elbana بتاريخ: 22 ديسمبر 2002 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 22 ديسمبر 2002 فيلم (الكيت كات) فيلم يتميز ببساطة التعبير ويسر الوصول إلى المغزى وراء الأحداث ، كما يتميز بأنه يدور من خلال قصة متسلسلة بشكل طبيعي هاديء خال من محاولات استعراض العضلات السينمائية على المشاهد ، وهو مسلك مغاير تماماً لما اتبعه مخرج الفيلم (داوود عبد السيد) في فيلمه (البحث عن سيد مرزوق) ، ولست أدري هل كان تغيير أسلوب التناول والتعبير محض قرار من المخرج أم أن السيناريو هو الذي فرض عليه هذا . على أية حال فإن الفيلم يطرح قضية بسيطة ومتفق عليها لدى كل من لديه عقل ، وهي أنه لكي تعالج مرضك لابد أن تعترف من الأساس بأنك مريض ، ولكي تحل مشكلتك لابد أن تعترف من الأساس بأن لديك مشكلة . هذه هي القضية الرئيسية في الفيلم ، ولنطبق هذا على أحداث الفيلم في السطور التالية . الشيخ حسني رجل مكفوف البصر يعيش في منطقة شعبية ويرفض الاعتراف بأنه لا يرى ، ومن ثم يقع في مشاكل عدة ، وهنا يريد المخرج أن يقول أننا لا نعترف أبداً بأننا لا نرى الطريق جيداً بمعنى أننا (بنضبش) ، وحين يواجهنا أحد بحقيقة وضعنا نغضب ونثور كما يفعل الشيخ حسني في الفيلم مع كل من يدعوه بالأعمى أو يعامله كذلك ، ويمني الرجل نفسه بأنه مبصر ويحتال على الشيخ عبيد الذي لا يعرف أن الشيخ حسني أعمى وأن الأخير يوهمه أنه مبصر ، وهكذا تسير حياة الشيخ حسني كما تسير مقدرات أوطاننا ، لا نرى أمامنا ولا نبصر أين نضع أقدامنا ، وفي نفس الوقت نرفض الاعتراف بتلك المصيبة ، وهذا ما يحول دون الحل . وبالطبع يحاول المخرج إلقاء الضوء على أنه لايزال هناك أمل في العلاج ، فيسوق لنا شخصية الإبن (يوسف) الذي يحمل في صدره أحلام الشباب ليشير من خلاله إلى الجيل المقبل الذي يجب أن نرعى أحلامه ونعتني بها عسى أن يكون الخلاص على يديه . ولعل اختيار المخرج لاسم (يوسف) ليمنحه للإبن لم يأت مصادفة ، فكأنما أراد بذلك أن يشير إلى الحقيقة القرآنية الواردة في قصة سيدنا (يوسف) عليه السلام والذي كان أبوه قد كف بصره ، وحين ألقى سيدنا (يوسف) عليه السلام قميصه على وجه أبيه ارتد بصيراً ، فالمخرج هنا يطمِّعُنا في الجيل الجديد إذا ما رعيناه حق رعايته ، ويؤكد أن الحل سيكون على يدي هذا الجيل إذا ما اعتنينا به . وفي الفيلم يظهر لنا كيف أن (يوسف) كان يريد السفر بحثاً عن النجاح والخروج من دائرة اليأس ، وكيف أن والده (الشيخ حسني) بعد أن أنفق كل ما يملك على (مزاجه) _ في إشارة إلى أننا ضيعنا الكثير من ثروتنا وأذهبنا قوتنا بأيدينا وأنفقناها فيما لا ينفع _ إلا أن الشيخ حسني يفيق في النهاية على حقيقة أن ابنه (يوسف) كان ضحية سفهه وعدم تدبيره ، فيقرر عمل حيلة يحتفظ من خلالها بدكان في البيت ليعيد بيعه ويحصل منه على ثمن التذكرة ليقدمها ليوسف ليشق طريقه إلى الخلاص . هذا هو مجمل قصة الفيلم ، ومجمل ما يرمي إليه المخرج _ من وجهة نظري . فإذا ما حاولنا الاقتراب أكثر لوجدنا أن هناك مشاهد في الفيلم كانت مؤثرة للغاية ، وعلى رأسها ذلك المشهد الرائع حين ذهب الشيخ حسني في الصباح الباكر لشراء الفول من عم مجاهد بائع الفول وصديق والد الشيخ حسني ، وهو رجل كهل ، ويدور بينهما عتاب متبادل يشير به المخرج إلى أن الأجيال السابقة كلها تتقاسم المسؤولية فيما وصلنا إليه من بلاء ، فعم مجاهد يلوم الشيخ حسني على بيعه منزل أبيه من اجل المخدرات ، والشيخ حسني يرد عليه باللوم متسائلاً أين كنت حين حصل كذا وكذا ، ويستدير الشيخ حسني ليمضي ، ولكنه يفطن إلى أن عم مجاهد لم يجبه وظل صامتاً فيناديه : عم مجاهد ، ولا يجيب الرجل ، فيقترب منه الشيخ حسني في هلع ويضع أذنه على صدر الرجل ويكتشف أنه قد مات ، فيحوقل ، ويتشهد ، ويحمل الجسد الهزيل النحيف للرجل الكهل بين يديه ويضعه في عربة الفول ، ويسحبها ويمضي بها في الحارة الضيقة كشق الثعبان ، وتعلو الكاميرا لتلقط المشهد من زاوية مرتفعة والشيخ حسني يجر وراءه عربة الفول التي تحمل جثة العم مجاهد ويستنجد بشباب الحارة ليعينوه على دفنه . هذا مشهد يستحق الوقوف عنده طويلاً ، فها نحن أولاء عبارة عن مكفوف يجر ماضيه جثة هامدة محمولة على عربة فول ويسير به في طريق ضيق ولا يقدر حتى على دفنه ويطلب العون من الناس . جاء تصوير المشهد بارعاً ، وكانت درجة الإضاءة فيه شاحبة هادئة وأحياناً باهتة مما أعطى للمشهد بعداً جنائزياً مهيباً ، كما كانت الناحية التشكيلية في كادرات هذا المشهد رائعة جداً سواء في اللقطات المقربة أو لقطة نهاية المشهد التي أخذت من زاوية مرتفعة أريد بها أن نعلو قليلاً لننظر على أنفسنا من نقطة تَحْسُنُ منها الرؤية لنستكنه حقيقتنا ، ومن نحن وما آل إليه حالنا . كما كان التنقل بين الكادرات ناعماً جداً وليس فيه قطع مباغت بل كانت الصور تلاشي بعضها البعض في تناغم ما بين التلاشي والظهور يعد من العوامل المساعدة على نقل الصورة للمشاهد بأسلوب هاديء غير متعجل . وجاء أداء محمود عبد العزيز لهذا المشهد _ كباقي الفيلم _ رائعاً للغاية ومتقناً للغاية . أما المشهد الثاني فكان المشهد قبل النهائي حين جلس الشيخ حسني وابنه يوسف في الحديقة وباح الشيخ حسني ليوسف بأنه يشعر أحياناً بضيق في صدره وباختناق تصاحبهما لرغبة في أن يركب موتوسيكلاً ويطير به ، والإبن ينظر إليه في أسى ، وكان بيد كل منهما عوداً وأخذا يصدحان بأغنية نفست عن همهما كثيراً ، وكلمات الأغنية حملت الكثير بين طياتها ، وبعد انتهاء الأغنية يقرر الإبن أن يحقق رغبة أبيه ويركبه الموتوسيكل الخاص به ويقع الاثنان في الماء ، ثم يخرجان من الماء وهما مغرقان في الضحك في مشهد يعكس كيف نصنع من همومنا مادة للضحك وكيف نهرب من مشكلاتنا ببراعة ، وينهي المخرج الفيلم بتساؤل من الإبن للأب وكلاهما مغرق في الضحك : يابا إنت ليه مش عايز تصدق إنك أعمى؟ . من العناصر التي ينبغي الإشادة بها في الفيلم الموسيقى التصويرية التي وضعها راجح داود ، وراجح داود استطاع أن يحفر مكاناً له في هذا المجال ، وأصبح من اليسير على الأذن أن تتعرف إلى موسيقاه بمجرد سماع التيمة الأولى منها، وهو ما يعني أنه صاحب اتجاه وأسلوب مميزين ، كعمر خيرت مثلاً ، لذا وجب أن نشيد بأسلوبه الأنيق . أما ما يعيب الفيلم فكان التنفيذ الغير متقن لبعض المشاهد التي تعتمد على الحركة (الأكشن) حيث جاءت تلك المشاهد هزيلة كعادتها في السينما العربية نتيجة ضعف الخبرة في هذا المجال ، وأيضاً لضعف التمويل . كما أفرط المخرج قليلاً في المشاهد الكوميدية في بعض مراحل الفيلم . وفي المجمل فإن الفيلم يستحق المشاهدة ، وهو ممتع وساعد أسلوبه اليسير على اجتياز الفجوة المعتادة بين المتخصصين وجمهور المشاهدين في سهولة ويسر دون إخلال بمفردات العمل ودون تخلٍ عن الحرفية العالية أو لغة السينما المحترفة . رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان