اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

حول فيلم (المومياء)


elbana

Recommended Posts

أكثر ما يميز مخرج الفيلم الراحل شادي عبد السلام هو الوضوح الشديد للرؤية وانجلاء الهدف وبساطة التعبير ، فالرجل لا يلجأ إلى التعقيد سواء في تسلسل الأحداث أو في كيفية سردها ، فهو لايقفز بين الأزمنة أو الأحداث جيئة وذهاباً دونما ضابط ، بل يلتزم جانب (النظام) في السرد للأحداث ، وقد تعمدت هنا أن أستخدم تعبير (النظام) لأدلل به على عمل شادي عبد السلام ، فهو فعلاً أحد أحد أكثر المخرجين تنظيماً وترتيباً ودقة في تاريخ السينما المصرية ، فالرجل كان منظماً في أسلوب حياته بصفة عامة وهو ما انعكس على فنه بشكل ملحوظ ، وهذا له فائدة عظيمة تتجلى في سهولة وصول المشاهد للفكرة عبر متابعة الأحداث متابعة تنطوي على القدر المطلوب من التأني والعناية .

ذلك الأسلوب البسيط المنظم إذا ما ضممنا إليه الخلفية الثقافية للرجل مع الحس الفني المرهف إلى حد بعيد ، إضافة إلى تجربته كمصمم للملابس ، ومصمم للمناظر ، ومساعد للمخرج في عدد من الأعمال الهامة ، مع الأخذ في الاعتبار الموهبة التشكيلية الفطرية التي يتمتع بها ، كل هذا من شأن أن يفرز في النهاية مخرجاً قادراً على التعبير عن أفكاره بشيء من السهولة النسبية التي يكفلها تمكنه من معظم أدوات العمل السينمائي .

فهو في مجال تصميم الملابس عمل في أفلام شهيرة منها (الناصر صلاح الدين) (وا إسلاماه) (ألمظ) وقد عمل كمصمم للمناظر أيضاً في العملين الأخيرين ، أما في (الناصر صلاح الدين) فقد كان (وليّ الدين سامح) هو مهندس المناظر وقد استفاد منه شادي كثيراً . ولقد كان لشادي في مجال تصميم الملابس والمناظر شخصية مميزة وطاغية إلى حد بعيد ، والدليل عليها أنك _ لو كنت من المهتمين بالعمل السينمائي ومفرداته _ تستطيع أن تكون على يقين من أن شادي عبد السلام هو مصمم الملابس في فيلم معين دون أن تكون قد اطلعت على تترات المقدمة ، وهذا لأن الرجل له بصمة واضحة تماماً في هذا المجال ، هذا على الرغم من أن تصميمه للملابس انصب في معظمه على أفلام تاريخية ، أي أن الملابس فيها تقيدت بعصر زمني معين مما كان من شأنه أن يكون عذراً لتتشابه ملابس الفيلم مع ملابس باقي الأفلام التاريخية التي تناولت نفس الفترة ، وهو ما لم يحدث ، فشادي استطاع بيسر أن يحفر طريقاً مميزاً له في هذا المجال بالتحديد رغم التشابه الذي أشرنا إليه وذلك عبر خطوطه وألوانه الرائعة .

وقد كان تصميمه للملابس في فيلم (المومياء) تصميماً رائعاً بكل معنى الكلمة سواء بالنسبة لملابس الأفندية ، أم رجال الشركة ، أم أفراد قبيلة الحربات (الزي الصعيدي) ، فاستطاع شادي أن ينقلنا إلى الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث الفيلم بمنتهى الدقة والحرفية من خلال عنايته بأدق التفاصيل فيما يتعلق بالملابس .

أما عن المناظر ، فقد تأثرت أيضاً بدقة المخرج وحسه التشكيلي العالي ، فكان تصميم المناظر بدءاً من المشهد الافتتاحي وحتى النهاية جميلاً ، باستثناء مشهد أو اثنين لم يكن (التنفيذ) فيهما متقناً ربما لضعف في التمويل ، فمثلاً مشهد الحديث الذي دار بين العم والأبناء في المقابر في بداية الفيلم لم يكن تنفيذ تصميم المقابر فيه على المستوى المطلوب رغم أن التصميم كان ملائماً لبيئة الأحداث بشكل ملحوظ .

رابط هذا التعليق
شارك

تابع المومياء

من خلال مدير تصوير بارع كعبد العزيز فهمي استطاع شادي عبد السلام أن يقوم بعملية الاتصال البصري بالمشاهد بأسلوب محترف ومتقن جداً ، فمن المعروف أن السينما فن يعتمد في المقام الأول على الصورة التي تلعب دوراً جوهرياً في تبليغ الفكرة ، وفي فيلم المومياء نجد أن قيمة الصورة تتعاظم عنها في أفلام أخرى والسبب هو تقليص مساحة الحوار لأقصى حد ممكن مما حمل الصورة معظم المسؤولية في عملية توصيل الرسالة للمشاهد ، وهو ما أضاف عبئاً جديداً على كاهل الممثلين ، فتقليص الحوار لا يريح الممثل كما يتصور البعض بل إنه يعد تحدياً كبيراً له على الصعيد المهني ، لأن عليه أن يكون متواجداً أمام الكاميرا وأن يعبر وأن يوصل الفكرة بعدد قليل من الكلمات وكم كبير من التركيز والمعايشة للشخوص التي يعبرون عنها .

أما مساهمة عبد العزيز فهمي فقد جاءت عبر صنع الكادرات التي صاغها المخرج على الورق بإحساس عبد العزيز فهمي الخاص جداً ، فقد استعان الرجل بقدرته العجيبة على تنويع مصادر الضوء والتحكم بها وتطويعها ليخلق كادرات معبرة تعبيراً جميلاً ، بل إنه ابتكر في هذا المجال فبث النور من أماكن غير مألوفة في بعض المشاهد وأضاءها بأسلوب لا يسهل على الحرفي استكناهه مما دفع بالمختصين في الحقل الفني بفرنسا (الفيلم نال جائزة التلفزيون الفرنسي) إلى التساؤل عن مصدر الضوء في بعض المشاهد بالتحديد . كما كانت المشاهد الليلية متقنة تماماً من حيث درجة الضوء وتوزيع على عناصر الكادر .

وفي حديثنا عن الكادر لا يفوتنا أن ننوه إلى قدرة شادي التشكيلية التي أبدعت لنا تابلوهات فنية رائعة ، وهي لم تكن وليدة اللحظة أو اتفق عليها مع مدير التصوير قبل البدء في التصوير ، كلا ، بل كانت كل الكادرات الرئيسية معدة سلفاً بشكل يدوي وبرسم يد المخرج ولازالت موجودة حتى الآن ، فما رأيناه على الشاشة من تمركز للكاميرا ومن تحديد للعناصر التي سيحويها الكادر وكافة الجوانب المتعلقة بهذا الأمر كان قد صمم ورسم سلفاً بيد المخرج ، وهو أمر ندر أن نصطدم به في السينما العربية ، فعادة ما يجري تحديد عناصر المشاهد بشكل إجمالي وتترك بعض التفاصيل أو كلها إلى وقت إعداد المكان للتصوير ، أما شادي فكان قد أفرغ كافة محتويات الكادرات على الورق بتفاصيلها ، وهو في نظري سلاح ذو حدين ، فمن يقدم على عمل كهذا يحجم إلى حد كبير من قدرة معاونيه على التحرك ، كمصممي الأكسسوارات ومدير التصوير ، فإذا لم يكن الشخص متمكناً من أدواته كشادي للقي صعوبات كبيرة في إتمام العمل على هذا النحو ، لكن على ما يبدو أن حرفية شادي ساهمت في تقبل الآخرين لهذا الأسلوب الذي يبدو أنهم لم يجدوا ما يضيفونه عليه .

والمتتبع لكادرات شادي عبد السلام يجدها قد احتوت _ في معظم الأحوال _ على عدد قليل من العناصر ، وهو أمر بالطبع مقصود ، ويعكس شخصية المخرج ذات الرؤية الصافية ، فالرجل يملك عقلية ملأى بالأفكار ولكنها منظمة إلى أقصى حد ، ومن ثم فهو لا يزحم عين المشاهد بالكثير من التفاصيل الغير هامة ، فخرجت معظم الكادرات بأقل قدر من العناصر ولكنها استطاعت أن تصل إلى الحد الأقصى إلى القدرة التعبيرية ، وفي رأيي أن اللجوء إلى هذا الأسلوب يتناسب والبيئة والعصر الذيْن يتناولهما الفيلم فحين يتناول الفيلم حياة قبيلة كالحربات تعيش في بيئة جبلية قاسية وتجاور آثار الفراعنة ، وحين ينطوي الفيلم على بعد زمني هام يمثل بيت القصيد في الفكرة التي يرغب المخرج في توصيلها ، حين يتوافر كل هذا فإن تركيز العناصر التي تظهر في الكادر يكون مقبولاً بل ومستحباً إلى حد كبير .

وقد تمكن عبد العزيز فهمي من إدارة الكاميرات بطريقة فذة وخاصة في الأماكن المفتوحة التي تحتوي بطبيعتها على عناصر ذات أبعاد غير محكومة مما يستدعي قدراً كبيراً من الحرفية في إدارة الكاميرات وتوجيهها بشكل يحيل المكان إلى المفتوح إلى ما يشبه البلاتوه الذي تم التحكم في عناصره سلفاً ، وهذا أمر بالفعل غاية في الصعوبة ، ناهيك عن صعوبة التحكم في إضاءة الأماكن المفتوحة ، وهي الصعوبة التي ثبت أنها لا تعيق فناناً كعبد العزيز فهمي عن أن يخرج لنا مشاهد رائعة ستظل من أروع المشاهد في تاريخ السينما المصرية .

وقد استخدم المخرج الفصحى المبسطة عن عمد ليضفي على الفيلم المهابة التي تنبغي له والتي هي ضرورية إذا ما أخذنا في الاعتبار البعد الزمني الذي يشير إليه الفيلم .

ولا يفوتنا في النهاية أن ننوه إلى مدى انبهار المخرج بفترة المصريين القدماء حيث أخرج قبل هذا الفيلم فيلماً آخر بعنوان (الفلاح الفصيح) يدور في عهد الفراعنة ، وكان قد أعد العدة لصناعة فيلم (أخناتون) وانتهى من عمل تصميمات الملابس له ولكن أجله حان قبل أن ينهي ما بدأه .

وقد حقق الفيلم نجاحاً كبيراً على مستوى النقاد والمتخصصين ونال كما قلنا جائزة من التلفزيون الفرنسي ، كما أن معظم السفارات المصرية تحتفظ بنسخة منه لأهميته الكبيرة . وأدعو من يهمه أمر السينما الجادة المحترمة إلى مشاهدة هذا الفيلم الجميل ، والعودة لنتناقش فيه من جديد .

ولكم الشكر .

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 4 سنة...

دائما ما يصيبني هذا الفيلم بالإبهار وتشعر فعلا بأن هذا الفيلم ليس فيلما مصريا وخصوصا أن الممثلين بالفيلم كان معظمهم غير مشهور بإستثناء نادية لطفي وشفيق نور الدين حتى أحمد مرعي كان مختلفا وممثلا شابا في ذلك الوقت.

الكادرات وغرابة القصة ولغة الحوار كلها ساهمت في تفرد هذا الفيلم. قد لا تفهم هذا الفيلم جيدا عندما تراه اول مرة ولكنه بالتأكيد عمل مصري عظيم.

مفيش حياة إلا عند غيرك تعيش في خيره ويعيش في خيرك

"فؤاد حداد"

رابط هذا التعليق
شارك

احيك على موضوع المومياء لشادى عبد السلام

لان الشخص دة حبى لية زى حبى لمحمد منير

لانه كمان كان جزء من رسالة الماجستير عندى لانى اخترته كمصمم مصرى للاكسسوار السنيمائى

ومن دراستى لية اكتشفت اد اية هو شخص دقيق جدا ولو شفت الرسومات الى كان مجهزها لفيلم اخناتون

وعملت مقارنا بين ما وجد عن شخصية اخناتون تارخيا وما تم تجهيزة للفيلم مطابق جدا للواقع مع عدم وجود اى تحريف للواقع

وشادى قام بالاعداد لفيلم اخناتون عشر سنوات كاملة من كتابة السناريوا والحوار والذى يعتبر فى حد ذاتة تحفة فنية ابداعية

واعد معة المناظر مهندس صلاح مرعى والفنان انسى او سيف فى تصميم الملابس والمناظر

ومن خلال تحليل وتناول شادى عبد السلام لتصميم الملابس والاكسسوارات المرتبطة ارتباط وثيق بالسيناريو

نجد ان مصمم الملابس يواجة مشكلة تارخية

خاصة ان الفن المصرى القديم يحمل طرازا من الملابس يصعب تفسيرها وذلك لما يتميز به فهو يميل الى الرمز والتجريد والاكسسوارات عند شادى لا تقل اهمية عن الملابس الكتانية التى تعد خلفية للكسسوارات الى تحمل الرموز وتميز كل الوظائف المختلفة

ان الملابس والاكسسوارات عن شادى احجاما وكميات محسوبة ويبالغ فى بعضها ويقلل من بعضها الاخر حتى يتحقق لة التعبير عن الشخصية فى وحدة فنية تشترك فيها الالوان والاحجام وتبرز للوهلة الاولى بطريقة مباشرة

وعند مشاهدتك لفيلم المومياء تشعر ان كل كدر فعلا محسوب وكل كلمة فى السيناريو لها مكان ولا ننسى الموسيقى التصويرية التى تعطى خلفية للاحداث وتشعرنا بما سيحدث بعد ذلك فى المشهد

والاعتماد على اللغة العربية فى الحوار مع اختلاف الثقافات بين الافندية والقبيلة والتاجر اليهودى يعطى احساس بوحدة نسيج الحوار ولا يخرج اى شخصية عن مدلولها بل يصنع تاكيد لها

وهناك الكثير من المشاهد الى تعتمد على التعبير بملامح الوجة ونظرة العين فقط

فانت عندما تشاهد فيلم المومياء تشعر كانك داخل الكدر من كم صدقة

ففى راى ان هذا الفيلم من اهم علامات السنيما المصرية ان لم يكن اهمها

فرحمة الله على التفانى والابداع وشادى عبد السلام

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...