لخبطه بتاريخ: 15 سبتمبر 2007 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 15 سبتمبر 2007 قد يختلف البعض عليه ولكن فضله في تقريب الصحابة إلينا لا ينكر في كتابه رجال حول الرسول المقال دا حول العملاق خالد محمد خالد بس جمييييييييييييييييل جدا خـالد محمد خـالد بقلم: ســنـاء البيـــسي فتح الشيخ حسين اللفافة ووضعها جانبا ومن بعد الغداء جاء موعد تسميع القرآن فانبري شقيقه طفل الثامنة يتلو ما حفظه من السور بينما الشيخ مشغول بتفريغ اللفافة من محتواها الجهنمي, فإذا بها كرباج له خاصية متفردة, فالعادة أن يصنع من التيل المجدول أو الجلد وأن يكون طويلا بنهايات متحررة حتي يكون نصفه للضرب الجاد والنصف الآخر فرقعة تهويش, أما كرباج حسين فقد صنعه له خبير محترف في فنون التعذيب, فهو من سلك الكهرباء المكثف والمجدول والقصير الذي لا تعنيه فرقعات الهواء, فالمبتغي منه إنزال العقاب الجاد, وهذه النوعية اللائنسانية يطلق عليها في الريف اسم الزخمة.. وما أدراك ما الزخمة فوق أجساد العصافير!!.. و.. علي الرغم من وصية الأب بألا يضرب الصغير إلا في حالات الضرورة القصوي وبخاصة في الليل قبيل النوم حتي لا تأتيه الكوابيس, إلا أن الشيخ حسين كان في منهجه التعليمي يقوم بالضرب في آناء الليل وأطراف النهار وجميع الليالي والصباحيات.. جميعها.. كلها.. مواقيت للحفظ يستوي في ذلك قبل النوم وبعد النوم وأثناء النوم.. وبتلك الطريقة أتم خالد محمد خالد حفظ القرآن في الزمن الذي قدره الشيخ حسين.. خمسة أشهر.. ليتسلمه من بعدها الشيخ محمد ليعلمه التجويد وأحكامه من غن ومد وإدغام وإشباع الخ.. وتبقي الزخمة في يد الكبير لا للتسميع فقد تم الحفظ, وانما للتهذيب والإصلاح الدوري حتي من بعد الانتقال إثر تصدع البيت للسكن في رواق الشراقوة في مسجد الأزهر.. وتتردد صرخات الطفل تحت وطأة الضرب المبرح فإذا ما احتج إخوان الرواق علي هذا الإيذاء يسحبه الأخ إلي جنبات الجامع الفسيح ليتخير مكانا قصيا يستطيع فيه أن يتجول بزخمته بعيدا عن تدخل الفضوليين واسترحامهم.. وينجح خالد في امتحان القبول في معهد القاهرة الأزهري ليأخذ مكانه بين طلبة السنة الأولي الابتدائية, ويرفع الشيخ حسين الزخمة إلي فمه يشبعها لثما وتقبيلا ومناجاة: لولاكي.. لولاكي.. لولاكي ما حفظ!! فهل تبقي المعرفة بهذه الوسيلة طويلا؟!.. إن الحكمة الموجزة تقول من جد وجد بينما كانت مدرسة الشيخ حسين وأمثاله تضيف ومن جلد اجتهد, ولقد كانت في كثير من الأحوال مسألة تربية أكثر منها تدينا, وطريقة لضبط اللسان والتمكن من اللغة, فالفرنسيون علي سبيل المثال لا يدخلون علي أطفالهم حتي آخر المرحلة الابتدائية أي لغة أخري غير الفرنسية ليتم تغلغلها في أسماعهم وأقلامهم, بينما نحن في زمن المباهاة مع أجيال لم تحفظ القرآن ولم تسمعه بنطقه العربي الصحيح نربي أطفالنا من فترة الحضانة بمنطق عقدة الخواجة فنقول لابن الثالثة: قوم يا هني ـ يا عسل ـ هات الشوز بتاعك وبطل تلعب في النوز.. هذا بينما جلس مندوب اليمن في عام1947 مع افتتاح جامعة الدول العربية عندما طلب منه إلقاء خطابه جلس يقرأ سورة البقرة علي الحضور لمدة ساعتين, فلم يكن عنده حاجة ثانية يقولها من بعد ثقافة الحفظ والتسميع, وقد امتدت عقدة الخواجة تلك إلي خريجي الأزهر أيضا حتي أن المفكر الكبير أحمد أمين والد الأساتذة جلال وحسين أمين كان يحيي أبنائه الجالسين مع الأصدقاء عند عودته للمنزل قائلا بنسوار, ويتعمد بعض الكتاب الأزهريين الذين درسوا الإنجليزية علي طريقة القط كات والفأر رات والنهر يدعي عندهم ريفر كتابة أسماء الأساتذة الأجانب والمراجع الخارجية ـ بالإضافة للحروف ـ باللاتينية كنوع من التميز أو رد فعل ثقافة ضاغطة كانت علي الرجل منهم في طفولته.. ولقد استشعرت بعضا من تلك اللازمة المضادة للثقافة الضاغطة في كتابات المفكر خالد محمد خالد الذي لم يخل له كتاب في علوم الإنسان والاجتماع والسياسة من استحضار أرسطو وسقراط وبسمارك وكوبرنيكس والفيلسوف ديوجينز, وكما يقول كونفشيوس, واكتشاف كارل ماركس للمنطق التاريخي, وفلاسفة اليونان ديمقريطس وليوسبس وأبيقور والروماني لوكريتيس و..وللأسف أن الطفل في مثل حالة الإجبار علي الحفظ يتحول إلي جهاز كاسيت يردد آليا مخزونه كما تم شحنه به, وكما حفظ خالد القرآن كله في مثل تلك السرعة الخارقة فقد نسيه كله في سرعة خارقة أخري مماثلة, فالطبيعة الإنسانية بكل غرائزها ونزعاتها وارتباطاتها إذا ما أضيف أيضا إليها طبيعة الزمن تغدو جبارة حين تثأر لنفسها ولرعاياها.. وإنا لنطالع في سيرة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه حفظ سورة البقرة في بضعة أعوام.. لا لضعف ذاكرته أو هبوط همته, ولكن لأنه لم يكن يحفظ بالذاكرة وحدها, بل وبالقلب والعقل والضمير معا.. ولم يكن يحفظ القرآن كله من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم سوي نفر قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.. وفي هذا المجال يذكر أنه عندما قيل للإمام محمد عبده أن فلانا قد حفظ القرآن فجاء رده: كويس لقينا نسخة جديدة.. ولقد أنبأ الله رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم بأن كل شيء عنده بمقدار, رفع القلم ووضع التكليف عن الطفل حتي يبلغ الحلم.. أفلا يكفي هذا لفتح أبصارنا عن حقوق الطفل في الرفق, والرحمة, وفي ذكاء التوجيه, ورقة المساءلة.. وحتما كانت نوايا الشيخ حسين طيبة يتعامل ويتناجي بها مع الجنة مباشرة بعدما سمع عن رسولنا صلي الله علي وسلم أن من أحفظ مسلما آية من القرآن, أو علمه مسألة من العلم دعاه الله جل جلاله أن يختار من غرف الجنة أحسنها وأبهاها.. ويسأل المفكر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد عن مصير علوم الأزهر التي بدأ معها بداية سيئة قال: إن الذي معي منها هو ما قرأته ودرسته وحصلته فيما بعد عن طريق القراءة الحرة, أما ما أثقل ذاكرتي بمحفوظات في الفقه والنحو والتوحيد وبقية العلوم فكانت المحفوظات السريعة التي غدت منسيات سريعة.. وعندما أتيح لصاحب الخمسين كتابا وهو في الرابعة عشر أن يدخر خمسة قروش من مصروفه الضعيف مضي يحمله ممتلئا مختالا بثروته يجوس بين مكتبات ميدان الأزهر ليختار بغيته التي لم تكن كتابا أدبيا في النثر أو الشعر, أو كتابا دينيا, أو في علم البلاغة أو اللغة, فقد عرض عنها جميعا ليحتضن كتابا مترجما عنوانه مذكرات لورد جريبي وزير خارجية بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولي.. كتاب أبعد ما يكون عن ثقافته واستعداده بعد أن تحررت ذاكرته من الحصار الذي كان مضروبا عليها, كما تحررت من عبودية الحفظ وتفتحت نوافذها لتهب عليها الرياح من الجهات الأربع.. الشموع السبع أضيئت في عام1920 للوليد المكتوب عليه الاستنارة لتسمي كل شمعة منها باسم مختلف عن الأخري كعادة أهل الريف في قريته( العدوة) مركز ههيا مديرية الشرقية بعاصمتها الزقازيق ـ التي منحها محمد علي اسمها تحية وتكريما لآل زقزوق الذين استضافوا بناة القناطر الخيرية ـ وتنطفيء الشموع تباعا بفعل الذوبان ليطلق اسم الشمعة التي صمدت حتي النهاية فترحل عن الحياة ناقلة اسمها للقادم الجديد إلي الحياة وكان.. خالد.. ابن الشيخ محمد خالد ثابت سليل عائلة ثابت ووالدته من عائلة مكاوي, من كان بمثابة مدرسة المعارف الأولي لمفكرنا الكبير الذي كان يشرح للصغير من نافذة القطار كل صغيرة وكبيرة والفارق بين شجرة الجميز والصفصاف معقبا أينما ولي ببصره في قدرة الخالق ونعمته تعس من كفر بالله.. ومن نافذة القطار كان درسه الأول مع الحرية والديمقراطية ومواطنون لا رعايا والضمير الإنساني في مسيره ومصيره وإنه الإنسان ونحن البشر وفي البدء كانت الكلمة ومن هنا نبدأ وإلي كلمة سواء.. فقد رأي عربة يركبها أفندي مسترخيا بشمسية تحميه من الشمس الحارقة يدفعها بالعدو السريع رجلان يرفع أحدهما ذراعه بين الحين والحين ليجفف عرقه بأحد أكمامه فسأل عنها ليجيبه الشقيق بأنه مفتش القضبان في مروره اليومي. ـ ولازم الآدميين هم اللي يسوقوا العربة, ويجروا ويتعبوا, وهو مجعوص كدة زي عمدة بلدنا؟! ـ الدنيا كدة يا عم خالد. ناس فوق وناس تحت. ناس ينجعصوا وناس ينفعصوا! والذي نراه الآن مجعوصا سيكون في مكان آخر ومع رؤسائه الأعلي منه مفعوصا.. الطفل الأزهري الذي ارتدي الكاكولة والعمة وطوله نصف متر وهو لم يبلغ التاسعة, ذهب العيال وكأنهم يرون فيه إحدي عجائب الدنيا يصيحون به: شد العمة شد تحت العمة قرد.. شد العمة يا أستاذ تحت العمة وابور جاز.. في اليوم التالي كان يخلع عمامته ليخفيها داخل حقيبة كتبه الصغيرة ليلتقط منها الطاقية لتكون بدل فاقد, وعلي ناصية مسجد الأقمر بالجمالية ما بين بيت القاضي وباب الفتوح كان يعيد كل شيء إلي مكانه, الطاقية إلي الحقيبة والعمامة إلي الرأس.. الأزهري من بعد التحاقه بوظيفة التدريس وحصوله علي شهادة العالمية من كلية الشريعة عام1947 ليعين مدرسا حتي عام1956 قام بتوديع العمامة والكاكولة مقبلا علي الجاكتة والبنطلون بدافع أن الوظيفة المدنية بداية المطاف ونهايته فلابد وأن يلبس لها زيها المألوف.. وحاول الوالد زجره, ومن بعدها إقناعه: - طاوعني وانت حتبقي شيخ الأزهر.. - وما يدريك أنني أريد أن أكون شيخا للأزهر؟ - أمال عاوز تبقي إيه؟ - عاوز أكون خالد محمد خالد. - وهل هناك فارق في أن تكون شيخا للأزهر, وخالد محمد خالد؟ - الفارق كبير جدا, ومعرفتي بنفسي تخبرني بأنني أفقد ذاتي في أي منصب كبير أتولاه.. خالد الذي راح يقرأ ويقرأ ويقرأ ليجذبه الفكر الأوروبي إليه ويعترف بأنه في طريقه إلي البحث عن الحقيقة منح عقله ما يسمي كارت بلانش أي حرية التصرف والاختيار, ويذكر في أحد أوقات عناده وتمرده: أن قلت لنفسي وكأنني أخاطب شخصا أمامي: اذهب وابحث كما تشاء عما تشاء.. ثم عد إلي متوشحا بالإيمان.. أو مغرقا في الإلحاد.. أو لا أدريا بين هذا وذاك.. و.. عاد إليه العقل وهو يحمل للدين الخالص ولاء موضوعيا.. لا ولاء تقليديا.. ولاء الريادة والاقتناع, لا ولاء التبعية والاتباع.. ويسأل خالد محمد خالد نفسه قبل أن ننحو نحن باللوم عليه: كيف توفق بين إيمانك بالديمقراطية وبين رثائك الطاغية ستالين يوم مات بمقالة جعلت عنوانها: طبت حيا وميتا يا رفيق؟؟!!.. ويجيب علي نفسه معترفا بخطئه في اختياره العنوان: حتي لو لم يكن ستالين طاغية فتلك التحية المودعة قالها سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه حين سعي إلي جثمان الرسول صلي الله عليه وسلم فكشف عن وجهه الشريف وقالها: طبت حيا وميتا يا رسول الله وما كان ينبغي لي أن أودع بها ستالين أو غيره من الناس واللهم غفرا.. ويمضي خالد في ندمه مسترسلا بأنه حين رثي ستالين لم تكن رائحة طغيانه قد فاحت بعد وكنا نحمد له مناصرته لنا ضد من يستعمروننا, فقد ناصرنا أيام المؤامرة ضد فلسطين والعرب عندما أرسل مع مندوبه في مجلس الأمن نصيحة للنقراشي في أن يقبل مشروع التقسيم قبل أن ينجز الغرب مؤامرته الكبري لتمكين إسرائيل من فلسطين كلها, ووقف مع النحاس عندما ألغي معاهدة36 معلنا مشروعية هذا الإلغاء معترفا بحقنا فيه, وكلف وزير خارجيته بتبليغ النحاس بأن بلاده علي استعداد بمد مصر بالسلاح عندما بدأت المقاومة ضد الإنجليز.. وعندما وقف خروشوف يحكي الكثير من مخازي ستالين ودكتاتوريته سحبت السجادة التي كنت قد فرشتها له وانحنيت عليه باللوم. خالد محمد خالد الإعصار الثقافي الثوري لاستنهاض همة المسلمين ليهبوا ويصنعوا فجرهم المشرق الذي كفله لهم الإسلام الصحيح ونبههم إليه ورسم له الطريق في قرآنه الكريم وسنة نبيه العظيم.. خالد كان هدفه إسلاميا محضا بكل معني الكلمة.. أن تتخلص البلاد من الاحتلال, وأن يتحرر الناس من بطش الحاكم وظلمه, وأن يعاد توزيع الثروة القومية علي أسس اقتصادية علمية تكفل الحياة الكريمة لجميع الناس كل حسب قدراته ومؤهلاته, وأن تتقارب المسافات بين الفقر المدقع والثراء الفاحش, وأن يكون العلم حقا لكل مواطن, وأن تسترد المرأة كيانها الإنساني, وأن يحترم كل إنسان عقيدة الآخر المشارك له في الوطن والوطنية, وأن تشيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم علي جسور الرحمة والمودة واحترام إنسانية الإنسان.. أن يحدث كل ذلك فهذا هو جوهر الإسلام.. من كان في رأيه أن السياسة في الإسلام عبادة, وفي شريعة الإسلام قاعدة خالدة تقول: الحلال ما أحله الله ورسوله, والحرام ما حرمه الله ورسوله, وما سكت عنه فهو مما عفا عنه, فمن لم يقتنع بأن الديمقراطية المعاصرة بخصائصها وعناصرها مما دعا الإسلام إليه وحض عليه فلا أقل من الاقتناع بأنها المسكوت عنه, والمعفو عنه.. خالد السابح ضد التيار الذي تلفع بشجاعته وحدها ووقف يحاور عبدالناصر وهو في عنفوان مجده وذروة قوته ثلاث ساعات سويا في حوار مشهور عام62 كان مسرحه اجتماع اللجنة التحضيرية لمؤتمر قوي الشعب, أما موضوعه فكان العزل السياسي الذي ارتأي عبدالناصر وقتها أن يطبقه علي من رأي أنهم يقفون بأفكارهم وبمصالحهم الخاصة وبارتباطاتهم الأسرية والحزبية ضد ثورة يوليو وأحلامها, وكان خالد علي عكس ناصر يري أن عفو الثورة عن هؤلاء أجدي للثورة ولمسيرتها من كل عقاب.. ثلاث ساعات يجادل عبدالناصر وذاك في حد ذاته كان عملا خارقا ومذهلا.. بعدها خسر المعركة لكنه كسب احترام الجميع وعلي رأسهم ناصر نفسه علي الرغم من أن خالد كان قد أتعبه وأرهقه. وفي حوار صحفي يروي الابن أسامة خالد عن والده فيقول: لقد عاني أبي مدة طويلة من الاكتئاب وتوقف عن الكتابة ما يقرب من عشر سنوات بعد أن بدأت بوادر المرض تزحف إليه في أعقاب موقفه مع عبدالناصر, فقد كان يتصور أنه كان بإمكانه أن يؤثر عليه ويقنعه بالديمقراطية كما أقنعه في مجالات أخري وأثر عليه بشأن تحرر الفلاح والمساواة الاجتماعية التي طالب بها في مواطنون لا رعايا ــ الكتاب الذي اشتري منه عبدالناصر نسخا كثيرة من جيبه الخاص وقام بتوزيعها بنفسه علي زملائه مبديا إعجابه بالكتاب وصاحبه ــ ذهب أبي ليقول كلمته فلم يجد أحدا من أصدقائه بجانبه ولو كان عبدالناصر قد أودعه السجن لكان أرحم من العزلة بين الناس.. خالد النادر في الاعتدال ومراجعة الذات, فقد كان المتدين المعتدل والمثقف الشجاع.. من كانت لديه لباقة الاختلاف مع الاحترام وهو الفارق بين المثقف النزيه الذي يرد بوجهة نظر أخري, والسفيه الذي يقوم بالتجريح.. وما كان أجمل من اختلاف في الرأي عندما قال خالد محمد خالد من هنا نبدأ فرد عليه الشيخ الغزالي ومن هنا نعلم ولم يفسد الاختلاف للود بينهما قضية بل ظلت الصداقة بينهما وطيدة.. وكان قد مضي علي صدور الكتاب المثير من هنا نبدأ ثلاثون عاما عندما كتب خالد في مذكراته بعنوان قصتي مع الحياة يقول: إن حركة الترحيب بالكتاب لاسيما في الخارج جعلتني أسأل نفسي: أتراني قدمت للشائنين علي الإسلام ــ المتحاملين عليه والكارهين له ــ ما أثلج صدورهم وسرهم إلي هذا المدي من الترحيب المريب.. وروي الأستاذ خالد في مذكراته كيف أنه أمضي سنوات يفكر ويناقش مع نفسه الحقيقة الموضوعية والتاريخية لمكانة الإسلام, وبين كونه دينا وكونه دولة وعلي حد تعبيره فإن البحث أفضي به إلي أن هناك فارقا شاسعا ومسافة بعيدة جدا بين الحكومة الدينية والحكومة الإسلامية. فالأولي يضرب لها المثل بحكم الكنيسة في ظلمات القرون الوسطي في القارة الأوروبية, والثانية يضرب لها المثل بحكم الرسول والخلفاء الراشدين, وخلص إلي أن الإسلام لا يعرف الحكومة الدينية التي عرفتها أوروبا في العصور الوسطي واكتوت بنارها حين حكمها البابوات, إنما يعرف الحكومة الإسلامية التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة من احتياجات البشر إلا لبتها وغطتها وقالت فيها كلمة الفصل.. و.. مراجعة الأفكار شيء مختلف عن النفاق بالأفكار, بمعني أن صاحب المراجعة يغير رأيه ويبدله ويتراجع عنه مقتنعا بأنه كان علي خطأ ويحق له التصويب, أما صاحب المنافقة فيغير رأيه ويبد له مع تبدل الظروف ومع اتجاه الريح ولكي يمنح نفسه الأمان.. الأمان الاجتماعي وليس الأمان الفكري. الأمان الذي يجلب له الريالات والدراهم والدينارات. خالد محمد خالد صاحب المدرسة الخاصة في مناقشة الشخصيات الإسلامية التي فيها يتفاعل مع تلك الشخصيات بطريقة درامية, ولو امتد بخالد العمر وعاش في زمن دراما الفضائيات لكان أفضل كاتب للدراما الدينية في العالم العربي كله فقد كان يكتب عن تلك الشخصيات مثل كتابه رجال حول الرسول وكأنه واحد من أهل ذلك الزمان, لم يكن ينظر بعين الطائر المحلق علي العصر الإسلامي الذي يناقشه, لكنه كان يكتب بروح مواطن من تلك العهود ينفعل ويتفاعل مع الأحداث.. وليس في تحليله متدرجا بمشرط وقلب جراح بارد لكنه المنفعل المقتحم الذي يعكس إليك انفعاله وهو في ذلك مختلف عن تحليل العقاد.. يكتب ببلاغة متفردة فتشعر مع كلماته بصوته المجلجل يقدمها لقارئه جاهزة التشكيل وكأنه يريد مساعدته علي صحة قراءتها.. يقدمها له صوت وصورة فتقرأه وأنت تتمشي بصوت عال لتستمتع بالدراما في الهواء الطلق مؤثرا ومتاثرا. حتي النهاية يصعد خالد محمد خالد وهو في السادسة والسبعين علي درجات السلم الحلزوني الضيق لشقته المتواضعة فهو العفيف الذي دافع عن الكويت عند غزوها فاتته حقيبة المكافأة فرفضها في كبرياء أهل العلم, لتشتد به آلام الكبد ولا يجد الأطباء منفذا سوي اللجوء إلي زراعة كبد جديد.. ويطير الخبر لولي عهد المملكة السعودية الأمير عبدالله بن عبدالعزيز فيصدر قراره بعلاجه علي نفقة الدولة.. لكن.. رئيس الوزراء المصري وقتها الدكتور كمال الجنزوري كان قد قرر علاج ابن مصر علي نفقة مصر سواء في الخارج أو الداخل.. ولم تحتمل حالة الفارس الكبير لا المجازفة بالسفر ولا إجراء العملية في الولايات المتحدة, فينتقل ليستقر به المقام يواصل علاجا يواكب تطورات المرض العضال في مستشفي المقاولين العرب بالقاهرة.. ويذهب البابا شنودة ليعوده قبل وفاته بأيام فيدور بينهما الحديث عن صفاء النفس التي عبر عنها البابا بقوله: أحب حياة الخلوة والوحدة مع الله أكثر من الجولان في الأرض, ففي الخلوة تصفو نفس الإنسان ويصفو فكره ويستطيع أن ينتج, وأنا في اعتقادي أن تعب الإنسان يأتيه من داخله وليس من الظروف الخارجية... ويرد خالد محمد خالد: هذا يعني أن الإنسان مشكلته نفسه, وهذه المشكلة قام بحلها الإمام الشافعي رضي الله عنه ببساطة وذكاء في قوله: أتعب ليه؟ وأشقي ليه؟ أنا إن عشت فلست أعدم قوتا, وإذا مت لست أعدم قبرا, فعلام إذا أذل للناس نفسي, وعلام أخاف زيدا وعمرا, همتي همة الرجال, ونفسي نفس حر تري في المذلة كفرا, وهذه المبادئ الثلاثة تخلق أروع وأصدق صيغ الحياة.. ليس أجمل ولا أرغد ولا أفضل من الخلوة مع الله, وقد كان في زمان لنا صديق شاب يدعي سعيد وهو شقيق عبدالقوي باشا وزير الأشغال في وزارة علي ماهر, وكان قد ذهب إلي السودان وحصل علي الجنسية المزدوجة, وأخبرني بقصة لم يقلها لأحد سواي, فلقد دخل خلوة بأمر شيخ وكان يذكر الله ويسبح ويصلي, وأقسم لي أنه في بعض الأيام كان يسمع الحصي تسبح بحمد الله بصوت وحروف وكلمات, وهذه نعمة الله علي كل قارع لبابه سواء أكان مسلما أم يهوديا أم نصرانيا, فالله رب العالمين وربنا مش بتاع أقليات... ويرد البابا شنودة: نحن نؤمن بأن الطبيعة كلها تسبح لله, وفي المزامير يقال السماوات تتحدث بمجد الله, والفلك يخبر بعمل يديه.. ولكن طريقة التسبيح تختلف من كائن لآخر, فطريقة تسبيح الطبيعة تعطي فكرة عن قدرة الخالق وعظمته, وأذكر في مرة عشت فيها في مغارة بالجبل فأحسست بجمال الليل وهدوئه فقلت: هدوء الليل موسيقي وأنغامه تداعبني وصوت الريح في رفق يصب اللحن في أذني ويعقب خالد محمد خالد بآية من القرآن الكريم: وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم صدق الله العظيم. ولا تجف الأسئلة لصاحب الفكر حتي ساعاته الأخيرة: أنا اجتهدت وأصبت وأخطأت.. الإنسان مأساة عظيمة.. لقد كنت فقيرا وراتبي لا يكفيني وأعول ثلاثة أطفال وأعاون إخوتي ولكني عندما كنت أمسك بالقلم كنت أشعر بأنني ملك لأنني جزء من حضور شعبي.. كلنا حطب جهنم التي نوقدها بأيدينا ثم نقول في بلاهة: كوني بردا وسلاما كما كنت علي إبراهيم.. إذا قلنا إن أي كاتب ليس بيده أن يحرك طوبة واحدة في البناء فهو اليأس في أشد درجاته كأن أذهب إلي الطبيب فأجده مريضا.. قل كلمتك لكن لا تفرض كلمتك.. اقرا قراءة الأحرار لا قراءة العبيد.. أقرا لتكتشف نفسك لا تفقد نفسك.. الإيمان بالله ملاذ ولاأقول عزاء.. نحن لا نبدأ من فراغ.. ومن هنا نبدأ.{ رابط المقال http://www.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=wr...tm&DID=9340 أنا لا أكتب الأشـــعار فالأشعـــــــــار تكتبني أريد الصمت كي أحيا ولكن الذي ألقاه ُينطقني رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان