Sherief AbdelWahab بتاريخ: 11 يوليو 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 11 يوليو 2007 الصحافة غذاء الناس اليومي, والناس غذاء الصحافة الدائم, ثمة علاقات عضوية متشابكة, لا يستطيع طرف أن ينفصل عن الآخر, حتي بإرادته الحرة.. قانون الحاجة والاعتماد المتبادل هو الذي يحكم ويتحكم! لكن النظرة المدققة في أحوال اليوم, تلاحظ فتورا واضحا في هذه العلاقة, نرجعه ببساطة إلي الثقة المفقودة, فكثير من ناس هذه الأيام فقد الثقة, بل فقد الحب لصحافة هذه الأيام, وعديد من الصحافة والصحفيين, صاروا لايرتبطون بالناس ومشاغلهم, نعني ناس الأغلبية الساحقة, بل أصبحوا يرتبطون بمشاغل ومشاكل ناس الطبقات العالية, وخصوصا طبقات الحكم وشرائح النظام الرسمي, والدوائر المحيطة والمستفيدة, خصوصا رجال المال والأعمال.. وفي اطار هذه الثقة المفقودة والحب الضائع, تدهورت المصداقية, ومعها انحدرت مهنة الصحافة والإعلام عندنا إلي درجة لا تخفي علي أي عين بصيرة, بصرف النظر عن كل الادعاءات, وانعكس ذلك أول ما انعكس علي توزيع الصحف ومدي انتشارها, وبالتالي تأثيرها, إذ يقول المطلعون علي أسرار التوزيع في بلد ضخم مثل مصر, إن وعاء القراء العام الذي تتنافس فيه مئات الصحف اليومية والمجلات الاسبوعية والشهرية, كان في حدود ثلاثة ملايين ونصف المليون, منذ منتصف التسعينيات حتي عام2005, لكنه انخفض بمعدل مليون قارئ هجروا قراءة الصحف المصرية أخيرا! ولا شك أن هذه المعلومة مفجعة, بافتراض صحة أرقامها, والمعني الأول هو اننا شعب لا يقرأ, فماذا يمثل هذا الوعاء, حتي لو كان خمسة ملايين قارئ, في شعب يتكون من خمسة وسبعين مليونا. يستطيع كل من يعرف أن يبرر ذلك, بهجوم الفضائيات التليفزيونية بإبهارها وسرعة نقلها للخبر وتغطيتها المهنية العالية للحدث, مهما بعدت مواقعه, أو أن يقول إن الصحافة الالكترونية عبر مواقع الانترنت قد سرقت شريحة من قراء الصحف, بفضل سقف الحرية اللامحدود الذي تتمتع به دون رقيب أو حسيب, مع مراعاة أن قدرة التمتع بهذه الصحافة الالكترونية محدودة للغاية!. ونستطيع ان نضيف عوامل أساسية أخري لانخفاض عدد القراء, أو مقروئية الصحف, خصوصا انتشار الأمية الأبجدية والثقافية, جنبا إلي جنب مع انخفاض المقدرة الشرائية نتيجة الفقر وزيادة اسعار السلع الأساسية الأهم من الصحف! لكننا نؤمن بأن أهم اسباب تدهور توزيع الصحف وقدرتها علي الانتشار والتأثير, هو عنصر افتقاد الثقة بين القارئ وصحيفته, وهو عنصر غياب حرية الرأي والصحافة بمعناها العميق, وليس بشكلها السطحي والاستثنائي.. فالحرية هي روح الصحافة, وبدونها تصبح الصحف أوراقا جافة ونشرات مجمدة, يسأم المواطن من مجرد النظر إلي صفحاتها, خصوصا إن كانت معبأة بأخبار الحكم والحكام, مدبجة بمقالات الممالأة والنفاق.. ولدينا من هذا الكثير! وأمامي وأمامكم نموذج لايزال ساخنا حيا, نقيس عليه تعامل صحفنا مع حدث كبير, ومدي التزامها بعنصري الحرية والمصداقية, علما بأن أحداث كل يوم تكرر هذا النموذج بلا ملل, لتزيد في القراء كل الملل! في الاسبوع الماضي, وقع حدث وفاة السيد أشرف مروان سقوطا أو إسقاطا, من شرفة منزله بلندن, ولأنه شخصية سياسية عامة مهمة, وإن كانت غامضة, فقد كان طبيعيا أن يجتذب اهتمام الصحف والصحفيين قاطبة.. فماذا قرأنا فيها ولهم. أخبار ناقصة وتحقيقات مبتسرة وتحليلات تعتمد علي التكهنات وتخلو من المعلومات الموثقة, عن الشخص نفسه وحدث الموت ذاته, وانقسم المحللون والصحفيون عبر صحفهم بين من أخذ الحذر قليلا, وبين من أطلق العنان لتوجيه الاتهامات الواصلة إلي التجسس والخيانة, وفتح الجميع خزائن الأرشيف لاجترار ما سبق نشره علي مدي السنوات الماضية, دون تدقيق أو تمحيص, تفرضه القواعد الأساسية لمهنة الصحافة, وسارع البعض للاستعانة بما نشرته وتنشره الصحف الإسرائيلية, معتبرا انه صحيح علي طول الخط.. هكذا كانت حالة صحفنا علي مدي يومين أو ثلاثة, ثم فجأة حدث تحول180 درجة, من جانب نفس الصحف والكتاب والمحللين, لا لشئ إلا لأن رئيس الدولة, فاجأ كبار الصحفيين رؤساء التحرير المرافقين له, بالإدلاء بشهادته في حق الرجل, الذي وصفه بأنه وطني شريف, قدم لبلاده خدمات جليلة, ولم يكن أبدا خائنا أو جاسوسا.. نعم حدث التحول180 درجة صباح اليوم التالي, من جانب نفس الصحف ونفس رؤسائها ومحلليها ومخبريها, الذين لم يجتهدوا كما يجب في اداء مهمتهم, في البحث والتحقيق والتدقيق في نقل حقيقة الحدث للقراء.. وبين الاندفاع في النشر غير الدقيق والمثير وربما العشوائي, وبين التحول المفاجئ لاحظ من جاسوس خائن إلي وطني شريف, وقع القراء في حيرة, زادت من فقدان الثقة وضياع المصداقية في هذه الصحافة! وإذا جاز لنا أن نستنتج من كل هذا ما يجب ايضاحه, نقول إن السبب الأول فيما جري, هو غياب المعلومات الصحيحة من مصادرها السليمة, ومعها غياب الحرية الحقيقية في البحث والاستقصاء والتحري والتدقيق في المعلومات, والوصول إلي مصادرها الأساسية, كحق أساسي ليس للصحف والصحفيين وحدهم, ولكن حق أساسي من حقوق الانسان.. تدفق المعلومات وحرية نشرها واذاعتها. والسبب الثاني, تكشفه وقائع ما جري في معالجة هذا الموضوع, و خصوصا التحول المفاجئ في طريقة نشره بالصحف, فقد كانت الكلمة الرئاسية هي الكلمة الوحيدة والمركزية, والمعني واضح هو أن الرئيس هو المصدر الأول وربما الوحيد لأنباء وحقائق الأحداث الكبري, مهما كانت خطورتها, ومهما تعددت المصادر الأخري لأنها تظل هامشية لا تملك شجاعة التصريح بالحقائق, بينما رئيس الدولة وحده هو المصدر والمركز والمرجع. أما السبب الثالث, فهو أن هذا الحدث, كما الأحداث المهمة السابقة واللاحقة, كشف مدي تراجع المهنة وتدهور الحرفة الصحفية هذه الأيام, وباستثناءات قليلة تقف منفردة معزولة في بعض الصحف القومية والحزبية والخاصة والمستقلة الجديدة, فإن القارئ المتهم بعدم الاهتمام والانصراف عن القراءة, لا يكاد يجد في صدر صحيفته المفضلة خبرا متكامل الأركان مميز المعلومات, ولا يكاد يقرأ مقالا أو تحليلا مبنيا علي أسس معلوماتية موضوعية تخدم رأي كاتبه وتوجهه, بل بالعكس هو يعاني العشوائية في الصياغة, والأخطاء المطبعية واللغوية والاملائية, والتسرع فيما يجب التمهل فيه أو العكس.. هذا هو تراجع المهنة, المؤذي للمهنة ولقرائها عموما.. يبقي الدرس الرئيسي من معالجة الصحف لحدث وفاة شخصية مهمة وغامضة, ازداد الغموض حولها بفضل فشل وعجز صحفنا عن فض أسراره الحقيقية, ونعني أن الاجتراء علي حق حرمة الحياة الخاصة, وهو حق مقدس في كل القوانين والمواثيق الدولية والمحلية, أصبح شائعا إلي درجة مخيفة, يهدد أركانا أساسية في البناء الاجتماعي, كما يهدر قيما أساسية من قيم العمل الصحفي. فإن كانت هذه المواثيق والقيم وتقاليد الصحافة, قد أتاحت حق النقد في مواجهة الجميع, فإنها حددت معايير معينة لهذا النقد, خصوصا ما يتعلق بحرمة الحياة الخاصة والشخصية, فأتاحته في مواجهة الشخص العام, لأن حياته العامة والخاصة ملك للمجتمع عكس المواطن العادي الذي لا يحتل منصبا رسميا مثلا.. لكن بعض ما ينشر في صحفنا هذه الأيام تعدي كل هذه الحدود, وصولا لنشر الفضائح غير الموثقة, أو الاتهامات غير المثبتة بالدلائل, أو الأخبار غير المسنودة بالمعلومات الصحيحة, فضلا عن تبادل الألفاظ الجارحة, ولعل مثل هذا النشر هو السند الأول لأعداء حرية الصحافة, المتربصين بالصحفيين, وهم كثر هذه الأيام, لكي يستمروا في سياسة التشدد والقبضة الحديدية والقيود والعقوبات المعادية لحرية الصحافة, التي ننشدها وندافع عن حق الشعب كله, وليس الصحف والصحفيين وحدهم, في التمتع بها, علي نحو أفضل مما هو موجود حاليا. لا نسعي إلي تبرير التجاوزات التي تقع من جانب بعض الصحف, ولا نريد التغطية علي أخطاء بعض الصحفيين, ولكننا نسعي إلي تقويم أوضاع صحافة ذات تراث قديم وتقاليد راسخة عبر قرنين من الزمان, ونريد تصويب الحالة الراهنة التي تعاني فيها مهنة الصحافة ورسالة الإعلام تدهورا متسارعا, تكشفه لنا الأحداث والوقائع كل يوم. ويقينا فإن العلاج الناجع ليس بفرض القيود وكبت حرية الصحافة والرأي والتعبير, كما يطالب صقور التشدد أعداء الحرية, ولكن العلاج يتم بمزيد من الحرية.. والحرية التي نعنيها لن تتحقق إلا بإصلاح ديمقراطي واسع, يطلق الحريات العامة لكل المواطنين, ويشجع التعددية, ويصون حرية الصحافة, التي هي في عرفنا أم الحريات, التي يجب أن تخرج من أسر السياسة وسجون الرسميين والمتحكمين, الذين يستغلون حالة الالتباس بين الصحافة والسياسة أسوأ استغلال!! أعتذر عن ذكر الرابط لأسباب تقنية متصلة بموقع الأهرام.. خلص الكلام Sherief El Ghandour<br /><br />a furious Egyptian رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان