الهوا هوايا!

[Sherief AbdelWahab]

في هذا المقال يحكي أيمن الجندي عن معاناته ومعاناتنا من برامج الهواء في التليفزيون المصري.. قد يخيل إليك أن ما يقوله من نافلة القول.. لكن دققوا أكثر في السطور .. العنوان -كالعادة- من تصرف العبد لله..

الواسطة ربما تضرك من حيث تظن أنها تنفعك .. وقتها ينقلب السحر على الساحر كما حدث معي ..حينما اخترت رقم هاتف مميز نسبيا لم أكن أعلم أن حظي النكد جعلني أتخير رقما شديد التشابه مع هاتف التلفزيون ..ولما كان الرقم يكتب بخط صغير جدا يحتاج لحدة إبصار زرقاء اليمامة - على الأقل- في تلك البرامج اللعينة المذاعة على الهواء فهذا يؤدي لإمطاري بسيل من المكالمات الهاتفية حولت حياتي لجحيم دون أدنى مبالغة .

برامج التلفزيون المصري ليس هدفها – لا قدر الله - رفع مستوانا الثقافي وإنما إلهاءنا عن حقوقنا السياسية المشروعة ولذلك فهي تخاطب نوعية معينة من الشعب ..توشك الاتصالات التي أتلقاها أن تكون من عينة واحدة متشابهة في نطق الحروف ومخارج الصوت ..بسطاء خبزهم الأحلام ..يروق لهم مشاهدة المسلسلات التي تصور تعاسة سكان القصور ورضا ساكني الحارات!! ..أو تلك البرامج الرخيصة تلك التي تستدرج مذيعة حمقاء ضحاياها من السائحين للثناء على مصر بأسئلة لا تحتمل بطبيعتها إلا إجابة واحدة من قبيل المجاملة ..أسئلة من قبيل ( هل مصر حلوة ؟) و( بذمتكم مش مصر أم الدنيا ؟) ..( ما رأيكم في حلاوة جو مصر وآثارها الرائعة؟) .. رغم أننا نصنع كل ما في وسعنا لتطفيشهم والتضييق عليهم حتى يكرهون اليوم الذي فكروا فيه في زيارة مصر . وتكون النتيجة أن المشاهدين يشعرون بالرضا لأنهم ولدوا مصريون باعتبارهم أجدع ناس وأنقذهم حظهم السعيد من أن يولدوا – لا قدر الله - في سويسرا أو السويد مثلا .

,............

نعم .. إذاعة برنامج على الهواء يعني كارثة محققة لي . خذ عندك مثلا : هذا الصوت المتلهف المجنون لرجل محبط ..رجل يضرب أبناءه بانتظام وتشتمه زوجته أيضا بانتظام .. مفلس لا يملك سوى كليتين ينوي بيع أحدهما في أول زنقة ..الكل يستهين به منذ لحظة استيقاظه من النوم ..ماء الصنبور المعكر يستهين به ..رغيف الخبز الرديء يستهين به ..سائق الميكروباس السوابق يستهين به . . باختصار حياة محبطة بلا أدنى أمل في التغيير ..لذلك يجب ألا تلومه إذا حاول الحصول على سعادته البسيطة حينما يسمع صوته في التلفزيون فيشعر أنه ليس فاشلا إلى هذا الحد وأن الحياة ليست سيئة إلى هذا الحد ..لذلك يمسك بسماعة الهاتف في جنون وكأنها حية تتلوى بين يديه ..تدوي دقات قلبه كالطبول ..يطلب رقم التلفزيون بأصابع مرتجفة ..وقد تركزت كل أمانيه في أن يسمع صوت الجرس الطويل السحري ..منتظرا سماع صوت مذيعة ناعمة الصوت ..ترحب به ..تدلله ..تصغي إليه ..تسأله عن اسمه.. آرائه في الحياة ..فتاة أحلامه .. الأشياء التي تضايقه والأشياء التي تسعده ..تمدح حكمته ..تنبهر بآرائه ..تمنحه وجهها كله وربما يخدمه الحظ وتقع في غرامه وتطلب منه الزواج حالا .

لكن هذا لا يحدث لسوء الحظ ..لسبب بسيط وهو أن من يرد عليه هو أنا ..بصوت كئيب ونبرة ملولة ووجه عكر من حسن حظه أنه لا يشاهده هناك حيث يجلس في بيته البسيط ليضع السماعة في خيبة أمل وقد بدأ يفهم لأول مرة كم هي حياة مملة قاسية ..

......................

وبدأت أفقد صبري مع المشاهدين الذي يحاولون الاتصال بالتلفزيون للمشاركة في برامجه التافهة . خطرت على بالي فكرة . ما دمت مرغما على الرد وأتحمل كل هذا الإزعاج فلماذا لا أسلي نفسي ؟

وبالفعل بعد أن كنت أجيب في اقتضاب أن الاتصال خاطئ ..أصبحت أبادلهم الحديث فيدور الحوار كالتالي :

صوت متلهف متهدج : ممكن أشارك في البرنامج؟

فأجيب أنا بصوت هادئ متمهل كله حنكة وعمق - سيادتك عاوز تشارك في البرنامج؟

-في لهفة مجنونة : أيوه أيوه

- برنامج التلفزيون ؟ أقولها أنا متمهلا

- نعم ..نعم

- تقصدين البرنامج المذاع الآن ؟( طبعا أنا لا أعرف أسمه )

- ايوه ايوه ( في لهفة جنونية وارتباك.

- النمرة غلط ...............

فترتبك السيدة أو تضحك حسب نصيبها من تذوق الفكاهة

.................................

وبالتدريج قررت التغيير لمنع الملل فصار الحوار يدور كالتالي

- ممكن أشارك في البرنامج؟

- قصدك البرنامج الذي يدور الآن ؟

- نعم

وبصوت عريض واثق متفائل :تفضلي قولي مشاركتك,, يتلعثم الرجل وكأنه يقوم بأهم عمل في حياته : أحب أقول أننا بنحبك أوي يا مصر ( وهراء كثير من هذا القبيل )

فأقول بصوت قوي جدا لو سمعه المسؤولون لضموني فورا إلى فريقهم المهني : كلنا بنحب مصر ..وأسمح لي أن أحييك على حسك الوطني وأسألك ماذا تريد أن تسمع الآن؟

فيقول مثلا - مصر هي أمي

فأقول له بصوت يكاد يتحول لصراخ صريح - برافو ..مصر أمنا كلنا ..كل سنة وأنت طيب

فيكاد الرجل يغمى عليه من السعادة ويغلق المكالمة منتظرا سماع صوته في التلفزيون ويطول انتظاره..

نعم ..سيطول انتظاره ..وأرجو ألا يكون منتظرا حتى الآن.

هذه نصيحة للجميع ..لا تتصلوا بالتلفزيون لأنني أنا – وليس أي أحدا آخر - من سيجيب عليكم.

http://almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?New...e=13&Part=6

خلص الكلام

[Ahmad Farahat]

شعبنا طيب صحيح بس خلاص بقى بيتفرج عالدش وسايب التليفزيون بتاعنا

ده حتى برامج ما بعد الفطار تكمد

ربنا يرحمنا

خلص الكلام