اذهب إلى المحتوى
محاورات المصريين

فيلم (خرج ولم يعد)


elbana

Recommended Posts

أنتج الفيلم في الثمانينات ، وحصل على جائزة مهرجان قرطاج السينمائي بتونس .

الفيلم هو أحد أجود أفلام المخرج (محمد خان) الذي صنع العديد من الأفلام الجميلة ، ويتناول قصة موظف شاب يعيش بالقاهرة ، ويعمل في وظيفة حكومية شأنه شأن الملايين ، وتمضي حياته بشكل روتيني قاتم لا يحمل جديدا ، ولا يضيف الصباح الذي يشرق شيئاً يذكر إلى حياته اللهم إلا المزيد من المتاعب والهموم .

ويتنقل بنا المخرج مع بطل الفيلم بين مفردات حياته اليومية في أنحاء العاصمة لنتفرج سوياً على ما تحمله الحياة فيها من مشاق بالنسبة للطبقة المطحونة التي يمثلها (عطية) بطل الفيلم ، من مسكن متواضع إلى مكان عمل لا يليق بالمستوى الآدمي ، ولا يتفق مع مؤهله العلمي ، إلى خطيبة لا تتمتع بأي قدر من الجمال من حيث الشكل والمضمون ، ويبدو عليها أنها ليست صغيرة السن ، حيث يصحو عطية فزعاً في أول لقطة بالفيلم في الصباح الباكر على صوت آلة تكسير الأسفلت شديدة الإزعاج ، ثم يستعرض المخرج المشاكل اليومية للمواطن المصري الذي يعيش في المدن الكبرى من نقص المياه أو انعدامها ، إلى الازدحام الرهيب في وسائل المواصلات ، إلخ .

وإثر مشكلة مالية تعوق زواجه يقرر عطية الذهاب إلى قرية العزيزية ليبيع قطعة أرض كان قد ورثها عن أمه ، وينتقل بنا المخرج نقلة هائلة ما بين حياة القاهرة الطاحنة ذات الإيقاع المتسارع الذي لا يستطيع المواطن الطبيعي اللحاق به ، إلى إيقاع الريف الهادئ البسيط ، وتتغير المناظر أمام المشاهد كليةً ، فتحتفي أرتال السيارات المتراكمة وراء بعضها البعض ، وتختفي أصوات الزحام ، والدخان المتصاعد ، لتبدأ في الظهور مناظر الحقول الخضراء وصوت السكون الريفي الجميل ، يذهب عطية إلى الشخص الذي سيبيع له الأرض كمال بيه (فريد شوقي) وهو أحد قدامى الأثرياء ، ويحاول عطية الذي لم يتأقلم بعد مع حياة الريف إنهاء الصفقة سريعاً ، بينما يحاول كمال بيه كسب بعض الوقت لتدبير المال اللازم للصفقة ، وخلال تلك الفترة يبدأ عطية في الانجذاب نحو الإبنة الكبرى (خوخة) أو ليلى علوي التي تحيا في هذا المكان كالزهرة البرية ، تصحو مبكرة نشيطة كالرغيف الطازج ، وتعمل بكد في الحقول وتساعد أمها في المنزل ، ويلاحظ عطية من خلال احتكاكه بالأسرة الفارق الرهيب بين حياته في القاهرة وحياة هؤلاء في ذلك المكان الهادئ الوديع ، ويعجبه نظام حياتهم ، ويميل قلبه لخوخة التي تأخذه ليزور مكاناً تدعوه (الجنة) وهو عبارة عن مزرعة موز يملكها والدها ، وينبهر عطية بالطبيعة الرائعة ، وتنفتح شهيته للطعام الريفي ، ويبدأ في تقبل ما عدّه في بادئ الأمر من المساوئ لدى الريفيين وخاصة بعد أن يفاجأ بأن حياة الريف لم تمنع كمال بيه من تعليم بناته ، وبأن الأب نفسه متعلم ، بل وأنه سافر إلى العديد من البلدان الأوربية والغربية ، وقرر بعد تلك الرحلة الطويلة الاستقرار في العزيزية بمحض إرادته .

وفي نهاية الأمر يفطن عطية إلى أنه ينبغي أن يعمل على تصحيح حياته ويبدأ في التفكير في الانتقال للعيش في الريف ، وخاصة بعدما أعلن كمال بيه رغبته في الاستفادة من خبرة عطية الممتازة في عالم الزراعة والعناية بالنباتات ، وبالتالي فالوظيفة مضمونة في الريف أيضاً . ويقرر عطية الزواج من خوخة ، والعمل لدى أبيها كناظر للزراعة .

ولقد أراد مخرج الفيلم من خلال تلك القصة الجميلة البسيطة أن يوجه أنظارنا إلى أننا نقع في خطأ جسيم وأن علينا تصحيحه على الفور لأن المشكلة تفاقمت وخرجت عن السيطرة ، وتلك المشكلة هي مشكلة التوزيع السكاني الخاطئ الذي يصب في مصلحة المدينة على حساب الريف الذي لم يعد يجد أحداً ليرعى زرعه وحرثه ، بينما اكتظت المدن بشكل لا يطاق ، وذلك نتيجة الهجرة الريفية للمدن والتي بدأت منذ عقود طويلة وأدت إلى المشكلة الحالية ، تلك المشكلة التي أدت إلى نقص الموارد الزراعية والاستيراد من الخارج لتغطيتها ، والتي أسهمت في انتشار البطالة بالمدن ، وخاصة في العاصمة . ونلاحظ هنا أن واقعة انهيار منزل عطية هي واقعة هامة يشير بها المخرج إلى أن عطية لم يعد له مكان في ذلك الزحام .

وبالطبع لا يخفى على أحد أن المشكلة التي يعرضها الفيلم ليست مشكلة جديدة وتم التعرض لها في أعمال عديدة سواء في السينما أو التلفزيون أو المسرح ، ولكن الفيلم هنا يعرض للمشكلة بأسلوب روائي ممتع وواقعي إلى حد بعيد ، وبالإضافة إلى السيناريو الجميل ، فإن متعة الفيلم تكمن في التصوير الرائع الذي أداره طارق التلمساني مدير التصوير المتمكن الذي نال جائزة عن الفيلم في قرطاج أيضاً ، كما كانت الإضاءة ممتازة ، وكذا كانت الموسيقى التصويرية بسيطة في اعتمادها على آلات شرقية بسيطة فقط هي الناي والقانون الكمان والرق ، الأمر الذي أعطاها صبغة شرقية هي في نظري مقصودة وتأتي في سياق خدمة الموضوع الذي يدعو إلى التركيز على جذورنا الريفية والعودة إليها .

وقد أدى كلاً من يحيى الفخراني وفريد شوقي وعايدة عبد العزيز (الأم) أدوارهم ببراعة شديدة في هذا العمل ، وبخاصة فريد شوقي الذي مثل الفيلم بالنسبة له دوراً مختلفاً بعض الشيء عن أدواره السينمائية التي التصقت به لفترة طويلة حتى صبغته بلون واحد لا يتغير ، كما جاء أداء يحيى الفخراني كعادته جميلاً وطبيعياً . أما عايدة عبد العزيز فقد كان هذا الدور أحد أفضل أدوارها في نظري .

ونهاية الفيلم هي إحدى أهم مراحل الفيلم ، حيث كان عطية قد قرر العودة إلى القاهرة إثر خلاف نشب بينه وبين خوخة ، وكانت تلك العودة على غير مراده حيث أحب المكان وأهله ورسم لنفسه مستقبلاً فيه ، ولكن الأقدار سارت على عكس ما يشتهي ، فرفع صوته وهو واقف في حديقة الموز صائحاً في هيستريا (جاي لك يا أحمد يا عدوية) ليمرق بعدها صوت كروان يشق عنان السماء وهو مشهد يترك انطباعاً وتأثيراً عميقين لدى المشاهد ، ثم يركب عطية سيارة تاكسي ليغادر العزيزية إلى القاهرة ، ويجد في السيارة جريدة يطالع فيها أخباراً تنقلنا نقلة مفاجئة إلى العاصمة بصخبها ومشكلاتها ونحن بعد لم نغادر العزيزية ، فمن انفجار ماسورة مياه ، إلى حوادث السيارات ، إلخ ، وهنا يرى خوخة تسير على حافة الطريق الزراعي ممسكة بجاموستها فيطلب من السائق التوقف ، ويلقي بالجريدة ، لتركز الكاميرا على خبر لم يقرأه عطية يفيد بأنه خرج ولم يعد ، يعود عطية إلى حيث تسير خوخة ويمد يده ليمسك معها بالحبل ويسحب معها الجاموسة في إشارة واضحة إلى أن الأمر قد حسم لصالح العزيزية .

رابط هذا التعليق
شارك

مرحبا بالأخ البنا و بتلك المساحة التي افتقدناها طويلا من النقد السينمائي العقلاني ...والذي ربما لا نجده في صحف و مجلات "عريقة" تتشدق بتاريخها الطويل و العريض في الساحة الفنية...

خلص الكلام

Sherief El Ghandour<br /><br />a furious Egyptian

رابط هذا التعليق
شارك

يا أفندم أنا متشكر خالص على الكلام الكبير جداً ده ، وسعيد إن فيه حد مهتم يقرأ في المواضيع دي . وانت ح تشجعني أنزل وجهات نظري في أفلام وأعمال أخرى قريب إن شاء الله .

رابط هذا التعليق
شارك

  • بعد 4 سنة...

للرفع

الفيلم رائع وتحليل البنا متميز جدا. خسارة أن مفيش مشاركات جديدة له في المنتدى. أنا كمان بعشق خرج ولم ويعد.

أجمل حاجة بحبها في الفيلم طريقة حياة كمال بك (فريد شوقي) قريبة جدا للحياة اللي بتمانها مع بعض النظام البسيط. وفعلا الجو في الريف والمناظر كانت ممتعة جدا ومشجعة على الذهاب للريف والعودة للطبيعة وخيراتها. ومن ساعتها وأنا بحلم بمشروع أستصلاح الأراضي وبناء فيلا بسيطة وربنا يسهل.

مفيش حياة إلا عند غيرك تعيش في خيره ويعيش في خيرك

"فؤاد حداد"

رابط هذا التعليق
شارك

انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

تسجيل دخول

هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.

سجل دخولك الان
  • المتواجدون الآن   0 أعضاء متواجدين الان

    • لا يوجد أعضاء مسجلون يتصفحون هذه الصفحة
×
×
  • أضف...