باب "منتهى الصراحة"

[shawshank]

(1) إيهود أولمرت

في مهمة صحفية بحتة ، ذهبت إلى تل أبيب للقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وإجراء حوار صحفي معه . أعددت العدة وجهزت الأسئلة وتم عرضها على سكرتير رئيس الوزراء الذي أجرى بعض التعديلات وأبدى بعض الملاحظات ثم تمت الموافقة .

في اليوم المحدد للسفر ، لم أنس أن آخذ معي إحدى حبوب الصراحة التي تعودت ألا تفارقني في كل حديث صحفي أجريه مع إحدى الشخصيات المهمة. قبل دخول مطار القاهرة ، قمت بدس الحبة ضمن عبوة دواء الضغط الذي لا يفارقني نظرًا لما أعانيه من ارتفاع مزمن في ضغط الدم. مررت دون مشاكل من مطاري القاهرة وتل أبيب . ذهبت حسب الميعاد المحدد إلى مقر رئيس الوزراء . أجلسوني في حجرة صغيرة ضيقة في انتظار قدوم رئيس الوزراء . أخرجت علبة الدواء وتعرفت سريعًا على حبة الصراحة نظرًا للونها البرتقالي المخالف للون بقية حبوب الضغط البيضاء . ألقيت بالحبة في كوب العصير الخاص برئيس الوزراء .

حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي متأخرًا ثلث ساعة عن ميعاده . جلس رئيس الوزراء وإلى يمينه مترجمه الخاص وشرب كوب العصير دفعة واحدة دون أن ينبس ببنت شفة . انتظرت أن يكلمني أو حتي يسلم عليّ ، لكنه لم يفعل . أدرت جهاز التسجيل ودار بيننا الحوار التالي :

- السيد رئيس الوزراء الإسرائيلي ، أنا shawshank محرر باب "منتهى الصراحة" بجريدة "محاورات المصريين" المصرية . فهل تأذن لي بإجراء حوار قصير معكم حول بعض القضايا المرتبطة بإسرائيل والعرب ؟

- نعم

استجمعت قواي و بدأت في اختبار مفعول الحبة ...

- السيد إيهود أولمرت ، يدّعي البعض أنكم - اليهود - اغتصبتم أرض فلسطين العربية دون وجه حق بسبب نفوذكم وسيطرتكم على القوى الكبرى في العالم . فما تعليق سيادتكم ؟

- كلامك صحيح . فكما تعلم كان العرب الكنعانيون أول من سكن فلسطين لأكثر من ألف سنة . ثم غزاها اليهود وسكنوها لأقل من 500 سنة ، ثم الآشوريون ثم الفرس فالرومان ، ثم الخلافة الإسلامية لأكثر من 1300 سنة. وأخيرًا احتلت بريطانيا فلسطين عام 1917 وكنا وقتها مشتتين في أنحاء متفرقة من العالم. ثم عن طريق اتفاقية سايكس-بيكو ثم وعد بلفور ثم الهجرة المتوالية لليهود إلى فلسطين ، ثم قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين عام 1947 ، كانت النتيجة أن قامت دولة إسرائيل في مايو 1948 . تعطيك هذه النبذة التاريخية فكرة عن كيف نشأت إسرائيل ... نشأت كهدية من دولة أخرى هي بريطانيا - التي كانت تحتل فلسطين - بالتواطؤ مع قوى أخرى في العالم ومع الأمم المتحدة . فكلامك بأننا اغتصبنا أرض فلسطين في محله .

- هل تنوون التوصل لاتفاق سلام شامل والوصول لحل نهائي في القضية الفلسطينية ؟

- في الوقت الحالي ، لا . ولم يحدث ذلك في أي وقت مضى منذ إنشاء إسرائيل . وليس في خططنا تنفيذ أي شئ من ذلك في المستقبل المنظور . فمنهجنا في الصراع مع الفلسطينيين ومع العرب يقوم على ركيزة أساسية هي المماطلة وكسب الوقت . وقد كسبنا أكثر من 59 سنة حتى الآن منذ قيام الدولة . يحرك ذلك مبدأ عام هو : إذا لم يكن في المفاوضات مكسب لأرض أو لأمن أو لاعتراف عربي بوجودنا وتطبيع ، فلنماطل قدر المستطاع .وأي خسارة لشبر واحد من الأرض التي اغتصبناها هو بمثابة تقطيع لجزء من جسدي ومن جسد كل يهودي . وكما تعلم فإن حلم إسرائيل من النيل إلى الفرات هو شعار الدولة اليهودية .

- ما تعليقكم على الحرب على الإرهاب ؟

- منذ أعلنت أمريكا حربها على الإرهاب بعيد هجمات 11 سبتمبر 2001 ونحن نردد نفس النغمة التي ترددها أمريكا وهي نغمة الحرب على الإرهاب ، مراهنين بذلك على أكبر قوة في العالم . فصرنا دائما نطلق على حركات المقاومة المسلحة الفلسطينية - وعلى رأسها حماس - صفة "إرهابية" رغم أنها حركات مقاومة مشروعة لأننا ببساطة نحتل أرضهم ونذيقهم الويلات كل يوم . ونكنّ في صدورنا لكم أنتم العرب كل كراهية ، ووددنا لو لم يعد هناك أي عربي أو مسلم على ظهر الأرض وليس في فلسطين فقط . وصارت شعوب كثيرة تقتنع بما نقول ، وعلى رأسهم شعوب أمريكا وأوروبا . وسوّقنا هذا مع التسويق للحرب على الإرهاب التي تسوّقها أمريكا في العالم . وتأكد أن لو أي دولة أخرى غير أمريكا هي الأقوى لكنا راهنا عليها ، حتى لو كانت بلدك مصر نفسها .

انتهزت تلك الفرصة الذهبية لصراحة غير مسبوقة وسألت السؤال التالي :

- يرى الكثيرون أن إسرائيل تمثل كيانًا ديمقراطيًا عظيمًا في الشرق الأوسط ، فما رأيكم ؟

- ابتسم رئيس الوزراء وعاد بظهره للوراء وأجاب : تلك الديمقراطية ، مثلها تمامًا مثل العلمانية ، أو ما بدأتم تسمونه في بلدكم "مواطنة" ... هذا كله كذب . إسرائيل دولة عنصرية من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها . أما أحلام الديمقراطية فهي وسيلة ضمن وسائل كثيرة - أغلبها قذر - لتحقيق هدف واحد: السيطرة على العالم وتوجيهه حسبما نريد لتكون لنا نحن اليهود الغلبة . ونحن أصل كل تلك الدعاوى والأكاذيب في العالم .

- ما هي المحاور الأساسية للسياسة الخارجية الإسرائيلية مع مصر ؟

- مصر شريك هائل لنا في المنطقة . فمنذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى السلام كخيار استراتيجي كما اختاره مبارك ، وكذلك تبعية مصر للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة - مثلنا تماما - ونحن لا نخشى جانب مصر . لكن ذلك لا ينفي وجود كروت سياسية نلعب بها مع مصر من خلال الولايات المتحدة الأمريكية .

- وما هذه الكروت سيادة رئيس الوزراء ؟

- مثلا كارت المعونة الأمريكية لمصر . ولعلك تتابع تهديد الأمريكان لمصر بخفض تلك المعونة إذا لم تمنع مصر تهريب السلاح من على حدودها إلى حماس . كذلك كارت مكانة مصر الإقليمية . فإننا نحاول من آن لآخر زعزعة تلك المكانة باتفاق يجري هنا أو هناك ، مع الأردن مثلا . ثم العلاقات التجارية بيننا وبين مصر والتي بدأت من عشرات السنين و نجني ثمارها يوما بعد يوم . فقد قطعنا شوطًا كبيرا في تدمير الزراعة في مصر . وفي طريقنا إلى إصابة الاقتصاد المصري بانهيار جزئي لتفتيت ما تبقى من قدرات الجارة المصرية . ولا نسعى في كل الأحوال على إفناء مصر لأن وجودها مع سياسة الاستسلام التي تنتهجها منذ سنوات مكسب للدولة العبرية أكثر من مكسب انهيار مصر التام .

- كيف ترى توازن القوى في الشرق الأوسط في الوقت الراهن ؟

- أستطيع أن أقول لك إن إسرائيل هي المسيطر الأول على المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا . إن لم يكن ذلك بشكل مباشر من خلال قدرات الدولة اليهودية ، فبشكل غير مباشر من خلال سيطرتنا على دول المنطقة من خلال الولايات المتحدة . وتذكر دائمًا أننا ذراع أمريكا في المنطقة للحفاظ على مصالحها ، وفي مقدمتها عرقلة أي جهود لنهضة العرب على أي صعيد . فلو تصورنا المنطقة بدون القضية الفلسطينية التي تستنفذ طاقات دول المنطقة ، لكانت السوق العربية المشتركة مثلا واقعًا ملموسًأ ، أو ربما كان جيش عربي موحد قد ظهر للنور .

- وماذا عن إيران ؟

- ليست إيران بذلك الخطر الذي تتصوره . ربما تكون لاعبًا سياسيًا جيدًا ، لكن من ناحية القدرات العسكرية فقدراتنا هي الأعلى والأفضل بمراحل كثيرة . ومخابراتنا تمدنا يوميًا بتقرير عن الحالة العسكرية الإيرانية .

- ما مدى تأثير الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن على الصراع العربي الفلسطيني ؟

- تسيطر الولايات المتحدة الأمريكية تمامًا على الأمم المتحدة بكل منظماتها بما فيها مجلس الأمن . العالم لا يعرف لغة القانون أو العاطفة أو الإنسانية . لا يعرف عالم اليوم غلا لغة القوة . وتأكد أنه حيثما تجد القوة ، تجد اليهود إلى جوارها . وعلى ذلك فقد قمنا باستغلال الأمم المتحدة لصالحنا وضد الشعب الفلسطيني . ولا يهم أعضاء مجلس الأمن القتلى الفلسطينيين أو المنازل التي ندمرها أو المستشفيات التي نهدمها ، ما يهم تلك الدول مصالحها مع أمريكا فقط . وكما قلت لك من قبل ، إننا ذراع أمريكا في المنطقة .

- ما تعليقكم على قضية محرقة الهولوكوست؟

- هذا كله كذب وافتراء أحسنّا توظيفه واستغلاله لابتزاز العالم . ليس هذا فقط ، بل إننا نعلم أنه كذب ، والكثيرون يعلمون ذلك ، لكنهم يصمتون في سبيل المصالح و اتقاء للأسوء .

- ما موقفكم من صراع حماس وفتح؟

- لقد كنا من أجّج هذا الصراع حتى تحوّل الآن إلى صراع مسلح . بل لا أخفي عليك أننا نمد فتح بالمال وبالسلاح ، هذا غير التعاون الاستخباراتي المستمر مع قادة فتح لتصفية قادة حماس واحدًا تلو الآخر .

- لماذا تبالغ إسرائيل في حيازتها لترسانة عسكرية هائلة سواء من الأسلحة التقليدية أو غير التقليدية ؟ هل هو خوف من جيرانها أم عدم الرغبة في تسوية نهائية كما ذكرتم آنفا ؟

- تنهد رئيس الوزراء تنهيدة طويلة ثم نظر إليّ وأجاب : تذكر دائما يا عزيزي أن الفلسطينيين هم من لا يرغبون في التسوية النهائية وليس نحن . إن يدنا ممدودة طوال الوقت بالسلام بهدف الوصول لحل نهائي لكننا لا نجد من نتفاوض معه . فأنت ترى الصراع الفلسطيني-الفلسطيني الدائر بين حماس وفتح ، وترى كذلك أعمال العنف اليومية التي يقوم بها الإرهابيون الفلسطينيون من حماس وغيرها من الجماعات الإرهابية الفلسطينية وتتسبب في مقتل المدنيين الإسرائيليين . وأنت تتحدث عن الجيش الإسرئيلي وأسلحته وتتغاضى عن التسليح الدائم للدول العربية في المنطقة وعلى رأسها مصر التي بها واحد من أكبر جيوش العالم . إن مثل تلك القوى التي تحاصر إسرائيل من كل الجهات تهدد وجودنا في المنطقة ولابد أن ندافع عن أنفسنا . وقد صرّح الكثير من رموز الإدارة الأمريكية مرارًا عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها . ليس هذا فحسب ، بل إن قرارات الأمم المتحدة تؤكد ذلك .

أيقنت ساعتها أن مفعول الحبة قد انتهى . نظرت في ساعتي ثم قلت له : سيدي رئيس الوزراء ، يبدو أن المدة التي حددتموها لمقابلتي قد انتهت ، وقد انتهت معها أسئلتي . شكرا لسيادتكم .

قام رئيس الوزراء تاركًا الحجرة دون حتى أن يسلم عليّ .

[semsema]

جميله جدا يا استاذ شاواشنك..

ينفع تعمل صحفي..

وعلى فكره في حاجات كتيره اوي ما كنتش اعرفها دلوقتي بس عرفتها.. تسلم..

تحياتي لك..

[Salwa]

جميل جدا موضوعك استاذ شاوشانك ..

ياريت تكمل الصورة ...وتعطى حبوب الصراحة لذوى القبضات الحديدية ( نساء ورجال ) ...فى مجتمعنا الرائع !!!

وياريت تسأل البعض ....اشمعنى بلير ؟؟

ياريت ...

وياحبذا لو جمعتهم على مائدة مربعة (( بلاش مستديرة )) ....وواجهوا بعض ....

[امانى]

جميل جدا موضوعك استاذ شاوشانك

لقد كنت بارع فى اسئلتك الصحفية وأشد براعة فى الاجابة على الاسئلة

وأنا مع سلوى يا ريت تدى حبه الصراحة للجماعة بتوعنا فى مصر علشان نعرفو هيقولو ايه ولا يمكن دول مبيأثرش فيهم حبوب

نجرب يمكن نعرف امتى تنحل مشاكلنا الداخلية قبل الخارجية وامتى هنفوق بقى من الكوابيس اللى عيشينها

لغة الحوار عندك هايلة يا استاذ انت صحفى من غير كلام

أمانى

[shawshank]

semsema

شكرًا على مرورك على الموضوع ... وسعيد بتعليقك

مدام سلوى و امانى

مروركم شرّفني ... والباب مفتوح للجميع للمشاركة بحوارات في منتهى الصراحة مع مبارك وجمال وسوزان وحبيب العادلي وأحمد عز وكمال الشاذلي ... الخ

عندي عبوات حبوب صراحة كتير ... ايدكو معانا بقه

[shawshank]

(2) وزير الزراعة أمين أباظة

بعد مرور ثلاثة أسابيع على نشر حديثي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ، اتصل مكتب وزير الزراعة أمين أباظة برئيس التحرير مبديًا رغبة السيد الوزير في عمل لقاء معي يتم نشره بالجريدة . أعربت عن سعادتي بتلك الرغبة ، محتفظًا في نفس الوقت بسر الحبة . جهزت نفسي وأرسلت مسودة الموضوعات والأسئلة لمكتب الوزير وتمت الموافقة بعد إجراء الإضافة والحذف والتعديل اللازمين . اصطحبت معي مصور الجريدة وجهاز التسجيل وذهبنا في الموعد المحدد : الساعة الثالثة مساء الاثنين الماضي بمكتب السيد الوزير . كنت قد جهزت عبوة صغيرة من قطع الشيكولاتة وقد دسست داخل كل قطعة حبة من الحبوب السرية . حضر الوزير في ميعاده فسلمت عليه ودار الحوار التالي :

- معالي وزير الزراعة ، يسعدني للغاية إجراء حوار مع معاليكم لمناقشة القضايا المتعلقة بالزراعة في مصر ، والتي يرغب القراء في مطالعة جهودكم بصددها . ومن تقاليد الجريدة تقديم بعض الشيكولاتة لضيوفنا .فهلا تفضلتم سيادتكم ؟

ورفعت يدي بعلبة الشيكولاتة ، فشكرني الوزير والتقط قطعة من الشيكولاتة ووضعها في فمه ثم شرب قليلاً من الماء .

- معالي الوزير ، توليتم سيادتكم وزارة الزراعة مؤخرًأ خلفًا للوزير يوسف والي ، ويتساءل المواطن المصري عما صارت عليه الزراعة بعد رحيل يوسف والي وقدومكم ؟

- في الحقيقة لم تتغير أحوال الزراعة في عهدي كثيرًا عما كنت عليه في عهد سلفي . فما زال الفساد كما هو .

وأمام الصراحة المتناهية للوزير لم أجد بدًا من الخروج قليلاً على النص ، فسألت معاليه :

- هل تقصد معاليكم أنكم لم تضيفوا شيئًا يذكر للزراعة في مصر بتوليكم هذه المهمة ؟

- نعم هذا ما أقصده . فأنا أسير تمامًا على نهج سابقيّ من وزراء الزراعة في عهد الرئيس مبارك . فنحن - وكما قال يوسف والي من قبل - نعمل سكرتارية لرئيس الجمهورية . ينطبق ذلك على كل الوزراء ، بل على رئيس الوزراء نفسه . وتأكد أنني لو لم أكن كذلك لكنت نفسك من يكتب خبر إستقالتي .

- إستقالة ، أم إقالة معالي الوزير ؟

- لا يجرؤ أي مسئول حكومي في مصر على الاستقالة ، فما بالك بوزير ؟

- لكن وزير الثقافة حاول الاستقالة من قبل .

- كانت لتلك الواقعة ظروفها الخاصة ، ورغم ذلك تأكد أنه تلقى الضوء الأخضر قبل الإقدام عليها .

نحيّت أوراق الأسئلة جانبًا على المنضدة ثم سألت معالي الوزير :

- ما رأي معاليكم فيما يتناقله الناس وصحف المعارضة عن احتمال تغيير وزاري وشيك؟

- كلها تكهنات . ونحن على مستوى الوزراء لدينا تكهناتنا أيضًا . لكن ليس هناك شئ أكيد . فكما ذكرت لك نحن مجرد سكرتارية ولسنا متخذي قرار ، أو حتى مشاركين فيه .

- فلنعد لقضايا الزراعة معالي الوزير . ما تعليقكم على موضوع السحابة السوداء في مصر وأن حرق قش الأرز هو المسئول الأول عنها ؟

- هذا تحليل صائب إلى حد كبير . فهجرة الفلاحين لحياتهم السابقة ومحاولتهم تقليد حياة أهل المدينة كانت سببًا لمشاكل كثيرة ، منها حرق قش الأرز .

- وماذا قامت به وزارة الزراعة لمواجهة تلك المشكلة ؟

- لم نقم بشئ يذكر . اللهم إلا عقد الندوات والمؤتمرات واللقاءات . أما شئ على أرض الواقع ، فلا . كذلك لم نوفر لهم بديلاً للحرق .

- وما رأي معاليكم في ما تناقلته بعض صحف المعارضة عن موضوع المبيدات الزراعية المسرطنة ؟

- ما حدث أن وزير الزراعة السابق حاول القضاء على تلك المبيدات ، وكانت النتيجة ما تراه الآن ، فهو خارج الوزراة . فقد قام أباطرة تلك المبيدات بممارسة ضغوط كبيرة تسببت في اقصائه . أما أنا فقد تعلمت الدرس جيدًأ .

- وماذا عن تجريف الأرض الزراعية حتى تقلصت المساحة المزروعة من مصر مما يهدد أمننا العذائي ؟

اعتدل الوزير في جلسته وتجهم بعدما كان مبتسمًا ابتسامة خفيفة وقال :

- سيدي إننا جهة تنفيذية . نحن ننفذ ما اتفق عليه نواب الشعب من تشريعات .

- عميق شكري لمعاليكم على هذا الحديث السريع . وفقكم الله .

[shawshank]

(3) المشير/ محمد حسين طنطاوي

فكرت في الالتقاء بأهم رجل في مصر ما بعد ثورة 25 يناير. هو رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، المجلس الذي عهد إليه حسني مبارك بإدارة شئون البلاد بعد تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، كما ورد على لسان نائبه عمر سليمان مساء 11 فبراير 2011. ربما يكون المشير حسين طنطاوي أصعب رجل في مصر من الممكن أن ألتقيه لأجري معه حوارًا صحفيًا، ناهيكم عن حوار صحفي "صريح". كان لي صديق قديم من حسن الطالع أنه الآن ضمن أعضاء المجلس العسكري الذي يحكم مصر الآن تنفيذيًا وتشريعيًا. بعد محاولات متعددة، نجحت في الاتصال به وعرضت عليه رغبتي في الالتقاء بالمشير. اندهش في أول الأمر وسألني أسئلة كثيرة عن الجهة التي أعمل لحسابها، وعن مضمون اللقاء، ثم وجهني لمسئول كبير في الشئون المعنوية بالقوات المسلحة. انتظرت شهرًا كاملاً حتى تلقيت اتصالاً بالموافقة بشرط تحاشي بعض الخطوط الحمراء. وافقت على الفور وتوجهت لوزارة الدفاع قبل ميعاد اللقاء بساعتين، ثم التقيت المشير وكان هذا الحوار.

- سيادة المشير، أشكركم كثيرًا للموافقة على إجراء هذا الحوار في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها مصر.

- العفو. لكن لا تقل أوقات عصيبة، لقد انحزنا إلى الثورة من أول يوم، وبعد تنحي الرئيس السابق مبارك عن الحكم، وحميناها ورفضنا إطلاق النار على أي مصري. وأنت ترى بعينيك الآن، مصر بدأت الطريق نحو الاستقرار، لقد تم تحديد جدول زمني واضح لنقل السلطة إلى مدنيين:، مجلس شعب ومجلس شورى، ثم انتخابات رئاسية نزيهة. فمصر كانت ومازالت وستبقى قوية بالشعب المصري العظيم، ثم بجيشها القوي الذي يقوم برسالته في حماية ترابها.

ثم فوجئت بكحة مفاجئة تداهم المشير، فانتهزت الفرصة وأخرجت زجاجة الدواء الصغيرة، والتقطت منها واحدة من حبوب الاستحلاب، وقد كانت في الحقيقة واحدة من الحبوب السحرية التي اعتدت اصطحابها معي في كافة مهماتي الصحفية. مددت يدي بها للمشير قائلا: "ألف سلامة على سيادتك، اتفضل ... دي حبوب استحلاب بستخدمها باستمرار ومفعولها سريع." نظر إلي المشير محدقا ومترددا ورد: "الله يسلمك" ... وبينما يدي ممدودة بالحبة، اشتدت عليه الكحة، فتناول الحبة من يدي سريعًا ووضعها في فمه. انتظرت حتى ينهي المشير استحلاب الحبة. توقفت الكحة، وشعرت بانحسار الصبغة العسكرية تدريجيًا عن المشير، فاستأنفت الحوار.

- عفوًا سيادة المشير، تقول أنكم رفضتم إطلاق النار على الثوار. فهل كان هناك عرض أو طلب أو رأي بإطلاق النار عليهم، ومن ثم كان هناك مجال لرفضكم ذلك؟

- لم تكن هناك عروض أو طلبات أو آراء بإطلاق النار، بل كانت هناك أوامر بذلك.

- أوامر ممن؟

- من حسني مبارك طبعًا. بعد انهزام الشرطة وانسحابها أمام طوفان الملايين من الثوار، تقابلت مع مبارك وأصدر لي أوامر صريحة بمساواة ميدان التحرير بالأرض مهما كان الثمن.

- وماذا كان رد فعلكم؟

- كنا في اجتماع هنا بالمجلس. وكانت هناك آراء مختلفة من رئيس الأركان ومن غيره من أعضاء المجلس. ودرسنا الأمر من كافة جوانبه، فبالإضافة للضغط الشعبي، كانت هناك ضغوط أوروبية وأمريكية إسرائيلية على استحياء في البداية، ثم زادت مع ازدياد الثورة. وقد كان حسني مبارك طيلة حياته يتجنب المواجهة في جميع الأمور. فلم أعهده أبدًا رجلاً في أي موقف. وفي الحقيقة هذه طبيعتي أنا أيضًا. وكانت تلك نفس طبيعة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لأنهم كانوا من قام مبارك بتعيينهم، بعضهم باختيار مباشر منه، والبعض الآخر بترشيحات مني أنا. فكنا جميعًا نتجنب المواجهة ونخشاها، ونحاول قدر ما نستطيع البحث عن حلول ظاهرية شكلية حتى تهدأ العاصفة من تلقاء نفسها.

- وماذا كان قراركم في الاجتماع؟

- نعم ... انطلاقًا من حرصنا على عدم المواجهة، وفي نفس الوقت إصرارنا على عدم الانهزام، وضعنا خطة تتجنب المواجهة الفعلية مع الشعب على الأرض، وفي نفس الوقت تمتص غضبته حتى يهدأ.

- وماذا كانت تفاصيل تلك الخطة؟

- انتهينا في آخر الأمر إلى أنه لابد أن يترك مبارك القاهرة ويبقى في شرم الشيخ، ويعلن صوريًا في القاهرة تخلي مبارك عن منصب رئيس الجمهورية. ثم يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد ظاهريًا، ويظل مبارك وبقية قيادات مصر في مواقعهم فعليًا من وراء ستار المجلس. ويبقى الوضع على ذلك حتى يهدأ الشعب وحتى تعود السيطرة لأجهزة الدولة الأمنية تدريجيًا. وتنتهي الخطة بعودة مبارك للحكم كما كان. أو تجرى انتخابات 2011 الرئاسية في موعدها ويفوز فيها رجل عسكري، وكان هناك رأي بترشيح سامي عنان لتلك المهمة.

- وكيف سارت الخطة بعد ذلك؟

- أنت تعلم كيف توالت الأحداث بعد تنحي مبارك. وقد كنت أنا والمجلس العسكري دائمي الاتصال بمبارك وابينه وصفوت الشريف وقيادات الحزب طوال الوقت. إذ كنا نضطر لتعديل الخطة باستمرار بسبب تغير الظروف. فقد اضطررنا تحت ضغط الشعب لتقديم العديد من قيادات الدولة والحزب للمحاكمة. وكلما تنازلنا كلما زادت مطالب الناس. حتى اضررنا لتقديم مبارك نفسه للمحاكمة.

- هل يؤيد ذلك تأخر المجلس العسكري في اعتقال قيادات الحزب؟

- نعم. فأنت تعلم أن القبض على صفوت الشريف وزكريا عزمي وأحمد فتحي سرور وجمال وعلاء مبارك تأخر كثيرًا. وهناك ثلاثة أسباب لذلك على الأقل: أولا: كما قلت لك، لم يكن مخططًا أصلا لاعتقالهم. ثانيًا: أعطيناهم الفرصة الكاملة للتصرف في أموالهم، وكذلك في طمث أدلة إدانتهم حتى لا تكون هناك أي فرصة للحكم عليهم مهما كان الوضع. بل وساعدناهم في ذلك كثيرًا. ثالثًا: كان لدينا أمل أن تستقر الأوضاع وينسى الشعب، أو يستجيب لدعوات المسامحة في ظل سن الرئيس وسن أعوانه. لكن الشعب لم يستجب لتلك الحملات.

- هل أفهم من كلام سيادتكم أن المجلس العسكري كان في صف مبارك وأعوانه؟

- طبعًا. في الحقيقة لقد اشتركنا نحن أنفسنا أعضاء المجلس العسكري في تهريب أموالنا وفي طمث أدلة إدانتنا. فأنت تعلم أننا كنا جزء من هذا النظام، اختارنا مبارك، وعيننا في وظائفنا، وخصص لنا مخصصات مالية كبيرة لضمان سكوتنا وولائنا. بل دعني أزيدك من الشعر بيتًا، لقد أغدق علينا مبارك من أمواله الكثير لكي نوافق على إتمام هذه الخطة ونلتزم بتنفيذها.

فكرت في الانتقال بالحوار إلى المستوى الأعلى، فسألت المشير:

- هل تقول سيادتكم أن المؤسسة العسكرية كان بها من الفساد المالي والإداري ما كان بعموم مصر؟

- على مستوى القيادات العليا نعم. ولعلك سمعت عن صفقات السلاح التي عقدتها وزارة الدفاع وكان يحظى منها مبارك بنصيب الأسد طوال عقود. دعني أقول لك أننا في المجلس العسكري كنا جزء لا يمكن اقتطاعه من النظام الحاكم. فقد كنا نرى الاستبداد السياسي متمثلا في تزوير الانتخابات والاستفتاءات، ونرى الفساد المالي متمثلا في نهب الثروات، ولا نحرك ساكنًا. ثم بعد الثورة بدأنا نتكلم عن أننا "نحمي الشرعية، والشرعية الآن بعد الثورة مع الشعب، فنحن في صف الشعب." ويسأل المواطن العادي نفسه: أين كانت تلك الشرعية التي كانت قيادات الجيش تحميها عندما كانت ترى مبارك ينهب السلطة والمال؟ كيف وافق الجيش على أن حماية نظام فاسد استمر 30 سنة بدلاً من سنتين فقط تعهد بهما مبارك لإنقاذ مصر من حالة الطوارئ التي كانت عليها بعد اغتيال السادات؟ لقد جاء مبارك للحكم في ظروف استثنائية طارئة لكي يمهد الطريق لديمقراطية حقيقية، لكنه استمر في الحكم حتى ثار عليه الشعب.

- من يحكم مصر الآن يا سيادة المشير؟

- أحكمها أنا مع المجلس العسكري شكليًا، ويحكمها حبيب العادلي وجمال وعلاء مبارك وصفوت الشريف.

- لكن كل هؤلاء في الحبس. فكيف يحكمون؟

- لا تصدق ذلك. هم في الحبس فقط لحمايتهم لا أكثر. لكنهم يعملون من داخل طرة تمامًا كأنهم على كراسيهم.

- كراسيهم؟ لكن جمال وعلاء لم يكونوا من أصحاب المناصب حتى يحكموا من على كراسيهم، سيادة المشير.

- بل كانا ومازالا يحكمان مصر. في الحقيقة، يقومان مقام والدهما في قيادة العصابة التي تنهب مصر، من ناحية السلطة ومن ناحية المال.

- لكن كيف يقوم شخصان فقط بهذا كله؟

- وراءهما جيش جرار من المنتفعين، يفوق نفوذهم وأموالهم كل ما لدى الثوار من عدد ومال.

- هل هم من يقومون بتدبير ما يطلق عليه أحداث الفتنة الطائفية؟

- نعم، وبرعاية المجلس العسكري. مرة بغض الطرف، ومرات بالمشاركة الفعلية المباشرة. كل من يقول لك أننا حمينا الثورة من أول يوم هو كاذب. لقد التففنا على الثورة، ومازلنا نلتف.

- هل يتصل بك مبارك يا سيادة المشير؟

- أنا على اتصال شبه دائم به من بداية الثورة وحتى الآن.

- هل أنت على اتصال بزوجته كذلك؟

- نعم. أتصل بالهانم أسبوعيًا، وتتصل هي بي كذلك. ونعلم أنها أزمة وستزول عن قريب إن شاء الله.

- لقد شاهدك الملايين على الشاشات تسير في الشارع بالزي المدني، فما قصة تلك الواقعة؟

قهقه المشير قائلا: تقصد البدلة المدنية؟ كل ما قيل في أجهزة الإعلام الحكومية لا ينطلي على أطفال صغار يا عزيزي. لقد كانت خطوة لجس النبض ولإرسال رسائل معينة.

- بماذا تبرر الجهل السياسي والتخبط في أداء المجلس العسكري؟

- انظر. هؤلاء هم من اختارهم مبارك ليكونوا في قيادة أكبر قوة جبرية في مصر. فمن ناحية كان مبارك يرغب في أشخاص ضعفاء منبطحين لديهم ملفات متخمة بالمخالفات، فلا يجرؤ أحدهم على الانقلاب عليه. ومن ناحية هم إمعات جميعًا، ككل القيادات في جميع مواقع مصر في عهد مبارك.

- وما هي خطوتكم القادمة إذا استمر ضغط الشعب؟

اعتدل المشير في جلسته فجأة، وداهمته الكحة مرة أخرى، فوضع قبعته العسكرية وانتفض واقفًا وسألني: خلصنا أسئلة يا أستاذ؟

أجبته: "نعم يا سيدي. وفقكم الله." فردّ المشير: "إن شاء الله. أشكرك. وتأكد أن مصر في أيد أمينة تحميها وتحمي ثورتها." ثم انصرف المشير.

ملحوظة: كان حديث المشير باللغة العامية، فأعدت صياغته ليكون بالفصحى ليتماشى مع سياسة الجريدة.

[Alshiekh]

طيب مش كنت تنورنا يادكتور وتقول انك بتشتغل صحفي في أوقات الفراغ؟

كنت متخيل الموضوع حقيقي ختى نهاية أول فقرة في اللقاء :closedeyes:

فعلا منتهى السراحة