Taher Deyaa بتاريخ: 6 يناير 2003 تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 6 يناير 2003 هذا مقال للاستاذ صلاح عيسى حول الاصلاح الدستورى http://www.alarabonline.org/display.asp?fn...2%2002:10:35%20? http://www.alarabonline.org/homepage.asp?p1=xsix الجمهورية البرلمانية.. هى الحل بقلم: صلاح عيسي مع أن الدعوة لإدخال إصلاحات دستورية على النظام المصرى القائم، تعود إلى أكثر من خمسة عشر عاما، حين عقدت أحزاب وجماعات المعارضة المصرية، مؤتمر 5 فبراير 1987، إلا أنها عادت لتشغل الرأى العام المصرى من جديد، بعد أن انضم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إلى المطالبين بهذا الإصلاح فى محاضرته التى ألقاها فى افتتاح الموسم الثقافى للجامعة الأمريكية قبل أكثر من أسبوعين بعنوان المستقبل الآن . وتعود الأهمية البالغة لانضمام هيكل إلى دعاة الإصلاح السياسى والدستوري، إلى ما يتمتع به من تأثير واسع فى الرأى العام، فضلا عن أن حديثه قد أذيع على شاشة إحدى القنوات التليفزيونية التى تتمتع بنسبة مشاهدة عالية، وهو ما لم يتح لأحد من المطالبين بهذا الإصلاح، بما فى ذلك قادة الأحزاب السياسية المصرية، على امتداد الأعوام الخمسة عشر الماضية. أما الأكثر أهمية فهو أن هيكل كان موجوداً ومؤثراً على خريطة السلطة المصرية، خلال السنوات التى تتالت خلالها دساتير ثورة يوليو 1953 ـ 1956 ـ 1958 ـ 1964 وقد تناسخت جميعها فى الدستور القائم 1971 ، الذى صدر و هيكل لا يزال قريبا من قمة السلطة، وكان رأيه فيها جميعا إيجابياً، فلا معنى لانضمامه لمطلب الإصلاح الدستوري.. إلا أنه بات يعتقد أن ما كان صالحا للأمس لم يعد صالحا للغد، ثم إن هيكل ـ فضلا عن ذلك ـ محسوب على التيار الناصري، الذى لا يتحمس معظم المنتمين إليه إلى إدخال تعديلات على هذا الدستور، لأنه ـ فى تصورهم ـ يقنن المكاسب التى حققتها ثورة يوليو للجماهير، ومن الوارد أن يكون لموقفه تأثيره على هذا التيار، وعلى غيره من التيارات السياسية التى لم تتحمس بالدرجة الكافية للرؤية الراديكالية التى تطالب بإصلاح دستورى جذري. ولأن هيكل كان ـ مثل كثيرين من المهتمين بالشأن العام ـ شخصية استقطابية، ينحاز له البعض من دون مناقشة ويتحامل ضده آخرون بلا سبب، فأسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن ينحرف الحوار المثمر حول الإصلاح الدستورى والسياسى إلى خلاف ـ لا جدوى منه ـ حول شخصه، أو إلى مباراة فى ضرب الرمل وقراءة الفنجان بحثا عن دوافعه الذاتية لإعلانه فى هذا التوقيت بالذات، أو أن ينشب الخلاف بالكلمات ـ واللكمات ـ حول الحيثيات التى قدم بها لرأيه الجديد وإلى حد ما المفاجئ فتضيع القضية وسط الضوضاء التلقائية أو المتعمدة. ولابد من التسليم أولاً بأن اتفاق هيكل مع المطالبين بالإصلاح الدستورى والسياسي، وترحيبهم بذلك لا يلزمهم جميعاً بالموافقة على التحليل الذى قدم به لموقفه، على الرغم من أنه ينطوى على تغيير لافت للنظر لبعض آرائه السابقة له مثل قوله بأن شرعية ثورة يوليو قد سقطت فى 5 يونيو 1967، وشرعية حرب أكتوبر قد سقطت فى 18 و19 يناير 1977، ففضلا عن أن ذلك هو حقه، وهو أيضا شأنه، فإن الأحزاب والجماعات والشخصيات التى تساند مطلب الإصلاح الدستورى تختلف فى تحليلها للأوضاع الدستورية والسياسية فى مصر خلال نصف القرن الذى انقضي، وتختلف فى تقييمها للحقبتين الساداتية والناصرية، وفى موقفها من السياسات التى يعتمدها الحكم القائم، ولكنها جميعاً تتفق فيما بينها ـ وتتفق مع هيكل ـ على أن دستور 1971 ـ بنصوصه وتطبيقاته وتأويلاته ـ لم يعد صالحاً لضمان تطور مصر تطوراً ديمقراطيا سلميا، وأنه أصبح أضيق من أحلام الشعب المصرى المؤجلة، فى أن يلعب دوراً حقيقياً ومؤثراً فى حكم نفسه بنفسه، فضلاً عن أنه لم يعد يتناسب مع رياح الحرية التى تهب عبر الفضاء الكونى لعالم ما بعد الحرب الباردة، بل وعبر فضاءات دول عربية، ليس لها ما لمصر من تاريخ دستورى وديمقراطى عريق. وقد لا يكون هيكل مسئولاً عن اللبس الشائع فى فهم ما قصد إليه، حين أشار فى سياق تبرير انضمامه إلى المطالبين بالإصلاح السياسى والدستوري، إلى قضية الخلافة والتوريث مرحباً بحرارة وحماس بنفى الرئيس مبارك لما يشاع عن أن هناك اتجاها لتعيين ابنه السيد جمال مبارك نائبا له، لكن آخرين ممن فهموا ـ فيما أظن ـ كلامه على غير ما قصد إليه، يخطئون حين يحصرون قضية الإصلاح الدستورى فى هذه الزاوية الضيقة التى لا تغير من الأمر شيئا، إذ الواقع أن الحكم الجمهورى فى مصر، منذ نشأته هو حكم وراثي، بصرف النظر عن انتفاء صلة الدم بين السلف والخلف، إذ جرت التقاليد، أن يختار الرئيس المصرى القائم للمصريين رئيسهم القادم، وكان ذلك ما فعله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حين اختار أنور السادات نائباً وحيداً له، فتولى الحكم ـ أوتوماتيكيا ـ خلفا له، وحين اختار السادات الفريق حسنى مبارك نائبا وحيدا له، فتولى الحكم ـ أوتوماتيكيا ـ خلفا له، ولو أن الرئيس مبارك، استجاب لإلحاح أقسام واسعة بين النخبة السياسية، لتعيين نائب له، لورث هذا النائب السلطة، بصرف النظر عن اسمه، من دون أن يكون للمصريين دور فى اختيار من يحكمهم. خلاصة الأمر أن قضية الإصلاح الدستورى والسياسي، مطروحة على الاهتمام العام قبل طرح مسألة الوراثة، وهى أوسع مدى وأكثر أهمية وتعقيدا منها، ومن الخطأ أن نحصر المناقشة حولها، فى هذه الزاوية الضيقة، وإلى حد ما الحرجة، خاصة أن كل الأطراف المعنية بالأمر، قد نفت ما أثير بهذا الشأن، لأن الانحصار ـ أو الانحشار ـ داخلها يقودنا إلى شخصنة القضية، مما يعطى الفرصة لإثارة الغبار من حولها ثم إهالة التراب من فوقها. مشكلة الدستور القائم، هو أنه ككل الدساتير التى جاءت بها ثورة يوليو، قد بنى على قاعدة دمج كل السلطات الدستورية، وكل أنشطه المجتمع المدنى فى السلطة التنفيذية، ودمج هذه السلطة التنفيذية فى شخص رئيس الجمهورية، بجمع كل السلطات والمزايا التى تكفلها دساتير الجمهوريات الرئاسية ودساتير الجمهوريات البرلمانية، ووضعها بين يدى الرئيس، مع شطب كل آليات الرقابة والمساءلة المعمول بها فى كلا النوعين من الدساتير الجمهورية، أما حاصل الجمع فهو 33 مادة ـ تشكل 15% من مواد الدستور ـ تعطى الرئيس سلطات يمارسها، من دون أن تكون هناك مادة واحدة تنص على أسلوب محاسبته أو مساءلته عن طريقة ممارسته لهذه السلطات، خروجاً على المبدأ الأصيل لكل حكم دستوري، وهو أن المسئولية ـ أى المحاسبة ـ هى الوجه الآخر للسلطة، فحيث لا رقابة ولا محاسبة، يتوجب ألا تكون هناك سلطة. مشكلة الدستور القائم أنه يطلق حق الرئيس فى الترشيح لمدد بلا انتهاء استثناء من كل الدساتير برلمانية كانت أو رئاسية، من دون أن يكون مسئولاً أمام الشعب على الرغم من سلطاته الواسعة التى هى أقرب إلى سلطات الملك فى الملكيات المطلقة، ومشكلته أنه يبتدع للرئيس مجلساً للوزراء، يحل محله فى المسئولية أمام المجلس النيابي، بينما هو ـ الرئيس ـ الذى يضع السياسة العامة ويشرف على تنفيذها، على نحو يجعل من رئيس الوزراء أشبه برئيس تحرير الحبس، الذى كان شائعاً فى الصحافة المصرية فى العشرينيات، حيث كانت الصحف تختار أحد محرريها ليكون رئيس تحرير صوريا، يتحمل المسئولية القانونية عما ينشر فى الصحيفة، لحماية رئيس التحرير الفعلى من هذه المسئولية. مشكلة مجلس الوزراء أنه مسئول من دون أن تكون له سلطة حقيقية فى رسم السياسة العامة، فهو ينفذ سياسة الرئيس، ومشكلته أن رئيسه ليس مطلق اليد فى اختيار معاونيه من الوزراء، لأن اختيار الوزراء ورئيسهم، هو من سلطة رئيس الجمهورية، الذى يملك ـ كذلك ـ سلطة إعفائهم من مناصبهم، وهذا هو السبب فى أن معظم التشكيلات الوزارية تفتقد للانسجام والتناغم. ومشكلة السلطة التشريعية فى الدستور الحالي، أنها سلطة بلا سلطة، فالوزراء ليسوا مسئولين أساساً أمامها، ولكنهم ـ كما هو الحال فى الجمهوريات الرئاسية ـ مسئولون أمام الرئيس، والحكومة ليست ملزمة بأن تحصل على ثقة المجلس قبل مباشرتها لمسئولياتها، وهو ـ المجلس ـ لا يستطيع أن يسحب الثقة من أحد الوزراء إلا بإجراءات معقدة، ولا يستطيع أن يسحب الثقة من الحكومة كلها، إلا بعد إجراء استفتاء شعبي، وقراره بسحب الثقة من الحكومة لا تترتب عليه أية نتيجة بالنسبة للرئيس، والمجلس فضلاً عن هذا كله، لا يملك أية سلطات توازن السلطات الواسعة للرئيس، كما هو الحال فى كل الجمهوريات الرئاسية التى تتسع فيها سلطات الرئيس، وتقابلها ـ وتوازنها ـ سلطات خاصة للمجلس التشريعي، كما هو الحال فى الكونجرس الأمريكي، ومدة محددة للرئاسة لا تزيد على أربع سنوات، ولا تجدد إلا مرة واحدة.ومن الإنصاف للنظام الحاكم فى مصر أن نعترف بأنه ليس وحده الذى يقاوم فكرة الإصلاح السياسى والدستوري، بل إن هناك أحزاباً وتيارات سياسية كانت ـ ولا يزال بعضها ـ تقاوم أى تعديل للدستور، وفى حين تعلل النظام بأنه لا يستطيع أن يفتح باب الإصلاح الدستورى قبل إتمام الإصلاح الاقتصادي، وقبل القضاء على الإرهاب، فقد تذرع بعض الناصريين واليساريين بأن تعديل الدستور يقضى على المكاسب التى حققتها ثورة يوليو للعمال والفلاحين، والتى تضمنتها بنوده، وتذرع بعض القوميين بأن كل تعديل للدستور ينتهى بإضعاف السلطة التنفيذية سوف يؤثر فى الأمن القومى ويضعف من قدرة مصر على مواجهة المؤامرات الامبريالية والصهيونية، وخشى بعض المنتمين للتيار الإسلامى من أن يشمل التعديل المادة التى تقضى بأن الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، وتراجعت كل محاولات العمل المشترك بين القوى السياسية والأحزاب من أجل الاتفاق على برنامج موحد للإصلاح السياسى والدستوري. وخلال الأعوام الخمسة عشر الماضية تراوحت مطالب هذا الإصلاح بين الاكتفاء بإدخال إصلاحات على قانون الانتخابات تكفل نزاهتها وتحصنها ضد التلاعب والتدخل الإداري، وبين المطالبة بإدخال تعديلات جزئية على الدستور القائم، مثل انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه بين أكثر من مرشح، على أن يكون مستقلاً عن الأحزاب، لترتفع إلى المطالبة بتغيير الباب الرابع من الدستور ـ وهو الخاص بالسلطات ـ لتتحول مصر من جمهورية رئاسية إلى جمهورية برلمانية، ثم وصلت إلى ذروتها بالمطالبة بدستور بديل، يستند إلى مشروع الدستور ـ الذى وضعته لجنة الخمسين فى عام 1954، وهو مشروع يضمن للشعب حريات ديمقراطية واسعة على الصعيدين السياسى والاجتماعي، ويطمئن جميع الأطراف التى ترى ـ أو تتوهم ـ أن فى الدستور الحالى مكاسب سوف يطيح بها أى تعديل دستوري، أو دستور جديد، إلى مكاسب أعظم وأكثر شمولاً. وربما تكون لدى النظام المصرى الحالي، ذرائع تدفعه إلى الحفاظ على الوضع الدستورى الراهن، ولكنه ليس وحده المسئول عن ذلك، إذ المسئول معه أو قبله، هى النخب المصرية السياسية والفكرية، التى لا تزال حتى الان عاجزة عن التوصل لتصور مشترك لهذا الإصلاح، وحشد الجماهير حوله، مشغولة بكل ما يجرى فى العالم، عن الحلقة الرئيسية فيما تواجهه مصر من مصاعب، وهو أن يعود شعبها ليحكم نفسه بنفسه، بعد نصف قرن، طرد خلاله خارج الحلبة! آن الأوان لكى تحتشد النخب المصرية حول برنامج للإصلاح الدستورى الجذري، يحول مصر إلى جمهورية برلمانية، يفصل دستورها بين سلطة السيادة ليتولاها رئيس للجمهورية بلا سلطات تنفيذية، يكون حكما بين السلطات، ورمزا للبلاد، وبين سلطة الحكم للتتولاها حكومة تتشكل من الحزب أو الأحزاب التى تفوز بالأغلبية البرلمانية فى انتخابات حرة نزيهة، وتحصل على ثقة البرلمان قبل أن تمارس أعمالها، تضع السياسة العامة، وتكون مسئولة أمام ممثلى الشعب عن تنفيذها، ضمن منظومة من المؤسسات الدستورية، تشمل محكمة دستورية ذات صلاحيات كاملة، وحكما محليا يتمتع بسلطات حقيقية، وأجهزة رقابة على المال العام مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية، فى ظل نصوص تضمن كل الحريات والحقوق، من حرية الصحافة إلى حرية التظاهر، ومن الحق فى الإضراب، إلى الحق فى النوم بمعدة ممتلئة. ومع أن كثيرين قد يختلفون مع المقدمات التى ساقها هيكل فى التمهيد لبيان انضمامه إلى دعاة الإصلاح الدستورى والسياسي، إلا أن أحدا منهم لا يختلف على أهمية هذا الانضمام، الذى يأملون أن يتسع نطاقه لتشمل الدعوة لهذا الإصلاح، فضلا عن مصر، كل أنحاء الأمة العربية، التى آن الأوان لكى تجدد نظمها السياسية وتحولها إلى نظم ديمقراطية، قبل أن يجبرها على ذلك من لا ترد له طلبا أو تتحمل منه ضغطا، كما يأملون أن يواصل هيكل اهتمامه بالموضوع ومساهمته فى الحوار حوله، حتى لا يبدو وكأن محاضرته فى الجامعة الأمريكية، هى مجرد رسالة من تحت المنضدة، أراد لسبب ما أن يوجهها لجهة ما، وهو هدف ننزهه عنه، لأنه أصغر من الموضوع ومن كل الأطراف رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Taher Deyaa بتاريخ: 6 يناير 2003 كاتب الموضوع تقديم بلاغ مشاركة بتاريخ: 6 يناير 2003 ربما نحتاج لاكمال الصوره التى رسمها المقال السابق ان نساءل هل بالمجتمع قوى سياسيه اخرى ناضجه للعمل قد تكون الاجابه فى المقال التالى للاستاذ صلاح عيسى http://www.alarabonline.org/homepage.asp?p1=xsix نار المتخشبين..ولا جنة الأصوليين بقلم: صلاح عيسي عقدة الإصلاح السياسى والدستورى فى مصر والعالم العربي، لا تكمن فقط فى أن الذين يحوزون مقاعد السلطة قد تخشبوا ـ أو تجبسوا ـ عليها، كما يذهب محمد حسنين هيكل ، ولكنها تكمن ـ كذلك ـ فى أن معظم التيارات الفكرية الرئيسية فى المجتمعات العربية ـ ومنها مصر ـ قد تجبست وتخشبت عند الأفكار والممارسات، التى كانت عليها منذ نصف قرن، بل وقفز بعضها إلى الخلف عقوداً وقرونا من الزمان. ذلك حكم يستوى فيه الإسلاميون بالماركسيين، والناصريون بالقوميين، والليبراليون بالشموليين.. ونظرة عابرة على الاشتباكات التى تدور على الساحة الفكرية والسياسية المصرية والعربية، تكشف عن أن الإسلاميين لم يتوقفوا ـ فحسب ـ عند أفكار حسن البنا ـ الذى غادر الدنيا منذ أكثر من نصف قرن، بل وارتد نصفهم على الأقل إلى أفكار بن تيمية الذى غادر الدنيا منذ أكثر من سبعة قرون.. وأن الماركسيين لم يتوقفوا عند أفكار خروشوف الذى غادر الساحة منذ أربعة عقود، بل وارتدوا إلى الأفكار التى أذاعها ستالين فى العشرينيات والثلاثينيات، وأن الناصريين والقوميين لا يزالون يرابطون عند أفكار ميثاق العمل الوطني، الذى كان عبدالناصر ينوى تغييره عام 1970، فلما غادر الدنيا فى ذلك العام، لم يفكروا فى تجديدها خشية أن يتهموا بالإساءة إلى ذكرى الزعيم خالد الذكر. أما الليبراليون الذين حاصرتهم طوال نصف القرن الذى انقضى هتافات: بالروح.. بالدم.. نفديك يا فلان فقد أفقدهم طول الحصار كل قدرتهم على تحريك مفاصلهم وعقولهم.. فتجبسوا على ما كانوا عليه، تطبيقا للمثل الشعبى الذى يقول: اللى يشوف خشب ولا يتخشبش ربنا يحاسبه. وسواء كان الذين يجلسون على مقاعد السلطة، هم الذين بدأوا بالتخشب، فتبعهم الذين يسيرون فى الشارع السياسى بالتجبس أو كان العكس هو الذى حدث، فالخلاصة هى أننا نعيش فى أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، من المحيط المجبس إلى الخليج المخشب! ولأن النظام السياسى العربي، وفى مقدمته النظام المصري، مبسوط بجبسه، سعيد بخشبه، فإن محاولة شفائه من حالته صعبة ولكنها ليست مستحيلة، إذا ما بدأت القيادات السياسية الرئيسية فى الوطن العربى بعلاج نفسها والخروج من التخشيبة التى حبست أو جبست فيها، وأعادت النظر فى أفكارها، لتصوغ كل منها مشروعها للحاضر وللمستقبل، ثم تتفق على برنامج مشترك للإصلاح السياسى والدستورى العربي، تسعى لحشد الجماهير من حوله، وتضغط به وبها على النظام العربي، حتى تحرره من محبسه ومجبسه! وربما كانت تيارات الإسلام السياسى على رأس الذين يتوجب عليهم أن يراجعوا اجتهاداتهم الفكرية، وأن يعيدوا النظر فى خطابهم السياسي، ليس فقط لأن هذا الخطاب ـ بعد الانتكاسات التى تعرض لها خلال الأعوام الخمسين الماضية ـ هو أحد أهم الذرائع التى يتعلل بها النظام السياسى العربي، لكى يبقى على حالته الراهنة.. ولكن ـ كذلك ـ لأنه خطاب يخيف آخرين من طوائف المجتمع ومن تياراته الفكرية والسياسية، يخشون أن ينتهى أى إصلاح سياسى ودستورى بإقامة دولة دينية.. لا شك لديهم، ولا لدى غيرهم، فى أنها سوف تعتبر كل من يخالفها فى الدين أو فى المذهب أو فى الرأي، كافرا يتوجب تطبيق حد الردة عليه، وهو ما يدفع هؤلاء الخائفين إلى تأييد النظم العربية الاستبدادية القائمة، استنادا إلى قاعدة شر أهون من شر، واستبدادى عجوز جربته وتعرف حدوده، خير من استبدادى شاب لم تجربه.. ولا حدود له، خاصة أن كليهما متخشب.. ومتجبس! الظاهرة التى تلفت النظر هى أن المنتمين للتيار الإسلامي، هم أول الأصوات التى ما تكاد تسمع شعار الإصلاح السياسى والدستوري، حتى تسارع بحماس شديد لتأييده، بما فى ذلك الأجنحة المتشددة من الحركة الإسلامية، التى كانت ـ حتى سنوات قليلة مضت ـ تعتبر الديمقراطية وكل آلياتها ـ بما فيها الدساتير والأحزاب والبرلمانات ـ خروجاً على مبدأ الحاكمية لله الذى لا يجيز للبشر أن يشرعوا لأنفسهم بأنفسهم، لأن ذلك خضوع لحكم الطاغوت، فإذا بأجنحة من هذا التيار المتشدد، تعدل فجأة عن موقفها السابق، بل وتسعى لتشكيل أحزاب سياسية، وإذا بالكل يتصدرون مواكب المطالبين بالإصلاح الدستوري. ولعلها ليست مصادفة أن هؤلاء جميعاً يردفون مطالبتهم بالإصلاح الدستورى بالدعوة للانتقال إلى صناديق الانتخاب حالا بالا، وهم على ثقة بأن توطن الاستبداد الذى أضعف منافسيهم وأشاع الأمية السياسية بين الجماهير، سوف يتيح لهم الفرصة للقفز على السلطة، بالانتخاب لا بالانقلاب، وبالديمقراطية لا بالإرهاب، فيعيدون الحاكمية لله ويغتصبون لأنفسهم حق النيابة عنه، ويحرمون كل المختلفين معهم فى الدين أو المذهب أو الرأى السياسى من التعبير عن أنفسهم، وربما من الحياة نفسها، باعتبارهم كفرة، وبذلك تخلو الساحة إلا منهم، ليتجبسوا على مقاعد الحكم ويتخشبوا عليها، وكأنك يا أبا زيد ما قاومت استبداداً ولا أصلحت دستوراً. وتخطئ الحركات الإسلامية ـ المعتدلة والمتشددة ـ إذا تصورت أن هذه المناورة الساذجة يمكن أن تجوز على أنظمة الحكم العربية، أو على الفرقاء المعنيين بقضية الإصلاح السياسى والدستوري، بحيث يمكنونهم من تحقيق هذا الهدف، بكل هذه البساطة، وإذا لم يسارعوا لفتح باب الاجتهاد الحقيقى لصياغة رؤية متكاملة وواضحة، تضمن لها وجوداً ثابتاً على الخريطة السياسية المصرية والعربية، بعيدا عن الهواجس المشروعة التى تحيط بموقفها من الدولة المدنية الدستورية، التى لم يعد هناك مفر من الاعتراف بأنها الصيغة الوحيدة التى تضمن حقوق وحريات كل أطياف الجماعة الوطنية، بأديانها ومذاهبها وأحزابها ومعتقداتها السماوية والأرضية. ولأن الأساس فى الدولة المدنية الدستورية هو أنها دولة مواطنة، تقوم على قاعدة المساواة بين جميع مواطنيها فى الحقوق والواجبات، وتحظر التمييز بينهم بسبب النوع أو اللون أو المعتقد، فإن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات تسفر عن أغلبية، والأغلبية لا تمنح لمن يحوزها الحق فى أن يفعل ما يشاء، حتى لو انقلب على الأساس الذى يقوم عليه الدستور، أو صادر ـ بعض أو كل ـ حقوق المواطنة. تلك هى نقطة الارتكاز التى لابد أن تنطلق منها الحركات الإسلامية لمراجعة خطابها الفقهى والسياسي، إذا أرادت أن تزيل الهواجس المشروعة التى تشكك فى إخلاصها لقضية الديمقراطية وفى جدية انضمامها للمطالبين بالإصلاح السياسى والدستوري، والأهم من هذا وذاك أن تنتزع من النظم العربية أقوى وأهم الذرائع التى تستند إليها للإبقاء على الوضع الراهن، بدعوى أن كل إصلاح دستوري، سوف ينتهى باستيلاء الأصوليين الإسلاميين على السلطة ليقضوا على الدساتير والبرلمانات ويقيموا دولة دينية يدعى حكامها أنهم غير مسئولين أمام الشعب، بل أمام الله! بصراحة أكثر فإن زعم الحركات الإسلامية بأنها تقبل بالصيغة الديمقراطية وتتحمس لمطلب الإصلاح الدستوري، يتناقض بشكل واضح، مع إعلانها بأنها ضد العلمانية وإصرارها على التشهير بها، وتصويرها ـ أمام عوام المسلمين ـ باعتبارها كفرا وإلحاداً، وهو ما يؤكد أنهم ـ على عكس ما يعلنون ـ يسعون بالفعل لتأسيس دولة دينية.. فالعلمانية ـ فى مفهومها السياسى والديمقراطى ـ لا تتناقض مع الدين، ولكنها تتناقض مع الدولة الدينية.. وهى ـ فى هذا السياق ـ ترجمة للمبدأ الدستورى المعروف الأمة مصدر السلطات الذى تقوم عليه البرلمانات والمجالس التشريعية، فلا معنى لرفض الحركات الإسلامية للعلمانية، إلا أنها ترفض كل شكل من أشكال التمثيل النيابي، انطلاقا من فقه الطاغوت الذى يعتبر أن تشريع الناس لأنفسهم بأنفسهم هو عدوان على حاكمية الله . ولأن الدولة المذهبية لا تستطيع بحكم طبيعتها إلا أن تضطهد المخالفين لها فى الدين أو المذهب أو الرأي، فإن علمانية الدولة شرط للمساواة بين مواطنيها فى الحقوق والواجبات وأمام القانون، بصرف النظر عن أنواعهم أو ألوانهم أو أديانهم أو مذاهبهم الدينية والأرضية، ورفض بعض الحركات الإسلامية للعلمانية لا معنى له، إلا أنها ـ إذا ما وصلت إلى الحكم عبر آليات الديمقراطية ـ لن تلتزم بصيانة حقوق المواطنة، وأنها سوف تميز بين المواطنين حسب أديانهم ومذاهبهم وهو ما يثير مخاوف الأقليات الدينية والمذهبية، فيفقدها الحماس لتأييد كل مشروع جذرى للإصلاح الدستورى والسياسي.. بل ربما يدعوها إلى مساندة النظم القائمة، والدفاع عن بقاء الحال على ما هو عليه. ورفض الحركات الإسلامية للعلمانية لا معنى له إلا أنها ترفض كل الأحزاب والتيارات السياسية غير الإسلامية، وتعتبرها.. طبقا لمفهومها غير الصحيح للعلمانية أحزابا كافرة، وأنها ـ على عكس ما تدعى ـ ترفض التعددية الحزبية وتؤمن بأنه لا يجوز أن يكون هناك مع حزب الله حزب آخر.. وفى أحسن حالاتها الديمقراطية، فإن هذه الحركات ـ كما قال أحد أقطابها منذ سنوات ـ تقبل بتعدد الأحزاب، بشرط أن تكون مرجعية هذه الأحزاب مرجعية إسلامية، ومعنى هذا أن الإصلاح الدستورى الذى تدعو إليه، يقوم على الحزب الواحد فى قالب تعددي، وبذلك ترتد إلى العهد الذى كانت ترتفع فيه شعارات كلنا الاتحاد القومى و كلنا الاتحاد الاشتراكى وكأنك يا أبا زيد ما أصلحت دستوراً ولا أنهيت استبداداً. ويرتبط بذلك كله، موقف الحركات الإسلامية من حرية العقيدة، التى تحتل مكانة متميزة ضمن باقة الحقوق والحريات العامة فى النظم السياسية للدول المدنية الديمقراطية، حتى أن دساتير هذه الدول درجت على أن تفرد لها مادة خاصة بها تنص عادة على أن حرية العقيدة مطلقة من دون أن تردفها بعبارة فى حدود القانون ـ كما هو الحال فى غيرها من النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات ـ حتى لا تعطى السلطة التشريعية حق إصدار قوانين لتنظيم ممارستها، تستغلها السلطة التنفيذية للعصف بها. وفضلاً عن أن حرية العقيدة، هى أساس كل الحريات، من حرية الرأى والتعبير، إلى حرية الإبداع الأدبى والفنى والبحث العلمي، فهى أساس ـ كذلك ـ لكفالة الحق فى المواطنة، وفى مساواة المواطنين جميعاً أمام القانون، ومع ذلك فلا تزال أقسام واسعة من الحركة الإسلامية ترفض الاجتهاد الصحيح الذى يذهب إلى أن القرآن الكريم، قد أطلق ـ بنصوص صريحة فيه ـ حرية العقيدة بلا حدود، وقبل أن تأخذ بها الدساتير المعاصرة بقرون، ولا تكف عن المطالبة بتطبيق حد الردة ـ المختلف عليه بين فقهاء المسلمين ـ على كل من يختلف معها فى الاجتهاد سواء كان الخلاف حول قضايا دينية أو قضايا دنيوية. تلك بعض القضايا المحورية التى آن الأوان لكى تفتح الحركات الإسلامية باب الحوار من حولها لتصوغ بشأنها رؤى جديدة، ومن المؤكد أنها سوف تجد فى نصوص القرآن الكريم وفى اجتهادات المجددين الإسلاميين المحدثين والمعاصرين، وفى تجاربها وتجارب غيرها من الحركات الإسلامية، ما يمكنها من التوصل إلى نظرية سياسية تكفل لها حقها المشروع، كأحد القوى الوطنية فى التواجد الشرعى على الخريطة السياسية لدولة مدنية ديمقراطية تصون حقوق كل الأطراف. بالاجتهاد والشفافية، لا بالمناورة والتذاكى والسعى لخديعة الآخرين تستطيع الحركات الإسلامية أن تقدم دعماً حقيقياً لقضية الإصلاح السياسى والدستوري، إذ لو بقى موقفهم على ما هو عليه، فإن كثيرين ـ وخاصة فى صفوف النخبة ـ سيفضلون نار المتخشبين عن جنة الأصوليين! رابط هذا التعليق شارك المزيد من خيارات المشاركة
Recommended Posts
انشئ حساب جديد أو قم بتسجيل دخولك لتتمكن من إضافة تعليق جديد
يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق
انشئ حساب جديد
سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .
سجل حساب جديدتسجيل دخول
هل تمتلك حساب بالفعل؟ سجل دخولك من هنا.
سجل دخولك الان