اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

الذكرى المجيدة (قصة قصيرة)


elbana

Recommended Posts

كانت الحرارة في ذلك الصباح خانقة ، على الرغم من أن الساعة لم تجاوز السابعة والنصف ، المرور متوقف منذ لحظات ومؤشر الحرارة في التاكسي الذي يعمل عليه عبد الله آخذ في الارتفاع ، يقولون إن هناك موكباً حكومياً رفيع المستوى سيمر من هذا الشارع (ده بخت إيه ده يا ربي ع الصبح) ، أطفأ المحرك ، وأخذ يتمتم (هي المواكب ورانا ورانا ، هم مازهقوش مواكب رايحة جاية) . على الجزيرة الواقعة في منتصف الطريق أبصر صفوف الجنود المتراصة لتأمين عبور الموكب وقد بدا عليهم الهزال والشحوب وسوء التغذية ، بينما كان آخرون يتجولون ممسكين بكلاب بوليسية بدت عليها علائم النعمة وحسن التغذية ، ضحك في مرارة (لا حول ولا قوة إلا بالله ، زمن) .

تلفت حوله فرأى عن يمينه سيارة جيب عسكرية يقودها جندي يبدو أنه لم ينل قسطاً كافياً من النوم ، وقد جلس إلى جانبه طفلان لهما بشرة بيضاء مشبعة بالحمرة ، يحملان على ظهريهما حقائب مدرسية ، ويبدو أنهما ملا من كثرة الوقوف فأخذا يسليان نفسيهما بضرب الجندي تارة على رأسه وأخرى على قفاه بينما كان الجندي يبدو مجبراً على ضبط أعصابه وتحمل سخافة أبناء الباشا دون أن ينبس ببنت شفة ، استرعى الأمر انتباه صاحبنا الذي أطال النظر إلى ما يحدث داخل السيارة الجيب ، عاد به شريط الذكريات إلى أيام الجندية ، لقد أمضى سبع سنوات بين عامي 1967 و1974 على الجبهة ، ذابت خلالها سنوات العمر وكشفت الأيام عن وجه لم يكن يعرفه من قبل ، عرف كيف تتساوى الحياة والموت عند لحظة معينة ، لا فرق بين أن تموت أو تحيا ، الفارق الوحيد هو كم ستأخذ معك من الصهاينة ، يذكر جيداً كيف كان يعبر ليلاً إلى سيناء سابحاً في مياه قناة السويس لينفذ ورفاقه العملية تلو الأخرى دون خوف أو وجل . وفي عام 1973 ، وبعد العبور بأيام ، كان من بين قوات الدفاع الجوي التي تعمل على تشغيل بطاريات الصواريخ على الضفة الغربية للقناة عند منطقة الدفرسوار حين بلغهم نبأ اعتزام الصهاينة القيام باختراق الجبهة عند تلك المنطقة ، كانت كل القوات المصرية تقريباً قد عبرت إلى الجهة الأخرى ولم تكن هناك وحدات تقوم على حماية بطاريات الصواريخ ، بدأ العدو بقصف مدفعي للمنطقة التي يتمركز عندها عبد الله ورفاقه ، وكانت القذائف المدفعية الثقيلة تسقط الواحدة تلو الأخرى في شكل سطر أفقي مواز لخط القناة محدثة فتحات غائرة ودوياً هائلاً ومزلزلة الأرض من تحت أقدامهم ، وكان القصف يهدأ قليلاً ليعود من جديد أعنف من ذي قبل ، تمركز الجميع في خنادق على شكل حفر عميقة متباعدة ، في انتظار أن يهدأ الجو ، توقف القصف لحظات ، خرج مسرعاً ليأتي بسلاحه الذي كان قد سقط أثناء الجري على بعد أمتار من الخندق ، بدأ القصف فجأة وهو لم يعد بعد إلى الخندق ، صاح زميلاه جمال وشوقي ، (يا عبد الله ، هِمِّ شوية) أطلق ساقيه للريح عائداً إلى الخندق ، صوت قذيفة في طريقها إلى السقوط (إجري يا عبد الله) ، قفز في الهواء ليسقط في الخندق ، سقطت القذيفة بجوارهم فأطبق الخندق على من فيه بينما أصبح عبد الله مدفوناً في الخندق حتى صدره ، يا إلهي ، إن جمال وشوقي مدفونين أسفله ، إنه يشعر بحركة أسفل قدميه ، إنهما يحاولان الخروج دون جدوى ، إحدى يديه مدفونة أسفل التراب بينما الأخرى طليقة ، أخذت الحركة أسفل قدميه تهدأ حتى توقفت تماماً ، صاح بهستيريا وقد غطى التراب وجهه وما ظهر من جسده (جمال ، يا شوقي ، يا جمال .. مع السلامة يا ولاد ، ما تخافش على عيالك يا شوقي ، عيالك أمانة في رقبتي ، إنت عليهم يارب ، إنت عليهم يارب) . ظل يصيح ويهذي حتى راح فيما يشبه الإغماءة ، أفاق بعد وقت لا يعلم طوله ليجد رتلاً من المدرعات مقبلاً ، حدق بعينيه قليلاً ، يا إلهي لقد أضناه التعب ، ولم يعد يشعر بذراعه المدفونة في التراب ، ما هذا ، إنها تبدو قوات الصهاينة .

أسر عبد الله في ذلك اليوم ، وظل حبيساً لدى الصهاينة لما يقارب الثمانية أشهر ، كان هو والأسرى المصريين وقتها يتعاملون مع الصهاينة بمنتهى الشجاعة والإباء ، وهو لا زال يذكر يوم أن دفعه أحد الضباط ليدخله الزنزانة ، فاستدار عبد الله إليه وأمسكه من ملابسه وصاح فيه (ماتمدش إيدك النجسة دي علىّ) تجمهر الجنود ، وتجمع باقي الأسرى ، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة ، إنه لن ينسى أبداً نظرات الخوف التي علت وجه الضابط الصهيوني حين أمسك بتلابيبه ، بعدها ببضعة أشهر تمت مبادلة عبد الله مع بعض الأسرى بأسرى صهاينة كانوا لدى الجانب المصري ، يومها ، وبعد أن عبر إلى الجانب المصري من الحدود ، ارتمى أرضاً وظل يمرغ جنبيه على تراب الوطن ، ويشم رائحة الأرض التي روتها دماء رفاق السلاح ، أمسكه الضابط المكلف باستلامه هو وزملاؤه قائلين (قوم يا دفعة ، مبروك ، ما تعيَّطش ، إنت ف وسط أهلك دلوقتي) .

أفاق عبد الله على دمعة كانت قد بدأت تتلمس طريقها إلى عينيه ، علا صوت المذياع (وفي تلك الذكرى المجيدة لحرب أكتوبر العظيم الذي صنعته الضربة الجوية التي كان بطلها الأول ...) تجمدت الدموع في عيني عبد الله مد يده في عصبية وأطفأ المذياع .

رابط هذا التعليق
شارك

قصيرة

ولكن واقعية الى اقصى درجة

افرغت جعبتي من كلمات المدح لأثني بها على قصتك فلم اجد الا كلمة

مؤثرة و امووووووووووووووووووووووووورررة جداااااااا

:cry: :roll: :) :cry:

وانا من البلد ديييييييييييي

رابط هذا التعليق
شارك

الاخ البنا

قصتك حلوة جدا و معبرة

الشعب الذي عنده كرامة على الاعداء الخارجيين لا يعرف كيف يتعامل مع الاعداء الداخليين

يمكن القصة مسلسلات؟

في الحلقات الجاية ممكن يحصل الاتي:

- عبد الله يشوف الذل من الباشاوات الجدد، و يتملل منه

- يجتمع مع بعض اصحابه

- ينظمون مسيرات سلمية

او

- يروحوا موقع حوارات المصريين

- يكتبوا خطابات تطالب الرئيس بالاستقالة

- الشعب في حالة عصيان مدني

او

- يكمل ياخذ على قفاه، و أهي عيشة و السلام

الشعب اراد الحياة و القيد انكسر

رابط هذا التعليق
شارك

أخي الطفشان

كل اللي قلته وارد ، والنهايات دايماً مفتوحة بسبب إن مافيش شيء محدد وواضح حوالينا . شكراً على المتابعة .

رابط هذا التعليق
شارك

ايها الاديب ..

عبد الله يمثل جيلا بأكمله يسرق منه تاريخه الان واعتراضه وغلقه المذياع ما هو الا اعتراض على نسب الفضل لجهه واحده وسلاح واحد فى النصر مع انه يعلم انه لولا السلاح الذى خدم فيه لما قامت للنصر قائمه واختيارك لسلاح الدفاع الجوى قمه الذكاء لانه من حقه ان يعترض.

اما ما سيحدث فى المستقبل ....فربما نجده وقد اصبح من كبار رجال الاعمال المستوردين لانه تعلم الدرس فعندما اتى الانفتاح استفاد منه .

قصه ممتعه ومازلت مصمم انك فنان

ابن مصر

إن ربا كفاك بالأمس ما كان.... يكفيك فى الغد ما سوف يكون

 

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...