثيرة. ومع ذلك لم يذكر النبي أية واحدة منها، وإنما ذكر الحياء، لأنه الضابط للسبعين. أنا لن أستطيع أن أصل إلى مرحلة بر الوالدين إلا إذا كنت أستحي منهم. لن أستطيع أن أتوب إلا إذا كنت أستحي من الله. لن أستطيع أن أقدم على الحج والعمرة إلا إذا كنت حيياً من ذنوبي وأريد أن أتطهر منها . الأخلاق كلها مردها الحياء، الحرص على طاعة الله مرده الحياء من الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء والإيمان قرناء جميعا، إذا رُفِع أحدهما رفع الأخر " . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء كله خير".ويقول أيضا " الحياء لا يأتي إلا بخير " نتيجته إيجابية دائما. حديث النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء – السفالة الرذائل – من الجفاء والجفاء في النار". الجفاء: غلظة القلب. حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا ". ...ألا نرى هذه الأمثلة في الشارع، واحد أو واحدة، تخجل أنت من أفعالها وتتوارى خجلا، نُزِعَ منها الحياء، وإذا نظرت في الوجه وجدته بغيضا مقيتا. "... فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقوتا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعونا...". أول ما نزع منه كان الحياء لأنه أول درجة لضياع الإيمان، وضياع الدين . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء" ماذا يعني؟ هل لا يوجد في أخلاق الإسلام إلا الحياء، لا ، ولكن أكمل وأعظم أخلاق الإسلام هو الحياء. حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى – أي أنه الخلق الوحيد الذي لم ينسى من أول الأنبياء لأخرهم ، الخلق الوحيد الذي اجتمع عليه جميع الأنبياء – إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري. ما معنى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت؟ لها معنيان: 1. تهديد: إذ لم يكن عندك حياء فافعل ما شئت فسوف تُجازى به. 2. أو انظر للفعل الذي تفعله أتستحي منه أمام الله ؟ أتستحي منه أمام الناس؟ أتستحي منه أمام نفسك؟ إذا كنت لا تستحي منه فأقدم ولا تبالِ – فافعل ما شئت – لا ضرر عليك ولا إثم عليك. نماذج الحياء في القرآن – في حياة النبي صلى الله عليه وسلم – الصحابة وحياؤهم – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها. انظر للعذراء في مخدعها وهي حريصة على نفسها وعلى حيائها، عندما تتعامل مع الرسول تجده أشد حياءً منها. أين حياؤك أنت؟ أتستحي أن ترى منظراً فاضحاً فيحمر وجهك وتغض بصرك حياء من أن ترى هذا المنظر؟ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء، أي يطلب منه أن يقلل من حيائه قليلا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن الحياء من الإيمان" حديث أهديه لأخواتنا: " جاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الإسلام فقال لها الرسول والسيدة عائشة تقف تشهد الموقف: "بايعيني يا فاطمة على ألا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني..."، والمرأة هنا من شدة حيائها من الكلمة خفضت رأسها، ووضعت يدها على رأسها، فأعجب الرسول بحيائها، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: يا فاطمة بايعي، فقد بايعن النساء على ذلك، فبايعت فاطمة. قارن هذا الخلق بما يجري الآن، أنت أحيانا تخجل ويحمر وجهك عند سماعك كلام البنات مع بعضهن الآن، والسيدة خجلت ووضعت يدها على رأسها وخفضته لمجرد أنها سمعت لفظ الزنا. في حديث عن السيدة عائشة: تقول السيدة عائشة: كنت أدخل بيتي -وقد دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أبوها- فكنت أقول أبي وزوجي، فكنت أضع ثيابي، فلما مات عمر بن الخطاب ودفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، استحييت أن أضع ثيابي، فكنت أشد عليّ ثيابي حياء من عمر – وهو ميت-. قارن حياءنا الآن –نساء ورجالا- بهذه القصة وهذا الحياء. يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن حياء عثمان بن عفان رضي الله عنه: "ألا أستحي من عثمان؟ ذلك رجل تستحي منه الملائكة " من أدبه وحيائه. يا ترى من هذا الذي تستحي منه الملائكة؟ هل هو هذا الشاب الذي يركب سيارته ويرفع صوت جهاز التسجيل على آخره، ويعاكس الفتيات في الشارع. وهل هي هذه الفتاة التي ترتدي بنطلونا "سترتش " وهو ملتصق بجسدها لدرجة يستحيل معها أن تكون قد ارتدته بنفسها، وترتدي الـ "بودي " الضيق والقصير و…. هل يمكن أن يكون هؤلاء هم أبناء عثمان وعائشة وفاطمة؟ هل نحن ببعدنا عن الحياء بهذا الشكل نكون أتباعاً لهؤلاء؟ ونحن نتحدث عن الحياء تكون نظرتنا للفتاة أشد ومطالبتنا لها أشد، انظري إلى حياء الفتاة التي قابلها سيدنا موسى عليه السلام في سورة القصص {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} . (القصص 24- 25) وهناك في الحقيقة قراءتان لهذه الآية، الأولى: تخص مشيتها بالاستحياء والثانية تجمع ما قبل الكلمة وما بعدها أي أنها تمشي على استحياء، وقالت له على استحياء أيضا فهي كلها الحياء. يا ترى أخواتنا وبناتنا وهن يمشين يحرصن على الحياء في مشيتهن؟ وأنت عندما تتكلمين هل تتكلمين بحياء؟ في الحقيقة فتيات كثيرات فقدن معنى الحياء في العصر الذي نعيشه الآن. أعظم درجات الحياء وأرقاها: الحياء من الله. كل الذنوب، كل المعاصي صغيرة أو كبيرة، من رجل، من امرأة ، من عجوز، من صغير، تشترك في شيء أساسي: عدم الحياء من نظر الله إليك، ولو كنت تدرك أن الله ينظر إليك لما فعلت المعصية. لذلك أحيانا قد يرتكب المرء كبيرة، لكن يعقبها من الحياء والخوف من الله ما يجعلها صغيرة، وأحيانا يرتكب المرء صغيرة يقترن بها عدم حياء وعدم خوف من الله يلحقها بالكبائر. وإذ نصحه أحد قال: هذا لا يخصك، {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} يقول: "وإيه يعني" ؟ أرأينا قيمة خلق الحياة وخطورته، فبه من الممكن أن تكون الكبيرة صغيرة وأن تكون الصغيرة كبيرة بحسب حيائك منها ومن الله. اسمع ما يقوله ابن القيم في هذه النقطة: "وفرحك بالذنب أشد عند الله من الذنب، لقلة حيائك من الله" ، فضحكك وأنت تفعل الذنب أشد عند الله من الذنوب، "وحزنك على فوات الذنب أشد عند الله من الذنب ". هناك من يرتكب المعصية وهو خائف من الله، مستحٍ منه، غير مستمتع بالمعصية، فهذا سيعينه الله على التوبة بلا ريب، ويتوب عليه ويغفر له. وهناك من يتمنى أن يفعل المعصية، ومازال يرتب لها، فإذا لم يحصل عليها، وفشل في ترتيبها حزن وأصابه هم شديد، يوضع هذا الحزن والهم في ميزان سيئاته يوم القيامة فيكون أثقل من الذنب نفسه. وذلك لقلة حيائه من الله. وحرصك على أن تستر نفسك وأنت تذنب أشد عند الله من الذنب، أتستحي من الناس وتخاف أن يراك أحد، ولا تستحي من الله ؟ جاء رجل إلى إبراهيم بن الأدهم فقال: يا إمام أريد أن أتوب وأترك الذنوب، ولا أعود إليها، دلني على أشياء لا أعصي بها الله وتعصمني من الزلل، يقول له الإمام إبراهيم: إن أردت أن تعصي الله فاعصه ولكن لا تعصه على أرضه، قال : فأين أعصيه؟ قال: خارج أرضه، قال: كيف يا إمام والأرض كلها أرض الله عز وجل؟ قال أما تستحي؟ أن تكون الأرض كلها ملك الله، وأن تعصيه على أرضه؟ ثم قال له: فإن أردت أن تعصيه، فلا تأكل من رزقه، قال : يا إمام وكيف أحيا؟ قال: أفلا تستحي أن تأكل من رزقه ثم تعصيه بما وهبك من نعم؟ قال له: فإن أبيت إلا أن تعصي الله، فاعصه في مكان لا يراك فيه، قال يا إمام فأين أعصيه وهو معنا أينما كنا؟ قال أما تستحي وهو معك قريب منك في كل مكان أن تعصيه؟ فإذا أبيت إلا أن تعصي الله، فإن جاءك ملك الموت ليأخذ روحك فقل له أنظرني حتى أتوب، قال له: ومن يملك ذلك؟ قال : أما تستحي ؟ ستموت ويأخذ ملك الموت روحك وأنت على معصية أفلا تستحي من الله؟ قال: فإن أبيت إلا أن تعصي الله، وجاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى النار فقل لهم: لن أذهب معكم، أما تستحي ؟ وأنت: إنك تأكل من رزقه ، وتعصيه على أرضه، وتعصيه وهو يراك ومن الممكن أن تموت وأنت تفعل المعصية ولن تمنع ملك الموت، وفي الآخرة لن تمنع نفسك من ملائكة جهنم أما تستحي أن تصر على المعصية بعد كل ذلك؟ فإن أبيت إلا أن تعصيه فتعال أذكرك بمعنىً جديد، وهو أن تنظر إلى رحمة الله بك لتتعلم الحياء انظر إلى لطفه بك، إلى حرصه عليك لعلك تستحي منه. يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: " إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد، أتحبب لهم بنعمتي وأنا الغني عنهم، ويتبغّضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي. من أقبل إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد. أهل ذكري أهل مجالستي، (أي: فمن أراد أن يجالسني فليذكرني)، أهل شكري أهل زيادتي، أهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أُقَنِّطُهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، من آثرني على سواي آثرته على سواه، الحسنة عندي بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة، فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل. رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها." (مدارج السالكين لابن قيم الجوزية) أما تستحي بعد ذلك كله؟ أما زلت تطلق بصرك ولا تغضه؟ أما زلت تأكل حراما؟ أما زلتِ لا تريدين ارتداء الحجاب؟ أما زلتَ تكذب ؟. أما زلت تغش وليس لديك أمانة؟ أما زلت لا تتقي الله، أما زلت لا تريد أن تحسن صلاتك؟ أما زلت لا تريد أن تؤدي الزكاة؟ وأن تعيش لله. جاء في الأثر أن الله تبارك وتعالى نادى داوود وقال: " يا داوود لو يعلم المدبرون عني شوقي لهم وحبي لهم ورغبتي في عودتهم إليّ لطاروا شوقا إلي، يا داوود هذه رغبتي في المدبرين عني فكيف حبي للمقبلين علي " لا إله إلا لله. أما تستحي؟ أما زلت مُصِرًّا أن تتركه وتعصيه ولا تتودد إليه. الحديث يقول " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وكأنه هو من يبحث عنك، هو من يدعوك، هو من يناديك. كل هذه الرحمة من الله ولا تستحي منه. فإن أبيت أن تستحي من ذنوبك وأبيت أن تستحي من كل هذه الرحمة وهذا العفو، أفلا تستحي من نعمه عليك؟ { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } ق:16 - هو الذي خلقك. عينك التي ترى بها، أذنك التي تسمع بها، قلبك هذا الذي أصبح يتعلق بالناس ونسي رب الناس هو الذي خلقه لك، تحب به الحب الحرام وتنسى أن تحب به الملك القادر الذي رزقك بالمشاعر والأحاسيس. بعد كل هذا يكون أول ما يفكر به عقلك هو اتخاذ قرار بعدم طاعة الله عز وجل؟ انظر لنعم الله عليك؟{ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك} الانفطار 6 – 8 ...{ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } عبس 24 – 32 تريد أن تتعلم الحياء، أحضر ورقة وقلماً اليوم واقسمها نصفين، واكتب في النصف الأول: نعم الله عليك: (البصر – السمع – اليد - القوة – العينين – العاطفة – المشاعر - الجمال – التفكير – الأب والأم – الإسلام .. ) واكتب في النصف الآخر: ذنوبك (فأنت لن تخجل من نفسك) اقرأ وتأمل نعمه عليك جيدا والتي لا تتوقف رغم ذنوبك، وانظر لذنوبك، والله إنه لقليل عليك أن تبكي أمام نعم الله عليك. تذكر حياءك أمام يدي الله يوم القيامة، إذا كنت لا تستطيع أن تتذكره في الدنيا وتستشعر أن الله معك في أي وقت يسمعك ويراك، ألم يقل لسيدنا موسى عليه السلام: {قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} (طه 46)، {ألم يعلم بأن الله يرى}(العلق 14) ؟ لا تريد أن تستحي من ذلك كله، ستستحي يوم القيامة، وتصور الموقف يومئذ وأنت واقف بين يدي الله ليحاسبك، كثير منا غافلون، لا يتخيلون كيف سيقفون بين يدي الله، لا يتخيلون هذا الموقف العسير، وأنت تقف مسكيناً حافياً عارياً، تمسك صحيفة سيئاتك بين يدي الله عز وجل، والله ما أقرب هذا اليوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "بعثت أنا والساعة كهاتين – وقرب بين إصبعيه" تذكر حياءك بين يدي الله، يقول الإمام علي رضي الله عنه: "والله إني لأعلم أقواما سيسقط لحم وجوههم خجلا يوم القيامة عندما تعرض ذنوبهم على الله عز وجل". تخيل يوم القيامة وينادي مناد فلان بن فلان وفلانة بنت فلان هلم للعرض على الجبار. فما يستطيع أن يتحرك من مكانه، من خوفه، من حيائه، فتعرفه الملائكة من وسط الملايين من شدة حيائه، من شدة خوفه من الله عز وجل، من شدة ارتعاده، وزرقة وجهه وجلاً من الله عز وجل، فيؤخذ ويوقف أمام الله عز وجل فيقول له – وهذا ورد عن النبي في أحاديث: عبدي ما غرك بي؟ عبدي أظننت أنك ستقابلني اليوم أم نسيت ذلك؟ عبدي أما استحييت مني؟ عبدي ألم أكن رقيبا على عينيك وأنت تنظر بهما إلى الحرام؟ عبدي ألم أكن رقيبا على قدميك وأنت تمشي بهما إلى الحرام، عبدي ألم أكن رقيبا على يديك وأنت تأخذ بهما الحرام، عبدي أستخففت بلقائي؟ ماذا ستفعل عندما يقول لك الجبار هذه الكلمة ؟ أكنت عليك هيناً؟ أكنت تتجمل للناس وتأتيني أنا بالقبيح؟ عبدي ألم أزوجك؟ ألم أنعم عليك؟ ألم أرزقك مالا؟ ألم أقل... ؟ ألم … عبدي: اقرأ كتابك. فتمسك كتابك وتقرأ، وتمر بسيئة فيسود لها وجهك، وتمر بالحسنة فيبيض لها وجهك، ولا تزال بين حسنة وسيئة يسود لها وجهك، ويبيض لها وجهك... تخيلوا أن هناك من لا يستحي حتى يوم القيامة فيقول لله: يا رب إني لا أقبل شهادة الشهداء، ولا أقبل شهادة الملائكة، ولا أقبل شهادة هذا الكتاب الذي كتب. فيقول الله عز وجل: إذن ماذا تريد؟ فيقول لا أقبل شهادة إلا من نفسي. فيقول له تبارك وتعالى: نعم، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، فيختم على فمه، ويشهد عليه سمعه وبصره ويده: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} (يس 65)، {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون. وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} (فصلت 19إلى 23). تخيل يديك وهي تقول يا رب لقد فعل بي كذا وكذا وكذا، وقدميك وهي تقول يا رب مشى بي يوم كذا إلى كذا، وقلبك يقول : يا رب اشتهى بي كذا، وأنت هل كنت تستتر أو تستحيي من الله؟ ثم انظر لأمر الله وقد غضب على هذا العبد غضبا شديدا، يقول: اذهب يا عبد السوء، عليك لعنتي فلا أقبل منك أبدا استحِ من الله عز وجل قبل أن تسمع كلمة كهذه فيكون الويل لك.وبالعكس، يحكي النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله يدني العبد المؤمن منه، يقول: ادنُ عبدي. ثم يرخي الله عز وجل عليه ستره يقول له: أتذكر ذنب كذا، أتذكر ذنب كذا، حتي يظن العبد أنه هالك، فيقول الله عز وجل سترتها عليك في الدنيا، وها أنا أغفرها لك اليوم. يقول العلماء الحياء من الله " له ستة أشكال: 1- حياء الجناية: أي حياء من فعل معصية كبيرة، كحياء آدم عندما أكل من الشجرة، فظل هو وحواء يجريان في الجنة، فقال الله تبارك وتعالى: أين تذهب يا آدم؟ أفرارا مني يا آدم؟ قال لا يا رب: بل حياء منك يا رب. إنه حياء الجاني، هل شعرت بهذا الإحساس في حياتك؟ بعدما اقترفت ذنباً ما، فلم تستطع أن تنم، ونزلت تجري وليس في جيبك سوى خمس جنيهات، أردت أن تعطيها لفقير؟ إنه حياء الجاني في حق المولى عز وجل 2- حياء التقصير: إحساسك بأنك مقصر في حق الله حتى ولو كنت عابداً، وهذا كحياء الملائكة. تظل تعبد الله مئات السنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أطت السماء –أي ازدحمت – وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وملك ساجد أو راكع أو قائم لله عز وجل، حتي إذا قامت القيامة، قاموا من عبادتهم يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. أرأيتم حياء التقصير. 3- حياء العبودية: حياء إنني عبد ولابد أن أطيعك يا رب، لا يمكن أن تأمرني بأمر فأخالفه، وهذا كحياء النبي صلى الله عليه وسلم. النبي صلى الله عليه وسلم عندما كانت القبلة تجاه بيت المقدس، وهو يتمنى أن تكون باتجاه المسجد الحرام، حياء العبودية منعه من أن يرفع يديه ويطلب من الله هذا. يقول الله تبارك وتعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}، ينظر للسماء فقط دون أن يطلب، إنه حياء العبودية منه صلى الله عليه وسلم. 4- حياء استشعار نعمة الله عز وجل: كحياء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقول: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، حياء من كثرة نعم الله علينا ونحن لا نجيد شكره وثناءه. 5- حياء المحبة: من كثرة حبك لله تستشعر أنك تستحي، فلربما بكت عينك، ولربما اضطرب قلبك، ولربما خشعت جوارحك من الحياء من الله عز وجل، وهذا النوع لا يمكن أن أصفه لك، فأنت فقط من تستطيع الشعور به إذا شعرت بحلاوة حب الله عز وجل. النبي من كثرة حبه له عز وجل يقول ويدعوه: "اللهم ارزقني حبك، وحب من أحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك " 6- حياء إجلال الله عز وجل: الملك – العظيم – مالك الملك. كحياء جبريل عليه السلام عندما صاحب النبي في رحلة الإسراء والمعراج، ووصل النبي إلى السماء السابعة وتقدم إلى سدرة المنتهى ومعه جبريل عليه السلام وفجأة يتوقف، يقول النبي: فالتفت إلي جبريل فإذا هو كالحليس البالي من خشية الله، الحليس البالي: قطعة الخيش الممزقة – كان جبريل منكمشاً في نفسه، ومستشعراً جلال الله عز وجل ومستحياً منه، ولم يتخطَ أكثر من ذلك وترك النبي. هل استشعرت أياً من هذه المعاني من قبل، هذه الأنواع من الحياء مع الله. يقول العلماء " من استحى من الله بلغ مقام الأولياء " . تعلّم أن تستحي من الله ومن نظر الله إليك وسمعه لك. أما تستحي ؟ رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان